الأمالي الشيخ المفيد

الأمالي الشيخ المفيد0%

الأمالي الشيخ المفيد مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 357

الأمالي الشيخ المفيد

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 357
المشاهدات: 47703
تحميل: 5977


توضيحات:

الأمالي الشيخ المفيد المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47703 / تحميل: 5977
الحجم الحجم الحجم
الأمالي الشيخ المفيد

الأمالي الشيخ المفيد

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

أبي بكر: سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الّذي لا إله إلا هو. أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله فيما أنتم عنه مسؤولون(١) ، وإليه تصيرون، فإن الله تعالى يقول: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(٢) ، ويقول: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ(٣) ، ويقول: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(٤) . فاعلموا يا عباد الله إن الله جل وعز سائلكم عن الصغير من عملكم والكبير، فإن يعذب فنحن أظلم، وإن يعف فهو أرحم الراحمين(٥) . يا عباد الله إن أقرب ما يكون العبد إلى المغفرة والرحمة حين يعمل لله بطاعته، وينصحه في التوبة. عليكم بتقوى الله، فإنها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها(٦) ، ويدرك بها من الخير مالا يدرك بغيرها من خير الدنيا وخير الآخرة، قال الله عزّوجلّ: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ(٧) .

____________________________

(١) في الغارات زاد هنا: « فأنتم به رهن » والظاهر ان هذا سقط من النسخ لوجودها في الاية الدالة عليه.

(٢) المدثر: ٣٨.

(٣) آل عمران: ٢٨. وقوله « نفسه » أي عقابه وأخذه.

(٤) الحجر: ٩٢، ٩٣.

(٥) كذا في ساير نسخ الحديث، وفى النهج: « فان يعذب فأنتم أظلم وان يعف فهو أكرم ». والمظنون أن لفظة « الراحمين » زيادة من الكتاب. والمعنى: فأنتم أظلم من أن لا تعذبوا، أو لا تستحقوا العقاب، وأن يعف فهو أكرم من أن لا يعفو أو يستغرب منه العفو، أو المعنى أنه سبحانه أن عذب فظلمكم أكثر من عذابه ولا يعاقبكم بمقدار الذنب، وان يعف فكرمه أكثر من ذلك العفو ويقدر على أكثر منه وربما يفعل أعظم منه (هامش الغارات نقلا عن معالم الزلفى ص ٧٤).

(٦) كذا صححناه من الغارات وفى النسخ: « فانها تجمع من الخير ولا خير غيرها ». وفى بعضها « من الخير ما لا خير غيرها ».

(٧) النحل: ٣٠.

٢٦١

اعلموا يا عباد الله إن المؤمن يعمل لثلاث من الثواب: إما لخير(١) ﴿الدُّنْيَا ﴾ فإن الله يثيبه بعمله في دنياه، قال الله سبحانه لابراهيم: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ(٢) . فمن عمل لله تعالى أعطاه أجره في الدنيا والآخرة، وكفاه المهم فيهما، وقد قال الله عزّوجلّ: ﴿يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ(٣) . فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة، قال الله عزّوجلّ: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ(٤) فالحسنى هي الجنة والزيادة هي الدنيا(٥) ، (وإما لخير الآخرة)(٦) فإن الله عزّوجلّ يكفر بكل حسنة سيئة، قال الله عزّوجلّ: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ(٧) ، حتّى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم ثم أعطاهم بكل واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عزّوجلّ: ﴿جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا(٨) ، وقال: ﴿فَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ(٩) ، فارغبوا في هذا رحمكم الله واعملوا له

____________________________

(١) كذا في النسخ، وفى أمالى الطوسى: « ان المؤمن من يعمل الثلاث من الثواب، اما الخير الخ ».

(٢) العنكبوت: ٢٧.

(٣) الزمر: ١٠. « بغير حساب » أي أجرا لا يهتدى إليه حساب الحساب.

(٤) يونس: ٢٦.

(٥) في نسخ الكتاب: « والزيادة في الدنيا ».

(٦) الزيادة من نسخة الغارات تتميما للمعنى.

(٧) هود: ١١٤.

(٨) النبأ: ٣٦. أي أعطاهم كذلك بعد حسابه حسناتهم لهم رأسا.

(٩) السبأ: ٣٧. وليعلم أن الخصلة الثالثة المشار إليها في صدر العبارة غير مذكور في جميع نسخ الحديث فتفطن.

٢٦٢

وتحاضوا عليه. واعملوا يا عباد الله إن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، أباحهم الله من الدنيا ما كفاهم وبه أغناهم، قال الله عز اسمه: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(١) . سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، فأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون، وشربوا من طيبات ما يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون، وركبوا من أفضل ما يركبون، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا(٢) وهم غدا جيران الله، يتمنون عليه فيعطيهم ما تمنوه، ولا يرد لهم دعوة، ولا ينقص لهم نصيبا من اللذة. فإلى هذا يا عباد الله يشتاق إليه من كان له عقل، ويعمل له بتقوى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. يا عباد الله إن اتقيتم الله، وحفظتم نبيكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عبد، وذكرتموه بأفضل ما ذكر، وشكرتموه بأفضل ما شكر، وأخذتم بأفضل الصبر والشكر، واجتهدتم بأفضل الاجتهاد، وإن كان غيركم أطول منكم صلاة، وأكثر منكم صياما، فأنتم أتقى لله عزّوجلّ منهم، وأنصح لاولى الامر(٣) . احذروا يا عباد الله الموت وسكرته، وأعدوا له عدته فإنه يفجأكم بأمر عظيم: بخير لا يكون معه شر أبدا، أو بشر لا يكون معه خير أبدا. فمن أقرب إلى الجنة من عاملها ؟ ومن أقرب من النار من عاملها ؟ إنه ليس

____________________________

(١) الاعراف: ٣٢.

