موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 188590
تحميل: 8737


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188590 / تحميل: 8737
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

العاصمة العالمية للدولة المهدوية.

وسيتَّخذ المهدي - كما يظهر من الأخبار - من مساجدها منطلقات للحكم والإرادة، فجامع الكوفة مجلس حكمه، وهو ما يقابل قصر الرئاسة أو البلاط بلغة العصر الحاضر، ومسجد السهلة بيت المال، وهو ما يقابل وزارة المالية في الدولة المعاصرة، وأمَّا موضع عبادته وخلواته مع الله عزَّ وجلَّ فهو الذكوات البيض ( بين الغريَّين ) وهو النجف الأشرف، موضع قبر جدِّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، ولم يكن عصر صدور هذه الأخبار مناسباً للدول في التفاصيل الإدارية أكثر من ذلك.

وليس اتخاذ المهدي المساجد مركزاً للإدارة أمراً غريباً، فإنَّ فكرة المساجد في الإسلام أُسِّست على ذلك، فإنَّ المساجد ليست ببنيانها وجمال شكلها، فإنَّ هذه ممَّا عليه سيشطب عليه المهدي (ع)... وإنَّما هي بما تؤدِّيه للإسلام والمجتمع العادل من خدمات ومنافع، وهل هناك أعظم منفعة من إدارة الدولة العالمية العادلة؟! إنَّها دولة أرادها الله، فينبغي أن تُدار من بيوت الله.

هذا، وقد تعرَّضت هذه الأخبار إلى وضع المهدي (ع) الجزية على أهل الكتاب، وهذا ما سنسمعه تفصيلاً في الفصل الآتي بتوفيق الله عزَّ وجلَّ.

الخاتمة الثانية: في المـُنجزات العلمية – بالمصطلح الحديث – لدولة المهدي (ع).

وهذا ممَّا لا يمكن فَهمه بالصراحة من الأخبار، باعتبار ضرورة موافقة ظواهر الكلام مع المجتمع الذي يصدر فيه، وحيث لم يكن في ذلك المجتمع الأول أثر للصناعات والآلآت الحديثة، لم يكن من الممكن أن يرد في الأخبار ذكر واضح لها، أو أن نتوقَّع منها التصريح باسمها وصفتها، وإنَّما كل ما يمكن تصيُّده من الأخبار، بعض العبارات الرمزية المـُتفرِّقة التي ترمز إلى وجود الأجهزة الحديثة في دولة المهدي (ع)، بل هناك من الأخبار ما يدلُّ على وجودها قبل الظهور أيضاً في عصر الظلم والانحراف، وهذا هو الذي نعرفه الآن بالوجدان من الوضع الصناعي لعصورنا الحاضرة.

ولأجل استيعاب ما دلَّت عليه الأخبار في هذا الصدد، نودُّ أن نتحدَّث عن كلا العصرين: عصر ما قبل الظهور، وعصر ما بعده، ولذلك نتكلَّم في جهتين.

٥٨١

الجهة الأُولى: ما دلَّت عليه الأخبار من وجود الصناعات والأجهزة الحديثة في عصر ما قبل الظهور:

أخرج مسلم في صحيحه(1) ، بإسناده عن يزيد بن جابر، عن رسول الله (ص) حديثاً طويلاً يذكر خلاله يأجوج ومأجوج، فيقول: (... ثمَّ يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس، فيقولون: لقد قتلنا أهل الأرض، هلمَّ فلنقتل مَن في السماء، فيرمون بنشَّابهم إلى السماء، فيردُّ الله عليهم نشَّابهم مخضوبة دماً ).

وأخرج أبن ماجة(2) حديثاً طويلاً، يتحدَّث خلاله عن يأجوج ومأجوج، ويذكر أنَّهم يقولون: (... هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، ولنُنازلنَّ أهل السماء. حتى إنَّ أحدهم ليهزَّ حربته إلى السماء، فترجع مُخضَّبة بالدم، فيقولون: قد قتلنا أهل السماء، أو يقولون - بلفظ الحاكم(3) -: قهرنا أهل الأرض وغلبنا من السماء قوَّة وعلوَّاً ).

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(4) ، بإسناده عن النزال بن سبرة قال: خطبنا علي بن أبي طالب (ع)، فحمد الله عزَّ وجلَّ وأثنى عليه، وصلَّى على محمد وآله، ثمَّ قال: ( سلوني - أيُّها الناس - قبل أن تفقدوني - ثلاثاً - ).

فقام إليه صعصعة بن صوحان، فقال: يا أمير المؤمنين، متى يخرج الدجَّال؟

والحديث طويل، وفيه من صفات الدجَّال أنَّه ( يخوض البحار، وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض يرى الناس أنَّه طعام، يخرج في قحط شديد تحته جمار أقمر، خطو حماره ميل، تُطوى له الأرض مَنهلاً مَنهلاً... يُنادي بأعلى صوته، يُسمع ما بين الخافقين... يقول: إليَّ أوليائي.. أنا الذي خلق فسوَّى وقدَّر فهدى، أنا ربُّكم الأعلى... - ثمَّ يذكر دابة الأرض، ويقول عنها: - ثمَّ ترفع الدابة رأسها فيراها ما بين الخافقين... )

____________________

(1) ج8 ص199.

(2) السُّنن ص1364.

(3) المـُستدرك ج4 ص 488.

(4) انظر إكمال الدين ( نسخة مخطوطة ).

٥٨٢

الحديث.

ولا ينبغي للقارئ أن ينسى فَهمنا ليأجوج ومأجوج والدجَّال، فإنَّهما بوجودهما المعاصر، وجهان للحضارة المادِّية الحديثة، وأمَّا إعطاء الفهم المتكامل لدابة الأرض، فهو ما سيأتي في الباب الأخير من هذا التاريخ.

