الملهوف على قتلى الطفوف

الملهوف على قتلى الطفوف0%

الملهوف على قتلى الطفوف مؤلف:
المحقق: الشيخ فارس تبريزيان (الحسّون)
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 264

الملهوف على قتلى الطفوف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابو القاسم علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاووس حلّی (سيد بن طاووس)
المحقق: الشيخ فارس تبريزيان (الحسّون)
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 264
المشاهدات: 150391
تحميل: 4996

توضيحات:

الملهوف على قتلى الطفوف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 264 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150391 / تحميل: 4996
الحجم الحجم الحجم
الملهوف على قتلى الطفوف

الملهوف على قتلى الطفوف

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فلمّا كان الغداة توجّه الحسينعليه‌السلام إلىٰ مكّة(٤٧) لثلاث مضين من شعبان سنة ستّين.

فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة.

قال(٤٨) : وجاءه عبدالله بن العباسرضي‌الله‌عنه (٤٩) وعبدالله بن الزبير(٥٠) ، فأشارا عليه بالإمساك.

فقال لهما: «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمرني بأمرٍ، وأنا ماضٍ فيه ».

قال : فخرج ابن عباس وهو يقول: واحسيناه!

____________

(٤٧) ولها أسماء أُخر كثيرة، منها: أُمّ القرىٰ، والنساسة، وأم رحم، وهي بيت الله الحرام.

والمكّ: النقض والهلاك، وسمّي البلد الحرام مكة لأنها تنقض الذنوب وتنفيها، أو تمك مَن قصدها بالظلم، أي تهلكه.

معجم البلدان ٥/١٨١ - ١٨٨، مجمع البحرين ٥/٢٨٩.

(٤٨) قال، لم يرد في ر.

(٤٩) عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي، أبو العباس، حبر الأُمّة، صحابي جليل، ولد بمكة ونشأ في بدء عصر النبوة، لازم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وروىٰ عنه، وشهد مع عليّعليه‌السلام الجمل وصفين، كفّ بصره في آخر عمره، فسكن الطائف وتوفي بها سنة ٦٨ هـ.

الإصابة ترجمة رقم ٤٧٧٢، صفة الصفوة ١/٣١٤، حلية الأولياء ١/٣١٤، نسب قريش: ٢٦، المحبر: ٩٨، الأعلام ٤/٩٥.

(٥٠) أبو بكر عبدالله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، بُويع له بالخلافة سنة ٦٤ هـ عقيب موت يزيد بن معاوية، فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق واكثر الشام، وجعل قاعدة ملكه المدينة، وكانت له مع الأمويّين وقائع هائلة، سار لمحاربته الحجاج الثقفي في أيام عبدالملك بن مروان، فانتقل إلىٰ مكة وعسكر الحجّاج في الطائف، ونشبت بينهما حروب انتهت بمقتل ابن الزبير في مكة بعد أن خذله أصحابه وذلك سنة ٧٣ هـ، مدة خلافته ٩ سنين.

تاريخ ابن الأثير ٤/١٣٥، تاريخ الطبري ٧/٢٠٢، فوات الوفيات ١/٢١٠، تاريخ الخميس ٢/٣٠١، الأعلام ٤/٨٧.

١٠١

ثم ّ جاءه عبدالله بن عمر(٥١) ، فأشار عليه(٥٢) بصلح أهل الضلال وحذّره من القتل والقتال.

فقال له: «يا أبا عبد الرحمن أما علمتَ أنّ من هوان الدنيا علىٰ الله تعالىٰ أن رأس يحيىٰ بن زكريا أُهدي إلىٰ بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل، أما علمت (٥٣) أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلىٰ طلوع الشمس سبعين نبيّاً ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً، فلم يعجل الله عليهم، بل امهلهم وأخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر (٥٤) ،إتّق الله (٥٥) يا أبا عبدالرحمن ولا تدعنّ نصرتي ».

قال: وسمع أهل الكوفة(٥٦) بوصول الحسينعليه‌السلام إلىٰ مكّة وامتناعه من البيعة ليزيد، فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي(٥٧) ، فلمّا تكاملوا قام فيهم

____________

(٥١) عبدالله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عبدالرحمن، كفّ بصره في آخر حياته، وهو آخر من توفي بمكة من الصحابة، مولده ووفاته بمكة، سنة وفاته مختلف فيه.

الإصابة ترجمة رقم ٤٨٢٥، طبقات ابن سعد ٤/١٠٥ - ١٣٨، تهذيب الأسماء ١/٢٧٨، الأعلام ٤/١٠٨.

(٥٢) ر. ع: إليه.

(٥٣) ع. ب: أما تعلم.

(٥٤) ع. ب: أخذ عزيزٍ ذي انتقام.

(٥٥) لفظ: الله، لم يرد في ر.

(٥٦) الكوفة بالضمّ: المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق، قيل: سمّيت الكوفة لاستدارتها.

معجم البلدان ٤/٣٢٢.

(٥٧) أبو مطرّف سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون عبد العزّىٰ بن منقذ السلولي الخزاعي، صحابي، من الزعماء القادة، شهد الجمل وصفين مع عليّعليه‌السلام ، سكن الكوفة، ترأّس التوّابين، استشهد بعين الوردة، قتله يزيد بن الحصين.

الإصابة ترجمة رقم ٣٤٥٠، تاريخ الاسلام ٣/١٧، الأعلام ٣/١٢٧.

١٠٢

خطيباً. وقال في آخر خطبته:

يا معشر الشيعة، إنّكم قد علمتم بأنّ معاوية قد هلك وصار إلىٰ ربّه وقدِم علىٰ عمله، وقد قعد في موضعه ابنه يزيد، وهذا الحسين بن عليّعليهما‌السلام قد خالفه وصار إلىٰ مكّة هارباً من طواغيت آل أبي سفيان، وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله، وقد احتاج إلىٰ نصرتكم اليوم، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدوا عدوّه فاكتبوا إليه، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه.

