أبعاد النهضة الحسينية

أبعاد النهضة الحسينية20%

أبعاد النهضة الحسينية مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 181

أبعاد النهضة الحسينية
  • البداية
  • السابق
  • 181 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61928 / تحميل: 7270
الحجم الحجم الحجم
أبعاد النهضة الحسينية

أبعاد النهضة الحسينية

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

كلمة المركز

لا ينفصل الحديث عن نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام عن المنعطفات الخطيرة التي شهدها تاريخ الإسلام السياسي بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ ليس من المعقول أن تحتضر المبادئ والقيم الإسلامية في زمان الإمام الحسينعليه‌السلام دون أن تكون هناك علاقة وثيقة بين حجم تلك المؤامرة على الإسلام وبين تلك المنعطفات السياسية التي ألمّت به من قبل، ولو كانت الفترة ما بين الرسول وسبطهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكرّسة لتعميق الخطّ المحمّدي في نفوس الأمّة لما حصل هذا الإنقلاب دون أن تنبس الأمّة ببنت شفة، على أنّ هناك نقاط التقاء كثيرة بين أسباب نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام والمنعطفات السياسية التي شهدها تاريخ الإسلام السياسي في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد رحيله أيضا.

فالسقيفة - مثلاً - لم تبعد أصحاب القرار الأموي الحاسم في التعايش نفاقا مع الإسلام بعد فتح مكّة عن السلطة، بل عملت على الضدّ من ذلك إذ أتاحت لهم الفرصة السانحة إلى ما يبتغون يوم تجاوزت النصّ، ولم تضع في حساباتها أيّا من العلم، أو الاستقامة، أو العدل، أو السابقة، أو القرابة، أو الشورى كشروط للخلافة، واكتفت بشرط واحد فقط وجعلته فوق كلّ اعتبار وهو أن لا تجتمع النبوّة والخلافة في بيت واحد! وبهذا مهّدت الطريق لكلّ من دبّ وهب للوصول إلى الخلافة، واستامها كلّ مفلس بما ذلك الطلقاء.

والعجيب في الأمر أنّ السقيفة لم تقف عند هذا الحدّ بل استمالت الطلقاء منذ اليوم الأوّل لانعقادها، فرشت أبا سفيان وقلّدت أولاده مناصبَ خطيرةً في دولة الإسلام، ولم تكتف بهذا حتى قلّدت الأمر - بحيلة مكشوفة - إلى الأموي عثمان!! وهكذا كانت تلك الفترة مليئة بالأحداث التي كانت تجري على نسق واحد وترتيب واحد إلى أن انتهت بنتائجها الحتمية بوصول الوغد معاوية بن أبي سفيان إلى الخلافة!!

وبدلاً من أن ينصهر معاوية وأسرته في الدين الجديد الذي حكم الأمّة باسمه، وينسى ما كان يقوله لأبيه:

يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا

بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا

خالي وعمي وعمّ الأمّ ثالثهم

وحنضل الخير قد أهدى لنا الأرقا

لا تركننّ إلى أمر يكلّفنا

والراقصات في مكّة الخرقا

فالموت أهون من قول العداة: لقد

حاد ابن حرب عن العزّى إذا فَرَقا

فبدلاً من أن ينسى ذلك ظلّ وصف الطلقاء يلاحق مخيلته، وقرار الاستسلام ماثلاً أمام عينيه، متجسّدا في سلوكه وتصرّفاته، وضلّ يواري ما تحمله الشجرة الملعونة في جوانحها من أحقاد على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله باعتباره المسؤول الأوّل عن هزائم أبي سفيان كلّها، وعلى عليعليه‌السلام باعتباره فتى الإسلام الأوّل الذي أذاق تلك الأسرة المنافقة ما تقدّم في

٥

شعر معاوية نفسه، ومن هنا جاء أمره بشتم الوصيعليه‌السلام على منابر المسلمين، وانتهى الأمر بأخذه البيعة إلى مثل يزيد الفاسق الفاجر الملعون.

وهكذا كانت السقيفة البوّابة الطبيعية التي نفذ منها يزيد إلى الملك العضوض. وما كان الإمام الحسينعليه‌السلام ليقف مكتوف الأيدي أمام هذا التحدّي الخطير الذي أطاح بكلّ ما تبقى من قيم الإسلام ومثله، وما كانعليه‌السلام ليستسلم أمام محاولة معاوية بجعل المنهج الأموي بديلاً عن الإسلام، ومن هنا ولدت نهضة الحسينعليه‌السلام لتدين لها كلّ المواقع المشرقة في تاريخ الإسلام لأنّها هي التي صنعت بالدماء الزاكيات تاريخا جديدا له.

لقد تجسّد الإسلام كلّه في نهضة الحسين، واجتمع الحقّ كلّه في ثورته على الطغاة المردة، حتى صارت تلك الثورة الحمراء القانية رمزا لكلّ حركة حرّة ترفض الضيم والخضوع للظلم والاستعباد والاضطهاد، وصارت شعارا لكلّ الثورات الإسلامية التي لا ترى حرمة وقدسية لكلّ حاكم مستبد مزيّف ما لم يلتزم الإسلام عقيدة ونظاما، وكانت فتحا جديدا بكلّ مقاييس الرسالة، ولهذا قال مفجّرها العظيم: ومن تخلّف عني لم يبلغ الفتح.

وهكذا استطاعت تلك الملحمة الحسينية أن تحقّق أهدافها الرسالية وبأكثر من اتّجاه وصعيد، حيث أيقضت روح المقاومة لدى المسلمين فكانت الثورات والانتفاضات الشعبية التي قادها العلويون تترى للإطاحة بعرش الطاغوت.

كما بعثت نهضة سيد الشهداءعليه‌السلام من جديد قيم الرسالة ومفاهيم الإسلام التي طُمِست وطواها النسيان، وماكان الإسلام ليصل موقعه الذي نرى لولا تلك النهضة، حيث أعادت للدين الحنيف قوّته بعد احتضاره، واستطاعت بكلّ فخر أن تعرّي الواقع التاريخي المزيّف المتخم بالمؤامرات ضدّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله والخطط المتراكمة في إقصائهم ما سالموا، وتصفيتهم ما قاوموا باعتبارهم قطب الدين الأوحد وقادته وحماته، وأيقضت الأمّة من سباتها ونبّهتها على أنّه لا حرمة في القاموس الأموي لأي دم في الإسلام ولو كان الدم دم الحسينعليه‌السلام ، على أنّ الشجرة الملعونة قد حاولت - قبل ذلك - سفك دم الوصي عليعليه‌السلام ، وسعت - من قبل - إلى إراقة دم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والكتاب الماثل بين يديك عزيزي القارئ قد جاء مبيّنا لبعض أبعاد النهضة الحسينية وأسبابها ونتائجها بعبارة مشرقة، ومنهج علمي، متضمّنا الكثير من المواقف النادرة والحقائق التاريخية سواء تلك التي سبقت النهضة أو تزامنت معها.

آملين أن يزيد في وعي الأمّة بتاريخها، وما يتطلّبه حاضرها من السير في ركب الحسين وآل الحسينعليهم‌السلام لبناء مستقبلها بناء إسلاميا بعيدا عن الذلّ والهوان وقدسية الحاكم المستبد.

واللّه الهادي إلى سواء السبيل

مركز الرسالة

٦

المقدَّمة

إن ثورة الحسينعليه‌السلام ليست مجرّد حادثة تاريخية وقعت في تاريخ المسلمين ثم انتهت، وحينئذ فلا نحتاج إلاّ أن نقيّم نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام للإطاحة بعرش الطاغوت من ناحية مسؤوليته ونقف عند ذلك، وإنّما نعتقد أن ثورة الحسينعليه‌السلام وحركته قضية تتجدد على مرّ العصور والأيام، ولا زالت هذه القضية - إلى يومنا هذا - تمدنا بالعطاء والقوة والعزيمة والقدرة. وشأن قضية الحسينعليه‌السلام شأن القرآن الكريم الذي لا يختص مضمونه بعصر نزوله، وإنما يتجدد في كل عصر ويعالج قضايا كل عصر، فهو حي متجدد كالشمس والقمر، كما ورد في روايات أهل البيتعليهم‌السلام . والحسينعليه‌السلام هو قرآن ناطق لذا فإنّ قضيته وحركته لابدّ من أن نفهمها في كل عصر.

