تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ١

تسلية المجالس وزينة المجالس10%

تسلية المجالس وزينة المجالس مؤلف:
المحقق: فارس حسون كريم
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 337181 / تحميل: 8183
الحجم الحجم الحجم
تسلية المجالس وزينة المجالس

تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

١

٢

٣

٤



٥


كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله الأطياب الأخيار.

وبعد:

ففي عام ١١ للهجرة أفل النور المقدّس من الأرض، ذلك النور الذي بعثه الله بشيراً ونذيراً للعالمين، وقبل أن يوارى جثمانه الثرى بدأ خطّ الانحراف عن الرسالة التي جاء بها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانت وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدّاً فاصلاً بين عهدين يختلفان كلّ الاختلاف، فذاك عهد اتّسم بالايمان والصدق والرحمة، وهذا عهد الانقلاب على الأعقاب، وكأنّ القوم أبوا إلا أن يطبقوا الوعد الإلهي( أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) (١) .

وكان من نتائج هذا الانحراف هو انقسام الاُمة إلى قسمين:

أحدهما: محب لأهل البيتعليهم‌السلام موالٍ لهم، وملتزم بنهجهم الذي وضعوه، منكر لخطّ الانحراف ولمبدأ السقيفة في الحكم.

والثاني: خطّ أصحاب المصالح والهمج الرعاع، والّذي شمل إضافة إلى أتباع الشيخين، الحزب الأمويّ والخوارج الذين أردوا أمير المؤمنينعليه‌السلام شهيداً في محرابه، واستولى على الحكم معاوية بعد أن اُرغم الامام الحسنعليه‌السلام على الصلح معه لأسباب معروفة.

ومات معاوية وهو يوصي ابنه يزيد بأن يبادر إلى أخذ البيعة من جماعة، وخصّ بالذكر الإمام الحسينعليه‌السلام .

واستلم يزيد الخلافة بعد أبيه، وهو ليس أهلاً للحكومة فضلاً عن خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ بعض التأمّل في شخصيّة هذا الرجل وفي بعض ذاتياته وممارساته من خلال ما أوردته كتب التاريخ والسير عن فترة حكمه القصيرة، يظهر

__________________

١ - سورة آل عمران آيه: ١٤٤.


٦


لكلّ ذي عقل بأنّه كان فاشلاً وخاسراً في جميع الامور وبالأخصّ في الخطّين الرئيسيين اللذين يجب أن يتّصف بهما الحاكم المسلم ؛ ألا وهي خطّي السياسة، والالتزام الديني.

وكان أبناء الاُمّة آنذاك قد تلبّد إحساسهم وأخلدوا إلى سبات عميق، فهم همج رعاع ينعقون مع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، كما وصفهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولولا دم الحسينعليه‌السلام لما تغيّر هذا الحال.

فالحسين الرمز، هو ذلك الانسان الّذي عرف طريقه، فلم تلوه عنها نصائح المحبّين - كابن عبّاس -، ولا تحذيرات المنافسين - كالحرّ بن يزيد الرياحي -، ولكن الحسين مضى، لأنّه مُضاءٌ ببرقٍ داخليّ، يعرفه هو، لينفّذ ما في الكتب، كما يقول السيد المسيح

رفض عروض الوليد بن عقبة والي يزيد على المدينة، وخرج إلى مكّة لليلتين بقيتا من شهر رجب سنة ٦٠ للهجرة.

وخرجعليه‌السلام إلى العراق في الثامن من ذي الحجة، وقُتل رسوله إلى العراق مسلم بن عقيل بعد ذلك بيومٍ واحد.

وبلغعليه‌السلام مشارف الكوفة، وكان والي يزيد عليها عبيد الله بن زياد، فأرسل ألف فارس بقيادة الحرّ بن يزيد لاصطياد الحسين ومن معه والتقى الركبان ودار بين الامام الحسين وبين الحرّ بن يزيد حوار طويل غير انّه لم يثنِ الحسين بن عن غايته، لذلك انجذب إليه قائد الجيش الأمويّ « الحرّ » وجاهد ما استطاع دونه ودون آل بيته من النساء والأطفال حتى ضُرّج بدمه.

وهكذا سائر أصحاب الامام وأنصاره - مسلم بن عوسجة، وبرير، وزهير، وحبيب، و - تابعوه في مسيرة الشهادة، والمواقف الصامدة والبطولية التي وقفوها أمام الموت المحقّق، فصمدوا واستشهدوا، وضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء في سبيل نصرة إمام زمانهم الحسينعليه‌السلام .

وتشابكت الأحداث وتعقّدت، ثم مرّت بسرعة، وإذا بالحسين مخضّب بدمه،


٧


في كربلاء، لم يحد عن صراطه السويّ، فلم يُهادن الظالمين، ولم يستسلم للباطل، ولم يبايع، وإنّما خرج ثائراً على كلّ ذلك، فإصلاح اُمّة جدّه، وليجدّد إسلام الاُمّة التي انقلبت على أعقابها، فيجعلها خير اُمّة اُخرجت للناس.

فكان عاشوراء اختضاب الأرض بالدم الحسيني مرّة، ولكنّه سيظلّ زينة السماء الداعية إلى الحرية الحمراء، قبل كلّ شروق، وبعد كلّ غروب

ومع استشهاد الامام الحسينعليه‌السلام تيقّظت ضمائر أبناء الاُمّة، وانتشر حبّ آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صفوفهم، وتحرّك الأئمّةعليهم‌السلام واحداً تلو الآخر في سبيل نشر المبادئ التي ثار من أجلها الحسينعليه‌السلام ، وتوالت الثورات الشيعية التي تطالب بالثأر من قتلة الحسين فكانت ثورة المختاررحمه‌الله ، وثورة التوّابين، وعشرات الثورات الاُخرى، وأخذ العلماء والخطباء وأهل السير بالحديث عن الثورة والمآسي التي رافقتها.

وأضحى يوم عاشوراء رمزاً لكل المحرومين والثائرين ضدّ الظلم والطغيان في كلّ مكان وزمان، واُلّفت مئات الكتب التي تحدّثت عن وقائع ثورة الحسين « ع ».

ومن هذه الكتب القيّمة هذا الكتاب الذي بين يديك - عزيزي القاريء - وهو « تسلية المُجالس وزينة المَجالس » المسمّى ب‍ « مقتل الحسينعليه‌السلام » للسيد العالم الأديب محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائريرحمه‌الله ، وقد حوى على مقدّمة ومجالس عشرة، تطرّق المؤلّف في مقدّمته لبعض فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وردّ بعض الأحاديث التي وضعها الأمويّون، وبالأخص في حكم معاوية، والتي حاولت الرفع من منزلة الصحابة، والحطّ من شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

وقد تصدّى الفاضل فارس حسّون كريم لتحقيق هذا السفر القيّم، ليخرجه لمحبّي أهل البيت من زوايا المكتبات، بعد أن تحمّل جهوداً مُضنية في الحصول على نسخة الكتاب النفيسة، واستنساخها، ومراجعة عشرات المصادر من أجل تثبيت الخبر الصحيح، فجزاه الله خير جزاء المحسنين.

