الأمالي الشيخ المفيد

الأمالي الشيخ المفيد0%

الأمالي الشيخ المفيد مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 357

الأمالي الشيخ المفيد

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 357
المشاهدات: 47632
تحميل: 5974


توضيحات:

الأمالي الشيخ المفيد المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47632 / تحميل: 5974
الحجم الحجم الحجم
الأمالي الشيخ المفيد

الأمالي الشيخ المفيد

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

قد أخلفت سراياه. وكم من باغ بغاني بمكائده، ونصب لي أشراك مصائده، ووكل بي تفقد رعايته، وأضبأ(١) إلي إضباء السبع لمصائده، انتظارا لانتهاز [ الفرصة ] لفريسته(٢) . فناديتك يا إلهي مستغيثا بك، واثقا بسرعة إجابتك، عالما أنه لم يضطهد من أوى إلى ظل كنفك، ولن يفزع من لجأ إلى معاقل انتصارك، فحصنتني من بأسه بقدرتك. وكم من سحائب مكروه قد جليتها، وغواشي كربتها كشفتها، لا تسأل عما تفعل، ولقد سئلت فأعطيت، ولم تسأل فابتدأت، واستميح فضلك فما أكديت(٣) ، أبيت إلا إحسانا، وأبيت إلا تقحم حرماتك وتعدي حدودك، والغفلة عن وعيدك. فلك الحمد إلهي من مقتدر لا يغلب، وذي أناة لا يعجل، هذا مقام من اعترف لك بالتقصير(٤) ، وشهد على نفسه بالتضييع. اللهم إني أتقرب إليك بالمحمّدية الرفيعة، وأتوجه إليك بالعلوية البيضاء، فأعذني من شر ما خلقت، وشر من يريد بي سوءا، فإن ذلك لا يضيق عليك في وجدك(٥) ، ولا يتكأدك في قدرتك، وأنت على كل شئ قدير(٦) .

____________________________

(١) أظبأ الصائد: استتر واختبا ليختل صيده. وفي الصحيفة « السبع لطريدته ».

(٢) في الصحيفة الكاملة ههنا اضافات فليراجع.

(٣) أكدى الرجل عن الشئ: رده عنه.

(٤) في الصحيفة: اعترف لسبوغ النعم وقابلها بالتقصير.

(٥) أي فيما تجده وتقدر عليه، ولا يتكأدك أي لا يشق عليك ولا يقلك.

(٦) إلى هنا مذكور في الصحيفة الكاملة السجادية على منشئها آلاف التحية والسلام تحت رقم ٤٨، أو ٤٩ على اختلاف النسخ. مع زيادات.

٢٤١

اللهم ارحمني بترك المعاصي ما أبقيتني، وارحمني بترك تكلف(١) مالا يعنيني، أرزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، وألزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، واجعلني أتلوه على ما يرضيك [ به ] عني، ونور به بصري، وأوعه سمعي، واشرح به صدري، وفرج به عن قلبي، وأطلق به لساني، واستعمل به بدني، واجعل في من الحول والقوة ما يسهل ذلك علي، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك. اللهم اجعل ليلي ونهاري ودنياي وآخرتي ومنقلبي ومثواي عافية منك، ومعافاة وبركة منك. اللهم أنت ربي ومولاي وسيدي وأملي وإلهي وغياثي وسندي وخالقي وناصري وثقتي ورجائي، لك محياي ومماتي، ولك سمعي وبصري، وبيدك رزقي، وإليك أمري في الدنيا والآخرة. ملكتني بقدرتك، وقدرت علي بسلطانك، لك القدرة في أمري، وناصيتي بيدك، لا يحول أحد دون رضاك، برأفتك أرجو رحمتك، وبرحمتك أرجو رضوانك، لا أرجو ذلك بعملي، فقد عجز عني عملي، وكيف أرجو ما قد عجز عني(٢) ، أشكو إليك فاقتي، وضعف قوتي، وإفراطي في أمري، وكل ذلك من عندي و ما أنت أعلم به مني فاكفني ذلك كله. اللهم اجعلني من رفقاء محمّد حبيبك وإبراهيم خليلك، ويوم الفزع الاكبر من الآمنين، فآمني، وببشرك فبشرني(٣) ، وفي ظلالك فأظلني، وبمفازة من النار فنجني، ولا تسمني السوء ولا تخزني، ومن الدنيا فسلمني، وحجتي يوم القيامة فلقني، وبذكرك فذكرني، ولليسرى فيسرني، وللعسرى فجنبني، والصلاة والزكاة ما دمت حيا فألهمني، ولعبادتك فوفقني، وفي الفقه ومرضاتك فاستعملني، ومن فضلك فارزقني، ويوم

____________________________

(١) في المطبوعة: « بترك تكلفى ما لا يعنينى ».

(٢) في منقوله في البحار « فقد عجزت عن عملي فكيف أرجو ما عجز عنى ».

(٣) في بعض نسخ الحديث: « وبيسارك فيسر لي » وفي بعضها: « فيسرني ».

