الأمالي الشيخ المفيد

الأمالي الشيخ المفيد0%

الأمالي الشيخ المفيد مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 357

الأمالي الشيخ المفيد

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 357
المشاهدات: 47628
تحميل: 5974


توضيحات:

الأمالي الشيخ المفيد المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47628 / تحميل: 5974
الحجم الحجم الحجم
الأمالي الشيخ المفيد

الأمالي الشيخ المفيد

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

ما أهمك، واخلط الشدة باللين، وارفق ما كان الرفق أبلغ، واعتزم(١) على الشدة متى لم تغن عنك إلا الشدة. قال: فخرج مالك الاشتر رضي الله عنه فأتى رحله، وتهيأ للخروج إلى مصر، وقدم أمير المؤمنينعليه‌السلام أمامه كتابا إلى أهل مصر: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الّذي لا إله إلا هو، وأسأله الصلاة على نبيه محمّد وآله، وإني قد بعثت إليك عبدا من عباد الله، لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل(٢) عن الاعداء حذار الدوائر(٣) . من أشد عبيدالله بأسا(٤) ، وأكرمهم حسبا، أضر على الفجار من حريق النار، وأبعد الناس من دنس أو عار، وهو مالك بن الحارث الاشتر، لا نابي الضرس ولا كليل الحد، حليم في الحذر(٥) ،

____________________________

(١) في بعض النسخ: « واعترم » واعترم الفرس: سطا ومال. أي إذا جد بك الجد فدع اللين ومل عنه إلى الشدة، فان في حال الشدة لا يغنى الا الشدة. قال الفند الرماني: فلما صرح الشر فأمسى وهو عريان * ولم يبق سوى العدوا * ن دناهم كما دانوا.

(٢) نكل عنه كضرب ونصر وعلم: نكص وجبن.

(٣) الدوائر جمع الدائرة وهنا بمعنى النائبة أي صروف الدهر، وفي الكتاب العزيز: « عليهم دائرة السوء ». ويقال: « دارت عليهم الدوائر ». و « حذار » اسم فعل بمعنى أحذر كقوله « وحذار ثم حذار محاربا » والمعنى لا ينكل حين الحذار من الدوائر. وقال العلامة المجلسي (ره): في أكثر النسخ « حراز الدوائر » أي الحارس في الدوائر أو جلابها من قولهم: احرز الاجر إذا حازه انتهى. وزاد في الغارات: « لا ناكل عن قدم، ولا واه في عزم ».

(٤) في بعض النسخ: « عباد الله » مكان « عبيدالله ».

(٥) الضرس: السن. وحد السيف: مقطعه. والظاهر أن هنا سقطا والصحيح ما في نهج البلاغة وهو: « فانه سيف من سيوف الله لا كليل الظبة، ولا نابى الضريبة » والكليل: الّذي لا يقطع. والظبة بضم الظاء وفتح المخففة: حد السيف أو السنان ونحوه. والنابى من السيوف: الّذي لا يقطع. والضريبة: المضروب بالسيف. وتقديره: ولا نابى ضارب الضريبة. وضارب الضريبة هو حد السيف. وفي الغارات: « حليم في الجد ». والرزين: الوقور.

٨١

رزين في الحرب، ذو رأي أصيل، وصبر جميل، فاسمعوا له وأطيعوا أمره، فإن أمركم بالنفير فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري(١) ، فقد آثرتكم به على نفسي نصيحة لكم، وشدة شكيمة على عدوكم(٢) . عصمكم الله بالهدى، وثبتكم التقوى، ووفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ولما تهيأ مالك الاشتر للرحيل إلى مصر كتب عيون معاوية(٣) بالعراق إليه يرفعون خبره، فعظم ذلك على معاوية وقد كان طمع في مصر فعلم أن الاشتر إن قدمها فاتته، وكان أشد عليه من ابن أبي بكر، فبعث إلى دهقان من أهل الخراج بالقلزم(٤) أن عليا قد بعث بالاشتر إلى مصر وإن كفيتنيه سوغتك(٥) خراج ناحيتك ما بقيت، فاحتل في قتله بما قدرت عليه. ثم جمع معاوية أهل الشام وقال لهم: إن عليا قد

____________________________

(١) أحجم عنه: كف أو نكص هيبة.

(٢) الشكيمة في اللجام: الحديدة المعترضة في فم الفرس، ويعبر بشدتها عن قوة النفس وشدة البأس. والى هنا أورده الشريف الرضى في النهج قسم الرسائل تحت رقم ٣٨، وفيه تقديم وتأخير واختلاف في بعض الالفاظ.

(٣) أي الجواسيس ويقال للجاسوس: عين.

(٤) القلزم بالضم ثم السكون ثم زاى مضمومة وميم مدينة على ساحل بحر اليمن من جهة مصر ينسب البحر إليها. وفي هذا البحر بقرب القلزم غرق فرعون، وبينها وبين مصر ثلاثة أيام (المراصد).

(٥) سوغ له كذا: أعطاه اياه وأجازه له.

