تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ١

تسلية المجالس وزينة المجالس10%

تسلية المجالس وزينة المجالس مؤلف:
المحقق: فارس حسون كريم
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 337293 / تحميل: 8193
الحجم الحجم الحجم
تسلية المجالس وزينة المجالس

تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ثلث الستة استخرج بالقرعة ويعدل بالقيمة دون العدد، فإن تعذر اخرج على الحرية حتى يستوفي الثلث وإن كان بجزء من آخر.

ويشترط في المعتق: البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، ونية التقرب.

وانتفاء الحجر، والاسلام على رأي، وفي العبد الاسلام على رأي، والملك، وعدم الجناية عمدا لا خطأ، لا طهارة المولد على رأي.

ولو أجاز المالك عتق الفضولي لم يقع، ولو قوم عبد ولده الصغير وعتقه(١) صح، وإلا فلا، ولوشرط عليه السائغ لزم، فإن شرط عوده مع المخالفة بطل العتق على رأي، ولو أبالمدة المشترطة للخدمة لم يعد رقا، وعليه الاجرة.

ويستحب: العتق خصوصا من أتى عليه سبع سنين وإعانة العاجز عن الكسب، ويكره: عتق المخالف، ومن يعجز عن التكسب(٢) مع عدم الاعانة.

مسائل في العتق

لو نذر عتق أمته إن وطأها فوطأها عتقت، وإن أخرجها عن ملكه انحلت اليمين وإن ملكها بعد، ولو نذر عتق كل(٣) قديم عتق من مضى في ملكه ستة أشهر فصاعدا، ولو نذر عتق أول مملوك يملكه فملك جماعة فلا عتق على رأي، والقرعة أو التخير(٤) على رأي، ولو نذر عتق أول(٥) ما تلده فولدت توأمين عتقا، ولو أجاب معتق البعض بنعم عن سؤال أعتقت مماليكك؟ لم ينصرف إلى غير من أعتقه، ولو كان للعبد مال فهو لمولاه وإن علمه، وإذا أعتق(٦) عن غيره بإذنه انتقل إلى

_____________________

(١) في(م): " واعتفه ".

(٢) في(س): " الكسب ".

(٣) في حاشية(س) ورد لفظ " عبد خ ل " بعد لفظ " كل ".

(٤) في(س) و(م): " أو التخبير ".

(٥) لفظ: " أول " ليس في(س).

(٦) في(س) و(م): " ولو أعتق "

٦١

الآمر بالعتق، ولو عمى العبد أو جذم(١) أوأقعد عتق، ولو أسلم المملوك قبل مولاه وخرج قبله عتق، ولو مثل بعبده عتق، ولو مات وليس له[وارث](٢) حر اشتري وارثه واعتق.

المطلب الثاني: في خواصه

وهي ثلاث:الاولى: السراية

فمن أعتق جزء مشاعا من عبده سرى العتق فيه اجمع، ولو أعتق أو رجله لم يقع، ولو أعتق حصته قوم عليه وعتق بشروط أربعة:

[الاول:](٣) اليسار بمال فاضل عن قوت يوم ودست ثوب كما في المديون، ولو كان عليه دين بقدر ماله فهو معسر(٤) ، والمريض معسر إلا في الثلث، والميت

_____________________

(١) في(س): " أجذم ".

(٢) في(الاصل): " ولد " والمنبث هو الانسب، وهو من(س) و(م).

(٣) زيادة من(س).

(٤) كذا في(الاصل) و(ع)، وفي(س): " مو معسر " مع وجود خط مائل على لفظ " مو " وفي(م): موسر " وقال المنصف في التحرير ٢ / ٧٨ " فمن عليه دين بقدر ماله ففى كونه معسرا اشكال " وقال في القواعد ٢ / ٩٩: " والمديون بقدر ماله معسر " وفى حاشية القواعد: " وقال في الارشاد انه موسر واستشكل في التحرير، واعلم، أنه كان في نسحة الاصل من هذا الكتاب المذكور أنه موسر فغيره فخر(الدين) باذن والده، لانه يصدق عليه أنه لا مال له، لان الذى له ألف وعليه ألف معسر، وعلى ما في ارشاد يقسط المال مع القصور على العتق على الدين " وقال الشهيد في غاية المراد كما في مخطوطة مكتبة المرعشى: " قوله: ولو كان عليه دين بقدر ماله فهو موسر.

٦٢

أقول: قد لهج بعض الطلبة بهذه المسألة وظن أنقوله موسر سهو من الناسخ وانما هو معسر، لانا نعنى بالموسر مالك مال فاضل عن قوت يوم ليلة ودست ثوب، والمدين لا يفضل زيادة على ذلك فكان معسرا، وقد صرح المصنف بذلك في القواعد، فقال والمديون بقدر ماله معسر، ولان نظم الكلام دليل عليه، فان عادتهم تقديم مظنة الحكم، وهنا قدم المدين وهو مظنة الحكم بالاعسار، ولو كان المراد الايسار لقدم المال فقال: ولو كان مال بقدر دينه فهو موسر، لان السال مظنة الحكم باليسار، وعذا لطيف.

و أنا أقول: ليس الامر كما ظنوه، بل هو موسر بالواو، ووجهه قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: من اعتق شركا من عبد له مال قوم عليه الباقى وهذا له مال، فان الدين لم يسلبه أهليه الملك اجماعا، ولو خلاف في أن المال، ولانه لو زاد دينه عن ماله ولا حجر وطالبه واحد منهم وجب عليه اعطاء‌ه وان كان للباقين ما يستغرق ماله فلو كان وجود الدين المستغرق يجعله معسرا لحرمت مطالبته على كل واحد منهم، والعتق هنا أولى، لانه مبنى على التغليب وفيه ملك قهرى، ولا يلزم من الحكم عليه بالتقويم وجوب تقديم الشريك على الديان لو فلس المعتق لتساويهم في الاستحقاق، ويدل عليه أيضا صحيحة محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام أنه قال: من كان شريكا فأعتق حصته وله سعة فليشتر من صاحبه فيعتقه كله، وان لم تكن له سعة من ماله نظر قيمته يوم عتق ثم سعى العبد في حساب ما بقى، وهذا يصدق عليه أن له سعة من المال لما بيناه من استقرار ملكه.