٢٤٢

القيامة فبيض وجهي، وحسابا يسيرا فحاسبني، وبقبيح عملي فلا تفضحني، وبهداك فاهدني، وبالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة فثبتني. وما أحببت فحببه إلي، وما كرهت فبغضه إلي، وما أهمني من الدنيا والآخرة فاكفني، وفي صلاتي وصيامي ودعائي ونسكي وشكري ودنياي وآخرتي فبارك لي، والمقام المحمود فابعثني، وسلطانا نصيرا فاجعل لي، وظلمي وجهلي وإسرافي في أمري فتجاوز عني، ومن فتنة المحيا والممات فخلصني، ومن الفواحش ما ظهر منها وما بطن فنجني، ومن أوليائك يوم القيامة فاجعلني، وأدم لي صالح الّذي آتيني، وبالحلال عن الحرام فأغنني، وبالطيب عن الخبيث فاكفني. أقبل بوجهك الكريم إلي، ولا تصرفه عني، وإلى صراطك المستقيم فاهدني، ولما تحب وترضى فوفقني. اللهم إني أعوذ بك من الرياء والسمعة والكبرياء والتعظم والخيلاء والفخر والبذخ(١) والاشر والبطر والاعجاب بنفسي والجبرية رب فنجني، وأعوذ بك من العجز(٢) والبخل والشح والحسد والحرص والمنافسة والغش، وأعوذ بك من الطمع والطبع(٣) والهلع والجزع والزيغ والقمع، وأعوذ بك من البغي والظلم والاعتداء والفساد والفجور والفسوق، وأعوذ بك من الخيانة والعدوان والطغيان. رب وأعوذ بك من المعصية والقطيعة والسيئة والفواحش والذنوب، وأعوذ بك من الاثم والمأثم والحرام والمحرم والخبيث وكل ما لا تحب.

____________________________

(١) البذخ: التكبر، وهو من المجاز، أصله بمعنى الطول والرفعة.

(٢) في البحار: « من الفجر ».

(٣) الطبع: الدنس والدناءة، وفي الحديث: « أعوذ من طمع يهدى إلى طبع ». والهلع: الحرص. والجزع: عدم التصبر. والزيغ: الميل والاعوجاج. والقمع: الذلة والتحير كما في هامش البحار.

٢٤٣

رب وأعوذ بك من شر الشيطان ومكره وبغيه وظلمه وعداوته وشركه وزبانيته وجنده، وأعوذ بك من شر ما خلقت من دابة وهامة أو جن أو إنس مما يتحرك، وأعوذ بك من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ومن شر ما ذرء في الارض وما يخرج منها، وأعوذ بك من شر كل كاهن و ساحر وراكز(١) ونافث وراق، رب وأعوذ بك من شر كل حاسد وطاغ وباغ ونافس وظالم ومعتد وجائر، وأعوذ بك من العمى والصمم والبكم والبرص والجذام والشك والريب، وأعوذ بك من الكسل والفشل والعجز والتفريط والعجلة والتضييع والتقصير والابطاء، وأعوذ بك من شر ما خلقت في السماوات والارض وما بينهما وما تحت الثرى. رب وأعوذ بك من الفقر والحاجة والفاقة والمسألة والضيعة(٢) والعائلة، وأعوذ بك من القلة والذلة، وأعوذ بك من الضيق والشدة والقيد والحبس والوثاق والسجون والبلاء وكل مصيبة لا صبر لي عليها، آمين رب العالمين. اللهم أعطنا كل الّذي سألناك، وزدنا من فضلك على قدر جلالك وعظمتك، بحق لا إله إلا أنت العزيز الحكيم(٣) .

٤ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن مالك النحوي قال: حدثنا عليّ بن هامان قال: سمعت فضل بن سعد يقول: سمعت الرياشي(٤) يقول: سمعت

____________________________

(١) كذا، وركز الرمح غرزها في الارض ولعله كناية عن الخادع، وفي البحار وامالي ابن الشيخ: « وزاكن » وهو المتفرس الفطن الذى يطلع على الاسرار فيؤذي الناس. والراقى: النفاث في العقد.

(٢) أي أن أضاع وأتلف والضيعة في الاصل: المرة من الضياع. وفي أمالى الطوسى: « المسألة والضيقة، والعائلة، وأعوذ بك من القيلة والذلة ».

(٣) أورده العلامة المجلسي (ره) في البحار ج ٩٥ ص ١٨٠ إلى ١٨٤ نقلا عن أمالى الطوسي (ره)، وفيه اختلاف يسير في بعض الالفاظ.

(٤) هو العباس بن الفرج أبوالفضل الرياشى البصري النحوي المعنون في التقريب وتهذيب التهذيب. وقال الجزرى في اللباب: قتل بالبصرة أيام العلوى البصري صاحب الزنج سنة ٢٥٧ وكان ثقة.

٢٤٤

محمّد بن سلام يقول: سمعت شريحا القاضي يقول: من سال أخاه حاجة فقد عرض نفسه على الرق، فإن قضاها استرقه، وإن لم يقضها فقد أذله، وكانا ذليلين، هذا بذل الرد، وهذا بذل المسألة، ثم أنشد: ليس يعتاظ باذل الوجه من * بذل [ ماء ] وجهه عوضا كيف يعتاض من أتاك وقد * صير الذل وجهه عرضا

٥ - قال: أخبرني أبومحمّد عبدالله بن محمّد الابهري قال: حدثنا عليّ بن أحمد بن الصباح قال: حدثنا إبراهيم بن عبدالله ابن أخي عبد الرزاق قال: حدثني عمي عبد الرزاق بن همام بن نافع قال، أخبرني أبي همام بن نافع قال: أخبرني مينا مولى عبد الرحمن بن عوف الزهري قال: قال لي عبد الرحمن: يا مينا ألا أحدثك بحديث سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قلت: بلى، قال: سمعته يقول، أنا شجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، ومحبوهم من أمتي ورقها(١) (رضوان الله عليهم أجمعين).