قال: فكتبوا إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم

إلىٰ الحسين بن عليّ أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، من سليمان بن صرد الخزاعي والمسيّب بن نجبة(٥٨) ورفاعة بن شدّاد(٥٩) وحبيب بن مظاهر(٦٠) وعبدالله بن

__________________

(٥٨) ر: نجيّة.

وهو المسيّب بن نجبة بن ربيعة بن رياح الفزاري، تابعي، كان رأس قومه، شهد القادسية وفتوح العراق، كان مع عليّعليه‌السلام في مشاهده، سكن الكوفة، ثار مع التوّابين في طلب دم الحسينعليه‌السلام ، استشهد مع سليمان بن الصرد بالعراق سنة ٦٥ هـ، وكان شجاعاً بطلاً متعبّداً ناسكاً.

الكامل في التاريخ ٤/٦٨ - ٧١، الإصابة ترجمة رقم ٨٤٢٤، الأعلام ٧/٢٢٥ - ٢٢٦.

(٥٩) رفاعة بن شدّاد البجلي، قارئ، من الشجعان المقدّمين، من أهل الكوفة، من شيعة عليّعليه‌السلام ، قتل سنة ٦٦ هـ.

الكامل في التاريخ حوادث سنة ٦٦ هـ، الأعلام ٣/٢٩.

(٦٠) حبيب بن مظاهر - أو مظهّر أو مطهّر - بن رئاب بن الأشتر بن حجوان الأسدي الكندي ثمّ الفقعسي، تابعي، من القوّاد الشجعان، نزل الكوفة، صحب عليّعليه‌السلام في حروبه كلّها، وكان من شرطة الخميس، ثمّ كان علىٰ ميسرة الحسين يوم كربلاء وعمره خمس وسبعون سنة، بذل محاولة لاستقدام أنصار من بني أسد وحال الجيش الأموي دون وصولهم إلىٰ معسكر الحسينعليه‌السلام ، كان معظّماً عند الحسين، وكان شخصيّة بارزة في مجتمع الكوفة، ولمـّا استشهد قال الحسينعليه‌السلام : احتسب =

١٠٣

وائل(٦١) وسائر شيعته من المؤمنين.

سلام الله عليك، أمّا بعد، فالحمد لله الّذي قصم عدوّك وعدوّ أبيك من قبل، الجبّار العنيد الغشوم الظلموم الّذي ابتزّ(٦٢) هذه الأُمّة أمرَها، وغصبها فيأها، وتأمّر عليها بغير رضىً منها، ثمّ قتل خيارها واستبقىٰ شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها، فبعداً له كما بُعدت ثمود.

ثمّ أنّه ليس علينا إمامٌ غيرك، فأقبل لعلّ الله يجمعنا بك علىٰ الحقّ، والنعمان ابن بشير(٦٣) في قصر الامارة، ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة، ولا نخرج معه إلىٰ عيد، ولو بلغنا أنّك قد أقبلت أخرجناه حتّىٰ يلحق بالشام(٦٤) ،

__________________

= نفسي وحماة أصحابي، قتله بديل بن صريم الغفقاني.

تاريخ الطبري ٥/٣٢٥ـ٤٤٠، رجال الشيخ: ٧٢، تسمية من قتل مع الحسين: ١٥٢، لسان الميزان ٢/١٧٣، الكامل في التاريخ حوادث سنة ٦١ هـ، الأعلام ٢/١٦٦، أنصار الحسين: ٨١ - ٨٢.

(٦١) كذا في ع، وفي ر: وابل.

والظاهر أنّ الصحيح اسمه: عبدالله بن وال التميمي، كما جاء اسمه في أصحاب أمير المؤمنين في رجال الشيخ: ٥٥، وجاء اسمه بعد اسم قنبر مندمجاً معه، وهو اشتباه، وفي مخطوطة رجال الشيخ جاء اسمه قبل اسم قنبر بعدّة أسماء، وورد اسمه في شرح النهج ٣/١٣٢، وعدّة أماكن أخرىٰ.

(٦٢) أي: اغتصب.

(٦٣) النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري أبو عبدالله أمير شاعر، من أهل المدينة، وجّهته نائلة - زوجة عثمان - بقميص عثمان إلىٰ معاوية، فنزل الشام وشهد صفين مع معاوية، وولي القضاء بدمشق، وولي بعده اليمن لمعاوية، ثمّ استعمله علىٰ الكوفة، وعزل عنها وصارت له ولاية حمص، واستمر فيها إلىٰ أن مات يزيد، فبايع النعمان لابن الزبير، وتمرّد أهل حمص، فخرج هارباً، فأتبعه خالد بن خليّ الكلاعي فقتله سنة ٦٥ هـ.

جمهرة الأنساب: ٣٤٥، أسد الغابة ٥/٢٢، الإصابة ترجمة رقم ٨٧٣٠، الأعلام ٨/٣٦.

(٦٤) بالهمزة، ويجوز أن لا يهمز، فيكون جمع شامة، سمّيت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض =

١٠٤

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته يابن رسول الله وعلىٰ أبيك من قبل، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

ثم ّ سرّحوا الكتاب، ولبثوا يومين آخرين وأنفذوا جماعة معهم نحو ماءة وخمسين صحيفة من الرجل والإثنين والثلاثة والأربعة(٦٥) ، يسألونه القدوم عليهم.

وهو مع ذلك يتأنّىٰ فلا يجيبهم.

فورد عليه في يوم واحدٍ ستمائة كتاب، وتواترت الكتب حتّىٰ اجتمع عنده منها في نوب(٦٦) متفرّقة إثنىٰ عشر ألف كتاب.

ثمّ قدم عليه هاني بن هاني السبيعي(٦٧) وسعيد بن عبدالله الحنفي(٦٨) بهذا

____________

= فشبّهت بالشامات، حدّها من الفرات إلىٰ العريش المتاخم للديار المصرية، وعرضها من جَبَلَيْ طي من نحو القبلة إلىٰ بحر الروم، وبها من أُمّهات المدن حلب ومنبج وحماة وحمص ودمشق والبيت المقدس والمعرة وفي الساحل أنطاكية وطرابلس

معجم البلدان ٣/٣١١ - ٣١٥.

(٦٥) والأربعة، لم يرد في ر.