(٢) في النهج: « أصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم ».

(٣) في الغارات: « وأنصح لاولياء الامر من آل محمّد وأخشع ».

٢٦٣

أحد من الناس تفارق روحه جسده حتّى يعلم أي المنزلتين يصل، إلى الجنة أم إلى النار ؟ أعدو هو لله أم ولي [ له ]، فإن كان وليا لله فتحت له أبواب الجنة، وشرعت له طرقها، ورأى ما أعد الله له فيها، ففرغ من كل شغل، ووضع عنه كل ثقل، وإن كان عدو الله فتحت له أبواب النار وشرعت له طرقها، ونظر إلى ما أعد الله له فيها، فاستقبل كل مكروه، وترك كل سرور، كل هذا يكون عند الموت، وعنده يكون اليقين. قال الله عزّ اسمه: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(١) ، ويقول: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَىٰ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ، فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ(٢) . يا عباد الله إن الموت ليس منه فوت، فاحذروه قبل وقوعه، وأعدوا له عدته، فإنكم طراد الموت(٣) ، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، وهو ألزم لكم من ظلكم، الموت معقود بنواصيكم، والدنيا تطوى [ من ] خلفكم، فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم أنفسكم إليه من الشهوات(٤) ، فكفى بالموت واعظا، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كثيرا ما يوصي [ أصحابه ] بذكر الموت، فيقول: أكثروا ذكر الموت فإنه هاذم اللذات، حائل بينكم وبين الشهوات. يا عباد الله ما بعد الموت لمن لم يغفر له أشد من الموت، القبر، فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته، إن القبر يقول كل يوم: أنا بيت الغربة،

____________________________

(١) النحل: ٣٢.

(٢) النحل: ٢٨، ٢٩.

(٣) قال في النهاية: « فيه: كنت أطارد حية أي أخادعها لا صيدها ومنه طراد الصيد ». وفى النهج: « طرداء الموت ».

(٤) نازعتنى نفسي إلى كذا: اشتاقت إليه.

٢٦٤

أنا بيت التراب، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود والهوام. والقبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار(١) . إن العبد المؤمن إذا دفن قالت الارض له: مرحبا وأهلا، قد كنت ممن احب أن يمشي على ظهري، فإذا توليتك فستعلم كيف صنعي بك(٢) ، فتتسع له مد البصر، وإن الكافر إذا دفن قالت الارض له: لا مرحبا ولا أهلا، قد كنت من أبغض من يمشي على ظهري، فإذا توليتك فستعلم كيف صنعي بك، فتضمنه حتّى تلتقي أضلاعه. وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر، أن يسلط الله على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا، فينهشن لحمه، ويكسرن عظمه، يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث. لو أن تنينا منها نفخ في الارض لم تنبت زرعا أبدا. اعلموا يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة، وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير [ من العقاب ] تضعف عن هذا، فإن استطعتم أن تجزعوا لاجسادكم وأنفسكم(٣) مما لا طاقة لكم به ولا صبر لكم عليه فاعملوا بما أحب الله، واتركوا ماكره الله. يا عباد الله إن بعد البعث ما هو أشد من القبر، يوم يشيب فيه الصغير، ويسكر فيه الكبير، ويسقط فيه الجنين، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، يوم عبوس قمطرير، يوم كان شره مستطيرا. إن فزع ذلك اليوم ليرهب الملائكة الّذين لا ذنب لهم، وترعد منه السبع الشداد، والجبال الاوتاد، والارض المهاد، وتنشق السماء فهي يومئذ واهية، وتصير وردة كالدهان(٤) ، وتكون

____________________________

(١) في بعض النسخ: « من حفر النيران ».

(٢) في بعض النسخ هنا وفيما يأتي: « صنيعى بك ».

(٣) في الغارات: « أن ترحموا أنفسكم وأجسادكم »، وفى المطبوعة: « أن تنزعوا الاجساد أنفسكم ».

(٤) أي حمراء كالوردة، وكالدهان في الذوبان جمع دهن أو اسم لما يدهن به، أو كالاديم الاحمر. والكثيب. الرمل المجتمع الكثير، والمهيل: المنشور بعد اجتماعه.

