موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء ٣

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)0%

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 679

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 679
المشاهدات: 188592
تحميل: 8737


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 188592 / تحميل: 8737
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور)

موسوعة الإمام المهدي (عج) (تاريخ ما بعد الظهور) الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفصل الرابع

الأيديولوجيَّة العامَّة التي يتبنَّاها المهدي (ع)

تجاه الكون والحياة والتشريع

والذي نريد التعرُّف عليه في هذا الصدد، هو الاطِّلاع الكامل على العُمق الحقيقي للوعي الذي ينشره الإمام المهدي في المجتمع، لا تفاصيل الأُسس العامة التي تبتني عليها الأيديولوجية يومذاك، فإنَّ ذلك ممَّا يتعذَّر الاطِّلاع عليه قبل يوم الظهور، كما ذكرنا في التمهيد.

وإنَّما الذي نُثير التساؤل عنه ونُحاول التعرُّف عليه الآن، هو بعض العناوين العامة التي يُتصوَّر اتجاه الأيديولوجية المهدوية نحوها، أو التي قد يخطر في الذهن ذلك منها، ومعه يكون التساؤل مُثاراً عن أمور أربعة:

الأمر الأول: الدين يعتنقه المهدي (ع)، ويُعلنه في العالم.

الأمر الثاني: المذهب الذي يتَّخذه (ع).

الأمر الثالث: التساؤل عمَّا إذا كان يتبنَّى بعض المفاهيم المـُحدَّدة الضيِّقة، كالعنصرية، والقومية، والوطنية ونحوها.

الأمر الرابع: التساؤل عمَّا إذا كان نظامه مُشابهاً في المفهوم أو المدلول مع الأنظمة السابقة على الظهور، كالرأسمالية والاشتراكيَّة، أو لا؟

ونتكلَّم عن كل من هذه التساؤلات الأربعة، في ضمن جهة من الكلام.

الجهة الأُولى: في الدين الذي يتبنَّاه الإمام المهدي (ع) ويحكم العالم على أساسه.

وهو دين الإسلام بصفته الأطروحة الكاملة التي تُحقِّق العبادة الحقيقية المـُستهدفة من خلق البشرية أساساً، كما سبق أن عرفنا.

٦١

ويتمُّ الاستدلال على ذلك بعدَّة أساليب، نذكر منها ما يلي:

الأُسلوب الأول: أن نستعرض بعض الظواهر المـُهمَّة لنتائج العدل السائدة في دولة المهدي... فإذا عطفنا على ذلك انحصار العدل الكامل بالإسلام، إذاً، فهذا الأُسلوب متوقُّف على مُقدَّمتين:

المـُقدِّمة الأُولى: استعراض بعض الظواهر المـُهمَّة والنتائج العظيمة للعدل السائد في دولة المهدي العالمية.

وهذا بتفاصيله موكول إلى الباب الثالث من القسم الثاني من هذا التاريخ، وإنَّما نقتصر في المقام على ذكر بعض الأمثلة.

فمن ذلك ما أخرجه ابن ماجه(1) ، عن أبي سعيد الخدري: أنَّ النبي (ص) قال: ( يكون في أُمَّتي المهدي... فتنعم فيه أُمَّتي نعمةً لم ينعموا مثلها قطُّ، تؤتي أُكلها ولا تدخر منهم شيئاً. والمال يومئذ كدوس، فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي، عطني فيقول: خُذْ ).

وما يرويه البخاري(2) ، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله ( ص) قال، - في حديث -: ( ومتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يَهمُّ ربُّ المال مَن يقبل صدقته، ومتى يعرضه فيقول الذي يُعرَض عليه لا أرِبَ لي به ).

وقد برهنَّا في التاريخ السابق(3) ، بانحصار حدوث هذه الكثرة من المال في دولة المهدي (ع) دون ما قبلها، مضافاً إلى دلالة هذه الأخبار المرويَّة هنا.

وما أخرجه مسلم في صحيحه(4) ، عن أبي سعيد وجابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله (ص): ( يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعدُّه ).

وما أخرجه الشيخ المفيد في الإرشاد(5) ، عن المفضَّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ( إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور

____________________

(1) انظر السُّنن ج2 ص1367.

(2) انظر الصحيح ج9 ص74.

(3) انظر تاريخ الغيبة الصغرى ص 231 و ص335.

(4) ج8 ص 185.

(5) انظر ص342.

٦٢

ربِّها - إلى أن قال: - وتُظهر الأرض من كنوزها حتى الناس الأرض على وجهها، ويطلب الرجل منكم مَن يصله بماله ويأخذ منه زكاته، فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك، واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله ).

ومثل ذلك ما ورد في كتاب العهدين في وصف دولة العدل المـُنتظرة، كقوله(1) :وتنفتح أبوابك دائماً (2) نهاراً وليلاً لا تُغلق، ليؤتى إليك بغنى الأُمم وتُقاد ملكهم؛ لأنَّ الأمة والمملكة التي لا تخدمك تبيد، وخراباً تخرب الأُمم.

وكقوله:بل يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويُميت المـُنافق بنفخة شفتيه... فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي... والبقر والدُّبَّة ترعيان، تربض أولادهما معاً، والأسد كالبقر يأكل تبناً، ويلعب الرضيع على سرب الصل، ويمدُّ الفطيم يده على جحر الأفعوان، لا يسوؤن ولا يفسدون، في كل جبل قدسي؛ لأن الأرض تمتلئ من معرفة الربِّ (1) .

إلى غير ذلك من النصوص في كُتب العهدين، ولكلٍّ من هذه النصوص تحليله وتفسيره الذي سيأتي في مستقبل البحث... وإنَّما المراد الإلمام في الجملة بحالة السعادة والرفاه التي يعيشها شعب المهدي (ع) – وهو كل البشرية – في دولته وتحت نظامه.

المـُقدِّمة الثانية: انحصار العدل الكامل في الإسلام.