٨٢

بعث بالاشتر إلى مصر، فهلموا ندعو الله عليه يكفينا أمره، ثم دعا ودعوا معه(١) . وخرج الاشتر حتّى أتى القلزم، فاستقبله ذلك الدهقان فسلم عليه وقال [ له ]: أنا رجل من أهل الخراج ولك ولاصحابك علي حق في ارتفاع أرضي(٢) ، فانزل علي أقم بأمرك، وأمر أصحابك، وعلف دوابك، واحتسب بذلك لي من الخراج. فنزل عليه الاشتر، فأقام له ولاصحابه بما احتاجوا إليه، وحمل إليه طعاما دس في جملته عسلا جعل فيه سما، فلما شربه الاشتر قتله ومات من ذلك. وبلغ معاوية خبره، فجمع أهل الشام وقال لهم: أبشروا فإن الله تعالى قد أجاب دعاءكم، وكفاكم الاشتر وأماته، فسروا بذلك واستبشروا به. ولما بلغ أمير المؤمنينعليه‌السلام وفاة الاشتر جعل يتلهف(٣) ويتأسف عليه ويقول: لله در مالك لو كان من جبل لكان أعظم أركانه، ولو كان من حجر [ ل‍ ] كان صلدا(٤) . أما والله ليهدن موتك عالما، فعلى مثلك فلتبك البواكي. ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين، إني أحتسبه عندك فإن موته من مصائب الدهر، فرحم الله مالكا فقد وفى

____________________________

(١) لا يخفى على كل من له الامام بالامور السياسية ان الرجل كيف اغتنم الفرصة واستفاد من عمه الناس وبلاهتهم وايمانهم الضعضاع ونزعتهم الدينية المبنية على المزعمة من غير برهان عقلي، ولعمرك أن هذه الطايفة وأضرابهم أضر على الدين وأهله من الجيش الكافر الغائر في عقر دار المسلمين.

(٢) اي في زكاة أرضى. وارتفاع الزرع: حمله إلى البيدر.

(٣) تلهف عليه: حزن عليه وتحسر.

(٤) الصلد بفتح الصاد والسكون اللام من الارض والحجارة: الصلب الاملس، كناية عن شدة مقاومته وتصلبه في الحق.

٨٣

بعهده، وقضى نحبه، ولقي ربه، مع أنا قد وطنا أنفسنا أن صبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنها أعظم المصيبة.

٥ - قال: أخبرني أبوغالب أحمد بن محمّد الزراري، عن عبدالله بن جعفر الحميري، عن الحسن بن علي، عن زكريا(١) ، عن محمّد بن سنان، ويونس بن يعقوب، عن عبد الاعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: « أولنا دليل على آخرنا، وآخرنا مصدق لاولنا، والسنة فينا سواء. إن الله تعالى إذا حكم حكما أجراه »(٢) . الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيدنا محمّد النبيّ وآله وسلم تسليما(٣) . حدثنا الشيخ المفيد أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله تمكينه يوم الاثنين سلخ شوال سنة أربع وأربعمائة(٤) .

٦ - قال: حدثنا أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام قال: من قال إذا اصبح قبل أن تطلع الشمس [ وإذا أمسى قبل أن تغرب الشمس ]: « أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله، وأن الدين كما شرع، والاسلام كما وصف، والقول كما حدث، والكتاب كما أنزل، وأن الله هو الحق المبين »

____________________________

(١) هو زكريا المؤمن ويقال: زكريا بن محمّد أبوعبدالله المؤمن، وراويه الحسن بن عليّ أما ابن النعمان أو ابن كيسان. وفي بعض النسخ « الحميري، عن الحسن بن عليّ بن الحسن بن زكريا » وفي بعضها « عن الحسن بن علي، عن الحسن بن زكريا ».

(٢) في بعض النسخ « إذا حكم بحكم أجراه ».

(٣) و (٤) كذا.

٨٤

وذكر محمّدا وآل محمّد بخير، وحيا(١) محمّدا وآل محمّد بالسلام، فتح الله له ثمانية أبواب الجنة، وقيل له: أدخل من أي أبوابها شئت ومحي عنه خنا ذلك اليوم(٢) .

المجلس العاشر

مجلس يوم الاربعاء لليلتين خلتا من رجب سنة سبع وأربعمائة

حدثنا الشيخ المفيد أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله تأييده في مسجده بدرب رياح

 ١ - قال: أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمه الله قال: حدثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطاب جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقرعليهما‌السلام قال: قال موسى بن عمران على نبينا و [ آله و ]عليه‌السلام : إلهي من اصفياؤك من خلقك ؟ قال: الري الكفين، الري القدمين(٣) ، يقول صادقا، ويمشي

____________________________

(١) قال في النهاية: معنى حياك: أبقاك، من الحياة وقيل: ملكك وفرحك، وقيل: سلم عليك، وهو من التحية: السلام.

(٢) في بعض النسخ: « ومحا الله عنه ». وخنى الدهر: نوائبه.

(٣) كذا في النسخ، والظاهر أنه من « روى » بمعنى السقى، وعين رية: كثيرة الماء. وهذا كناية عن بركتهما وسعيهما في نفع الناس. وفي بعض النسخ: « البزي » في الموضعين. وفي البحار: « الندى الكفين، البرى القدمين »، وقال المجلسي (ره) في بيانه: « الندى الكفين أي كثير السخاء، قال الجوهري: يقال: فلان ندى الكف إذا كان سخيا، وقال الفيروزآبادى: تندى: تسخى وأفضل، كأندى فهو ندى الكف. وأندى: كثر عطاياه انتهى. وفي بعض النسخ: الندى القدمين، كناية عن بركتهما وسعيهما في نفع الناس، وفي بعضها: البرى القدمين أي أنهما بريئان من الخطأ. ويحتمل الرسى أي الثابت القدمين في الخير، في القاموس: رسا رسوا ورسوا: ثبت وكغني: العمود الثابت وسط الخباء، والراسخ في الخير والشر ». نقول: الصواب ما في البحار.

