موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 188638
تحميل: 8738


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188638 / تحميل: 8738
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسيف المهدي. وقد كان إحدى الصفات المنحرفة لمجتمع الظلم والفساد السابق على الظهور، فكيف يحتمل وجودها مع وجود النظام العادل؟

الصورة الثانية: إنّ هذه المرأة القاتلة تنفرّد بوضع الباروكة، من دون كل النساء.

ولعلّ هذا أبعد الاحتمالات وأشدّها فساداً، إذ يكفي في نفيه: أنّه بذلك تدل على نفسها، وتجعل نفسها عرضة لاحتمال كونها القاتلة للإمام المهدي، أو أكثر من الاحتمال. وهذه ورطة تكون هذه المرأة في غنى عنها مع إهمال استعمال الباروكة، بل لعلّ فرص القتل عندئذٍ ستكون أكثر لو كانت شرّيرة قاصدة على كل حال.

وإذا بطلت كل المحتملات، كان افتراض وجود اللحية لهذه اللحية افتراض باطل، أو إنّه يفتقر إلى الإثبات على أقل تقدير.

النقطة الرابعة: يدل الخبر على أنّ الإمام الحسين بن علي هو الذي يقوم بتجهيز الإمام المهدي ودفنه بعد موته.

وهذا افتراض يقوم على أُسس تقليدية ثلاثة:

الأساس الأوّل: القول بالرجعة عموماً بمعنى رجوع الأئمّة المعصومين السابقين مرّةً أُخرى إلى الدنيا؛ ليمارسوا الحكم من جديد بعد المهدي.

وهذا ما سوف نناقشه في الباب الآتي، وسنرى أنّه ممّا لا يمكن إثباته إثباتاً كافياً بالرغم من اندفاع البعض في تصحيحه والالتزام به.

الأساس الثاني: هو تطبيق من تطبيقات الرجعة، وهو الالتزام بأنّ الذي يرجع ويمارس الحكم بعد المهدي (ع) هو الإمام الحسين (ع) بالخصوص، وهذا أبعد عن إمكان الإثبات التاريخي من الأساس السابق، ولعلّنا نلم بذلك في الباب الآتي.

الأساس الثالث: أنّ الإمام المعصوم لا يقوم بتجهيزه بعد موته إلاّ الإمام المعصوم.

وهي فكرة تقليدية مرتكزة في بعض الأذهان إلى اليوم، بالرغم من أنّه لم يقم عليها دليلٌ كافٍ.

وحيث إنّ الإمام المهدي(ع) هو آخر الأئمّة المعصومين الاثني عشر، في الفهم الإمامي، إذاً فسوف لن يوجد أمام معصوم آخر يقوم بتجهيزه ما لم نقل بالرجعة، وأنّ إماماً من الأئمّة السابقين يعود إلى الدنيا بهذه المهمّة؛ ومن هنا قد يجعل هذا الأساس الثالث دليلاً على الرجعة نفسها.

٦٢١

إلاّ أنّ الصحيح: أنّ الأساس الأوّل هو الالتزام بالرجعة على وجه الإجمال أقوى الأُسس الثلاثة دليلاً، فمن غير المحتمل أن يصلح الأساسان الآخران كدليل عليه، لكنّنا سنرى في أدلّة الرجعة تشويشاً واضطراباً وغرابةً، تسقطها عن كفاية الإثبات التاريخي.

ولو أنّنا سلّمنا بالأساس الثالث، فلا ضرورة إلى القول بالرجعة؛ لإمكان تطبيق هذه القاعدة على البديل الآخر للرجعة، وهو أن يمارس الحكم بعد المهدي (ع) أولياء صالحون غير الأئمّة المعصومين السابقين، كما سنوضحه في الباب التالي.

فمع شيءٍ من التوسّع في فهم هذا الأساس الثالث، يكون خليفة المهدي (ع) تطبيقاً من تطبيقات هذا الأساس؛ لأنّه معصوم بمعنى من المعاني - على ما سنعرف - ولأنّه خير أهل الأرض بعد المهدي (ع).

فلو فرضنا قيام الدليل الكافي على هذا الأساس الثالث، فهو لا يأبى عن هذه الصورة بكل تأكيد، ولشرح ذلك والتوسّع فيه مجال آخر.

الجهة الخامسة: - من هذا الباب -: في أُمور أُخرى أشارت إليها الأخبار السابقة.

الأمر الأوّل: أنّ المهدي (ع) إذا مات صلّى عليه المسلمون.

وهذا أمر طبيعي بصفته إمام المسلمين ورئيسهم الأعلى، وهم يشكّلون يومئذٍ الأكثرية الساحقة في العالم.