مؤسسة المعارف الاسلامية - قم


٨


الاهداء

سيديّ أبا الأحرار.

يا من كان اسمه نغمة حلوة في فم أبي الزهراء - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ،يستعذبها ولا يملّ من ترديدها، ففيك وفي أخيك كان يجد اُنسه وسلوته عمّا فقد من الأبناء، وما يؤذيككان يؤذيه، حتى انّه سمع بكاءك ذات مرّة فقال للزهراء عليها‌السلام :

أما علمت أنّ بكاءه يؤذيني؟

فما عساه أن يقول لو قد رأى اُمّة الضلال قد تكالبت على انتهاك حرمتك؟!

فقد بارزتك بسيوف الدهر، ورمتك بسهامه، غير أنّها جعلت منك قبلة للشفاعة نترنّم فيها طرباً.

فكان عملي هذا عنوان تذكار الولاء، عساه أن يحظى بالقبول، فأبلغ غاية المأمول.

فارس


٩



١٠


ترجمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الحكيم الوهّاب، ربّ الأرباب، والهادي إلى سبيل الهدى والصواب.

والصلاة والسلام على خير خلقه المؤيّد بفصل الخطاب، خاتم أنبيائه محمد أشرف الأحباب.

وعلى آله، النور المبين والصراط المستقيم ومنهاج الصواب، اُولي العلم المحسودين على ما آتاهم الله من فضله واُولي الأمر كما جاء به الكتاب، ترفع بهم درجات شيعتهم وتخفض درجات اعدائهم النصّاب.

وبعد:

فكثر هم الأعاظم الذين لم ينصفهم التاريخ، وهذا السيد الذي نحن بصدد الحديث عن حياهت واحد من اولئك الأكابر.

فالسيدرحمه‌الله رقم ناصع في جبين الدهر، وهو عالم كبير، فاضل خبير، كامل قدير، أديب جدير، شاعر ناثر، ناظم ماهر، يشهد له كتابه هذا بعلوّ كعبه، وشدّة إيمانه، ومع كلّ هذا لم نعثر له على ذكر شاف يفي بحقّ هذا السيد


١١


الجليل.

والّذي وجدناه عبارات موجزة مقتضبة جدّاً لا تسمن ولا تغني من جوع، فلم تتطرّق لجانب بسيط من عمره الشريف، كنسبه، اُسرته، مدينته، محلّ وتاريخ ولادته، وما أعقبها من مراحل حياته، كدراسته وشيوخه وتلامذته، وأخيراً تاريخ وفاته.

وكأنّهرحمه‌الله على يقين بما تخبّئ له غِيَر الزمان من تجاهل وإهمال، ففي موضع من كتابه هذا أورد اسمه ونسبه ولقبه كاملاً(١) ، وفي موضع آخر بيّن محلّ ولادته وسبب تركه ذلك المحلّ واستيطانه الحائر(٢) ، وفي موضع ذكر أنّه رأى كتاب « روضة الشهداء » للكاشفي(٣) فصنّف « تسلية المجالس وزينة المجالس » على منواله(٤) ، وفي موضع ذكر أنّه بعث ابنه طاهر ليأتيه بكتاب « تذكرة الفقهاء » للعلّامة الحلّي(٥) (٦) ، وفي موضع آخر من هذا الكتاب أشاد

__________________

١ - في ج ١ / ٥٣.

٢ - في ج ١ / ٥٤.

٣ - « روضة الشهداء » فارسي، للحسين بن علي الكاشفي البيهقي، المتوفّى في حدود سنة ٩١٠ ه‍، مرتّب على عشرة أبواب وخاتمة فيها ذكر أولاد السبطين وجملة من السادات، واحتمل بعض أنّه أوّل مقتل فارسي شاعت قراءته بين الفرس حتى عرف قاريه ب‍ « روضة خوان »، ثمّ توسّع في هذا العنوان إلى هذا الزمان حتى يقال لكلّ قارئ « روضة خوان » « الذريعة: ١١ / ٢٩٤ رقم ١٧٧٥ ».

٤ - في ج ١ / ٦٩.

٥ - « تذكرة الفقهاء » في الفقه الاستدلالي من تصنيف العلّامة جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف الحلّي، المتوفّى سنة ٧٢٦ ه‍، وقد طبع في مجلّدين ضخمين في إيران « الذريعة: ٤ / ٤٣ رقم ١٦٩ ».

وقد طبع مؤخّراً في قم بتحقيق ونشر مؤسّسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث.

٦ - في أواخر الجزء الثاني.


١٢


بالسلطان الشاه إسماعيل أبو المظفّر الصفوي(١) (٢) ، وفي موضع ذكر غزو التتار وما فعلوا(٣) ،

اسمه ونسبه الشريف:

السيد محمد بن أبي طالب بن أحمد بن محمد المشهور بن طاهر بن يحيى ابن ناصر بن أبي العزّ(٤) الحسيني الموسوي الحائري الكركي.

__________________

١ - الشاه إسماعيل الأوّل بن السلطان حيدر الحسيني الموسوي الصفوي، ينتهي نسبه إلى حمزة بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، ولد في ٢٥ رجب سنة ٨٩٢ ه‍، وتوفّي في تبريز ١٩ رجب سن ٩٣٠ ه‍ أو ٩٣١ ه‍، ودفن بمقبرة جدّه صفي الدين في أردبيل، ابتدأت سلطنته سنة ٩٠٦ ه‍ ومدّة ملكه ٢٤ سنة، وهو أوّل الملوك الصفويّة وموطّد دولتهم: « أعيان الشيعة: ٣ / ٣٢١ ».

٢ - في ج ١ / ٦٣.

٣ - في أواخر الجزء الثاني.

٤ - الظاهر أنّ « ابن أبي العزّ » هذا هو العالم الفاضل المعروف، وهو الذي ذهب مع والد العلامة الحلي والسيد مجد الدين بن طاووس لطلب الأمان لأهل الحلّة، والقصّة كما يلي:

قال العلامة الحلّي - المتوفّى سنة ٧٢٦ ه‍ - في كشف اليقين: ١٠١ ح ٩٣: لمّا وصل السلطان هولاكو إلى بغداد قبل أن يفتحها هرب أكثر أهل الحلّة إلى البطائح الا القليل، وكان من جملة القليل والديرحمه‌الله والسيد مجد الدين بن طاووس والفقيه ابن أبي العزّ، فأجمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنّهم مطيعون داخلون تحت الإيليّة، وأنفذوا به شخصاً أعجميّاً.

فأنفذ السلطان إليهم فرماناً [ الفرمان: الأمير الملوكي ] مع شخصين ؛ أحدهما يقال له تُكلْم، والآخر يقال له علاء الدين، وقال لهما: إن كانت قلوبهم كما وردت به كتبهم فيحضرون إلينا، فجاء الأميران فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه، فقال والديرحمه‌الله : إن جئت وحدي كفى، فقالا: نعم، فاصعد معهما.