٨٥

هونا(١) ، فأولئك يزول الجبال ولا يزولون. قال: إلهي فمن ينزل دار القدس عندك ؟ قال: الّذين لا ينظر أعينهم إلى (الدينا) ؟، ولا يذيعون أسرارهم في الدين، ولا يأخذون على الحكومة الرشا. الحق في قلوبهم، والصدق على ألسنتهم، فأولئك في ستري في الدنيا وفي دار القدس عندي في الآخرة.

٢ - قال: أخبرني أبوعبيدالله محمّد بن عمران المرزباني قال: حدثنا محمّد بن أحمد الكاتب قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: حدثنا عبدالله بن داهر(٢) ، عن الاعمش، عن عباية الاسدي، عن ابن عباس رحمه الله قال: سئل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام عن قوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(٣) فقيل له: من هؤلاء الاولياء ؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : هم قوم أخلصوا لله تعالى في عبادته، ونظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، فعرفوا آجلها حين غر الخلق سواهم بعاجلها، فتركوا ما علموا أنه سيتركهم، وأماتوا منها ما علموا

____________________________

(١) في بعض النسخ المطبوعة: « يقول صدقا ». والهون بالفتح: السكينة والوقار، والرفق واللين، والمراد أنهم يمشون من غير تكبر وتبختر. وفي المجمع: « قال أبوعبداللهعليه‌السلام : هو الرجل يمشى بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف ولا يتبختر ».

(٢) المرزباني والكاتب وأحمد بن أبي خيثمة كلهم مذكورون في تاريخ الخطيب وأما عبدالله بن داهر بن يحيى أبوسليمان أو أبويحيى الرازي المعروف بالاحمرى شيخ صدوق كما نقله في التاريخ مسندا عن صالح بن محمّد الاسدي. وفي بعض النسخ « عبد الملك بن داهر ».

(٣) يونس: ٦٢.

٨٦

أنه سيميتهم(١) . ثم قال: أيها المعلل نفسه بالدنيا، الراكض على حبائلها(٢) ، المجتهد في عمارة ما سيخرب منها(٣) . ألم تر إلى مصارع آبائك في البلى، ومصارع أبنائك تحت الجنادل والثرى ؟ كم مرضت بيديك، وعللت بكفيك تستوصف لهم الاطباء، وتستعتب لهم الاحباء، فلم يغن عنهم غناؤك، ولا ينجع فيهم دواؤك(٤) .

____________________________

(١) باطن الدنيا ما خفى عن أعين الناس من مضارها ووخامة عاقبتها للراغبين إليها، فالمراد بالنظر إليه التفكر فيه وعدم الغفلة عنه، أو ما لا يلتفت الناس إليه من تحصيل المعارف والقرابات فيها، فالمراد بالنظر إليه الرغبة وطموح البصر إليه، وانما سماه باطنا لغفلة أكثر الناس عنه، ولكونه سر الدنيا وحقيقتها وغايتها التي خلقت لاجلها. والمراد بظاهرها شهواتها التي تغر أكثر الناس عن التوجه إلى باطنها. والمراد بآجل الدنيا ما يأتي من نعيم الاخرة بعدها، اضيف إليها لنوع من الملابسة، أو المراد بآجلها ما يظهر ثمرتها في الاجل من المعارف والطاعات، وأطلق الاجل عليه مجازا. وقوله: « فتركوا » أي ما يتركه من الاموال والاولاد وملاذ الدنيا. والاماتة الاهلاك المعنوي بحرمان الثواب وحلول العقاب عند الاياب، وما يميتهم اتباع الشهوات النفسانية والاتصاف بالصفات الذميمة الدنية.

(٢) علله بكذا: شغله ولهاه به. والركض: تحريك الرجل. والحبائل جمع الحبالة وهي التي يصاد بها. اي تركض لاخذ ما وقع في الحبائل التي نصبتها في الدنيا، كناية عن شدة الحرص في تحصيل متمنياتها، أو المعنى نصب لك الشيطان مصائد فيها ليصطادك بها، وأنت تركض إليها حتّى تقع فيها جهلا وغرورا.

(٣) أي تسعى بغاية جهدك في عمارة ما تعلم أنه آئل إلى الخراب ولا تنتفع به.

(٤) صرعه أي طرحه على الارض، والموضع مصرع. وبلى الميت أفنته الارض، وكأنه حال عن آبائك. و « أبنائك » أي أبناء نوعك. والجنادل جمع جندل كجعفر وهي الحجارة. والثرى بالفتح التراب الندى. ومرضته تمريضا إذا قمت عليه في مرضه. وعلله اي قام عليه في علته يطلب دواءه وصحته ويتكفل بأموره. واستوصفت الطبيب لدائي إذا سألته أن يصف لك ما تتعالج به. والاستعتاب: الاسترضاء، كناية عن طلب الدعاء أو رضاهم إذا كانت لهم عنده موجدة، وفي بعض النسخ: « تستغيث » وهو أظهر. وأغنى عنه كذا إذا اكتفاه. ونجع الوعظ والخطاب فيه دخل فأثر.

٨٧

 ٣ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن محمّد قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبوالحسن عليّ بن الحسن قال: حدثنا الحسين بن نصر بن مزاحم قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبوعبد الرحمن عبدالله بن عبد الملك(١) ، عن يحيى بن سلمة، عن أبيه سلمة بن كهيل، عن أبي صادق(٢) قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: ديني دين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحسبي حسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمن تناول(٣) ديني وحسبي فقد تناول دين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحسبه.