والذي يصلّي عليه - عادةً - هو خليفته، أيّاً كان، أعني: سواء صحّ القول بالرجعة أو لم يصح؛ فإنّه - بعد المهدي - رئيس المسلمين وخير أهل الأرض.

ويبدو أنّ المسيح عيسى بن مريم (ع)، لن يقوم بهذه الصلاة، لنفس السبب الذي رفض في أوّل نزوله تولّي إمامة الجماعة، كما انحسرت عنه خلافة المهدي بالرغم من بقائه بعده، وهو السبب الذي أشار إليه الخبر السابق، تكرمة الله هذه الأُمّة.

الأمر الثاني: قال الخبر الأخير: فإذا تمّت السبعون أتى الحجّة الموت. يُراد بهذه السبعين أنّ الحجّة القائم المهدي (ع) يبقى في الحكم سبعين عاماً، ولابد أنّ هذا منطلق من الخبر الذي سمعناه في فصل سابق من أنّه يبقى سبع سنين، كل سنة كعشر سنين من سنيّكم هذه، إذاً، فهو يبقى سبعين سنة. وقد سبق أن فهمنا هذا الخبر وأمثاله بشكل لا نصل معه إلى هذه النتيجة، فليراجع.

الأمر الثالث: نصّ أكثر من خبر واحد: أنّه لا خير في الحياة بعد المهدي (ع)، أو

٦٢٢

لا خير في العيش بعده.

وهو أمر صحيح كما سنذكر، وقد اختصّت به المصادر العامّة، دون الإمامية، ولكن قد يبدو للذهن منافاته مع إحدى فكرتين:

الفكرة الأُولى: القول بالرجعة، فإنّ وجود الأئمّة المعصومين (ع) بعد المهدي (ع) يعني: انحفاظ التطبيق على مستواه الرفيع من دون أي خلّةٍ أو نقصٍ، فيكون الخير في العيش بعد المهدي موجوداً.

ولعلّه لهذا لم يتبيّن الفكر الإمامي التقليدي مثل هذه العبارة، وخاصّةً وهو يؤمن: أنّ الأئمّة المعصومين من نورٍ واحدٍ، ولهم قابليات متماثلة وآراء مشتركة لا يختلف أوّلهم عن آخرهم؛ فإذا وُجد الحسين (ع) بعد المهدي (ع) أمكن أن يأخذ بزمام القيادة الإسلامية، تماماً كالمهدي.

ولا يحول دون ذلك سوى احتمال واحد من احتمالين ذكرناها في التاريخ السابق(1) وهو أن يكون المهدي أفضل ممّن سبقه من الأئمّة (ع) أو من أكثرهم على الأقل، وقد سمعنا هناك الأخبار الدالّة على ذلك والمبررات الكافية له؛ إذ يكون الفرق بين القيادتين كافياً على صدق هذه العبارة: لا خير في الحياة بعده.

الفكرة الثانية: القول بوجود المجتمع المعصوم، فإنّ وجوده يعني: وجود الخير كله بعد المهدي، لا أنّه خير في الحياة بعده.

والصحيح صدق هذه العبارة حتى مع القول بوجود هذه المجتمع، إذ سيأتي في الباب التالي: أنّ القيادة التي ستخلف المهدي هي قيادة الأولياء الصالحين، وليس الأئمّة المعصومين، كما أنّ المجتمع المعصوم سوف لن يوجد بسرعة وبسهولة، بل سيتأخر كثيراً بعد وفاة الإمام المهدي.

فإذا التفتنا إلى ذلك، استطعنا أن نعرف: أنّ هناك فترة من الزمن هي التي تلي وفاة الإمام المهدي (ع) يشعر فيها المجتمع العالمي بكل وضوح الفرق بين القيادتين، وهو فرق كبير مهما أرادت القيادة الجديدة أن تبذل من الجهود، ومهما استطاعت أن تنتج من النتائج.

فإنّ المجتمع سيرى الفرق الكبير بين القيادة المهدوية التي عاصرها، وسعد تحت لوائها، وشاهد مميّزاتها، وبين القيادة الجديدة، كل ما في الأمر أنّ هذه القيادة ستستطيع بالتدريج البطيء،

____________________

(1) ص 512.

٦٢٣

وتحت القواعد المهدوية العامّة لتربية البشرية، الوصول بالبشري إلى المجتمع المعصوم.

فهذا الجيل المعاصر لقيادة الإمام المهدي، سيقول عند وفاته بكل تأكيد: إنّه لا خير في حياةٍ بعده.

٦٢٤

القسم الثالث

العالم بعد المهدي (ع)

وهو ينقسم إلى بابين:

٦٢٥

٦٢٦

الباب الأوّل

قيادة ما بعد المهدي (ع)

من حيث خصائص الدولة والمجتمع

ونتكلّم عن ذلك في فصل واحد ذو عدّة عناوين داخلية:

٦٢٧

٦٢٨

قيادة ما بعد المهدي

وأعني به نوعيّة الحاكم الأعلى الذي يتولّى رئاسة الدولة العالمية العادلة بعده.

