الملهوف على قتلى الطفوف

الملهوف على قتلى الطفوف0%

الملهوف على قتلى الطفوف مؤلف:
المحقق: الشيخ فارس تبريزيان (الحسّون)
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 264

الملهوف على قتلى الطفوف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابو القاسم علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاووس حلّی (سيد بن طاووس)
المحقق: الشيخ فارس تبريزيان (الحسّون)
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 264
المشاهدات: 150190
تحميل: 4993

توضيحات:

الملهوف على قتلى الطفوف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 264 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150190 / تحميل: 4993
الحجم الحجم الحجم
الملهوف على قتلى الطفوف

الملهوف على قتلى الطفوف

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حزين وقلبٍ كئيبٍ: وا محمداه، صلّىٰ عليك مليك السماء، هذا حسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وا ثكلاه، وبناتك سبايا، إلىٰ الله المشتكىٰ وإلىٰ محمّد المصطفىٰ وإلىٰ عليّ المرتضىٰ وإلىٰ فاطمة الزهراء وإلىٰ حمزة سيد الشهداء.

و ا محمّداه، وهذا حسين بالعراء، تسفي عليه ريح الصباء، قتيل أولاد البغايا.

واحزناه، واكرباه عليك يا أبا عبد الله اليوم مات جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

يا أصحاب محمد، هؤلاء ذرّية المصطفىٰ يُساقون سوق السبايا.

وفي بعض الروايات: وا محمداه، بناتك سبايا(١٦٢) ، وذرّيتك مقتّلة تسفي عليهم ريح الصباء، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والردا.

بأبي مَن أضحىٰ عسكره في يوم الإثنين نهبا، بأبي مَن فسطاطه مقطع العرىٰ، بأبي مَن لا غائب فيُرتجىٰ، ولا جريح فيُداوىٰ، بأبي مَن نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتّىٰ قضىٰ، بأبي العطشان حتّىٰ مضىٰ، بأبي مَن يقطر شيبه بالدماء(١٦٣) ، بأبي مَن جدّه رسول اله السماء، بأبي مَن هو سبط نبيّ الهدىٰ، بأبي محمّد المصطفىٰ، بأبي علي المرتضىٰ، بأبي خديجة الكبرىٰ، بأبي فاطمة الزهراء سيّدة النساء، بأبي مَن ردّت عليه الشمس حتّىٰ صلّىٰ.

قال الراوي(١٦٤) : فأبكت والله كلّ عدوّ وصديق.

ثمّ أن سكينة(١٦٥) اعتنقت جسد الحسينعليه‌السلام ، فاجتمع عدّة من الأعراب حتّىٰ جرّوها عنه.

____________

(١٦٢) ر: السبايا.

(١٦٣) ب.ع: شيبته تقطر بالدماء. وفي ع جاء بعد هذا: بأبي مَن جدّه محمّد المصطفىٰ.

(١٦٤) الراوي، من ع.

(١٦٥) سكينة بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، كريمة نبيلة، كانت سيّدة نساء عصرها، توفيت سنة ١١٧ هـ، نسب إليها بعض المؤرّخين أموراً نقطع بكذبها وافترائها عليها، ليس هذا محلّ ذكرها.

الطبقات ٨/٣٤٨، الدر المنثور: ٢٤٤، وفيات الأعيان ١/٢١١، الأعلام ٣/١٠٦.

١٨١

قال الراوي(١٦٦) : ثمّ نادىٰ عمر بن سعد في أصحابه(١٦٧) : من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره(١٦٨) ؟

فانتدب منهم عشرة، وهم: إسحاق بن حوبة الّذي سلب الحسينعليه‌السلام قميصه، وأخنس بن مرثد، وحكيم بن طفيل السبيعي(١٦٩) ، وعمر بن صبيح الصيداوي(١٧٠) ، ورجاء بن منقذ العبدي(١٧١) ، وسالم بن خيثمة الجعفي(١٧٢) ، وصالح بن وهب الجعفي(١٧٣) ، وواحظ بن غانم(١٧٤) ، وهاني بن ثبيت الحضرمي(١٧٥) ، وأسيد بن مالك(١٧٦) لعنهم الله فداسوا الحسينعليه‌السلام بحوافر

____________

(١٦٦) الراوي، من ع.

(١٦٧) ر: ثمّ أن عمر بن سعد قال.

(١٦٨) ع: ظهره وصدره.

(١٦٩) ب. ع: السنبسي، والمثبت من ر.