ونهضة الحسينعليه‌السلام سجلت فخرا للمسلمين، وقد عنى بها العلماء والكُتاب من مختلف الطوائف، واحتلت مكان الصدارة في الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ، وستبقى بمُثلها وقيمها ومواقفها مدرسة للاجيال تضيء لها الطريق، وتوفر لها العطاء، وهي ندية تتفجر بينابيع الخير والاصلاح حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها.

علما بان هذه النهضة قد تغلغلت في أعماق الوجدان الشعبي للأمة بوجه عام وللمسلمين الشيعة بوجه خاص، بحيث غدت جزءا من الجو الثقافي العام للإنسان الشيعي، وأسهمت، ولاتزال تُسهم حتى الآن، بدور

٧

هام في تكوين شخصيته الثقافية، وأخلاقياته الإجتماعية والسياسية. ويلاحظ أن نهضة الحسين من بين جميع الثورات في تاريخ الإسلام الحافل بالثورات، هي النهضة الوحيدة التي لا تزال ذكراها حيَّة غضَّة في حاضر المسلمين كما كانت كذلك في ماضيهم، وهي الوحيدة من بين الثورات، الثورة التي دخلت في أعماق الوجدان الشعبي وكانت واعزا وحافزا لما تلاها من ثورات، يقول الكاتب والأديب:

« لم تنقضِ ستّ سنوات على مصرع الحسين حتى حاق الجزاء بكل رجل أصابه في كربلاء، فلم يكد يسلم منهم أحد من القتل والتنكيل مع سوء السمعة ووسواس الضمير. ولم تعمر دولة بني أمية بعدها عمر رجل واحد مديد الأجل، فلم يتم لها بعد مصرع الحسين نيف وستون سنة! وكان مصرع الحسين هو الداء القاتل الذي سكن في جثمانها حتى قضى عليها، وأصبحت ثارات الحسين نداء كل دولة تفتح لها طريقاً إلى الأسماع والقلوب »(١) .

جدير بالذكر يركز البعض من الكُتاب والباحثين على بُعد واحد من أبعاد نهضة الحسينعليه‌السلام ، فيتناولونه بالبحث والتحقيق وكأنه البعد الفريد في النهضة المباركة، وفات هؤلاء خطأ النظرة الاحادية الجانب، التي تسهب في جانب أو بُعد واحد على حساب باقي الأبعاد العديدة.

ونحن في هذا الكتيب قد تناولنا بصورة مختصرة ولكن مركزة عدة أبعاد أساسية من نهضة الحسينعليه‌السلام ، وسلطنا الأضواء المعرفية على أبعاد لم

__________________

(١) المجموعة الكاملة لأعمال العقاد - الحسينعليه‌السلام أبو الشهداء ٢: ٢٣٠.

٨

تتناولها الأبحاث والدراسات الحسينية بصورة واسعة كالبعد العسكري والاعلامي.

ومن اللّه تعالى نستمد العون والتوفيق.

٩

أولاً: البعد الغيبي

الإمام الحسينعليه‌السلام إنسانٌ سماوي، متصل بالغيب اتصالاً وثيقا، فقد رسم له الغيب دورا رساليا، وحدد له خطوات المسير فنفذها - بدقة - على الرغم من طابعها المأساوي. يقول الشهرستاني: « تلوح من السيرة الحسينية المثلى انه مسبوق العلم بأنباء من جده وأبيه وأمه وأخيه وحاشيته وذويه بأنه مقتول بسيف البغي - خضع أو لم يخضع، وبايع أو لم يبايع - فهلا يرسم العقل الناضج لمثل هذا الفتى المستميت خطة غير الخطة التي مشى عليها حسين الفضيلة، قوامها الشرع وزمامها النبل »(١) .

ومن أجل ذلك فقد رفض كل الدعوات والنصائح التي تدعوه إلى عدم الخروج من مكة، وتحذره من مغبة التوجه إلى العراق. وهذا الفهم لايتنافى - بطبيعة الحال - مع الحسابات الواقعية التي كانت تحتم على الإمامعليه‌السلام بأن يأخذ زمام المبادرة، بعد أن استأثر الأمويون بالسلطة، وطمسوا معالم الدين، واتخذوا مال اللّه دولاً وعباده خِولاً. اجل لقد تحرك الإمامعليه‌السلام على ضوء المعطيات العملية، ومنها: وصول يزيد الفاسق إلى سدة الحكم، واكراهه الحسينعليه‌السلام على لزوم البيعة له، ولكن كان هذا

__________________

(١) نهضة الحسين / الشهرستاني: ١٨.

١٠

التحرك - مع ذلك - بمشيئة وارادة إلهية.

وكشف عن هذه الرغبة الإلهية في عدة مواقف، منها: « جاء عبداللّه ابن عباس رضى الله عنه وعبداللّه بن الزبير فأشارا إليه بالإمساك. فقال لهما إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمرني بأمر وأنا ماضٍ فيه. قال: فخرج ابن عباس وهو يقول: واحسيناه »(١) .

فهنا تتطابق الحقائق الواقعية مع الأوامر النبوية الصادرة عن عالم الغيب، فالحسينعليه‌السلام يدرك بصورة لايشوبها الشك أنه بين خيارين أحلاهما مرّ: إما البيعة قسرا، أو القتل حتما. وليس أمامه إلا المسير حسب أوامر الغيب، المتمثلة بأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله له بالتحرك. وإذا كان الحسينعليه‌السلام هنا يفسر المسير بالأهل والنساء والأطفال إلى كونهم ودائع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنده وخوفه عليهم من أزلام يزيد، لا سيما وهو يعلم بأنهم لا يتورّعون عن فعل شيء، فليس من المستبعد أن يستخدمهم هؤلاء كرهائن لثني الحسينعليه‌السلام عن المسير إلى العراق. وهناك دلالة عميقة استنبطتها العقول الكبيرة لتثبت من خلالها أن الحسينعليه‌السلام ضحى بعياله من أجل الدين، يقول « جارلس ديكنز »، الكاتب الانكليزي المعروف: « إن كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فانني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذن العقل يحكم انه ضحى فقط لأجل الإسلام »(٢) .

__________________

(١) اللهوف: ٢١ - ٢٢.

(٢) موسوعة عاشوراء / جواد محدثي: ٢٩٠.

١١

ولكن الحسينعليه‌السلام في موقف آخر يعزو أخذ العيال معه وفق نظرة غيبية بحتة، وفقا للمشيئة الإلهية، وذلك لما «أراد العراق قالت له أمّ سلمة: لا تخرج إلى العراق، فقد سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يقتل ابني الحسين بأرض العراق وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة. فقال: « واللّه إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضا، وإن أحببت أن أُريك مضجعي ومصرع أصحابي. ثمّ مسح على وجهها، ففسح اللّه في بصرها حتى أراها ذلك كلّه، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضا في قارورة أخرى، وقالعليه‌السلام : فإذا فاضتا دما، فاعلمي أنّي قد قتلت. فقالت أمّ سلمة: فلمّا كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دما، فصاحت »(١) .

وبطبيعة الحال لا تكون الإرادة والمشيئة الإلهية بدون حِكم بالغة، بعضها يتصل بالحسينعليه‌السلام من أجل تكريمه، ورفعه إلى الدّرجات السامية التي لا تنال إلاّ بالشهادة الدامية، والبعض الآخر منها لكشف معدن أعدائه، ولكي يدرك القاصي والداني بأن هؤلاء من أهل الأهواء والمصالح، وبعيدون - كل البعد - عن جوهر الدّين.

ولعلّنا لا نغالي إذا قلنا بأن الحسينعليه‌السلام - بعد أن استلم الأمر الإلهي - أصبح شعلةً من حركة لا تخمد، ولم يلتفت إلى النصائح والدعوات التي انهالت عليه من القريب والبعيد، محاولةً ثنيه عن عزمه، وكانت بالحسابات الدنيوية قد تتّصف بشيء من الواقعية، فهو يتحرّك مع قلّة

__________________

(١) الخرائج والجرائح / الراوندي ١: ٢٥٤ / الباب الرابع.