ونوجه بهذا الصدد أُطروحتين رئيسيّتين:

الأُطروحة الأولى: القول بالرجعة، أي الالتزام برجوع الأئمّة المعصومين إلى الدنيا ليمارسوا الحكم بعد المهدي.

الأطروحة الثانية: حكم الأولياء الصالحين بعد المهدي (ع).

وقد ورد في إثبات كل من الأطروحتين عدد من الأخبار، لابد من سماع المهم منها، وعرضها على القواعد والقرائن العامّة، لنختار في النهاية إحدى الأُطروحتين.

القول بالرجعة:

حين ننظر إلى المفهوم على سعته، يحتمل أن يكون له أحد عدّة معان:

المعنى الأوّل: ظهور المهدي نفسه، فإنّه قد يصطلح عليه بالرجعة، باعتبار رجوعه إلى الناس بعد الغيبة، أو باعتبار رجوع العالم إلى الحق والعدل بعد الانحراف.

وهذا المعنى حق صحيح، إلاّ أنّ اصطلاح الرجعة عليه غير صحيح؛ لأنّه يوهم المعاني الأُخرى الآتية التي هي محل الجدل والنقاش، ونحن في غنى عن هذا الاصطلاح بعد إمكان التعبير عن ظهور المهدي بمختلف التعابير، وقد مشينا في هذا الكتاب على تسميته ( بالظهور ).

المعنى الثاني: رجوع بعض الأموات إلى الدنيا، وإن لم يكونوا من الأئمّة المعصومين، وخاصّة مَن محض الإيمان محضاً، ومَن محض الكفر محضاً.

٦٢٩

المعنى الثالث: رجوع بعض الأئمّة المعصومين (ع) كأمير المؤمنين علي (ع) والحسين، وربّما قيل برجوع النبي أيضاً. وهم يرجعون على شكل يختلف عن حال وجودهم الأوّل في الدنيا، من حيث الترتيب، ومن حيث الفترة الزمنية أيضاً.

المعنى الرابع: رجوع كل الأئمّة (ع) بشكل عكسي، ضد الترتيب الذي كانوا عليه في الدنيا، فبعد المهدي يظهر أبوه الإمام الحسن العسكري، وبعده يظهر أبوه الإمام علي الهادي، وهكذا.

ويمارسون الحكم في الدنيا ما شاء الله تعالى، حتى إذا وصل الحكم إلى أمير المؤمنين كان هو دابة الأرض، وكانت نهاية البشرية بعد موته بأربعين يوماً.

والمعنيان الأخيران قائمان على الفهم الإمامي للإسلام، كما هو واضح، كما أنّ المعاني الثلاثة الأخيرة التي وقعت محل الجدل والنقاش في الفكر الإسلامي.

وينبغي لنا أوّلاً: أن نسرد الأخبار الدالة على ذلك، ونحن نختار نماذج مهمّة ولا نقصد الاستيعاب:

أخرج المجلسي في البحار(1) بالإسناد عن محمد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعين وأبا الخطاب يحدّثان جميعاً - قبل أن يحدث أبو الخطاب ما أحدث - أنّهما سمعا أبا عبد الله (ع) يقول:

( أوّل مَن تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي. وإنّ الرجعة ليست بعامّة، وهي خاصّة، لا يرجع إلاّ مَن محض الإيمان محضاً، أو محض الكفر محضاً ).

وبهذا الإسناد عن بكر بن أعين، قال: قال لي مَن لا أشك فيه، يعني أبا جعفر (ع): أنّ رسول الله (ص) وعليّاً سيرجعان.

( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) فقال: ليس أحداً من المؤمنين قُتل إلاّ وسيرجع حتى يموت، ولا أحد من المؤمنين مات إلاّ سيرجع حتى يُقتل.

وفي روايةٍ أُخرى عنه (ع) يقول فيها:

____________________

(1) البحار:ج13 ص210 وكذلك الأخبار الثلاثة التي بعده.

٦٣٠

( فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلاّ ردّهم جميعاً إلى الدنيا، حتى يقاتلوا بين يدي على بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) ).

وفي رواية أُخرى(1) عن حمران عن أبي جعفر، قال:

( إنّ أوّل مَن يرجع لجاركم الحسين (ع)، فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر ).

وعن أبي بصير(2) عن أبي عبد الله (ع)، قال:

انتهى رسول الله (ص) إلى أمير المؤمنين (ع) وهو نائم في المسجد، وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه. فحرّكه برجله ثم قال: قم يا دابّة الله. فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، أنُسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلاّ له خاصّة، وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه:( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ) (3) .