فلمّا حضر بين يديه، وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة، قال له: كيف أقدمتم على مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا ما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم؟ وكيف تأمنون إن صالحني ورحلت نقمته؟


١٣


محلّ ولادته وهجرته إلى الحائر:

حدّد المؤلّفرحمه‌الله مكان مولده قائلاً:

إنّي لمّا هجرت مهاجر أبي واُمّي وعمومتي وبني عمّي ومسقط رأسي ومولدي، ومصدري في الاُمور وموردي، وهي البلدة المشهورة بين أرباب الطريقة بالأرض المقدّسة، وهي في الحقيقة على تقوى الله مؤسّسة أعني البلدة المشهورة ب‍ « دمشق » معدن الفجور والغرور والفسق(١) .

فحثثت ركابي عن ديارهم، وأبعدت قراري من قرارهم وحططت رحلي ببلاد الوصيّين، وألقيت كلّي على إمام المتّقين، وجعلت مشهد قرّة

__________________

فقال له والدي: إنّما أقدمنا على ذلك، لأنّا روينا عن إمامنا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أنّه قال في بعض خطبه: الزوراء وما أدراك ما الزوراء؟ أرض ذات أثلٍ يشيّد فيها البنيان، ويكثر فيها السكّان، ويكون فيها مهارم وخزّان، يتّخذها ولد العبّاس موطناً، ولزخرفهم مسكناً، تكون لهم دار لهو ولعب، يكون بها الجور الجائر، والحيف المحيف، والأئمّة الفجرة، والقرّاء الفسقة، والوزراء الخونة، تخدمهم أبناء فارس والروم.

لا يأتمرون بينهم بمعروفٍ إذا عرفوه، ولا ينتهون عن منكرٍ إذا أنكروه، تكتفي الرجال منهم بالرجال، والنساء بالنساء، فعند ذلك الغمّ العميم، والكباء الطويل، والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك، وما هم الترك، قوم صغار الحدق، وجوههم كالمجان المطرقة، لباسهم الحديد، جردٌ مردٌ، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا، ملكهم جهوري الصوت، قويّ الصولة، عالي الهمّة، لا يمرّ بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية الا نكسها، الويل الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر.

فلمّا وصف لنا ذلك، ووجدنا الصفات فيكم، رجوناكم فقصدناك، فطيّب قلوبهم، وكتب لهم فرماناً باسم والديرحمه‌الله يطيّب فيه قلوب أهل الحلّة وأعمالها. انتهى.

ورواه العلّامة أيضاً في نهج الحقّ وكشف الصدق: ٢٤٣ - ٢٤٤، وعبد الله أفندي الأصفهاني في رياض العلماء: ٦ / ٩ ( إشارة )، والشيخ عبّاس القمّي في الكنى والألقاب: ١ / ١٨٩، وسفينة البحار: ٣ / ٥٣٣، والسيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة: ٢ / ٢٥٨، والمدرّس في ريحان الأدب: ٥ / ٢٣٣ رقم ٤٣٠.

١ - انظر ج ١ / ٥٤.


١٤


عينه أبي عبد الله موطني، وحضرته الشريفة في حياتي ومماتي مسكني ومدفني(١) .

 ما قيل في الاطراء عليه:

كتب على ظهر النسخة ما هذا نصّه: كتاب « تسلية المجالس وزينة المجالس » تأليف السيد الحسيب النسيب، العالم الفاضل الكامل، خلاصة البلغاء، زبدة الخطباء النصحاء الألبّاء، اُنموذج سلفه الطاهرين، وصفوة الفضلاء البارعين، فخر الملّة والشريعة والدين، محمد بن أبي طالب أدام الله أوصاله(٢) .

وقال المجلسيرحمه‌الله : السيد النجيب العالم محمد بن أبي طالب(٣) .

وقال في موضع آخر: وكتاب « تسلية المجالس » مؤلّفه من سادة الأفاضل المتأخّرين(٤) .

وقال السيد إعجاز النيسابوري الكنتوري: السيد النجيب العالم محمد بن أبي طالب(٥) .

وقال الميرزا الخوانساري - ضمن كلامه عن الفقيه محمد بن أبي طالب الاسترابادي -: ثمّ ليعلم أنّ هذا الرجل غير محمد بن أي طالب الحسيني الحائري الذي كان هو أيضاً كما في رجال النيسابوري(٦) من جملة

__________________

١ - انظر ج ١ / ٦٢.

٢ - ستعرف أنّ النسخة كتبت في عصر المؤلّفرحمه‌الله .

٣ و ٤ - بحار الأنوار: ١ / ٢١ و ٤٠.

٥ - كشف الحجب والأستار: ١٢١ رقم ٥٧٩.

٦ - وهو الميرزا محمد الاخباري المقتول. « الذريعة: ١٠ / ١٥٧ رقم ٢٨٣ ».


١٥


المشايخ(١) .

وقال السيد الأمين: في رسالة « نزهة أهل الحرمين »(٢) وصفه بالعالم الجليل والسيد الجليل(٣) .

ولده:

صرّح المؤلّفرحمه‌الله أنّه أرسل ولده « طاهر » ليأتيه بكتاب « تذكرة الفقهاء » للعلّامة الحلّي. ولا نعلم كم له من الأولاد، وكم كان عمر ناصر حينذاك؟(٤)

فترة عمره الشريف:

بما أنّا لم نتعرّف على تاريخ ولادة المؤلّف ولا تاريخ وفاتهرحمه‌الله ،

____________

١ - روضات الجنّات: ٧ / ٣٥.

واحتمل الشيخ آقا بزرگ الطهراني في طبقات آعلام الشيعة « إحياء الداثر من مآثر أهل القرن العاشر: ٢١٤ أن يكون المؤلّف هو نفسه محمد بن أبي طالب الموسوي الحسيني الاسترابادي، تلميذ المحقّق الكركي، وشارح الجعفريّة، وسمّى الشرح « المطالب المظفّرية »، حيث قال:

ولعلّه الاسترابادي المذكور فإنّه في آخر المجلس الخامس في أحوال مسلم بن عقيل أظهر الشكوى من أهل زمانه وغدرهم به كما غدر أهل الكوفة بمسلم. قال: ولمّا نجّاه الله منهم هاجر إلى كربلاء واتّخذها موطناً ومستقرّاً فيظهر أنّه لم يكن حائريّ الأصل. انتهى.

أقول: يبدو أنّ الحقّ مع الميرزا الخوانساري، حيث إنّ المؤلّفرحمه‌الله صحيح لم يكن حائريّ الأصل لكنّه كركيّ، كما هو صرّح في كتابه، وكما بيّناه فيما سبق.