(٦٦) أي: فُرص متفرقة.

(٦٧) هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي، روىٰ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعنه أبو إسحاق السبيعي.

تهذيب التهذيب ١١/٢٢ - ٢٣.

ولم ينعته كلّ من ترجمه بالسبيعي، والسبيعي بطن من بطون همدان.

(٦٨) ر: النخعي، وكذا فيما يأتي.

ذكر في أكثر المصادر وفي الزيارة باسم سعد، وهو من بني حنيفة بن لجيم من بكر بن وائل، وهو أحد الرسل الّذين حملوا رسائل الكوفيّين إلىٰ الحسينعليه‌السلام ، من أعظم الثوّار تحمساً.

تاريخ الطبري ٥/٤١٩ و ٣٥٣، مقتل الحسين للخوارزمي ١/١٩٥ و ٢/٢٠، المناقب ٤/١٠٣، البحار ٤٥/٢١ و ٢٦ و ٧٠، تسمية مَن قتل مع الحسين: ١٥٤، أنصار الحسين: ٩٠ - ٩١.

١٠٥

الكتاب، وهو آخر ما ورد عليهعليه‌السلام من أهل الكوفة، وفيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

إلىٰ الحسين بن عليّ أمير المؤمنينعليهما‌السلام .

من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

أ مّا بعد، فانّ الناس ينتظرونك، لا رأيّ لهم غيرك، فالعجل العجل يابن رسول الله، فقد أخضر الجناب(٦٩) ، وأينعت الثمار، وأعشبت الأرض، وأورقت الأشجار، فاقدم علينا إذا شئت، فإنّما تقدم علىٰ جندٍ مجنّدة لك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلىٰ أبيك من قبلك.

فقال الحسينعليه‌السلام لهاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي: «خبّراني مَن اجتمع علىٰ هذا الكتاب الّذي ورد عليّ معكما؟ ».

فقالا: يابن رسول الله شبث بن ربعي(٧٠) ، وحجّار بن أبجر(٧١) ، ويزيد بن

____________

(٦٩) ع: اخضرت الجنات.

والجَناب: الفِناء، وما قرب من محلّة القوم.

(٧٠) ر: ربيعي.

شبث بن ربعي التميمي اليربوعي أبو عبد القدّوس، شيخ مضر وأهل الكوفة في أيامه، أدرك عصر النبوّة، ولحق بسجاح المتنبّئة، ثمّ عاد إلىٰ الاسلام، ثار علىٰ عثمان، قاتل الحسينعليه‌السلام بعد أن كتب إليه يدعوه إلىٰ المجيء، مات بالكوفة نحو سنة ٧٠ هـ.

وقيل: إنّه لمـّا قبض علىٰ شبث قال له إبراهيم: أصدقني ما عملت يوم الطف؟ قال: ضربت وجهه الشريف بالسيف!! فقال له: ويلك يا ملعون ما خفت من الله تعالىٰ ولا من جدّه رسول الله، ثمّ جعل يشرح أفخاذه حتّىٰ مات.

الإصابة ترجمة رقم ٣٩٥٠، تهذيب التهذيب ٤/٣٠٣، ميزان الاعتدال ١/٤٤٠، الأعلام ٣/١٥٤.

(٧١) حجّار - ككتان وككتاب - بن أبجر الكوفي، يقال فيه: يروي عن أمير المؤمنين، روىٰ عنه السمّاك =

١٠٦

الحارث، ويزيد بن رويم(٧٢) (٧٣) ، وعروة بن قيس(٧٤) ، وعمرو بن الحجاج(٧٥) ، ومحمد بن عمير بن عطارد(٧٦) .

قال(٧٧) : فعندها قام الحسينعليه‌السلام ، فصلّىٰ(٧٨) ركعتين بين الركن والمقام، وسأل الله الخيرَة في ذلك.

ثم ّ دعا بمسلم بن عقيل(٧٩) وأطلعه علىٰ الحال، وكتب معه جواب كتبهم

____________

= ابن حرب.

الرجال في تاج العروس ٢/٢٥.

(٧٢) كذا في النسخ، والظاهر وقوع خلل في العبارة، والصحيح: ويزيد بن الحارث بن رويم، لا: ويزيد ابن الحارث ويزيد بن رويم.

(٧٣) هو: يزيد بن الحارث بن رويم الشيباني، أدرك عصر النبوّة، وأسلم علىٰ يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وشهد اليمامة، ونزل البصرة، قتل في الري سنة ٦٨ هـ.

وفي بعض المصادر: يزيد بن رويم الشيباني، وهذه النسبة إلىٰ جدّه، والمصادر متفقة علىٰ أنه يزيد بن الحارث بن رويم.

الكامل ٤/١١١، الإصابة ترجمة رقم ٩٣٩٨، تهذيب التهذيب ٨/١٦٣، جمهرة الأنساب: ٣٠٥، الأعلام ٨/١٨٠ - ١٨١.

(٧٤) ظاهراً الصحيح: عزرة بن قيس، راجع: تاريخ الطبري ٥/٣٥٣، أنساب الأشراف ٣/١٥٨.

(٧٥) ر: عمر.

وفي إرشاد المفيد: ٣٨: عمرو بن الحجاج الزبيدي.

(٧٦) محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي الدارمي، من أهل الكوفة، له مع الحجاج وغيره من أُمرائها أخبار، كان أحد أُمراء الجند في صفّين مع عليّعليه‌السلام ، توفي نحو سنة ٨٥ هـ.

المحبر: ١٥٤ و ٣٣٨ و ٣٣٩، لسان الميزان ٥/٣٣٠، الأعلام ٦/٣١٩.

(٧٧) قال، ليس في ر.

(٧٨) ر: وصلّىٰ.

(٧٩) ع: ثمّ طلب مسلم.

ومسلم هو ابن عقيل بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم، تابعي من ذوي الرأي والعلم =

١٠٧

يعدهم بالوصول إليهم ويقول لهم ما معناه: «قد نفذتُ إليكم ابن عمّي مسلم ابن عقيل ليعرّفني ما أنتم عليه من الرأي (٨٠) ».

