الأمالي الشيخ المفيد

الأمالي الشيخ المفيد0%

الأمالي الشيخ المفيد مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 357

الأمالي الشيخ المفيد

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 357
المشاهدات: 47623
تحميل: 5974


توضيحات:

الأمالي الشيخ المفيد المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47623 / تحميل: 5974
الحجم الحجم الحجم
الأمالي الشيخ المفيد

الأمالي الشيخ المفيد

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

 ٧ - قال: أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين القلاء، عن عبدالله بن أبي يعفور، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن فقراء المؤمنين ينقلبون في رياض الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا(١) ، ثم قال: سأضرب لك مثال ذلك، إنما مثل ذلك مثل سفينتين مر بهما على عاشر(٢) فنظر في إحديهما فلم يجد فيها شيئا، فقال: أسربوها(٣) ، ونظر في الاخرى فإذا هي موقرة(٤) ، فقال: احبسوها.

٨ - قال: أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمّد رحمه الله عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر من آمن بلسانه ولم يصل الايمان إلى قلبه لا تتبعوا عورات المؤمنين، ولا تذموا المسلمين، فإنه من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عوراته، ومن تتبع الله عوراته فضحه في جوف بيته(٥) .

____________________________

(١) الخريف: الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف والشتاء. ويريد به أربعين سنة لان الخريف لا يكون في السنة الا مرة واحدة، فإذا انقضى أربعون خريفا فقد مضت أربعون سنة.

(٢) العاشر من نصبه الحاكم على الطريق لاخذ صدقة التجار وأمنهم من اللصوص، وتقدم آنفا في الحديث النهى عن ذلك.

(٣) السرب بالفتح: الطريق، يقال: خل له سربه أي طريقه.

(٤) أوقر النخلة: كثر حملها فهي موقرة. وفي بعض النسخ « موفرة » بالفاء.

(٥) رواه الصدوق في ثواب الاعمال بأدنى اختلاف في اللفظ.

١٤١

 ٩ - قال: أخبرني أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي قال: حدثنا أبوالعباس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني قال: حدثنا الحسن بن عليّ بن الحسن قال: حدثنا محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن عبيدالله القصباني، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول: إن ولايتنا ولاية الله عزّوجلّ التي لم يبعث نبي قط إلا بها، إن الله عز اسمه عرض ولايتنا على السماوات والارض والجبال والامصار(١) فلم يقبلها قبول أهل الكوفة، وإن إلى جانبهم لقبرا(٢) ما لقاه مكروب إلا نفس الله كربته، وأجاب دعوته، وقلبه إلى أهله مسرورا.

١٠ - قال: أخبرني أبوعبيدالله محمّد بن عمران المرزباني قال: حدثنا حنظلة أبوغسان قال: حدثنا أبوالمنذر هشام بن محمّد بن السائب، عن محرز، عن جعفر مولى أبي هريرة(٣) قال: دخل أرطاة بن سهية(٤) على عبد الملك بن مروان وقد أتت عليه مائة وثلاثون سنة فقال له عبد الملك: ما بقي من شعرك يا أرطاة ؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما أطرب ولا أغضب ولا اشرب، ولا يجيئني الشعر إلا على هذه [ الخصال ]، غير أني الّذي أقول:

رأيت المرء يأكله الليالي

 

كأكل الارض ساقطة الحديد

وما تبقي المنية(٥) حين تأتي

 

على نفس ابن آدم من مزيد

و أعلم أنها ستكر حتّى

 

توفى نذرها بأبي الوليد

 قال: فارتاع عبد الملك وكان يكنى أبا الوليد فقال له أرطاة: إنما

____________________________

(١) أي بقبولها وتبليغها إلى أممهم، ولمولانا الفيض (ره) كلام في هذا المقام فراجع تفسير الصافى المقدمة الثالثة.

(٢) المراد مضجع أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وتربته الشريفة المقدسة.

(٣) لم نجده ولا راويه، وفي بعض النسخ « محرز بن جعفر ».

(٤) هو أرطاة بن زفر بضم الزاى وفتح الفاء ابن عبدالله بن مالك بن شداد بن غطفان بن أبى حارثة، و « سهية » مصغرا اسم امه، وكان شاعرا مشهورا.

(٥) المنية: الموت.

١٤٢

عنيت نفسي يا أمير المؤمنين وكان يكنى أرطاة بأبي الوليد فقال عبد الملك: وأنا والله سيمر بي الّذي يمر بك.

وصلّى الله على سيدنا محمّد النبيّ الامي وآله وسلم

المجلس الثامن عشر

مجلس يوم السبت الرابع والعشرين من شعبان سنة سبع وأربعمائة مما سمعه أبوالفوارس وحده وسمعته وأبوعبدالرحمن أخي وسمع الحسين بن عليّ النيشابوري من لفظ الشيخ الجليل

حدثنا الشيخ الجليل المفيد أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله تأييده

 ١ - قال: أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمه الله عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى الاشعري، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مروان، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: ما اغرورقت(١) عين بمائها من خشية الله عزّوجلّ إلا حرم الله جسدها على النار، ولا فاضت(٢) دمعة على خد صاحبها فرهق وجهه قتر(٣) ولا ذلة يوم القيامة(٤) ، وما من شئ من أعمال الخير إلا وله وزن أو أجر إلا الدمعة من خشية الله، فإن الله يطفئ بالقطرة منها بحارا من نار يوم القيامة، وإن الباكي ليبكي من خشية الله في أمة فيرحم الله تلك الامة ببكاء ذلك المؤمن فيها.