وقد أوضحنا بجلاء - خلال حديثنا عن يأجوج ومأجوج - أنَّ المراد من السهام التي يرمونها إلى السماء الصواريخ الكونية، وإنَّما كرَّرنا الرواية لتلتحق هنا بنظائرها من هذه الناحية.

وأمَّا الصفات المـُعطاة للدجَّال، فهي بعد البرهنة على استحالة صدور المعجزة من المـُبطلين، يتعيَّن حملها على المعاني الطبيعية المناسبة.

فهو يخوض البحار، وهذا ما حدث فعلاً، فقد خاضت المدنية الحديثة في أعماق البحار، وسيَّرت البواخر على سطحه بكثرة مُسرفة.

( وتسير معه الشمس )، في الأغلب أنَّ هذا تعبير عن السلاح الذي يُرهب الدجَّال به العالم، وهو القنبلة الذرِّية أو الهيدروجينية، من حيث إنَّ حرارتها عالية جدَّاً كالشمس.

و( بين يديه جبل من دخان )، وما أكثر الدخان في المدنية الحديثة، في الحرب والسلم معاً، كما هو واضح، وكله يبدو في مصلحة هذه المدنية.

و( خلفه جبل أبيض يرى الناس أنَّه طعام )، أنَّه بهارج هذه المدنية وملذَّاتها، يرى الناس أنَّها جميلة وعظيمة، وليس ورائها في الواقع إلاَّ الانحلال والدمار.

و( تحته حمار أقمر، خطو حماره ميل )، وهذا تعبير جميل عن الشعارات والمفاهيم التي استطاعت المدنية والحضارة الحديثتان أن تسير بهما في العالم، وهي شعارات واسعة الانتشار سريعة السير.

والدجَّال ( تُطوى له مَنهلاً مَنهلاً )، وذلك عن طريق وسائل النقل الحديثة، الأرضية والجوية على حدٍّ سواء، فإنَّ طيَّ الأرض يتضمَّن معنى سرعة السير، وبعد نفي احتمال المعجزة تتعيَّن صحَّة هذا الفهم.

( يُنادي بأعلى صوته، يُسمع ما بين الخافقين ) ليس لأنَّ صوته مرتفع إلى هذا الحدِّ!! بل لأنَّه يستعمل أجهزة الإعلام الحديثة، بما فيها النجوم الإذاعية ( التلستار ).

وأمَّا دابة الأرض، فهي ( ترفع رأسها، فيراها ما بين الخافقين )، عن طريق البثِّ

٥٨٣

التلفزيوني بطبيعة الحال.

ولا ينبغي هنا أن نغفل ما قلناه سابقاً، من وجود التنبُّؤ في الأخبار بالنقل الجوِّي في عصر ما قبل الظهور، حيث سمعنا عن كيفيَّة تجمُّع أصحاب الإمام المهدي (ع) عند ظهوره، وكان منهم مَن( يسير في السحاب نهاراً ) ، وهو تعبير عن الطائرات، كما سبق أن برهنَّا.

فهذا هو ما يحدث في عصر ما قبل الظهور، وهو - بطبيعة الحال - سوف يبقى مُستمرَّاً إلى ما بعد الظهور، حتى لو حدثت حرب عالمية، كما سبق أن أوضحنا، فإنَّها إنَّما تقضي على المراكز العسكرية والعواصم المـُهمَّة في العالم، وأمَّا الصناعات الحديثة وعدد من خبرائها فلا موجب لاستئصالها، وسيكون ذلك نواة صالحة للتشجيع من قِبل الدولة المهدوية، على البلوغ بالصناعات الحديثة إلى مراتب أعلى وأسمى وأدقَّ. وجعل هذه الصناعات مواكبة مع الأهداف العُلْيا المـُتبنَّاة من قِبل الدولة وقائدها.

الجهة الثانية: فيما دلَّت عليه الأخبار من وجود الأجهزة والصناعات الحديثة في عصر ما بعد الظهور.

روى الصافي في مُنتخب الأثر(1) ، عن أبي الربيع الشامي، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إنَّ قائمنا إذا قام مدَّ الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتى لا يرون ( لا يكون ) بينهم وبين القائم بريد يُكلِّمهم، فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه ).

وروى الصافي أيضاً(2) ، والمجلسي في البحار عن ابن مسكان، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: ( إنَّ المؤمن في زمان القائم، وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق ).

____________________

(1) ص483.

(2) نفس الصفحة.

(3) ج13 ص200.

٥٨٤

وأخرج النعماني في الغيبة(1) ، عن أبان، عن أبي عبد الله (ع) في حديث أنَّه قال: ( ويبعث الله الريح من كل وادٍ تقول: هذا المهدي، يحكم بحكم داود... ) الحديث.

وقد سبق أن رويناه.

وأخرج في البحار(2) ، عن جابر بن أبي جعفر (ع) في حديث عن المهدي (ع) أنَّه قال: ( إنَّما سُمِّي المهدي لأنَّه يهدي إلى أمر خفيٍّ، حتى إنَّه يبعث إلى رجل لا يعلم الناس له ذنب فيقتله، حتى إنَّ أحدهم يتكلَّم في بيته، فيخاف أن يشهد عليه الجدار ).

وأخرج أيضاً(3) ، عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ( كأنَّني بالقائم على ظهر النجف... - إلى أن قال: - ثمَّ يركب فرساً له أبلق بين عينيه شمراخ ينتفض به، لا يبقى أهل بلد إلاَّ أتاهم نور ذلك الشمراخ، حتى يكون آية له... ) الحديث.

وأخرج النعماني في الغيبة(4) ، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (ع) في حديث عن القائم يقول فيه: ( ويركب فرساً له أدهم أبلق، بين عينيه شمراخ، فينتفض فيه انتفاضةً، لا يبقى أهل بلد إلاَّ وهم يرون أنَّه معهم في بلدهم... ) الحديث.