٢٦٥

الجبال كثيبا مهيلا بعد ما كانت صما صلابا، وينفخ في الصور فيفزع من في السماوات ومن في الارض إلا من شاء الله، فكيف من عصى(١) بالسمع والبصر واللسان واليد والرجل والفرج والبطن إن لم يغفر الله له ويرحمه من ذلك اليوم(٢) لانه يقضى ويصير إلى غيره، إلى نار قعرها بعيد، وحرها شديد، وشرابها صديد، وعذابها جديد، ومقامعها حديد، لا يفتر عذابها، ولا يموت سكانها، دار ليس فيها رحمة، ولا يسمع لاهلها دعوة. واعلموا يا عباد الله أن مع هذا رحمة الله التي لا تعجز عن العباد(٣) ، جنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للمتقين [ خير ] لا يكون معها شر أبدا، لذاتها لا تمل، ومجتمعها لا يتفرق، سكاتها قد جاوروا الرحمن، وقام بين أيديهم الغلمان، بصحاف من الذهب فيها الفاكهة والريحان. ثم اعلم يا محمّد بن أبي بكر إني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي: أهل مصر، فإذا وليتك ما وليتك من أمر الناس فأنت حقيق أن تخاف منه على نفسك، وأن تحذر منه على دينك، فإن استطعت أن لا تسخط ربك عزّوجلّ برضا أحد من خلقه فافعل، فإن في الله عزّوجلّ خلفا من غيره، وليس في شئ سواه خلف منه. اشتد على الظالم، وخذ عليه، ولن لاهل الخير، وقربهم، واجعلهم بطانتك وإخوانك. وانظر إلى صلاتك كيف هي، فإنك إمام القوم، [ ينبغي لك ](٤) أن

____________________________

(١) كذا في النسخ، والظاهر فيه تصحيف والصواب « فكيف بمن عصى ».

(٢) وفى الغارات: « واعلموا عباد الله أن ما بعد ذلك اليوم أشد وأوهى على من لم يغفر الله له من ذلك اليوم ».

(٣) في الغارات: « أن مع هذا رحمة الله التى وسعت كل شئ لا تعجز عن العباد ».

(٤) ما بين المعقوفين هنا وما يأتي زيادة اضفناها طبقا للغارات لاحتمال سقطها من قلم النساخ جدا.

٢٦٦

تتمها ولا تخففها، فليس من إمام يصلي بقوم يكون في صلاتهم نقصان إلا كان [ إثم ذلك ] عليه ولا ينقص من صلاتهم شئ. وتممها وتحفظ فيها يكن لك مثل أجورهم ولا ينقص ذلك من أجرهم شيئا. ثم انظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة، وتمضمض ثلاث مرات، واستنشق ثلاثا، واغسل وجهك، ثم يدك اليمنى، ثم يدك اليسرى، ثم امسح رأسك ورجليك، فإني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصنع ذلك، واعلم أن الوضوء نصف الايمان. ثم ارتقب وقت الصلاة فصلها لوقتها ولا تعجل بها قبله لفراغ، ولا تؤخرها عنه لشغل، فإن رجلا سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن أوقات الصلاة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرئيلعليه‌السلام فأراني وقت الصلاة [، فصلى الظهر ] حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الايمن، ثم أراني وقت العصر فكان ظل كل شئ مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس، ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق، ثم صلى الصبح فغلس بها(١) والنجوم مشتبكة، فصل لهذه الاوقات، والزم السنة المعروفة والطريق الواضح(٢) . ثم انظر ركوعك وسجودك، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أتم الناس صلاة، وأخفهم عملا فيها(٣) . واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك، فمن ضيع الصلاة فإنه لغيرها أضيع. أسأل الله الّذي يرى ولا يرى وهو بالمنظر الاعلى أن يجعلنا وإياك ممن يحب ويرضى، حتّى يعيننا وإياك على

____________________________

(١) الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح، وجاء فعله من باب الافعال والتفعيل.

(٢) ذلك لان من لزم الطريق الواضح أمن العثار، وكانت عاقبة أمره السلامة، وللذين أحسنوا الحسنى وزيادة. والعاقل من اعتنق التوسط في الامور والاعتدال في الاحوال، واحترز عن طرفي الافراط والتفريط في الاقوال والاعمال. فمن مال عن ذلك وترك السنة المعروفة تلعب به الاهواء فتدفعه من سنن الحق إلى الردى وكان عاقبة الّذين اساؤا السوأى، وتحمله على مركب الهوان وتعود أعماله عليه بالخسران.

(٣) في بعض النسخ « وأحقهم بها ».

٢٦٧

شكره وذكره وحسن عبادته واداء حقه، وعلى كل شئ اختار لنا في دنيانا وآخرتنا. وأنتم يا أهل مصر فليصدق قولكم فعلكم، وسركم علانيتكم، ولا تخالف ألسنتكم قلوبكم، واعلموا أنه لا يستوي إمام الهدى وإمام الردى، ووصي النبيّعليه‌السلام وعدوه. إنني لا أخاف عليكم مؤمنا ولا مشركا، أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأما المشرك فيحجزه الله عنكم بشركه، لكن أخاف عليكم المنافق، يقول ما تعرفون، ويفعل ما تنكرون(١) . يا محمّد بن أبي بكر اعلم أن أفضل الفقه الورع في دين الله، والعمل بطاعته، وإني أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيتك وعلى أي حال كنت عليه، الدنيا دار بلاء، والآخرة دار الجزاء ودار البقاء، فاعمل لما يبقى، واعدل عما يفنى، ولا تنس نصيبك من الدنيا(٢) . إني اوصيك بسبع(٣) هن جوامع