٤ - قال: أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زرارة بن أعين [ عن الحسن البزاز ](٤) ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام قال: ألا أخبرك بأشد ما فرض الله على خلقه ؟ قلت: بلى، قال: إنصاف الناس من نفسك، ومواساة أخيك(٥) ، وذكر الله في كل حال. أما إني لا أريد بالذكر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وإن كان هذا من ذلك ولكن ذكر الله في كل موطن تهجم فيه على طاعة الله، أو معصية له.

____________________________

(١) لم نعثر عليه بهذا العنوان في ما عندنا من التراجم والرجال.

(٢) اسمه عبدالله أو عبد خير بن ناجد الازدي الكوفى، وفي سماعه كلام عند بعض، لكن نص عليه الخطيب وقال: قيل اسمه أسلم بن يزيد.

(٣) نال من عرض فلان أي سبه.

(٤) على ما في البحار.

(٥) يدل على أن أحمز الفرائض وآكدها وأوجبها هو الانصاف مع الناس، والانصاف هو أن يكون الانسان في معاشرته مع الناس في جميع الشئون الحياتية ينزل نفسه منزلة صاحبه، فما يكرهه لنفسه يكرهه لصاحبه، وما يحب لها يحبه له. فان كان بايعا ينزل نفسه منزلة المشتري، وان كان اشترى شيئا ينزلها منزلة البائع، وان كان قاضيا يحسب نفسه متهما والمتهم قاضيا، وان كان متهما يحسب كونه قاضيا والقاضي متهما، وهكذا ان كان مدعيا على أحد ينزل نفسه منزلة المدعى عليه، وان كان يدعى عليه ينزل نفسه منزلة المدعى، وقس على ذلك. فإذا كان أفراد المجتمع كلهم يعرف هذا، واستحكمت بينهم هذه الرابطة لن يحتاجوا إلى ما يحتاجون إليه اليوم من سلطان القوى القهرية، وانتظم جل أمورهم بدون ذلك. وإذا استقامت هذه الرابطة واجتمعت مع فكرة المساواة والايثار والتوجه في جميع ذلك إلى الله بحيث لا ينسى ذكره في أي واحد منها يصير الاجتماع اجتماعا الهيا والحياة حياة طيبة سعيدة نائية عن الفساد والتبار، وفي ضوء ذلك تبرز الاستعدادات وتبلغ النفوس إلى رشدهم المقدر لهم. وهذا هو الوجه في كون الامور المذكورة في الخبر أشد فروض الله تعالى علينا.

٨٨

 ٥ - أخبرني أبونصر محمّد بن الحسين البصير المقري قال: حدثنا أبوعبدالله الاسدي(١) قال: حدثنا جعفر بن عبدالله بن جعفر العلوي المحمّدي قال: حدثنا يحيى بن هاشم الغساني(٢) قال: حدثنا غياث بن إبراهيم قال: حدثنا جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علمت سبعا من المثاني(٣) ، ومثلت لي أمتي [ في الطين ] حتّى نظرت إلى صغيرها وكبيرها، ونظرت في السماوات كلها، فلما رأيت رأيتك يا علي [ ف‍ ] استغفرت لك ولشيعتك إلى يوم القيامة.

____________________________

(١) يحتمل كونه أبا عبدالله الحسين بن عبيدالله الزراري الاتى.

(٢) عنونه الخطيب في تاريخه تحت رقم ٧٤٧٩ بعنوان يحيى بن هاشم بن كثير بن قيس الغساني أبوزكريا السمسار.

وراويه جعفر بن عبدالله رأس المدرى ابن جعفر الثاني بن عبدالله بن جعفر بن محمّد (عليه‌السلام ).

(٣) المثاني من التثنية، وسبع من المثاني هي فاتحة الكتاب وهي سبع آيات منها بسم الله الرحمن الرحيم، وانما سميت المثاني لانها تثنى في الركعتين، كما هو المروي عن أئمتنا المعصومين سلام الله عليهم. وفي التوحيد والعياشي والقمى عن الباقرعليه‌السلام : نحن المثاني التي أعطاها الله نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله . قال الصدوق (ره): أي نحن الّذين قرننا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا وأخبر أمته أنا لا نفترق حتّى نرد حوضه.

٨٩

 ٦ - قال: أخبرني أبونصر محمّد بن الحسين المقري قال: حدثنا أبوعبدالله الحسين بن عبيدالله الزراري قال: حدثنا أبوعبدالله جعفر بن عبدالله العلوي المحمّدي قال: حدثنا يحيى بن هاشم الغساني قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن معاذ بن رفاعة(١) ، عن شهر بن حوشب قال: سمعت أبا امامة الباهلي يقول: والله لا يمنعني مكان معاوية أن أقول الحق في عليعليه‌السلام ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: علي أفضلكم، وفي الدين أفقهكم، وبسنتي أبصركم، ولكتاب الله أقرؤكم. اللهم إني أحب عليا فأحبه، اللهم إني أحب عليا فأحبه.

٧ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن محمّد البصري البزاز قال: حدثنا أبوبشر أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي(٢) قال: حدثنا عبد الجبار قال: حدثنا سفيان، عن الوليد بن كثير، عن ابن الصياد(٣) ،

____________________________

(١) هو وراويه اسماعيل وشيخه شهر بن حوشب معنونون في تهذيب التهذيب.

(٢) هو أبويعلى الساجي البصري، والنسبة إلى الساج: خشب معروف يصنعه ويبيعه، فقيه سكن بغداد ومات ٣٠٧، ويروى عن عبد الجبار بن العلاء البصري، عن سفيان بن عيينة، عن الوليد بن كثير أبي محمّد المدني المخزومي. ويروى عنه أبوبشر أحمد بن ابراهيم بن أحمد مستملى أبي أحمد الجلودي الاتي ذكره في الخبر الثامن وله كتاب محن الانبياء والاوصياء والاولياء، وغير ذلك كما في فهرست ابن النديم.

