أبعاد النهضة الحسينية

أبعاد النهضة الحسينية0%

أبعاد النهضة الحسينية مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 181

أبعاد النهضة الحسينية

مؤلف: عباس الذهبي
تصنيف:

الصفحات: 181
المشاهدات: 52482
تحميل: 4911

توضيحات:

أبعاد النهضة الحسينية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 181 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52482 / تحميل: 4911
الحجم الحجم الحجم

صنع بك؟! قال برير: صنع اللّه - واللّه - بي خيرا، وصنع اللّه بك شّرا! قال يزيد بن معقل: كذبت وقبل اليوم ما كنت كذّابا »(١) .

فهو ينسب الكذب لأحد أقطاب جبهة الحسينعليه‌السلام مع اعترافه الصريح بأنّه معروف بالصدق وما كان كذّابا! والأغرب من ذلك أنّ علي ابن قرظة كان في جبهة عمر بن سعد، وقد استشهد شقيقه عمرو بن قرظة الأنصاري في جبة الحسينعليه‌السلام ، فساءه ذلك، « فنادي، يا حسين! يا كذّاب ابن الكذّاب! أضللت أخي وغررته حتى قتلته؟! قال الحسينعليه‌السلام : إنّ اللّه لم يضلّ أخاك، ولكنّه هدى أخاك وأضلّك! قال: قتلني اللّه إن لم أقتلك أو أموت دونك! فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه فصرعه »(٢) . فهو ينسب الكذب للحسينعليه‌السلام ريحانة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

زد على ذلك أنّ ابن زياد لما أُدخل عليه عيال الحسينعليه‌السلام خاطب زينبعليها‌السلام بالقول: « الحمد للّه الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أُحدوثتكم. فقالت زينب: الحمد للّه الذي أكرمنا بنبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وطهّرنا من الرجس تطهيرا، وإنّما يفتضح الفاسق ويكذبُ الفاجر، وهو غيرنا »(٣) . وبذلك ألقمته حجرا.

٣ - اللّعن والسّباب وكيل الاتهامات:

وهي سياسة أموية عريقة سنَّها معاوية في خلافه مع الإمام عليعليه‌السلام

__________________

(١) مقتل أبو مخنف: ٢٢١، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم.

(٢) المصدر السابق: ٢٢٣.

(٣) الإرشاد ٢: ١١٥.

١٢١

عندما اتهم علياعليه‌السلام بتفريق كلمة المسلمين، وأمر عمّاله بسبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام على المنابر حتى وصل الأمر بمعاوية أنه قتل أُناسا لم يطيعوه في لعنه واتهامه لعليعليه‌السلام ، ولم يكتفِ بذلك، بل أخذ ينتحل الأحاديث القادحة في عليعليه‌السلام وصحبه الأبرار. وتوجد شواهد كثيرة على هذا الأسلوب الإعلامي غير الأخلاقي منها: لما ألقى ابن زياد القبض على مسلم بن عقيلعليه‌السلام أخذ يكيل له الاتهامات، ويُمطره بوابل من الشتائم وبكل ما يُشين قال له: « أخبرني يا مسلم، بماذا أتيت هذا البلد وأمرهم ملتئم، فشتت أمرهم بينهم، وفرقت كلمتهم؟ فقال مسلمعليه‌السلام : ما لهذا أتيت، ولكنكم أظهرتم المنكر، ودفنتم المعروف، وتأمرتم على الناس بغير رضى منهم، وحملتموهم على غير ما أمركم اللّه به، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهى عن المنكر، وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنّة، وكنّا أهل ذلك »(١) . وبذلك أبطل جميع مزاعمه، وردّ الحق إلى نصابه، بأسطر قليلة لخّص فيها دواعي ثورة الحسين العظيمة.

٤ - التظاهر بالحق وقلب الحقائق:

الدعاية اليزيدية جمعت كيدها وحصرت همها من أجل قلب الحقائق الناصعة، التي دفعت بالإمام الحسينعليه‌السلام إلى إعلان ثورته، فقد اتبعت هذه الدعاية المغرضة وسيلة للتضليل الديني، فأخذت تعزف على نغمة: أن الحسين قُتل بسيف جدّه(٢) ، بدعوى أنه فرّق الأمة وخلق الفتنة، ويريد

__________________

(١) اللهوف: ٣٦.