١٢

العدد والعدّة، ويأخذ - مع ذلك - معه أطفاله وعياله، ويتّجه إلى بلد كالعراق متعدّد الأعراق والفِرق، ويتكوّن من فسيفساء عجيبة من الاتجاهات المتناقضة والمتنافرة، وأهله - أهل الكوفة - كانوا آنذاك خليطاً عجيباً متناثراً من البشر، يُوصمون - من قبل الغير - بالغدر، وقد غدروا بأبيه وأخيه من قبل، وإن كانوا - على وجه العموم - من أعوان أهل البيت ومواليهم. زد على ذلك فان العراق بلد تتشكّل جغرافيته من سهول ممتدة، وليس فيه جبال وعرة، ونتيجة لذلك، فلا يمتاز بالأمن والمنعة للحسينعليه‌السلام ، فهو لا يصلح لحرب العصابات كبلاد اليمن. كل هذه الأسباب قد تضفي بعض المصداقية على تلك الدعوات المخلصة التي حثّت الإمام الحسينعليه‌السلام على استكشاف خياراته على ضوء معطيات الواقع. ولكن الإمامعليه‌السلام خرج بوعيه من قفص الواقع وحساباته المادية البحتة، التي يدركها جيدا، ولكنه استشف آفاق أوسع من كل ذلك، هي آفاق الغيب والشهادة التي تسمو على الحسابات المادية الآنية.

ومن مصاديق ذلك: « أنّ محمّد بن الحنفية لما بلغه أن أخاه عازم على الخروج من مكّة إلى العراق صار إلى أخيه الحسينعليه‌السلام في الليلة التي أراد الحسينعليه‌السلام الخروج في صبيحتها عن مكّة. فقال له: يا أخي، إنّ أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خِفتُ أن يكون حالك كحال من مضى، فإن رأيت أن تُقيم، فانّك أعزّ مَن في الحرم وأمنعه. فقال الحسين: يا أخي، قد خِفتُ أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يُستباح به حرمةُ هذا البيت. فقال له ابنُ الحنفية: فان خِفتَ ذلك فصِرْ الى اليمن أو بعض نواحي البرّ، فإنك أمنع الناس به، ولايقدر عليك

١٣

أحد. فقال: أنظر فيما قلت.

فلما كان السحر ارتحل الحسينعليه‌السلام فبلغ ذلك ابنَ الحنفية فأتاه، فأخذ بزمام ناقته، وقد ركبها، فقال له: يا أخي، ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال: بلى. قال ابنُ الحنفية: فما حداك على الخروج عاجلاً؟ قال: أتاني رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعدما فارقتُك، فقال: يا حسين أخرج، فان اللّه قد شاء أن يراك قتيلاً. فقال ابنُ الحنفية: إنا للّه وإنا اليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك، وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟ فقال الحسينعليه‌السلام : إن اللّه قد شاء أن يراهنّ سبايا. فسلّم عليه ومضى »(١) .

إذن فالمشيئة الإلهية تسمو فوق الحسابات السياسية والقناعات الذاتية، ولم يكن الحسينعليه‌السلام خائفا على نفسه - مع تيقّنه بأن هؤلاء لا يتركوه وشأنه - بل كان خائفا على رسالته ودينه. فقد تعهّد له « عبداللّه بن جعفر » بأخذ الأمان له ولأمواله ولأهله، مع ذلك أصغى الحسينعليه‌السلام لنداء الغيب، ولم يركن للأسباب. يقول الرّواة: « حاول عبداللّه بن جعفر إرجاع الحسينعليه‌السلام إلى مكّة، فقد كتب مع ولديه عون ومحمّد كتابا يقول فيه: أمّا بعدُ: فإنِّي أسألك باللّه لمّا انصرفت حين تنظرُ في كتابي، فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي توجّهت له أن يكون فيه هلاكُك واستئصال أهلِ بيتك، إن هلكت اليوم طفئَ نورُ الأرض، فإنّك عَلَمُ المهتدينَ ورجاءُ المؤمنينَ، فلا تستعجلْ بالمسير فإنّي في أثر كتابي، والسلامُ. وصار عبداللّه بن جعفر إلى عمرو بن سعيد فسأله أن يكتب للحسين أمانا ويُمنِّيَه ليرجع عن وجهه،

__________________

(١) اللهوف في قتلى الطفوف: ٣٩ - ٤٠ - ط١، أنوار الهدى، قم.

١٤

فكتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يُمنّيه فيه الصلة ويؤمنه على نفسه، وأنفذه مع أخيه يحيى بن سعيد، فلحقه يحيى وعبداللّه بن جعفر بعد نفوذ ابنيه، ودفعا إليه الكتاب، وجهدا به في الرجوع، فقال:إني رأيت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام، وأمرني بما أنا ماضٍ له، فقالا له: فما تلك الرؤيا؟ قال: ما حدّثت أحدا بها، ولا أنا محدِّث أحدا حتى ألقى ربي جلّ وعزّ . فلما أيس منه عبداللّه بن جعفر أمرَ ابنيه عونا ومحمّدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه، ورجع مع يحيى بن سعيد إلى مكّه(١) .

وكان الإمام يصغي بإذن متعاطفة مع الذين نصحوه وأشاروا عليه بعدم الخروج أو بتغيير وجهة المسير، كان يريد أن يسمع إلى ما يريد الآخرون قوله، ومن هذه الأقوال انطلقت آراء اتصفت بالحكمة وبعد النظر، منها رأي ذلك الشيخ الذي أشار عليه بالانصراف عن المسير إلى الكوفة، وحذّره من النتيجة المأساوية المتوقّعة، وتساءل - محقا - لماذا لم يقم أهل الكوفة بالمقدمات المطلوبة، كالتمرّد على أتباع يزيد، وتمهيد الأرضية المناسبة للثورة؟! وبذلك يكفوه مؤنة القتال، يروى أنه « لما سارعليه‌السلام من زبالة(٢) حتى مرّ ببطن العقبة، فنزل فيها، فلقيه شيخ من بني عِكرمة يقال له عمرو بن لوذان، فسأله: أين تُريد؟ قال الحسينعليه‌السلام :

__________________

(١) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ٦٨ - ٦٩، تحقيق: مؤسّسة آل البيتعليهم‌السلام لتحقيق التراث، الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأولى - رجب ١٤١٣ ه.

(٢) زبالة: اسم لأحد المنازل على الطريق بين مكّة والمدينة، نزل فيه الحسينعليه‌السلام .

١٥

الكوفة . فقال له الشيخ: أنشدك اللّه لما انصرفت، فواللّه ما تقدم إلاّ على الأسنة وحدّ السيوف، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطّؤوا لك الأشياء، فقدمت عليهم كان ذلك رأيا، فأما على هذه الحال التي تذكر، فاني لا أرى لك أن تفعل. فقال له:يا عبد اللّه، ليس يخفى عليّ الرأي، ولكن اللّه لا يُغلب على أمره، ثم قال: واللّه لا يَدَعُونني حتى يستخرجوا هذه العَلقةَ من جوفي، فإذا فعلوا ذلك سلّط اللّه عليهم من يُذلّهم حتى يكونوا أذلّ فِرَق الأمم »(١) .

كان الحسينعليه‌السلام ينظر للغيب من وراء ستر رقيق، ويعلم أن القدر قد رسم له دورا لابد له من القيام به، ومواجهة الحقيقة المرّة وهي الموت المحقق. يروي الدَّينوري أنّه « لما سار الحسينعليه‌السلام من بطن الرمّة(٢) ، لقيه عبداللّه بن مطيع، وهو منصرف من العراق، فسلم على الحسين، وقال له: بأبي أنت وأمي يا بن رسول اللّه، ما أخرجك من حرم اللّه وحرم جدّك؟ فقال: إنّ أهل الكوفة كتبوا إليَّ يسألوني أن أقدم عليهم لما رجوا من إحياء معالم الحقّ، وإماتة البدع. قال له ابن مطيع: أنشدك اللّه أن لا تأتي الكوفة، فواللّه لئن أتيتها لتقتلن. فقال الحسينعليه‌السلام : لن يصيبنا إلاّ ما كتب اللّه لنا. ثمّ ودّعه ومضى »(٣) .

وروى في مورد آخر: « إنّ عبداللّه بن مطيع استقبل الحسينعليه‌السلام ، وهو

__________________

(١) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ٧٦، تحقيق: مؤسسة أهل البيت لتحقيق التراث.

(٢) مكان قريب من البصرة.

(٣) الأخبار الطوال: ١٨٥، دار الفكر الحديث.

١٦

منصرف من مكّة يريد المدينة، فقال له: أين تريد؟. قال الحسين: أمّا الآن فمكة، قال: خار اللّه لك، غير أنّي أحبّ أن أشير عليك برأي. قال الحسينعليه‌السلام : وما هو؟. قال: إذا أتيت مكة فأردت الخروج منها إلى بلد من البلدان، فإيّاك والكوفة، فإنّها بلدة مشؤومة، بها قتل أبوك، وبها خذل أخوك، واغتيل بطعنة كادت أن تأتي على نفسه، بل الزم الحرم، فإنّ أهل الحجاز لا يعدلون بك أحدا، ثمّ ادع إليك شيعتك من كلّ أرض، فسيأتونك جميعا. قال له الحسين:يقضي اللّه ما أحب »(١) . وبذلك يظهر أنّهعليه‌السلام استسلم - بالكامل - للمشيئة الإلهيّة.