وعدم المعارض، على أن الشيخ المصنف رحمة الله استشكل كونه معسرا في التحرير، فلا حاجة إلى أن يجعل ما في هذا الكتاب معسرا اذا لم يخالف المنصف نفسه في جميع مصنفاته ثم ان شيخنا الامام فخر الدين دام ظله ولد المنصف طاب ثراه أصلحها عملا بالاذن العام له من والده، فجعلها: معسر، وكتب عليها بخطه بهذه العبارة: لا يقال هذا مالك قادر على التقويم حقيقة وشرعا، فلم لا يكون موسرا؟ لانا نقول ان هذا له بدل، لان الدين لم يتعلق بالمال بل بالذمة، واذا تعلق بالذمة، واذا تعلق بالذمة، واذا تعلق بالذمة هو والعتق وجب التسقيط مع القصور، فلا يسقط هنا وفيه نظر، لان التسقيط انما يكون مع مقتضية، كالفلس والموت، فليس عدمة هنا تعلقه بالمال سلمنا لكن التسقيط جائز، فينفك بحسابه، وقد صرح به المنصف في الكتاب، وان نفى التسقيط لعدم الحجر لم يلزم منه عدم اليسار على الاطلاق، اذ هو مطالب بالدين والفلك في نفس الامر " أى: المهاياة

٦٣

معسر، فلو قال: إذا مت فنصيبي حر لم يسر، لانتقال ماله إلى الورثة، ولو كان موسرا بالبعض سرى بذلك القدر، ولو كان معسرا استسعى العبد في حصة الشريك، فإن امتنع هاياه الشريك، وتناولت المعتاد والنادر.

الثانى: أن يعتق باختياره، فلو ورث نصف أبيه لم يسر على رأي، ولو اتهب أو اشترى سرى.

الثالث: أن لا يتعلق به حق يمنع البيع، كالوقف والتدبير على رأي.

الرابع: أن يتقرر عتق نصيبه أولا، فلو أعتق نصيب شريكه أولا لم يقع، ولو قال: أعتقت نصف هذا العبد انصرف إلى نصيبه، كما لو باعه أو أقر به، وهل ينعتق بالاداء أو بالاعتاق؟ قولان(١) ، وقيل: إن أدى تبين العتق بالاعتاق(٢) ، ولو أعتق اثنان قومت حصة الثالث عليهما بالسوية وإن تفاوتا.

وتعتبر القيمة وقت العتق، وينتظر قدوم المعتق لو هرب، ويساره لو أعسر، ويقدم قول الغارم في القيمة على رأي، وقول الشريك في السلامة من العيب، ولو ادعى كل من الشريكين عتق صاحبه حلفا واستقر الملك كما كان، ولو قال: أعتقت نصيبك وأنت موسر حلف المنكر وعتق نصيب المدعي مجانا، ولو نكل حلف واستحق القيمة ولم يعتق نصيب المنكر.

_____________________

(١) ذهب إلى أنه ينعتق بالاعتاق ابن ادريس في السرائر: ٣٤٧ وذهب إلى أنه ينعتق بالاداء الشيخ المفيد في المقنعة: ٨٥، والمحقق في الشرائع ٣ ١١٢.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ٦ / ٥٢.

٦٤

الثانية: عتق القرابة

فمن ملك أحد أبعاضه من اصوله أو فروعه عتق عليه، وكذا لو ملك الرجل أحد المحرمات عليه نسبا أو رضاعا، ولا ينعتق على المرأة سوى العمودين، ولا يشترى للطفل قريبه، بل يتهبه له إن لم يجب نفقته(١) ، ولو أتهب المريض أباه أو أوصى له عتق من الاصل، وكذا يعتق على المفلس، ولو اشترى المديون المريض أباه لم يعتق إلا بعد الدين من الثلث، ولو اشتراه بمحاباة عتق قدر المحاباة، ولو اشترى جزء ممن يعتق عليه قوم عليه وسرى مع الشرائط، ولو ورث لم يسر، ولو اختار وكيله فكاختياره، ولو أوصى له بالبعض فقبله سرى وقوم عليه.

الخاصية الثالثة: الولاء

كل من أعتق متبرعا فولاء المعتق له، رجلا كان أو امرأة، إلا أن يتبرأ من ضمان جريرته وقت العتق، ولو أعتق في واجب كالكفارات والنذور أو نكل به فلا ولاء، ولا ولاء بالاستيلاد والكتابة بنوعيها، ويثبت بالتدبير.

والولاء لحمة كلحمة النسب، فإن المنعم سبب لوجود المعتق(٢) لنفسه كسببية الاب، ولا يصح بيعه ولا هبته ولا اشتراطه للغير ولا نفيه، ويسري الولاء إلى أولاد المعتق وأحفاده ومعتق معتقه، إلا أن يكون في الاولاد من مسه الرق فلا ولاء عليه، إلا لمعتقه أو عصبات معتقه، ويفيد الولاء الميراث وتحمل العقل، فاذا مات المعتق ورثه المنعم، رجلا كان أو امرأة، ولو كان المنعم جماعة فالولاء لهم بالحصص، فإن فقد المنعم، قال الشيخ رحمه الله: يكون الولاء لاولاده الذكور خاصة إن كان رجلا، وإن كان امرأة فلعصبتها(٣) .

ويرثه الابوان والاولاد ولا يشركهما أحد من الاقارب، وولد الولد يقوم مقام الولد مع عدمه، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به، ومع عدم الابوين والاولاد يرثه الاخوة والاجداد.

_____________________

(١) في(م): " ان لم يجب له نفقته

(٢) في(م): " العتق ".

(٣) فاله في النهاية: ٥٤٧

٦٥

وهل يرث الاخ من الاب مع الاخ من الابوين؟ إشكال، وفي استحقاق الاناث منهن إشكال، فإن عدموا فالاعمام الاقرب يمنع الابعد، ولا يرثه من يتقرب بالام كالاخوة من قبلها والاخوال والاجداد، فإن عدم قرابة المنعم فمولى المولى، فإن عدم فقرابة مولى المولى لابيه دون امه، ولو مات المنعم ولا وارث لم يرثه المعتق بل الامام، ولو مات المنعم عن ذكرين، ثم مات أحدهما، ثم المعتق، فميراثه للولد وورثة الآخر إن قلنا: إن الولاء يورث.

وينجر الولاء من مولى الام إلى المولى الاب، فإن لم يكن فلعصبة المولى، فإن عدم فلمولى عصبة المولى.