(٣) في بعض النسخ « أبى الصياد » والصواب ظاهرا « ابن الضبار » وكان من أصحاب زيد.

٩٠

عن سعيد بن المسيب قال: لما قبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ارتجت(١) مكة بنعيه، فقال أبوقحافة: ماهذا ؟ قالوا: قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . قال: فمن ولي الناس بعده ؟ قالوا: إبنك، قال: فهل رضيت بنو عبد شمس وبنو المغيرة(٢) ؟ قالوا: نعم، قال: لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع الله، ما أعجب هذا الامر، تنازعون النبوة، وتسلمون الخلافة، إن هذا لشئ يراد(٣) .

٨ - قال: أخبرني أبونصر محمّد بن الحسين قال: حدثني أبوعلي أحمد بن محمّد الصولي(٤) قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي قال: حدثنا الحسين ابن حميد قال: حدثنا مخول بن إبراهيم قال: حدثنا صالح بن أبي الاسود قال: حدثنا محفوظ بن عبيدالله(٥) ، عن شيخ من أهل حضرموت(٦) ،

____________________________

(١) اي اهتز وتحرك، والنعى: الاخبار بالموت.

(٢) لعل المراد ببني عبد شمس بنوامية، وببني المغيرة بنو المغيرة بن عبدالله بن عمرو المخزومى الّذي فيه بيت بني مخزوم، وعددهم: هشام، والوليد، وأبو حذيفة، وأبو أمية ووو، ومن أولاد هشام أبوجهل. ويحتمل المراد بهما أولاد الحارث بن عبد المطلب بن هاشم عبد شمس بن الحارث والمغيرة بن الحارث.

(٣) قال العلامة المجلسي (ره): اي ما أعجب منازعة بني عبد شمس وبني المغيرة في النبوة الحقة وتسليمهم الخلافة الباطلة، « ان هذا لشئ يراد » أي هذا الامر من ريب الزمان يراد بنا فلا مرد له، أو أن تولى أمر الخلافة شئ يتمنى أو يريده كل أحد، أو أن دينكم يطلب ليؤخذ منكم كما قيل في الاية، والاخير هنا أبعد.

(٤) هو أحمد بن محمّد بن جعفر الصولى بغدادي سكن الاهواز في آخر عمره وقال الخطيب: أظنه مات بها. وأبو أحمد عبد العزيز بن يحيى بن احمد الجلودى كان شيخ أهل البصرة وثقه النجاشي.

(٥) لم نجده بهذه النسبة وانما في الرجال « محفوظ بن عبدالله » وبقية رجال السند مذكورة في تاريخ بغداد.

(٦) حضر موت بالفتح ثم السكون وفتح الراء والميم اسمان مركبان: ناحية واسعة في شرقي عدن، بقرب البحر، وحولها رمال كثيرة تعرف بالاحقاف. وقيل: هو مخلاف باليمن (المراصد). والمخلاف الكورة من البلاد ومنه مخاليف اليمن.

٩١

عن محمّد ابن الحنفية عليه الرحمة قال: بينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يطوف بالبيت إذا رجل متعلق بالاستار وهو يقول: « يا من لا يشغله سمع عن سمع، يا من لا يغلطه السائلون(١) ، يا من لا يبرمه إلحاح الملحين(٢) ، أذقني برد عفوك، وحلاوة رحمتك »، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : هذا دعأوك ؟ قال له الرجل: وقد سمعته ؟ قال: نعم، قال: فادع به في دبر كل صلاة، فوالله ما يدعو به أحد من المؤمنين في أدبار الصلاة إلا غفر الله له ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء وقطرها، وحصباء الارض وثراها(٣) . فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن علم ذلك عندي، والله واسع كريم. فقال له الرجل وهو الخضرعليه‌السلام : صدقت والله يا أمير المؤمنين، ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ(٤) .

وصلّى الله على سيدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين.

المجلس الحادى عشر

مجلس يوم الاثنين لسبع خلون من رجب سنة سبع وأربعمائة

 حدثنا الشيخ المفيد أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله تأييده في مسجده بدرب رياح في هذا الشهر

 ١ - قال: أخبرني أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي قال: حدثنا الفضل بن

____________________________

(١) أغلطه: أوقعه في الغلط.

(٢) أبرمه: أمله وأضجره. والالحاح: الاصرار والتشديد في السؤال.

(٣) الحصباء: الحصى وهو صغار الحجارة، والواحدة حصبة. والثرى: الندى ورطوبة الارض.

(٤) يوسف: ٧٦.

٩٢

الحباب الجمحي(١) قال: حدثنا مسلم بن عبدالله البصري قال: حدثني أبي قال: حدثنا محمّد بن عبد الرحمن النهدي قال: حدثنا شعبة(٢) ، عن سلمة بن كهيل، عن حبة بن العرني قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: إني أخشى عليكم اثنتين: طول الامل، واتباع الهوى. فأما طول الامل فينسى الآخرة، وأما اتباع الهوى، فيصد عن الحق، وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، والآخرة قد جاءت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا. فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل(٣) .