وهذا الموقف لا يفسر بمعزل عن الظروف الواقعية الصعبة المحيطه به، التي تعصف مثل ريح السّموم، وموقفه هذا ليس قفزا على الواقع والوقائع بل ينسجم معها تمام الإنسجام، فبنو أمية لايتركوه حيا حتى يوقع لهم على صك العبودية والاستسلام، من هنا أدرك أنه لابد من تقديم نفسه كبش فداء خدمة للدّين والقيم، لذلك اتخذ موقفا نهائيا بالمواجهة مع علمه المسبق بالنتيجة، ومن الشواهد على ذلك أنه قبل أن يخرج قام خطيبا في الناس - بعد أن صلّى بين الرّكن والمقام ركعتين - فقال: «الحمدُ للّه، وما شاءَ اللّه، ولا قوّةَ إلاّ باللّه، وصلّى اللّه على رسوله. خُطّ الموتُ على وُلد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرعٌ أنا لاقيه. كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأنّ مني أكراشا جوفا، وأجربة سغبا

__________________

(١) المصدر السابق: ١٧٤.

١٧

لا محيص عن يوم خطّ بالقلم. رضى اللّه رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويُوفّينا أجور الصّابرين، لن تشذّ عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لُحمتُه، وهي مجموعة له في حَظيرة القُدس، تقرّ بهم عينُه، ويُنجز بهم وعده. من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّنا على لقاء اللّه نفسه، فليرحل معنا، فإنّني راحلٌ مصبحا إن شاء اللّه تعالى »(١) .

وتابعت السماء اتصالها برجل الفداء، وكانت الإشارات التي ترد عليه واضحة بلجاء بيضاء كوضح النهار، لا تحمل في طياتها سوى النذر بأنه على موعد مع القدر، قال أبو مخنف: حدَّثني عبدالرحمن بن جُندُب، عن عقبة بن سمعان قال: «لمّا كان في آخر الليل أمر الحُسينعليه‌السلام بالاستسقاء من الماء، ثمّ أمرنا بالرحيل، ففعلنا. قال: فلمّا ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خفق الحسينعليه‌السلام برأسه خفقة، ثمّ انتبه وهو يقول: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، والحمد للّه ربّ العالمين. قال: ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثا، قال: فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له فقال: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، والحمد للّه ربّ العالمين. يا أبت، جعلت فداك! ممّا حمدت اللّه واسترجعت؟ قال:يا بني، إنّي خفقت برأسي خفقة، فعنّ لي فارس على فرس فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا ، قال له: يا أبت، لا أراك اللّه سوءا، ألسنا على الحقّ؟ قال:بلى والذي إليه مرجع العباد . قال: يا أبت، إذا لا نُبالي، نموت محقّين. فقال له:جزاك اللّه من

__________________

(١) اللهوف: ٣٨.

١٨

ولد خير ما جزى ولدا عن والده (١) .

والأغرب من كل ذلك أنه كان يعلم مكان مصرعه ومصرع أصحابه، في كربلاء، وأنه سيكون محلاً لقبره وقبور أهل بيته وأصحابه، مع أن النتائج كانت في رحم الغيب!! كل ذلك بفضل أخبار الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله له، ومن الشواهد التاريخية على ذلك أنه « لما سارعليه‌السلام والحُرّ يسايره ويُمانعه، حتى إذا وصلوا كربلاء، قال:ما اسم هذه الأرض ؟ فقيل: كربلاء، فقالعليه‌السلام :اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء. ثمّ قال: هذا موضع كرب وبلاء، إنزلوا، هاهنا محطّ رحالنا، ومسفك دمائنا، وهنا محلّ قبورنا، بهذا حدثني جدي رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) . وفي رواية أخرى اكتفى بالقول: «هذا موضع الكرب والبلاء، هذا مناخ ركابنا، ومحطّ رحالنا، ومقتل رجالنا، ومسفك دمائنا »(٣)

لقد أخذت إشارات الغيب تتوارد على الإمامعليه‌السلام في حلّه وترحاله، وفي يقظته ومنامه، فكثيرا ما كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يترائى لسبطه، فمرّة يصدر له الأوامر بالنهوض، وأخرى يحمل له بشائر الشهادة وقرب اللِّحاق به، وقد كشف الإمامعليه‌السلام عن بعض تلك الاتصالات التي تحدث خلف ستار الغيب، وقد أشرنا إلى البعض منها فيما سبق ومنها: « لما زحف ابنُ سعد على مُخيَّم الحسين عصر اليوم التاسع من المحرم. نادى: ياخيل اللّه اركبي

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦: ٢١٧، حوادث سنة إحدى وستين، دار الفكر، الطبعة الأولى ١٤١٨ ه / ١٩٩٨ م.

(٢) اللهوف: ٤٩.

(٣) مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب ٤: ٩٧، دار الأضواء، بيروت.

١٩

وأبشري. وكان الحسين محتبيا بسيفه، وقد خفق برأسه، فسمعت أختهُ الصيحة، فدنتْ من أخيها، فقالت: يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه، فقال:إنّي رأيتُ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله الساعةَ في المنام، فقال لي: إنّك تروح إلينا. فلطمت أخته وجهها، ونادت: بالويل!! فقال عليه‌السلام : ليس لك الويل يا أخية. اسكتي رحمك اللّه »(١) .

علما بأن الحسينعليه‌السلام جاء - قبل خروجه إلى مكّة - إلى قبر جدّه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّى عند القبر ركعات، ثم قال: «اللّهم إنّ هذا قبر نبيّك محمّد، وأنا ابنُ بنت نبيّك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. اللّهم، إنّي أُحبّ المعروف وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ القبر ومن فيه إلاّ اخترت لي ما هو لك رضا ولرسولك رضا ». وجعل يبكي حتى إذا كان قريب الصباح وضع رأسه على القبر، فأغفى، فاذا هو برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه، فضمّ الحسينعليه‌السلام إلى صدره، وقبّل مابين عينيه وقال: «حبيبي يا حسين، كأني أراك عن قريب مرمّلاً بدمائك مذبوحا بأرض كربٍ وبلاء من عصابةٍ من أُمتي، وأنت مع ذلك عطشانُ لا تُسقى، وظمآنُ لا تُروى، وهم مع ذلك يرجُونَ شفاعتي يوم القيامة، وما لهم عند اللّه من خَلاق. حبيبي يا حسين، إنَّ أباك وأمك وأخاك قدموا عليّ، وهم مشتاقون إليك، وإنّ لك في الجِنان لدرجاتٍ لن تنالها إلاّ بالشهادة ».

فانتبه الحسينعليه‌السلام من نومه فزعا مرعوبا، وقصّ رؤياه على أهل بيته

__________________

(١) الارشاد ٢: ٨٩ - ٩٠.

٢٠

وبني عبد المطلب، فلم يكن في ذلك اليوم - لا في شرق الأرض ولا في غربها - قوم أشدّ غما من أهل بيت رسول اللّه، ولا أكثر باكيا وباكيةً منهم(١) .

وروى ابن طاووس بإسناد ينتهي بأبي محمد الواقدي وزرارة بن خلج، قالا: « لقينا الحسين بن عليعليهما‌السلام قبل أن يخرج إلى العراق فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة وأنّ قلوبهم معه، وسيوفهم عليه فقال:أعلم يقينا أنّ هناك مصرعي ومصرع أصحابي لا ينجو منهم إلاّ ولدي علي »(٢) .

ومع علم الإمامعليه‌السلام بالنتيجة مسبقا، فإنّه تحرك على ضوء الأسباب الواقعية، وأعد لكل شيء عدته.

ثم تجدّد الاتصال بين الإمامعليه‌السلام وعالم الغيب، ولكن - هذه المرّة - بتفاصيل أكثر وأغرب، ففي يوم العاشر من المحرم وقت السحر، خفق الحسينعليه‌السلام برأسه خفقة بعدما أعيته الآلام المرهقة، فاستيقظ، والتفت إلى أصحابه وأهل بيته فقال لهم: «ما أراني إلاّ مقتولاً »، قالوا: وما ذاك يا أبا عبداللّه؟ قال: «رؤيا رأيتها في المنام »، قالوا: وما هي؟ قال: «رأيت كلابا تنهشني أشدُّها عليَّ كلبا أبقع »(٣) .