فإن عدموا فالامام(١) ، ولا يرجع إلى مولى الام، فلو تزوج مملوك بمعتقة فولاء أولادها لمولاها، فإن عتق الاب انجر الولاء إلى معتقه، فإن مات الاب مملوكا واعتق الجد انجر الولاء إلى معتقه، ولو كان الاب باقيا ثم اعتق الجد قبله انجر الولاء إلى معتقه، فإن اعتق الاب بعد ذلك انجر الولاء إلى معتق الاب، ولو كان ولد المعتقة رقا فولاؤه لمعتقه وإن كان حملا، ولو حملت به بعد عتقها فولاؤه لمعتقها إن كان أبوه رقا، وإن كان حرا في الاصل فلاولاء لمعتق الام، وإن كان أبوه معتقا فولاؤه لمولى أبيه، ولو أعتق الاب بعد ولادته انجر الولاء من مولى الام إلى مولاه.

ولو أعتق ولد المعتقة من مملوك عبدا، فاشترى أب المنعم وأعتقه، فكل من الولد والعبد مولى لصاحبه، ولو اشترت أباها فأعتق الاب عبده، ثم مات العبد بعد الاب ورثته بالولاء، ولو اشترت بنتا المعتقة أباهما ثم مات فميراثه لهما بالتسمية والرد، إذ لا يجامع الميراث بالولاء النسب، فإن ماتتا فالاقوى أن مولى امهما يرثهما، لعدم انجرار الولاء إليهما، إذ لا يجتمع استحقاق الولاء بالنسب والعتق، ولو أعتق الاب وأحد ولديه مملوكهما، ثم مات العبد بعد الاب، فللشريك ثلاثة الارباع وللآخر الربع، ولو اعترف المعتق بولده من المعتقة بعد لعانه لم يرثه الاب ولا المنعم عليه، بل امه، وأب المعتق أولى من معتق الاب، ومعتق معتق المعتق أولى من معتق أب المعتق.

_____________________

(١) في(س) و(م): " فللامام)

٦٦

المقصد الثاني في التدبير

وفيه مطلبان: الاول: في أركانه

وهي اثنان: اللفظ:

وصريحه: أنت حر بعد وفاتي، أو عتيق، أو معتق، أو إذا مت فأنت حر، أو معتق.

ولا يقع بالكتابة، مثل: أنت مدبر أو دبرتك، والمقيد كالمطلق، مثل: إذا مت في مرضي هذا أو في(١) سفري[هذا](٢) أو في سنة كذا أو إن قتلت فأنت حر، والوجه وقوعه لو دبره بعد وفاة غيره، كزوج المملوكة ومن جعله الخدمة، ولو قال الشريكان: إذا متنا فأنت حر لم يعتق شئ يموت أحدهما حتى يموت الآخر، وليس للوارث بيعه قبل موت الشريك.

ويشترط تجريده عن الشرط، فيبطل لو قال: إن قدم المسافر فأنت حر بعد وفاتي، أو إذا أهل شوال، أو قال: بعد وفاتي بيوم، أو إن أديت إلي أو إلى ولدي كذا فأنت حر بعد وفاتي.

الثاني: المباشر

ويشترط: بلوغه، وعقله، وقصده، واختياره، وجواز تصرفه.

فلا يصح تدبير الصبي وإن بلغ عشرا على رأي، ولا تدبير المجنون، ولا السكران، ولا الساهي، والغالط، والمكره.

والاقرب عدم اشتراط نية القربة، فيقع من الكافر وإن كان حربيا، ولو أسلم مدبره بيع عليه، فإن مات مولاه قبل البيع عتق من ثلثه، فإن عجز بيع الباقي على الوارث الكافر واستقر ملك المسلم، ولو دبر نصيبه من عبد مشترك لم يسر إلى الباقي، ولا يبطل لو ارتد بعد تدبيره، وعتق من ثلثه بعد موته، وإن كان عن فطرة على إشكال، ولا يصح تدبير المرتد عن فطرة، ويصح لاعنها، ومن الاخرس بالاشارة المعقولة.

_____________________

(١) لفظ " في " ليس في(س) و(م).

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من(س) و(م)

٦٧

المطلب الثاني: في أحكامه

التدبير وصية يصح الرجوع فيه وفي بعضه متى شاء المدبر، ولو قال: إذا مت في مرضي فأنت حر فهو رجوع عن المطلق، ويبطل بإزالة ملكه، كالهبة والبيع على رأي والعتق والوقف والوصية، وليس الانكار رجوعا وإن حلف المولى ولا الاستيلاد، فإن قصر الثلث عتق الباقي من نصيب ولدها، وإذا مات المولى عتق من الثلث، فإن قصر عتق ما يحتمله، ولو لم يكن سواه عتق ثلثه، ولو دبر جماعة دفعة عتقوا(١) إن خرجوا من الثلث، وإلا عتق ما يحتمله الثلث بالقرعة، ولو رتب بدئ بالاول فالاول، فإن اشتبه اقرع، ولو استوعب الدين التركة بطل، ولو فضل شئ عتق من المدبر بنسبة ثلث الباقي، ولو كان له مال غائب فالوجه تنجيز عتق ثلثه قبل تسلط الوارث على مثليه(٢) .

ثم كلما حصل شئ عتق بنسبته، ولو حملت بعد التدبير من مملوك بعقد أو شبهة أو زنا سرى التدبير إلى الاولاد، وله الرجوع في تدبير هم كالام، وليس الرجوع عن أحدهما رجوعا[عن](٣) الآخر، وولد المدبر المملوك مدبر، ولو دبر الحامل لم يسر وإن علم بالحمل، ولو ولدت لاقل من ستة أشهر

_____________________

(١) لفظ " عتقوا " ليس في(س) و(م).

(٢)في(م): " تركته " وكذا في متن(س) وفي الحاشية: " مثليه خ ل ".

(٣) في(الاصل): " على " والمثبت من(س) و(م) وهو الانسب.

٦٨

من حين الرجوع في تدبيرها فهو مدبر، ولو كان لستة أشهر فلا، ولو ادعت الحمل بعد التدبير فالقول قول المولى مع يمينه، ولو دبر الحمل صح ولم يسر إلى الام، فإن جاء لدون ستة أشهر حكم بتدبيره، وإلا فلا، وإباق المدبر إبطال لتدبيره، وأولاده بعده رق وقبله مدبرون، ولا يبطل لو أبق مدة الخدمة المجعولة للغير إذا حرره بعد موت الغير، ولا بارتداد العبد.