____________________________

(١) ذلك لان المنافق هو العدو الرابض في قلب الامة، والامة لا تعرف من هو لتحذر شره، ومن أين يأتيها لتقاومه، وكيف يدب في النفوس دبيبه وكيده لتدفعه، وهى حيرى مما يصيبها، وولهى من الشر الذى أصابها، وهو راصد لا يزال ينتظر الفرصة لتخدير عقول العامة وربما يتخذ الدين شركا يصطاد به فكرتهم ليثبطهم عن نصرة المصلحين ومتابعة العلماء الراسخين، ويحلل ويحرم ويكفر ويفسق، ويبيج دماء الابرار ومن يريد أن ينهض بالامة من دركات الجهل والغفلة والعبودية إلى مستوى الفضيلة والتنبيه والحرية، نستجير بالله من شر هذا الداء الوبيل ونسأله أن يعرفنا تلكم الجراثيم الموبوءة المعجبة في الظاهر حتّى نسعى لابادتها ونتمكن من تلخيص الامة منها.

(٢) اشارة إلى الاية ٧٧ من سورة القصص التي حكى الله تعالى فيها ما قال قوم قارون له. وفى المعاني باسناده عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك أن تطلب بها الاخرة.

(٣) كذا في جميع نسخ الحديث ومن المحتمل أن الصواب « بتسع » فصحف، كما يظهر من التوضيح.

٢٦٨

الاسلام: تخشى الله عزّوجلّ ولا تخشى الناس في الله، وخير القول ما صدقه العمل، ولا تقض في أمر واحد بقضاءين مختلفين فيختلف أمرك وتزيغ عن الحق، وأحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك فإن ذلك أوجب للحجة وأصلح للرعية، وخض الغمرات إلى الحق، ولا تخف في الله لومة لائم، وانصح المرء إذا استشارك، واجعل نفسك أسوة لقريب المسلمين وبعيدهم، جعل الله عزّوجلّ مودتنا في الدين، وحلانا وإياكم حلية المتقين، وأبقى لكم طاعتكم حتّى يجعلنا وإياكم بها إخوانا على سرر متقابلين. أحسنوا أهل مصر مؤازرة محمّد أميركم، واثبتوا على طاعتكم تردوا حوض نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أعاننا الله وإياكم على ما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

٤ - قال: أخبرني أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي قال: حدثنا أبونصر محمّد بن عمر النيشابوري قال: حدثنا محمّد بن [ أبي ] السري(١) قال: حدثني أبي قال: حدثنا حفص بن غياث، عن برد بن سنان(٢) ، عن مكحول، عن واثلة بن الاسقع قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تظهر الشماتة لاخيك [ فيعافيه الله ] ويبتليك.

وصلّى الله عليه سيدنا محمّد النبيّ وآله وسلم تسليما

____________________________

(١) في النسخ: « محمّد بن السرى » والظاهر كونه محمّد بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي مولاهم العسقلاني المعروف بابن أبى السرى، مات سنة ٢٣٨ كما في التقريب.

(٢) هو برد بن سنان الشامي أبوالعلاء الدمشقي سكن البصرة، ووثقة ابن معين. يروى عن مكحول الشامي أبى عبدالله الفقيه توفى في العشر الاول أو الثاني بعد المائة.

٢٦٩

المجلس الثاني والثلاثون

مجلس يوم الاربعاء الثالث عشر من شهر رمضان سنة تسع وأربعمائة مما سمعناه جميعا

حدثنا الشيخ الجليل المفيد أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله تأييده

 ١ - قال: أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه قال: حدثني أبي قال: حدثني سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن(١) ، عن كليب بن معاوية الاسدي قال: سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول: أما والله إنكم لعلى دين الله وملائكته، فأعينونا على ذلك بورع واجتهاد، عليكم بالصلاة والعبادة، عليكم بالورع.

٢ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن خالد المراغي قال: حدثنا أبوالقاسم الحسن بن عليّ الكوفي قال: حدثنا جعفر بن محمّد بن مروان قال: حدثنا أبي قال: حدثنا مسيح بن محمّد قال: حدثني أبوعليّ بن أبي عمرة الخراساني، عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي إسحاق السبيعي قال: دخلنا على مسروق بن الاجدع(٢) فإذا عنده ضيف له لا نعرفه وهما يطعمان من طعام لهما، فقال الضيف: كنت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحنين(٣) فلما قالها عرفنا أنه كانت له

____________________________

(١) كذا ولم نجد رواية أحمد بن محمّد عنه الا أن محمّد بن عيسى يروى عنه، فالظاهر سقط كلمة « عن أبيه » بينهما.

(٢) هو مسروق بن الاجدع بن مالك الهمداني الوادعى، أبوعائشة الكوفى، ثقة فقيه عابد، مخضرم، مات سنة ٦٢ أو ٦٣ كما في التقريب. والمخضرم يقال لكل من أدرك الجاهلية والاسلام ولكن لم يتشرف بصحبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وله وجه تسمية، فراجع النهاية لابن اثير.

(٣) كذا في أمالى ابن الشيخ: وفى النسخ « بخيبر » وهو تصحيف.