٢ - قال: أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن قال: حدثني أبي، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن داود بن فرقد، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام قال: إن فيما ناجى الله به موسى بن عمرانعليه‌السلام أن يا موسى ما خلقت خلقا هو أحب إلي. من عبدي المؤمن، وإني إنما أبتليه لما هو خير له [ وأزوي(٤) عنه ما يشتهيه لما هو خير له، وأعطيه لما هو خير له ](٥) وأنا أعلم بما يصلح عبدي، فليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي، وليرض

____________________________

(١) هو الفضل بن الحباب أبوخليفة الجمحي، عنونه أبونعيم في تاريخ اصبهان وقال: قدم اصبهان وكتب عن أبى مسعود. وأما مسلم بن عبدالله ففي هذه الطبقة مسلم بن عبدالله بن مكرم أبوعبدالله المؤدب خراساني الاصل فان كان هو فهو مترجم في تاريخ الخطيب ج ١٣ ص ١٠٥ والا فلم نعثر عليه فيما عندنا من كتب الرجال.

(٢) أي شعبة بن الحجاج بن الورد العتكى الازدي مولاهم.

(٣) يأتي أيضا بسندين آخرين في المجلس الثالث والعشرين والملجس الحادى والاربعين.

(٤) زويت الشئ: قبضته وجمعته.

(٥) ما بين المعقوفين ليس في البحار وواحدة من الخطية أصلا واستدركه نسختان من الخطية، والظاهر وجوده في الاصل كما يظهر من الكافي والتوحيد والتمحيص.

٩٣

بقضائي، أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل بما يرضيني، واطاع أمري.

٣ - قال: أخبرني أبوعبيدالله محمّد بن عمران المرزباني قال: حدثنا أبوبكر أحمد بن محمّد بن عيسى المكي(١) قال: حدثنا الشيخ الصالح أبوعبد الرحمن عبدالله بن محمّد بن حنبل قال: أخبرت عن عبد الرحمن بن شريك، عن أبيه قال: حدثنا عروة بن عبدالله بن قشير الجعفي(٢) قال: دخلت على فاطمة بنت عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وهي عجوز كبيرة، وفي عنقها خرز [ ة ]، وفي يدها مسكتان(٣) ، فقالت: يكره للنساء أن يتشبهن بالرجال، ثم قالت: حدثتني أسماء بنت عميس قالت: أوحى الله إلى نبيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فتغشاه الوحي فستره عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه بثوبه حتّى غابت الشمس، فلما سري عنهعليه‌السلام (٤) قال: يا علي ما صليت العصر ؟ قال: لا يارسول الله شغلت عنها بك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم اردد الشمس على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقد كانت غابت، فرجعت حتّى بلغت الشمس حجرتي ونصف المسجد.

٤ - قال: أخبرني أبوحفص عمر بن محمّد الصيرفي قال: حدثنا أبوعلي محمّد بن همام الكاتب الاسكافي(٥) قال: حدثنا محمّد بن القاسم المحاربي قال:

____________________________

(١) عنونه الخطيب في التاريخ، ونقل عن الدارقطني أنه قال: لا بأس به. وشيخه أبوعبد الرحمن عبدالله بن محمّد بن أحمد بن حنبل البغدادي عنونه ابن حجر في تهذيب التهذيب وأطراه.

(٢) هو عروة بن عبدالله بن قشير بالقاف والمعجمة، مصغرا الجعفي أبومهل بفتح الميم والهاء وتخفيف اللام ثقة (التقريب). وصحف في النسخ ب‍ « عروة بن عبيدالله بن بشير الجعفي ». وفي الجامع: « عروة بن عبدالله بن بشير ».

(٣) الخرز بفتحتين: ما ينظم في السلك من الجذع والودع، والواحدة « خرزة ». والمسكة بالتحريك: السوار والخلخال.

(٤) أي زال عنه بالبناء المجهول.

(٥) محمّد بن همام بن سهيل بن بيزان أبوعلى الكاتب الاسكافي أحد شيوخ الشيعة الامامية، وكان رحمه الله كثير الحديث، جليل القدر، ثقة، له منزلة عظيمة. عنونه الشيخ والعلامة في رجاليهما، وقال الخطيب في تاريخ بغداد: مات أبوعلي محمّد بن همام بن سهيل في جمادى الاخرة سنة ٣٣٢، وكان يسكن سوق العطش ودفن في مقابر قريش. وهو يروى عن محمّد بن القاسم بن زكريا المحاربي أبي عبدالله الكوفى السوداني.

٩٤

حدثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي قال: حدثنا محمّد بن عليّ(١) ، عن محمّد ابن الفضيل الازدي، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.

٥ - قال: أخبرني أبوالحسن عليّ بن محمّد الكاتب قال: أخبرني الحسن بن عليّ الزعفراني قال: أخبرني إبراهيم بن محمّد الثقفي قال: أخبرنا أبوإسماعيل العطار قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن أبي الاسود(٢) ، عن عروة بن الزبير قال: لما بايع الناس أبا بكر خرجت فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فوقفت على بابها وقالت: ما رأيت كاليوم قط، حضروا أسوء محضر، تركوا نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة بين أظهرنا واستبدوا بالامر دوننا.

٦ - قال: أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب الخزاز، عن

____________________________

(١) هو محمّد بن عليّ أبوسمينة الصيرفي، ولم نعثر على عنوان راويه في التراجم الا أن في الفقيه باب طلاق الحامل: اسماعيل بن اسحاق، عن محمّد بن عليّ الصيرفي.

(٢) تقدم أن المراد بابن لهيعة عبدالله بن لهيعة بن عقبة أبوعبد الرحمن المصرى، وأما أبوالأسود فهو محمّد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الاسود المدنى. وأما أبوإسماعيل العطار فلم نجده بهذا العنوان ولا يبعد كونه أبا اسحاق اسماعيل بن عيسى العطار المعنون في تاريخ بغداد وفهرست ابن النديم الّذي هو صاحب كتاب الفتوح، والجمل، وصفين، والولاية، والفتن، وغيرها.