وكسب المدبر قبل الموت لمولاه، فلو ادعى الوارث تكسبه في الحياة قدم قول المدبر مع اليمين، فإن أقاما بينة حكم للوارث، وأرش ما يجنى عليه للمولى، ولو قتل قوم لمولاه مدبرا وبطل التدبير، ولو جنى بيع فيها، فإن فداه مولاه لم يبطل التدبير، ولو لم يستوعب الجناية قيمته بيع ما يحتمله وبقي الباقي مدبرا، ولو مات المولى قبل فكه عتق وعليه أرش الجناية لا المولى، ولو اكتسب بعد المولى فالجميع له إن خرج من الثلث، وإلا بقدر ما يتحرر منه والباقي للورثة، ولو دبر المكاتب فأدى مال الكتابة عتق، وإلا بالتدبير إن خرج من الثلث، وإلا ما يحتمله الثلث، وسقط من مال الكتابة بنسبته وكان الباقي مكاتبا، ولو كاتب المدبر بطل التدبير، بخلاف ما لو قاطعه على مال ليعجل عتقه.

المقصد الثالث في الكتابة

وفيه مطلبان: الاول: في الاركان

وهي أربعة: الصيغة:

فالايجاب: كاتبتك على كذا تؤديه وقت كذا، والقبول كل لفظ يدل على الرضا، ولا يفتقر إلى قوله في الايجاب: فإذا أديت فأنت حر، مع قصده على رأي، فإن اقتصر على ذكر العوض والاجل والعقد والنية فهي مطلقة، وإن قال:

فإن عجزت فأنت رد في الرق فهي مشروطة.

فالمطلقة يتحرر منه بإزاء ما يؤدي من العوض، ولا يتحرر في المشروطة منه شئ إلا بأداء الجميع، فإن عجز وحده: تأخير النجم عن محله على رأي، أو يعلم من حاله العجز كان للمولى فسخها، ولا يرد عليه ما أخذه، ويستحب للمولى الصبر، وهي بنوعيها لازمة، وتبطل بالتقايل لا بموت المولى.

٦٩

والكتابة مستحبة مع الامانة والتكسب، وتتأكد مع سؤال العبد، وليست عتقا ولا بيعا، ولو باعه نفسه بثمن حال أو مؤجل لم يصح، وتفتقر إلى الاجل(١) على رأي، ولا يتعلق بالفاسدة حكم، ويلزم ما يشترطه السيد في العقد من المباح، ولو قال: أنت حر على ألف وقبل لزمه الالف حالا.

الثاني: السيد

وشرطه: البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، والملك، وجواز التصرف.فلا تنفذ كتابة الصبي، والمجنون، والمكره، والساهي، والسكران، وغير المالك، والمحجور عليه لفلس أو سفه(٢) .

ولو كاتب ولي الطفل صح مع الغبطة، ولو كاتب الكافر صح إلا أن يسلم العبد أولا، ولو أسلم بعدها ففي الانقطاع إشكال، ولو كاتب الحربي صح، فإن قهر ه السيد عاد ملكه قبل العتق وبعده، وتصح كتابة المرتد لاعن فطرة للكافر لا للمسلم، ولوكان عوض الكافرين خمرا وتقابضا برئ المملوك، ولو أسلما قبله فعليه القيمة.

الثالث: العبد

وشرطه: التكليف، والاسلام على رأي، ويجوز أن يكاتب بعضه، سواء كان الباقي ملكه أو ملك غيره أو حرا، ولو كاتب بغير إذن شريكه صح، ولا يجب التقويم، ولو كاتباه على مال واحد صح وبسطت النجوم على قدر ماليهما، ولو شرطا تفاوتا في القسمة صح، ولو عجز فأراد أحدهما الابقاء والآخر الفسخ صح، وكذا لو عجزه أحد الوارثين وأقره الآخر، وليس له الدفع إلى أحدهما بدون إذن(٣) الآخر، فإن دفع كان لهما.

_____________________

(١) أى: تفتقر الكتابة في صحتها إلى الاجل، بمعنى: بطلان الكتابة الحالة لفظا أو حكما.

(٢) في(م): " لسفه أو فلس "

(٣) في(م): " ذلك ".

٧٠

الرابع: العوض

وشروطه أربعة: أن يكون دينا منجما على رأي بأجل معلوم وإن كان واحدا، ويضبط وقت الاداء بما لا يحتمل الشركة، فلو كاتبه على أن يؤدي في سنة كذا بمعنى أنها ظرف الاداء بطلت، ولو كاتبه على أن يؤدي مائة في عشر سنين افتقر إلى تعيين محل كل نجم.

وأن يكون معلوما بأوصاف رفع(١) الجهالة في قدره وعينه، فيصف النقد بوصف النيسئة، والعرض بوصف السلم.

وأن يكون العوض مما يصح تملكه للمولى، وتكره مجاوزة القيمة(٢) ، ويصح على المنفعة فإن مرض مدة الخدمة بطلت، ولا يشترط اتصال الاجل بالعقد، ولو حبسه لزمه اجرة تلك المدة، ولو ضمها مع بيع وإجازة صح.

وقسط العوض على ثمن المثل واجرته، ولو كانت اثنين قسط العوض على قدر قيمتها وقت العقد، وينعتق أحدهما بأداء ما يخصه وإن عجز الآخر، ولو دفع قبل الاجل لم يجب القبول.

_____________________

(١) في(س) و(م): " ترفع ".

(٢) من قوله: " الثالث العبد " إلى هنا ممسوح في(س)

٧١

المطلب الثاني: في الاحكام

إذا عجز المشروط كان لمولاه رده في الرق والصبر، وإن عجز المطلق وجب على الامام فكه من سهم الرقاب، وإن مات المشروط قبل أداء الجميع بطلت وورثه المولى واسترق أولاده، وإن مات المطلق تحرر منه بقدر ما أدى وكان الباقي رقا لمولاه، ويقسم ميراثه بين المولى وورثته على النسبة، ويؤدي الوارث من نصيب الحرية ما تخلف من مال الكتابة وينعتق، وإن لم يكن مال سعي في الباقي وعتق بالاداء، ولو أوصى للمطلق صح له بقدر ما تحرر، ويحد من حد الاحرار بنسبة الحرية وحد المماليك بنسبة الرقية، فإن زنى بها المولى سقط نصيبه وحد بالباقي.ولا يدخل الحمل الموجود في كتابة الام، فإن تجدد مملوكا دخل، ويعتق منه بحساب ما أدت، ولو حملت من مولاها وبقي عليها مال عتقت من نصيب ولدها، فإن لم يكن ولد سعت في مال الكتابة للورثة.