وصلّى الله على سيدنا محمّد النبيّ وآله وسلم

____________________________

(١) ولقد أجاد الشاعر في قوله:

يا حبذا دوحة في الخلد نابتة

ما مثلها نبتت في الخلد من شجر

المصطفى أصلها والفرع فاطمة

ثم اللقاح على سيد البشر

والهاشميان سبطاه لها ثمر

والشيعة الورق الملتف بالثمر

انى بحبهم أرجو النجاة غدا

والفوز في زمرة من أفضل الزمر

هذا مقال رسول الله جاء به

أهل الرواية في العالي من الخبر

٢٤٥

المجلس التاسع والعشرون

مجلس يوم الاربعاء الحادي عشر من شهر رمضان سنة تسع وأربعمائة

حدثنا الشيخ الجليل المفيد أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان أيد الله تمكينه

 ١ - قال: أخبرني أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي القاضي قال: حدثني محمّد بن عليّ بن إبراهيم(١) قال: حدثنا محمّد بن أبي العنبر قال: حدثنا عليّ بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن أبي عمرو بن العلاء، عن عبدالله بن بريدة، عن بشير بن كعب(٢) ، عن شداد بن أوس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا إله إلا الله نصف الميزان، والحمد لله تملأه(٣) .

٢ - قال: أخبرني أبومحمّد [ بن ] عبدالله بن أبي شيخ إجازة قال: أخبرنا أبوعبدالله محمّد بن أحمد الحكيمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبدالله أبوسعيد البصري قال: حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه قال: حدثنا محمّد بن إسحاق بن يسار المدني قال: حدثنا سعيد بن مينا، عن غير واحد من أصحابه: أن نفرا من قريش اعترضوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم عتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة، والعاص بن سعيد فقالوا: يا محمّد هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونشترك نحن وأنت في الامر، فإن يكن الّذي نحن عليه الحق

____________________________

(١) الظاهر كونه محمّد بن على بن ابراهيم الهمداني وكيل الناحية. ولم نجد محمّد بن أبى العنبر في كتب الرجال بهذا العنوان ولعله محمّد بن خليفة بن صدقة أبوجعفر المعروف بابن العنبر راجع ترجمته تاريخ بغداد ج ٥ ص ٢٥١. وأما على بن الحسين بن واقد فمعنون في التقريب وكذا أبوه.

(٢) بشير مصغرا ابن كعب بن أبى الحميرى العدوى أبوأيوب البصري، ثقة مخضرم (التقريب).

(٣) في البحار عن أمالى الطوسي: « والحمد لله تملا ملاه ».

٢٤٦

فقد أخذت بحظك منه، وإن يكن الّذي أنت عليه الحق فقد أخذنا بحظنا منه، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ إلى آخر السورة، ثم مشى إليه أبي بن خلف بعظم رميم ففته بيده(١) ، ثم نفخه فقال: يا محمّد أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد ما ترى ؟ فأنزل الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(٢) إلى آخر السورة.

 ٣ - قال: أخبرني أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين قال: حدثنا أبي قال: حدثنا محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن محمّد بن عليّ الصيرفي، عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن سعد، عن فضيل بن خديج(٣) ، عن كميل بن زياد النخعي قال: كنت مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في مسجد الكوفة، وقد صلينا العشاء الآخرة، فأخذ بيدي حتّى خرجنا من المسجد، فمشى حتّى خرج إلى ظهر الكوفة لا يكلمني بكلمة، فلما أصحر(٤) تنفس ثم قال: يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ عني ما أقول، الناس ثلاثة: عالم رباني(٥) ، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع

____________________________

(١) أي دقه وكسره بالاصابع.

(٢) يس: ٧٨، ٧٩.

(٣) قال الذهبي في المشتبه ص ٢٢٢: « حديج (بالمهملة مصغرا) كثير، وبمعجمة مفتوحة رافع بن خديج وفضيل بن خديج شيخ لابي مخنف لوط الاخباري » راجع هامش الغارات ج ١ ص ٧١.

(٤) أي خرج إلى الصحراء.

(٥) منسوب إلى الرب بزيادة الالف والنون على خلاف القياس كالرقيانى، قال الجوهرى: الربانى: المتأله العارف بالله تعالى، وقال في الكشاف: الربانى: هو شديد التمسك بدين الله وطاعته.

٢٤٧

كل ناعق(١) ، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق. يا كميل العلم خير من المال: العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق(٢) . يا كميل محبة العالم خير يدان الله به(٣) ، تكسبه الطاعة في حياته، وجميل الاحدوثة بعد موته(٤) .

____________________________

(١) الهمج بالتحريك جمع همجة وهى ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحمير وأعينها، كذلك ذكره الجوهرى. والرعاع بالفتح: الاحداث الطغام من العوام والسفلة وأمثالها. والنعيق: صوت الراعى بغنمه، ويقال لصوت الغراب أيضا. والمراد أنهم لعدم ثباتهم على عقيدة من العقائد وتزلزلهم في أمر الدين يتبعون كل داع، ويعتقدون بكل مدع، ويخبطون خبط العشواء من غير تمييز بين المحق والمبطل، ولعل في جمع هذا القسم وافراد القسمين الاولين ايماء إلى قلتهما وكثرته، كما ذكره الشيخ البهائي (ره).

(٢) أي ينمو ويزيد به، اما لان كثرة المدارسة توجب وفور الممارسة وقوة الفكر، أو لان الله تعالى يفيض من خزائن علمه على من لا يبخل به.

قال الشيخ البهائي (ره): كلمة « على » يجوز أن تكون بمعنى « مع » كما قالوه في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ﴾ وأن تكون للسببية والتعليل كما قالوه في قوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ﴾.