وهذا يحتاج إلى بحث عقائدي لسنا الآن بصدده، وإنَّما نُشير الآن إلى خلاصة نتائجه: وهي أنَّنا بعد أن علمنا الإسلام هو آخر الشرائع السماوية، وأنَّ العقل البشري قاصر عن إيجاد العدل الكامل في العالم، وأنَّ الله تعالى وعد في كتابه الكريم بتطبيق العدل الكامل والعبادة المحضة على وجه الأرض، بل كان هذا هو الغرض الأساسي للخَلق.

____________________

(1) أشعيا:60/ 13.

(2) مرجع ضمير المؤنث المـُخاطب هو ( أورشليم ) عاصمة بني إسرائيل في نظر اليهود، ولكنَّنا سنُبرهن في الكتاب القادم على انحصار صحَّة هذه النبُّؤات بدولة المهدي (ع)، وإنَّما ذكرت أورشليم باعتبارها العاصمة الدينية المـُهمَّة في نظر اليهود. فإن انتقلت الأهمِّيَّة إلى غيرها انتقلت النبُّؤات أيضاً؛ لأنَّها تتبع الدين الحق حيث يكون.

(3) أشعيا: 11/ 4 - 8.

٦٣

إذن؛ فينحصر أن يكون هذا العدل المـُشار إليه هو الإسلام؛ لعدم إمكان حصوله من العقل البشري، وعدم إمكان نزول شريعة أُخرى بعد الإسلام.

وإذا تمَّ الأسلوب الأول وبكلا مُقدِّمتيه، عرفنا أنَّ كل ما ذُكِر من أنحاء وأنواع السعادة والرفاه الموجود في دولة المهدي (ع)، دولة الحق والعدل المـُنتَظرة، هو في الحقيقة نتيجة لتطبيق مفاهيم وقوانين الإسلام فيها.

إذاً؛ فقد تبرهن أنَّ الدين الإسلامي الذي يُعتنق، والقانون الذي يُتَّخذ في تلك الدولة هو الإسلام، بقيادة القائد العظيم الإمام المهدي (ع).

الأُسلوب الثاني: أن نستعرض نصوص الأخبار الدالَّة على أنَّ الإمام المهدي (ع) يُطبِّق الإسلام بالخصوص، وهي على عدَّة أقسام:

القسم الأول: الأخبار الدالَّة على أنَّ المهدي من النبي (ص)، ومن عترته، ومن أُمَّته، ومن أهل البيت، وإذا كان المهدي مُتَّصفاً بهذه الصفات، فهو على دين الإسلام بالضرورة.

أخرج أبو داوود(1) ، ونعيم بن حماد، والحاكم، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (ص): ( المهدي منِّي... ) الحديث.

وأخرج أحمد، والباوردي في المعرفة، وأبو نعيم، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (ص): ( أُبشِّركم بالمهدي، رجل من قريش، من عترتي... ) الحديث.

وأخرج أبو داود، وابن ماجة، والطبراني، والحاكم، عن أُمِّ سلمة: سمعت رسول الله (ص) يقول: ( المهدي منَّا أهل البيت، رجل من أُمَّتي... ) الحديث.

وأخرج أحمد، وابن أبي شيبة، وابن ماجة، ونعيم بن حماد في الفتن عن علي قال: ( قال رسول الله (ص): المهدي منَّا أهل البيت... ) الحديث.

وأخرج(2) ابن أبي شيبة، والطبراني، والدارقطني في الإفراد، وأبو نعيم،

____________________

(1) انظر الحاوي للفتاوي للسيوطي ج2 ص124. وكذلك الأخبار الأربعة التي تليه.

(2) المصدر ص125 وكذلك الخبر الذي يليه.

٦٤

والحاكم، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله (ص): ( لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله تعالى رجلاً من أهل بيتي... ) الحديث.

وأخرج الطبراني، عن ابن مسعود، عن النبي (ص) قال: ( لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ ليلة لمَلك فيه رجل من أهل بيتي ).

إلى غير ذلك من الأخبار، ودلالتها على المطلوب أوضح من أن تخفى.

القسم الثاني: الأخبار الدالَّة على أنَّ المهدي (ع) يحكم الأُمّة الإسلامية على الأخص، وهو حين يحكمها بصفتها الإسلامية، فسوف لن يكون حُكمه إلاَّ بالإسلام.

أخرج الترمذي(1) وحسَّنه، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص) قال: ( إنَّ في أُمّتي المهدي، يخرج... ) الحديث. أقول: يخرج فيها يعني يحكمها.

وأخرج نعيم بن حماد، وابن ماجة، عن أبي سعيد، أنَّ النبي (ص) قال: ( يكون في أُمَّتي المهدي... ) الحديث.

وأخرج(2) أحمد ومسلم، عن جابر، قال: قال رسول الله (ص): ( يكون في آخر أُمَّتي خليفة... ) الحديث.

القسم الثالث: الأخبار الدالَّة على تطبيق المهدي (ع) للإسلام وسنَّة النبي (ص).

أخرج الطبراني في الأوسط(3) ، وأبو نعيم، عن أبي سعيد: سمعت رسول الله (ص) يقول: ( يخرج رجل من أهل بيتي يقول بسنَّتي ) الحديث.

وأخرج - يعني نعيم بن حماد -(4) ، عن علي، عن النبي (ص )، قال: ( المهدي رجل من عترتي، يُقاتل على سنَّتي، كما قاتلت أنا على الوحي ).

وأخرج ابن حجر في الصواعق(5) قال: وصحَّ أنَّه (ص) قال:

____________________

(1) المصدر ص126 وكذلك الخبر الذي يليه.

(2) المصدر ص131.

(3) المصدر والصفحة

(4) المصدر ص148.

(5) انظر ص98.

٦٥

( يكون اختلاف عند موت خليفة... إلى أن قال: ويعمل في الناس بسنَّة نبيِّهم (ص) ويُلقي الإسلام بجرانه على الأرض ).

وروى الشيخ الطوسي في الغيبة(1) ، عن أبي جعفر الباقر (ع)، قال: ( ويقتل الناس حتى لا يبقى إلاَّ دين محمد (ص)... ) الحديث.

واخرج أبو يعلى(2) ، عن أبي هريرة قال: حدَّثني خليلي أبو القاسم (ص) قال: ( لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي، فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق... ) الحديث.