____________________________

(١) اغرورقت عيناه دمعا كأنهما غرقتا في دمعهما.

(٢) فاض الماء فيضا: كثر حتّى سال كالوادى، وضمير « فاضت » اما راجع إلى الدموع أو إلى العين للاسناد المجازى كالفياض.

(٣) رهقه رهقا: غشيه. والقتر: الغبار. وضمير وجهه راجع إلى صاحب العين.

(٤) كذا في النسخ ومنقوله في البحار، وفيه عن العياشي: « وما فاضت عين من خشية الله الا لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة ».

١٤٣

 ٢ - قال: أخبرني أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي رحمه الله قال: حدثنا محمّد بن موسى الحضرمي قال: حدثنا مالك بن عبدالله بن سيف(١) قال: حدثنا عليّ بن معبد قال: حدثنا إسحاق بن يحيى الكعبي(٢) ، عن سفيان الثوري، عن منصور(٣) ، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يميز الله أولياءه وأصفياءه حتّى تطهر الارض من المنافقين والضالين وأبناء الضالين(٤) ، وحتى تلتقي بالرجل يومئذ خمسون امرأة، هذه تقول: يا عبدالله اشترني، وهذه تقول: يا عبدالله آوني.

٣ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن خالد المراغي قال: حدثنا أبوعبدالله الاسدي قال: حدثنا جعفر بن عبدالله العلوي المحمّدي قال: حدثنا يحيى بن هاشم السمسار الغساني قال: حدثنا أبوالصباح عبد الغفور الواسطي(٥) ، عن عبدالله بن محمّد القرشي، عن أبي علي الحسن بن عليّ الراسبي، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس (رحمه الله) قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الشاك في فضل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يحشر يوم القيامة من قبره وفي عنقه طوق من نار، فيه ثلاثمائة

____________________________

(١) هو مالك بن عبدالله بن سيف التجيبى أبوسعيد البصري المعنون في التهذيب.

(٢) لم نجد بهذا العنوان أحدا وفي بعض النسخ « اسحاق بن أبى يحيى » والمظنون أنه تصحيف « اسحاق بن يحيى الكاهلى » أو « اسحاق بن سليمان أبى يحيى العبدى الكوفى » المعنون في الرجال، وراويه على بن معبد العبدي هو أبوالحسن الرقى.

(٣) هو منصور بن المعتمر أبوعتاب الكوفى روى عن ربعى بن حراش.

(٤) في بعض النسخ: « والقتالين وأبناء القتالين » وكأنه تصحيف من الكتاب.

(٥) روى الخطيب باسناده عن عليّ بن الحسين بن حيان قال: وجدت في كتاب بخط أبى قال: أبوزكريا عبدالغفور الواسطي شيخ كان ههنا في رحبة أبي القاسم، حديثه ليس بشئ « ثم قال الخطيب لا أعرف عبد الغفور هذا الا أن يكون أبا الصباح الواسطي ويغلب على ظنى أنه اياه فان كان هو فهو عبد الغفور بن سعيد ». وفي بعض النسخ « أبوالصباح عن عبد الغفور »

١٤٤

شعبة، على كل شعبة منها شيطان يكلح في وجهه(١) ويتفل فيه.

٤ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن محمّد الكاتب قال: حدثنا الحسن بن عليّ الزعفراني قال: حدثني إبراهيم بن محمّد الثقفي قال: حدثنا إسماعيل بن أبان قال: حدثنا فضل بن الزبير، عن عمران بن ميثم(٢) ، عن عباية الاسدي قال: سمعت علياعليه‌السلام يقول: أنا سيد الشيب، وفي سنة من أيوب، [ و ] والله ليجمعن الله لي أهلي كما جمعوا ليعقوب.

٥ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن بلال المهلبي قال: حدثنا عليّ بن عبدالله ابن أسد الاصفهاني قال: حدثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي قال: حدثنا إسماعيل بن أبان قال: حدثنا الصباح بن يحيى المزني، عن الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبدالله قال: قدم رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قوله تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ(٣) ؟ قال: قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي كان على بينة من ربه، وأنا الشاهد له ومنه، والّذي نفسي بيده ما أحد جرت عليه المواسي(٤) من قريش إلا وقد أنزل الله فيه من كتابه طائفة، والّذي نفسي بيده لان يكونوا يعلمون ما قضى الله لنا أهل البيت على لسان النبيّ الامي أحب إلي من أن يكون لي ملء هذه الرحبة(٥) ذهبا، والله ما مثلنا في هذه الامة إلا كمثل سفينة نوح، [ أ ] وكباب حطة في بني إسرائيل.

٦ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن محمّد بن حبيش الكاتب قال: حدثنا

____________________________

(١) يكلح في وجهه: يفزعه.

(٢) الظاهر كونه عمران بن ميثم التمار.

(٣) هود: ١٧.

(٤) جمع موسى وهي آلة من فولاد يحلق بها، وفى اشتقاقه أقوال.

(٥) رحبة المكان محركة وتخفف: ساحته ومتسعه يقال: « كان عليعليه‌السلام يقضى بين الناس في رحبة مسجد الكوفة » أي صحنته.