وهو: حكيم بن طفيل الطائي، من المقدّمين في العصر الأموي، ولمـّا امتلك المختار الكوفة ونادىٰ بقتل قتلة الحسين، قبض عليه، وقتله رمياً بالسهام حتّىٰ صار كأنّه القنفذ.

الكامل في التاريخ ٤/٩٤، الأعلام ٢/٢٦٩.

(١٧٠) لم يذكروه، وهو خبيث ملعون.

(١٧١) في مستدركات علم الرجال ٣/٣٩٥: رجاء بن المنقذ العبدي، لم يذكروه، خبيث.

(١٧٢) ع: خيثمة.

في مستدركات علم الرجال ٤/٧: سالم بن خيثمة الجعفي، لم يذكروه، خبيث ملعون.

(١٧٣) في مستدركات علم الرجال ٤/٢٤٨: صالح بن وهب المزني، خبيث ملعون.

(١٧٤) ب. ع: ناعم.

لم يذكروه، وهو خبيث ملعون.

(١٧٥) ع: وهاني بين شبث.

لم يذكروه، وهو خبيث ملعون.

(١٧٦) لم يذكروه، وهو خبيث ملعون.

١٨٢

خيلهم حتّىٰ رضّوا ظهره وصدره(١٧٧) .

قال الراوي: وجاء هؤلاء العشرة حتّىٰ وقفوا علىٰ ابن زياد لعنه الله، فقال أسيد بن مالك أحد العشرة.

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر

بكلّ يعبوب شديد الأسرِ

 فقال ابن زياد لعنه الله: مَن أنتم؟

قالوا: نحن الّذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتّىٰ طحنّا حناجر صدره.

قال: فأمر لهم بجائزة يسيرة.

قال أبو عمر(١٧٨) الزاهد: فنطرنا في هؤلاء العشرة، فوجدناهم جميعاً أولاد زنا.

و هؤلاء أخذهم المختار، فشدّ أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد، وأوطأ الخيل ظهورهم حتّىٰ هلكوا.

وروىٰ ابن رباح(١٧٩) قال: لقيتُ رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسينعليه‌السلام .

فسُئل عن ذهاب بصره؟

فقال: كنتُ شهدتُ قتله عاشر عشرة، غير أنّي لم أطعن ولم أضرب ولم أرم،

____________

(١٧٧) ذهب الكثير من علمائنا إلىٰ أنّهم عزموا علىٰ رض ظهر الحسين وصدره، ولكن لم يمكّنهم الله من ذلك، ووردت بهذا المطلب عدّة روايات، والله العالم.

(١٧٨) ب: أبو عمرو.

هو محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المطرّز الباوردي، المعروف بغلام ثعلب، أحد أئمة اللغة، صحب ثعلباً النحوي، وكان من المكثرين في التصنيف، توفي في بغداد سنة ٣٤٥ هـ.

وفيات الأعيان ١/٥٠٠، تاريخ بغداد ٢/٣٥٦، الأعلام ٦/٢٥٤.

(١٧٩) هو عطاء بن أبي رباح، تابعي، كان عبداً أسوداً، ولد باليمن ونشأ بمكة، فكان مفتي أهلها، توفي فيها سنة ١١٤ هـ.

تذكرة الحفاظ ١/٩٢، صفة الصفوة ٢/١١٩، الأعلام ٤/١٣٥.

١٨٣

فلمّا قتل رجعتُ إلىٰ منزلي وصلّيتُ العشاء الآخرة ونمتُ.

فأتاني آتٍ في منامي، فقال: أجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقلت: مالي وله.

فأخذ بتلابيبي وجرّني إليه، فإذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في صحراء، حاسر عن ذراعية، آخذٌ بحربة، وملَكٌ قائمٌ بين يديه وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة، فلمّا ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً.

فدنوتُ منه وجثوت بين يديه وقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يرد علي، ومكث طويلاً.

ثمّ رفع رأسه وقال: يا عدوّ الله أنتهكتَ حرمتي وقتلتَ عترتي ولم ترع حقّي وفعلتَ ما فعلتَ.

فقلتُ: يا رسول الله، والله ما ضربتُ بسيفٍ ولا طعنتُ برمحٍ ولا رميتُ بسهمٍ.

فقال: صدقت، ولكن كثّرت السواد، أُدن منّي، فدنوت منه، فاذا طشت مملوّ دماً، فقال لي: هذا دم ولدي الحسينعليه‌السلام ، فكحلني من ذلك الدم، فانتبهت حتّىٰ الساعة لا أبصر شيئاً.