٢٧٠

صحبة مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: فجاءت صفية بنت حيى بن أخطب(١) إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وسل فقالت: يا رسول الله إني لست كأحد من نسائك، قتلت الاب والاخ والعم، فإن حدث بك حدث فإلى من ؟ فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إلى هذا، وأشار إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . قال: ألا أحدثكم بما حدثني به الحارث الاعور ؟ قال: قلنا: بلى، قال: دخلت على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: ما جاء بك يا أعور ؟ قال: قلت: حبك يا أمير المؤمنين، قال: الله ؟ قلت: الله، فناشدني ثلاثا، ثم قال: أما إنه ليس عبد من عباد الله ممن امتحن الله قلبه للايمان إلا وهو يجد مودتنا على قلبه فهو يحبنا، وليس عبد من عباد الله ممن سخط الله عليه إلا وهو يجد بغضنا على قلبه فهو يبغضنا، فأصبح محبنا ينتظر الرحمة، وكان أبواب الرحمة قد فتحت له، وأصبح مبغضنا على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، فهنيئا لاهل الرحمة رحمتهم، وتعسا لاهل النار مثواهم(٢) .

٣ - قال أخبرني أبوعلي الحسن بن عليّ بن فضل الرازي(٣) قال: حدثنا أبوالحسن عليّ بن أحمد بن بشر العسكري، قال: حدثنا أبوإسحاق محمّد بن هارون بن عيسى الهاشمي(٤) قال: حدثنا أبوإسحاق إبراهيم بن مهدي

____________________________

(١) هي أم المؤمنين من بنى النجار من سبط هارون النبيّ (عليه‌السلام ) كانت تحت كنانة بن ربيع اليهودي، فاسرت يوم خيبر واصطفاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأعتقها و تزوجها، قال ابن حجر: « ماتت سنة ٣٦، وقيل في زمن معاوية وهو الصحيح ».

(٢) الخبر يدل بشطريه على أن أمير المؤمنين على بن أبى طالبعليه‌السلام خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل وانه هو المتولي لامورهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأيضا على أن حبه ايمان وبغضه كفر كما ورد في سائر الاخبار كثيرا فتبصر.

(٣) في المخطوط ونسخة مخطوطة من أمالى الطوسى « الداوودى » مكان « الرازي ».

(٤) معنون في تاريخ الخطيب بعنوان محمّد بن هارون بن عيسى بن ابراهيم بن عيسى بن أبى جعفر المنصور يعرف بابن بريه، وشيخه معنون في تهذيب التهذيب بعنوان ابراهيم بن مهدي بن عبد الرحمن الابلى وقال: قال الازدي: يضع الحديث مشهور بذاك، ولم نجد راويه.

٢٧١

الابلي قال: حدثنا إسحاق بن سليمان الهاشمي(١) قال: حدثني أبي قال: حدثني هارون الرشيد قال: حدثني أبي المهدي قال: حدثني المنصور أبوجعفر عبدالله بن محمّد بن عليّ قال: حدثني أبي، عن جدي عليّ بن عبدالله بن العباس، عن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يا أيها الناس نحن في القيامة ركبان أربعة ليس غيرنا(٢) ، فقال له قائل: بأبي أنت وأمي يا رسول الله من الركبان ؟ قال: أنا على البراق، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرها قومه، وابنتي فاطمة على ناقتي العضباء، وعلي بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنة خطامها من لؤلؤ رطب، وعيناها من ياقوتتين حمراوين، وبطنها من زبرجد أخضر، عليها قبة من لؤلؤة بيضاء يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، ظاهرها من رحمة الله، وباطنها من عفو الله، إذا أقبلت زفت، وإذا أدبرت زفت(٣) ، وهو أمامي. على رأسه تاج من نور، يضئ لاهل الجمع ذلك التاج، له سبعون ركنا كل ركن يضئ كالكوكب الدري في أفق السماء، وبيده لواء الحمد، وهو ينادي في القيامة، لا إله إلا الله، محمّد رسول الله، فلا يمر بملأ من الملائكة إلا قالوا: نبي مرسل(٤) ولا يمر بنبي مرسل إلا قال: ملك مقرب، فينادي مناد من بطنان العرش:

____________________________

(١) هو اسحاق بن سليمان بن على بن عبدالله بن العباس أبويعقوب الهاشمي كان من اولى الاقدار العالية، والى المدينة والبصرة من قبل هارون الرشيد.

(٢) « غيرنا » يحتمل وجهين من الاعراب وهو اما اسم أو خبر وأيما كان فالاخر محذوف.

(٣) زف البرق: لمع والقوم: أسرعوا، فعلى الاول الضمير الفاعلى راجع إلى القبة، وعلى الثاني إلى الناقة. وفى مخطوطة من أمالى ابن الشيخ « إذا اقبلت رقت وإذا ادبرت زفت ».

(٤) كذا في البحار وهو الصحيح، وفى النسخ « نبى مقرب ».

٢٧٢

يا أيها الناس ليس هذا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، ولا حامل عرش، هذا عليّ بن أبي طالب، وتجئ شيعته من بعده فينادي مناد لشيعته: من أنتم ؟ فيقولون: نحن العلويون، فيأتيهم النداء: أيها العلويون أنتم آمنون، ادخلوا الجنة مع من كنتم توالون.