١٤٥

الحسن بن عليّ الزعفراني قال: حدثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي قال: حدثنا محمّد بن إسماعيل، عن زيد بن المعدل، عن يحيى بن صالح(١) ، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن جندب بن عبدالله الازدي قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول لاصحابه وقد استنفرهم أياما إلى الجهاد فلم ينفروا(٢) : أيها الناس إني قد استنفرتكم فلم تنفروا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، فأنتم شهود كأغياب(٣) ، وصم ذوو أسماع. أتلو عليكم الحكمة، وأعظكم بالموعظة الحسنة، وأحثكم على جهاد عدوكم الباغين، فما آتي على آخر منطقي حتّى أراكم متفرقين، أيادي سبأ(٤) ، فإذا أنا كففت عنكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين(٥) ، تضربون الامثال، وتتناشدون الاشعار، وتسألون عن الاخبار، قد نسيتم الاستعداد للحرب، وشغلتم قلوبكم بالاباطيل، تربت أيديكم(٦) اغزوا القوم [ من ] قبل أن يغزوكم، فوالله ماغزي قوم قط في عقر

____________________________

(١) هو يحيى بن صالح أبوزكريا الحريري الوحاظى. ولم نعثر على عنوان راويه زيد وكونه زيد النميري المعنون في الرجال غير ثابت لاختلاف الطبقة.

(٢) وذلك بعد أن أغار سفيان بن عوف الغامدى على الانبار بأمر معاوية وقتل بها أشرس بن حسان البكري وجميع من معه وهو عامل أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) على الانبار.

 (٣) كذا في النسخ والبحار، والصواب: « كغياب » جمع الغائب كما في الغارات، وفي النهج « شهود كغياب وعبيد كارباب، أتلو عليكم الحكم فتنفرون منها وأعظكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها. الخ » مع اختلاف كثير.

(٤) قالوا: ان سبأ هو أبوعرب اليمن كان له عشرة أولاد، جعل منهم ستة يمينا له، وأربعة شمالا تشبيها لهم باليدين، ثم تفرق اولئك الاولاد أشد التفرق.

(٥) الحلق بفتح الحاء، وكسرها، وفتح اللام جمع حلقة، وقال الجوهري: « العزة الفرقة من الناس، والهاء عوض من الياء والجمع عزى على فعل [ بكسر الفاء ] وعزون وعزون أيضا بالضم، ومنه قوله تعالى: « عن اليمين وعن الشمال عزين » قال الاصمعي: يقال: في الدار عزون اي اصناف من الناس ».

(٦) قال في الاقرب: « تربت يداك » هذه من الكلمات التي جاءت عن العرب، صورتها الدعاء ولا يراد بها الدعاء بل المراد الحث والتحريض ومنه « فعليك بذات الدين تربت يداك » وفى الصحاح « وهو على الدعاء اي لا أصبت خيرا » والاول هو الصواب.

١٤٦

ديارهم إلا ذلوا. وأيم الله ما أراكم تفعلون حتّى يفعلوا، ولوددت أني لقيتهم على نيتي وبصيرتي فاسترحت من مقاساتكم. فما أنتم إلا كإبل جمة ضلت راعيها(١) فكلما ضمت من جانب انتشرت من جانب آخر، والله لكأني بكم(٢) لو حمس الوغى، وأحم البأس(٣) قد انفرجتم عن عليّ بن أبي طالب [ انفراج الرأس و ] انفراج المرأة عن قبلها(٤) . فقام إليه الاشعث بن قيس الكندي فقال له: يا أمير المؤمنين فهلا فعلت كما فعل ابن عفان(٥) ؟ فقالعليه‌السلام له: يا عرف النار(٦) ! ويلك إن فعل

____________________________

(١) في بعض النسخ: « أضل راعيها ». قال في البحار: « قال ابن السكيت: أضللت بعيرى إذا ذهب منك، وضللت المسجد والدار إذا لم تعرف موضعهما، وفي الحديث لعلى أضل الله، يريد أضل عنه اي أخفى عليه ». وقوله « انتشرت من جانب » في اللغة: انتشرت الابل: تفرقت عن غرة من راعيها.

(٢) زاد هنا في النهج « فيما أخالكم أن. ».

(٣) حمس كفرح: اشتد. والوغى: الحرب، وأصلها الاصوات والجلبة وسميت الحرب نفسها وغى لما فيها من ذلك. وحم الشئ وأحم: قدر، وأحمه أمر: أهمه، وأحم خروجنا: دنا، وفي سائر الروايات: « وحمى البأس »، وحمى الشمس أو النار: اشتد حرهما.

(٤) أي كما ينفلق الرأس فلا يلتئم، وهو مثل لشدة التفرق. قيل: اول من تكلم به أكثم بن صيفي في وصية له: يا بنى لا تنفرجوا عند الشدائد انفراج الرأس الخ. « وانفراج المرأة عن قبلها » أي وقت الولادة، أو عندما يشرع عليها سلاح. وفيه كناية عن العجز والدناءة في العمل والتفرق عند هجوم الاعداء.

(٥) أي سيرته في تقسيم الاموال واختصاصه أياها ببعض دون بعض.

(٦) لعله (عليه‌السلام ) شبهه بعرف الديك [ وهي لحمة مستطيلة في أعلى رأس الديك ] لكونه رأسا فيما يوجب دخول النار، أو المعنى أنك من القوم الّذين يتبادرون دخول النار من غير روية كقوله تعالى: « والمرسلات عرفا » (البحار)، وفي التاج « عرف الارض » ما ارتفع منها. كأن المراد شعلة النار.