و روي عنه الصادقعليه‌السلام ، يرفعه إلىٰ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: « إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمةعليها‌السلام قبّة من نور، ويقبل الحسينعليه‌السلام ورأسه في يده، فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقىٰ في الجمع ملَكٌ مقرّب ولا نبيّ مرسل إلّا بكىٰ لها، فيمثّله الله عزّ وجلّ لها في أحسن صورة، وهو يخاصم قتلته بلا رأس، فيجمع الله لي قتلته والمجهزين عليه ومَن شرك في دمه، فأقتلهم حتّىٰ آتي علىٰ آخرهم، ثم ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثم ينشرون فيقتلهم الحسنعليه‌السلام ، ثم

١٨٤

ينشرون فيقتلهم الحسينعليه‌السلام ، ثم ينشرون فلا يبقىٰ من ذريتنا أحد إلّا قتلهم، فعند ذلك يكشف الغيط وينسىٰ الحزن ».

ثمّ قال الصادقعليه‌السلام : « رحم الله شيعتنا، هم والله المؤمنون وهم المشاركون لنا(١٨٠) في المصيبة بطول الحزن والحسرة ».

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: « اذا كان يوم القيامة تأتي فاطمةعليها‌السلام في لمّة من نسائها.

فيقال لها: ادخلي الجنة.

فتقول: لا أدخل حتّىٰ أعلم ما صنع بولدي من بعدي.

فيقال لها: أنظري في قلب القيامة، فتنظر إلىٰ الحسينعليه‌السلام قائماً ليس عليه رأس، فتصرح صرخة، فأصرخ لصراخها وتصرخ الملائكة لصراخها ».

وفي رواية أخرىٰ: « وتنادي وا ولداه، واثمرة فؤاداه ».

قال: « فيغضب الله عز وجل لها عند ذلك، فيأمر ناراً يقال لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتّىٰ اسودّت، لا يدخلها رَوْح أبداً ولا يخرج منها غمّ أبداً.

فيقال لها: التقطي قتلة الحسينعليه‌السلام ، فتلتقطهم، فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها وشهقت وشهقوا بها وزفرت وزفروا بها.

فينطقون بألسنة حداد ذلقة ناطقة: يا ربّنا بمَ أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟

فيأتيهم الجواب عن الله عزّ وجلّ: ليس من علم كمن لا يعلم ».

__________________

(١٨٠) ع: قد والله شركونا.

١٨٥

روىٰ هذه الحديثين ابن بابويه في كتاب عقاب الأعمال(١٨١) (١٨٢) .

__________________

(١٨١) محمد بن علي بن الحسين بن موسىٰ بن بابويه القمي، يعرف بالشيخ الصدوق، محَدّث كبير، لم ير في القميين مثله، نزل بالري، توفي سنة ٣٨١ هـ ودفن بالري، له عدّة مؤلّفات.

وكتاب عقاب الأعمال تعرّض فيه لذكر عقاب الأعمال المنهيّ عنها، طبع مع ثواب الأعمال له عدّة مرّات.

رياض العلماء ٥/١١٩، الكنىٰ والألقاب ١/٢١٢، تنقيح المقال ٣/١٥٤، الأعلام ٦/٢٧٤.

(١٨٢) جاء بعد هذا في ع:

ورأيتُ في المجلد الثلاثين من تذييل شيخ المحدّثين ببغداد محمد بن النجار في ترجمة فاطمة بنت أبي العباس الأزدي بإسناده عن طلحة قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّ موسىٰ بن عمران سأل ربّه قال: يا ربّ إنّ أخي هارون مات فاغفر له، فأوحىٰ الله إليه: يا موسىٰ بن عمران، لو سألتني في الأولين والآخرين لا جبتك، ما خلا قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهما.

١٨٦

المَسلَكُ الثّالثُ فيِ الأُموُرِ المُتَأخِّرَةِ عَنْ قَتلِهِعليه‌السلام

١٨٧

١٨٨

وهي تمام ما أشرنا إليه.

قال: ثمّ إنّ عمر بن سعد لعنه الله بعث برأس الحسين عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم - وهو يوم عاشوراء - مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي(١) إلىٰ عبيد الله بن زياد، وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فقطعت وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن لعنه الله وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج، فأقبلوا بها حتّىٰ قدموا الكوفة.