فسار مسلم بالكتاب حتّىٰ دخل إلىٰ الكوفة، فلمّا وقفوا علىٰ كتابه كثر استبشارهم بإتيانه إليهم، ثمّ أنزلوه في دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي(٨١) ، وصارت الشيعة تختلف إليه.

فلمّا اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسينعليه‌السلام وهم يبكون(٨٢) ، حتّىٰ بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً.

____________

= والشجاعة، أمّه أم ولد اشتراها عقيل من الشام، وجّه به الإمام الحسين إلىٰ الكوفة ليأخذ له البيعة علىٰ أهلها، فخرج من مكة في منتصف شهر رمضان سنة ٦٠ هـ، ودخل الكوفة في اليوم السادس من شهر شوّال، وهو أول مَن استشهد من أصحاب الحسينعليه‌السلام .

مقاتل الطالبيّين: ٨٠، الطبقات الكبرىٰ ٤/٢٩، تسمية مَن قتل مع الحسين: ١٥١، الكامل في التاريخ ٤/٨ - ١٥، الأخبار الطوال: ٢٣٣، تاريخ الكوفة: ٥٩، الأعلام ٧/٢٢٢، أنصار الحسين: ١٢٤، ضياء العينين: ١٣ - ٢٩.

(٨٠) ع: من رأيٍ جميل.

(٨١) الثقفي، لم يرد في ر.

والمختار هو أبن أبي عبيدة ابن مسعود الثقفي أبو إسحاق، من زعماء الثائرين علىٰ بني أُميّة، من أهل الطائف، انتقل إلىٰ المدينة مع أبيه، وبقي المختار في المدينة منقطعاً إلىٰ بني هاشم، تزوج عبدالله ابن عمر بن الخطاب أخت المختار صفية، وكان المختار مع علي عليه السلام بالعراق، وسكن البصرة بعد علي عليه السلام، قبض عليه عبيدالله بن زياد في البصرة وحبسه ونفاه بشفاعة ابن عمر إلىٰ الطائف، ذهب إلىٰ الكوفة بعد موت يزيد لأخذ الثأر من قتلة الحسين، واستولىٰ علىٰ الكوفة والموصل وتتبع قتلة الحسين عليه السلام، قتله مصعب بن الزبير بعد حرب بينهما سنة ٦٧ هـ.

الإصابة ترجمة رقم ٨٥٤٧، الفرق بين الفرق: ٣١ - ٣٧، الكامل في التاريخ ٤/٨٢ - ١٠٨، تاريخ الطبري ٧/١٤٦، الأعلام ٧/١٩٢.

(٨٢) من قوله: فلمّا اجتمع، إلىٰ هنا لم يرد في ر.

١٠٨

و كتب عبدالله بن مسلم الباهلي(٨٣) وعمارة بن الوليد(٨٤) وعمر بن سعد(٨٥) إلىٰ يزيد يخبرونه بأمر مسلم بن عقيل ويشيرون عليه(٨٦) بصرف النعمان بن بشير وولاية غيره.

فكتب يزيد إلىٰ عبيدالله بن زياد(٨٧) - وكان والياً علىٰ البصرة(٨٨) - بأنّه قد ولّاه الكوفة وضمّها إليه، ويعرّفه أمر مسلم بن عقيل وأمر الحسينعليه‌السلام ، ويشدّد عليه في تحصيل مسلم وقتله، فتأهب عبيدالله للمسير إلىٰ الكوفة.

____________

(٨٣) لم يذكروه.

(٨٤) ع: بن وليد.

لم يذكروه.

(٨٥) عمر بن سعد بن أبي وقّاص الزهري المدني، سيّره عبيدالله بن زياد علىٰ أربعة آلاف لقتال الديلم، وكتب له عهده علىٰ الري، ثمّ لمـّا علم ابن زياد بمسير الحسينعليه‌السلام من مكّة متجهاً إلىٰ الكوفة كتب إلىٰ عمر بن سعد أن يعود بمن معه، فعاد، فولّاه قتال الحسينعليه‌السلام ، فاستعفاه، فهدّده وذكّره ولاية الري، فأطاع، بعث المختار من قتل عمر بن سعد حين قيامه فقتل.

الطبقات ٥/١٢٥، الكامل في التاريخ ٤/٢١، الأعلام ٥/٤٧.

(٨٦) ر: بأمر مسلم بن عقيل ويشيرونه، ع: بأمر مسلم ويشيرون عليه.

(٨٧) عبيدالله بن زياد بن أبيه، ولد بالبصرة، وكان مع والده لمـّا مات بالعراق، قصد الشام فولّاه عمّه معاوية خراسان سنة ٥٣ هـ وبقي فيها سنتين، ونقله معاوية إلىٰ البصرة أميراً عليها سنة ٥٥، وأقره يزيد علىٰ امارته سنة ٦٠ هـ، وكانت فاجعة الطف في أيامه وعلىٰ يده، وبعد هلاك يزيد بايع أهل البصرة لعبيد الله، ثمّ لم يلبثوا أن وثبوا عليه، فهرب متخبّئاً إلىٰ الشام، ثمّ عاد يريد العراق، فلحق به إبراهيم الأشتر فاقتتلا وتفرق أصحاب عبيدالله فقتله ابن الاشتر في خازر من أرض الموصل، ويدعىٰ عبدالله بابن مرجانة، وهي أمّه كانت معروفة بالفسق والفجور.

تاريخ الطبري ٦/١٦٦ و ٧/١٨ و ١٤٤، الأعلام ٤/١٩٣.

(٨٨) البصرة بلدة إسلامية بنيت في خلافة عمر في السنة ١٨ من الهجرة، سمّيت بذلك لأنّ البصرة الحجارة الرخوة، وهي كذلك، فسمّيت بها، والبصرتان: البصرة والكوفة.

مجمع البحرين ٣/٢٢٥ - ٢٢٦.

١٠٩

و كان الحسينعليه‌السلام قد كتب إلىٰ جماعة من أشراف البصرة كتاباً مع مولىٰ له اسمه سليمان ويكنّىٰ أبا رزين(٨٩) يدعوهم فيه إلىٰ نصرته ولزوم طاعته، منهم يزيد بن مسعود النهشلي(٩٠) والمنذر بن الجارود العبدي(٩١) .

فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد(٩٢) ، فلمّا حضروا قال: يا بني تميم كيف ترون موضعي منكم وحسبي فيكم؟

فقالوا: بخٍّ بخٍّ، أنتَ والله فقرة الظهر ورأس الفخر(٩٣) ، حللتَ في الشرف وسطاً، وتقدّمت فيه فرطاً.

قال : فإنّي قد جمعتكم لأمرٍ أُريد أن أُشاوركم فيه وأستعين بكم عليه.

فقالوا: والله إنما نمنحك(٩٤) النصيحة ونجهد(٩٥) لك الرأي، فقل نسمع(٩٦) .

____________

(٨٩) كان مولىٰ للحسين، أرسله إلىٰ أهل البصرة، وسلّمه أحد من أُرسل إليهم من زعماء البصرة إلىٰ عبدالله فقتله، وذكر بعض المؤرخين أنه استشهد مع الحسينعليه‌السلام ، والظاهر أنه وقع خلط بين هذا وبين سليمان آخر استشهد مع الحسينعليه‌السلام .

تاريخ الطبري ٥/٣٥٧ - ٣٥٨، مقتل الخوارزمي ١/١٩٩، بحار الأنوار ٤٤/٣٣٧ - ٣٤٠، أنصار الحسين: ٧٤، ضياء العينين: ٣٩ - ٤٠.

(٩٠) لم يذكروه.

(٩١) المنذر بن الجارود بن عمرو بن خنيس العبدي، ولد في عقد النبي وشهد الجمل مع عليعليه‌السلام ، وولّاه علي إمرة اصطخَر، ثمّ بلغه عنه ما ساءه فكتب إليه كتاباً وعزله، ولّاه عبيدالله بن زياد ثغر الهند سنة ٦١ هـ، فمات فيها آخر سنة ٦١ هـ.

الإصابة ترجمة رقم ٨٣٣٦، جمهرة الأنساب: ٢٧٩، الأغاني ١١/١١٧، الأعلام ٧/٢٩٢.

(٩٢) ر: سعيد.

(٩٣) ر: الفجر.

(٩٤) ب: فقالوا انما والله نمنحك، ع: إنّا والله نمنحك.

(٩٥) ب: ونحمد.

(٩٦) ب: فقل حتّىٰ نسمع.

١١٠

فقال: إنّ معاوية قد(٩٧) مات، فأهون به والله هالكاً ومفقوداً، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم، وقد كان أحدث بيعةً عقد بها أمراً وظنّ أنّه قد أحكمه، وهيهات والّذي أراد، اجتهد والله ففشل، وشاور فخذل، وقد قام ابنه(٩٨) يزيد - شارب الخمور ورأس الفجور - يدّعي الخلافة علىٰ المسلمين ويتأمّر عليهم بغير رضىً منهم(٩٩) ، مع قصر حلمٍ وقلّة علمٍ، لا يعرف من الحقّ موطئ قدمه، فأُقسم بالله قسماً مبروراً لَجهادهً علىٰ الدين أفضل من جهاد المشركين.

وهذا الحسين بن عليّ ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١٠٠) ، ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل، له فضلٌ لا يوصف وعلمٌ لا ينزف، وهو(١٠١) أولىٰ بهذا الأمر، لسابقته وسنّه وقدمه(١٠٢) وقرابته، يعطف علىٰ الصغير ويحنو علىٰ الكبير، فأكرم به راعي رعية وإمام قوم، وجبت لله به الحجّة(١٠٣) وبلغت به الموعظة.

فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكّعوا في وهدة الباطل(١٠٤) ، فقد كان صخر

__________________

(٩٧) قد، لم ترد في ب. ع.

(٩٨) ابنه، لم يرد في ر. ب.

(٩٩) بغير رضىً منهم، لم يرد في ر. ب.

(١٠٠) ر، ب: ابن رسول الله.

(١٠١) ر: له فضل لا يوصف وهو.

(١٠٢) ب: وقدمته.

(١٠٣) ر: وجبت لله الحجّة، ب: وحيت لله به الحجّة، ع: وحببت لله به الحجّة، والمثبت ملّفق من هذه النسخ.

(١٠٤) ر: فلا تعشوا عن نور الحقّ ولا تكسعوا في الباطل، ب: ولا تعشوا ...، ع: وهد الباطل والتسكّع: التمادي في الباطل.

١١١

ابن قيس(١٠٥) قد(١٠٦) انخذل بكم يوم الجمل، فاغسلوها بخروجكم إلىٰ ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصرته، والله لا يقصّر أحدٌ عن نصرته إلّا أورثه الله الذلّ في ولده والقلّة في عشيرته.

وها أنا قد لبست للحرب لامتها وأدرعتُ لها بدرعها، مَن لم يُقتل يمت ومَن يهرب لم يفت، فأحسنُوا رحمكم الله ردّ الجواب.

فتكلّمت بنو حنظلة، فقالوا: يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفارس عشيرتك، إن رميتَ بنا أصبتَ، وإن غزوتَ بنا فتحتَ، لا تخوض والله غمرةً إلّا خضناها، ولا تلقىٰ والله شدّة إلّا لقيناها، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا(١٠٧) ، فانهض لِما شئتَ.

وتكلّمت بنو سعد بن زيد(١٠٨) ، فقالوا: يا أبا خالد إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج عن رأيك، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا وبقي عزّنا فينا، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتك برأينا(١٠٩) .

وتكلّمت بنو عامر بن تميم فقالوا: يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك(١١٠) ، لا نرضىٰ إن غضبتَ ولانقطن إن ضعنتَ، والأمر إليك، فادعنا نجبك ومرنا نطعك، والأمر إليك إذا شئتَ.

__________________

(١٠٥) يعرف بالأحنف لقب له لحنف كان في رجله، واختلفوا في اسمه، فقيل: صخر، وقيل: الضحاك، ولد في البصرة، وأدرك النبي ولم يره، اعتزل يوم الجمل، توفي في الكوفة.