١٤٧

ابن عفان لمخزاة على من لا دين له، ولا حجة معه، فكيف وأنا على بينة من ربي، [ و ] الحق في يدي، والله إن أمرءا يمكن عدوه من نفسه يخذع لحمه ويهشم عظمه، ويفري(١) جلده، ويسفك دمه لضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره(٢) ، أنت فكن كذلك إن أحببت(٣) ، فأما أنا فدون أن أعطى ذلك ضرب بالمشرفي(٤) ، يطير منه فراش الهام، وتطيح منه الاكف والمعاصم(٥) ، ويفعل بعد ما يشاء. فقام أبوأيوب الانصاري خالد بن زيد صاحب منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: أيها الناس ! إن أمير المؤمنين قد أسمع من كانت له أذن واعية وقلب حفيظ، إن الله قد أكرمكم بكرامة لم تقبلوها حق قبولها، إنه ترك بين أظهركم ابن عم نبيكم، وسيد المسلمين من بعده، يفقهكم في الدين، و يدعوكم إلى جهاد المحلين، فكأنكم صم لا تسمعون، أو على قلوبكم غلف مطبوع عليها فأنتم لا تعقلون، أفلا تستحيون ؟.

____________________________

(١) خذع اللحم ومالا صلابة فيه كمنع: خرزه وقطعه في مواضع (القاموس)، وهشم الشئ: كسره، وفرى الشئ: قطعه وشقه، مزقه.

(٢) يعني القلب وما يتبعه من الاوعية الدموية، والجوانح: الضلوع تحت الترائب. وفي نسخة « جوارح صدره ».

(٣) لابن أبى الحديد هنا كلام، راجع شرح النهج شرح الخطبة الرابعة والثلاثين.

(٤) المشرفى بفتح الميم والراء سيوف منسوبة إلى مشارف اليمن. وفي نسخة « ضربا بالمشرفى ».

(٥) فراش الهام: العظام الرقيقة التي تلى القحف. وتطيح: تسقط. والمعاصم: جمع المعصم وهو موضع السوار من الساعد وقيل: اليد.

١٤٨

عباد الله أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس ؟ قد شمل البلاء، وشاع في البلاد، فذو حق محروم، وملطوم وجهه، وموطوء بطنه(١) وملقى بالعراء، تسفى عليه الاعاصير(٢) ، لا يكنه من الحر والقر وصهر الشمس والضح(٣) إلا الاثواب الهامدة(٤) ، وبيوت الشعر البالية، حتّى جاءكم الله(٥) بأمير المؤمنينعليه‌السلام فصدع بالحق، ونشر العدل، وعمل بما في الكتاب ؟ ! يا قوم فاشكروا نعمة الله عليكم ولا تولوا مدبرين، ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(٦) . اشحذوا السيوف، واستعدوا لجهاد عدوكم، فإذا دعيتم فأجيبوا، وإذا أمرتم فاسمعوا وأطيعوا، وما قلتم فليكن، وما أمرتم فكونوا بذلك من الصادقين(٧) .

٧ - قال: أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد رحمه الله عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الكرخي قال: سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول: لا يجمع الله

____________________________

(١) في الغارات والبحار: « موطأ » من التفعيل وكلاهما بمعنى واحد.

(٢) سفت الريح التراب: ذرته أو حملته. والاعصار: ريح ترتفع بتراب بين السماء والارض والجمع: أعاصير.

(٣) القر بالضم: البرد. وصهر الشمس: حرارتها. والضح بالكسر: الشمس وضوؤها.

(٤) الهمود: الموت، وتقطع الثوب من طول الطى، والهامد البالى المسود المتغير.

(٥) أي من الله تعالى عليكم بوجوده وقبوله ملتمسكم. وفي الغارات: « حباكم الله »، وحبا فلان فلانا كذا وبكذا: أعطاه، وحباه عن كذا: منعه.

(٦) الانفال: ٢١.

(٧) كذا في النسخ، ولكن في الغارات والبحار هكذا: « وما قلتم فليكن ما أضمرتم عليه تكونوا بذلك من الصادقين ». ثم اعلم أن معظم هذه الخطبة مذكور في موضعين من قسم الخطب من النهج تحت رقم ٣٤ و ٩٧ من طبعة الدكتور صبحى الصالح.

١٤٩

لمؤمن الورع والزهد في الدنيا إلا رجوت له الجنة، ثم قال: وإني لاحب للرجل المؤمن منكم إذا قام في صلاته أن يقبل بقلبه إلى الله تعالى ولا يشغله بأمر الدنيا، فليس من مؤمن يقبل بقلبه في صلاته إلى الله إلا أقبل الله إليه بوجهه، وأقبل بقلوب المؤمنين إليه بالمحبة له بعد حب الله إياه.

٨ - قال: أخبرني أبوحفص عمر بن محمّد الصيرفي قال: حدثنا محمّد بن همام الكاتب الاسكافي قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري قال: حدثنا محمّد بن عيسى الاشعري قال: حدثنا عبدالله بن إبراهيم(١) قال: حدثني الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهما‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : المؤمنون إخوة، يقضي بعضهم حوائج بعض، فبقضاء بعضهم حوائح بعض يقضي الله حوائجهم يوم القيامة(٢) .

وصلّى الله على سيدنا محمّد والنبي وآله وسلم

____________________________

(١) الظاهر هو ابن أبى عمرو الغفاري الانصاري المعنون في جامع الرواة، وفي بعض النسخ: « محمّد بن ابراهيم » فان كان هو فالظاهر أنه الرفاعي الكوفى الّذي يروى عن الحسين بن زيد.

(٢) أمرعليه‌السلام بالتعاون والتعاضد، وأقل مراتب ذلك أن تعين غيرك حرصا على أن تعان، وأكمل مراتبه أن تندفع في هذا الامر وأنت غير متوقع منه فائدة ولا راج منه عائدة، ولا مرهون له بنعمة قال الله تعالى: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ ، وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ ، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ ، وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ ﴾.