(٣) في بعض نسخ الحديث: « دين يدان به »، أي محبة العالم وهو الامام دين وملة يعبدالله بسببه، ولا تقبل الطاعات الا به. وفى بعض نسخه: « صحبة العالم »، وفى بعضها: « محبة العلم خير ما يدان الله به »، وفى النهج: « معرفة العلم الخ » ولابن أبى الحديد كلام فيه فليراجع.

(٤) الضمير المفعولى في تكسبه راجع إلى صاحب العلم. قال الجوهرى: « الكسب: الجمع، وكسبت أهلى خيرا وكسبت الرجل مالا فكسبه، وهذا مما جاء فعلته ففعل ». وجميل الاحدوثة أي الكلام الجميل والثناء، والاحدوثة مفرد الاحاديث. والمعنى هو أن محبة العلم والعالم تكسب لطالب العلم وصاحبه طاعة الله تعالى في حياته وحسن القول فيه بعد وفاته. وفي النهج: « به يكسب الانسان الطاعة ».

٢٤٨

يا كميل منفعة المال تزول بزواله. يا كميل مات خزان الاموال، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة(١) . هاه هاه إن ههنا وأشار بيده إلى صدره لعلما جما لو أصبت له حملة(٢) ، بلى أصيب له لقنا غير مأمون، يستعمل آلة الدين في الدنيا، ويستظهر بحجج الله على خلقه، وبنعمه على عباده، ليتخذه الضعفاء وليجة دون ولي الحق(٣) ، أو منقادا للحكمة(٤) لا بصيرة له في أحنائه فقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، ألا لا ذا ولا ذاك(٥) .

____________________________

(١) أي أشباهم وصورهم متمثلة في قلوب المحبين لهم، أو حكمهم ومواعظهم محفوظة عند أصحابهم يعملون بها.

(٢) حملة بالفتحات جمع حامل أي من يكون أهلا له، وجواب « لو » محذوف أي لاظهرته، أو لبذلته له، مع أن كلمة « لو » إذا كانت للتمني لا تحتاج إلى الجزاء عند كثير من النحاة.

(٣) اللقن بفتح اللام وكسر القاف: الفهم، من اللقانة وهى حسن الفهم. « غير مأمون » أي يذيعه إلى غير أهله، ويضعه في غير موضعه. والوليجة: الدخيلة، وخاصتك من الرجال أو من تتخذه معتمدا عليه من غير أهلك.

(٤) كذا وفى بعض نسخ الحديث: « أو منقادا لحملة العلم » وفى بعضها: « لجملة العلم ».

(٥) الاحناء: الاطراف والجوانب. وفى بعض النسخ: « احيائه » وفي بعض نسخ الحديث: « يقدح الشك » على بناء المجهول أي يشتعل نار الشك في قلبه بسبب أول شبهة تعرض له. « لاذا » اشاره إلى المنقاد، و « لا ذاك » اشارة إلى اللقن. ويجوز أن يكون المعنى: لا هذا المنقاد محمود عند الله ناج، ولا ذاك اللقن، أو ليس المنقاد العديم البصيرة أهلا لتحمل العلم ولا اللقن الغير المأمون.

٢٤٩

فمنهوم باللذات(١) ، سلس القياد للشهوات، أو مغرى بالجمع والادخار، ليس من رعاة الدين، أقرب شبها بهؤلاء الانعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه. اللهم بلى لا تخلي الارض(٢) من قائم بحجة ظاهر مشهور، أو مستتر مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، فإن أولئك الاقلون(٣) عددا الاعظمون خطرا، بهم يحفظ الله حججه حتّى يودعوها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباهم، هجم بهم العلم على حقائق الامور، فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون(٤) ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه. هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولكم. ثم نزع يده من يدي وقال: انصرف إذا شئت(٥) .

____________________________

(١) أي لما لم يكن ذانك الفريقان أهلا لتحمل العلم فلا يبقى الا من هو منهوم باللذات، سلس القياد للشهوات، أو مغرى بالجمع والادخار. والمنهوم: الحريص والّذي لا يشبع من الطعام. وسلس القياد: أي سهل الانقياد. ومغري من الاغراء، وفى النهج: « مغرما » أي مولعا.

(٢) كذا في نسخ الكتاب والظاهر أنه تصحيف لان كلمة « اللهم » للاستدراك لا للنداء حتّى تكون جملة « لا تخلى » مخاطبا مع الله تعالى، والصواب كما في سائر نسخ الحديث: « لا تخلو الارض ».

(٣) كذا في الخطية، وفي سائر النسخ: « وكم ذا وأين ؟ اولئك [ والله ] الاقلون عددا الاعظمون خطرا ».

(٤) الروح بالفتح: الراحة والرحمة والنسيم، أي وجدوا لذة اليقين. والوعر من الارض: ضد السهل، والمترف: المتنعم، أي استسهلوا ما استصعبه المتنعمون من رفض الشهوات وقطع التعلقات.

(٥) قال ابن أبي الحديد: ثم قال لكميل: انصرف إذا شئت، وهذه الكلمة من محاسن الاداب ومن لطائف الكلم، لانه لم يقتصر على أن قال انصرف، كيلا يكون أمرا أو حكما بالانصراف لا محالة فيكون فيه نوع علو عليه، فاتبع ذلك بقوله « إذا شئت » ليخرجه من ذل الحكم وقهر الامر إلى عزة المشيئة والاختيار اهـ. والخبر مروى في الغارات ج ١ ص ١٤٨، والتحف، والخصال وكمال الدين وأمالى الطوسى والنهج باختلاف في الالفاظ ونقله البحار في كتاب فضل علمه وشرحه شرحا وافيا.