الطبقات ٧/٦٦، جمهرة الأنساب: ٢٠٦، تاريخ الاسلام ٣/١٢٩، الأعلام ١/٢٧٦ - ٢٧٧.

(١٠٦) قد، لم يرد في ب. ع.

(١٠٧) ب: ونقيك بأبداننا إذا شئت، ع: إذا شئت فافعل.

(١٠٨) ع: يزيد.

(١٠٩) ر: نراجع المشهورة ونأتك برأينا، ب: نراجع المشورة ويأتيك رأينا.

(١١٠) ر: وخلفاؤك.

١١٢

فقال: والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا يرفع الله عنكم السيف أبداً، ولا يزال سيفكم فيكم.

ثم ّ كتب الىٰ الحسينعليه‌السلام .

بسم الله الرحمن الرحيم

أ مّا بعد، فقد وصل إليّ كتابك، وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظّي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك، وأنّ الله لم يخل الأرض من عاملٍ عليها بخير ودليل علىٰ سبيل النجاة، وأنتم حجّة الله علىٰ خلقه ووديعته(١١١) في أرضه، تفرّعتم من زيتونة أحمديّة هو أصلها وأنتم فرعها، فأقدم سعدتَ بأسعد طائر، فقد ذللّت لك أعناق بني تميم وتركتهم أشدّ تتابعأً لك من الإبل الظلماء يوم خِمسها لورود الماء، وقد ذلّلت لك رقاب بني سعد وغسلتُ لك درن صدورها بماء سحابة مزن حتّىٰ استهلّ برقها فلمع.

فلمّا قرأ الحسينعليه‌السلام الكتاب قال: «آمنك (١١٢) الله يوم الخوف وأعزّك وأرواك يوم العطش الأكبر ».

فلمّا تجهّز المشار إليه للخروج إلىٰ الحسينعليه‌السلام بلغه قتله قبل أن يسير، فجزع من انقطاعه عنه.

و أمّا المنذر بن الجارود، فإنه جاء بالكتاب والرسول إلىٰ عبيدالله بن زياد، لأنّ المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيساً من عبيدالله بن زياد، وكانت بحرية بنت المنذر(١١٣) زوجة لعبيدالله(١١٤) ، فأخذ عبيدالله الرسول فصلبه، ثمّ صعد

____________

(١١١) ر: ووديعة.

(١١٢) ع: قال: مالِك آمنك.

(١١٣) ر: بحيرة ابنت المنذر.

لم يذكروها.

(١١٤) ب: تحت عبيدالله بن زياد.

١١٣

المنبر فخطب وتوعّد أهل البصرة علىٰ الخلاف وإثارة الإرجاف.

ثم ّ بات تلك الليلة، فلمّا أصبح استناب(١١٥) عليهم أخاه عثمان بن زياد(١١٦) ، وأسرع هو إلىٰ قصد الكوفة.

فلمّا قاربها نزل حتّىٰ أمسىٰ، ثمّ دخلها ليلاً، فظنّ أهلها أنّه الحسينعليه‌السلام ، فتباشروا بقدومه ودنوا منه، فلمّا عرفوا أنّه ابن زياد تفرّقوا عنه، فدخل قصر الامارة وبات ليلته إلىٰ الغداة، ثمّ خرج وصعد المنبر وخطبهم وتوعدّهم علىٰ معصية السلطان ووعدهم مع الطاعة بالإحسان

فلمّا سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف علىٰ نفسه من الاشتهار، فخرج من دار المختار وقصد دار هاني بن عروة(١١٧) ، فآواه وكثر اختلاف الشيعة إليه، وكان عبدالله بن زياد قد وضع المراصد عليه.

فلمّا علم أنّه في دار هاني دعا محمد بن الأشعث(١١٨) وأسماء بن خارجة(١١٩)

____________

(١١٥) ر: استأمر.

(١١٦) لم أعثر علىٰ مَن ترجم له.

(١١٧) هاني بن عروة الغطيفي المرادي، من مذحج، أحد سادات الكوفة وأشرافها، أدرك النبي وصحبه، ومن أصحاب وخواص أمير المؤمنين، شارك في حروب الجمل وصفين والنهروان، من أركان حركة حجر بن عدي الكندي ضدّ زياد بن أبيه، قتله عبيدالله بن زياد في اليوم الثامن من ذي الحجّة سنة ٦٠ هـ وبعث برأسه مع رأس مسلم إلىٰ يزيد.

تسمية مَن قتل مع الحسين: ١٥٦، الكامل ٤/١٠ - ١٥، المحبر: ٤٨٠، النقائض: ٢٤٦، التاج ٣/٣٥٩، رغبة الآمل ٢/٨٦، جمهرة الأنساب: ٣٨٢، الأعلام ٨/٦٨، أنصار الحسين: ١٢٤ - ١٢٥، ضياء العينين: ٣٠ - ٣٨.

(١١٨) محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، أبو القاسم، من أصحاب مصعب بن الزبير، قتل سنة ٦٧ هـ.

الإصابة ترجمة رقم ٨٥٠٤، الأعلام ٦/٣٩.

(١١٩) أسماء بن خارجة بن حصين الفزاري، تابعي، من رجال الطبقة الأولىٰ من أهل الكوفة، توفي سنة ٦٦ هـ.

فوات الوفيات ١/١١، تاريخ الاسلام ٢/٣٧٢، النجوم الزهراة ١/١٧٩، الأعلام ١/٣٠٥.

١١٤

وعمرو بن الحجاج وقال: ما يمنع هاني بن عروة من إتياننا؟

فقالوا : ماندري، وقد قيل: إنّه يشتكي.

فقال: قد بلغني ذلك وبلغني أنّه قد برء وأنّه يجلس علىٰ باب داره، ولو أعلم أنّه شاك لعُدته، فالقوه ومروه أن لايدع ما يجب عليه من حقّنا، فإنّي لا أحبّ أن يفسد عندي(١٢٠) مثله، لأنّه من أشراف العرب.