و أقام ابن سعد بقية يومه واليوم الثاني إلىٰ زوال الشمس، ثمّ رحل بمن تخلّف من عيال الحسين، وحمل نساءه علىٰ أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء ولا غطاء مكشّفات الوجوه بين الأعداء، وهنّ ودائع خير الأنبياء، وساقوهنّ كما يُساق سبي الترك والروم في أسر المصائب والهموم.

__________________

(١) في تنقيح المقال ١/٣٨٠: حميد بين مسلم الكوفي، لم أقف فيه إلّا علىٰ عدّ الشيخرحمه‌الله إيّاه في رجاله من أصحاب السجادعليه‌السلام ، وظاهره كونه إمامياً، إلا أنّ حاله مجهول.

وفي مستدركات علم الرجال ٣/٢٨٩: حميد بن مسلم الكوفي، عدّ من مجاهيل اصحاب السجادعليه‌السلام ، وهو ناقل جملة من قضايا كربلاء علىٰ نحو يظهر منه أنه كان في وقعة الطف وكان من جند سليمان بن صرد من طرف المختار في مقتل عين الوردة في حرب اهل الشام لطلب ثار الحسينعليه‌السلام .

أقول: أحتمل تعدّد حميد بن مسلم: أحدهما كان في واقعة الطف ونقل بعض الوقائع وأرسل عمر ابن سعد رأس الحسين معه ومع جماعة إلىٰ عبيد الله بن زياد، مما يدل علىٰ أنه كان من أعوان عمر بن سعد، والثاني إمامي من أصحاب الامام السجاد ومن جند سليمان بن صرد.

١٨٩

و لله درّ القائل:

يصلّىٰ علىٰ المبعوث من آل هاشم

ويغزىٰ بنوه إنْ ذا لعجب(٢)

وروي: أن رؤوس أصحاب الحسينعليه‌السلام كانت ثمانية وسبعين رأساً، فاقتسمتها القبائل، لتتقرّب بذلك إلىٰ عبيد الله بن زياد وإلىٰ يزيد بن معاوية:

فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً، وصاحبهم قيس بن الأشعث.

وجاءت هوازن باثني عشر رأساً، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن.

وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً.

و جاء بنو أسد بستة عشر رأساً.

وجاءت مذحج بسبعة رؤوس.

وجاء سائر الناس بثلاثة عشر رأساً.

قال الراوي: ولمـّا انفصل ابن سعد(٣) عن كربلاء، خرج قوم من بني أسد، فصلّوا علىٰ تلك الجثث الطواهرالمرمّلة بالدماء، ودفنوها علىٰ ما هي الآن عليه.

وسار ابن سعد بالسبي المشار إليه، فلمّا قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهنّ.

قال الراوي: فأشرفت امرأة من الكوفيات، فقالت: من أيّ الأُسارىٰ أنتنّ؟

فقلن: نحن أُسارىٰ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فنزلت من سطحها، فجمعت ملاء(٤) وأُزراً ومقانع، فأعطتهنّ، فتغطّين.

____________

(٢) جاء في ع بعد هذا:

وقال آخر:

أترجو أمّة قتلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب

(٣) ب: عمر بن سعد.

(٤) ر: ملاحف خ ل.

١٩٠

قال الراوي(٥) : وكان مع النساء علي بن الحسينعليه‌السلام ، قد نهكته العلّة، والحسن بن الحسن المثنىٰ(٦) ، وكان قد واسىٰ عمّه وإمامه(٧) في الصبر علىٰ الرماح(٨) ، وإنّما ارتثّ وقد أثخن بالجراح(٩) .

و كان معهم أيضاً زيد(١٠) وعمرو(١١) ولدا الحسين السبطعليه‌السلام .

____________

(٥) الراوي، من ع.

(٦) الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، يعرف بالمثنىٰ، وابنه الحسن يعرف بالمثلث، كان جليلاً فاضلاً ورعاً، وكان يلي صدقات أمير المؤمنينعليه‌السلام في وقته، تزوج من أبنة عمه فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، حضر مع عمّه الحسين يوم الطف، وحارب وجرح وشافاه الله، أمّه خولة بنت منظور الفرازي، توفي نحو سنة ٩٠ هـ بالمدينة، ولم يدع الإمامة لا ادعاها له مدع، بخلاف ابنه الحسن المثلث.

تسمية من قتل مع الحسين: ١٥٧، تهذيب ابن عساكر ٤/١٦٢، الأعلام ٢/١٨٧، معجم رجال الحديث ٤/٣٠١.

(٧) وإمامه، لم يرد في ر.

(٨) ع: في الصبر علىٰ ضرب السيوف وطعن الرماح.