٢ - « نزهة أهل الحرمين في تاريخ تعميرات المشهدين » في النجف وكربلاء، لسيّدنا الحسن بن هادي صدر الدين العاملي الأصفهاني الكاظمي « ١٢٧٢ - ١٣٥٤ » صاحب « تأسيس الشيعة الكرام لفنون الاسلام ». الذريعة: ٢٤ / ١١٤ رقم ٥٩٢ ».

٣ - أعيان الشيعة: ٩ / ٦٢.

٤ - انظر أواخر الجزء الثاني.


١٦


فلذا من الصعب تحديد الفترة التي عاشها، الا أنّ هناك دلالات نعرف من خلالها العصر الذي عاش فيه هذا السيد البارع، وكما يلي:

١ - انّهرحمه‌الله عثر على كتاب « روضة الشهداء » للمولى الحسين الواعظ الكاشفي، المتوفّى سنة « ٩١٠ » ه‍، وتاريخ تأليف الروضة هو سنة « ٨٤٧ » ه‍، وألّف كتابه هذا على منوال الروضة.

٢ - أشادرحمه‌الله في كتابه هذا بالسلطان شاه إسماعيل الصفوي، المولود سنة « ٨٩٢ » ه‍، وتسلّم السلطة سنة « ٩٠٦ » ه‍، وقاتل شيك خان الاوزبك سنة « ٩١٦ » ه‍، وتوفّي سنة « ٩٣٠ » ه‍.

٣ - لقد زار المؤلّف مرقد أمير المؤمنينعليه‌السلام في سنة « ٩٢١ » ه‍(١) .

٤ - كتب بعض قصائده وصرّح بأن عمره كان « ٧٠ » سنة(٢) .

٥ - ألّف السجع النفيس عام ٩٥٥ ه‍.

٦ - صرّح بأنّه حصل على كتاب « تذكرة الفقهاء » للعلّامة الحلّي سنة « ٩٠٠ » ه‍.

ونستنتج من هذا انّهرحمه‌الله ولد في القرن التاسع وعاش إلى أواسط القرن العاشر.

__________________

١ - انظر ج ١ / ٢٣٠.

٢ - انظر ج ٢ / ٧٤ و ١٣٠.


١٧


حول الكتاب

سفر كبير ثمين جلّه في مقتل الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وثواب إظهار الجزع لمصابه ومصاب أهل بيته، والبكاء لرزيّتهم والجلوس لعزيّتهم، وحمل سبايا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبناته وأحفاده إلى الشام.

وقد قال مؤلّفه: إنّي بعد أن منّ الله عليَّ بمجاورة سبط نبيّه أطلق لساني بمدح رسوله المصطفى، ووليّه المرتضى، وأهل بيتهما الأئمة النجباء فصرتُ اُحلّي بذكرهم المنابر، واُزيّن بشكرهم المحاضر فقلّ أن يمضي يوم من الأيام التي حباهم الله فيها بتفضيله، ونوّه بذكرهم في محكم تنزيله، إلا وقد وضعتُ خطبة في فضل ذلك اليوم الشريف كخطبة مولد البشير النذير، وخطبة يوم الغدير وذيّلتها بأحاديث رائقة وخطبة يوم السادس من شهر ذي الحجّة الذي كان فيه تزويج البتول من صنو الرسول، ويوم نزول سوة « هل أتى » وما في فضلهم أتى، والمجلس المشهور ب‍ « تحفة الزوّار ومنحة الأبرار » وهو مجلس ذكرت فيه ثواب زيارة سيّد الشهداء وفضل كربلاء، وكالتعزية الموسومة ب‍ « مجرية العبرة ومحزنة العترة » وهي خطبة يوم التاسع من المحرّم، وكالمجلس المشهور ب‍ « قاطع أسباب النفاق وقامع أرباب الشقاق » وهو مجلس قلته بإذن الله في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجّة وكالرسالة الموسومة ب‍ « السجع النفيس في محاورة الدلام وإبليس » وغير ذلك من رسائل وخطب وأشعار تحث على اقتناء الفضائل

وكان ذلك يشتمل على مائتي ورقة وأكثر، أبهى من عقود اللآلئ وأبهر


١٨


ثم إنّي بعد ذلك عثرت على كتاب لبعض فصحاء اللغة الفارسيّة، وفرسان البلاغة الأعجميّة(١) قد رتّبه على عشرة مجالس لقيام المآتم لمصاب الغرّ الميامين من بني هاشم شهداء كربلاء وجعلها خاصّة بالعشر الاُول من شهر محرّم الحرام وجعل لكلّ يومٍ من أيّامه مجلساً لقواعد الحزن والتعزية

فاستخرت الله سبحانه أن أنسخ على منواله في التصنيف والترتيب، وأقتدي بأفعاله في التأليف والتهذيب، واُزيّن مجالس أهل الايمان بمناقب سادتههم ومواليهم، واُهيّج أحزان قلوب أهل العرفان من شيعتهم ومواليهم، واُحلّي أجياد اللسان العربي بدرر نظمي ونثري، واُجدّد معاهد الأشجان بنواضح بدائع فكري، ورتّبته كترتيبه، وبوّبته كتبويبه، لكن لم أقصد ترجمة كلامه، ولا سلكت مسلكه في نثاره ونظامه، وجعلته عشرة مجالس ولم اُورد فيه من الأحاديث الا ما صحّحه علماؤنا، ورجّحه أعلامنا، ودوّنوه في كتبهم، ونقلوه عن أئمّتهم(٢) .

نسخة الكتاب:

هي النسخة النفيسة المخطوطة في مكتبة مدرسة النمازي في مدين « خوي » - من توابع محافظة تبريز - برقم ٤٥٩ مكتوبة بخطّ نسخ متوسّط، وأخطاؤها ليست قليلة، تقع في « ٥٨٥ » صفحة، احتوت كلّ صفحة « ٢٢ » سطراً قياس الصفحة ١٧ * ٧٠ / ١١ سم، سقط من وسطها سفحة واحدة أكلمناها من مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام للخوارزمي - وأشرنا له في

__________________

١ - مراده « روضة الشهداء » للمولى الكاشفي.

٢ - انظر ج ١ / ٦٧ - ٧٠.


١٩


محلّه -، ومن آخرها أيضاً صفحة أو أكثر وهي من نثر المؤلّف، فلذا توقّفنا في آخر الكتاب كما في النسخة. كتبت على النسخة بعض الحواشي بالفارسية وبالعربية.

وقد كتب على ظهر النسخة - وبنفس خطّ كاتب النسخة - ما هذا نصّه: كتاب « تسلية المجالس وزينة المجالس » تأليف السيد الحسيب النسيب الحسيني الموسوي الحائري أدام الله أوصاله.

فيفهم من هذا انّ النسخة مكتوبة في عصر المؤلّف ولعلّ كاتبها تلميذ المؤلّف أو شخص آخر(١) .

تسمية الكتاب:

اُطلق على الكتاب عدّة تسميات، وكما يلي:

١ - تسلية المُجَالس.(٢)

٢ - تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس.(٣)

٣ - زينة المَجَالس.(٤)

٤ - مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام (٥) .