والأمر الذي يثير العجب والإكبار، أن هذه الاتصالات بالغيب مع تأكيدها للحسينعليه‌السلام - ولأكثر من مرّة - أنه سوف يُقتل، نجد أن الخوف لم

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٤: ٣٢٨ عن مقتل الحسين لمحمّد بن أبي طالب الحسيني الحائري.

(٢) اللهوف: ٣٨ - ٣٩.

(٣) كامل الزيارات / ابن قولويه: ١٥٧، مؤسّسة نشر الفقاهة.

٢١

يأخذ طريقه إلى قلبه، بل ازداد اصرارا على المضي في طريق ذات الشوكة حتى نهاية الشوط، إذ وقف صامدا صمودا اسطوريا، وقف كالطود الشامخ لم تزعزعه الخطوب، ومشى بخطى ثابتة على درب واضح المعالم.

يقول حميد بن مسلم: « فواللّه ما رأيتُ مكثورا(١) قطّ قد قُتل ولدُه وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا منهعليه‌السلام ، إنْ كانت الرّجّالة لتشدُّ عليه فيشدُّ عليها بسيفه، فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المِعزى إذا شدَّ فيها الذِّئب »(٢) .

وإن كان هذا يدلُّ على شيء، فهو يشير إلى أن إشارات الغيب زادته قوّةً وصلابةً، ومنحته شحنات معنوية عالية.

وهناك مواقف أخرى أفصح الإمامعليه‌السلام فيها عن مكنون الغيب، وقد اطلع أصحابه وأهل بيته عن ذلك بمنتهى الوضوح والصراحة، فمن المعلوم أنه خاطب بني هاشم قبل خروجه بقوله: «أما بعد، فإنّه من لحق بي منكم استُشهد، ومن تخلّف عنّي لم يبلغ الفتح »(٣) .

والأمر الآخر هنا الذي يثير الاستغراب والدهشة، ويكشف النقاب عن حقيقة اطلاع الحسينعليه‌السلام على معالم الغيب، أنه كشف في حياته عن ملامح ومواصفات قاتله، فعن محمّد بن عمرو بن حسين، قال: « كنا مع الحسين بنهر كربلاء فنظر إلى شمر بن الجوشن، فقال:صدق اللّه ورسوله !

__________________

(١) المكثور: الذي أحاط به الكثير. انظر: الإرشاد ٢: ١١١، هامش ٢.

(٢) الإرشاد ٢: ١١١.

(٣) اللهوف: ٤١.

٢٢

قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : كأني أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي ، وكان شمر أبرصا »(١) .

وروى سالم بن أبي حفصة قال: «قال عمر بن سعد للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبداللّه، إنَّ قِبَلَنا ناسا سُفهاء، يزعمون أني أقتلُكَ، فقال له الحسينعليه‌السلام :إنّهم ليسوا بسفهاء ولكنّهم حُلمَاء »(٢) .

ضمن هذا السياق تحقق ما أخبر به الإمامعليه‌السلام عمر بن سعد بتبدد آماله بملك الرّي، ودنو نهايته المخزية، وكان الإمامعليه‌السلام قد قال له قبل بدأ القتال: «يا عمر، أنت تقتلني وتزعم أن يوليك الدعي ابن الدعي بلاد الرّي وجرجان، واللّه لا تهنأ بذلك أبدا، عهد معهود، فاصنع ما أنت صانع، فانك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، ولكأني برأسك على قصبة قد نُصب، يتراماه الصبيان بالكوفة ويتخذونه غرضا بينهم »(٣) .

وبذلك فقد بلغت الصلافة ذروتها عند ابن سعد عندما واجه تحذيرات الإمامعليهما‌السلام الصادقة بالسخرية والاستهزاء.

روي أنّ الحسين بن عليعليهما‌السلام قال لعمر بن سعد: «إنّ ممّا يقرّ لعيني أنّك لا تأكل من برّ العراق بعدي إلاّ قليلاً ، فقال مستهزئا: يا أبا عبداللّه، في الشعير خلف، فكان كما قال، لم يصل إلى الرَّي، وقتله المختار »(٤) .

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق / ابن عساكر ٢٣: ١٩٠، دار الفكر، ١٤١٥ ه، كنز العمّال / المتقي الهندي ١٢: ١٢٨ / ٣٤٣٢٢.

(٢) الإرشاد ٢: ١٣٢.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢: ٨.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٤: ٦٢، دار الأضواء.

٢٣

ولعلّ أبلغ تعنيف صدر عن الإمامعليه‌السلام بحقّ هذا الشقي هو عندما فُجع (سلام اللّه عليه) بفلذة كبده علي الأكبر، عند ذلك اتجهعليه‌السلام إلى السماء بقلب مفجوع، والدموع تترقرق على لحيته الشريفة، وقال: «قطع اللّه رحمك، ولا بارك لك في أمرك، وسلّط اللّه عليك من يذبحك على فراشك، كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله »(١) .

ودارت الأيام دورتها، وإذا بابن سعد قد ذُبح على فراشه - كما أخبر الإمام - على يد المختار الثقفي، الذي اقتصّ من قتلة الحسينعليه‌السلام ، وشُوهد الأطفال وهم يعبثون برأسه ويتخذونه غرضا بينهم!.

زد على ذلك، فقد سبر أغوار الغيب وأخبر عن كيفية شهادته، وكيف أن جسده الشريف سيتقطّع إربا إربا في العراء وتصهره الرّمضاء، يروى أنه قبل أن يغادر مكّة، قام خطيبا، فحمد اللّه وأثنى عليه وبيّن مدى اشتياقه لأسلافه واستهانته بالموت، كما كشف عن غطاء الغيب مرّة أخرى، عندما قالعليه‌السلام : «كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم »(٢) .

التنبوء بمصير القَتَلة

ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، إذ تنبّأ الحسينعليه‌السلام بحالة الذّل والهوان والعار والتشرذم وكذلك السقوط السريع لأعدائه، لقد تصوّر يزيد لعنه اللّه

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢: ٣٠، منشورات مكتبة المفيد - قم.

(٢) اللهوف: ٣٨.

٢٤

أنه سوف ينام قرير العين وبمل ء جفونه بعد مصرع الحسينعليه‌السلام ، لكنه غفل عن العواقب الوخيمة التي تترتّب على فعله الشنيع في الدارين، فقد عصفت بعرشه رياح الثورات والانتفاضات، وغدت اللَّعنات تطاردهم أينما حلّوا ورحلوا، فتبدّدَ شملهم، وتَمزّقَ حكمهم. وها نحن نورد مجموعة من التنبؤات الحسينية، التي تثبت - بما لا يدع مجالاً للشك - استشفاف الإمامعليه‌السلام لآفاق الغيب، وخاصة ما يؤول إليه حال أعدائه من دمار وعار أبدي. قال لهم: «أعَلَى قتلي تَحاثُّون! أما واللّه لا تقتلون بعدي عبدا من عباد اللّه أسخط عليكم لقتله مني، وأيم اللّه إني لأرجو أن يكرمني اللّه بهوانكم، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون، أما واللّه أن لو قد قتلتموني لقد ألقى اللّه بأسكم بينكم، وسفك دماءكم، ثمّ لا يرضى لكم حتى يُضاعف لكم العذاب الأليم »(١) .

وفي موقف آخر يخترق حجاب الغيب، ويُخبر عن دخائل نفوسهم وما يترسب في قاع وعيهم، فيخبر عن إصرارهم على قتله، وما يترتب عن ذلك من ذّل وهوان يلحق بهم بعد حين، قال: «واللّه لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فاذا فعلوا سلط اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذلّ فِرق الاُمم »(٢) .

وله قول آخر حول هذا الأمر، قاله لأبي هرة الأزدي عندما أتاه فسلّم عليه ثمّ قال: «يا بن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما الذي أخرجك عن حرم اللّه

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦: ٢٤٦، حوادث سنة إحدى وستين.

(٢) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ٧٦.

٢٥

وحرم جدّك رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال الحسين:ويحك يا أبا هرة، إنّ بني أمية أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وأيم اللّه لتقتلني الفئة الباغية وليلبسهم اللّه ذلاً شاملاً وسيفا قاطعا، وليسلطن اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم »(١) .