٢٥٠

 ٤ - قال: حدثنا أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي قال: حدثني عليّ بن إسحاق المخرمي(١) قال: حدثنا عثمان بن عبدالله الشامي قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي زرعة الحضرمي، عن عمر بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسل: يا علي إن بنا ختم الله الدين(٢) كما بنا فتحه، وبنا يؤلف الله بين قلوبكم بعد العداوة والبغضاء.

٥ - قال: أخبرني أبوالطيب الحسين بن محمّد التمار قال: سمعت أبا بكر ابن الانباري(٣) يقول: سمعت عليّ بن هامان ينشد للمازني:

إذا أنا لم أقبل من الدهر كل ما

 

تكرهت منه طال عتبى على الدهر

تعودت مس الضر حتّى ألفته

 

فأسلمني حسن العزاء إلى الصبر

ووسع قلبي للاذي الانس بالاذى

 

و قد كنت أحيانا يضيق به صدري

وصيرني يأسي من الناس راجيا

 

لسرعة صنع الله من حيث لا أدري

وصلّى الله على سيدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين وسلم تسليما

____________________________

(١) هو على بن اسحاق بن زاطيا أبوالحسن المخرمى المتوفى سنة ٣٠٦ يروى عن عثمان بن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عبد الرحمن ويكنى أبا عمرو القرشى الاموى، وهو عن عبدالله بن لهيعة.

(٢) في أمالى ابن الشيخ: « يختم الله ».

(٣) اسمه محمّد بن القاسم.

٢٥١

المجلس الثلاثون

مجلس يوم السبت الرابع عشر من شهر رمضان سنة تسع وأربعمائة

مما سمعه أبوالفوارس وحده

حدثنا الشيخ الجليل المفيد أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان أيد الله تمكينه

 ١ - قال: أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد رحمه الله قال: حدثني أبي قال: حدثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن مروان، عن محمّد بن عجلان، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام قال: طوبى لمن لم يبدل نعمة الله كفرا، طوبى للمتحابين في الله(١) .

٢ - قال: أخبرني أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي قال: حدثنا عبد الكريم ابن محمّد قال: حدثنا سهل بن زنجلة الرازي(٢) قال: حدثنا ابن أبي أويس قال: حدثني أبي، عن حميد بن قيس، عن عطاء(٣) ، عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم أن يعلم جاهلكم،

____________________________

(١) اشارعليه‌السلام به إلى الّذين لم يبدلوا نعمة الامامة، قال الله عزّوجلّ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ ابراهيم: ٢٨. والمراد بالمتحابين الّذين اعتقدوا الامامة فيهمعليهم‌السلام .

(٢) هو سهل بن زنجلة بن أبى الصغدى الرازي أبوعمرو الخياط الامير الحافظ، صدوق، مات حدود سنة ٢٤٠. وشيخه هو اسماعيل بن عبدالله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الاصبحي، أبوعبدالله بن أبى أويس المدنى، صدوق، مات سنة ٢٢٦ كما في التقريب. وأما راويه عبد الكريم بن محمّد فالظاهر كونه عبد الكريم بن محمّد بن عبيدالله أبا القاسم الخلال المعنون في تاريخ الخطيب ج ١١ ص ٨٠.

(٣) هو عطاء بن أبى رباح أسلم القرشي مولاهم أبومحمّد المكى. وراويه حميد ابن قيس الاعرج المكى أبوصفوان القارئ الاسدي مولاهم وقيل: مولى عفراء. وثقه غير واحد من الاعلام.

٢٥٢

وأن يثبت قائمكم، وأن يهدي ضالكم، وأن يجعلكم نجداء(١) جوداء رحماء، أما والله لو أن رجلا صف قدميه بين الركين والمقام مصليا ولقي الله ببغضكم أهل البيت لدخل النار.

٣ - قال: أخبرني الشريف الصالح أبومحمّد الحسن بن حمزة العلوي الحسيني الطبري رحمه الله قال: حدثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن مروك بن عبيد الكوفي، عن محمّد بن زيد الطبري قال: كنت قائما على رأس الرضا عليّ بن موسىعليهما‌السلام بخراسان وعنده جماعة من بني هاشم منهم إسحاق بن العباس بن موسى(٢) ، فقال له: يا إسحاق بلغني أنكم تقولون: أنا نقول: إن الناس عبيد لنا، لا وقرابتي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما قلته قط، ولا سمعته من أحد من آبائي، ولا بلغني عن أحد منهم قاله، لكنا نقول: الناس عبيد لنا في الطاعة(٣) ، موال لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب.

٤ - قال: وبهذا الاسناد قال: سمعت الرضا عليّ بن موسىعليهما‌السلام يتكلم في توحيد الله سبحانه فقال: أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله جل اسمه توحيده، ونظام توحيده نفي التحديد عنه، لشهادة العقول أن كل محدود

____________________________

(١) النجيد: الشجاع الماضي فيما يعجز غيره، جمعه نجداء وزان شعراء. وجوداء أيضا جمع الجواد: السخى للمذكر والمؤنث.

(٢) كذا، والظاهر كونه اسحاق بن موسى بن عيسى العباسي كما في الكافي (في باب فرض طاعة الائمةعليهم‌السلام ) فصحف، وهو اسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمّد بن على بن عبدالله بن العباس.