وجميعها غير بعيد عن الصحيح، وثانيها هو الأصح والأكمل، وهو الذي

__________________

١ - قال الشيخ آغا بزرگ الطهراني: نسخة - أي من هذا الكتاب - عند الشيخ محمد رضا فرج الله. « الذريعة: ٢٢ / ٢٧ ».

٢ - بحار الأنوار: ١ / ٤٠، الذريعة: ٤ / ١٧٩ رقم ٨٨٥.

٣ - بحار الأنوار: ١ / ٢١، كشف الحجب والأستار: ١٢١ رقم ٥٧٩، أعيان الشيعة ٩ / ٦٢، طبقات أعلام الشيعة ( القرن العاشر ): ٢١٤.

٤ - الذريعة: ١٢ / ٩٤.

٥ - بحار الأنوار: ١ / ٢١، الذريعة: ٢٢ / ٢٧.


٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

فلنمنع الحزن على الحسينعليه‌السلام ؟ وإن لم يجز لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله التأثر الشديد بمقتل حمزة، لم يجز لنا التأثر بمقتل الحسينعليه‌السلام ؟

كيف والحسينعليه‌السلام أعز عند الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حمزةعليه‌السلام ؟

كل ذلك حكم العقل والبداهة، فضلا عن وجود الأدلة الخاصة التي تدل على فضل البكاء والنوح على سيد الشهداءعليه‌السلام سنذكرها فيما يلي.

١٣) مشروعية البكاء على سيد الشهداءعليه‌السلام

قال الكاتب: وما يذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح، إنما النياحة واللطم أمر من أمور الجاهلية التي نهى النبي (ص) عنها وأمر باجتنابها وليس هذا منطق أموي حتى يقف الشيعة منه موقف العداء بل هو منطق أهل البيت رضوان الله عليهم وهو مروي عنهم عند الشيعة كما هو مروي عنهم أيضا عند أهـل السنة، فقد روى ابن بابويه القمي في ( من لا يحضره الفقيه ) أن رسول الله (ص) قال: " النياحة من عمل الجاهلية …".

إن إشكال القوم على الشيعة فيما يخص مراسيم إحياء ذكرى سيد الشهداءعليه‌السلام محصورة في النقاط التالية:

٤١

أ- منع البكاء على الميت مطلقاً.

واستدلوا على ذلك " بأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه "، وقد رواه ابن عمر. ويرد عليه:

أولا: لا شك ببطلان مثل هذا الادعاء خاصة مع وضوح بكاء النبي يعقوب على ابنه يوسفعليهما‌السلام ، في قوله تعالى:

( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ).

ثانيا: إن عائشة لم تقبل بذلك وقد صرحت بأن ابن عمر لم يحفظ الرواية بصورة صحيحة وأن قوله هذا مخالف لقوله تعالى: ( ولا تزر وازرة وزر أخرى)، كما يروي ذلك البخاري في كتاب المغازي ومسلم في كتاب الجنائز.

ب - الإشكال على خصوص تكرار البكاء على الإمام الحسين عليه‌السلام وإعادة ذكر مصيبته في كل سنة.

أولا: يرد هذا الأمر بأن يعقوبعليه‌السلام قد أشكل عليه أبناؤه كما ينقل عنهم القرآن الكريم ( تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين )، فقوله تفتأ دليل على تكراره ذلك الأمر، فحسب الشيعة فخرا أن تقتدي بأنبياء اللهعليه‌السلام حينما يبكون على أوليائه.

ومكانة الحسين لا ينكرها إلا معاند، فشأنه عند الله تعالى يتجلى بما سبق ذكره من العلامات التي ظهرت في الكون وعبرت عن الغضب

٤٢

الإلهي على قتلتهعليه‌السلام ، وكذلك في الحديث الذي مر ذكره من أن الله تعالى قد أوحى إلى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه عز وجل إذا كان قد انتقم لدم يحيىعليه‌السلام بقتل سبعين ألف فسوف ينتقم لدم الحسينعليه‌السلام بسبعين ألف وسبعين ألف.

ثانيا: وقد أجاب الإمام زين العابدينعليه‌السلام بما دل من القرآن على استمرار حزن يعقوب عند رده على من أشكل عليه باستمرار حزنه على أبيه كما أورده أبو نعيم الأصفهاني عن الحسينعليه‌السلام في ( حلية الأولياء ) ج٣ ص ١٦٢عن كثرة بكائه - أي بكاء زين العابدينعليه‌السلام - فقال: "لا تلوموني فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهـل بيتي في غزاة واحدة أفترون حزنهم يـذهب مـن قلبي؟ ".

وهذا الإشكال من السلفيين هو نفس الإشكال على إحياء ذكرى المولد النبوي من التكرار السنوي للذكرى، فالأمر محبب، وهو مثل تكرار دراسة الفقه أو الحديث أو القرآن الكريم.

ج - النياحة:

وقد أورد نصا من كتب الشيعة يصف النياحة بأنها من عمل الجاهلية، ويرد عليه:

٤٣

أولا: أن هذه الرواية موجودة في مصادر السنة قبل الشيعة ومع ذلك فإن من علماء السنة من أجاز النياحة ولم يعتبر هذا النص مانعا من جوازها، وقد أقر ابن حجر بهذا الخلاف في كتابه ( فتح الباري ) ج٣ ص ١٦١ عند شرحه لعنوان الباب

الذي وضعه البخاري في صحيحه ( باب ما يكره من النياحة على الميت ):

" قال الزين بن المنير: ما موصولة ومن لبيان الجنس فالتقدير الذي يكره من جنس البكاء وهو النياحة، والمراد بالكراهة

كراهة التحريم لما تقدم من الوعيد عليه انتهى، ويحتمل أن تكون ما مصدرية ومن تبعيضة والتقدير كراهية بعض النياحة أشار إلى ذلك ابن المرابط وغيره ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية أن النياحة لا تحرم وفيه نظر، وكأنه أخذه من كونه

صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن ينه عمة جابر لما ناحت عليه فدل على أن النياحة إنما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خد أو شق جيب وفيه نظر … "

وكذلك بحث الأمر ابن القيم وذكر الخلاف في كتابه ( عدة الصابرين ) ج١ ص٨٣ في الباب الثامن عشر في ذكر أمور تتعلق بالمصيبة من البكاء والندب … قائلا:

"وأما الندب و النياحة فنص أحمد على تحريمها قال في رواية حنبل النياحة معصية وقال أصحاب الشافعي وغيرهم النوح حرام وقال

٤٤

ابن عبدالبر أجمع العلماء على أن النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء.