ولا يتصرف فيما(١) ينافي الاكتساب كالهبة والمحاباة والقرض والقراض والرهن والعتق إلا بالاذن، وله البيع بالحال لا المؤجل[إلا](٢) بزيادة فيعجل بثمن(٣) المثل، والشراء بالمثل وبالدين، وينقطع تصرف المولى عنه إلا بالاستيفاء، فلا يطأ بالملك ولا العقد، فإن وطأ للشبهة فعليه مهرها، ولو وطأ أمة المكاتب فكذلك، وكلما يكتسبه المكاتب فهو له، فإن فسخ صار للمولى، ولا تتزوج(٤) المكاتبة ولا المكاتب، ولايطأ المكاتب أمته إلا بإذنه وإن كانت مطلقة ويكفر بالصوم، ولو أذن مولاه في غيره فالوجه الجواز.

_____________________

(١) في(س) و(م): " بما ".

(٢) في(الاصل): " لا " والمثبت هو الذى يقتضيه سياق العبارة، وهو من(س) و(م) فعلى نسخة(الاصل) ليس له البيع بالمؤجل حتى بزيادة مع تعجيل ثمن المثل، واطلق المصنف في التحرير ٢ / ٨٦ المنع من البيع نسيئة وان تضاعف الثمن، واحتمل الجواز مع الرهن والضمين.وعلى نسحتى(س) و(م) له البيع بالمؤجل بزيادة مع تعجيل ثمن، وهو فتواه في القواعد ٢ / ١٢٣.

(٣) في(س): " ثمن ".

(٤) في(س) و(م): " ولا تزوج "

٧٢

ولو ظهر العوض معيبا ورده المولى بطل العتق، ولا يمنع المتجدد مع الارش الرد بالقديم، ولو قصر ما في يده عن الدين والنجوم قسط بالنسبة في المطلق، ودفع في الدين في المشروط، فإن مات المشروط بطلت وقسم ما يترك للديان بالحصص، ولا يضمن المولى الباقي، ولو أبرأه الوارث من نصيبه عتق نصيبه ولا يقوم عليه.

وتجب الاعانة إن(١) وجبت الزكاة منها، وإلا استحبت العطية، ولا يجبر الممتنع عن المهاياة لو تحرر بعضه والكسب بالنسبة، ولو اشتبه المؤدي من المكاتبين صبر للتذكر، فإن مات المولى اقرع، ولو(٢) ادعيا علمه حلف واقرع، ولو اختلفا في المال والمدة والنجوم فالقول قول منكر زيادة المال والمدة، ويجوز بيع مال الكتابة، فإن أداه عتق، وإلا استرق إن كان مشروطا، و[يصح](٣) بيع المشروط بعد العجز والفسخ، ولو ورثت زوجها المكاتب بطل النكاح، ويصح أن يقبل الوصية له بابنه(٤) مع عدم الضرر، فإن أدى عتقا، وإلا استرقا، وليس له أن يقبله مع الضرر، ولا يشتريه مطلقا إلا بالاذن.

وللمكاتب فك الجانى بالارش مع الغبطة، ويقتص المولى منه لو جني عليه في العمد، أو على مكاتبه الآخر مع التساوي في قدر الحرية، ولا تبطل الكتابة إلا مع قتله، وفي الخطأ يفدي نفسه ويبدأ بالارش، فإن فضل وإلا بطلت الكتابة، ولو عجز عنهما ففسخ المولى بطلت الكتابة والاستحقاق، ولو جنى على أجنبي فقتل بطلت، وله أن يفدي نفسه بالارش، فإن عجز بيع في الجناية، وإن فداه السيد فالكتابة بحالها، ولو ملك أباه فقتل عبده لم يكن له أن يقتص، وله أن يقتص

_____________________

(١) في(الاصل): " وان " وحذفنا الواو لعدم ورودها في(س) و(م) وهو الصحيح.

(٢) في متن(س): " وان " وفي الحاشية: " ولو خ ل ".

(٣) ما بين المعقوفتين لم يرد في(الاصل) و(م) واثبتناه من(س).

(٤) في(س) و(م): " بأبيه "

٧٣

لو جنى بعض عبيده على بعض، ولو قتل المكاتب فهو كالموت، ولو جنى عليه مولاه عمدا لم يقتص ولا في الطرف وله الارش، وكذا الحر، أما العبد أو المساوي فله القصاص، وليس له أن يقتص من عبد مولاه لو جنى عليه إلا بإذن المولى، ولو كان خطأ لم يكن للمولى منعه من الارش، ولو أبرأ توقف على الاذن، ويقتص للحر من المطلق المعتق بعضه ولمساوية، لاللقن به(١) والاقل(٢) حرية، ويؤخذ من نصيب الحرية بنسبته من الارش، ويتعلق برقبته منه بقدر الرقية، وفي الخطأ يؤخذ من العاقلة بقدر الحرية ومن رقبته بقدر الرقية، فإن فدى المولى نصيب الرقية بقي مكاتبا، ويقتص له من العبد لا الحر والازيد(٣) حرية.

أحكام في الوصية

لو قال: ضعوا أكثر ما عليه فهو وصية بأزيد من النصف، ولو قال: ومثله فهو وصية بالجميع وبطلت في الزائد، ولو قال: ما شاء، فإن أبقى شيئا وإن قل صح، وإلا فلا على رأي، ولو قال: ضعوا أوسط نجومه وفيها وسط قدرا أو عددا تعين.

ولو اجتمعا اقرع، ولو فقدا(٤) جمع بين نجمين، فيؤخذ الثاني والثالث من الاربعة، ولو أوصى برقبته لم يصح، ولو قال: فإن عجز وفسخت(٥) كتابته فقد أوصيت لك به صح، ولو أوصى بما عليه صح، ويصح لو جمعهما، وبالعكس لو كانت فاسدة، ولو أوصى بما يقبض منه صح، ولو أوصى بعتقه ولا شئ غيره عتق ثلثه معجلا، فإن أدى ثلثي المال عتق، ولو أوصى بالنجوم صح من الثلث، وللوارث تعجيزه وإن أنظره الموصى له، ولو أوصى برقبته عند العجز فللموصى له تعجيزه وإن أنظره الوارث.