(٩) جاء بعدهذا في ع:

وروىٰ مصنّف كتاب المصابيح: أنّ الحسن بن الحسن المثنىٰ قَتَلَ بين يدي عمّه الحسينعليه‌السلام في ذلك اليوم سبعة عشر نفساً وأصابه ثمانيةعشرجراحة، فوقع، فأخذه خاله أسماء بن خارجة، فحمله إلىٰ الكوفة وداواه حتّىٰ برء، وحمله إلىٰ المدينة.

(١٠) زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أبو الحسن الهاشمي، من أصحاب السجادعليه‌السلام ، جليل القدر، كريم الطبع، طريف النفس، كثير البرّ، كان يلي صدقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر بعض المؤرّخين أنه تخلّف عن عمّه الحسين فلم يخرج معه إلىٰ العراق، مات سنة ١٢٠ هـ، لم يدّع الإمامة ولاأدّعاها له مدّع من الشيعة ولا غيرهم.

معجم رجال الحديث ٧/٣٣٩، وبالنقل عن: رجال الشيخ، والإرشاد للمفيد، والعمدة للسيّد منها، والبحار ٤٦/٣٢٩.

(١١) ذكر في مختصر تاريخ دمشق ١٩/١٩٨ باسم: عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب، خرج مع =

١٩١

فجعل أهل الكوفة ينحون ويبكون.

فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : « أتنوحون وتبكون من أجلنا؟!! فمن الّذي قتلنا؟!! ».

قال بشير بن خزيم الأسدي(١٢) ونظرتُ إلىٰ زينب ابنت عليعليه‌السلام يومئذ، فلم أرَ خفرة قط أنطق منها، كأنّها(١٣) تفرغ من لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد أومأَتْ إلىٰ الناس أنِ اسكتوا(١٤) ، فارتدّت الأنفاس وسكنت الأجراس، ثمّ قالت:

ا لحمد لله، والصلاة علىٰ جدّي(١٥) محمد وآله الطيّبين الأخيار.

أمّا بعد، يا أهل الكوفة، ياأهل الختل والغدر، أتبكون؟! فلا رقأت(١٦) الدمعة، ولا هدأت الرنّة، إنّما مثلكم كمثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتخذرون أيمانكم دخلاً بينكم.

أ لا وهل فيكم إلّا الصلف والنطف(١٧) ، والصدر والشنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء؟! أو كمرعىٰ علىٰ دمنة، أو كفضة علىٰ ملحودة، ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.

____________

= عمه الحسين بن علي إلىٰ العراق، وكان فيمن قدم به دمشق مع علي بن الحسين، ولد محمداً وانقرض ولده، وكان رجلاً ناسكاً من أهل الصلاح والدين.

(١٢) ر: شبير بن خزيم الاسدي.

في مستدركات علم الرجال ٢/٣٧: بشير بن جزيم الأسدي، لم يذكروه، وهو راوي خطبة مولاتنا زينبعليها‌السلام بالكوفة.

(١٣) ر: كأنّما.

(١٤) ر: اسكنوا.

(١٥) ب.ع: أبي.

(١٦) ر: فلا رقت.

(١٧) ر: والظّلف.

١٩٢

أتبكون وتنتحبون؟! إي والله فأبكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها(١٨) ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنّىٰ ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيّد(١٩) شاب أهل الجنة، وملاذ خيرتكم، ومفرغ نازلتكم، ومنار(٢٠) حجّتكم، ومدرة سنتكم.

ألاساء ما تزرون، وبُعداً لكم سُحقاً، فلقد خاب السعي، وتبّت الأ يدي، وخسرت الصفقة ن وبؤتم بغضب من الله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة.

ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون(٢١) أيّ كبدٍ لرسول الله فريتم؟! وأيّ كريمة له أبرزتم؟! وأيّ دمٍ له سفكتم؟! وأي حرمة له انتهكتم؟! لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء(٢٢) .

وفي بعضها: خرقاء شوهاء، كطلاع الأرض وملاء السماء.

أفعجبتم أن مطرت(٢٣) السماء دماً، ولَعذاب الآخرة أخزىٰ وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفّنكم المهل، فانه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثار، وإنّ ربّكم لبالمرصاد.

قال الراوي(٢٤) : فوالله لقد رأيتُ الناس يومئذ حيارىٰ يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم.

__________________

(١٨) ب: وسنآنها.

(١٩) ب: خاتم الأنبياء وسيّد.