(٢) انظر: خلاصة عبقات الأنوار / السيد حامد النقوي ٤: ٢٣٧، مؤسسة البعثة

١٢٢

هؤلاء من هذا الإدعاء بأن ما لاقاه الحسينعليه‌السلام من قتل وابتلاء هو من صنع اللّه! ..هذا المنطق الذي يطمس الحقائق بصورة صارخة، قد ظهر جليّا من خلال خطب الطاغية يزيد وواليه ابن زياد سواء في الكوفة أو الشام.

يقول المؤرخون: « جلس ابن زياد في القصر الأميري وأذن للناس عموما، وجيء برأس الحسينعليه‌السلام فوضع بين يديه، واُدخل نساء الحسينعليه‌السلام وصبيانه إليه، فجلست زينب بنت عليعليه‌السلام متنكرة، فسأل عنها فقيل: زينب بنت عليعليه‌السلام ، فأقبل إليها، فقال: الحمد للّه الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم. فقالت: إنما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا. فقال ابن زياد: كيف رأيت صنع اللّه باخيك وأهل بيتك؟ - لاحظ التزييف الديني، فقد نسب ما اقترفته يده الآثمة إلى اللّه! - فقالت: ما رأيت إلاّ جميلاً، هؤلاء قوم كتب عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع اللّه بينك وبينهم فتُحاجّ وتُخاصم »(١) .

والآن فلنترك الكوفة ونذهب إلى الشام، فنجد يزيد قد وضع رأس الحسينعليه‌السلام أمامه، وجعل ينكث ثنايا الحسينعليه‌السلام بقضيب خيزران! أثار هذا الموقف زينبعليها‌السلام حينما لم تجد أحداً يردّ عليه، فوقفت تقذفه بحمم الحق، ووضعت الأمور في نصابها الصحيح، فقالت له ضمن ما قالت:

__________________

/ قسم الدراسات الإسلامية، - ١٤٠٦ ه. فيض القدير شرح الجامع الصغير / المناوي ١: ٢٦٥، و٥: ٣١٣، ط ١ - ١٤١٥ه، دار الكتب العلمية، بيروت.

(١) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ١١٥. ومثير الأحزان / ابن نما الحلي: ٧١، تاريخ الطبري ٤: ٣٤٩، البداية والنهاية / ابن كثير ٨: ٢١، مقتل الحسين / أبو مخنف: ٩٤.

١٢٣

« أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تُساق الأُسراء أن بنا هوانا على اللّه وبك عليه كرامة، وأن ذلك لعظم خطرك عنده؟! فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوثقة، والأمور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلاً مهلاً، أنسيت قول اللّه تعالى:( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ ِلأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (١) »(٢) .

ثم دعت الناس - ضمنيا - إلى التقييم السليم للمواقف والأشخاص من خلال التفريق بين أولاد الأنبياء وأبناء الطلقاء أقرأ المقطع الآخر من هذه الخطبة البليغة، الذي وجّهت فيه زينبعليها‌السلام سياط كلماتها إلى الطاغية يزيد، فذكّرته بأنه من أبناء الطلقاء الذين أطلقهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتح مكة قالت له: «أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا، قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ، تحدوا بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد والدني والشريف، ليس معهنّ من رجالهنّ ولي ولا من حماتهنّ حمي! وكيف يُرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأولياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء؟! - إلى أن تقول -: ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب اللّه النجباء بحزب

__________________

(١) سورة آل عمران: ٣ / ١٧٨.

(٢) اللهوف: ١٠٥.

١٢٤

الشيطان الطلقاء »(١) .

وتجدر الإشارة إلى أن علي بن الحسينعليهما‌السلام قد قام بدور إعلامي كبير، فضح فيه أسلوب التضليل ووضع النقاط على الحروف، فدحض أباطيلهم وأظهر بلسان الحال والمقال زيفهم ونفاقهم.

ولسبايا أهل البيت دور في كشف الحقائق، فمن المعروف أن كلّ ثورة تستلزم ساعدا ولسانا، ودما ورسالة، عملاً وإعلاما. وخطب زينب والسجادعليهما‌السلام والبقية الباقية من واقعة كربلاء أثناء سبيهم، كان لها دور مهم في فضح حقيقة العدو وإفشال إعلامه الكاذب، وتوعية الناس على حقيقة الثورة وماهية شخصية أبي عبد اللّهعليه‌السلام وشهداء الطف، وهذا ما جعل الأمويين عاجزين عن إسدال الستار على جرائمهم أو محوها من الأذهان.