وأمَّا أخبار طيِّ الأرض للمهدي، فهي عديدة نذكر منها:

أخرج الصدوق في إكمال الدين(5) ، عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر، محمد بن علي الباقر (ع) يقول: ( القائم منَّا، منصور بالرعب مؤيَّد بالنصر، تُطوى له الأرض... ) الحديث.

____________________

(1) ص169.

(2) ج13 ص200.

(3) المجلد والصفحة.

(4) ص166.

(5) انظر المخطوط.

٥٨٥

وأخرج أيضاً(1) ، بإسناده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى (ع):

إنِّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً.

فقال: ( يا أبا القاسم، ما منَّا إلاَّ وهو قائم بأمر الله عزَّ وجلَّ وهادٍ إلى دين الله، ولكنَّ القائم الذي يُطهِّر الله عزَّ وجلَّ به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملؤها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفى على الناس ولادته... وهو الذي تُطوى له الأرض... ) الخبر.

وأخرج الطبرسي(2) ، بسنده إلى علي بن الحسين بن خالد، قال: قال الرضا (ع) - في حديث طويل عن المهدي (ع) -: ( وهو الذي تُطوى له الأرض ).

إلى غير ذلك من الأخبار.

وهذه الأخبار واضحة الدلالة - وبشكل مُتكرِّر - على استعمال البثِّ التلفزيوني في الدولة المهدوية، فالإمام المهدي نفسه يستعمله، وربَّما يُكثر من استعماله، حتى ( لا يبقى أهل بلد إلاَّ وهم يرون أنَّه معهم في بلدهم )، وحتى ( لا يكون بينهم وبين القائم بريد )، وهي مسافة مُعيَّنة من الأرض بالمسح القديم، ومن المعلوم أنَّ الصورة التلفزيونية أقرب إلى الناظر من هذه المسافة بكثير، غير أنَّ عصر صدور هذه الأخبار لم يكن ليسمح بالبيان أكثر من ذلك، والحديث قد نفى أن يكون بينهم وبينه مقدار بريد، فقد لا تتجاوز المسافة الناظر والصورة أكثر من مترين.

وعن هذا الطريق ( يُكلِّمهم فيسمعونه، وينظرون إليه وهو في مكانه ).

انظر لصراحة الخبر الصادر قبل أكثر من ألف عام في ذلك، إنَّه في الواقع لا زال في مكانه، ولكنَّ البثَّ التلفزيوني ( الحي ) يجعلهم يسمعون كلامه وينظرون إليه، وليس في الخبر أنَّهم يُكلِّمونه لتعذُّر ذلك تلفزيونياً.

وليس استعمال هذا البثِّ مُقتصراً على الإمام المهدي، بل يشمل سائر الأخوَّة في الإيمان حيث نجد ( أنَّ المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في

____________________

(1) المصدر المخطوط.

(2) إعلام الورى ص408.

٥٨٦

المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق)، فإنَّ الصورة التلفزيونية تقوم بذلك، من دون أن يحصل تبادل في الرؤية، بل المراد أنَّ البثَّ تارة يحصل في الطرف المشرق، وتارةً يحصل من طرف المغرب، وقد تقوم الدولة المهدوية بإيجاد أجهزة أُخرى، تجعل تبادل الرؤيا والكلام معاً ممكناً بالنسبة إلى الأفراد، بل والجماعات أيضاً، ولدينا في العصر الحاضر نموذج مُصغَّر لذلك، وهو التلفون التلفزيوني، الذي تمَّ اكتشافه ولم يتمَّ توزيعه في العالم على نطاق واسع إلى حدِّ الآن.

ونجد في هذه الأخبار الإشارة إلى البثِّ الإذاعي الصوتي أيضاً في قوله: ( ويبعث الله الريح في كل وادٍ تقول )، يحتوي هذا الخبر على فلسفة البثِّ الإذاعي أيضاً، فإنَّ الريح أو الأثير الذي يحمل الموجات الصوتية الكهربائية، إلى جهاز الاستقبال الراديو.

ومن الأجهزة الدقيقة التي تُستعمل في دولة المهدي (ع)، أجهزة الاستخبارات التي قد تُستعمل ضدَّ المـُجرمين والمـُنحرفين ( حتى إنَّ أحدهم يتكلَّم في بيته فيخاف أن يشهد عليه الجدار )، وهذا الخوف لا يكون منطقياً إلاَّ مع وجود مثل هذه الأجهزة.

والمهدي (ع) سوف ( يركب فرساً أدهم أبلق، بين عينيه شمراخ )، وينبغي أن نفهم من الفرس واسطة النقل أيَّاً كانت، وإنَّما عبَّر عنها بالفرس، باعتبار مستوى العصر يوم صدور الخبر.

والأدهم: الأسود. ومن الخيل والإبل: الشديد لورقة حتى يذهب البياض(1) ، والورقة بالضمِّ فالسكون: سواد في غبرة(2) ، ويُفهم منه قلَّة السواد، أو أنَّه من الألوان الغامقة القريبة من السواد.

والأبلق: الذي فيه سواد وبياض(3) . يُقال: بِلق - بالكسر - إذا كان فيه سواد وبياض، وبلق الفرس، ارتفع تحجيله إلى فخذيه(4) . يُقال: حجل، وتحجَّل الفرس، إذا كان في قوائمه تحجيل أي بياض، فهو مُحجَّل ومحجول(5) .

والشمراخ، له عدَّة معانٍ في اللغة: منها رأس الجبل، ومنها غرَّة الفرس إذا

____________________

(1) أقرب الموارد مادَّة (دهم).

(2) المـُنجد، مادَّة ( ورق ).

(3) أقرب الموارد، مادَّة ( بلق ).

(4) المصدر نفسه.

(5) المـُنجد مادَّة ( حجل ).

٥٨٧

دقَّت وسالت وجلَّلت الخيشوم ولم تبلغ الجحفلة(1) . والجحفلة لذي الحافر كالشفة للإنسان(2) .