_____________________

(١) لفظ " به " ليس في(س) و(م).

(٢) في حاشية(س): " ولا أقل خ ل ".

(٣) في(س) و(م): " ولا أزيد ".

(٤) أى: القدر والعدد من الوسط.

(٥) في(س): " وفسخ "

٧٤

المقصد الرابع في الاستيلاد

كل من استولد جارية في ملكه فأتت بولد ظهر عليه خلقة آدمي إما حيا أو ميتا، سواء كان علقة أو مضغة، أو لحما أو عظما، قال الشيخ: وكذا النطفة(١) ، وفيه نظر فهي أم ولده(٢) .

وفائدة غير الحي العدة وإبطال سابق التصرفات، ولو أولد أمة غيره مملوكا ثم ملكها لم تصر ام ولد، وكذا لو أولدها حرا على رأي، ولو وطأ المرهونة فحملت فهي ام ولد، ولا تتحرر ام الولد بالاستيلاد وإن كان الولد حيا، ولا بموت المولى، بل من نصيب ولدها بعد موت مولاها، فإن قصر سعت، نعم لايجوز للمولى بيعها مادام ولدها حيا، فإن مات صار طلقا يجوز بيعها وغيره(٣) ، إلا في ثمن رقبتها فتباع فيه إذا لم يكن سواها وإن كان المولى حيا، ولو أسلمت ام ولد الذمي بيعت عليه على رأي، ووضعت على يده امرأة ثقة على رأي، ولو جنت دفعها المولى إن شاء وفكها بالاقل من الارش والقيمة على رأي، ولو جنى عليها فالارش للمولى، ومن غصبها ضمنها.

_____________________

(١) قاله في النهاية: ٥٤٦.

(٢) في(م): " ولد ".

(٣) أى: وغير البيع

٧٥

كتاب الايمان وتوابعها

وفيه مقاصد:الاول في الايمان

وفيه مطلبان:الاول: في نفس اليمين(١)

ولا ينعقد إلا بالله تعالى أو أسمائه المختصة أو الغالبة دون المشتركة، ولو حلف بقدرة الله تعالى وعلمه وقصد المعاني لم ينعقد، وإلا انعقد، وينعقد لو قال: وعظمة الله وجلاله وكبريائه، واقسم بالله، وأحلف بالله، أو أقسمت بالله، أو حلفت بالله، أو أشهد(٢) بالله، أو لعمر الله، دون أقسمت مجردا أو أشهد أو أعزم بالله، وكذا لا ينعقد بالطلاق، ولا بالعتاق، ولا بالظهار، ولا بالتحريم، ولا بالكعبة، ولا بالمصحف، ولا بالنبي، ولا بحق الله تعالى(٣) .

ويشترط صدورها من: بالغ، عاقل، مختار، قاصد، ناو مجردة من مشية الله تعالى.

فلو لم ينو، أو عقلها بالمشية لم ينعقد، ولو أخر التعليق بما لم تجر به العادة انعقدت، وكذا لو استثنى بالنية دون اللفظ.

وينعقد من الكافر، ولا ينعقد من الولد إلا بإذن والده، ولا من الزوجة

_____________________

(١) في(الاصل): " في تعيين " وفي الحاشية: " في نفس خ ل ".

(٢) في(س) و(م): " وأشهد ".

(٣) لفظ: " تعالى " ليس في(س).

٧٦

إلا بإذن زوجها ولا من المملوك إلا بإذن مولاه، إلا في فعل واجب أو ترك قبيح.

ويقسم بحروف القسم، وبها الله، وأيمن الله، وأيم الله، ومن الله، وم الله، ولو حلف ليدخلن إن شاء زيد فقد علق على المشية، فإن شاء انعقدت، وإن لم يشأ أو جهل بموت وشبهه لم ينعقد، فإن حلف ليدخلن إلا أن يشاء زيد فقد عقد وجعل الاستثناء مشية زيد، فإن شاء عدم الدخول وقفت(١) ولوقال: لا دخلت إلا أن يشاء[زيد](٢) فشاء أن يدخل وقعت.

ولا ينعقد على الماضي نفيا وإثباتا، ولا يجب بالحنث فيه كفارة وإن تعمد الكذب، ولا بالمناشدة، وهو: أن يقسم غيره عليه، وإنما ينعقد على المستقبل بشرط وجوبه أو ندبه، أو كونه ترك قبيح أو ترك مكروه، أو مباحا يتساوى فعله وتركه في الدين والدنيا، أو يكون البر أرجح، فإن خالف أثم ولزمت الكفارة، ولو حلف على ترك ذلك، أو على مستحيل وإن تجدد العجز على الممكن لم ينعقد.

المطلب الثاني: فيما يقع به الحنث

ويتبع فيه مقتضى اللفظ، وهو أنواع:

الاول: العقد

وهو: الايجاب والقبول، فلو حلف ليبيعن أو ليهبن لم يبر إلا بهما، وإنما ينصرف إلى الصحيح، فلا يبر بالفاسد.

والمباشرة، فلا يبر بالتوكيل، ولو حلف لابنيت فاستأجر البناء أو أمره حنث على رأي للعرف، وكذا السلطان لو حلف لاضربن بخلاف غيره، ولو حلف لاباع خمرا فباعه حنث إن قصد الصورة، وإلا فلا، ولو حلف ليهبن، قيل: يبر بالوقف والصدقة والهدية والنحلة والعمري(٣) ، ولو حلف على ما اشتراه زيد لم يحنث

_____________________

(١) أى: بطلت، وان شاء الدخول انعقدت.

(٢) زيادة من(س).

(٣) قاله الشيخ في المبسوط ٦ / ٢٤٤

٧٧

بما ملكه بهبة أو صلح أو شفعة، أو رجع إليه بإقالة أو رد عيب وقسمة، ويحنث بالسلم والنسيئة، ولو خلط ما اشتراه زيد بغيره حنث بأكل ما يعلم دخول ما اشتراه زيد فيه، ولا يحنث بما اشتراه زيد وعمرو وإن اقتسماه، ولو حلف لا أشتري فوكل وعقد الوكيل لم يحنث، ولو توكل حنث، ولو قصد الشراء لنفسه في اليمين لم يحنث إذا أضافه إلى الموكل أو نوى أنه له، ولو حلف لا يكلم من اشتراه زيد فكلم من اشتراه وكيل زيد لم يحنث، ويحنث(١) لوحلف لا يكلم عبد زيد.