(٢٠) ر: ومعاذ.

(٢١) ر: ويلكم أتدرون يا أهل الكوفة.

(٢٢) ر: عنقاء سواآء فقماء ناداء.

(٢٣) ب: قطرت.

(٢٤) الراوي، من ع.

١٩٣

و رأيتُ شيخاً واقفاً إلىٰ جنبي يبكي حتّىٰ اخضلّت لحيته وهو يقول: بأبي أنتم وأُمّي كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل، لا يخزىٰ ولا يبزىٰ.

وروىٰ زيد بن موسىٰ(٢٥) قال: حدّثني أبي، عن جدّيعليهما‌السلام قال: خطبت فاطمة الصغرىٰعليها‌السلام بعد أن ورد من كربلاء، فقالت:

الحمد الله عدد الرمل والحصىٰ، وزِنة العرش إلىٰ الثرىٰ، أحمده وأُؤمنُ به وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله، وأن ذرّيّته(٢٦) ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات(٢٧) .

اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود لوصيّة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، المسلوب حقّه، المقتول بغير ذنب - كما قتل ولده بالأمس - في بيتٍ من بيوت الله، فيه معشر مسلمة بألسنتهم، تعساً لرؤوسهم، ما دفعت عنه ضيماً في حياته ولا عند مماته، حتّىٰ قبضته إليك(٢٨) محمود النقيبة، طيّب العريكة، معروف المناقب، مشهور(٢٩)

____________

(٢٥) زيد بن موسىٰ بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين العلوي الطالبي، ثائر، خرج في العراق مع أبي السرايا، توفي نحو سنة ٢٥٠ هـ.

الأعلام ٣/٦١، الكامل في التاريخ ٦/١٠٤، مقاتل الطالبيين: ٥٣٤، جمهرة الأنساب: ٥٥.

(٢٦) ب: ولده. ع: أولاده.

(٢٧) ر: من غير دخل ولا تراث. ع: بغير ذحل ولا تراب.

والذّحل: الحقد والعداوة، يقال: طلب بذحلة أي: بثاره. والموتور: الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه، تقول منه: وتره يتره وتراً وتيرة.

الصحاح ٤/١٧٠١، ٢/٤٨٣.

(٢٨) ر: قبضه الله إليه.

(٢٩) ر: مشهود.

١٩٤

المذاهب، لم تأخذه اللهم فيك لومة(٣٠) لائم ولا عذل عاذل، هديته يا ربّ للإسلام صغيراً، وحمدتَ مناقبه كبيراً، ولم يزل ناصحاً لك ولرسولك صلواتك عليه وآله حتّىٰ قبضته إليك،، زاهداً في الدنيا، غير حريص عليها، راغباً في الآخرة، مجاهداً لك في سبيلك، رضيته فاخترته وهديته(٣١) إلىٰ صراطٍ مستقيم.

أما بعد، يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر(٣٢) والخيلاء، فإنّا أهل بيتٍ ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل(٣٣) بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه ووعاء فهمه وحكمته وحجّته علىٰ أهل الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته وفضّلنا بنبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ كثير ممّن خلق تفضيلاً بيّناً.

فكذّبتمونا، وكفّرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً وأمولنا نهباً، كأننا أولاد ترك أو كابل، كما قتلتم جدّنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت، لحقد متقدّم، قرّت لذلك(٣٤) عيونكم، وفرحت قلوبكم، افتراءً علىٰ الله ومكراً مكرتم(٣٥) ، والله خير الماكرين.

فلا تدعونّكم أنفسكم إلىٰ الجذل بما أسبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا، فانّ ما اصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة(٣٦) في كتاب من

__________________

(٣٠) ر: لم تأخذه في الله لومة.

(٣١) ر: رضيته فهديته.

(٣٢) ر: يا أهل الغدر.

(٣٣) ر: فوجد.

(٣٤) ب: بذلك.

(٣٥) ر: مكرتموه.

(٣٦) ر: والرزء العظيم.

١٩٥

قبل أن نبرأها، إنّ ذلك علىٰ الله يسير، لكيلا تأسوا علىٰ ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم، والله لا يحبّ كلّ مختال فخور.

تباً لكم(٣٧) ، فانتظروا اللعنة والعذاب، فكأن قد حلّ بكم، وتواترت من السماء نقمات، فيسحتكم بعذاب(٣٨) ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلّدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنه الله علىٰ الظالمين.