أقول: الحقُّ في نظر رسول الله هو الإسلام.

وروى الشيخ المفيد في الإرشاد(3) ، عن المفضَّل بن عمر الجُعفي، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد (ع) يقول: ( إذا أذِنَ الله تعالى للقائم في الخروج، صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه، وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقِّه، وأن يسير فيهم بسنَّة رسول الله (ص) ويعمل فيهم بعمله... ) الحديث.

القسم الرابع: من الأخبار، ما دلَّ على أنَّ المهدي (ع) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً.

وهي أخبار متواترة، مروية عن النبي (ص) وقادة الإسلام الأوائل، وهم يرون أنَّ القسط والعدل هو الإسلام ليس إلاَّ؛ فيكون المعنى اعتناق وتطبيق الإمام المهدي (ع) للإسلام عقيدة ونظاماً.

وقد أحصى الصافي في مُنتخب الأثر(4) لهذه العبارة الكريمة مئة وتسعة وعشرين حديثاً، وقد روتها المصادر العامة بكثرة، بما فيها الصحاح، كأبي داود، وابن ماجة، والترمذي إلى مصادر أُخرى كثيرة ذكرناها في التاريخ السابق(5) ، مضافاً إلى مصادر علماء الإمامية ومُصنِّفيهم، فإنها أكثر من أن تُحصى.

____________________

(1) انظر ص 283.

(2) الحاوي للفتاوي ص131

(3) انظر ص 342 وما بعدها.

(4) انظر ص478.

(5) تاريخ الغيبة الكبرى ص281 وما بعدها.

٦٦

وسيأتي في القسم الثاني من هذا الكتاب ما يزيد هذه الأخبار بأقسامها الأربعة وضوحاً.

وهذان الأسلوبان من الاستدلال على حقيقة الدين الذي يتَّخذه المهدي (ع)، ثابتان بغضِّ النظر عن الدليل القائم على أساس التخطيط الإلهي، والقائل: بأنَّ الأُطروحة العادلة والكاملة المـُطبَّقة في اليوم الموعود في دولة المهدي (ع) هي الإسلام، وتصلح نتيجة هذين الأسلوبين للاستدلال على هذه الحقيقة، بأن نقول:

إنَّ المهدي (ع) يُطبِّق الأطروحة العادلة الكاملة في دولته العالمية، كما ثبت في التخطيط العام، وهو يعتنق ويُطبِّق الإسلام، كما ثبت بهذين الأسلوبين الأخيرين...

إذاً؛ فالإسلام هو الأطروحة العادلة الكاملة.

وكذلك يصحُّ الاستدلال بالعكس، بأن نغضَّ النظر عن هذين الأسلوبين، ونتساءل من جديد عن حقيقة الدين الذي يعتنقه المهدي ( ع)، فنقول: إنَّ المهدي يُطبِّق الأطروحة العادلة الكاملة في دولته، كما ثبت في التخطيط العام، والإسلام هو الأطروحة العادلة الكاملة، كما استدللنا في التاريخ السابق(1) ، وسيأتي الحديث عن ذلك في الكتاب الآتي أيضاً...

إذاً؛ يثبت أنَّ الدين الذي يعتنقه المهدي (ع) ويُطبِّقه هو الإسلام، إذ لا يُحتمل أنَّه يُطبِّق الإسلام وليس بمسلم... فإنَّ التطبيق الإسلامي سوف لن يكون تامَّاً وعادلاً، إلاَّ إذا كان الرئيس الأعلى مسلماً، كما ثبت في الفقه الإسلامي، ويصلح أن يكون هذا أسلوباً ثالثاً إلى جنب الأسلوبين السابقين.

إذاً؛ فهاتان الحقيقتان وهما:

1- إنَّ دين المهدي (ع) هو الإسلام.

2- إنَّ الإسلام هو الأطروحة العادلة الكاملة، يمكن الاستدلال بإحداهما على الأُخرى، بعد أخذ إحداهما مُسلَّمة والأُخرى محلاَّ ًللاستلال، وكلتاهما مدعمتان بأدلَّة أُخرى غير هذه.

وإذا تبرهن على أنَّ المهدي (ع) يُطبِّق الإسلام في اليوم الموعود، باعتبار النظام الذي يتكفَّل العدل الكامل... فإنَّه يترتَّب على ذلك عدَّة نتائج، فيما إذا قورنت دولته بالدولة الحاضرة، وهذا ما سيأتي في القسم الثاني من الكتاب، ونذكر الآن بعضها على

____________________

(1) انظر ص 261 منه.

٦٧

سبيل المثال.

منها: توحيد المـُعتقَد الديني في العالم بدين الإسلام، طبقاً لقوله تعالى:

( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ... ) ، على أساس أنَّ هذا الدين هو الذي يُنظِّم العالم ويحلُّ مشاكله، ويُحقِّق له العدل الكامل، ويأتي هذا التوحيد تحت ظروف مُعيَّنة يُهيِّؤها القائد المهدي، نُشير إليها في مُستقبل البحث.

ومنها: أنَّ العالم سوف يحكم بأُطروحة قانونية واحدة، لا يحق فيها التجزئة، ولا يجوز عليها الخروج.

ومنها اتِّحاد السياسة والدين في سير التطبيق والتاريخ، كما كان عليه الحال في زمن النبي (ص) والخلافة الأُولى، وإنهاء فكرة: فصل الدين عن الدولة.

ومنها: إبتناء الحُكم، ابتناء التكامل الفردي والاجتماعي على الأساس الإلهي، ويتمُّ القضاء تماماً على أيِّ اتِّجاه مادي في العالم، مهما كان نوعه.

ومنها: إنهاء فكرة كحق تقرير المصير، فإنَّ مصير البشر قد تقرَّر من الأعلى، من التخطيط الإلهي العام ولن يكون مُنبثقاً من البشر، أو ناتجاً عن آرائهم الناقصة.

إلى غير ذلك من النتائج، التي سيأتي التعرض لأسبابها ونتائجها مُفصَّلاً.