وقال بعض المتأخرين من أصحاب أحمد: يكره تنزيها وهذا لفظ أبي الخطاب في ( الهداية ) قال: ويكره الندب والنياحة وخمش الوجوه وشق الجيوب والتحفي، والصواب القول بالتحريم …

وقال المبيحون لمجرد الندب والنياحة مع كراهتهم له: روى حرب عن واثلة بن الأسقع وأبي وائل ( وهما من الصحابة ) أنهما كانا يسمعها النوح ويسكتان.

قالوا وفي الصحيحين عن أم عطية لما نزلت هذه الآية " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " … ونهانا عن النياحة فقبضت منا امرأة يدها فقالت: فلانة أسعدتني فأنا أريد أن أجزيها قالت: فما قال لها شيئا فذهبت فانطلقت ثم رجعت فبايعها.

قالوا وهذا الإذن لبعضهن في فعله يدل على أن النهي عنه تنزيه لا تحريم ويتعين حمله على المجرد من تلك المفاسد جمعا بين الأدلة ". انتهي المنقول من كلام ابن القيم.

والقصد من إيراده أن بعض علماء السنة قال بجواز النياحة مع وجود الروايات الناهية عندهم كرواية " النياحة من عمل الجاهلية " فما هو جوابكم عن هذا، أفلا تسمح للفقه الشيعي أن يقول بالجواز مع ورود الرواية المذكورة في مصادرة".

٤٥

والعجب من ابن تيمية حينما يدافع عن يزيد يقول في منهاج السنة ج٤ ص ٥٥٩:

"وفي الجملة فما يعرف في الإسلام أن المسلمين سبوا امرأة يعرفون أنها هاشمية ولا سبي عيال الحسينعليه‌السلام بل لما دخلوا إلى بيت يزيد قامت النياحة في بيته وأكرمهم وخيرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة فاختاروا الرجوع إلى المدينة ".

فلاحظ أن ابن تيمية يمدح يزيدا على إقامته النياحة على الحسينعليه‌السلام .. وهو قاتله!!

ثانيا: أن علماء الطائفة لم يخف عليهم أمر الرواية، وكما كان لعلماء السنة آراء واجتهادات لفهم النص، كذلك كانت لعلمائنا رضوان الله تعالى عليهم. فينبغي للعاقل أن يطلع على آراء علماء الطائفة وموقفهم تجاه هذا النص الشريف.

ويكفي للقاريء ملاحظة ما ورد في كتاب ( العروة الوثقى ) وهو كتاب يحشد آراء مجموعة من علماء الشيعة الفقهية في حقبة من الزمان، حيث تجد في الجزء الأول ص ٤٤٧ من كتاب الطهارة تحت عنوان مكروهات الدفن حديثا مفصلا حول تلك الأمور فيقول السيد اليزدي ( ره ):

( ١ مسألة ) يجوز البكاء على الميت ولو كان مع الصوت بل قد يكون راجحا كما إذا كان مسكنا للحزن وحرقة القلب بشرط أن لا

٤٦

يكون منافيا للرضا بقضاء الله، ولا فرق بين الرحم وغيره، بل قد مر استحباب البكاء على المؤمن، بل يستفاد من بعض الأخبار جواز البكاء على الأليف الضال والخبر الذي ينقل من أن الميت يعذب ببكاء أهله ضعيف مناف لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وأما البكاء المشتمل على الجزع وعدم الصبر فجائز ما لم يكن مقرونا بعدم الرضا بقضاء الله نعم يوجب حبط الأجر ولا يبعد كراهته.

( ٢ مسألة ) يجوز النوح على الميت بالنظم والنثر ما لم يتضمن الكذب ولم يكن مشتملا على الويل والثبور، لكن يكره في الليل ويجوز أخذ الأجرة عليه إذا لم يكن بالباطل، لكن الأولى أن لا يشترط أولا.

( ٣ مسألة ) لا يجوز اللطم والخدش وجز الشعر بل والصراخ الخارج عن حد الاعتدال على الأحوط وكذا لا يجوز شق الثوب على غير الأب والأخ والأحوط تركه فيهما أيضا.

هذا علما بأن هذه الفتاوى بكراهة الجزع أو النياحة ناظرة إلى غير مصاب سيد الشهداءعليه‌السلام وأما مصابه أرواحنا له الفداء فقد وردت روايات خاصة عن أهل بيت العصمةعليه‌السلام تجعله مصابا مميزا عن غيره لا تشمله هاتك الأحكام.

ثالثا: وفيما يخص روايات أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد روى الطوسي في أماليه كما عن البحار ج٤٤ ص ٢٨٠ عن المفيد عن ابن

٤٧

قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن أبي محمد الأنصاري عن معاوية بن وهب عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: "كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسينعليه‌السلام ".

والسند تام فكل الرواة ثقات عدا أبو محمد الأنصاري وقد قال عنه السيد الخوئي ( ره ) في ( المعجم ) ج٢٢ ص ٣٦: " أبو محمد الأنصاري هذا يعتد بقوله لقول محمد بن عبدالجبار في رواية الكافي المتقدمة أنه خير … وأما قول نصر بن الصباح من أنه مجهول لا يعرف فلا يعتنى به لأن نصر بن الصباح ضعيف".

ورواه ابن قولويه في ( كامل الزيارات ) مثل الرواية السابقة عن أبي عن سعد عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام سمعته يقول: " إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن عليعليهما‌السلام فإنه فيه مأجور ".

فهذه الرواية صريحة في أن المكروه السابق لا يشمل الحزن على سيد الشهداء الحسينعليه‌السلام .

هذا وقد أشبع الحديث عن ذلك العلامة في المنتهى فقد نقل عنه العلامة المجلسي في البحار ج٨٢ ص ١٠٤: " قال العلامة قدس الله روحه في المنتهى: البكاء على الميت جائز غير مكروه إجماعا قبل خروج الروح وبعده إلا الشافعي فإنه كره بعد الخروج … والنياحة

٤٨

بالباطل محرمة إجماعا أما بالحق فجائزة إجماعا ويحرم ضرب الخدود ونتف الشعر وشق الثوب إلا في موت الأب والأخ فقد سوغ فيهما شق الثوب للرجل وكذا يكره الدعاء بالويل والثبور".

وقال الشهيد نور الله ضريحه في ( الذكرى ): " يحرم اللطم والخدش وجز الشعر إجماعا قاله في المبسوط لما فيه من السخط لقضاء الله … واستثنى الأصحاب إلا ابن إدريس شق الثوب على موت الأب والأخ لفعل العسكري على الهاديعليه‌السلام وفعل الفاطميات على الحسينعليه‌السلام

وسئل الصادقعليه‌السلام عن أجر النائحة فقال: لا بأس قد نيح على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي آخر لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا … وروى أبو حمزة عن الباقرعليه‌السلام مات ابن المغيرة فسألت أم سلمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فأذن لها وكان ابن عمها - ثم رثته بأبيات - وفي تمام الحديث فما عاب عليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ولا قال شيئا".