١٥٠

المجلس التاسع عشر

مجلس يوم السبت مستهل شهر رمضان سنة سبع وأربعمائة، وحضره الاخ أبومحمّد أبقاه الله

حدثنا الشيخ الجليل المفيد أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله تأييده

 ١ - قال: أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الوليد، أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن سعيد الاعرج، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام قال: إن من أوثق عرى الايمان(١) أن تحب في الله، وتبغض في الله، وتعطي في الله، وتمنع في الله تعالى.

٢ - قال: أخبرني أبونصر محمّد بن الحسين المقرى قال: حدثنا أبوعبدالله الحسين بن محمّد الاسدي(٢) قال: حدثنا أبوعبدالله جعفر بن عبدالله العلوي قال: حدثنا يحيى بن هاشم الغساني قال: حدثني أبوالمقوم يحيى بن ثعلبة الانصاري(٣) ، عن عاصم بن أبي النجود(٤) ، عن زر بن حبيش، عن عبدالله بن مسعود قال:

____________________________

(١) جمع العروة وهى من الدلو والكوز المقبض والمراد بها هنا الاحكام والاخلاق والاداب اللازمة للايمان.

(٢) كذا، وفى غير موضع من الكتاب أبوعبدالله الحسين بن على الاسدي وفى مواضع أبوعبدالله الاسدي، والظاهر كونه الحسين بن محمّد بن سعيد أبوعبدالله البزاز المعروف بابن المطبقى العلوى المترجم في تاريخ الخطيب، أو الحسين بن على أبوعبدالله الاسدي الدهان ظاهرا، والعلم عند الله.

(٣) لم نعثر على هذا العنوان في ما عندنا من الرجال، واحتمال كونه يحيى بن سعيد بن قيس بن ثعلبة الانصاري المقرى غير بعيد.

(٤) هو عاصم بن بهدلة، وهو ابن أبى النجود الاسدي، مولاهم الكوفى أبوبكر المقرى، قال ابن حجر: صدوق، له أوهام، حجة في القراءة مات سنة ١٢٨.

١٥١

كنا مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض أسفاره إذ هتف بنا أعرابي بصوت جهوري فقال: يا محمّد ! فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما تشاء ؟ فقال: المرء يحب القوم ولا يعمل بأعمالهم(١) ؟ فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : المرء مع من أحب. فقال: يا محمّد اعرض علي الاسلام، فقال: اشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت، فقال: يا محمّد تأخذ على هذا أجرا ؟ فقال: لا إلا المودة في القربى، قال: قرباي أو قرباك ؟ قال: بل قرباي، قال: هلم يدك حتّى ابايعك، لا خير فيمن لا يودك، ولا يود قرباك.

 ٣ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن بلال المهلبي قال: حدثنا عليّ بن عبدالله بن أسد الاصفهاني قال: حدثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي قال: حدثنا القناد قال: حدثنا عليّ بن هاشم(٢) ، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب قال: سمعت يحيى بن ام الطويل(٣) يقول: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: مابين لوحي المصحف من آية إلا وقد علمت فيمن نزلت، وأين نزلت، في سهل أو جبل، وإن بين جوانحي لعلما جما، فسلوني قبل أن تفقدوني، فإنكم إن فقدتموني لم تجدوا من يحدثكم مثل حديثي.

 ٤ - قال: أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمّد رحمه الله عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عبد الكريم بن عمرو(٤) ،

____________________________

(١) أي هل ينفعه ذلك وهل يغنى عنه شيئا ؟ وأجابصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن المحبة نافعة، وذلك بأنها يدفع المحب إلى رضا المحبوب والعمل بفعاله، ولقد أجاد من قال: أحب الصالحين ولست منهم * لعل الله يرزقنى صلاحا

(٢) القناد هو عمرو بن حماد بن طلحة أبومحمّد الكوفى، قال ابن حجر: « قد ينسب إلى جده، صدوق رمى بالرفض، مات سنة ٢٢٢ روى عن على بن هاشم بن بريد ».

(٣) كذا ويحيى بن ام الطويل من حوارى على بن الحسينعليهما‌السلام .

(٤) هو عبد الكريم بن عمرو الخثعمي. واما قرينه ابراهيم فلم نعثر على عنوانه ولا يبعد كونه تصحيف ابراهيم بن رجا البصري، وفى بعض النسخ « ابراهيم بن ذاحة ». وفى بعضها « ابراهيم بن ناحة »، وفي امالي الطوسى « ابراهيم بن داحة ».

١٥٢

وإبراهيم بن راحة البصري جميعا قالا: حدثنا ميسر قال: لي أبوعبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : ما تقول فيمن لا يعصي الله في أمره ونهيه، إلا أنه يبرأ منك ومن أصحابك على هذا الامر ؟ قال: قلت: وما عسيت أن أقول وأنا بحضرتك ؟ قال: قل ! فإني أنا الّذي آمرك أن تقول. قال: قلت: هو في النار. قال: يا ميسر ! ما تقول فيمن يدين الله بما تدينه به، وفيه من الذنوب ما في الناس إلا أنه مجتنب الكبائر ؟ قال: قلت: وما عسيت أن أقول وأنا بحضرتك ؟ قال: قل ! فإني أنا الّذي آمرك أن تقول. قال: قلت: في الجنة. قال: فلعلك تحرج أن تقول: هو في الجنة ؟ قال: قلت: لا، قال: فلا تحرج، فإنه في الجنة، إن الله عزّوجلّ يقول: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا(١) .