ثم قال: يا علي، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعدائك... إلى أن قال: فقال الرجل لأبي عبد الله (ع): إنّ العامّة تزعم أن قوله:( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (4) عنى في القيامة، فقال أبو عبد الله (ع) فيحشر الله يوم القيامة من كل أُمّة فوجاً ويدع الباقين؟ لا، ولكنّه في الرجعة، وأما آية القيامة:( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (5) .

وعن(6) الحسن بن الجهم، قال: قال المأمون للرضا (ع): يا أبا الحسن ما تقول في الرجعة؟ فقال:

( إنّها الحق، قد كانت في الأُمم السالفة ونطق بها القرآن ). وقد قال

____________________

(1) المصدر: ص211.

(2) المصدر: ص213.

(3) 27/82.

(4) 27/83.

(5) 18/47.

(6) البحار ج 13ص214.

٦٣١

رسول الله (ص): يكون في هذه الأُمّة كل ما كان في الأُمم السالفة حذوا النعل بالنعل والقذّة بالقذّة. وقال (ع): ( إذا خرج المهدي من ولدي، نزل عيسى بن مريم فصلّى خلفه ). وقال (ع): ( إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله. ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يرجع الحق إلى أهله ).

وعن(1) عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله (ع) قال رسول الله (ص):

( لقد أسرى بي ربّي عزّ وجلّ، فأوحى إليّ من وراء حجاب ما أوحى وكلّمني ما كلّم به، وكان ممّا كلّمني به... يا محمد، عليٌّ آخر مَن أقبض روحه من الأئمّة (ع) وهو الدابة التي تكلّمهم..... ) الخبر.

وفي البحار أيضاً(2) عن الإرشاد: روى عبد الكريم الخثعمي، عن أبي عبد الله (ع) قال:

( إذا آن قيام القائم مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب، لم تر الخلائق مثله. فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة، ينفضون شعورهم من التراب ).

وقال المجلسي بعد سرده للأخبار:

اعلم يا أخي أنّي لا أظنّك ترتاب بعد ما مهّدت وأوضحت لك في القول بالرجعة التي أجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار.... وكيف يشك مؤمن بحقّية الأئمّة الأطهار فيما تواتر عنهم من مئتي حديث صريح، رواها نيّف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام، في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم، ثم عدّهم المجلسي واحداً واحداً.

وهذا الكلام من المجلسي يواجه عدّة مناقشات:

المناقشة الأُولى: إنّ إجماع الشيعة وضرورة المذهب عندهم، لن تثبت على الإطلاق، بل المسألة عندهم محل الخلاف والكلام على طول الخط. والمتورّعون منهم

____________________

(1) المصدر: ص217.

(2) المصدر: ص223.

٦٣٢

يقولون: إنّ الرجعة ليست من أُصول الدين ولا من فروعه ولا يجب الاعتقاد بشيء، بل يكفي إيكال علمها إلى أهله. فهل في هذا الكلام - وهو الأكثر شيوعاً - اعتراف بالرجعة.

وإنّما اعتراف مَن اعترف بالرجعة وأخذ بها، نتيجة لهذه الأخبار التي ادعى المجلسي تواترها، إذاً، فالرأي العام المتّخَذ حولها - ولا أقول الإجماع - ناتج من هذه الأخبار، ولا يمكن أن تزيد قيمة الفرع على الأصل.

المناقشة الثانية: إنّه من الواضح: أنّ مجرّد نقل الرواية لا يعني الالتزام بمضمونها والتصديق بصحّتها، من قِبل الناقل أو الراوي؛ إذاً فهؤلاء الأربعون الناقلون لهذه الروايات لا يمكن أن نعدّهم من المعترفين بالرجعة.

المناقشة الثالثة: إنّ هؤلاء الرواة الاثنين والأربعون الذين عدّدهم المجلسي لم يجتمعوا في جيل واحد. فلو رُويت أخبار الرجعة من قِبل أربعين شخصاً في كل جيل حتى يتصل بزمن المعصومين (ع)، لكانت أخبار الرجعة متواترة. ولكن يبدو من كلام المجلسي نفسه، وهو أوسع الناس اطّلاعاً في عصره، أنّ مجموع الناقلين لأخبار الرجعة من المؤلّفين في كل الأجيال الإسلامية إلى حين عصره، لا يعدو النيّف والأربعين راوياً. فلو أخذنا المعدّل، وهو عملية لا مبرّر لها الآن، لرأينا أنّه يعود إلى كل جيل حوالي أحد عشر مؤلّفاً، لأن المجلسي عاش في القرن الحادي عشر الهجري،وهو عدد لا يكفي للتواتر.