فأتوه حتّىٰ وقفوا عليه عشيّة علىٰ بابه، فقالوا: ما يمنعك من لقاء الأمير، فإنّه قد ذكرك وقال: لو أعلم أنّه شاكٍ لعُدته.

فقال لهم: الشكوىٰ تمنعني.

فقالوا له: إنّه قد بلغه إنّك تجلس علىٰ باب دارك كلّ عشيّة، وقد استبطاك، والإبطاء والجفاء لايحتمله السلطان من مثلك، لأنّك سيّدٌ في قومك، ونحن نقسم عليك إلّا ما ركبتَ معنا إليه. فدعا بثيا به فلبسها وفرسه فركبها، حتّىٰ إذا دنا من القصر كأنّ نفسه قد أحسّت ببعض الّذي كان، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة(١٢١) : يابن أخي إنّي والله من هذا الرجل لخائف، فما ترىٰ؟

فقال: والله يا عمّ ما أتخوّف عليك شيئاً، فلا تجعل علىٰ نفسك سبيلاً، ولم يك حسّان يعلم في أيّ شيء بعث عبيدالله بن زياد. فجاء هاني والقوم معه حتّىٰ دخلوا جميعاً علىٰ عبيدالله، فلمّا رأىٰ هانياً قال: أتتك بخائن(١٢٢) رجلاه، ثمّ التفتَ إلىٰ شريح القاضي(١٢٣) - وكان جالساً عنده - وأشار إلىٰ هاني وأنشد بيت

____________

(١٢٠) ر: علي.

(١٢١) لم يذكروه.

(١٢٢) كذا في النسخ، والظاهر أن الصحيح: حائن، وهو الذي حان حينه وهلاكه، راجع مجمع الأمثال للميداني.

(١٢٣) شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، أبو أُميّة، توفي سنة ٧٨ هـ، أصله من اليمن، ولي =

١١٥

عمرو بن معدي كرب الزبيدي(١٢٤) :

أُريد حياته ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

فقال له هاني: وما ذاك أيّها الأمير؟

فقال له: إيهاً يا هاني، ما هذه الأُمور الّتي تُربصُ في دارك لأمير المؤمنين وعامّة المسلمين؟ جئتَ بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعتَ له السلاح والرجال في الدور حولك وظننتَ أنّ ذلك يخفىٰ عليّ.

فقال: ما فعلتُ.

فقال ابن زياد: بلىٰ قد فعلتَ.

فقال: ما فعلتُ أصلح الله الأمير.

فقال ابن زياد: عليّ بمعقل(١٢٥) مولاي - وكان معقل عَيْنَهُ علىٰ أخبارهم، وقد عرف كثيراً من أسرارهم - فجاء معقل حتّىٰ وقف بين يديه.

فلمّا رآه هاني عرف أنّه كان عيناً عليه، فقال: أصلح الله الأمير والله ما بعثتُ إلىٰ مسلم ولا دعوته، ولكن جاءني مستجيراً، فاستحييتُ من ردّه، ودخلني

__________________

= قضاء الكوفة في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية، واستعفىٰ في أيام الحجاج فأعفاه سنة ٧٧ هـ.

الطبقات ٦/٩٠ - ١٠٠، وفيات الأعيان ١/٢٢٤، حلية الأولياء ٤/١٣٢، الأعلام ٣/١٦١.

(١٢٤) ر: وأنشد بيت معدي كرب الزبيدي.

وعمرو بن معدي كرب بن ربيعة بن عبدالله الزبيدي، فارس اليمن وصاحب الغارات المذكورة، وفد علىٰ المدينة سنة ٩ هـ في عشرة من بني زبيد فأسلم وأسلموا، يكنىٰ أبا ثور، توفي علىٰ مقربة من الري سنة ٢١ هـ، وقيل: قتل عطشاً يوم القادسية.

الاصابة ترجمة رقم ٥٩٧٢، الطبقات ٥/٣٨٣، خزانة الأدب ١/٤٢٥ - ٤٢٦، الأعلام ٥/٨٦.

(١٢٥) لم يذكروه، وهو ملعون خبيث.

١١٦

من ذلك ذمام فآويته، فأمّا إذ قد علمتَ فخلّ سبيلي حتّىٰ أرجع إليه وآمره بالخروج من داري إلىٰ حيث شاء من الأرض، لأخرج بذلك من ذمامه وجواره.

فقال له ابن زياد: والله لا تفارقني أبداً حتّىٰ تأتيني به.

فقال: والله لا آتيك به أبداً، آتيك بضيفي حتّىٰ تقتله!

فقال: والله لتأتيني به.

قال: والله لا آتيك به.

فلمّا كثر الكلام بينهما، قام مسلم بن عمرو الباهلي(١٢٦) فقال: أصلح الله الأمير أخلني وإيّاه حتّىٰ أُكلّمه، فقام فخلىٰ به ناحية - وهما بحيث يراهما ابن زياد ويسمع كلامهما - إذ رفعا أصواتهما.

فقال له مسلم: يا هاني أُنشدك الله أن لا تقتل نفسك وتدخل البلاء علىٰ عشيرتك، فوالله إني لأنفس بك عن القتل، إنّ هذا الرجل ابن عم القوم وليسوا بقاتليه ولا ضاريه، فادفعه إليه، فإنّه ليس عليك بذلك مَخْزاة ولا منقصة، وإنّما تدفعه إلىٰ السلطان.

فقال هاني: والله إنّ عليّ في ذلك الخزي والعار، أنا أدفع جاري وضيفي ورسول ابن رسول الله إلىٰ عدوّه وأنا صحيح الساعدين وكثير الأعوان! والله لو لم أكن إلّا رجلاً واحداً ليس لي ناصر لم أدفعه حتّىٰ أموت دونه.

فأخذ يناشده، وهو يقول: والله لا أدفعه.

فسمع ابن زياد ذلك، فقال: أدنوه منّي، فأُدني منه، فقال: والله لتأتيني به أو لأضربنّ عنقك.

__________________

(١٢٦) ر: مسلم بن عمر، وفي بعض النسخ: مسلم بن عمير الباهلي.

لم يذكروه.

١١٧

فقال هاني: إذن والله تكثر البارقة حول دارك.