فإذا عرفنا ذلك، أمكننا أن نذكر لفَهم هذا الخبر أُطروحتين:

الأُطروحة الأُولى: وهي منطلقة من أنَّ معنى الشمراخ: رأس الجبل، فيكون معنى الخبر: أنَّ واسطة النقل التي يركبها المهدي ذات ارتفاع أمامي دقيق وطويل يُشبه قمَّة الجبل، وهذا الوصف ينطبق على الدبَّابة التي يكون أمامها المدفع، وينطبق على الطائرات الحديثة التي يكون مُقدَّمها مخروطي الشكل مُدبَّباً، ولكن بعد العلم أنَّ الطائرات لا تكون إلاَّ بيضاء، فلا ينطبق عليها اللون المذكور في الخبر، كما أنَّ التعبير بالفرس، يُراد به واسطة النقل الأرضية لا الجوِّية. إذاً؛ نعرف انطباقه على الدبّابة، وهي إحدى وسائط النقل الحربية التي تُستعمل في القتال الأرضي.

ويؤيِّد هذه الأُطروحة، قضية اللون الموصوف في الخبر، فإنَّ عدداً من الدول تجعل الدبّابات، وهي إحدى وسائط النقل الحربية التي تُستعمل في القتال الأرضي. ويؤيِّد هذه الأُطروحة قضية اللون الموصوف في الخبر، فإنَّ عدداً من الدول تجعل الدبابات ذات لونين: فاتح وغامق، وعلى شكل بقع كبيرة لكل لون، كالفرس الأبلق تماماً.

الأُطروحة الثانية: وهي منطلقة من أنَّ معنى الشمراخ: غرَّة الفرس أي جبهته، إذا كانت طويلة وجميلة، فيكون معنى الخبر: إنَّ في مُقدِّمة واسطة النقل التي يركبها المهدي شيء يمكن أن يصدق عليه مجازاً هذا الوصف، ويبدو الآن أنّ الزجاجة الواسعة التي تكون في مقدّمة السيّارة عادةً هي المقصود من الخبر؛ فيكون المراد: أنّ المهدي (ع) يركب سيّارة اعتيادية ذات لونين.

وحيث كان الحديث في الخبر عن الفرس، إذاً يكون فهم الشمراخ طبقاً للأطروحة الثانية هو الأفضل.

هذا، ولكن الخبر الآخر الذي وصف الشمراخ، ذكر أنّ له نوراً حتى ( لا يبقى أهل بلد إلاّ أتاهم نور ذلك الشمراخ حتى يكون آيةً له ) أي للإمام المهدي (ع).

ولفهم هذا النور عدّة أُطروحات، نذكر منها ثلاثاً:

الأُطروحة الأُولى: أن يكون النور إعجازيّاً، ( حتى يكون آية له ) من أجل تمييز سيّارة الإمام المهدي (ع) عن غيرها، أو لأسباب أُخرى.

____________________

(1) أقرب الموارد، المادة ( شمرخ ).

(2) المصدر: مادة جحفل.

٥٨٨

الأُطروحة الثانية: أن يكون هذا النور معنويّاً، يعبّر عن الهدى والعدل الذي يصدر عن راكب هذه السيّارة، أعني الإمام المهدي نفسه.

الأُطروحة الثالثة: أن يكون هذا النور ماديّاً صادراً من واسطة النقل بطبيعة تكوينها، غير أنّ سيّارة من هذا القبيل لم تُكتَشف إلى حد الآن، فلعلّها تُصمّم في المستقبل قبل الظهور أو بعده.

وللقارئ تفضيل إحدى الأُطروحات على بعض.

وأمّا طيّ الأرض للإمام المهدي، فقد فهمنا منه الانتقال الطبيعي، بوسائط السفر السريعة التي لم تكن متوفّرة في عصر صدور هذه الأخبار.

وتبقى عندئذٍ بعض الأسئلة التي تحتاج إلى الجواب، نذكر أهمّها:

السؤال الأوّل: لماذا لم نفهم من طي الأرض للإمام المهدي الأُسلوب الإعجازي في الانتقال، كما يفهم ذلك التفكير التقليدي لدى المسلمين، فإنّ هذا بالنسبة للدجّال لم يكن ممكناً؛ لعدم إمكان صدور المعجزة منه - كما قلنا - ولكن ممكن بالنسبة إلى المهدي (ع) فينبغي الحمل عليه.

وجواب ذلك من عدّة وجوه:

الوجه الأوّل: أنّنا قلنا في التاريخ السابق(1) وفي هذا الكتاب، إنّه كلما أمكن فهم الأُسلوب الطبيعي من الخبر، كان هذا متعيّناً، ما لم تقم قرائن واضحة في تعيين الأُسلوب الإعجازي، وهذه الأخبار لا تحتوي على مثل هذه القرائن، فحملها على الأُسلوب الطبيعي هو الصحيح.

الوجه الثاني: قانون المعجزات الذي يقول: إنّه كلما أمكن البديل الطبيعي للمعجزة لم يكن للمعجزة مجال. ومن الواضح أنّ السفر بوسائط النقل الحديثة، يوصل الفرد إلى أي نقطةٍ من العالم بأقصى سرعة، ولاسيّما في الطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت أكثر من مرّتين، فلا يبقى للمعجزة مجال.

الوجه الثالث: أنّنا سمعنا أنّ الدجال تُطوى له الأرض أيضاً، والمهدي تُطوى له الأرض أيضاً. فقد استعمل هذا المفهوم على نمط واحد بالنسبة إلى كلا الشخصين. فبعد البرهان على إرادة المعنى الطبيعي للسفر السريع، بالنسبة إلى الدجّال، يتعيّن نفس الفهم بالنسبة إلى المهدي؛ لأنّ الخبر استُعمل فيه نفس المفهوم بدون رتوش.

____________________

(1) انظر ص218 وغيرها.