الثاني: الاكل والشرب

فلو حلف لاشربت ماء الكوز لم يحنث إلا بالجميع، ولو حلف لاشربت ماء النهر حنث بالبعض، ولو حلف لاشربن ماء الكوز لم يبرأ(٢) بالبعض، بخلاف لاشربن ماء النهر، ولو حلف لا آكل اللحم والعنب لم يحنث إلا بجمعهما، ولو حلف لا آكل الرأس لم يحنث برأس الطير والسمك، ويحنث برأس الظبي إن اعتيد في المكان، ولا يحنث بالبيض(٣) بيض السمك والعصفور، ويحنث ببيض النعام، ويحنث في الخبز بخبز الرز(٤) في موضعه، ولا يحنث في اللحم بالشحم بل بالسمين، وفي الالية والسنام إشكال، ولا يحنث بالامعاء والكبد والكرش، بل بالقلب على إشكال، ولا يحنث على الزبد بالسمن، وفي العكس إشكال، ولا يحنث على السمن بالادهان، بل بالعكس، ولا يحنث على الاكل بالشرب وبالعكس، ولا بوضع السكر في فيه حتى يذوب، ولا على العنب بعصيره، ولا يحنث على السمن لو جعله في عصيدة ولم يظهر له أثر، ولو ظهر حنث، ولا يحنث على الخل في السكباج(٥) ،

_____________________

(١) في(س): " وحنث ".

(٢) في(س): " لم يبر ".

(٣) في(س) و(م): " في البيض ".

(٤) في(س) و(م): " الارز.

(٥) السكباج بكسر السين: طعام معروف يصنع من خل وزعفران ولحم، مجمع البحرين ٢ / ٣١٠ سكبج

٧٨

ويحنث لو اصطبغ به، وعلى الفاكهة بالعنب والرمان والبطيخ على إشكال، ويابس الفاكهة لا بالقثاء واللوز، ولو حلف ليأكلنه غدا فأكله اليوم أو أتلفه لزمته الكفارة معجلا، والادم: اسم لكل ما يؤتدم به وإن كان مائعا كالدبس أو ملحا، ولو قال: لاشربت لك ماء من عطش ففي صرفه إلى العرف أو الحقيقة إشكال.

الثالث: دخول الدار

فلو حلف عليه لم يحنث بصعود السطح، ولا بدخول الطاق خارج الباب، ويحنث بالدهليز، ولو حلف على الخروج لم يبر بالصعود على السطح، ويحنث على عدم دخول البيت ببيت الشعر والخيمة وشبهه، إن كان بدويا أو معتادا سكناه، ولا يحنث بالكعبة والحمام، وإذا كان الفعل كالاستدامة حنث بهما، فلو حلف لا سكنت الدار أو لا ساكنت زيدا أو لا أسكنته حنث بالابتداء والاستدامة، فإن خرج عقيب اليمين بر، وإن لبث ولو ساعة حنث، وكذا لو(١) خرج أهله ومكث، ويبر لو خرج وترك أهله، ولو انتهض(٢) لنقل المتاع كالمعتاد فإشكال، ولو خرج وعاد للنقل لم يحنث، ولو حلف لا ساكنت زيدا ففارقه زيد لم يحنث، ولو كانا في خان وانفرد كل ببيت لم يحنث، ولو انفرد ببيت في دار حنث، واستدامة الطيب واللبس كابتدائهما، وإن تغايرا لم يحنث على الفعل بالاستدامة، كما لوحلف لادخلت دارا وهو فيها لم يحنث باللبث، والاقرب في التطييب المغايرة، ولو حلف لابعت الدار أو لا وهبتها أو لا أجرتها حنث بالابتداء خاصة.

الرابع: في(٣) الاضافات والصفات

فلو حلف لايدخل(٤) دار زيد لم يحنث بمسكنه الذي لايملكه، ويحنث

_____________________

(١) في(س): " ان ".

(٢) في متن(الاصل): " نهض " وفي الحاشية: " انتهض ".

(٣) لفظ " في " ليس في(س) و(م).

(٤) في(م): " لا دخلت ".

٧٩

بدخول داره التي لا يسكنها، ولو حلف لايدخل مسكنه حنث بالمستعار والمستأجر، لا بالملك الذي لا يسكنه، ولا بمسكنه الذي غصبه على إشكال، ولو قال: لادخلت دار زيد، أو لاكلمت عبد، أو زوجته فالتحريم تابع للملك، فإن خرج عن ملكه زال التحريم، وكذا لادخلت دار زيد هذه على إشكال، ولو أشار إلى سخلة وقال: لا أكلت لحم هذه البقرة حنث بلحمها تغليبا للاشارة، ولو حلف لادخلت من هذه الباب، فحولت ودخل بالاولى حنث، إذ لا عبرة بالخشب، ولو حلف لادخلت دارا فصارت براحا(١) لم يحنث، ولو قال: لادخلت هذه الدار حنث، ولا يحنث على الدخول بنزول السطح، ولو حلف لاركبت دابة العبد لم يحنث إلا إن قلنا إنه يملك بالتمليك، ويحنث لو حلف لاركبت(٢) دابة المكاتب، ولو حلف لا ركبت سرج دابة حنث بما هو منسوب إليها، بخلاف العبد، ولو حلف لايلبس ما غزلته حمل على الماضي، ولو حلف لا يلبس ثوبا من غزلها تناول الماضي والمستقبل، ولا يحنث بما خيط بغزلها ولا ما سداه منه دون اللحمة، ويحنث في لبس الثوب لو اتزر بقميص أو ارتدى به، لا بالنوم عليه والتدثر، ولو حلف لا ألبس قميصا فارتدى بقميص لم يحنث، ولو حلف على لحم هذه السخلة فكبرت(٣) ، أو تكليم(٤) هذا العبد فعتق، أو أكل هذه الحنطة فخبزت فإشكال، ينشأ: من تقابل الاشارة والوصف، ولو حلف لايخرج إلا بإذنه فأذن ولم يسمع المأذون فإشكال.

الخامس: الكلام

فلو قال: والله لا كلمتك فتنح عني حنث بالاخير، ولا يحنث بالكتابة

_____________________

(١) أى: أرضا لا نبات فيها ولا عمران، انظر: اللسان ٢ / ٤٠٩ برح.

(٢) في(س): " ولا يركب ".

(٣) في(م): " وكبرت ".