الجهة الثانية: المذهب الذي يتَّخذه المهدي (ع) من مذاهب الإسلام، يمكن أن يراد من المذهب أحد المعنيين:

المعنى الأول: أن يُراد بالمذهب مجموع الأفكار المـُتبنَّاة من العقائد والفقه السائد، بحيث يكون كلام شيوخ المذهب وعلمائه دخيلاً في بلورته وصقل فكرته.

المعنى الثاني: أن يُراد بالمذهب العقائد الرئيسية التي تُشكِّل حجر الزاوية فيه والأساس الرئيس له... كالقول بالعدل والإمامة اللذين كانا محلَّ الخلاف بين الإمامية وغيرهم من المسلمين.

فإن أردنا المعنى الأول من المذهب، فينبغي لنا أن نجزم بأنَّ المهدي (ع) سيُغيِّر في تفاصيل تشريعه كل مذاهب المسلمين الموجودة قبل ظهوره، ولا يُحتمل فيه أن يكون منسوباً إلى أيٍّ من المذاهب السائدة؛ لأنَّ الكثير من أفكار كلِّ مذهب، ناتج عن أفكار

____________________

(1) آل عمران: 3/ 85.

٦٨

مُفكِّريه واستنتاجات علمائه، وهي - على أيِّ حال - قابلة للخطأ والصواب، ما لم تكن من ضروريَّات الدين أو واضحات العقل.

والمهدي (ع) سيُطبِّق عند ظهوره الإسلام الواقعي، كما جاء به النبي (ص) سواء وافق الأحكام المعروفة للمذاهب أو خالفها، وسيأتي بقوانين إسلامية جديدة لتنظيم العالم؛ ليجعله كله على عتبة الرُّقيِّ والتكامل.

ولذا؛ صرَّح عدد من علماء العامة ومفكريهم في مناسبات مُختلفة، بعد انطباق أحكام المهدي مع شيء من المذاهب الأربعة، ولا غيرها.

قال ابن العربي في الفتوحات المكِّيَّة(1) في كلامه عن المهدي: به يرفع المذاهب من الأرض، فلا يبقى إلاَّ الدين الخالص، أعداؤه مُقلِّدة العلماء أهل الاجتهاد لما يرونه من الحُكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم...

وقال السيوطي(2) - عن الحُكم الذي سيُمارسه عيسى بن مريم (ع) وهو العضد الأيمن للمهدي (ع)، كما سنعرف، في دولة الحق، قال -: وإذا قلتم: إنَّه يحكم بشرع نبيِّنا، فكيف طريق حُكمه به أبمذهب من المذاهب الأربعة المـُقرَّرة، أو باجتهاد منه؟!

هذا السؤال أعجب من سائله!! وأشدُّ عجباً منه قوله فيه: بمذهب من المذاهب الأربعة!! فهل خطر ببال السائل: أنَّ المذاهب في المِلَّة الشريفة مُنحصرة في أربعة، والمجتهدون من الأُمَّة لا يُحصون كثرة...؟! فلأيِّ شيء خَصَّص السائل المذاهب الأربعة؟!

ثمَّ كيف يظنُّ بنبيٍّ أنَّه يُقلِّد مذهباً من المذاهب، والعلماء يقولون: إنَّ المجتهد لا يُقلِّد مُجتهداً؟! فإذا كان المجتهد من آحاد الأمة لا يقلد، فكيف يظن بالنبي أنه يقلد؟!

إلى غير ذلك من الكلمات التي لا حاجة إلى استقصائها.

وأمَّا موقف الإمامية من ذلك فواضح، فإنَّهم يعتبرون المهدي (ع)، مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي، بصفته الإمام الثاني عشر من أئمَّتهم (ع)، فمن غير المـُحتمل لديهم رجوعه في التشريع أو غيره إلى أحد علمائهم أو إلى أكثر، بل هو يستقيل ببيان التشريع الإسلامي، ويكون واجب الطاعة في غيبته.

وأمَّا إذا أردنا بالمذهب، ما يعود إلى المقوِّمات الرئيسية، كالاعتقاد بالعدل

____________________

(1) ج3 ص327.

(2) انظر الحاوي للفتاوي، للسيوطي ج2 ص280.

٦٩

والإمامة، وعدمه...

فالمـُلاحَظ بالنسبة إلى المهدي (ع) سكوت الأخبار الواردة في مصادر العامة والجماعة عن مذهبه، سكوتاً تامَّاً، في حدود اطِّلاعنا، فلو أردنا الجواب على مثل هذا السؤال، وهو: أنَّ المهدي من أهل السنَّة، يؤمِن بأصولهم الاعتقادية، أو بالأهمِّ منها على الأقل... كان ذلك مُتعذِّراً عن طريق الأخبار.

ومن هنا سكتت كلمات مُحقِّقيهم عن التعرُّض لذلك... واكتفوا بالقول: بأنَّه يُطبِّق الدين الحقيقي، من دون أيِّ إشارة إلى أنَّه ممَّن يوافقهم في المذهب أولا.

نعم، مَن يرى منهم بأنَّ المهدي (ع) يعمل بفقه أحد المذاهب الأربعة يرى - بطبيعة الحال - أنَّه مُلتزم عقائدياً بما يعتقدونه، غير أنَّ مُحقِّقيهم اعترضوا على هذا القول واستنكروه، كما سمعنا.

إذاً؛ فلم يتمَّ الإثبات التاريخي الكافي لذلك.

نعم، تبقى هناك فكرتان، إحداهما أشمل من الأُخرى، لابدَّ من عرضهما في هذا الصدد:

الفكرة الأُولى: فيما تقتضيه القواعد العامة، من تعيُّن مذهبه على وجه الإجمال.

من المـُسلَّم به بين المسلمين، كون أحد المذاهب الموجودة بين مذاهبهم حقَّاً، وأنَّ المذاهب الأُخرى باطلة غير مطابقة للعقائد الإسلامية الصحيحة، وسبق أن قلنا: إنَّ أصحاب الإمام المهدي (ع) المـُمحَّصين في عصر الغيبة، إنَّما يكونون من ذلك المذهب - أيَّاً كان - دون غيرهم؛ ليتمَّ تمحيصهم على الحق وإخلاصهم له، لا على غيره، كما هو واضح.