(٣) قال المولى صالح المازندرانى (ره): يعنى وجب عليهم طاعتنا كما وجب على العبد طاعة السيد، فهم عبيد لنا بهذا الاعتبار لا بالمعنى المعروف، واطلاق العبد على التابع شائع كما يقال: فلان عبد للشيطان وعبد لهواه. والمراد بالموالى هنا الناصر كما في قوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : ١١.

٢٥٣

مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بمخلوق، الممتنع من الحدث هو القديم في الازل. فليس الله عبد من نعت ذاته، ولا إياه وحد من اكتنهه(١) ، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه، ولا صمد صمده من أشار إليه بشئ من الحواس(٢) ، ولا إياه عني من شبهه، ولا له عرف(٣) من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه. كل معروف بنفسه مصنوع(٤) ، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته(٥) . خلقه تعالى الخلق حجاب بينه وبينهم(٦) ، ومباينته إياهم مفارقته لهم(٧) ، وابتداؤه لهم دليل على أن لا ابتداء له لعجز كل مبتدء منهم عن

____________________________

(١) أي وصفه وشبهه تعالى بشئ من الممكنات. والاكتناه طلب الكنه، فان من طلب كنهه تعالى لم يوحده بل شبهه بالممكنات التى يمكن اكتناهها.

(٢) التنهية جعل الشئ ذا نهاية بحسب الاعتقاد أو الخارج. قوله: « ولا صمد صمده الخ » أي لا قصد نحوه ولم يتوجه إليه بل توجه إلى موجود آخر لانه أينما تولوا فثم وجه الله، فليس له جهة خاصة حتّى يشار إليه في تلك الجهة.

(٣) كذا. وفى التوحيد: « ولا له تذلل الخ ».

(٤) أي كل ما عرف بذاته وتصور ماهيته فهو مصنوع، وهذا لا ينافى المحكى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : « يا من دل على ذاته بذاته » ولا قول الصادقعليه‌السلام : « اعرفوا الله بالله » لان معنى ذلك أنه ليس في الوجود سبب لمعرفة الله تعالى الا الله لان الكل ينتهى إليه، فالباء هنا للالصاق والمصاحبة، أي كل معروف بلصوق ذاته ومائيته ومصاحبتها لذات العارف بحيث أحاط به ادراكا فهو مصنوع، وهنالك للسببية.

(٥) أي لولا الفطرة التي فطر الناس عليها لم تنفع دلالة الادلة وحجية الحجج.

(٦) الكلام في الحجاب بينه وبين خلقه طويل عريض لا يسعه التعليق، وفى تضاعيف أحاديث كتاب التوحيد للصدوق (ره) مذكور ببيانات مختلفة فليراجع.

(٧) في التوحيد وأمالى الشيخ: « مفارقته أن يتهم ».

٢٥٤

ابتداء مثله(١) ، فأسماؤه تعالى تعبير، وأفعاله سبحانه تفهيم. قد جهل الله تعالى من حده، وقد تعداه من اشتمله(٢) ، وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال: « كيف هو » فقد شبهه، ومن قال فيه: « لم » فقد علله، ومن قال: « متى » فقد وقته، ومن قال: « فيم » فقد « ضمنه »، ومن قال: « إلى م » فقد نهاه، ومن قال: « حتّى م » فقد غياه(٣) ، ومن غياه فقد حواه، ومن حواه فقد ألحد فيه. لا يتغير الله بتغاير المخلوق(٤) ، ولا يتحدد بتحدد المحدود، واحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مباين لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف(٥) لا بتجسم، موجود لا عن عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بفكرة، مدبر لا بحركة، مريد لا بعزيمة، شاء لا بهمة، مدرك لا بحاسة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة.

____________________________

(١) في التوحيد: « لعجز كل مبتدء عن ابتداء غيره ».

(٢) الاشتمال هو الاحاطة، أي من أحاط بشئ تصور أو توهم انه الله تعالى فقد تجاوز عن مطلوبه. وفى بعض النسخ: « أشمله » من باب الافعال. وفى بعض نسخ العيون: « استمثله »، أي تجاوز حقه ولم يعرفه من طلب له مثالا من خلقه.

(٣) أي من توهم أنه تعالى ذونهايات وسأل عن حدوده ونهاياته فقد جعل له غايات ينتهى إليها، ومن جعل له غايات فقد جعله محويا ومحاطا ومحدودا، ومن توهمه كذلك فقد وصفه بصفة المخلوق، ومن وصفه بها فقد ألحد فيه، والالحاد هو الطعن في أمر من أمور الدين بالقول المخالف للحق المستلزم للكفر، والخروج عن مهيع الحق والميل عنه. والمراد ههنا الثاني.

(٤) في التوحيد « بانغيار المخلوق ». وفى المخطوط « بتغير المخلوق ».

(٥) قد ورد في الاخبار أنه يقال له: « اللطيف » للخلق اللطيف ولعلمه بالشئ اللطيف.

٢٥٥

لا تصحبه الاوقات، ولا تضمنه الاماكن، ولا تأخذه السنات(١) ، ولا تحده الصفات، ولا تفيده(٢) الادوات، سبق الاوقات كونه، والعدم وجوده والابتداء أزله، بخلقه الاشباه(٣) علم أن لا شبه له، وبمضادته بين الاشياء علم أن لا ضد له، وبمقارنته بين الامور عرف أن لا قرين له. ضاد النور بالظلمة، والصر بالحرور(٤) ، مؤلف بين متباعداتها، ومفرق بين متدانياتها، بتفريها دل على مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها(٥) ، قال الله عزّوجلّ: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(٦) . له معنى الربوبية إذ لا مربوب، وحقيقة الالهية إذ لا مألوه(٧) ، ومعنى العالم ولا معلوم، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق، ولا من حيث

____________________________

(١) جمع السنة وهى النعاس، وفى بعض نسخ التوحيد: « السبات » بالباء الموحدة على وزان الغراب وهو النوم، أو أوله أو الراحة من الحركات فيه.