٥ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن محمّد الكاتب قال: أخبرني الحسن بن عليّ الزعفراني قال: حدثنا أبوإسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي قال: حدثني المسعودي(٢) قال: حدثنا الحسن بن حماد، عن أبيه قال: حدثني رزين بياع الانماط قال: سمعت زيد بن عليّ بن الحسينعليه‌السلام يقول: حدثني أبي، عن أبيه، قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يخطب الناس فقال في خطبته: والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، وألصقت كلكلي بالارض، ثم إن أبا بكر هلك، واستخلف عمر، وقد علم والله أني أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي.

____________________________

(١) النساء: ٣١.

(٢) المراد به يوسف بن كليب الراوى عن الحسن بن حماد الطائى.

١٥٣

ثم إن عمر هلك، وقد جعلها شورى، فجعلني سادس ستة كسهم الجدة، وقال: اقتلوا الاقل، وما أراد غيري، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، وألصقت كلكلي بالارض، ثم كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ماكان، ثم لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بالله(١) .

٦ - قال: أخبرني أبوالقاسم جعفر بن قولويه رحمه الله عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن علوية(٢) ، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي قال: أخبرنا محمّد بن عمرو الرازي(٣) قال: حدثنا الحسين بن المبارك قال: حدثنا الحسن بن سلمة(٤) قال: لما بلغ أمير المؤمنين صلوات الله عليه مسير طلحة والزبير وعائشة من مكة إلى البصرة نادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن الله تبارك وتعالى لما قبض نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلنا: نحن أهل بيته، وعصبته، وورثته، وأولياؤه، وأحق خلائق الله به، لا ننازع حقه

____________________________

(١) ذلك لان ترك قتال الناكث المحارب والكف عنه حالكونه محاربا تقرير لنكثه وتجويز لاراقة الدماء بغير حق وترك لما أمر الله به من قتال الباغى، فقال عز من قائل: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ﴾ الحجرات: ٩. والخبر رواه العامة بطرق اخر، راجع تاريخ دمشق قسم عليّ بن أبى طالب ج ٣ ص ١٧٥. وجاء في بعضها « والكفر بما انزل على محمّد ».

(٢) هو أحمد بن علوية الاصفهانى المعروف بابن الاسود الكاتب.

(٣) هو محمّد بن عمرو بن عتبة الرازي كما في امالي الطوسى والجرح والتعديل لابن أبي حاتم. وشيخه « الحسين أو الحسن بن المبارك » لم نجده غير أن في فهرست الشيخ ورجال النجاشي « الحسين بن المبارك » له كتاب روى عنه محمّد بن خالد البرقى، وكون محمّد بن عمرو الرازي محمّد بن عمرو بن بكر أبا غسان الطيالسي المعروف بزنيخ المعنون في التقريب وتهذيب التهذيب بعيد.

(٤) لم نعثر عليه بهذا العنوان، وان قلنا بتصحيف « الحسين » بالحسن فلابد من الارسال أو الاضمار لان الحسين بن سلمة المعنون في الرجال من اصحاب الصادقعليه‌السلام .

١٥٤

وسلطانه، فبينما نحن على ذلك إذ نفر المنافقون، فانتزعوا سلطان نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله منا، وولوه غيرنا، فبكت لذلك والله العيون والقلوب منا جميعا، وخشنت والله الصدور، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعودوا إلى الكفر، ويعور الدين(١) لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعنا. وقد ولي ذلك ولاة، ومضوا لسبيلهم، ورد الله الامر إلي. وقد بايعني هذان الرجلان طلحة والزبير فيمن بايعني(٢) ، وقد نهضا إلى البصرة ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم. اللهم فخذهما بغشهما لهذه الامة، وسوء نظرهما للعامة. فقام أبوالهيثم بن التيهان رحمه الله وقال: يا أمير المؤمنين إن حسد قريش إياك على وجهين: أما خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل، وارتفاعا في الدرجة، وأما أشرارهم فحسدوك حسدا أحبط الله به أعمالهم، وأثقل به أوزارهم، وما رضوا أن يساووك حتّى أرادوا أن يتقدموك، فبعدت عليهم الغاية، وأسقطهم المضمار، وكنت أحق قريش بقريش، نصرت نبيهم حيا، وقضيت عنه الحقوق ميتا، والله ما بغيهم إلا على أنفسهم، ونحن أنصارك وأعوانك، فمرنا بأمرك، ثم أنشأ يقول:

إن قوما بغوا عليك وكادوك

 

و عابوك بالامور القباح

ليس من عيبها جناح بعوض

 

فيك حقا و لا كعشر جناح

أبصروا نعمة عليك من الله و

 

قرما يدق قرن النطاح(٣)

و إماما تأوي الامور إليه

 

ولجاما يلين غرب الجماح(٤)

____________________________

(١) في بعض نسخ الحديث: « وان يعود الكفر ويبور الدين » وفي بعضها: « يعود الدين » أي ارتد إلى ما كان عليه في الجاهلية بعد ما كان أعرض عنها.

(٢) في الارشاد هذه الزيادة: « على الطوع منهما والايثار ».

(٣) القرم: السيد أو العظيم على التشبيه بالفحل والنطاح بالكسر الكباش الناطحة بالقرن، استعيرت هذا للشجعان. وفي بعض النسخ بالنون.

(٤) الغرب: الحدة وجماح الفرس امتناعه من راكبه.