٥٨٩

السؤال الثاني: إنّ طيّ الأرض ذُكر في الأخبار بصفته إحدى الصفات المهمّة التي يتصف بها المهدي، دون سائر البشر، فلو حملناه على معنى السفر الطبيعي السريع؛ لم تكن مزيّة للمهدي (ع) كما هو واضح.

وجواب ذلك يكون من وجوه، نذكر منها وجهين:

الوجه الأوّل: إنّ استفادة هذه المزيّة من الأخبار لا تخلو من مناقشة، إذ بعد اتصاف الدجّال بهذه الصفة أيضاً لا تكون الصفة من خصائص الإمام المهدي (ع) كما هو واضح. وقد نُسبت في بعض الأخبار إلى أصحاب الإمام المهدي (ع) عند اتجاههم إلى لقائه لأوّل مرّة - كما سبق - فكيف تكون من خصائصه.

الوجه الثاني: إنّ هذه الأخبار لا تدل على اختصاص هذه الصفة بالمهدي (ع) حتى مع التنزّل - جدلاً - عن الوجه الأوّل. فإنّها إنّما دلّت على أنّ مجموع ما ذكرت له من صفات، لا يمكن أن يتصف بها أحد غيره؛ وهذا صحيح. وأمّا كل واحدة من هذه الصفات لو لوحظت بحيالها فقد يتصف بها آخرون أيضاً، كطيّ الأرض نفسه، إلاّ أنّ بعض الصفات التي قام البرهان على اختصاصه بها: كتأسيسه للدولة العالمية العادلة، وأنّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً.

السؤال الثالث: إنّ طيّ الأرض ذُكر في الأخبار في سياق أُمور إعجازية فنفهم باعتبار وحدة السياق أنّه يحدث بطريق إعجازي.

وجوابه: أنّنا استطعنا، من خلال هذا التاريخ وهذه الموسوعة، أن نفهم الأعم الأغلب من صفات الإمام المهدي، وما ذكرت عنه الأخبار. بشكل طبيعي اجتماعي مرتّب، لا إعجاز فيه ولا تنافر في مدلوله، ومن هنا يمكن القول بأنّ طيّ الأرض لم يقع في الأخبار ضمن الصفات الإعجازية، بل ضمن الصفات الطبيعية، ومن هنا تقتضي قرينة وحدة السياق: أن نفهم من طيّ الأرض الأُسلوب الطبيعي لا الإعجازي، على عكس ما توخّاه السائل.

وإلى هنا يتم الحديث في الخاتمة الثانية من الفصل السابع من هذا الباب، وبها ينتهي الفصل نفسه.

٥٩٠

الفصل الثامن

موقف الإمام المهدي (ع) من أهل الكتاب

ونزول المسيح (ع) في دولته

وينبغي أن نتكلّم خلاله ضمن عدّة جهات:

الجهة الأُولى: في سرد الأخبار المتعلّقة بالمسيح وأهل الكتاب.

وهي عدد ضخم في مصادر العامّة، يصعب أن نحمل فكرة تفصيلية عنها، ومعه فسنقتصر في نقل الأخبار على أمرين:

أحدهما: نقتصر من مصادر العامّة على خصوص ما نقلته الصحاح الستّة من الأخبار دون غيرها، وخاصّة الصحيحان الرئيسان فيها. ونقتصر على المصادر القديمة المعتمدة من كتب الخاصّة.

وثانيهما: أن نختصر الإشارة إلى قضايا الدجّال ويأجوج ومأجوج من زاوية علاقتهما بالمسيح، وقد ذكرتها الأخبار مفصّلاً... بعد أن تكلّمنا عن ذلك فيما سبق، وإنّما نقتصر على الأُمور الأُخرى المتعلّقة به ممّا وردنا في الأخبار بيانه.

وبعد هذه التصفية، سوف يبقى مقدار كافٍ من الأخبار، ويكون المهم منها كما يلي:

أخرج البخاري(1) عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله (ص):

كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.

وأخرجه مسلم(2) أيضاً. وفي حديث آخر مشابه يقول:

____________________

(1) صحيح البخاري: ج4 ص 205. وانظر أيضاً الترمذي ج3 ص 344، وابن ماجة ج2 ص1363.

(2) صحيح مسلم: ج1 ص94 وكذا ما بعده.

٥٩١

إذا نزل ابن مريم فيكم وأمّكم.

وفي حديثٍ ثالث: فأمّكم منكم.

وأخرج البخاري(1) عن أبي هريرة أيضاً، قال: قال رسول الله (ص):

والذي نفسي بيده، ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ( الحرب )، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد. حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها.

ثم يقول أبو هريرة: اقرأوا:( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) (2)

ورواه مسلم أيضاً(3) عن أبي هريرة نحوه، إلى أن قال:

وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص فلا يسعى إليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد.

وأخرج أيضاً(4) عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت النبي (ص) يقول:

( لا تزال طائفة من أُمّتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة.

قال: فينزل عيسى بن مريم (ع)، فيقول أميرهم: تعال صلّ بنا! ‍فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أُمراء، تكرمة الله هذه الأُمّة ).

وأخرج أيضاً(5) في حديث طويل ذكر فيه الدجّال وعدداً من تفاصيله، ثم قال:

____________________

(1) صحيح البخاري: ج4 ص 205.

(2) النساء: 159.

(3) صحيح مسلم: ج1 ص 93 - 94.

(4) المصدر ص 94.

(5) المصدر ص 95.

٥٩٢

فبينما هو كذلك، إذ بعث الله المسيح بن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفّيه على أجنحة مَلَكين. إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدّر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد منه ريح نفسه إلاّ مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه - يعني طلب الدجّال - حتى يدركه بباب لِدّ فيقتله.

ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنّة، فبينما هو كذلك، إذ أوحى الله إلى عيسى: إنّي قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم... الحديث، حيث يذكر خروج يأجوج ومأجوج.