بقي علينا أن نشير إلى أن الرأي العام الإسلامي قد انقلب ضد الاُمويين بعد شهادة الإمام الحسينعليه‌السلام بعد أن تبين للداني والقاصي زيف وخداع البراقع الدينية التي تستر بها هؤلاء من أجل خداع الآخرين، علما بأن أنصار الحسينعليه‌السلام قد اكتشفوا بصورة مبكرة زيف الدعاية اليزيدية، فقد خاطب نافع ابن هلال الجملي شمر بن ذي الجوشن القائد اليزيدي بهذه الكلمات المعبّرة: « أما واللّه أن لو كنت من المسلمين لعظُم عليك أن تلقى اللّه بدمائنا، فالحمد للّه الذي جعل منايانا على يدي شِرار

__________________

(١) اللهوف: ١٠٦.

١٢٥

خلقه »(١) .

جدير بالذكر أن التزييف المذكور وقلب الحقائق لم يكشفه أنصار الحسينعليه‌السلام فحسب، بل تعداهم بعد ذلك إلى سائر المسلمين، وخاصة في الكوفة والشام، وذلك بعد أن تبين للمسلمين بأن الدّين مجرد مضغة بين أسنان اليزيديين يلوكونها في إعلامهم من أجل البقاء في السلطة، ولو استدعى الأمر إلى قتل عترة النبي وسبي حريمهم، ومن أجل ذلك عبَّر الرأي العام الإسلامي عن استنكاره وغضبه لتلك الجرائم البشعة، وشجبه لتلك الأساليب الخسيسة، ظهر ذلك في موقف زيد بن أرقم من أصحاب رسول اللّه عندما رأى ابن زياد ينكث ثنايا رأس الحسينعليه‌السلام حين وضعه أمامه في اُجانة، فصاح به مغضبا: « ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فواللّه الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهما ما لا أُحصيه كثرةً تقبلهُما، ثمّ انتحب باكيا. فقال له ابن زياد: أبكى اللّه عينيك، أتبكي لفتح اللّه؟ - لاحظ التزيف - واللّه لولا أنّك شيخ قد خَرِفْتَ وذهب عقلك لضربتُ عنقك »(٢) .

كما ظهر ذلك أيضا في موقف عفيف الأزدي الذي وقف كالجبل الشامخ، فردّ على ابن زياد الذي أراد أن يتظاهر بالحق ويقلب الحقائق

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦: ٢٣٩، حوادث سنة إحدى وستين.

(٢) الإرشاد ٢: ١١٤، الأمالي / الشيخ الطوسي: ٢٥٢، المناقب ٣: ٢٦١، فتح الباري شرح صحيح البخاري / ابن حجر العسقلاني ٧: ٧٥، دار المعرفة، بيروت ط ٢، الأخبار الطوال / الدينوري: ٢٦٠، تاريخ دمشق / ابن عساكر ٤١: ٣٦٥، أسد الغابة / ابن كثير ٥: ٣٨١.

١٢٦

عندما صعد المنبر بعد مقتل الحسينعليه‌السلام فقال: « الحمد للّه الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين وأشياعه، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب، فقام إليه عبداللّه بن عفيف الأزدي فقال: يا عدوّ اللّه، إنّ الكذّاب أنت وأبوكَ، والّذي ولاّك وأبوه، يا ابن مرجانة، تقتل أولاد النبيين وتقوم على المنبر مقام الصِّدِّيقين؟! فقال ابن زياد: عليَّ به، فأخذته الجلاوزة، فنادى بشعار الأزد، فاجتمع منهم سبعمائة رجل فانتزعوه من الجلاوزة، فلمّا كان الليل أرسل إليه ابن زياد مَنْ أخرجه من بيته، فضرب عنقه وصلبه في السَّبخةِرحمه‌الله »(١) .

كما انكشف الزيف اليزيدي لأهل الشام، يشهد بذلك أرباب المقاتل، فقد نقلوا « بأن شاميا نظر إلى فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام فقال ليزيد وكان مخدوعا به: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية؟ فقال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين فقال الشامي - وقد اتضحت له حقيقة الحال -: لعنك اللّه يا يزيد، أتقتل عترة نبيك، وتسبي ذريّته؟! واللّه ما توهّمت إلاّ أنهم سبي الروم. فقال يزيد: واللّه لألحقنّك بهم، ثم أمر به فضربت عنقه »(٢) .

وهكذا انهار صرح الدعاية الأموية الذي بنته على جرف هارٍ من ترهيب وتكذيب ولعن وسباب واتهامات عارية عن الصحة، تعمل على قلب الحقائق وتزييف الوقائع وظهرت الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار، وبقي ذكر الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه يملأ أسماع الدنيا بعد

__________________

(١) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ١١٧.