١٥٥

حاكما تجمع الامامة فيه

 

هاشميا له عراض البطاح(١)

حسدا للذي أتاك من الله

 

وعادوا إلى قلوب قراح(٢)

ونفوس هناك أوعية البغ‍ض

 

على الخير للشقاء شحاح(٣)

من مسر يكنه حجب الغيب

 

و من مظهر العداوة لاح

يا وصي النبيّ نحن من الحق

 

على مثل بهجة الاصباح

فخذ الاوس والقبيل من الخز

 

رج بالطعن في الوغى و الكفاح(٤)

ليس منا من لم يكن لك في الله

 

وليا على الهدى و الفلاح

 فجزاه أمير المؤمنينعليه‌السلام خيرا، ثم قام الناس بعده فتكلم كل واحد بمثل مقاله. له. له. له. له. له.

٧ - قال: أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمه الله قال: حدثني محمّد بن يعقوب الكليني، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى اليقطيني، عن يونس بن عبد الرحمن، عن سعدان بن مسلم، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بينما موسى بن عمرانعليه‌السلام جالس إذ أقبل [ عليه ] إبليس وعليه برنس ذو ألوان، فلما دنا من موسى خلع البرنس، وأقبلعليه‌السلام فسلم عليه، فقال موسى: من أنت ؟ قال: أنا إبليس، قال موسى: فلا قرب الله دارك(٥) فيم جئت ؟ قال: إنما جئت لاسلم عليك لمكانك من الله عزّوجلّ

____________________________

(١) العراض بالكسر: الناحية، والبطاح: جمع الابطح، يعني بها أبطح مكة وهو مسيل واديها.

(٢) أي مقروحة بالحسد.

(٣) في بعض النسخ: « للشفاء شحاح ». وشحاح نعت لنفوس.

(٤) فخذ القوم بالتخفيف أي خذهم بالطعن، وأما بالتشديد ففي الاقرب: « فخذ القوم عن فلان: خذلهم، وفخذ بينهم: فرقهم ». وقال الاصمعي: « كافحوهم إذا استقبلوهم في الحرب بوجوههم ليس دونها ترس ولا غيره ». والوغى: الحرب.

(٥) دعاء عليه، اي لا قربك الله منا أو من أحد.

١٥٦

فقال له موسى: فما هذا البرنس ؟ قال: أختطف به قلوب بني آدم(١) . قال له موسى: أخبرني بالذنب الّذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه(٢) ؟ فقال: إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغر في عينه ذنبه. ثم قال له: أوصيك بثلاث خصال يا موسى ! لا تخل بامرأة، ولا تخل بك، فإنه لا يخلو رجل بامرأة ولا تخلو به إلا كنت صاحبه دون أصحابي. وإياك أن تعاهد الله عهدا(٣) ، فإنه ما عاهد الله أحد إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتّى أحول بينه وبين الوفاء به. وإذا هممت بصدقة فامضها، فإنه إذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون أصحابي، أحول بينه وبينها. ثم ولى إبليس ويقول: يا ويله ويا عوله علمت موسى ما يعلمه بني آدم.

٨ - قال: أخبرني أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه رحمه الله عن أبيه، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال سمعته يقول: لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلوا قليل الذنوب، فإن قليل الذنوب يجتمع حتّى يكون كثيرا، وخافوا الله عزّوجلّ في السر حتّى تعطوا من أنفسكم النصف(٤) ، وسارعوا إلى طاعة الله، واصدقوا الحديث، وأدوا الامانة، فإنما ذلك لكم، ولا تدخلوا فيما لا يحل فانما ذلك عليكم.

٩ - قال: أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمّد رحمه الله عن أبي جعفر محمّد بن

____________________________

(١) اختطف: استلب، وكأن الالوان في البرنس كانت صورة شهوات الدنيا وزينتها.

(٢) استحواذه غلبته واستمالته إلى ما يريد منه.

(٣) أي إذا عاهدته تعالى فامض على الفور فانه قلما عاهد الله أحد فأدعه حتّى يفى به.

(٤) النصف والنصفة بفتحين اسم من الانصاف، هو لزوم العدل في المعاملات مع الرب وغيره (مولى صالح). نقول: ومن خاف الله عزّوجلّ في السر وعلم أنه مطلع على ذات صدره وخفي سريرته وأنه تعالى محاسبه في كل ما دق وجل يعطى من من نفسه النصف للرب تعالى وغيره.

١٥٧

يعقوب الكليني رحمه الله عن الحسين بن محمّد، عن معلي بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين(١) .

وصلّى الله على سيدنا محمّد النبيّ وآله وسلم

المجلس العشرون

مجلس يوم السبت لثمان خلون من شهر رمضان سنة سبع وأربعمائة،

 سمعه أبوالفوارس سماع أخي أبي محمّد أبقاه الله، والحسين بن عليّ النيشابوري من أهل المجلس الّذي قبل هذحدثنا الشيخ الجليل المفيد أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان أيد الله عزه

 ١ - قال: [ أخبرني أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي قال: ] حدثنا عبدالله بن جعفر

____________________________

(١) قال شيخ العارفين بهاء الملة والدين: ليس المراد بالفقه الفهم ولا العلم بالاحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية فانه معنى مستحدث، بل المراد به البصيرة في أمر الدين، والفقه أكثر ما يأتي في الحديث بهذا المعنى، والفقيه هو صاحب هذه البصيرة، (إلى أن قال:) ثم هذه البصيرة اما موهبية وهي التي دعا بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لامير المؤمنين (عليه‌السلام ) حين أرسله إلى اليمن بقوله: « اللهم فقهه في الدين » أو كسبية وهى التي اشار إليها أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) حيث قال لولده الحسن (عليه‌السلام ): « وتفقه يا بني في الدين » إلى آخر ما قال (ره). (راجع شرح الكافي للمولى صالح ره). فالفقيه بالمعنى الّذي ذكره هو الّذي شرح الله صدره للاسلام كما قال عزّ من قائل: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ الاية وبهذا النور يعرف الحق فيلتزمه، والباطل فيجتنبه، فيصون عن الانحراف بتمام معنى الكلمة. وقد ذكرصلى‌الله‌عليه‌وآله صفات للفقيه وقال في جملتها: « أن لا يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه ».