ثم قال قدس سره: " يجوز الوقف على النوائح لأنه فعل مباح فجاز صرف المال إليه ولخبر يونس بن يعقوب عن الصادقعليه‌السلام قال: قال لي أبو جعفرعليه‌السلام قف من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى والمراد بذلك تنبيه الناس على فضائله وإظهارها ليقتدى بها … "

٤٩

وقد حرم الشيخ في المبسوط - وكذلك ابن حمزة - النوح وادعى الشيخ الإجماع، والظاهر أنهما أرادا النوح بالباطل أو المشتمل على المحرم كما قيده في ( النهاية ) وفي ( التهذيب ) جعل كسبهما مكروها بعد روايته أحاديث النوح.

ثم أول الشهيد ( ره ) أحاديث المانع المروية من طرق المخالفين بالحمل على ما كان مشتملا على الباطل أو المحرم لأن نياحة الجاهلية كانت كذلك غالبا، ثم قال: "المراثي المنظومة جائزة عندنا وقد سمع الأئمةعليه‌السلام المراثي ولم ينكروها ". انتهى ما نقله العلامة المجلسي.

- البكاء على الميت مستحب عند أهل السنة!

هذا وقد ورد في مصادر العامة ما يدل على أن البكاء على الميت سنة سنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد روى إسحاق بن راهويه في مسنده ج٢ ص ٥٩٩ رقم ١١٧٤ قال:

"أخبرنا النضر بن شميل نا محمد بن عمرو حدثني محمد بن إبراهيم عن عائشة قالت: مر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين انصرف على بني الأشهل فإذا نسائهم يبكين على قتلاهم وكان استمر القتل فيهم

٥٠

يومئذ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لكن حمزة لا بواكي له قال فأمر سعد بن معاذ نساء بني ساعدة أن يبكين عند باب المسجد على حمزة فجعلت عائشة تبكي معهن فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستيقظ عند المغرب فصلى المغرب ثم نام ونحن نبكي فاستيقظ رسول الله لعشاء الآخرة فصلى العشاء ثم نام ونحن نبكي فاستيقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن نبكي فقال: ألا أراهن يبكين حتى الآن مروهن فليرجعن ثم دعا لهن ولأزواجهن ولأولادهن".

والرواية حسنة على الأقل لوثاقة الكل إلا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي قال ابن حجر في التقريب ج٢ ص ١١٩: " صدوق له الأوهام ".

ورواه أحمد في مسنده ج٩ ص ٣٨ مسند ابن عمر رقم ٤٩٨٤ قال:

حدثنا زيد بن الحباب حدثني أسامة بن زيد حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما رجع من أحد فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهن قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ولكن حمزة لا بواكي له " قال: ثم نام فاستنبه وهن يبكين قال: فهن اليوم إذا يبكين يندبن بحمزة وقد بين الحاكم في مستدركه ج١ ص ٣٨١ الأمر الأخير بقوله: " وهو أشهر حديث بالمدينة فإن نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتى يندبن حمزة وإلى يومنا هذا ".

٥١

ولعلك تلاحظ في هذه الرواية أنها لا تدل على جواز البكاء على الميت وندبه فحسب، بل إنها تدل على مشروعية تحويل البكاء إلى عادة مستمرة لقرون طويلة.

وقد ورد في المروي عن طريق أسامة بن زيد الليثي زيادة تدل بظاهرها على نسخ الجواز وهي زيادة: " مروهن فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم " مسند أحمد ج٩ ص ٣٩٨.

قال الكناني في ( مصباح الزجاجة ) ج٢ ص٤٧: "هذا إسناد ضعيف لضعف أسامة بن زيد "، وقال الشوكاني في ( نيل الأوطار ) ج٤ ص ٢٥٣: " ورجال إسناد حديث ابن عمر ثقات إلا أسامة بن زيد الليثي ففيه مقال ".

ولكن حتى من لم يرفض هذه الزيادة من حيث السند، فإنه رفض كونها ناسخة كما صرح بذلك ابن القيم في كتابه ( عدة الصابرين ) ج١ ص ٨٢ قال: " وأما دعوى النسخ في حديث حمزة فلا يصح إذ معناه لا يبكين على هالك بعد اليوم من قتلى

أحد، ويدل على ذلك أن نصوص الإباحة أكثرها متأخرة عن غزوة أحد منها حديث أبي هريرة إذ إسلامه وصحبته كانا في السنة السابعة ومنها البكاء على جعفر وأصحابه وكان استشهادهم في السنة الثامنة ومنها البكاء على زينب وكان موتها في السنة الثامنة أيضا ومنها البكاء

٥٢

على سعد بن معاذ وكان موته في الخامسة ومنها البكاء عند قبر أمه وكان عام الفتح في السنة الثامنة ".

- البكاء على الحسين سنة سنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

فقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله أول من أخبر بواقعة شهادة الحسينعليه‌السلام وأول الباكين عليه عند ولادتهعليه‌السلام : روى ابن حبان في صحيحه ج٦ ص ٢٠٣ عن أنس بن مالك قال: " استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأذن له فكان في يوم

أم سلمة فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فظفر فاقتحم ففتح الباب فدخل فجعل يتوثب على ظهر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل النبي يتلثمه ويقبله فقال له الملك: أتحبه؟ قال: نعم

قال: أما إن أمتك ستقتله إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟ قال: نعم فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه فأراه إياه فجاءه بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها".

وأما بكاءصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه فقد روى أحمد في مسنده ج٢ ص٧٨ عن نجي أنه سار مع علي وكان صاحب مطهرته فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي: اصبر أبا عبدالله اصبر أبا عبدالله بشط الفرات قلت: وماذا؟ قال: دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وعيناه تفيضان؟

٥٣

قال: " بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات " قال: فقال: " هل لك إلى أن أشمك من تربته؟ " قال: قلت: نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا.

قال الهيثمي في ( مجمع الزائد ) ج٩ ص ١٨٧ معلقا على الرواية: "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله ثقات ولم ينفرد نجي بهذا".

وروى الطبراني في ( المعجم الكبير ) ج٣ ص ١٠٨ عن أم سلمة قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا ذات يوم في بيتي فقال: لا يدخل علي أحد فانتظرت فدخل الحسين ( رض ) فسمعت نشيج رسول الله يبكي فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي

صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح جبينه وهو يبكي فقلت: والله ما علمت حين دخل فقال: إن جبريلعليه‌السلام كان معنا في البيت قال: تحبه؟ قلت: أما من الدنيا فنعم، قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء فتناول جبريلعليه‌السلام من تربتها

فأرها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء قال: صدق الله ورسوله أرض كرب وبلاء.

قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) ج٩ ص ١٨٩ معلقا على سند الرواية: "رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات".

٥٤

وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج٣ ص١٧٦ ( ١٩٤ ) عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة قال: ما هو قالت إنه شديد قال: ما هو قالت: رأيت كأن قطعة

من جسدك قطعت ووضعت في حجري فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت خيرا تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمةعليه‌السلام الحسنعليه‌السلام فكان في حجري كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدخلت يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله تهريقان من الدموع

قالت: فقلت يا نبي الله بأبي وأمي مالك؟

قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا فقلت: هذا فقال: نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء.