وعليه فقد أزاح النقاب عن وجه الغيب، وحدد ماذا يحمل رحم الأيام القادمة من أحداث وتطورات هي حُبلى بها، وماذا يحل من انتقام إلهي شامل، وقصاص عادل بأعدائه، قال: «واللّه لا يدع أحدا منهم إلاّ انتقم لي منه قتلة بقتلة، وضربة بضربة، ينتقم لي ولأوليائي ولأهل بيتي وأشياعي منهم »(٢) .

وفي نص آخر خاطبهم مستخدما تشبيها بليغا، قائلاً: «ايم اللّه لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهدٌ عهده إليَّ أبي عن جدي »(٣) .

وفي رواية قال: «وإنّي زاحف إليهم بهذه الأسرة على كلب العدو وكثرة العدد وخذلة الناصر، ألا وما يلبثون إلاّ كريثما يركب الفرس حتى تدور رحا الحرب وتعلق النحور. عهد عهده إلي أبي عليه‌السلام . فأجمعوا أمركم ثمّ كيدون فلا تنظرون، إني توكلّت على اللّه ربي وربّكم ما من دابّة

__________________

(١) اللهوف: ٤٣ - ٤٤.

(٢) مقتل الحسين / الخوارزمي ٢: ٨ منشورات مكتبة المفيد، قم.

(٣) اللهوف: ٥٩.

٢٦

إلاّ هو آخذ بناصيتها إنّ ربي على صراط مستقيم »(١) .

النص المتقدم يكشف النقاب عن ان علم الحسينعليه‌السلام للغيب هو عن طريق جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو علم عن ذي علم، ومن الغرائب التي يجدها الباحث حول موضوع البعد الغيبي في النهضة الحسينية أن هناك روايات متواترة ومشهورة تتناقلها الألسن عن المصير المأساوي لحياة الحسينعليه‌السلام ، أفصح عنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أكثر من مناسبة، ولأكثر من شخصية، وبصورة مبكرة، أي منذ ميلاد الحسينعليه‌السلام ، ومن الشواهد على ذلك روى الشيخ الطوسي بأسانيد معتبرة إلى الإمام الرِّضاعليه‌السلام عن آبائه، عن اسماء بنت عميس، قالت: لما ولدت فاطمة الحسينعليهما‌السلام كنت أخدمها في نفاسها، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:هلّمي ابني يا أسماء . فدفعته إليه في خرقة بيضاء، فأخذه وجعله في حجره، وأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى. قالت: ثم بكى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال:انه سيكون لك حديث، اللّهم العن قاتله، لا تعلمي فاطمة بذلك قالت: ثم وضعه في حجره وقال:يا أبا عبداللّه، عزيزٌ عليَّ - ثم بكى - فقلت: بأبي أنت وأمي، مم بكاؤك في هذا اليوم، وفي اليوم الأول؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :أبكي على ابني هذا، تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية، لا أنالهم اللّه شفاعتي يوم القيامة »(٢) . وفي موقف آخر يكرّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الحقيقة المرّة لأم الفضل، ويفهمها ذلك بالفم الملآن وبالصراحة

__________________

(١) تحف العقول / ابن شعبة البحراني: ٢٤١، مؤسّسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين ط٢ - ١٤٠٤ ه.

(٢) الأمالي / الشيخ الطوسي: ٣٦٧ / ٧٨١، المجلس الثالث عشر.

٢٧

القصوى التي لا تحتمل التأويل، قال لها بأن جبرئيلعليه‌السلام أخبره بقتل الحسينعليه‌السلام على يد أبناء أمته، الأمر الذي حرك سحابةً قاتمةً من الحزن داخل نفسه، فترقرقت الدموع من عينيه.

روي بالإسناد عن أم الفضل لبابة بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب قالت: « دخلت على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: يارسول اللّه، إني رأيت حلما منكرا الليلة. قال:وما هو ؟ قلت: إنه شديد. قال:وما هو ؟ قلت: رأيت قطعة من جسدك قُطعت ووضعت في حجري، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :رأيت خيرا، ستلد فاطمة - إن شاء اللّه - غلاما يكون في حجرك . قالت: فولدت فاطمة الحسين، فكان في حجري كما قال رسول اللّه، فدخلت يوما على رسول اللّه، فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله تهريقان الدموع. فقلت: يانبي اللّه بأبي أنت وأمي، مالك، ومم بكاؤك؟ فقال:أتاني جبرئيل، فأخبرني أن أمتي ستقتل أبني هذا، وأتاني بتربة من تربته حمراء »(١) .

وروي: «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ذات يوم جالسا وحوله علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فقال لهم: كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى؟ فقال له الحسين عليه‌السلام : أنموتُ موتا أو نُقتل؟ فقال: بل تُقتل يا بُنيَّ ظلما، ويقتل أخوك ظلما، وتُشرّد ذراريكم في الأرض، فقال الحسين عليه‌السلام :

__________________

(١) الإرشاد ٢: ١٢٩، ورواه الحاكم في المستدرك ٣: ١٧٦، وإبن عساكر في تاريخ دمشق - ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام : ١٨٣ / ٢٣٢.

٢٨

ومن يقتُلنا يا رسول اللّه؟ قال: شِرار الناس »(١) .

ومن الجدير بالذكر أن أمير المؤمنينعليه‌السلام كان على علم بما يحمله رحم الغيب من مسلسل المآسي الذي سيقاسيه ولده الحسينعليه‌السلام وأهل بيته من بعده، وبأن الأحداث سوف تنفث سمّها، وتبعث بلهبها لتكوي بيت علي بعد رحيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عندما يحين الحين ويصرع الحسينعليه‌السلام .

عن هرثمة بن سليم، قال: «غزونا مع عليعليه‌السلام صفين، فلما نزل كربلاء صلَّى بنا، فلما سلّم رفع إليه من تربتها فشمّها ثمّ قال: واها لك يا تربة!ليحشرنّ منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب »(٢) .

وفي رواية الدَّينوري: «أنّ الحسين عليه‌السلام لمّا نزل بكربلاء قال: وما اسم هذا المكان؟ قالوا له: كربلاء. قال: ذات كرب وبلاء. ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين، وأنا معه، فوقف فسأل عنه، فأُخبر باسمه، فقال: هاهنا محطّ ركابهم، وهاهنا مهراق دمائهم. فسئل عن ذلك، فقال: ثقل لآل بيت محمد، ينزلون هاهنا »(٣) .

وها هي كربلاء تكبر مكانتها يوما بعد يوم، وعلى حدّ وصف العقاد: « فهي اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى، ويزوره غير المسلمين للنظر والمشاهدة، ولكنّها لو أعطيت حقّها من التنويه والتخليد، لحقّ لها أن تصبح مزارا لكلّ آدمي يعرف لبني نوعه نصيبا من القداسية وحظا من

__________________

(١) الإرشاد ٢: ١٣١.

(٢) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ٣: ١٦٩، دار احياء التراث العربي.

(٣) الأخبار الطوال: ١٨٩.

٢٩

الفضيلة، لأنّنا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء، بعد مصرع الحسين »(١) .

وليس أمير المؤمنينعليه‌السلام وحده من آل البيتعليهم‌السلام من اطَّلع على هذا السرِّ المقدَّس؛ سرّ شهادة الحسينعليه‌السلام ، فهو وعدٌ غير مكذوب، يتوارثه أهل البيتعليهم‌السلام ، ورد عن الامام الصادقعليه‌السلام : أنه قال: «دخل الحسين يوما على أخيه الحسن عليهما‌السلام ، فلمّا نظر إليه بكى، فقال: ما يُبكيك؟ قال: أبكي لما يُصنع بك. فقال الحسن عليه‌السلام : إن الذي يُؤتى إليّ سُمّ يدسّ إليّ فاُقتل به. ولكن لايوم كيومك يا أبا عبداللّه، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدَّعون أنهم من أمة جدنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وينتحلون الإسلام، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها يحلّ اللّه ببني أميّة اللعنة، وتمطر السماء دما ورمادا، ويبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش والحيتان في البحار »(٢) .

لهذا فإننا لا نبالغ إذا ما قلنا بأن واقعة الطفّ هي تخطيط غيبي وسر إلهي عظيم، فقد لوحظت فيها آثار الغيب وبصماته بصورة جليّة، حتى بعد مصرع الحسينعليه‌السلام من خلال الكرامات التي انكشفت للأعداء قبل الأصدقاء، فهذا مسروق بن وائل الحضرمي، الذي كان يطمح في الحصول

__________________

(١) المجموعة الكاملة - الحسين أبو الشهداء ٢: ٢٣٧.

(٢) اللهوف: ١٨ - ١٩.