ومعه؛ فلابدَّ من الالتزام بأنَّ مذهب المهدي (ع) هو ذلك المذهب الحقُّ، الذي يختار له الله تعالى عليه أصحابه، ولا يُحتمل أن يكون مُخالفاً لهم في المذهب؛ لأنَّه يلزم منه أن لا يكون أحدهما على الحقِّ. وهو باطل بالضرورة.

وأمّا تعيين هذا المذهب الحق، وتسميته من دون المذاهب الأُخرى... فهذا راجع إلى وجدان كل مسلم، وما قام الدليل عنده من صحَّة أيِّ مذهب من المذاهب.

ستكون الفكرة الأُولى لدى الفرد المسلم أن يقول: إنَّ المذهب الحق هو مذهبي؛ والدليل على صحَّته قائم عندي.

إذاً؛ فالمهدي يكون عليه، هكذا يقول أهل كل مذهب... ويبقى مذهب المهدي - بعد ذلك - مُجملاً.

٧٠

وقد لا يكون هذا ضائراً، فإنَّ التعرُّف الإجمالي على مذهبه، بالشكل الذي قلناه، كافٍ على المستوى الذي يُقنع سائر المسلمين، ويكون البحث فيه إسلامياً عامَّاً غير طائفي، ويكون المهدي (ع) - في ذاته - مختاراً في تطبيق المذهب الذي يُريده على العالم.

الفكرة الثانية: وهي أخصُّ من سابقتها، فإنَّه يمكن القول: بأنَّ المهدي (ع) على المذهب الإمامي الاثني عشري؛ وذلك باعتبار القرائن والمـُرجِّحات التالية:

المـُرجِّح الأول: ما ورد أنَّ المهدي (ع) من أهل البيت ومن العترة، وقد سمعنا عدداً من هذه الأخبار فيما سبق، ومنها ما هو موجود في الصحاح الستَّة، التي سنقتصر على النقل عنها:

أخرج أبو داود(1) ، وابن ماجة(2) ، عن أُمِّ سلمة، قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: ( إنَّ المهدي من عترتي من وُلْد فاطمة ).

وأخرج أبو داود أيضاً(3) قوله (ص): ( لو لم يبقَ من الدهر إلاَّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي... ) الحديث.

وأخرج ابن ماجة(4) قوله (ص): ( المهدي منَّا أهل البيت... ) الحديث.

وأخرج الترمذي(5) قوله (ص): ( لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي ).

إلى غير ذلك من الأخبار.

وإنَّ أخص موارد انطباق مفهومي العترة وأهل البيت هم: بنت النبي (ص) الزهراء وزوجها وولداها، وقد يشمل سلمان الفارسي رضوان الله عليه، الذي ورد في شأنه قول النبي (ص): ( سلمان منَّا أهل البيت )(6) ، فليكن الإمام المهدي (ع) على مذهبهم، وليس هو غامضاً ولا مُجملاً في التاريخ.

____________________

(1) انظر السُّنن ج 2 ص 422.

(2) انظر السُّنن ج2 ص 1368.

(3) انظر السُّنن ج2 ص 422.

(4) انظر السُّنن ج2 ص 1367.

(5) انظر الجامع الصحيح ج 3 ص 343.

(6) انظر أُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير 2 ص331. ذكر له أكثر من رواية.

٧١

المـُرجِّح الثاني: ما ورد من الأخبار في مصادر العامة، من أنَّ الأئمَّة اثنا عشر بعد النبي (ص)... أمَّا بالنص على أنَّ المهدي (ع) هو آخرهم، أو بدون ذلك، فإنَّها تنطبق على الاتِّجاه الإمامي في فَهْمِ الإسلام بالتعيين، دون غيره، ومعه؛ يتعيَّن الالتزام بأنَّ مذهب المهدي (ع) موافق لهذا الاتِّجاه.

أخرج البخاري(1) عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي (ص) يقول: ( يكون اثنا عشر أميراً ). فقال كلمة لم أسمعها. فقال أبي: إنَّه قال: ( كلُّهم من قريش ).

وأخرج مسلم(2) نحوه، وذكر له أسناد عديدة إلى جابر بن سمرة.

وأخرج الترمذي(3) ، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله (ص): ( يكون من بعدي اثنا عشر أميراً ).

قال: ثمَّ تكلَّم بشيء لم أفهمه.

فسألت الذي يليني، فقال: ( كلُّهم من قريش ).

ثمَّ قال الترمذي: هذا حديث حَسن، وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة.

وأمَّا ما رواه أحمد وغيره في خارج الصحاح، فكثير.

وإذا تعيَّن صحَّة الاتِّجاه الإمامي، بهذه الأخبار، ثبت كون المهدي هو الثاني عشر من هؤلاء الأُمراء الذين يُشير إليهم النبي (ص)، وهو المطلوب.

كالذي أخرجه القندوزي في ينابيع المودَّة(4) ، نقلاً عن فرائد السمطين للحمويني، بسنده عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قدم يهودي يُقال له: نعثل. فقال: يا محمد، أسألك عن أشياء تُلَجْلِجُ في صدري منذ حين... إلى أن يقول: فما من نبيٍّ إلاَّ وله وصي، وأنَّ نبينا موسى بن عمران أوصى يوشع بن نون.

فقال: ( إنَّ وصيِّي علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي

____________________

(1) انظر الجامع الصحيح ج 9 ص 101.

(2) انظر صحيح مسلم ج 6 ص 3-4.

(3) انظر الجامع الصحيح ج3 ص 240.

(4) انظر ص 529 ط النجف. وص 369 ط الهند عام 1311 هـ.

٧٢

الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمة من صُلب الحسين ).

قال: يا محمد، قَسِّمْهم لي.

قال: ( إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي ).

فهؤلاء اثنا عشر.