المناقشة الرابعة: إنّ عدد المؤلَّفات التي ذكرها المجلسي، لا تثبت عن مؤلِّفيها، أو لم تصلنا عنهم بطريق صحيح مضبوط، أو أنّ روايته عن مؤلّفه ضعيفة أساساً، كتفسير علي بن إبراهيم، وكتب أُخرى لا حاجة إلى تعدادها.

المناقشة الخامسة: إنّ الروايات التي نقلها هؤلاء، ليست كلها صريحة وواضحة، وسنعرف عمّا قليل أنّها مشوّشة قد لا تدل على الرجعة أصلاً، وقد تدل على الرجعة بالمعنى العام المشترك بين الاحتمالات الثلاثة السابقة، وقد تدل على واحد منها بعينه وتنفي الاحتمالات الأُخرى. وهكذا.

إذاً فالتواتر المدّعى ليس له مدلول معيّن، ومعنى ذلك: أنّ الأخبار لم تتواتر على مدلول بعينه. وسنحاول إيضاح هذه النقطة أكثر.

ومعه، فكلام المجلسي يحتوي على شيءٍ من المبالغة في الإثبات على أقل تقدير وأمّا مناقشات مداليل الأخبار، فنشير إلى المهم منها:

المناقشة الأولى: عدم اتحاد الأخبار بالمضمون؛ فإنّ مداليلها مختلفة اختلافاً

٦٣٣

شديداً، حتى لا يكاد يشترك خبران على مدلولٍ واحدٍ تقريباً.

والمداليل التي تُعرب عنها الأخبار عديدة:

المدلول الأوّل: رجوع مَن محض الإيمان محضاً، ورجوع مَن محض الكفر محضاً.

المدلول الثاني: رجوع كل مؤمن على الإطلاق؛ لأنّه إن كان قد مات فهو يرجع ليقتل، وإن كان قد قتل فيرجع ليموت.

المدلول الثالث: رجوع الأنبياء جميعاً.

المدلول الرابع: رجوع رسول الله (ص).

المدلول الخامس: رجوع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

المدلول السادس: رجوع الحسين بن علي (ع).

المدلول السابع: رجوع جماعة من كل أمة.

المدلول الثامن: رجوع عدد من المؤمنين في الجملة.

المدلول التاسع: رجوع بعض الأئمّة المعصومين (ع) إجمالاً.

المدلول العاشر: رجوع الحق إلى أهله، وهو ليس قولاً بالرجعة كما عرفنا.

وليس شيء من هذه المداليل متواتر في الأخبار بكل تأكيد.

نعم، هناك مدلول مشترك إجمالي بين الأخبار الدالة على المداليل التسعة الأُولى.

وهو رجوع بعض الأموات إجمالاً إلى الدنيا قبل يوم القيامة. وهو ما تتسالم عليه كثير من الأخبار. ومن هنا يكون قابلاً للإثبات، إلاّ أنّه لا ينفع القائلين بالرجعة، على ما سنقول.

المناقشة الثانية: إنّ الالتزام بصحّة المداليل التسعة جميعاً، أي القول بصحّة الرجعة على إطلاقها، ممّا لا يمكن، لضعف الأخبار الدالة على كثيرٍ منها. وأمّا الالتزام بها إجمالاً، بالمعنى الذي أشرنا إليه، فهو لا ينفع القائلين بالرجعة؛ لأنّ القول بالرجعة من الناحية الرسميّة يتضمّن أحد المعاني الثلاثة التي ذكرناها في أوّل الفصل. وهذا المعنى الإجمالي لا يعني واحداً منها، بل ينسجم مع افتراضات أُخرى كما هو واضح.

فهي لا تتعيّن في حدوثها بعد وفاة المهدي (ع) مباشرةً، ولا أنّها على نطاقٍ واسع.

ولا تتعيّن في أحد المعصومين (ع) ولا مَن محض الإيمان محضاً، ولا غير ذلك.

٦٣٤

نعم، هناك مداليل تتكرّر في الأخبار، وأوضحها رجوع الإمام أمير المؤمنين (ع) بصفته دابّة الأرض التي نصّ عليها القرآن االكريم. إنّ هذه المداليل لا ترد عليها هذه المناقشة، وهي قابلة للإثبات من زاويتها.

المناقشة الثالثة: إنّ القول بالرجعة يتخذ سمةً عقائدية، فإنّه على تقدير صحّته يعتبر أحد العقائد - وإن لم يكن من أُصولها - وليس هو من الفروع والتشريعات على أيّ حال.

وقد نصّ علماء الإسلام بأنّ العقائد لا تثبت بخبر الواحد، وإن كان صحيحاً ومتعدّداً، ما لم يبلغ حدَّ التواتر، وقد علمنا أنّ الأخبار في المداليل التسعة والمعاني الثلاثة غير متواترة، فلا تكون الأخبار قابلة لإثبات أيٍّ منها، حتى لو كان المضمون متكرّراً في الأخبار، ما لم يصل إلى حدّ التواتر.