(٢) اللهوف: ١٠٨ - ١٠٩.

١٢٧

انقشاع الغبار الذي أثاره الإعلام المضاد الذي كان أشبه بسحابة تائهة تأتي لحظة لتغطي ضوء الشمس ثم تذهب سريعا لتعود الشمس بسطوعها وإشراقها.

١٢٨

سادسا: البعد العسكري

كُتب الكثير من البحوث، التي تتناول جوانب مختلفة من واقعة الطف، واحتل الجانب المأساوي منها حيزا كبيرا، لكن الجانب العسكري لم يحتل من تلك المواضيع سوى حيزا يسيرا، ولم يتم التطرق إليه إلاّ بصورة هامشية.

وعلى الرغم من كون واقعة الطف من حيث الأساس انتفاضة عقائدية وثورة مبادئ، إلاّ أنها انتهت بمعركة حربية قد أفرزت على قصرها دروسا قتالية تستحق البحث والدراسة، ونحن في هذه الدراسة الموجزة، نحاول تسليط الأضواء على بعض تلك الدروس والمواقف، وندعو أصحاب الاختصاص العسكري بأن يولوا اهتماما أكبر بالجانب العسكري من واقعة الطف، لكي تستفيد منها الأجيال، وفيما يلي أهم جوانب البعد العسكري:

١ - الموقف العام

وجد الحسينعليه‌السلام نفسه بعد وفاة معاوية وتسلم يزيد ابنه مقاليد السلطة الإسلامية أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما المهادنة والذِّلة، أو المواجهة والتصدّي مع قلّة العدد والعُدة، لكن مع إصرار السلطة الحاكمة

١٢٩

على انتزاع البيعة منه، وبما عُرف عنه من شهامة ومناقبية، اختار المواجهة والثورة ورفع شعارا تعبويا هو: «هيهات منا الذلة »(١) ، وقرر الخروج من المدينة المنورة خوفا على ثورته من أن يُقضى عليها وهي في المهد، وتوجه في أول الأمر إلى مكة المكرمة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين للهجرة، واختار في مسيره الطريق العام، ولم يسلك الطرق الفرعية الوعرة، مما يغلب على الظن بأن الحسينعليه‌السلام كان يبتغي إعلان دعوته على الرأي العام، وهذا الأمر لا يتحقق على الوجه الأكمل لو سلك الطرق الجانبية التي قد تُؤمّن له الاستتار لا غير.

يروي الشيخ المفيدقدس‌سره « أنّ الحسينعليه‌السلام سار إلى مكّة ولزم الطّريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لوتنكّبتَ الطريق الأعظم كما صنع ابن الزبير لئلاّ يلحقك الطّلب؟ فقال:لا واللّه لا أُفارقه حتى يقضي اللّه ما هو قاض »(٢) . وفي رواية أنّهعليه‌السلام قال لهم: «أتخافون الطلب؟ قالوا: أجل! فقال الحسينعليه‌السلام :لن أحيد الطريق حذر الموت »(٣) .

وأيضا سلك الطريق العام لما خرج قاصدا العراق، علما بأنّ السلطات الحاكمة أرادت منعـه من الخروج من مكّة، قالوا: « لمّا خرج من مكّة اعترضه صاحب شرطة أميرها، عمرو بن سعيد بن العاص في جماعة من الجند، فقال: إنّ الأمير يأمرك بالانصراف، فانصرف،

__________________

(١) تحف العقول / الحرّاني: ٥٨ ١٤٠٤ه، الاحتجاج ٢: ٢٤.

(٢) الإرشاد ٢: ٣٥.

(٣) مقتل الحسين / أبو مخنف: ٢٥.

١٣٠

وإلاّ منعتك. فامتنع عليه الحسين، وتدافع الفريقان، واضطربوا بالسياط. وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فخاف أن يتفاقم الأمر، فأرسل إلى صاحب شرطة، يأمره بالانصراف »(١) .

ثم إن عدم اتجاه الإمام الحسينعليه‌السلام إلى العراق بصورة مباشرة - وهو مقصده الرئيسي - وذهابه إلى مكة في موسم الحج، يعطينا قناعة راسخة بأنه يريد إعلان دعوته على الملأ، وخاصة في هذا الوقت الذي يكون عادةً وقتا مناسبا لتجمع الحجيج من كل فجٍّ عميق.

مهما يكن من أمر فانهعليه‌السلام توجه إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين للهجرة، فأقام بها وقضى فيها عدة أشهر: شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة.