وأخرج أبو داود(1) عن أبي هريرة: أنّ النبي (ع) قال:

ليس بيني وبينه - يعني عيسى (ع) - نبي، وأنّه نازل. فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصّرتين، كأنّ رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل. فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلاّ الإسلام، ويهلك المسيح الدجّال، فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفّى فيصلّي عليه المسلمون.

ونحوه بألفاظ مقاربة في صحيح الترمذي(2) ونحوه في سنن ابن ماجة(3) .

وهناك حديثان آخران تركتهما الصحاح، يحسن إدراجهما لنصل إلى الرأي الصحيح فيهما:

أخرج السيوطي في الحاوي(4) عن أبي نعيم عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص):

( لن تهلك أُمّة أنا أوّلها، وعيسى في آخرها، والمهدي في وسطها ) .

____________________

(1) السنن ج2 ص 432.

(2) ج3 ص 348.

(3) ج2 ص 1357.

(4) ج2 ص 134.

٥٩٣

وأخرج ابن حجر في الصواعقى(1) عن ابن ماجة والحاكم أنّه (ص) قال:

( لا يزداد الأمر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شُحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ على شرار الناس، ولا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم ).

فهذه بعض أخبار المصادر العامّة.

وأمّا أهم أخبار المصادر الخاصّة: فقد أخرج النعماني(2) بسنده عن جابر، قال:

دخل رجل على أبي جعفر الباقر (ع) فقال له: عافاك الله اقبض منّي على هذه الخمسمئة درهم. فقال له أبو جعفر(ع):

( خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام والمساكين من إخوانك من المسلمين ) .

ثم قال:إذا قام قائم أهل البيت قسّم بالسويّة... إلى أن قال:ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عزّ وجلّ من غار بأنطاكية. ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن.... ) الحديث.

وفي حديث آخر(3) قال ابن سنان، سمعت أبا عبد الله (ع) يقول:

( عصى موسى قضيب آس من غرس الجنّة أتاه بها جبرائيل (ع) لما توجّه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يتغيّرا حتى يخرجهما القائم (ع) إذا قام ) .

وأخرج الأربلي في كشف الغمّة(4) عن أربعين الأصفهاني والقندوزي(5) عن كتاب الفتن لنعيم بن حماد، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (ص): ( منّا الذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه ).

____________________

(1) ص98.

(2) الغيبة ص124.

(3) غيبة النعماني ص125.

(4) ص264ج3.

(5) ص539.

٥٩٤

وأخرج الصدوق في إكمال الدين(1) بسنده إلى محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول: ( القائم منّا منصور بالرعب.... إلى أن قال: وينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه ).

واخرج في البحار(2) : عن أبي بكير، قال: سألت أبا الحسن (ع) عن قوله تعالى:( وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) . قال: ( أُنزلت في القائم (ع)، إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والكفّار، في شرق الأرض وغربها، فعرض عليهم الإسلام فمَن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة، وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومَن لم يسلم ضرب عنقه، حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلاّ وحّد الله.. ) الحديث.

وأخرج أيضاً(3) في حديث سبق أن رويناه عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) يقول فيه: قلت:

فما يكون من أهل الذمّة عنده؟ قال: ( يسالمهم، كما سالمهم رسول الله (ص) ويؤدّون الجزية عن يد وهم صاغرون... ) الحديث.

الجهة الثانية: في وحدة المهدي والمسيح.

وهو احتمال نعرضه ونناقشه قبل الدخول في تفاصيل هذه الأخبار؛ لكي نتوفّر على التفاصيل، في نتيجة هذه المناقشة:

وينطلق هذا الاحتمال من أُطروحة معيّنة وهي: أنّه بعد العلم أنّ المنقذ العالمي لكل البشرية واحد لا يتعدّد، تكون له الزيادة الأُولى إلى الإصلاح العام، بشكل لا تعود بعده البشرية إلى الظلم والضياع مرةً أُخرى.

إنّ هذا المنقذ العالمي الواحد، هو الذي سمّاه الإسلام بالمهدي، وسمّاه السابقون - اليهود والنصارى -: بالمسيح، وسمّاه آخرون بأسماء أُخرى. ومعه يتعيّن أن يكون المسيح

____________________

(1) نسخة مخطوطة.

(2) ج13 ص188.

(3) المصدر ص196.

٥٩٥

والمهدي لفظين أو صفتين لشخص واحد، هو المنقذ العالمي الواحد الموعود.

وحيث كان مقابل هذه الأطروحة احتمالان رئيسيان: هما أن يكون المنقذ العالمي هو المسيح عيسى ابن مريم، او أن يكون هو المهدي الإسلامي مهما كان اسمه، فينطلق من هذين الاحتمالين احتمالان:

الاحتمال الأوّل: أن يكون المنقذ العالمي هو المسيح عيسى بن مريم، ونعبّر عنه بأنّ المهدي هو المسيح عيسى بن مريم.

الاحتمال الثاني: أن يكون المنقذ العالمي هو المهدي الإسلامي، ونعبّر عنه أنّ المسيح هو المهدي الإسلامي نفسه.

ولكل من هذين الاحتمالين مثبتاته التي سنذكرها، وأمّا احتمال أن يكون كلا هذين القائدين يمارسان مهمّة الإنقاذ العالمي، فهو ممّا تنفيه هذه الأُطروحة؛ لأنّه ينافي الفكرة المؤكّدة في وحدة المنقذ العالمي.

مثبتات الاحتمال الأوّل:

وهو أن يكون المهدي هو المسيح عيسى بن مريم، بمعنى أن يكون هذا النبي (ع) هو الذي يمارس الإنقاذ العالمي الموعود، ويطبق العدل الكامل، وقد سُمّي في الإسلام بالمهدي بالمعنى المتضمّن لذلك المفهوم.

ولهذا الاحتمال عدّة مثبتات:

المثبت الأوّل: أنّ عيسى بن مريم، أو يسوع الناصري (ع) هو المسيح بقولٍ مطلق باعتراف الإنجيل والقرآن، وفي التبادر الذهني العام لكل سامع...فإذا قلنا المسيح لم نفهم غيره.