وهذه النتيجة، وهي صحَّة الاتِّجاه الإمامي في فهم المهدي (ع)، ومن ثمَّ القول: بأنَّ المهدي إمامي المذهب، وأنَّه أحد الأئمة الاثنا عشر... هذه النتيجة لازمة لكل مَن يقول من علماء العامَّة: بأنَّ المهدي هو محمد بن الحسن العسكري. كابن عربي في الفتوحات المكِّيَّة على ما نُقل عنه في إسعاف الراغبين(1) ، إذ نسمعه يقول: ( وهو عترة رسول لله (ص) من وُلْد فاطمة رضي الله عنها، جدُّه الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده الإمام حسن العسكري بن الإمام علي النقي - بالنون - بن الإمام محمد ( التقي - بالتاء - بن الإمام علي )(2) الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد ( التقي - بالتاء - بن الإمام علي ) الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم. يواطئ اسمه اسم رسول الله (ص)... ).

وكذلك الشعراني في اليواقيت والجواهر(3) ، إذ قال هناك: المهدي من وُلْد الإمام حسن العسكري.

وذكر موافقة الشيخ حسن العراقي، وسيدي علي الخواص على ذلك.

وكذلك كمال الدين بن طلحة، في مطالب السؤول(4) ، حيث قال: الباب الثاني عشر: في أبي القاسم بن محمد الحسن الخالص بن علي المـُتوكِّل بن القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب. المهدي الحجَّة الخَلَف الصالح المـُنتظر (ع) ورحمة الله و بركاته.

____________________

(1) انظر ص 142

(2) ما بين القوسين عبارة نُقلت من محلِّه إلى المحلِّ الذي أثبتناه بين القوسين فيما يلي، وهو خطأ مطبعي غريب. وهي في الأول صحيحة وفي الثاني خاطئة.

(3) انظر ص 288 ط 1306 وانظر إسعاف الراغبين ص141.

(4) انظر ص 79.

٧٣

وكذلك الحافظ الكنجي، في كتابه البيان(1) ، حيث قال: وأمَّا بقاء المهدي (ع)، فقد جاء في الكتاب والسنَّة... ثم شرح ذلك إلى أن قال: وأمَّا ألإمام المهدي (ع)، مُذْ غيبته عن الأبصار إلى يومنا هذا لم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما تقدَّمت الأخبار في ذلك، فلابدَّ أن يكون ذلك مشروطاً بآخر الزمان، فقد صارت هذه الأسباب لاستيفاء الأجل المعلوم(2) .

أقول: وهذا الكلام منه واضح في اختيار الاتِّجاه الإمامي في فَهْم المهدي.

وكذلك ابن الصبَّاغ، في الفصول المهمَّة(3) ، إذ نجده يتحدَّث عن المهدي مُفصلاً، وقال - فيما قال -: وأمَّا نسبه أُمَّاً وأباً، فهو أبو القاسم، محمد الحجَّة بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين... وأمَّا لقبه: فالحجَّة، والمهدي، والخَلَف الصالح، والقائم المـُنتظر، وصاحب الزمان... إلخ.

وذكر الحافظ القندوزي، في ينابيع المودَّة، عدداً من العلماء الذاهبين إلى ذلك: منهم: الشيخ صلاح الدين الصفدي في شرح الدائرة(4) ، وشيخ الإسلام أحمد الجامي النامقي، والشيخ عطَّار النيشابوري، وشمس الدين التبريزي، وجلال الدين الرومي، والسيد نعمة الله الولي، والسيد النسيمي(5) ، والشيخ عزيز بن محمد النسفي(6) ، مُضافاً إلى مَن ذكرناهم قبل قليل.

المـُرجِّح الثالث: اعتراف الأئمَّة المعصومين السابقين عليه به عليه وعليهم السلام... بل تنويههم به والحثُّ على إطاعته وانتظاره في عدد من الأخبار تفوق حدَّ التواتر، وقد نَقل عنهم بعض هذه الأخبار عدد من مصادر العامة، كالبيان للكنجي، وينابيع المودَّة للقندوزي، وغيرهما.

أمَّا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع):

____________________

(1) انظر ص 109.

(2) انظر ص111 من البيان

(3) انظر ص310.

(4) انظر ينابيع المودَّة ص 565 ط النجف وص 293 ط الهند.

(5) المصدر ص 566 ط النجف وص 293 ط الهند.

(6) المصدر ص 569 ط النجف وص 359 ط الهند.

٧٤

فأخرج عنه الكنجي(1) ، وابن ماجة(2) وغيرهما، قال: ( قال رسول الله (ص): المهدي منَّا أهل البيت يُصلحه الله في ليلة ).

وأمَّا فاطمة الزهراء بنت الرسول (ص)، فقد قال لها أبوها - كما أخرجه عنه للكنجي في البيان(3) ، وابن الصبَّاغ في الفصول المـُهمَّة(4) وغيرهما، واللفظ للكنجي -: ( أنا خاتم النبيِّين وأكرم النبيِّين على الله وأحبُّ المخلوقين إلى الله، وأنا أبوك، ووصيِّي خير الأوصياء وأحبُّهم إلى الله وهو بعلك... ومنَّا سبطا هذه الأُمَّة وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيِّدا شباب أهل الجنَّة، وأبوهما – والذي بعثني بالحق – خير منهما. يا فاطمة، والذي بعثني بالحق، إنَّ منهما مهدي هذه الأُمَّة، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن... ) الحديث.

والإمام الحسن الزكي بن علي (ع) نظر إليه النبي (ص) - فيما رواه السيوطي(5) - فقال: ( إنَّ ابني هذا سيِّد، كما سمَّاه النبي (ص)، سيخرج من صُلبه رجل يُسمَّى اسم نبيِّكم يُشبهه في الخَلق ولا يُشبه في الخُلُق ).

واخرج السيوطي(6) ، عن ابن عساكر، عن الحسين (ع): ( أنَّ رسول الله (ص ) قال: أبْشِري يا فاطمة، المهدي منك ).

وأخرج أيضاً(7) ، عن الدار قطني في سُننه، عن محمد بن علي ( وهو الإمام الباقر عليه السلام) قال: ( إن لمهديِّنا آيتين لم يكونا منذ خلق الله السموات والأرض: ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه... ) الحديث.

وأخرج عنه (ع) أيضاً بكُنيته: أبي جعفر(8) بعض الأخبار.

____________________

(1) انظر البيان ص 65.

(2) انظر السُّنن ج2 ص 1367.

(3) انظر ص 56.

(4) انظر ص 314 وما بعدها.