وأمّا المضمون الإجمالي المتواتر، فقد عرفنا أنّه لا ينفع القائلين بالرجعة، وسنزيد هذا إيضاحاً.

المناقشة الرابعة: إنّ المعنى الأخير من المعاني الأربعة التي ذكرناها أوّلاً، وهو رجوع الأئمّة المعصومين (ع) بشكل عكسي، لعلّه من أكثر أشكال الرجعة تقليديّةً ورسوخاً في الأذهان المعتقدة بها؛ وقد وجدنا أنّه ليس هناك ما يدل عليها على الإطلاق ولا خبر واحد ضعيف، بل ليس هناك أي خبر يدل على رجوع جميع الأئمّة المعصومين على التعيين، ولو بشكل مشوّش، إلاّ بحسب إطلاقات أعم منها بكثير، ككونهم ممّن محض الإيمان محضاً.

بل إنّ هناك ما يدل على نفي هذا المعنى التقليدي، كقوله في الخبر: أوّل مَن تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي.... فإنّه لو صحّ ذلك لكان أوّل مَن يرجع هو الإمام الحسن العسكري (ع) وليس الحسين (ع).

وأمّا دلالة القرآن الكريم على الرجعة: فإمّا أن نفهمه على ضوء الأخبار المفسِّرة له، وإمّا أن نفهمه مستقلاًّ.

أمّا فهمه على ضوء الأخبار، وهو باستقلاله، غير ظاهر بذلك المعنى، فهذا لا يعدو قيمة الخبر الدال على هذا الفهم، ويواجه نفس الإشكالات التي واجهناها في الأخبار. ومن ثم يكون من اللازم الاستقلال في فهم الآيات.

وإذا نظرنا إلى الآيات المذكورة للرجعة؛ وجدنا لكل منها معنىً مستقلاًّ لا يمتّ إلى الرجعة بصلة، حتى بذلك المعنى الإجمالي العام، أي أنّها لا تدل على إحياء بعض الموتى

٦٣٥

قبل يوم القيامة، ولا أقل من احتمال ذلك المسقط لها عن الاستدلال على الرجعة.

وقد استدل البعض بأكثر من ثلاثين آية في هذا الصدد، وهو تطرّف ومبالغة في الاستدلال بكل تأكيد، وإنّما نودّ أن نشير هنا إلى ثلاث آيات فقط، تعتبر هي الأهم بهذا الصدد، لنرى مقدار دلالتها على الرجعة:

الآية الأُولى: قوله تعالى:( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ) (1) .

وطريقة فهم الرجعة منها: أنّ الآية تشير إلى حياتين وموتين للناس. ونحن لا نعرف إلاّ حياةً واحدةً وموتاً واحداً، فأين الثاني منهما؟

وجوابه: إنّ ذلك إنّما يكون في الرجعة، فإنّها تتضمّن حياةً ثانيةً وموتاً بعدها، فإذا أضفناها إلى الحياة المعاصرة والموت الذي يليها، كان المجموع اثنين اثنين.

غير أنّ هذا الفهم إنّما يكون صحيحاً بأحد أُسلوبين:

الأُسلوب الأول: أن تصح الأخبار الدالة عليه. وقد عرفنا مناقاشاتها.

الأُسلوب الثاني: أن يكون فهماً منحصراً، بحيث لا يوجد مثله أو أظهر منه في سياق الآية، فإن وُجد ذلك، لم يكن الاعتماد على هذا الفهم.

وهذه الآية تتضمّن معاني محتملة غير الرجعة:

المعنى الأوّل: أن يكون الموت يشير إلى ما قبل الميلاد، حال وجود النطفة مثلاً، وأن تكون الحياة الثانية هي الحياة في يوم القيامة، فإذا أضفناها إلى الحياة والموت المعهودَين كانا كما قالت الآية الكريمة.

المعنى الثاني: أن يكون المشار إليه هو حياة وموت آخر يكون في داخل القبر لأجل الحساب والسؤال، كما ثبت في الإسلام وقوعه.

المعنى الثالث: أن يكون المشار إليه هو حياة وموت آخر يكون في عالم البرزخ، أي أنّ الميّت يحيى بعد موته إلى عهدٍ قريب من يوم القيامة، ثم يموت بنفخة الصور الأُولى حين يُصعق مَن في السموات والأرض، وأمّا الإحياء ليوم القيامة فهو زمن التكلم وكأنّه غير

____________________

(1) 40 / 11.

٦٣٦

داخل في الحساب.