ولابدّ من التنويه على أن مكة أصبحت القاعدة الرئيسية للمعارضة ضد السلطة الأموية، وفيها تحصّن عبد اللّه بن الزبير المعارض الثاني للسلطة، وكان بإمكان الإمام أن يتحصّن في مكة، ويستفيد من موقعها الديني المقدس، وطبيعة أرضها الوعرة الصالحة لخوض حرب العصابات، لكن الإمامعليه‌السلام غادرها خوفا على قدسيتها من الدَّنس وخشيةً من إراقة الدماء فيها.

فبادر بالخروج منها قبل أن يبادر الطرف المعادي ويسعى لمحاصرته أو اغتياله، حتى أن الفرزدق الشاعر عندما لاقى الحسينعليه‌السلام في الطريق سأله باستغراب قائلاً له: « ما أعجلك عن الحج؟! فأجابه الحسينعليه‌السلام :

__________________

(١) الأخبار الطوال: ١٨٤.

١٣١

لو لم أعجل لأخذت »(١) .

أما السلطة الأموية، فبعد أن تبين لها بأن الحسينعليه‌السلام - وهو الذي تحسب له ألفَ حساب - قد رفض البيعة وغادر المدينة، ثارت ثائرتها ووضعت قواتها في المدينة ومكة والكوفة في حالة استنفار دائم لمراقبة تحركات الإمام في حلّه وترحاله.

يروي الدينوري: « أنّ يزيدا كتب إلى عبيداللّه بن زياد: قد بلغني أنّ الحسين بن علي قد فصل من مكّة متوجّها إلى ما قبلك، فأدرك العيون عليه، وضع الأرصاد على الطرق، وقم أفضل القيام، غير ألا تقاتل إلاّ من قاتلك، واكتب إليَّ بالخبر فيكلّ يوم »(٢) .

ثمّ إنّ زياد وامتثالاً لأمر يزيد « وجه بالحصين بن نمير - وكان على شرطه - في أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة، وأمره أن يقيم بالقادسية إلى القطقطانة(٣) ، فيمنع من أراد النفوذ من ناحية الكوفة إلى الحجاز إلاّ من كان حاجّا أو معتمرا ومن لا يتّهم بممالاة الحسين »(٤) . وقد اتخذ الحسين القائد مجموعة من التدابير الاحترازية، وهي:

أولاً: الحماية الشخصية: عند لقاء سيّد الشهداءعليه‌السلام بوالي المدينة، الوليد ابن عتبة، بعد موت معاوية، سار اليه وبرفقته جماعة من شبّان بني هاشم وسيوفهم مسلولة ومخفيّة تحت ثيابهم، وأوصاهم بالبقاء خارج

__________________

(١) الإرشاد ٢: ٦٧، مثير الأحزان: ٢٨.

(٢) الأخبار الطوال: ١٨٣.

(٣) موضع بقرب الكوفة.

(٤) الأخبار الطوال: ١٨٣.

١٣٢

الدار، فاذا ارتفع صوت الإمام من الداخل، فعليهم باقتحام الدار والعمل بما أمرهم به.

يروي الشيخ المفيدقدس‌سره « أنّ الوليد - والي المدينة - أنفذ إلى الحسينعليه‌السلام في الليل فاستدعاه، فعرف الحسين الّذي أراد فدعا جماعةً من مواليه وأمرهم بحمل السلاح، وقال لهم: إنّ الوليد قد استدعاني في هذا الوقت، ولستُ آمن أن يكلّفني فيه أمرا لا أجيبه إليه، وهو غير مأمون، فكونوا معي، فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه منَّي »(١) .

ولم يكن هذا التدبير الوقائي إلاّ احترازا من أي خطر أو سوء قد يبديه الوليد، وذكروا أنّ المرافقين له بلغ عددهم ثلاثين شخصا(٢) .

ثانيا: استطلاع التحركات المعادية: لمّا سار أبو عبد اللّهعليه‌السلام مع عياله وأتباعه من المدينة إلى مكّة، أبقى أخاه محمد بن الحنفية في المدينة كعين استطلاعية لموافاته بأيّ تحرّك من جانب السلطة، واطلاع الإمام على ما يجري في المدينة، قائلاً له: « أمّا أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم في المدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخف عليّ شيئا من اُمورهم »(٣) .