٤ - قال: أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الريان بن الصلت قال: سمعت الرضا عليّ بن موسىعليهما‌السلام يدعو بكلمات فحفظتها عنه، فما دعوت بها في شدة إلا فرج الله عني، وهي: « اللهم أنت ثقتي في كل كرب(١) ، وأنت رجائي في كل شديدة(٢) ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة(٣) ، كم من كرب يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، وتعيى فيه الامور، ويخذل فيه القريب والبعيد والصديق(٤) ، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك، وشكوته إليك راغبا إليك فيه عمن سواك ففرجته وكشفته وكفيتنيه، فأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حاجة، ومنتهى كل رغبة. فلك الحمد كثيرا، ولك المن فاضلا، بنعمتك تتم الصالحات، يا معروفا بالمعروف(٥) معروف، ويامن هو بالمعروف موصوف، أنلني من معروفك معروفا تغنيني به عن معروف من سواك، برحمتك يا أرحم الراحمين ».

 ٥ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن خالد المراغي قال: حدثنا أبوالقاسم الحسن بن علي، عن جعفر بن محمّد بن مروان، عن أبيه قال: حدثنا أحمد بن عيسى

____________________________

(١) في أمالى ابن الشيخ: « كربة »، وهما بمعنى الحزن والغم يأخذ بالنفس.

(٢) في بعض النسخ « شدة ».

(٣) في المطبوعة: « وأنت لى في كل أمر ينزل بى ثقتى وعدتي ».

(٤) في نسخة « واللصيق » مكان « والصديق ».

(٥) متعلق بمعروف بعده، أي يا من هو معروف وكان معروفيته بأفعاله الحسنة المعروفة واحسانه القديم.

٢٧٣

قال: حدثنا محمّد بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خلتان لا تجتمعان في منافق: فقه في الاسلام، وحسن سمت في الوجه(١) .

وصلّى الله على سيدنا محمّد النبيّ وآله وسلم تسليما

المجلس الثالث والثلاثون

مجلس يوم السبت الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وأربعمائة مما سمعناه جميعا

حدثنا الشيخ المفيد أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان أيد الله حراسته

 ١ - قال: أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد قال: حدثني أبي قال: حدثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن عليّ بن محمّد القاشاني، عن الاصفهاني(٢) ، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث قال: قال أبوعبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : إذا أراد أحدكم ألا يسأل الله شيئا إلا أعطاء فلييأس من الناس كلهم، ولا يكون له رجاء إلا من عند الله عزّوجلّ(٣) ، فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأل شيئا إلا أعطاه، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإن في القيامة خمسين موقفا كل موقف مثل ألف سنة(٤) مما تعدون، ثم

____________________________

(١) السمت بالفتح: هيئة أهل الخير والصلاح.

(٢) كذا في المطبوعة فقط وهو اما نفس سليمان بن داود المنقرى لانه ملقب بالاصفهاني على ما في جامع الرواة، أو كونه القاسم بن محمّد الاصفهانى المعروف بكاسام أو كاسولا الراوى عن سليمان كثيرا في الاصول الاربعة والثانى أظهر.

(٣) أهل المعرفة يعبرون عن ذلك بحالة الانقطاع، ويقولون: المراد من اسم الله الاعظم الذى إذا دعى الله به أجاب لا محالة، هذه الحالة.

(٤) في البحار: « مقام ألف سنة ».

٢٧٤

تلا هذه الآية: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ(١) .

٢ - قال: أخبرني أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي قال: حدثنا أبوعبدالله الحسين بن عليّ المالكي قال: حدثنا أبوالصلت الهروي قال: حدثنا الرضا عليّ بن موسىعليهما‌السلام ، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين زين العابدين، عن أبيه الحسين بن عليّ الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الايمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان العقول(٢) . قال أبوالصلت: فحدثت بهذا الحديث في مجلس أحمد بن حنبل، فقال لي أحمد: يا أبا الصلت لو قرء هذا الاسناد على المجانين لافاقوا.

٣ - قال: أخبرني أبوعبيدالله محمّد بن عمران المرزباني قال: حدثني أحمد بن سليمان الطوسي، عن الزبير بن بكار قال: حدثني عبدالله بن وهب، عن السدي، عن عبد خير، عن قبيصة بن جابر الاسدي قال: قام رجل إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : فسأله عن الايمان، فقامعليه‌السلام خطيبا فقال: الحمد لله الّذي شرع الاسلام فسهل شرايعه لمن ورده، وأعز أركانه على من جاز به(٣) ، وجعله عزا لمن والاه، وسلما لمن دخله، وهدى لمن ائتم به، وزينة لمن تحلى به، وعصمة لمن اعتصم به، وحبلا لمن تمسك به، وبرهانا لمن تكلم به، ونورا لمن استضاء به، وشاهدا لمن خاصم به، وفلجا

____________________________

(١) المعارج: ٤. وفى البحار: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ فالاية في سورة السجدة: ٥.

(٢) يدل على أن العمل جزء الايمان وأن الايمان مبثوث على الجوارح والاعضاء. والمراد بعرفان العقول ادركها الحقيقة.

(٣) اعزاز أركانه حمايتها ورفعها على من قصد هدمه وتضييعه واطفاء نوره. وفى بعض النسخ: « على من جاء به »، وفى النهج « غالبه » وفي التحف: « جانبه »، وفى بعض نسخ الكافي: « جأر به ».