(5) انظر الحاوي للفتاوي ص 125 ج 2.

(6) نفس المصدر ص 137.

(7) المصدر ص 136.

(8)المصدر ص 141.

٧٥

وأمّا الإمام أبو عبد الله الصادق (ع)، فقد كان له في ذكر الإمام المهدي (ع) موقف عاطفي عظيم...

أخرج القندوزي(1) ، عن المناقب، عن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضَّل بن عمر وأبو بصير وإبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله جعفر الصادق (رضي الله عنه) فرأيناه جالساً على التراب وهو يبكي بكاءً شديداً ويقول: ( سيّدي، غيبتك نفت رقادي! وسلبت منِّي راحة فؤادي! ).

قال سدير: تصدَّعتْ قلوبنا جزعاً. فقلنا: لا أبكى الله - يا بن خير الورى - عينيك!

فزفر زفرةً انتفخ منها جوفه. فقال: ( نظرت في كتاب الجفر الجامع صبيحة هذا اليوم... وتأمَّلت فيه مولِد قائمنا المهدي، وطول غيبته، وطول عمره، وبلوى المؤمنين في زمان غيبته... ) إلخ الحديث وهو مطوَّل.

والإمام الرضا علي بن موسى (ع) بشر بالمهدي (ع) أيضاً:

أخرج القندوزي(2) ، عن الحمويني الشافعي في فرائد السمطين، بإسناده عن دعبل بن علي الخزاعي قال: أنشدت قصيدة لمولاي الإمام علي الرضا، رضي الله عنه، أولها:

مدارس آياتٍ خَلَتْ من تِلاوةٍ

ومنزل وحيٍ مُقفِرُ العَرصاتِ

إلى أن قال دعبل: ثمَّ قرأت باقي القصيدة عنده، فلمَّا انتهيت إلى قولي:

خروج إمامٍ لا محالة واقع

يقوم على اسم الله والبركاتِ

يُميِّز فينا كلَّ حقٍ وباطلٍ

ويجزي على النعماء والنقماتِ

بكى الرضا بكاء شديداً. ثم قال: ( يا دعبل، نطق روح القُدس بلسانك! أتعرف هذا الإمام؟).

قلت: لا، إلاَّ أنِّي سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

فقال: ( إنَّ الإمام بعدي ابني محمد، وبعد

____________________

(1) انظر ينابيع المودَّة ص 454 ط النجف وص 379 ط الهند.

(2) المصدر ص 544 ط النجف وص 379 ط الهند.

٧٦

محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجَّة القائم، وهو المـُنتظر في غيبته المـُطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً ) الحديث.

وروى القندوزي في الينابيع(1) حادثة ولادة المهدي (ع)، وفيها بشارة أبيه الإمام الحسن العسكري (ع) بولادته... منها قوله عن أُمِّه رضي الله عنها، أنَّه: ( سيخرج منها ولَد كريم على الله عزّ وجلّ، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ).

فهذا ما روته المصادر العامة، عن الأئمة المعصومين (ع)، وقد أخرجت عن كلٍّ منهم عدداً من الأحاديث، ذكرنا قسماً منها كنموذج.

وأمَّا المصادر الإمامية، فقد روت عن جميع المعصومين عدداً وافراً من الأخبار في التبشير بالمهدي (ع)، لا حاجة إلى نقلها.

والأئمَّة المعصومين عليهم السلام - بغضِّ النظر عن المفهوم الإمامي عنهم - أُناس أتقياء علماء صالحون، لا يوجد لهم في المصادر العامة إلاَّ الذكر الجميل، ومذهبهم الإسلامي أشهر من أن يُذكر، فإنَّهم جميعاً إماميُّون اثنا عشريُّون، يؤمن كلٌّ منهم بإمامة نفسه وإمامة الباقين من آبائه وأولاده.

ومن هنا ينبثق عندنا تقريبان لتعيين مذهب الإمام المهدي على هذا الضوء:

التقريب الأول: إنَّه من غير المـُحتمَل أن يقوم الأئمَّة المعصومون بهذا التأييد للإمام المهدي (ع)، وينوُّهوا به هذا التنويه المـُتواصل الشديد، وهو شخص يختلف عنهم في المذهب، ويُغايرهم في الفَهْم والمـُعتقد الإسلامي.

إذاً؛ فيتعيَّن أن يكون الإمام المهدي على مذهبهم واتِّجاههم واعتقادهم، وهو المطلوب.

التقريب الثاني: إنَّنا لو قلنا: بأنَّ المهدي (ع) يختلف عنهم في المذهب، للزم الالتزام ببطلان مذهبه أو مذهبهم... باعتبار وضوح أنَّ المذهب الحق واحد في الإسلام بالضرورة والإجماع، وهذا ممَّا لا يمكن التفوُّه به تجاه الأئمَّة المعصومين ولا تجاه المهدي.

إذاً؛ فهُمْ جميعاً على مذهب واحد.

المرجح الرابع: ما اعترف به عدد من علماء العامة والجماعة، من أنَّ المهدي

____________________

(1) المصدر ص450 ط النجف وص376 ط الهند. وانظر ص464 ط النجف.

٧٧

(ع) لا يُفضَّل عليه أبو بكر وعمر.

روى السيوطي في العرف الوردي(1) ، بسنده عن محمد بن سيرين أنَّه ذكر فتنة تكون، فقال: إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر.

قيل: أفيأتي خيرٌ من أبي بكر وعمر؟!

قال: قد كان يُفضَّل على بعض.

قال السيوطي: قلت: في هذا ما فيه.

وقال ابن أبي شيبة في المـُصنَّف في باب المهدي: حدَّثنا أبو أُسامة عن عوف بن محمد - هو ابن سيرن - قال: يكون على هذه الأُمَّة خليفة لا يُفضَّل عليه أبو بكر ولا عمر.

قال السيوطي: قلت: هذا إسناد صحيح، وهذا اللفظ أخفُّ من الأول... إلى آخر كلامه.

وظاهر اللفظ أنَّه خبر عن ابن سيرين نفسه، لا عن النبي (ص).