ويلكم، أتدرون أيّة يدٍ طاعنتنا منكم؟! وأيّة نفسٍ نزعت(٣٩) إلىٰ قتالنا؟! أم بأيّة رِجلٍ مشيتم إلينا تبغون محاربتنا؟!

قست والله قلوبكم، وغلظت أكبادكم، وطبع علىٰ أفئدتكم، وختم علىٰ أسماعكم وأبصاركم(٤٠) ، وسوّل لكم الشيطان وأملىٰ لكم وجعل علىٰ بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

فتبّاً لكم يا أهل الكوفة، أيّ تراتٍ(٤١) لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبلكم وذحول(٤٢) له لديكم بما عندتم(٤٣) بأخيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام جدّي وبنيه وعترة النبيّ الأخيار(٤٤) صلوات الله وسلامه عليهم، وافتخر بذلك مفتخركم فقال:

نحن قتلن علياً وبني علي(٤٥)

بسيوفٍ هندية ورماحْ

 ____________

(٣٧) أمثالكم، بدلاً من: تباً لكم، في ر.

(٣٨) ب: فيسحتكم بما كسبتم.

(٣٩) ر: ترغب.

(٤٠) ب. ع: سمعكم وبصركم.

(٤١) ر: تراثٍ.

(٤٢) ر. ع: ودخول، والمثبت من ب.

(٤٣) ر: غدرتم.

(٤٤) ب: وعترة النبيّ الطاهرين الأخيار. ع: وعترته الطيّبين الأخيار.

(٤٥) ر: وعليّاً وولده قد قتلنا.

١٩٦

وسبينا نساءهم(٤٦) سبي تُركٍ

ونطحناهم فأيّ نطاحْ

بفيك أيّها القائل الكثكث والأثلب(٤٧) ، افتخرت بقتل قوم زكّاهم الله وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فأكظم واقْع كما أقعىٰ أبوك، فإنّما لكلّ امرء ما اكتسب وما قدّمت يداه.

أحسدتمونا(٤٨) - ويلاً لكم - علىٰ ما فضّلنا الله(٤٩) .

شعر:

فما ذنبنا إن جاش دهراً بحورُنا

وبحرُك ساج لا يواري الدَّعامِصا(٥٠)

ذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء، والله ذو الفضل العظيم، ومَن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

قال: وارتفعت الأصوات بالبكاء، وقالوا: حَسْبُكِ يابنةَ الطيّبين، فقد أحرقت قلوبَنا وأنضحتِ نحورنا(٥١) وأضرمتِ أجوافنا، فسكتت.

__________________

(٤٦) ر: نساءه.

(٤٧) الكثكث: فتاة الحجارة والتراب. وكذا الأثلب يأتي بهذا المعنىٰ.

الصحاح ١/٢٩٠ كثث، و ٩٤ ثلب.

وفي نسخة ب: ولك الأثلب.

(٤٨) ب: حسدتمونا.

(٤٩) ب: الله عليكم، ولفظ: شعر، لم يرد في ب.

(٥٠) ر: وبحرك ناجٍ ما يواري

وذكر الجوهري الشطر الأول هكذا: فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمِّكمْ. وقال: الدعموص: دويبة تغوص في الماء.

الصحاح ٣/١٠٤٠ دعمص.

(٥١) ر: وانضجت نحورنا.

وفي الصحاح ١/٤١٢ نضح الشجر: إذا تفطّر ليخرج ورقه.

وفي ب: وانضجت نحورنا واضرمت اجوافنا، فسكتت عليها وعلىٰ أبيها وجدّتها السلام.

١٩٧

قال: وخطبت أمّ كلثوم ابنت عليّعليهما‌السلام في ذلك اليوم من وراء كلّتها، رافعة صوتها بالبكاء، فقالت:

يا أهل الكوفة، سوءاً(٥٢) لكم، مالكم خذلتم(٥٣) حسيناً وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه؟! فتباً لكم وسحقاً.

و يلكم، أتدرون أيّ دواهٍ دهتكم؟ وأيّ وزرٍ علىٰ ظهوركم حملتم؟ وأيّ دماءٍ سفكتموها؟ وأي كريمة اهتضمتموها(٥٤) ؟ وأيّ صِبيةٍ سلبتموها؟ وأيّ أموال نهبتموها؟ قتلتم خير رجالات بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونُزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إنّ حزب الله هم الغالبون وحزب الشيطان هم الخاسرون.