فقال ابن زياد: والهفاه عليك، أبا البارقة تخوّفني - وهاني يظنّ أن عشيرته يسمعونه - ثمّ قال: أدنوه منّي، فأُدني منه، فاستعرض وجهه بالقضيب، فلم يزل يضرب أنفه وجبينه وخدّه حتّىٰ كسر أنفه وسيل الدماء علىٰ ثيابه ونثر لحم خدّه وجيبنه علىٰ لحيته وانكسر القضيب.

فضرب هاني يده إلىٰ قائم سيف شرطي، فجذبه ذلك الرجل، فصاح(١٢٧) ابن زياد: خذوه فجرّوه حتّىٰ ألقوه في بيتٍ من بيوت القصر واغلقوا(١٢٨) عليه بابه، وقال: اجعلوا عليه حرساً، ففُعل ذلك به.

فقام أسماء بن خارجة إلىٰ عبيدالله بن زياد - وقيل: إنّ القائم حسّان بن أسماء - فقال: أرسل غدرٍ سائر اليوم(١٢٩) ، أيّها الأمير أمرتنا أن نجيئك بالرجل، حتّىٰ إذا(١٣٠) جئناك به هشمتَ وجهه وسيّلت دماءه علىٰ لحيته وزعمتَ أنّك تقتله.

فغضب ابن زياد من كلامه وقال: وأنت ها هنا! وأمر به فضُرب حتّىٰ ترك وقُيّد وحبس(١٣١) في ناحية من القصر.

فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، إلىٰ نفسي أنعاك يا هاني.

قال الراوي(١٣٢) : وبلغ عمرو(١٣٣) بن الحجاج أنّ هانياً قد قُتل - وكانت رويحة

__________________

(١٢٧) ر: فقال.

(١٢٨) ر: وأغلق.

(١٢٩) ع: القوم.

(١٣٠) إذا، لم يرد في ر.

(١٣١) ر: وأُجلس.

(١٣٢) الراوي، لم يرد في ر.

(١٣٣) ر: عمر.

١١٨

ابنة عمرو(١٣٤) هذا تحت هاني بن عروة - فأقبل عمرو في مذحج كافّة حتّىٰ أحاط بالقصر ونادىٰ: أنا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها(١٣٥) لم تخلع طاعة ولم تفارق جماعة، وقد بلغنا أنّ صاحبنا هانياً قد قتل.

فعلم عبيدالله باجتماعهم وكلامهم، فأمر شريحاً القاضي أن يدخل علىٰ هاني فيشاهده ويخبر قومه بسلامته من القتل، ففعل ذلك وأخبرهم، فرضوا بقوله وانصرفوا.

قال (١٣٦) : وبلغ الخبر إلىٰ مسلم بن عقيل، فخرج بمن بايعه إلىٰ حرب عبيدالله، فتحصّن منه بقصر الامارة، واقتتل أصحابه وأصحاب مسلم.

و جعل أصحاب عبيدالله الّذين معه في القصر يتشرّفون منه(١٣٧) ويحذّرون أصحاب مسلم ويتوعّدونهم بجنود الشام، فلم يزالوا كذلك حتّىٰ جاء الليل.

فجعل أصحاب مسلم يتفرقون عنه، ويقول بعضهم لبعض: ما نصنع بتعجيل الفتنة، وينبغي أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتّىٰ يصلح الله ذات بينهم.

فلم يبق معه سوىٰ عشرة أنفس، ودخل مسلم المسجد ليصلّي المغرب، فتفرّق العشرة عنه.

فلمّا رأىٰ ذلك خرج وحيداً في سكك الكوفة، حتّىٰ وقف علىٰ باب امرأة يقال لها طوعة(١٣٨) ، فطلب منها ماءً فسقته، ثمّ استجارها فأجارته، فعلم به

____________

(١٣٤) لم أهتد إلىٰ من ترجم لها.

(١٣٥) ر: ووجوهنا.

(١٣٦) قال، لم يرد في ر.

(١٣٧) منه، لم يرد في ر.

(١٣٨) كانت أم ولد للأشعث بن قيس الكندي، وقد كان لها ابن من غيره يقال له بلال بن أسيد، أعتقها =

١١٩

ولدها، فوشىٰ الخبر إلىٰ عبيدالله بن زياد، فأحضر محمد بن الأشعث وضمّ إليه جماعة وأنفذه لإحضار مسلم.

فلمّا بلغو دار المرأة وسمع مسلم وقع حوافر الخيل، لبس درعه وركب فرسه وجعل يحارب أصحاب عبيدالله.

و لمـّا قتل مسلم منهم جماعة نادىٰ إليه(١٣٩) محمد بن الأشعث: يا مسلم لك الأمان.

فقال له مسلم: وأيّ أمان للغدرة الفجرة، ثمّ أقبل يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي(١٤٠) يوم القرن حيث يقول:

أقسمت لا أُقتل إلّا حرّاً

وإن رأيت الموت شيئاً نُكرا

أكره أن أُخدع أو أُغرّا

أو أخلط البارد سخناً مُرّا

كلّ امرىٰءٍ يوماً يالقي شرّا

أضربكم ولا أخاف ضرّا

 فقالوا له: إنّك لا تخدع(١٤١) ولا تغرّ، فلم يلتفت إلىٰ ذلك، وتكاثروا عليه بعد أن أُثخن بالجراح، فطعنه رجل من خلفه، فخرّ إلىٰ الأرض، فأُخذ أسيراً.

فلمّا أُدخل علىٰ عبيدالله بن زياد لم يسلّم عليه، فقال له الحرسيّ: سلّم علىٰ الأمير.

____________

= الأسيد الحضرمي.

الكامل في التاريخ ٤/٣١، وراجع اعلام النساء المؤمنات: ٣٦٣ - ٣٦٤ وما ذكر فيه من مصادر ترجمتها.

(١٣٩) ر: حتّىٰ قتل منهم جماعة فناداه.

(١٤٠) لم أعثر علىٰ مَن ترجم له.

(١٤١) ب: فنادىٰ إليه إنّك لا تكذب ولا تغرّ.

١٢٠