والمسيح ليس اسماً شخصيّاً له وإنّما لُقّب به باعتباره المنقذ العالمي، فإنّ لفظ المسيح مهما كان معناه اللغوي، لا يُراد به في الاصطلاح الديني إلاّ ذلك. ومن هنا كان يلقّب به داود(1) وشاؤل أيضاً(2) تفاؤلاً بأن يكونوا متخذين لتلك الصفة.

وحين جاء المسيح إلى الدنيا اتخذ هذه الصفة بشكل مطلق وبلا منازع، وهذا واضح

____________________

(1) انظر: صموئيل الثاني: 19/ 21 و23 /1 وغيرها.

(2) أنظر صموئيل الأوّل: 24 / 6 و26 / /25 وغيرها.

٥٩٦

جدّاً من الإنجيل والقرآن معاً. إذاً فهو المنقذ العالمي المطلق، باعتراف الإنجيل والقرآن معاً.

المثبت الثاني: ذكرت عدداً من الأناجيل(1) بتبشير يسوع الناصري بطول عمر المسيح وبمجيئه في آخر الزمان، ووافقت على ذلك السنّة الشريفة في الإسلام، كما سمعنا من هذه الأخبار وغيرها، حتى كاد أن يكون ذلك من واضح واضحات الديانتين المسيحية والإسلام.

وقد بشّر هو بإسهاب، كما نطقت بذلك الأناجيل، بقرب مجيء ملكوت الله الذي هو يوم العدل العالمي الموعود، وقد نفهم من ذلك أنّ الملكوت إنّما ينزل إلى حيّز التطبيق عند مجيئه في آخر الزمان، ومعه يكون هو المطبّق له.

المثبت الثالث: الخبر الذي سبق أن سمعناه أنّه: لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم.

فإنّه متضمّن لمضمون هذا الاحتمال بصراحة، وأنّ المتكفّل للإنقاذ العالمي الموعود ليس إلاّ هذا النبي (ع)، وربّما أشعرنا هذا الخبر بأنّ النبي هو المسمّى بالمهدي في اصطلاح الإسلام.

وأمّا شأن هذه المثبتات من الصحّة فهو ما سنذكره بعد ذلك.

مثبتات الاحتمال الثاني:

هو أن يكون المهدي الإسلامي هو المسيح، ولا يوجد إلى جنبه أو بعده أو قبله شخص آخر مستحق لهذه الصفة، بصفتها ممثّلة للإنقاذ العالمي الموعود.

وإثبات ذلك ينطلق ممّا قلناه من أنّ المراد بالمسيح بالاصطلاح الديني: هو هذا المعنى، فبعد أن يثبت بضرورة الدين الإسلامي أنّ مهمّة الإنقاذ العالمي موكولة إلى المهدي الإسلامي وحده، إذاً فسوف يكون - بكل وضوح - هو المسيح الموعود.

غير أنّ الصحيح هو عدم صحّة كلا هذين الاحتمالين، بمعنى عدم صحّة الأُطروحة التي ينطلقان منها، وهي وحدة المسيح والمهدي، بل هما شخصان منفصلان، يظهران معاً في آخر الزمان، أعني عند البدء بالإنقاذ العالمي الموعود، ويضطلعان معاً بإنجاز هذه المهمّة بقيادة المهدي الإسلامي، وجهود المسيح عيسى بن مريم.

____________________

(1) انظر: متى: 28 / 29 16/ 19 و24/ 2 وغيرها.

٥٩٧

وبهذا الفهم نستطيع أن نناقش مثبتات كلا الاحتمالين، ونعرف المناشىء الحقيقية له.

فالإنقاذ العالمي مهمّة مجيدة واحدة، لا معنى لتعددها، بعد البرهنة على عدم الحاجة إلى ذلك، كما سوف يأتي في الباب الآتي في الكتاب الآتي، والمنقذ العالمي واحد، هو المهدي الإسلامي دون غيره.

وأمّا تسمية النبي عيسى (ع) بالمسيح بلا منازع، فهو لا يدل على استقلاله بهذه المهمّة لوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ تسمية المسيح عيسى بن مريم (ع) بهذا اللقب، لم يكن مستعملاً في حياته، بل كان يتخذ مدلولاً عاماً(1) ، وإنّما أكّد على ذلك طلاّبه كَتَبَة الأناجيل الأربعة، إيحاءً بأنّه المنقذ المنتظر والمطبّق لملكوت الله دون غيره.

وأمّا تلقيب القرآن الكريم به بهذا الوصف، فهو باعتبار الشهرة الموجودة في ذلك العصر به، نتيجة لتركيز المسيحيين على ذلك طيلة عدّة قرون.

إذاً فهذه الشهرة العالمية لعيسى أو يسوع (ع)، بهذا اللقب، ليس له أي مدلول أكثر من إطلاقه على داود أو شاؤل الذي كان لمجرّد مجاملتهما على ما يبدو، بعد اليقين بأنّ أيّاً منهما لم يكن هو المنقذ المنتظَر.

الوجه الثاني: أنّه يكفي - في حدود الفهم الذي عرضناه - لتلقيب عيسى (ع) بالمسيح جهوده الكبرى في بناء اليوم الموعود، كما سنعرف، إلى حد يصدق من الناحية العلمية نسبة تطبيق العدل الكامل إليه، وإن كان ذلك في الواقع بقيادة الإمام المهدي الإسلامي (ع).

ولعلّ هذا هو الوجه الذي حدا بالقرآن الكريم إلى الاعتراف بهذه الشهرة لهذا النبي (ع) وعدم إلغائها أو تبديلها، على حين ألغاها بالنسبة إلى غيره كداود.

وبهذا يكون المثبت الأوّل للاحتمال الأوّل مندفعاً.