ثمّ قالت:

قتلتم أخي صبراً فويلٌ لأُمّكم

ستُجزَوْن ناراً حرّها يتوقّدُ

سفكتم دماءً حرّم الله سفكَها

وحرّمها القرآنُ ثمّ محمّدُ

ألا فابشروا بالنار إنّكم غداً

لفي قعر نارٍ حرّها يتصعّدُ(٥٥)

وإنّي لأبكي في حياتي علىٰ أخي

علىٰ خير مَن بعد النبيّ سيولدُ

بدمعٍ غزيرٍ مستهلٍّ مكفكفٍ

علىٰ الخدّ مني دائبٌ(٥٦) ليس يحمدُ

قال الراوي(٥٧) : فضجّ الناس بالبكاء والنحيب والنوح، ونشر النساء

____________

(٥٢) ع: سوئة.

(٥٣) ر: ماخذلتم، والمثبت من ع.

(٥٤) ع: اصبتموها.

(٥٥) ع: لفي سقر حقّاً يقيناً تخلدوا.

(٥٦) ع: دائماً.

(٥٧) الراوي، من نسخة ع.

١٩٨

شعورهنّ، وحثين(٥٨) التراب علىٰ رؤوسهنّ، وخمش وجوههنّ، ولطمن خدودهنّ، ودعون بالويل والثبور، وبكىٰ الرجال ونتفوا لحاهم(٥٩) ، فلم يُر باكية وباكٍ أكثر من ذلك اليوم.

ثمّ، أنّ زين العابدينعليه‌السلام أومأ إلىٰ الناس أن اسكتوا، فسكتوا، فقام(٦٠) قائماً، فحمد الله وأثنىٰ عليه وذكر النبيّ بما هو أهله فصلىٰ عليه، ثم قال:

« أيّها الناس مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا أُعرّفه بنفسي: أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات(٦١) ، أنا ابن مَن انتُهك حريمه وسُلب نعيمه وانتُهب ماله وسُبي عياله، أنا ابن مَن قُتل صبراً وكفىٰ بذلك فخراً.

أيّها الناس، ناشدتكم الله هل تعلمون أنّكم كتبتم إلىٰ أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه؟! فتبّاً لِما قدّمتم لأنفسكم وسوءاً(٦٢) لرأيكم، بأيّة عينٍ تنظرون إلىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اذ يقول لكم: قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أُمّتي؟! ».

قال الراوي(٦٣) : فارتفعت اصوات الناس من كلّ ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون.

فقال: « رحم الله أمرءاً قَبِل نصيحتي وحفِظ وصيّتي في الله وفي رسوله وأهل

____________

(٥٨) ع: ووضعن.

(٥٩) ونتفوا لحاهم، لم يرد في ر، واثبتناه من ع.

(٦٠) ر: فقال.

(٦١) ر: من غير دخل ولا تراث.

(٦٢) ع: وسوءةً.

(٦٣) الراوي، من ع.

١٩٩

بيته، فانّ لنا في رسول الله أسوةٌ حسنة ».

فقالوا بأجمعهم: نحن كلّنا يابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك، فأمرنا بأمرك يرحمك الله، فإنّا حربٌ لحربك وسلم لسلمك، لنأخذنَّ يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا.

فقالعليه‌السلام : « هيهات هيهات، أيّها الغدرة المَكَرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلىٰ أبي من قبل؟! كلّا وربّ الراقصات، فان الجرح لَمّا يندمل، قُتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه، ولم يُنسني ثكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وثكل أبي وبني أبي، ووجده بين لهواتي(٦٤) ، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في فراش صدري.

ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا ».

ثم ّ قال:

« لا غرو إن قتل الحسين وشيخه

قد كان خيراً من حسين وأكرما(٦٥)

فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالّذي

أصاب حسيناً كان ذلك أعظما

قتيلٌ بشطّ النهر روحي فداؤه

جزاء الّذي أراده نار جهنّما »

ثمّ قالعليه‌السلام : « رضينا منكم رأساً برأس فلا يوم لنا ولا علينا ».

قال الراوي(٦٦) : ثمّ، أنّ ابن زياد جلس في القصر، وأذن إذناً عامّاً، وجيء برأس الحسينعليه‌السلام فوضع بين يديه، وأدخل نساء الحسين وصبيانه إليه.

____________

(٦٤) في متن ر: لهاتي، وفي حاشيتها: لهواتي خ.

(٦٥) كذا في ب. ع. وفي ر:

فلا غرو من قتل الحسين فشيخه

أبوه علي كان خيراً وأكرما

 (٦٦) الراوي، من ع.

٢٠٠