٢٧٥

لمن حاج به(١) ، وعلما لمن وعاه، وحديثا لمن رواه، وحكما لمن قضى به، وحلما لمن جرب(٢) ، ولبا لمن تدبر، وفهما لمن فطن، ويقينا لمن عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم(٣) ، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، ومودة من الله لمن أصلح(٤) ، وزلفى لمن ارتقب(٥) ، وثقة لمن توكل، وراحة لمن فوض، وجنة لمن صبر. الحق سبيله، والهدى صفته، والحسنى مأثرته، فهو أبلج المنهاج، مشرف المنار(٦) ، مضئ المصابيح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة،(٧) متنافس السبقة، كريم الفرسان. التصديق منهاجه، والصالحات مناره، والفقه مصابيحه، والموت غايته، والدنيا مضماره، والقيامة حلبته، والجنة سبقته(٨) ،

____________________________

(١) في النهج « لمن خاصم عنه »، وقوله: « فلجا لمن حاج به » أي ظفرا وغلبة لمن احتج به.

(٢) المراد بالحلم هنا العقل، قال الله عزّوجلّ ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَـٰذَا ﴾ قالوا: أي عقولهم.

(٣) المتوسم: المتفرس والذى يرتاد الحق.

(٤) في الكافي: « وتؤدة لمن أصلح »، والتؤدة بفتح الهمزة وسكونها: الرزانة والتأنى.

(٥) كذا في النسخ والتحف، و في سائر نسخ الحديث: « اقترب ».

(٦) في بعض النسخ: « مشرق المنار »، والمأثرة بفتح الميم وسكون الهمزة وضم الثاء وفتحها الراء: واحدة المآثر وهى المكارم من الاثر وهو النقل والرواية لانها تؤثر وتروى.

(٧) قال ابن أبى الحديد: « الحلبة: الخيل المجموعة للمسابقة، والمضمار: موضع تضمير الخيل أو زمان تضميرها، والغاية: الراية المنصوبة وهو هاهنا خرقة تجعل على قصبة وتنصب في آخر المدى الّذي تنتهى إليه المسابقة ».

(٨) إلى هنا أورده الشريف الرضى (ره) في النهج مع اسقاطه بعض الفقرات.

٢٧٦

والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه. فبالايمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا، ( وبالدنيا تجوز القيامة(١) ) وبالقيامة تزلف الجنة للمتقين، وتبرز الجحيم للغاوين. فالايمان على أربع دعائم: الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد. والصبر من ذلك أربع شعب: الشوق والاشفاق(٢) والزهادة والترقب. ألا من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات(٣) ، ( ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات. واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأول الحكمة(٤) ، و موعظة العبرة، وسنة الاولين. فمن تبصر في الفطنة تبين الحكمة، ومن تبين الحكمة عرف السنة، ومن عرف السنة فكأنما كان في الاولين. والعدل على أربع شعب: على غامض الفهم(٥) ، وغمرة العلم، وزهرة الحكم

____________________________

(١) هذه الفقرة موجودة في المطبوعة وفيه « تحوز » وليست في النسخ الخطية وفى الغارات: « تحذر القيامة ».

(٢) في النسخ: « والشفق ».

(٣) إلى هنا مضبوط في النسخ الخطية وفى المطبوعة سابقا، وتمام الحديث موجود في نسخة واحدة نقلناه وجعلناه بين المعقوفين تمييزا عن سائر النسخ.

(٤) أي جعلها مكشوفة بالتدبر فيها. و « موعظة العبرة » في الكافي « معرفة العبرة » أي المعرفة بأنه كيف ينبغى أن يعتبر من الشئ أي يتعظ به وينتقل منه إلى ما يناسبه.

(٥) الغامض خلاف الواضح من الكلام ونسبته إلى الفهم مجاز، وكان المعنى فهم الغوامض، أو هو من قولهم: أغمض حد السيف أي رققة. وفى النهج والتحف: « غائص » من الغوص، قال الكيدرى: وهو من اضافة الصفة إلى الموصوف للتأكيد. وغمر العلم: كثرته، والزهرة بالفتح: البهجة والنضارة والحسن، والحكم بالضم: القضاء والعلم والحكمة والفقه.

٢٧٧

وروضة الحلم. فمن فهم فسر جمل العلم(١) ، ومن علم عرف شرايع الحكم، ومن عرف شرايع الحكم لم يضل، ومن حلم لم يفرط [ في ](٢) أمره وعاش في الناس حميدا. والجهاد على أربع شعب: على الامر بالمعروف، والنهى عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الكافر، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، ومن شنئ الفاسقين غضب لله، ومن غضب لله تعالى فهو مؤمن حقا. فهذه صفة الايمان ودعائمه. فقال له السائل: لقد هديت يا أمير المؤمنين وأرشدت، فجزاك الله عن الدين خيرا )(٣) .

٤ - قال: أخبرنا أبوغالب أحمد بن محمّد الزراري قال: حدثني جدي محمّد بن سليمان قال: حدثنا محمّد بن خالد، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقرعليهما‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن اسرع الخير ثوابا البر، وأسرع الشر عقابا البغي، وكفى بالمرء

____________________________

(١) في الخطية: « نشر جميل العلم ».

(٢) كأن « في » سقط من قلم النساخ وأضفناه من سائر نسخ الحديث.