إلى معاني أُخرى محتملَة، ولعلّ أكثرها ظهوراً هو المعنى الأوّل، دون معنى الرجعة والمعاني الأُخرى؛ فلا تكون الآية دالّة على الرجعة بحال.

ولعلّ أوضح ما يقرّب المعنى الأوّل على معنى الرجعة هو أنّ المعنى الأوّل عامّ لكل الناس، والرجعة خاصّة ببعضهم، وظهور الآية هو العموم.

الآية الثانية: قوله تعالى:( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (1) .

وقد أشار أحد الأخبار التي سمعناها إلى طريقة فهم الرجعة من هذه الآية: أنّ الله تعالى يحشر في يوم القيامة الناس جميعاً، لا أنّه يحشر بعضاً ويدع بعضاً: وهو المشار إليه في قوله تعالى:( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) ، إذاً فهي لا تشير إلى حشر يوم القيامة، وإنّما تشير إلى حشر آخر هو الحشر في الرجعة.

وإنّما سُمّي حشراً باعتبار أنّه يتضمّن الحياة بعد الموت لجماعات كثيرة، مشابهاً من هذه الجهة لحشر يوم القيامة.

ونحن إذا نظرنا إلى الآية الكريمة باستقلالها، لن نجدها دالّةً على الرجعة بحال، ولا اقل من احتمال معنى آخر بديل لمعنى الرجعة، لا تكون الآية دالّة عليه أقل من دلالتها على معنى الرجعة.

وهذا المعنى هو الحشر التدريجي، فإنّ الحشر والحساب في يوم القيامة له أحد أُسلوبين محتمَلَين:

الأُسلوب الأوّل: الحشر الدفعي أو المجموعي، بمعنى: أن يُحشر الناس كلهم من أوّل البشرية إلى آخرها سويّةً، ويحاسبون على أعمالهم.

وهذا هو المركوز في الأذهان عادةً، غير أنّه ليس في القرآن ما يدل عليه، وترد عليه بعض المناقشات لسنا الآن في صددها.

الأُسلوب الثاني: الحشر التدريجي: جيلاً بعد جيل، أو ديناً بعد دين، أو مجموعة بعددٍ معيّنٍ بعد مجموعة، وهكذا. وحتى يتمّ حساب الدفعة الأُولى تُحشر الدفعة الثانية، وهكذا.

____________________

(1) 27 /83.

٦٣٧

فقد تكون الآية التي نحن بصددها دالّة على هذا الأُسلوب من الحشر، حيث يقول:( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) ؛ لأنّ حشر الجيل الواحد يتضمّن أن يعود إلى الحياة جماعة من كل مذهب ودين:( مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ) كما كان عليه الحال في الدنيا. وهو لا يريد إهمال الآخرين، بل هو يشير إلى دفعة واحدة من الحشر التدريجي، وأما الدفعات الأُخرى فيأتي دورها تباعاً. ولن تكون مهملة بدليل قوله تعالى:( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) أي أنّ الحشر التدريجي سيستوعب في النتيجة كل البشرية من أوّلها إلى آخرها.

إذاً، فكلتا الآيتين تشير إلى يوم القيامة، ولا تمتّ إلى الرجعة بصلة، ولا أقل من احتمال ذلك، بحيث تكون دلالتها على الرجعة غير ظاهرة.

الآية الثالثة:

( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ) (1) .

وطريقة دلالتها على الرجعة بأحد أُسلوبين:

الأُسلوب الأوّل: أنّ حادثة خروج دابّة الأرض تكون عند الرجعة، فهي تخرج مع الراجعين لتقوم بوظيفتها بينهم.

إلاّ أنّ هذا الأُسلوب غير صحيح بكل وضوح؛ لأنّ الآية لا تشير إلاّ إلى خروج دابّة الأرض، وأمّا أنّها تخرج في جيل طبيعي في جيل الرجعة، فهذا ما لا تشير إليه الآية إليه بحال.

الأُسلوب الثاني: أنّها تشير إلى رجعة دابّة الأرض نفسها، أعني حياتها بعد الموت، فهي تشير إلى رجعة شخص واحد لا أكثر. وإذا أمكن ذلك في شخص أمكن في عديدين.

وهذا يتوقّف على أن نفهم من ( دابّة الأرض ) أنّه إنسان سبق له أن عاش في هذه الحياة؛ وفي الآية قرينة على بشريّة هذه الدابّة وهي قوله: ( تكلّمهم ) فإنّ الكلام يكون من البشر دون غيره. ويتوقّف على أن نفهم من قوله ( أخرجنا ) معنى: أرجعنا إلى الحياة بعد الموت، لا أنّ هذا الإنسان يولد في حينه. وقد يجعل قوله تعالى:( أَنَّ النَّاسَ

____________________

(1) 27 / 82.