وأمّا ما تسالمت عليه الديانتان من عودة المسيح في آخر الزمان، فهو لا يدل بمجرّده على استقلاله بتطبيق اليوم الموعود، بل نحتمل - على الأقل - أنّه لمجرّد المشاركة فيه؛ لأجل نيل المصالح التي سنعرف طرفاً منها في ما يأتي.

____________________

(1) انظر يوحنّا: 7/27و43.

٥٩٨

وأمّا تبشيره بملكوت الله، فهو تبشير باليوم الموعود نفسه، وإنّما أكّد عليه المسيح عيسى بن مريم باعتباره الحلقة الأخيرة من التشريعات السابقة، على وجود الأطروحة العادلة الكاملة التي ستكون مطبّقة في ذلك اليوم.

وكل ما يتضمّن هذا البشير والتأكيد، هو أهميّة ملكوت الله وتطبيق عدله الكامل، ولا يعني بأيّ حالٍ استقلال المسيح بتطبيق العدل.

ولا تتضمّن الأناجيل ولا القرآن الكريم أيّ إشارةٍ إلى أنّ المسيح عيسى (ع) هو المطبّق الأكبر لذلك اليوم، وإنّما نُسب التطبيق إلى قائد معيّن أسمته الأناجيل بابن الإنسان، وهو ليس عيسى أو يسوع على أيّ حال؛ لأنّ الأناجيل تُطْلِق على يسوع لقب: ابن الله... وابن الإنسان غير ابن الله، فلا يكون ابن الإنسان إلاّ القائد الواقعي لليوم الموعود.

ويوجد في كلام الأناجيل عدد من القرائن على ذلك، كما سيأتي في الكتاب الخاص بهذا الموضوع من الموسوعة.

وبهذا يكون المثبت الثاني للاحتمال الأوّل مندفعاً.

وأمّا المثبت الثالث: وهو الخبر الوارد بهذا الصدد، فقد ناقشه ناقلوه نقاشاً حامياً.

قال ابن حجر في الصواعق(1) : قال الحاكم: أوردته تعجّباً لا محتجّاً به. وقال البيهقي:

تفرّد به محمد بن خالد. وقد قال الحاكم: إنّه مجهول. واختلف عنه في إسناده، وصرّح النسائي بأنّه منكر. وجزم غيره من الحفّاظ بأنّ الأحاديث التي قبله، أي الناصّة على أنّ المهدي من ولد فاطمة، أصحّ إسناداً.

كما أنّ هذا الخبر متضمّن لبعض المداليل المعلومة الكذب، وهو قوله: لا يزداد الأمر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شُحّاً. فإنّه بمدلوله ينفي وجود اليوم الموعود الذي ترتفع فيه الشدائد وتقبل الدنيا بعد إدبارها، ويزول الشُحّ من الناس، ويتبدّل إلى التعاطف والأُخوّة على كل المستويات، ومعه، فالدليل القطعي الدال على وجود اليوم الموعود، ينفي مدلول هذا الخبر.

وإذا وجدت في الخبر فقرة فاسدة أمكن أن تكون فقراته الأُخرى فاسدة؛ فيكون ساقطاً عن الإثبات التاريخي.

وأمّا ما ورد في الخبر من أنّ الساعة لا تقوم إلاّ على شرار الناس، فهو ما ورد في عدّة

____________________

(1) ص98.

٥٩٩

أخبار سنسمعها ونبحثها في الباب القادم.

وأمّا الاحتمال الثاني: وهو تلقيب المهدي الإسلامي بالمسيح بصفته المنقذ المنتظَر، فهو أمر معقول وصحيح غير أنّه متروك إسلامياً، باعتبار ما سوف يقع عندئذٍ من الخلط بين المهدي وعيسى بن مريم.

ولكنّه على كل تقدير لا يدل على وحدة هذين القائدين، وأنّ الذي بشّرت به الأناجيل والأخبار بمجيئه ليس إلاّ المهدي نفسه، دون عيسى بن مريم (ع)؛ لأنّ الأناجيل والأخبار لو كانا قد اقتصرا على لقب المسيح لكان هذا الحمل محتملاً، غير أنّ الأمر ليس كذلك، فإنّ الأناجيل بشّرت بعودة يسوع على أيّ حال: وأمّا الأخبار فقد سمعنا تسميته بصراحة: بعيسى بن مريم (ع)، وليس مجرّد كونه مسيحاً ليحتمل انطباقه على المهدي، بل هي - في الأغلب - سمته ولم تلقّبه بالمسيح.

ومعه، فاحتمال وحدة المسيح والمهدي، وأنّهما مفهومان عن شخصٍ واحد، غير وارد في الإطلاق، بل هما شخصان يظهران معاً ويبذلان جهوداً مشتركة في إنقاذ العالم وتطبيق العدل الكامل، ويتكفّل كلاهما قيادة ومهمّة واحدة، وإن كانت القيادة العليا مسندة إلى المهدي (ع) كما سنسمع.

وبعد استنتاج هذه النتيجة: يمكننا أن نمشي في الجهات الآتية، من الحديث بسهولة.

الجهة الثالثة: في المضمون العام لهذه الأخبار.

إذا لاحظنا مجموع هذه الأخبار، واعتبرناها جميعاً قابلة للإثبات التاريخي، حصلنا على تسلسل الفكرة بالشكل التالي:

إنّ الدجال حين يبلغ قمّة مجده وإغرائه وسيطرته على العالم، ينزل المسيح من السماء واضعاً كفّيه على أجنحة مَلَكين، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، يبدو للرائي أنّه خرج من الحمّام لوقته؛ لأنّه إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدّرت منه جمرات كاللؤلؤ على وجهه. وإن كان المفهوم من الخبر أنّ هذا خيال للرائي ولي سهو برطوبة حقيقية.

وتكون الوظيفة الرئيسية الأُولى للمسيح هي قتل الدجّال والقضاء عليه، ويكون الدجّال يومئذٍ في دمشق فيلحقه المسيح فيدركه بباب لد فيقتله.

٦٠٠