ثالثا: إفشال محاولة الاغتيال: « بلغ الإمامعليه‌السلام أنّ يزيدا أرسل جماعة بإمرة عمرو بن سعيد الأشدق لقتله أو القبض عليه، فعمل الإمامعليه‌السلام على

__________________

(١) الإرشاد ٢: ٣٢ - ٣٣.

(٢) أنظر: مقتل الحسين / الخوارزمي ١: ١٨٣.

(٣) مقتل الحسين / الخوارزمي ١: ١٨٨.

١٣٣

إفشال خطّة الاغتيال لأجل صيانة حرمة الحرم الإلهي، ولكي لا يراق دمه في مكّة، فاستبدل الحجّ بالعمرة، وخرج من مكّة في الثامن من ذي الحجة »(١) .

كما دسَّ إليه يزيد بعض رجال شرطته لاغتياله، يقول عبد اللّه بن عباس في رسالته ليزيد: « وما أنسى من الأشياء فلست بناسٍ اطرادك الحسين بن علي من حرم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حرم اللّه، ودسّك إليه الرجال تغتاله، فأشخصته من حرم اللّه إلى الكوفة، فخرج منها خائفا يترقّب، وقد كان أعزّ أهل البطحاء بالبطحاء قديما، وأعزّ أهلها بها حديثا، وأطوع أهل الحرمين بالحرمين لو تبوأ بها مقاما، واستحلّ بها قتالاً »(٢) .

وقد زاد من توجّس السلطة اليزيدية وصول سفير الحسينعليه‌السلام مسلم ابن عقيل إلى الكوفة، وقيامه بأخذ البيعة للحسينعليه‌السلام ، وتهيئته المقدمات اللازمة لمقدم الإمامعليه‌السلام ، وسعيه للسيطرة على بيت الإمارة في الكوفة.

وكانت الاستخبارات الأموية نشطة وفعالة في الكوفة، فقامت بإرسال التقارير الدورية عن تحركات مسلم بن عقيلعليه‌السلام ، وكذلك عن حالة أمير الكوفة النعمان بن بشير الذي كان - حسب تقييمهم - ضعيفا أو متضاعفا لعدم تصديه الحازم لنشاطات مسلم بن عقيلعليه‌السلام ، ولعدم سيطرته على الأوضاع المضطربة في هذه الإمارة ذات الأهمية الاستراتيجية.

__________________

(١) أنظر: حياة الإمام الحسين / القرشي ٣: ٤٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٤٩، دار صادر، بيروت.

١٣٤

درست القيادة الأموية في الشام الموقف من جميع جوانبه، فقد عقد يزيد ابن معاوية مجلسا استشاريا بحضور أحد كبار مستشاريه ويدعى سرجون النصراني، وكان الأخير قد أشار على يزيد برأي أبيه معاوية، وهو أن يولّي عبيد اللّه بن زياد والي البصرة آنذاك على المِصرين - البصرة والكوفة(١) - وذلك لما عُرف عنه من قسوة متناهية وسعة حيلة، فأصدر يزيد بن معاوية أمرا عسكريا مقتضبا إلى عبيداللّه بن زياد تقدح عباراته نارا وشَرَرا، ومما جاء فيه: « فسر حين تقرأ كتابي الكوفة، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه، والسلام »(٢) . وفي رواية الطبري: « وكتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إن وجده »(٣) .

لقد وجدت القيادة الأموية بأنّ مرور الوقت ليس في مصلحتها، فكل تأخير أو تهاون سوف يؤدي إلى وصول الحسينعليه‌السلام إلى العراق، ومن يُهيمن على هذا البلد الحيوي فسوف يتمكن من تهديد معقل القيادة وخطوط مواصلات الشام، وربما يجدد العراق على الشام حرب صفين في وقت تخلو أرض الشام من الداهيتين معاوية وابن العاص.

ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام أخذ يتعرّض للقوافل التجارية لبني أمية، وهي - كما هو معروف - تشكل العصب الاقتصادي للنظام الأموي، قالوا: « لما فصل الحسين بن علي من مكّة سائرا، وقد وصل إلى التنعيم(٤) لحق عيرا مقبلة

__________________

(١) الإرشاد ٢: ٤٢.

(٢) الإرشاد ٢: ٤٣.

(٣) تاريخ الطبري ٦: ١٨٠، حوادث سنة ستين.

(٤) مكان بالقرب من مكة.

١٣٥

من اليمن، عليها ورس(١) وحناء، ينطلق به إلى يزيد بن معاوية، فأخذها وقال لأصحاب الإبل: من أحبّ منكم أن يسير معنا إلى العراق أوفيناه كراه، وأحسنّا صحبته، ومن أحبّ أن يفارقنا من هاهنا أعطيناه من الكرى بقدر ما قطع من الأرض. ففارقه قوم، ومشى معه آخرون »(٢) .