٦٣٨

كَانُوا بِآَيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ) ، دليلاً على ذلك؛ لأنّ الآية إنّما تكون بالرجوع بعد الموت، وأمّا لو كان يولد في زمانه، لما حدثت الآية، وقد قامت الأخبار التي سمعنا طرفاً منها، بتعيين هذا الإنسان بالإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).

والإنصاف: أنّ فكرة الأُسلوب الثاني هي المستفادة من الآية الكريمة، فدابّة الأرض هو إنسان بعينه، وقوله أخرجنا دالٌّ على الإيجاد غير الطبيعي لا على مجرّد الولادة؛ إذاً، فالآية الكريمة دالة على رجعة هذا الإنسان.

غير أنّها لا تدل على أي معنى آخر للرجعة، لا العام ولا الخاص، ومن المحتمل بل المؤكّد أنّ هناك مصلحة في حكمة الله تعالى لرجوع دابّة الأرض، لا تتوفّر في أي بشريٍّ آخر، ومعه لا يمكن القول بالتعميم منه إلى رجعة أي شخص آخر. ومجرّد الإمكان في قدرة الله عزّ وجلّ، وهو ممّا لا شك فيه، لا يدل على الوقوع الفعلي.

وإذا وصلنا إلى هذه النتيجة، استطعنا أن نستنتج نتيجةً أُخرى مهمّة، هي التوحيد بين مدلول القرآن ومدلول الأخبار. فإنّنا عرفنا أنّ الأخبار لا يمكنها أن تثبت إلاّ المعنى الإجمالي الذي تواترت الأخبار عليه، وهو رجوع بعض الأموات إلى الحياة قبل يوم القيامة، بشكل يناسب أن يكون هذا الراجع واحداً لا أكثر. وهذا صالح للانطباق على ما دلّ عليه القرآن الكريم من رجعة دابّة الأرض. فإنّ هذا المعنى الإجمالي لم يثبت انطباقه بدليلٍ كافٍ إلاّ على دابّة الأرض فيتعيّن فيه، بعد ضمّ الدليلين إلى بعضهما.

ومعه في الإمكان القول: إنّ المقدار الثابت في السنّة الشريفة، ليس أكثر ممّا دلّ عليه القرآن الكريم، كما أنّ ما دلّ عليه القرآن الكريم هو بعينه ما ثبت في السنّة.

ومعه، فلم يثبت أي معنى من معاني الرجعة ولا احتمالاتها السابقة، وإنّما لابد لنا كمسلمين: أن نتعبّد بخروج دابّة الأرض التي نطق بها القرآن الكريم. وفي الإمكان أن نسمّي ذلك بالرجعة، إلاّ أنّه على خلاف اصطلاحهم.

فهذا هو نبذة الكلام حول الرجعة.

حكم الأولياء الصالحين:

أخرج الشيخ في الغيبة(1) بسنده عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (ع) - في حديث

____________________

(1) ص285.

٦٣٩

طويل - أنّه قال:

يا أبا حمزة، إنّ منّا بعد القائم أحد عشر مهديّاً.

وأخرج أيضاً(1) بإسناده إلى جابر الجعفي، قال:

سمعت أبا جعفر(ع) يقول: والله ليملكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمئة سنة. قلت: متى يكون ذلك؟ قال: بعد القائم. قلت: وكم يبقى القائم في عالمه. قال: تسع عشر سنة. ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين (ع) ودماء أصحابه فيقتل ويسبي، حتى يخرج السفّاح.

وأخرجه النعماني في الغيبة(2) إلى قوله:

تسع عشر سنة، إلاّ أنّه قال: ثلاثمئة سنة ويزداد تسعاً.

وأخرج في البحار(3) نقلاً عن غيبة الشيخ، عن أبي عبد الله الصادق (ع)، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (ع)، قال:

قال رسول الله (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته، لعلي: يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة. فأملى رسول الله (ص) وصيته حتى انتهى ( إلى ) هذا الموضع. فقال: يا علي: إّنّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثني عشر مهديّاً. فأنت يا علي أوّل الاثنا عشر إمام... وساق الحديث، إلى أن قال: وليسلّمها الحسن ( يعني الإمام العسكري (ع) إلى ابنه محمد المستحْفَظ من آل محمد صلّى الله عليه وعليهم. فذلك اثني عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديّاً. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوّل المهديين ( المقرّبين: نسخة الغيبة ). له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو: عبد الله، وأحمد. والاسم الثالث: المهدي. وهو أوّل المؤمنين.

وفي عدد من الأدعية الواردة في المصادر الإمامية الدعاء لهؤلاء الأولياء الصالحين

____________________

(1) ص286.

(2) ص181.

(3) ج13 ص237. وانظر غيبة الشيخ.

٦٤٠