إذاً؛ فابن سيرين يرى عدم أفضلية الشيخين على المهدي، ووافقه البرزنجي في الإشاعة، حيث قال - بعد نقل ما ذكره السيوطي(2) -: وتقدَّم عن الشيخ في الفتوحات أنَّه معصوم في حُكمه مُقْتَفٍ أثر النبي (ص) لا يُخطئ أبداً، ولا شكَّ أنَّ هذا لم يكن في الشيخين، وأنَّ الأمور التسعة التي مرَّت لم تجتمع كلُّها في إمام من أئمَّة الدين قبله؛ فمن هذه الجهات يجوز تفضيله عليهما، وإن كان لهما فضل الصحبة ومُشاهدة الوحي والسابقة، وغير ذلك، والله أعلم.

قال الشيخ علي القاري في المشرب الوردي في مذهب المهدي: وممَّا يدلُّ على أفضليَّته، أنَّ النبي (ص) سمَّاه خليفة الله، وأبو بكر لا قال له إلاَّ خليفة رسول الله، انتهى كلام البرزنجي.

وإذا تمَّ ذلك، فمن البعيد جدَّاً، إن لم يكن من القبيح عقلاً اتِّباع الأفضل للمفضول، ومُسايرته في فَهْمِه واتَّجاهه... مع أنَّ سرَّ فضله كامن في الاطِّلاع على الحقائق، والاتِّساع في النظر، والعمل بشكل غير موجود لدى المفضول.

إذاً؛ فكل واحد من هذه القرائن، يُبرهن على أنَّ مذهب الإمام المهدي (ع) من حيث الأصول الرئيسية، هو المذهب الإمامي الاثنا عشري، بحسب الأدلَّة التي ينبغي أن يعترف بها سائر المسلمين.

____________________

(1) انظر الحاوي للفتاوي ج2 ص 153.

(2) انظر الإشاعة في أشراط الساعة ص 113.

٧٨

وأمَّا عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية، فهذا من الضروريات القطعيَّات، التي لا يمكن أن يرقى إليها الشكُّ، وتدلُّ عليه أعداد غفيرة من أخبارهم في المهدي، ممَّا لا حاجة إلى الإفاضة فيه، يكفي في ذلك أن نعرف أنَّهم يرون أنَّ المهدي إمامهم الثاني عشر، وأنَّهم يرون وجوب طاعته ولزوم انتظاره.

وفي أخبار المصادر العامة ما يدلُّ على ذلك، وقد سمعنا قبل قليل بعضها، وفيها تعبير الأئمة المعصومين عنه (ع) بقائمنا ومهديّنا، ونحو ذلك، فليرجع القارئ إليها.

الجهة الثالثة: موقف الإمام المهدي (ع) من العنصريَّة وأمثالها.

وهي عدَّة مفاهيم ذات مدلول أناني ضيِّق، يتضمَّن تفضيل عنصر على عنصر من البشر، على أساس الدم، أو اللغة، أو اللون، أو الوطن، أو القبيلة، أو نحو ذلك، ولنصطلح عليها جميعاً بالعنصرية، من أجل تخفيف التعبير.

والرأي الذي لا بدَّ من الجزم به - باعتبار الأدلَّة الآتية - هو أنَّ موقف الإمام المهدي (ع) من العنصرية دائماً موقف سلبي ومُعارض... بل دعوته ودولته عالمية، تصل إلى كل البشر على حدٍّ سواء، بدون تفضيل لجماعة على أُخرى.

ويُمكن إقامة الدليل على ذلك على عِدَّة مُستويات:

المـُستوى الأول: أنَّ دعوة المهدي (ع) قائمة على الإسلام، كما برهنَّا، فإنَّه إنَّما يُطبِّق الإسلام على وجه الأرض، ويرفض أيَّ عنصر غريب عنه أو أجنبي.

ونحن نعرف أنَّ الإسلام نصَّ - بكل صراحة - على إلغاء العنصرية، بمثل قوله تعالى:

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (1) .

وقول النبي (ص) المشهور عنه: ( لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ إلاَّ بالتقوى ).

والإسلام دين الناس أجمعين، وليس خاصاً بأحد، قال الله تعالى:( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا... ) (2) .

وقال عزوجل:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا

____________________

(1) الحجرات: 49/ 13. (2) الأعراف: 7/ 158.

٧٩

وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (1) .

وقد أعطى الإسلام للتفاضل أُسُساً جديدة، لا تمتُّ إلى أيِّ شكل من أشكال العنصرية بصِلَةٍ، وهي ثلاثة:

الأساس الأول: العلم. قال الله سبحانه:( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ) (2) .

الأساس الثاني: التقوى. قال تعالى:( ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (3) ، ويدلُّ عليه الحديث النبوي الشريف السابق أيضاً.

الأساس الثالث: الجهاد. قال الله تعالى:( لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاَّ ًوَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) (4) .

هذا بعد التساوي بالإسلام وحُسن العقيدة والتطبيق بطبيعة الحال، ولا يبقي ذلك في الإسلام أيَّ تفاضل، وإنَّما الناس سواسية كأسنان المشط، تجاه عدله الكامل... يكون العظيم عنده صغيراً حتى يأخذ منه الحق، والحقير عنده عظيماً حتى يؤخَذ له الحق.

فإذا كان هذا هو الرأي الصريح للإسلام، وهو الأمر العادل بحكم العقل أيضاً وفطرة الفكر، كما أشار إليه سبحانه حين قال:( ... إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ) . إذاً، فالمهدي (ع) سوف يسير على ذلك أيدولوجيته العامة، وتفاصيل تشريعه وقضائه، وكيف لا، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويُطبِّق الأطروحة العادلة الكاملة.

وقد يخطر في الذهن هذا السؤال: إنَّ الإسلام مهما شجب العنصرية، فإنَّنا نعرف إلى جنب ذلك أنَّ الإمام المهدي (ع) سيأتي بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد، فلعلَّ فيما يأتي به من الأمور إنفاذ العنصرية والاعتراف ببعض حدودها، ومعه لا يكون الدليل تامَّاً.

____________________

(1) سبأ: 24/ 28.

(2) الزُّمر: 39 /9.

(3) الحُجرات:49/13.

(4) النساء:4/95-96.

٨٠