وصل عبيد اللّه إلى الكوفة ليلاً متخفيا وعليه عمامة سوداء، وهو متلثم، والناس قد بلغهم إقبال الحسينعليه‌السلام ، فهم ينتظرون قدومه، فظنوا حين رأوا عبيداللّه أنه الحسين، فأخذ لا يمرّ على جماعة من الناس إلاّ سلموا عليه وقالوا: مرحبا يا بن رسول اللّه، قدمت خير مقدم، فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه(٣) ، ولما أدرك خطورة الموقف، قام بالسيطرة على المراكز الحساسة في المدينة، وعزل أميرها النعمان بن بشير، واتبع أسلوب الترغيب والترهيب مع أهلها، وأخذ باعتقال وإعدام كبار الزعماء الموالين للحسينعليه‌السلام ، وتمكن بواسطة مخابراته من تحديد مكان إقامة مسلم بن عقيلعليه‌السلام في دار هانئ بن عروة(٤) ، فسارع إلى اعتقاله وإعدامه، كما اتخذ تدابير عسكرية عاجلة منها إرسال مجموعة من دوريات الاستطلاع لمراقبة حدود الحجاز وسد منافذ الطرق منها وإليها، كما أرسل دورية قتالية مؤلفة من ألف فارس بقيادة الحر بن يزيد الرياحي، لتحول دون وصول الحسينعليه‌السلام إلى الكوفة أو الأقاليم القريبة منها، إذ كان التخوف

__________________

(١) الورس: نبت أصفر.

(٢) الأخبار الطوال: ١٨٤ - ١٨٥.

(٣) الإرشاد ٢: ٤٣.

(٤) أنظر: الإرشاد ٢: ٤٥ - ٤٧.

١٣٦

الأموي شديدا من وصول الدعوة الحسينيّة إلى ما وراء الفرات وحدود بلاد العجم.

٢ - المعلومات

يقرر القائد خطته وفقا للمعلومات التي يتمكن من الحصول عليها، وكلما كانت المعلومات أوثق وأدق كلما كانت الخطة محكمة، ويجب أن تتضمن المعلومات نية العدو، وعدد قواته وتنظيمها، وأنواع أسلحتها وتجهيزاتها، وأسلوب قتالها، وطبيعة الأرض التي سوف تدور رحى الحرب عليها.

والإمام الحسينعليه‌السلام كقائد ميداني كان يسعى جاهدا للحصول على المعلومات أولاً بأول عن عدوه، والملاحظ أنه اتبع ثلاثة أساليب أساسية:

الأسلوب الأول: استنطاق المسافرين والاستفسار منهم

ومن أمثلة ذلك أن الإمامعليه‌السلام لما بلغ منطقة ذات عرق تلقى بشر بن غالب الأسدي قادما من العراق، فسأله عن أهلها، فقال: خلفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية! فقال الحسينعليه‌السلام حينئذ: «صدق أخو بني أسد، إنّ اللّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد »(١) . وكنا قد تطرقنا إلى مقابلة الحسينعليه‌السلام للفرزدق الشاعر والشيء الجديد هنا أن الفرزدق يذكُر أن الحسينعليه‌السلام بادره بالسؤال التالي مستفسرا: «أخبرني عن الناس خلفك؟ » فقال: الخبير سألت، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك،

__________________

(١) اللهوف: ٤٣، مثير الأحزان: ٣٠.

١٣٧

والقضاء ينزل من السماء، واللّه يفعل ما يشاء. فقال الحسينعليه‌السلام للفرزدق: «صدقت للّه الأمر، وكل يوم ربنا هو في شأن »(١) .

فالإمامعليه‌السلام يطّلع على الموقف بنفسه أولاً بأول، وينقله إلى أصحابه حتى يتعرفوا على المستجدات ويكونوا على بصيرة من أمرهم.

ومن الشواهد ذات الدلالة على هذا الأسلوب، أنّه « لمّا رحل الحسين من زرود تلقّاه رجل من بني أسد، فسأله عن الخبر. فقال: لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، ورأيت الصبيان يجرون بأرجلهما. فقال:إنّا للّه، وإنّا إليه راجعون، عند اللّه نحتسب أنفسنا .

فقال له: أنشدك اللّه يا ابن رسول اللّه في نفسك، وأنفس أهل بيتك، هؤلاء الذين نراهم معك، انصرف إلى موضعك، ودع المسير إلى الكوفة، فواللّه مالك بها ناصر.