هذه روايات صريحة في أن البكاء على الحسين هي سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والشيعة يتبعون سنتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البكاء على سيد الشهداء الحسينعليه‌السلام .

١٤) أعداء أهل البيت يصومون يوم عاشوراء فرحاً!

قال: "مما ورد من روايات في فضل صيام هذا اليوم من روايات الشيعة ما رواه الطوسي في الاستبصار … وما لا أكاد أفهمهم تجاهل علماء الشيعة للروايات الواضحة في بيان فضل صيام عاشوراء ".

٥٥

لم يكن لصوم يوم العاشر من المحرم صدى كما نسمعه اليوم، ولا تركيز من قبل النواصب كما يفعلون اليوم، فهل يريدون بذلك أن يغطوا على شناعة فعل يزيد في ذلك اليوم، دفاعا عن بني أمية.

أما عند الشيعة فقد اختلفت آراء فقهاء الشيعة تبعا لاختلاف الروايات وتعارضها في مسألة صوم عاشوراء.

إذ يبدو أن القدماء منهم ( قده ) قد حكموا باستحباب صوم يوم العاشر إن كان على وجه الحزن، وحمل الشهيد الثاني معنى الصوم على الامتناع عن المفطرات إلى العصر لا على المعنى الشرعي للصـوم، فهو يرد القول باستحباب الصوم الشرعي، إذ يقول: " لأن صومه متروك كما وردت به الرواية "،

وحكم المحقق البحراني من المتأخرين بالحرمة، ويفهم من السيد الطباطبائي في ( الرياض ) الاستحباب العام لا بالعنوان الخاص المؤكد عليه بالشريعة، ويؤيد صاحب ( الجواهر ) رأي القدماء، نعم ظاهر السيد الخوئي رحمه الله في كتابه ( المستند ) ترجيح الاستحباب الخاص.

فالقول بأن علماء الشيعة تجاهلوا الروايات الدالة على فضل صيام عاشوراء يكشف عن جهل الكاتب الشديد، بل هو توغل في الجهالة.

٥٦

إذا، فصوم عاشوراء إما أن يكون بالعنوان العام أو بالعنوان الخاص وكلاهما له مؤيد ومعارض، نعم هم يتفقون على حرمة صوم العاشر بعنوان التبرك واعتباره يوم فرح كما ظاهر بعض النصوص الواردة في مصادر السنة وظاهر صيام بعضهم، فذاك موطن التشنيع من قبل الشيعة ورفضهم.

ولعل القارئ المنصف يفهم ذلك عندما يقرأ ما صرح به ابن تيمية في ج٢٥ ص ١٦٦ من ( مجموعة الفتاوى ): "فعارض هؤلاء قوم إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته وإما من الجهال … فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال و الاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسما كمواسم الأعياد والأفراح".

وقال في ( منهاج السنة ) ج٨ ص ١٥١: "وكذلك حديث عاشوراء والذي صح في فضله هو صومه وأنه يكفر سنة وأن الله نجى فيه موسى من الغرق وقد بسطنا الكلام عليه في موضع آخر وبينا أن كل ما يفعل فيه سوى الصوم بدعة مكروهة لم يستحبها أحد من الأئمة مثل الاكتحال والخضاب وطبخ الحبوب وأكل لحم الأضحية والتوسيع في النفقة وغير ذلك وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم".

٥٧

وقد أقر ابن كثير في تاريخه بأن يوم عاشوراء يتخذ يوم سرور عند النواصب من أهل الشام فقال في ج٨ ص ٢٢٠: "وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ويتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه أنواع الأطعمة ويظهرون السرور والفرح".

وقال العيني في ( عمدة القارئ ) ج ٥ ص ٣٤٧: "اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء سنة وليس بواجب، نعم اختلق أعداء أهل البيتعليه‌السلام أحاديث في استحباب التوسعة على العيال يوم عاشوراء والاغتسال والخضاب والاكتحال".

قال ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ج٢ ص ١١٢: " قد تمذهب قوم من الجهال بمذهب أهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء ونحن براء من الفريقين، وقد صح أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بصوم عاشوراء إذ قال: إنه كفارة سنة، فلم يقنعوا بذلك حتى أطالوا وأعرضوا وترقوا في الكذب ".

إذا فمورد الخلاف في الحقيقة يتوجه إلى ما صدر بعنوان السرور والفرح والزينة يوم عاشوراء.. وما زالت تجد بقاياه الى يومنا هذا!!

فاعتراضنا على من وضعوا الأحاديث التي تتخذ يوم عاشوراء يوم فرح! منها ما عده ابن الجوزي في الموضوعات ج٢ ص ١١٥ عن

٥٨

عبدالله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ".

وكذلك روى ابن الجوزي في كتابه الموضوعات عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا".

فنكرر ونقول إن اعتراض الشيعة على هذه الأمور لا على مجرد الصيام، ويبدو من النصوص أن من ناقش مستحبات ذلك اليوم قد ربط ذكرها بالصيام، فغدا الصوم علامة على فرح ذلك اليوم، مما جعل الصيام شعارا للفرحين مع الأيام إضافة للاكتحال والزينة ولبس الحلي والتوسعة على العيال وغيرها، لذا ينبغي للصائم في هذا اليوم أن يكون صومه حزناً، ولا يفرح كما فرح أعداء الحسين وقاتلوه.

١٥) محاولة الكاتب تبرئة يزيد من قتل الحسينعليه‌السلام !

قال لم يكن ليزيد يد في قتل الحسين قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق.

نقــول إليك النصوص التالية:

أ‌ - نقل الطبري في تاريخه أحداث سنة ٦٠ هـ ج ٤ ص ٢٥٠ رسالة يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة أمير المدينة " أما بعد

٥٩

فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام"، وروى ذلك ابن كثير في تاريخه ج٨ص١٥٧.

ب‌ - وذكر في عهد يزيد إلى عبيد الله الأمر بقتل مسلم بن عقيل: "ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكان عنده فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة وكتب إليه معه أما بعد فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام "، روى ذلك ابن الجوزي في تاريخه ( المنتظم ) ج٤ص١٤٢، وابن كثير في تاريخه ج٨ ص١٦٤.

ت‌ - ثم روى الطبري ج٤ ص ٢٩٦: " عن جعفر بن سليمان الضبعي قال: قال الحسين: والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة".

ث‌- ثم قوله لزينب بنت عليعليه‌السلام كما في الطبري ج٤ ص ٣٥٣ مؤكدا لنظرته في استحقاق الإمامعليه‌السلام للقتل لأنه خارجي خرج من الدين: "إنما خرج من الدين أبوك وأخوك فقالت زينب بدين الله ودين أبى ودين أخى وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك ".

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592