(٢) الكلمة غير المقروءة في النسخ، ففى التوحيد: « لا تقيده الادوات » وجعلها في الحاشية كالمتن. والافعال الاربعة في النسخ على صيغة المذكر.

(٣) في النسخ: « الاشياء » وهو تصحيف.

(٤) الصر بالكسر: شدة البرد وقيل البرد عامة. وفى التوحيد: « الصرد » وهو البرد معرب سرد بالفارسية.

(٥) في النسخ: « وبتأليفها علم مؤلفها » وبناء على الصحة يكون الواو للاستيناف. وفى نسخ الحديث « على مؤلفها » والمعنى واضح.

(٦) الذاريات: ٤٩. والاية اما استشهاد للمضادة فالمعنى: ومن كل شئ خلقنا ضدين كالامثلة المذكورة بخلافه تعالى فانه لا ضد له، أو استشهاد للمقارنة فالمعنى: ومن كل شئ خلقنا قرينين فان كل شئ له قرين من سنخه أو مما يناسبه بخلاف الحق تعالى، والاول أظهر بحسب الكلام هنا، والثانى أولى بحسب الايات المذكور فيها لفظ الزوجين.

(٧) كل كلام نظير هذا على كثرتها في أحاديث ائمتنا سلام الله عليهم يرجع معناه إلى أن كل صفة كمالية في الوجود ثابتة له تعالى بذاته، لا أنها حاصلة له من غيره، وهذا مفاد قاعدة « أن الواجب الوجود لذاته واجب لذاته من جميع الوجوه ». والالهية أن أخذت بمعنى العبادة لله فالله مألوه والعبد آله متأله، وأما بمعنى ملك التأثير والتصرف خلقا وأمرا كما هنا وفى كثير من الاحاديث فهو تعالى اله والعبد مألوه، وعلى هذا فسر الامامعليه‌السلام « الله » في الحديث الرابع من الباب الحادى والثلاثين من كتاب التوحيد للصدوق (ره).

٢٥٦

أحدث استفاد معنى المحدث، لا تغيبه « منذ »(١) ، ولا تدنيه « قد »، ولا تحجبه « لعل »، ولا توقته « متى »، ولا تشمله(٢) « حين »، ولا تقارنه « مع »، كل ما في الخلق من أثر غير موجود في خالقه، وكل ما أمكن فيه ممتنع من صانعه، لا تجرى عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ؟ أو يعود فيه ما هو ابتدأه ؟ إذا لتفاوتت ذاته، ولامتنع من الازل معناه، ولما كان للبارئ معنى غير المبروء(٣) .

____________________________

(١) أي كيف لا يستحق معنى الخالق والبارئ قبل الخلق والحال أنه لا تغيبه منذ [ مذ ] التى هي لابتداء الزمان عن فعله، أي لا يكون فعله وخلقه متوقفا على زمان حتّى يكون غائبا عن فعله بسبب عدم الوصول بذلك الزمان، منتظرا لحضور ابتدائه. ولا تدنيه « قد » التى هي لتقريب زمان الفعل، فلا يقال: قد قرب وقت فعله، لانه لا ينتظر وقتا ليفعل فيه، بل كل الاوقات سواء النسبة إليه، ولا تحجبه عن مراده « لعل » التى هي للترجي، أي لا يترجى شيئا لشئ مراد له، بل « انما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ». ولا توقته في مبادى أفعاله « متى » أي لا يقال: متى علم أو متى قدر أو متى ملك، لان له صفات كماله ومبادي أفعاله لذاته من ذاته أزلا كأزلية وجوده تعالى. ولا تشمله ولا تحدده ذاتا وصفة وفعلا « حين » لانه فاعل الزمان، ولا تقارنه بشئ « مع » أي ليس معه شئ ولا في مرتبته شئ في شئ، ومن كان كذلك فهو خالق بارئ قبل الخلق لعدم تقيد خلقه وايجاده بشئ غيره، فصح أن يقال: له معنى الخالق إذ لا مخلوق.

(٢) كذا في التوحيد وفي بعض النسخ « ولا تشتمله ».

(٣) في النسخ « غير المبرئ » وهو تصحيف.

٢٥٧

لوحد له وراء لحد له أمام، ولو التمس له التمام للزمه النقصان، كيف يستحق الازل من لا يمتنع من الحدث ؟ وكيف ينشئ الاشياء من لا يمتنع من الانشاء ؟، لو تعلقت به المعاني لقامت فيه آية المصنوع، ولتحول عن كونه دالا إلى كونه مدلولا عليه(١) ، ليس في محال القول حجة(٢) ، ولا في المسألة عنه جواب، لا إله إلا الله العلي العظيم، (وصلّى الله على محمّد النبيّ وآله الطاهرين)(٣) .

٥ - قال: أنشدني أبوالحسن عليّ بن مالك النحوي قال: أنشدني أبوالحسين محمّد بن عبدالله المأموني(٤) قال: أنشدني أبي للمأمون:

كن للمكاره بالعزاء(٥) مدافعا

 

فلعل يوما لا ترى ما تكره

فلربما استتر الفتى فتنافست

 

فيه العيون وإنه لمموه

ولربما خزن الاديب لسانه

 

حذر الجواب وإنه لمفوه(٦)

ولربما ابتسم الوقور من الاذى

 

وضميره من حره يتأوه

وصلّى الله على سيدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين

____________________________

(١) كذا في النسخ وفى التوحيد بعد قوله « من الانشاء » « إذا لقامت فيه آية المصنوع، ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه » وهذا هو الصواب.