(٣) رواه أبوإسحاق الثقفى في الغارات ج ١ ص ١٣٨ والكليني في الكافي ج ٢ ص ٥١ ٤٩، والصدوق في الخصال شطره الاخر ص ٢٣١، وابن شعبة في التحف ص ١١٤، والطوسي في الامالى ص ٣٥، والشريف الرضى في موضعين من النهج: قسم الخطب تحت رقم ١٠٤ وقسم الحكم تحت رقم ٣٠، والعلامة المجلسي في البحار ج ٦٨ ص ٣٥١ وشرحه شرحا وافيا وأشار فيه إلى اختلاف النسخ. وليعلم أن نسخ الحديث في هذا الخبر مختلفة كثيرة الاختلاف جدا والاشارة إليها خارج عن وضع هذه التعليقة ومن أراد الاطلاع فليراجع شرح الخبر في البحار وهامش الغارات.

٢٧٨

عيبا أن يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه، وأن يعير الناس بما لا يستطيع تركه، وأن يؤذي جليسه بما يعنيه(١) .

٥ - قال: حدثنا أبوحفص عمر بن محمّد المعروف بابن الزيات رحمه الله قال: حدثنا أبوعلي محمّد بن همام الاسكافي قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري قال: حدثنا عبدالله بن محمّد بن عيسى قال: حدثني أبي، عن عبدالله بن المغيرة، عن ابن مسكان، عن عمر بن يزيد(٢) ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام قال: لما نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بطن قديد(٣) قال لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام : يا علي إني سألت الله عزّوجلّ أن يوالي بيني وبينك ففعل، وسألته أن يواخي بيني وبينك ففعل، وسألته أن يجعلك وصيي ففعل. فقال رجل من القوم: والله لصاع من تمر في شن بال(٤) خير مما سأل محمّد ربه ! هلا سأله ملكا يعضده على عدوه، أو كنزا يستعين به على فاقته(٥) ؟ ! فأنزل الله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(٦) .

____________________________

(١) تقدم في المجلس الثامن تحت رقم ١ من طريق الصدوق (ره) عن أبى حمزة عنهعليه‌السلام .

(٢) في بعض نسخ الحديث: « عمار بن يزيد »، وفى روضة الكافي: « عن عمار ابن سويد، وفى تفسير على بن ابراهيم: » عمارة بن سويد وكلهم معنونون في الرجال في عداد أصحاب الصادقعليه‌السلام .

(٣) كزبير: اسم موضع قرب مكة.

(٤) الشن بالفتح: القربة البالية. وفى الروضة: « فقال رجلان من قريش ».

(٥) في الروضة: « يستغنى به عن فاقته، والله ما دعاه إلى حق ولا باطل الا أجابه إليه الخ ».

(٦) هود: ١٢. ورواه في تفسير البرهان عن أمالى الشيخ بزيادة مع تفسير عدة آيات بعد هذه الاية. ولعل الاية نزلت مكررا، فان نزولهعليه‌السلام قديدا، وكذا وجود المنافقين وظهورهم كانا بعد الهجرة والاية مكية.

٢٧٩

 ٦ - قال: حدثنا أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه رحمه الله قال: حدثني محمّد بن موسى بن المتوكل قال: حدثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن غير واحد من أصحابه، عن أبي حمزة الثمالي قال: حدثني من حضر عبد الملك ابن مروان وهو يخطب الناس بمكة، فلما صار إلى موضع العظة من خطبته قام إليه رجل فقال: مهلا مهلا، إنكم تأمرون ولا تأتمرون، وتنهون ولا تنتهون، وتعظون ولا تتعظون، أفاقتداء بسيرتكم ؟ أم طاعة لامركم ؟ فإن قلتم: اقتدوا بسيرتنا فكيف نقتدي بسيرة الظالمين ؟ وما الحجة في اتباع المجرمين الّذين اتخذوا مال الله دولا، وجعلوا عباد الله خولا، وإن قلتم: أطيعوا أمرنا واقبلوا نصحنا، فكيف ينصح غيره من يغش نفسه ؟ أم كيف تجب طاعة من لم تثبت له عدالة. وإن قلتم: خذوا الحكمة من حيث وجدتموها، واقبلوا العظة ممن سمعتموها، فلعل فينا من هو أفصح بصنوف العظات، وأعرف بوجوه اللغات منكم، فزحزحوا عنها، أطلقوا أقفالها، وخلوا سبيلها، ينتدب(١) لها الّذين شردتموهم في البلاد، ونقلتموهم عن مستقرهم إلى كل واد، فوالله ما قلدناكم أزمة أمورنا، وحكمناكم في أبداننا وأموالنا وأدياننا لتسيروا فيها بسيرة الجبارين، غير أنا نصبر [ أنفسنا ](٢) لاستيفاء المدة، وبلوغ الغاية، وتمام المحنة، ولكل قائل منكم يوم لا يعدوه، وكتاب لا بد أن يتلوه(٣) ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(٤) .

____________________________

(١) أي يتعرض، أو هو مأخوذ من معنى الاجابة.

(٢) الزيادة من أمالى الشيخ.

(٣) أي صحيفة أعماله التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصتها.

(٤) الشعراء: ٢٢٧.

٢٨٠