١٥٨

ابن محمّد بن أعين البزاز قال: أخبرني زكريا بن [ يحيى بن ] صبيح(١) قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن سعيد بن عبيد الطائي، عن عليّ بن ربيعة الوالبي، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله تعالى حد لكم حدودا فلا تعتدوها، وفرض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وسن لكم سننا فاتبعوها، وحرم عليكم حرمات فلا تهتكوها(٢) ، وعفا لكم عن أشياء رحمة منه [ لكم ] من غير نسيان فلا تتكلفوها.

 ٢ - قال: أخبرني أبوعبيدالله محمّد بن عمران المرزباني قال: أخبرنا أحمد بن محمّد المكي(٣) قال: حدثنا أبوالعيناء، عن محمّد بن الحكم، عن لوط بن يحيى، عن الحارث بن كعب، عن مجاهد قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : ازهدوا في هذه الدنيا التي لم يتمتع بها أحد كان قبلكم، ولا تبقى لاحد من بعدكم، سبيلكم فيها سبيل الماضين، قد تصرمت(٤) ، وآذنت بانقضاء، وتنكر معروفها، فهي تخبر(٥) أهلها بالفناء، وسكانها بالموت. وقد أمر منها ما كان

____________________________

(١) عبدالله بن جعفر البزاز لم نجده واحتمال كون شيخه زكريا بن يحيى بن صبيح الواسطي قريب ومعنون في الجرح والتعديل. وخلف بن خليفة بن صاعد الاشجعى يكنى أبا أحمد له عنوان في تاريخ الخطيب ج ٨ ص ٣١٨. وبقية رجال السند معنونون في التقريب والتهذيب.

(٢) في النسخ كلها والبحار: « فلا تنتهكوها » والصواب ما أثبتناه في الصلب، وهتك الستر وغيره: خرقه، وهتك من التفعيل بمعناه للكثرة. ثرة.

(٣) تقدم في سند الحديث الثالث من الباب الحادي عشر بعنوان أحمد بن محمّد ابن عيسى المكى، وشيخه محمّد بن القاسم أبوالعيناء كنيته أبوعبدالله واشتهر بأبى العيناء له ترجمة ضافية في تاريخ بغداد ج ٣ ص ١٧٠ تحت رقم ١٢١٥.

(٤) تصرم الشئ: تقطع، والسنة: انقضت.

(٥) « تنكر معروفها » أي معروفها مجهول، وبعبارة أخرى جهل منها ما كان معروفا. و « تخبر أهلها » وفي النهج « فهي تخفر بالفناء سكانها، وتحدو بالموت جيرانها » و « تخفر الخ » اي تعجلهم وتسوقهم.

١٥٩

حلوا، وكدر منها ما كان صفوا، فلم تبق منها إلا سملة كسملة الاداوة(١) ، أو جرعة كجرعة الاناء(٢) ، لو تمززها العطشان لم ينقع بها(٣) . فأزمعوا(٤) بالرحيل عن هذه الدار المقدور على أهلها الزوال، الممنوع أهلها من الحياة، المذللة فيها أنفسهم بالموت، فلا حي يطمع في البقاء، ولا نفس إلا مذعنة بالمنون(٥) ، ولا يعللكم(٦) الامل، ولا يطول عليكم الامد، ولا تغروا منها بالآمال. ولو حننتم حنين الوله العجال(٧) ، ودعوتم مثل حنين الحمام، وجأرتم

____________________________

(١) السملة بالتحريك: ما بقي في الاناء من الماء القليل بعد استخراجه. والاداوة: المطهرة، اناء صغير من جلد يشرب منه ويتطهر به.

(٢) في النهج: « وجرعة كجرعة المقلة »، والمقلة: الحصاة، كانوا إذا اعوزهم الماء في الاسفار يضعونها في الاناء ثم يصبون عليها الماء إلى أن يغمرها، يقدرون بذلك ويقتسمون الماء بينهم ليشربوا من أولهم إلى آخرهم. رهم.

(٣) التمزز: تمصص الشراب قليلا قليلا كأنه يتذوقه ولا يريد أن يشربه، والنقع: سكون العطش والرى من الماء.

(٤) يقال: أزمع الامر وبه وعليه: أجمع أو ثبت عليه، أي اعزموا عليه. والمراد من العزم على الرحيل مراعاته والعمل له. وفي البحار: « فآذنوا بالرحيل ».

(٥) المنون بالفتح: الدهر، يقال: ريب المنون أي حوادث الدهر وأوجاعه والمنون بالضم: الموت. موت.

(٦) علله بكذا: شغله ولهاه به، أي اياكم وأن يشغلكم الامل عن الامور الواجبة الالهية فيطول عليكم الامد فتكونوا كمن قال سبحانه: « فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ». وفي النهج: « ولا يغلبنكم فيها الامل ».

(٧) حن إليه: اشتاق. الوله بضم الواو وتشديد اللام: جمع الوالهة، يطلق على الناقة إذا اشتد وجدها على ولدها. العجال: جمع عجلى، وهي الناقة السريعة كأنها تسرع حيارى لتفقد ولدها ولا تجده.

١٦٠