(٢) من اضافة الصفة إلى الموصوف، والقول المحال هو القول المخالف للحق الواقع، والباطل.

(٣) أوردها العلامة المجلسي (ره) في البحار أبواب التوحيد مع شرح واف عن التوحيد والعيون، وقال: قد روى في التحف والنهج مثل هذه الخطبة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام مع زيادات وقد أوردتها في أبواب خطبهعليه‌السلام انتهى. والخطبة منقولة مرسلة في الاحتجاج ج ٢ ص ١٧٤ وبعض فقراته عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ج ١ ص ٣٩٨، وكذا رواها ابن الشيخ في أماليه بالسند المذكور، ثم أعلم أن جل ما قلنا في بيانها مأخوذ بلفظه من تعليقات الاستاذ الشريف البارع المحقق السيد هاشم الحسينى الطهراني دام ظله على كتاب التوحيد ط مكتبة الصدوق.

(٤) في نسخة « أبوالحسن محمّد بن عبيدالله المازني ».

(٥) العزاء: الصبر، يقال: « أحسن الله عزاءك » أي رزقك الله الصبر الحسن.

(٦) المفوه: المنطيق.

٢٥٨

المجلس الحادي والثلاثون

مجلس يوم الاثنين السادس عشر من شهر رمضان سنة تسع وأربعمائة، مما سمعته أنا وأبو الفوارس

حدثنا الشيخ الجليل المفيد أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان أيد الله تمكينه

 ١ - قال: أخبرني أبوغالب أحمد بن محمّد الزراري رحمه الله قال: حدثني خالي أبوالعباس محمّد بن جعفر الرزاز القرشي(١) قال: حدثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسل: يقول الله تعالى: المعروف هدية مني إلى عبدي المؤمن، فإن قبلها مني فبرحمتي ومني، وإن ردها علي فبذنبه حرمها، ومنه لا مني، وأيما عبد خلقته فهديته إلى الايمان، وحسنت خلقه، ولم أبتله بالبخل فإني اريد به خيرا.

 ٢ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن خالد المرغي قال: حدثنا أبوالقاسم الحسن بن عليّ بن الحسن الكوفي قال: حدثنا جعفر بن محمّد بن مروان الغزال قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبدالله بن الحسن الاحمسي قال: حدثنا خالد بن

____________________________

(١) محمّد بن جعفر الرزاز هو أحد رواة الحديث ومشايخ الشيعة وله عندهم منزلة سامية، وكان الوافد عنهم إلى المدينة عند وقوع الغيبة سنة ٢٦٠ وأقام بها سنة، وعاد ووفد من أمر الصاحبعليه‌السلام ما احتاج إليه، وكان مولده سنة ٢٣٦ ومات سنة ٣١٦، كذا ذكره سبطه أبوغالب أحمد بن محمّد الزرارى في رسالته في آل اعين، وصرح فيها بأن محمّد بن جعفر المذكور جده لامه وخال أبيه محمّد، فما ذكره الشيخ (في الفهرست) من كونه خاله لعله أراد أنه خاله الاعلى لا الادنى فلاحظ (هامش الفهرست المطبوع).

٢٥٩

عبدالله، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل قال: سمعت سعد بن مالك يعني ابن أبي وقاص يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: فاطمة بضعة مني، من سرها فقد سرني، ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعز البرية علي.

٣ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن محمّد بن حبيش الكاتب قال: أخبرني الحسن بن عليّ الزعفراني قال: أخبرني أبوإسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي قال: حدثنا عبدالله بن محمّد بن عثمان(١) قال: حدثنا عليّ بن محمّد بن أبي سعيد(٢) ، عن فضيل بن الجعد، عن أبي إسحاق الهمداني قال: لما ولي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام محمّد بن أبي بكر مصر وأعمالها كتب له كتابا، وأمره أن يقرأه على أهل مصر وليعمل بما وصاه به فيه فكان الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب إلى أهل مصر ومحمّد بن

____________________________

(١) الظاهر كونه عبدالله بن محمّد بن أبى شيبة ابراهيم بن عثمان الواسطي الاصل أبوبكر بن شيبة الكوفى، وهو ثقة حافظ، صاحب تصانيف، مات سنة ٢٣٥، كما التقريب، وفى غير موضع من كتاب الغارات محمّد بن عبدالله بن عثمان.

(٢) كذا في النسخ والصواب قويا كونه على بن محمّد بن عبدالله بن أبى سيف المدائني المورخ المشهور. وأما شيخه فضيل بن الجعد فلم نجده والظاهر قويا كونه تصحيف فضيل بن خديج وقد تقدم الكلام فيه ٢٤٧. والخبر رواه أبوإسحاق الثقفى في الغارات ج ١ ص ٢٣٣، وابن شعبة في التحف ص ١٢٤، والطوسي في الامالى ج ١ ص ٢٤، والشريف الرضى في النهج باب الكتب تحت رقم ٢٧ بالاختصار، والعلامة المجلسي في البحار ج ٧٧ باب مواعظهعليه‌السلام نقلا عن هذه الكتب وعن كتاب بشارة المصطفى ص ٥٢. والخبر مختلفة الالفاظ قريبة المعاني ولم نشر إلى جميع موارد الاختلاف خوف التطويل والاملال.

٢٦٠