٩٥

محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام قال: أما إنه ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب إلا شئ أخذوه منا أهل البيت، ولا أحد من الناس يقضي بحق ولا عدل إلا ومفتاح ذلك القضاء وبابه وأوله وسننه(١) أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . فإذا اشتبهت عليهم الامور كان الخطأ من قبلهم إذا أخطأوا، والصواب من قبل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إذا أصابوا.

٧ - قال: حدثنا أبوالطيب الحسين بن محمّد التمار(٢) بجامع المنصور في المحرم سنة سبع وأربعين وثلاثمائة قال: حدثنا أبوبكر محمّد بن القاسم الانباري قال: حدثنا أحمد بن يحيى(٣) قال: حدثنا ابن الاعرابي، عن حبيب بن بشار، عن أبيه(٤) قال: حدثني عليّ بن عاصم، عن الشعبي قال: لما وفد شداد بن أوس(٥) على معاوية بن أبي سفيان أكرمه، وأحسن قبوله، ولم يعتبه

____________________________

(١) السنن مثلثة السين المهملة: الطريقة، ومن الطريق: نهجه وجهته ومعظمه.

(٢) الظاهر هو الحسين بن عليّ بن محمّد أبوالطيب التمار النحوي المعنون في في تاريخ الخطيب والنسبة إلى الجد. وكأن السند معلق أو في أوله سقط لان المفيد رحمه الله ولد في آخر سنة ٣٣٦ وحينذاك ابن عشر سنين والتحمل في هذا السن غريب وان لم يغرب في مثل هذا الشيخ رضوان الله عليه.

(٣) هو أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار أبوالعباس النحوي الشيباني مولاهم المعروف بثعلب، امام الكوفيين في النحو واللغة، وشيخه محمّد بن زياد ابن الاعرابي مولى بني هاشم صاحب اللغة.

(٤) كأن المراد بن بشار بن موسى أبوعثمان الخفاف فانه يروى عمن في طبقة على بن عاصم الواسطي عن الشعبى. ولعل حبيب بن بشار المعنون في منهج المقال هو ابنه. والعلم عند الله تعالى.

(٥) شداد بن أوس بن ثابت الانصاري، أبويعلى، صحابي، مات بشام قبل الستين أو بعدها، وهو ابن أخي حسان بن ثابت (التقريب). وقال في التهذيب: قال ابن حبان: قبره ببيت المقدس ومات سنة ٥٨.

٩٦

على شئ كان منه، ووعده ومناه. ثم إنه أحضره في يوم حفل(١) فقال له: يا شداد قم في الناس واذكر عليا وعبه لاعرف بذلك نيتك في مودتي. فقال له شداد: أعفني من ذلك، فإن عليا قد لحق بربه، وجوزي بعمله، وكفيت ما كان يهمك منه، وانقادت لك الامور على إيثارك، فلا تلتمس من الناس ما لا يليق بحلمك. فقال له معاوية: لتقومن بما أمرتك به وإلا فالريب فيك واقع. فقام شداد فقال: الحمد لله الّذي فرض طاعته على عباده، وجعل رضاه عند أهل التقوى آثر من رضا خلقه. على ذلك مضى أولهم، و عليه يمضي آخرهم. أيها الناس ! إن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر، وإن الدنيا أجل حاضر يأكل منها البر والفاجر، وإن السامع المطيع لله لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لا حجة له، وإن الله إذا أراد بالعباد خيرا عمل عليهم صلحاءهم، وقضى(٢) بينهم فقهاءهم، وجعل المال في أسخيائهم. وإذا أراد بهم شرا عمل عليهم سفهاءهم، وقضى بينهم جهلاءهم، وجعل المال عند بخلائهم، وإن من صلاح الولاة أن يصلح قرناؤها. ونصحك يا معاوية من أسخطك بالحق، وغشك من أرضاك بالباطل، وقد نصحتك بما قدمت، وما كنت أغشك بخلافه. فقال له معاوية: اجلس يا شداد، فجلس، فقال له: إني قد أمرت لك بمال يغنيك، الست من السمحاء الّذين جعل الله المال عندهم لصلاح خلقه ؟ ! فقال له شداد: إن كان ما عندك من المال هو لك دون ما للمسلمين فعمدت لجمعه مخافة تفرقه فأصبته حلالا وأنفقته حلالا، فنعم، وإن كان مما شاركك

____________________________

(١) الحفل: الجمع، يقال عنده حفل من الناس.

(٢) عمله من باب التفعيل: جعله عاملا أو حاكما. وقضى فلانا: جعله قاضيا.

٩٧

فيه المسلمون فاحتجبته دونهم فاصبته اقترافا(١) وأنفقته إسرافا، فإن الله جل اسمه يقول: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ(٢) فقال معاوية: أظنك قد خولطت(٣) يا شداد ! أعطوه ما أطلقناه له(٤) ليخرج إلى أهله قبل أن يغلبه مرضه. فنهض شداد وهو يقول: المغلوب على عقله بهواه سواي، وارتحل ولم يأخذه من معاوية شيئا.

٨ - قال: أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر الباقر محمّد بن عليّعليهما‌السلام قال: في كتاب أمير المؤمنينعليه‌السلام : ثلاث خصال لا يموت صاحبهن حتّى يرى وبالهن: البغي، وقطيعة الرحم، واليمين الكاذبة. وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، إن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمى أموالهم، ويثرون(٥) ، وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم تدع الديار بلاقع من أهلها(٦) .