فقال بنو عقيل - وكانوا معه -: ما لنا في العيش بعد أخينا مسلم حاجة، ولسنا براجعين حتى نموت، فقال الحسين:فما خير في العيش بعد هؤلاء، وسار »(٢) .

فسار الحسينعليه‌السلام حتى انتهى إلى بطن العقيق، فلقيه رجل من بني عكرمة، فسلم عليه، وسأله الإمام بطبيعة الحال عن الأخبار فأخبره « بتوطيد ابن زياد الخيل ما بين القادسية إلى العذيب رصدا له. ثمّ قال له:

__________________

(١) الإرشاد٢: ٦٧، مثير الأحزان: ٢٨، ونحوه في تاريخ مدينة دمشق / ابن عساكر٥: ٢٨٥.

(٢) الأخبار الطوال: ١٨٦.

١٣٨

انصرف بنفسي أنت، فواللّه ما تسير إلاّ إلى الأسنّة والسيوف، ولا تتكلنّ على الذين كتبوا لك، فإنّ أولئك أوّل الناس مبادرة إلى حربك. فقال له الحسين: قد ناصحت وبالغت، فجزيت خيرا »(١) .

الأسلوب الثاني: المكاتبات

كان الحسينعليه‌السلام يكتب باستمرار إلى أنصاره وشيعته في الولايات والبلدان، وخاصة إلى اليمن والكوفة والبصرة، وهي المناطق المعروفة بحب آل البيتعليهم‌السلام وموالاتهم، ينقل تعليماته إليهم ويطلع على كل المستجدات، ولكن وسيلة المكاتبات هذه لا يمكن الاعتماد عليها كليا في الحصول على المعلومات ونقلها، وذلك لأن حامل الكتاب في بعض الاحيان يقع في فخ مخابراتي ويُكتشف أمره ويتعرض بالتالي إلى العقوبة القاسية أو يتعرض للتعذيب من أجل الكشف عن الجهة المكلف بإرسال الكتاب إليها، كما حصل مع قيس بن مسهر الصيداوي الذي كلفه الحسينعليه‌السلام بايصال كتاب سري للغاية إلى سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وجماعة الشيعة بالكوفة، فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير - صاحب عبيد اللّه بن زياد - ليفتشه، فأخرج قيس الكتاب ومزّقه، فحمله الحصين بن نمير إلى عبيد اللّه، فلما مَثُل بين يديه قال له: من أنت؟ قال: أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وابنه. قال: فلماذا خرَّقت الكتاب؟ قال: لئلا تعلم ما فيه. فحاول عبيد اللّه التحقيق

__________________

(١) المصدر السابق: ١٨٦.

١٣٩

معه وانتزاع الاعتراف منه. وقال له: وممن الكتاب وإلى من؟ قال: من الحسينعليه‌السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم، فغضب ابن زياد وقال: واللّه لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم، أو تصعد المنبر فتلعن الحسين بن علي وأباه وأخاه وإلا قطعتك إربا إربا، فقال قيس: أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم، وأما لعن الحسين وأبيه وأخيه فأفعل. فصعد المنبر فحمد اللّه وأكثر من الترحم على علي والحسن والحسين، ثم لعن عبيد اللّه بن زياد وأباه، ولعن عُتاة بني أمية عن آخرهم، ثم قال: أيها الناس، أنا رسول الحسين اليكم، وقد خلفته بموضع كذا فأجيبوه، فأمر عبيد اللّه بإلقائه من أعالي القصر(١) .

وفي رواية الشيخ المفيدقدس‌سره : « أنّه قال: أيّها الناس، إنّ هذا الحسين بن عليٍّ خيرُ خلق اللّه ابن فاطمة بنت رسول اللّه وأنا رسوله إليكم فأجيبوه، ثمّ لعن عبيداللّه بن زياد وأباه، واستغفر لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وصلى عليه »(٢) .

من هذا الموقف يظهر لنا جليا بأن الإمام يختار حملة كُتبه من ذوي الخبرة والكفاءة والشجاعة والأمانة للتقليل من الآثار السلبية للمكاتبات التحريرية.

الأسلوب الثالث: الاستطلاع

اتبع الحسين القائدعليه‌السلام هذا الأسلوب في مسيره نحو العراق، كان

__________________

(١) اللهوف: ٤٦ - ٤٧.

(٢) الإرشاد ٢: ٧١.

١٤٠