٣٠

على رأس الحسينعليه‌السلام لكي يصيب منزلةً عند ابن زياد، فجأة تخلّى عن القتال، وترك الجيش عندما رأى بأم عينيه ما حَّل بابن حوزة، هذا الشقي الذي نادى على الحسينعليه‌السلام بعدما حفر خندقا وأشعل فيه نارا لحماية مؤخرة جيشه من غدر الأعداء، قال اللَّعين: «يا حسين أبشر تعجّلت النار في الدنيا قبل الآخرة قال:ويحك أنا ! قال: نعم. قال:ولي ربّ رحيم، وشفاعة نبي مطاع كريم، اللهم إن كان عندك كاذبا فحزه إلى النار . قال: فما هو إلاّ أن ثنى عنان فرسه فوثب فرمى به، وبقيت رجله في الركاب، ونفر الفرس فجعل يضرب برأسه كلّ حجر وشجر حتى مات. وفي رواية: «اللهم حزّه إلى النار، وأذقه حرّها في الدنيا قبل مصيره إلى الآخرة »، فسقط عن فرسه في الخندق، وكان فيه نار. فسجد الحسينعليه‌السلام (١) .

وعندما لاحظ مسروق الحضرمي تلك الدعوة المستجابة والكرامة الباهرة، تخلّى عن القتال، وفرّ بجلده من ساعته وهو يسرّ لصاحبه: « لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم أبدا »(٢) .

ومن الذين لمسوا الآثار الغيبية وأدركوا الغضبة الإلهية، رجل من بني دارم، كان يقول: « قتلت رجلاً من أصحاب الحسين، وما نمت ليلة منذ قتلته إلاّ أتاني في منامي آت فينطلق بي إلى جهنّم، فيقذف بي فيها حتى أُصْبِح. فسمعت بذلك جارة له فقالت: ما يدعنا ننام الليل »(٣) .

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٤: ٥٦ - ٥٧.

(٢) انظر: تاريخ الطبري ٦: ٢٣٢، حوادث سنة إحدى وستّين.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٤: ٥٨.

٣١

ممّا تقدّم تبيّن أنّ الإمامعليه‌السلام قد كشف عن بعض ما خطه قلم الغيب من حوادث يوم الطفّ وما أعقبه من آثار.

* * *

٣٢

ثانيا: البعد العبادي

إنّ نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام كانت تكليفا إلهيّا، ووظيفة شرعية، وعبادة عالية، لا تقاس بها عبادة من العبادات، وكذلك أفعال سائر الأئمّةعليهم‌السلام وتروكهم، وجميع أفعالهم وحركاتهم.

ويظهر البعد العبادي جليّا في نهضة عاشوراء من خلال صلاة الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء تحت أسنّة الحراب، وإكثاره من الدعاء والاستغفار، وتمسّكه بالقرآن تلاوةً وعملاً من خلال محاوراته وسلوكه.

صلاة الحسينعليه‌السلام في كربلاء:

ما أكثر الأحاديث التي تُظهر فضل وفضيلة الصلاة، وكونها عمود الدين، وأحبّ الأعمال إلى اللّه عزّوجلّ، وهي آخر وصايا الأنبياء، وقد أشاد القرآن قبل ذلك بمكانتها، وذمَّ أقواما لاستهانتهم بها، فقال عزَّ من قائل:( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ) (١) ، يعني أنّهم غافلون استهانوا بأوقاتها، وقال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : «وليكن أكثر همّك الصلاة، فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين »(٢) . فالصلاة التي يقف فيها الإنسان بين يدي جبار السماوات والأرض تُعطي زخما روحيا يزيد من قوّته على تحدّي معاناة الحياة ومواجهة ما يأتي به الدهر من صروف.

والصلاة - إضافة إلى ذلك - هي معراج المؤمن اليومي إلى عالم

__________________

(١) سورة الماعون: ١٠٧ / ٤ - ٥.

(٢) تحف العقول / ابن شعبة الحرّاني: ٢٦.

٣٣

الملكوت، يحطم من خلالها كل القيود والحواجز، التي يضعها الاشرار أو التي تأتي بها الاقدار.

ثم ان الصلاة هي واحة الحرية في صحراء الاستبداد، فمن خلال نافذتها الواسعة يدخل الإنسان عالما ليس فيه حدود ولاسدود. وهي أيضا بمثابة صمام الأمان للإيمان، تنهى عن الفحشاء والمنكر اللذين يفسدان الإيمان كما يفسد الخل العسل.

وقد اعترف كبار المفكرين بدور الصلاة في مواجهة أعباء الحياة، ومنهم الكسيس كاريل؛ هو من ألمع الأطباء الغربيين وحائز على جائزة نوبل. يقول في كتابه ( الإنسان ذلك المجهول ): إن الصلاة هي أعظم طاقة مولدة للنشاط الإنساني عُرفت حتى الآن.

ولقد عرف المسلمون قيمة الصلاة والقوة الدافعة التي هي سر من أسرارها الكثيرة، وتمكن الإسلام من أن يخلق رجالاً من طراز خاص يتمتعون بشخصيات قوية ورصينة كالسبيكة الصُلبة التي يصعب اختراقها، نقلتهم العبادة والصلاة خارج أسوار الذات كلما عصفت بهم أزمة أو انتابهم بلاء، كانوا يعتصمون بصلاتهم ويتزودون من زادها الروحي مثل مائدة شهية يقترب منها الإنسان عندما يشعر بالحاجة إلى الطعام.

وأبرز مصداق - باتفاق المسلمين - لتلك الشخصيات، التي أدركت ما للصلاة من قوة معنوية كبيرة، هم أهل البيتعليهم‌السلام الذين يجسدون المثل الأعلى في الالتزام الديني، كانوا يُولون الصلاة عناية فائقة، لإدراكهم الواعي والعميق لأبعادها وأسرارها وفضيلتها، وتفاعلهم معها وانفعالهم

٣٤

بها، تقول كتب السيرة بأن أهل البيتعليهم‌السلام عندما يدخلون الصلاة يرتعدون ارتعاد المحموم، ويرتجفون كريشة في مهب الريح، ويقفون في الصلاة بكل خضوع وخشوع.

وعندما ننتخب الحسينعليه‌السلام - وهو أحد أقطاب آل البيتعليهم‌السلام - نموذجا لمعرفة مدى صلتهم بالصلاة، حينئذ نرى عجبا، نرى هذه الشخصية الكبيرة تنصهر تماما في بوتقة الصلاة، على الرغم من المعاناة التي كان يقاسيها، والمأساة التي نسجت من حوله خيوطها السوداء في كربلاء.

كان - مع ذلك - عندما يقف للصلاة ينسى ما حوله ومَن حوله، مما دعا العرفاء الذين نظروا إلى النهضة الحسينية من زاويتها العرفانية أو ما فوق العقلية أن يطلقوا عليها تسمية مدرسة العشق.

ففي تلك الليلة العصيبة، ليلة العاشر من المحرم، اجتمعت كل الظروف والعوامل التي تبعث على اليأس والوهن والضعف، تراه يبدأ خطبته في مثل هذه الظروف بروح مختلفة تماما، فجمع الحسينعليه‌السلام أصحابه عند قرب المساء. قال علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام : «فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم، وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: أُثني على اللّه أحسن الثناء، وأحمدُهُ على السراء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين »(١) .

إذا « في ظل تلك الظروف الصعبة والعسيرة، ترى الحسينعليه‌السلام ينطق

__________________

(١) الإرشاد ٢: ٩١.

٣٥

بالرّضا والتسليم للظروف والعوامل الموضوعية، لماذا؟ لأنه يعيش ظروفا معنوية عالية. إنه موحّد للّه عقيديا وعمليا، وعابد وساجد للّه »(١) .

هذا الثبات المنقطع النظير هو ثمرة يانعة من ثمار العبادة والصلاة اللتين جعلتا وجهه يتلألأ كالبدر كلما سقط شهيد جديد من أهل بيته أو أصحابه، حتى ان هذا الأمر قد أذهل أعداءه وكانوا يتجنّبون التقرّب إليه لشدّة سطوع الأنوار المنبعثة من محيّاه وقسمات وجهه، وكان وجهه يزداد إشراقا كلما ازدحمت الخطوب وتكاثر الأعداء المحيطون به. حتى أن أحدهم أبدى دهشته وإعجابه بقوله: « واللّه ما رأيت مكثورا قط قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا، ولا أمضى جَنانا منهعليه‌السلام ، إنْ كانت الرّجّالة لتشدُّ عليه فيشدُّ عليها بسيفه، فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المِعزى إذا شدَّ فيها الذئب »(٢) .