وصلّى الله على سيدنا محمّد النبيّ وآله وسلم تسليما

____________________________

(١) الاقتراف: الاكتساب.

(٢) الاسراء: ٢٧.

(٣) خولط في عقله: اضطرب عقله واختل. وهذا الكلام فرية بلا مرية من ذي عناد وغباوة، والحق أنه ما خولط في عقله بل خالطه أمر عظيم وهو الخوف الشديد من الله تعالى حتّى منعه أن يقول غير الحق.

(٤) طلق الشئ فلانا: أعطاه اياه.

(٥) أثرى اثراء: كثر ماله فهو ثرى ومثر وأثرى.

(٦) « تدع » كذا في النسخ، والقياس « تدعان » وفي الكافي « ليذران ». والبلقع والبلقعة: الارض القفر، والجمع: بلاقع كمساجد. راجع لشرح الخبر « البحار » ج ٧٤ ص ٩٩ و ١٣٤.

٩٨

المجلس الثاني عشر

مجلس يوم السبت الثاني عشر من رجب سنة سبع وأربعمائة سماعي

حدثنا الشيخ الجليل أبوعبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله تأييده

 ١ - قال: أخبرني أبوحفص عمر بن محمّد الصيرفي قال: حدثنا أبوالحسن علي ابن مهرويه القزويني سنة اثنتين وثلاثمائة قال: حدثنا داود بن سليمان الغازي(١) قال: حدثنا عليّ بن موسىعليهما‌السلام ، عن أبيه العبد الصالح موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر محمّد بن علي، عن أبيه زين العابدين علي ابن الحسين، عن أبيه الشهيد الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أفضل الاعمال عند الله إيمان لا شك فيه، وغزو لاغلول(٢) فيه، وحج مبرور. وأول من يدخل الجنة عبد مملوك أحسن عبادة ربه(٣) ، ونصح لسيده، ورجل عفيف متعفف ذوعبادة.

٢ - قال، أخبرني أبوالحسن أحمد بن محمّد بن الحسن قال: حدثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن

____________________________

(١) داود بن سليمان الغازي الظاهر كونه داود بن سليمان بن جعفر أبا أحمد القزويني المعنون في تدوين الرافعي، وراويه أيضا أبا الحسن على بن محمّد بن مهرويه القزويني، وقال الخطيب: قدم بغداد وحدث بها عن يحيى بن عبدك القزويني و داود بن سليمان الغازي نسخة عن عليّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام .

(٢) قال الجزري: قد تكرر ذكر « الغلول » في الحديث، وهو الخيانة في المغنم، والسرقة من الغنيمة قبل القسمة، وسميت غلولا لان الايدي فيها مغلولة، أي ممنوعة مجعول فيها غل.

(٣) في صحيفة الرضا (عليه‌السلام ) « وأول من يدخل الجنة شهيد وعبد مملوك الخ » وتمام الخبر كما في البحار: « وأول من يدخل النار أمير متسلط لم يعدل، وذو ثروة من المال لم يعط المال حقه، وفقير فخور ».

٩٩

حديد بن حكيم الازدي(١) قال: سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول: اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع، وقووه بالتقية والاستغناء بالله عزّوجلّ عن طلب الحوائج إلى صاحب سلطان الدنيا، واعلموا أنه من(٢) خضع لصاحب سلطان الدنيا أو من يخالفه في دينه طلبا لما في يديه من دنياه أخمله الله ومقته عليه(٣) ووكله إليه، فإن هو غلب على شئ من دنياه فصار إليه منه شئ نزع الله البركة منه، ولم يؤجره على شئ ينفقه منه في حج ولا عتق ولا بر.

____________________________

(١) هو أبوعلى المدائني ثقة وجه متكلم روى عن أبى عبدالله وأبى الحسنعليهما‌السلام .

(٢) في ثواب الاعمال: « أيما مؤمن خضع ».

(٣) خمل ذكره أو صوته: خفى وضعف، وأخمله جعله خاملا. ومقته: أبغضه أشد البغض. وضمير « عليه » راجع إلى عمله أي يبغضه الله على هذا العمل القبيح و الفعل الشنيع، والخبر يدل على وجوب الاجتناب عن اتيان أبواب السلاطين والدخول عليهم والحشر معهم خوفا من أن يكون ذلك عونا لهم على آثامهم وإذا كان كذلك فلا شبهة في حرمته لقوله تعالى « ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ». و « روى في المناقب عن علي ابن أبى حمزة قال: كان لي صديق من كتاب بني أمية فقال لي: استأذن لي على أبي عبدالله (عليه‌السلام )، فاستأذنت له، فلما دخل سلم وجلس ثم قال: جعلت فداك اني كنت في ديوان هؤلاء القوم، فأصبت من دنياهم مالا كثيرا وأغمضت في مطالبه، فقال أبوعبدالله (عليه‌السلام ): لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبى لهم الفئ ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئا الا ما وقع في أيديهم الخبر » ويستفاد منه أيضا أن اتيانهم لابلاغ حاجة من لا يستطيع ابلاغ حاجته إليهم لا لاصابة شئ منهم لنفسه جايز بل هو اولى. « روى الديلمى عن الرضاعليه‌السلام قال: ان لله بأبواب السلاطين من نور الله سبحانه وتعالى وجهه بالبرهان ومكن له في البلاد، ليدفع عن أوليائه، ويصلح به أمور المسلمين، إليه يلجأ المؤمنون من الضرر، ويفزع ذو الحاجة من شيعتنا الخ ».

١٠٠