أجل كان رابط الجأش، علما بانه كان يقاتل وهو في أشد حالات العطش. ما هو السر يا ترى؟. لا يمكن تفسير ذلك وفق المقاييس المادية، وانما يمكن إرجاعها إلى الزخم المعنوي الهائل الذي يحصل عليه الحسينعليه‌السلام من خلال جسر الصلاة التي أخذت تُغذي بمائها المعنوي عروقه اليابسة وشفاهه الذابلة، كما يُغذي ماء الحياة العود اليابس.

خصوصا وانه لم ينس أو يتناس الصلاة، حتى في أحرج ساعاته قدوة بأبيه عليعليه‌السلام الذي لم يؤخر صلاته المفروضة في أحرج ساعات الحرب،

__________________

(١) انظر: الملحمة الحسينية / الشهيد مرتضى المطهري: ٣ / ٢١.

(٢) الإرشاد ٢: ١١١.

٣٦

وخاصة في ليلة الهرير يوم صفين. فصفّ قدميه لوجه اللّه مصلّيا، والحرب قائمة على قدم وساق من حوله، ولما لاموه عليها، بيّن لهم أن حربه من حيث الأساس هي لإقامة الصلاة، التي تنهى - في جوهرها - عن المنكر والبغي، وكان ابنه الحسينعليه‌السلام ينسج على منواله، والشبل من ذاك الأسد.

لقد اهتم بإقامة الصلاة في ذلك الوقت العصيب عندما صاح مؤذنه أبو ثمامة الصيداوي، وصلى بأصحابه، ولكن صلاة الخوف قصرا وسهام الأعداء تترى عليه بالرغم من استمهاله إياهم لإقامتها!

أيخشى الإمامعليه‌السلام قتله في الصلاة وقد مضى أبوه قتيلاً في محرابه؟ أم يخشى الموت صحبه وهم يتسابقون إليه تسابق الجياع إلى القصاع، ويحبّذون الموت دونه لوجه اللّه وفي سبيل رسوله؟ يقول الشهرستاني: « لقد كانت صلاة الحسينعليه‌السلام من أصدق مظاهر إخلاصه للّه وتمسّكه بالشريعة »(١) .

صلاة تحت الحِراب

يقول الرّواة: « لما حلَّ وقت صلاة الظهر يوم العاشر من المحرم، أمر الحسينعليه‌السلام زهير بن القين وسعيد بن عبد اللّه الحنفي، أن يتقدّما أمامه بنصف ممن تخلّف معه، ثم صلى بهم صلاة الخوف، فوصل إلى الحسينعليه‌السلام سهم، فتقدّم سعيد بن عبد اللّه الحنفي ووقف يقيه بنفسه حتى سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهمَّ العنهم لعن عاد وثمود، اللهمَّ أبلغ نبيك عنّي

__________________

(١) نهضة الحسين / هبة الدين الشهرستاني: ١٢٤.

٣٧

السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فاني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك، ثم قضى نحبه رضوان اللّه عليه، فوُجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح »(١) .

علما بأن الحسينعليه‌السلام حاول ليلة العاشر من المحرم تأجيل القتال عندما بدأ جيش العدو يزحف باتجاه معسكره، فأرسل أخاه العباس بن علي (سلام اللّه عليه)، ليتفاوض مع القوم حتى يُرجئوا القتال إلى الغد، ولم يكن ذلك خوفا من الموت أو خدعةً من أجل البحث عن مخرج، بل لكي يجد متسعا إضافيا من الوقت يصلّي فيه لربه ويُكثر من الدعاء والإنابة إليه، فقد قال لأخيه العباس ( سلام اللّه عليه ): «ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى الغُدوة وتدفعهم عنّا العشيّة، لعلنا نصلّي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلمُ أني قد أُحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه والدُّعاء والاستغفار »(٢) .

لقد أظهر الحسينعليه‌السلام بلسان الحال بأن الصلاة هي أثمن ما في الحياة، وبأنّ لها نكهة خاصة في الظروف غير الطبيعية، حيث تُزوّد الإنسان المقهور بشحنات من النور، ودفقات من الحرارة الروحية، فتشد من عزيمته وتخفف من وطأة الخطوب عنه.

والمفارقة العجيبة التي حصلت في واقعة الطف، أن الحسينعليه‌السلام الذي صلى الظهر - كما أسلفنا - صلاة الخوف، كان أعداؤه يخافون من صلاته،

__________________

(١) اللهوف: ٦٦.

(٢) الإرشاد ٢: ٩٠ - ٩١.

٣٨

لأنهم وجدوا فيها سلاحا فعالاً لتأجيج المشاعر وصحوة الضمائر عند مرتزقتهم، لذلك حاولوا بشتى السبل والحيل أن يمنعوه من إقامة شعائر الصلاة، لولا المعارضة التي أبداها بعض قادة وجنود الجيش الأموي، وخشيتهم من انقلاب الأوضاع لغير صالحهم، لا نقول هذا الكلام جزافا وانما نستند إلى أقوال الرّواة الذين نقلوا بان الحسينعليه‌السلام عندما طلب من أخيه العباس إرجاء أو تأجيل القتال إلى الغد، فقد توقف عمر بن سعد ولم يُبد أي موافقة على هذا الطلب، ولكن بعد المعارضة القوية والاستهجان الذي قُوبل به من قبل بعض أفراد قواته أذعن لهذا الطلب المشروع، ووافق على مضض، وخاصة عندما احتج عليه عمرو بن الحجاج الزبيدي الذي قال مستنكرا ومستهجنا: «واللّه لو أنهم من الترك والديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم، فكيف وهم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ! فأجابوهم إلى ذلك »(١) .

فكانت صلاة الإمام وعبادته الصادقة عندما تقدّم الصفوف بسيماه الملائكي وهو يضع على رأسه عمامة رسول اللّه المعروفة بالسحاب، كانت تشكل عامل جذب لبعض النفوس الخيرة المتحيرة، التي التبست عليها الأمور، وكانت تراقب سلوكيات المعسكرين لكي تتعرف على ملامح الحق ودلائل الصدق، فوجدت في الحسينعليه‌السلام وأصحابه سيماء الإيمان والصلاح والحرص على حقن الدماء، لذلك انجذبت إلى جبهة الحسينعليه‌السلام كما ينجذب الفراش نحو النور.

ويروى أنّ أصحاب الحسينعليه‌السلام باتوا ليلة عاشوراء ولهم دوي كدوي

__________________

(١) اللهوف: ٥٤.

٣٩

النحل، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، ومن أجل تلك المظاهر الإيمانية النقية تأثّر البعض من الطرف المقابل وانضمّ إلى معسكر الحق.

يقول الرواة: « عبر عليهم - أي على أصحاب الحسينعليه‌السلام - في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلاً »(١) .

وفي ظل هذه الأجواء، فاننا لا نتجاوز الحقيقة إذا ما قلنا بأن القيادة اليزيدية سعت إلى عرقلة ومنع تلك المظاهر العبادية بشتى الأساليب وأقسى التدابير، وعند استقرائنا لتلك الاجراءات وجدنا أن الوثائق التاريخية تؤيد وتؤكد بأن هذه القيادة قد اتبعت أسلوبين أساسيين، هما:

الأول: أسلوب التشكيك

من خلال الإدعاء بأن صلاة الحسينعليه‌السلام لا تقبل لأنه - حسب زعمهم - قد شقَّ عصا الطاعة، وفارق الجماعة، ورفض البيعة ليزيد بن معاوية، وقد برزت تلك المزاعم الواهية بصورة علنية عندما استأذنهم الإمامعليه‌السلام لأداء فريضة صلاة الظهر، وطلب منهم أن يمهلوه حتى نهاية الصلاة، فقال له الحصين وهو أحد أقطاب الجيش اليزيدي: انها لا تُقبل منك!. فردّ عليه الصحابي الجليل حبيب بن مظاهر الأسدي وقال له: زعمت انها لا تقبل من آل رسول اللّه، وتُقبل منك يا حمار!(٢) ، فحمل الحصين عليه، فخرج إليه حبيب بن مظاهر وضرب وجه فرس الحصين بالسيف فشبَّ به الفرس، ووقع عنه، فحمل أصحابه وجعل حبيب يحمل

__________________

(١) انظر: اللهوف: ٥٧.

(٢) انظر: تاريخ الطبري ٦: ٢٣٧، حوادث سنة احدى وستّين.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181