(٤) في(س): " يكلم "

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160


في روح وريحان وجنّة نعيم، وقبرها روضة من رياض الجنّة.(١)

و كفاها رضي الله عنها فضلاً وفخراً في الدنيا والآخرة انّ ولدها ذرّيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونسله، وهم أحد الحبلين اللذين لم ينقطعا حتى يردا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحوض، ولولا خوف الإطالة لأوردت من شعر أبي طالب رضي الله عنه الذي يحثّ فيه بنيه على نصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واتّباع هديه جملة مفيدة تنبئ عن حسن عقيدته، وإخلاص سريرته، لكن اقتصرت على هذا القدر والله الموفّق، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وإنّما قالت الناصبة ما قالت فيه عداوة لولده أمير المؤمنين وخطّاً من قدره، ويأبى الله الا أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.(٢)

ولمّا توفّي أبو طالب رضي الله عنه اشتدّ البلاء على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعمد لثقيف في الطائف، فوجد ثلاثة، هم سادة، وهم إخوة: عبد ياليل، ومسعود، وحبيب، بنو عمرو، فعرضصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم نفسه.

فقال أحدهم: أنا أسرق باب(٣) الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قطّ، وقال الآخر: أعجز الله أن يرسل غيرك؟ وقال الآخر: والله لا اُكلّمك بعد مجلسك هذا أبداً، فإن كنت نبيّاً كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن يزد عليك الكلام، وإن كنت تكذب على الله فلا ينبغي لي أن اُكلّمك، وتهزّؤوا به وأفشوا في قومه ما

____________

١ - أمال يالصدوق: ٢٥٨ ح ١٤، روضة الواعظين: ١٤٢، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: ٣١.

وأخرجه في البحار: ٣٥ / ٧٠ ح ٤ عن الأمالي والروضة، وفي ص ١٧٩ عن الفصول المهمّة.

وفي ج ٨١ / ٣٥٠ ح ٢٢ عن الأمالي.

٢ - إشارة إلى الآية: ٣٢ من سورة التوبة.

٣ - في إعلام الورى: أستار. وفي مصادر اُخرى: أمرط ثياب الكعبة، ومراده: اُمزّقها.


١٦١


راجعوه(١) ، ثمّ أغروا به سفهاءهم، فقعدوا له صفّين على طريقه.

فلمّا مرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين صفّيهم جعلوا لا يرفع قدماً ولا يضعها الا رضخوها بالحجارة حتى أدموا رجليه، فخلص منهم وهما تسيلان بالدماء، فعمد إلى حائط من حوائطهم، واستظلّ بظلّ حُبلة - وهي الكرمة - وهو مكروب موجع تسيل رجلاه دماً، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وهما من بني عبد شمس، وهما من أكابر قريش، وكان لهم أموال بالطائف، فلمّا رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله.

وكلاهما قتلا يوم بدر وقتل معهما الوليد بن عتبة، قتل عتبة أبو عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب، ضربه على هامته بالسيف فقطعها، وضرب هو عبيدة بن الحارث على ساقه فأطنّها(٢) فسقطا جميعاً، وحمل شيبة - أخوه - على حمزة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما، وحمل أمير المؤمنينعليه‌السلام على الوليد فضربه على حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه.

قال عليّ صلوات الله عليه: لقد أخذ الوليد يمينه بشماله فضرب بها هامتي، فظننت أنّ السماء سقطت على الأرض، ثمّ اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا عليّ، أما ترى ا لكلب فقد أنهر(٣) عمّك؟ فحمل عليه عليعليه‌السلام ، ثم قال لحمزة: يا عمّ، طأطئ رأسك - وكان حمزة أطول من شيبة - فأدخل حمزة رأسه في صدره، فضربه عليّ صلوات الله عليه فطرح نصف

__________________

١ - في إعلام الورى: وأفشوا في قومهم الذي راجعوه به.

٢ - أي قطعها.

٣ - أنهر الطعنة: وسّعها. وأنهَرتُ الدم: أي أسلته. « لسان العرب: ٥ / ٢٣٧ - نهر - ».

وفي مناقب ابن شهراشوب: يهرّ.

يقال: هرّ الكلب يَهِرُّ هريراً: إذا نَبَحَ وكَشَرَ عن أنيابه. « لسان العرب: ٥ / ٢٦١ - هرر - ».


١٦٢


رأسه، ثمّ أتى إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه.

واحتمل عبيدة رضي الله عنه وبه رمق، وحملاه عليّ وحمزة وأتيا به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومخّ ساقه يسيل، فاستعبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال عبيدة: ألست أوّل شهيد من أهل بيتك؟ قال: بلى، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي.(١)

رجعنا إلى تمام القصّة:

فلمّا رأيا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسلا غلاماً لهما يدعى عدّاس معه عنب - وهو نصرانيّ من أهل نينوى -، فلمّا جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له رسول الله: من أيّ أرض أنت؟

قال: من أهل نينوى.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متّى؟

فقال عدّاس: وما أعلمك بيونس؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا رسول الله، والله تعالى أخبرني بخبره، فلمّا أخبره بما أخبره الله به من شأن يونس خرّ عدّاس ساجداً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، وجعل يقبّل قدميه وهما تسيلان دماً، فلمّا نظر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا، فلمّا أتاهما قالا: ما شأنك سجدت لمحمد، وقبّلت قدميه، ولم نرك فعلت بأحدٍ منّا ذلك؟

__________________

١ - انظر في وصف هذا الموقف في غزوة بدر: تفسير القمّي: ١ / ٢٦٥، مجمع البيان: ٢ / ٥٢٧، مناقب ابن شهراشوب: ٣ / ١١٩، عنها البحار: ١٩ / ٢٥٤ ح ٣ وص ٢٢٥ وص ٢٩٠.

٢ - في إعلام الورى: ساجداً لله.


١٦٣


قال: هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متّى.

فضحكا وقالا: لا يفتننّك عن نصرانيّتك فإنّه رجل خدّاع.(١)

و روي أنّ المشركين لمّا مضوا إلى بدر لقتال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عدّاس مع سيّديه عتبة وشيبة، فسأل منهما: من هذا الذي عزمتم على حربه والوقيعة به؟

فقالا له: يا عدّاس، أرأيت الّذي أرسلناك إليه بالعنب في الطائف؟ قد اتّبعه قوم من الصُّباه، وقد قصدنا حربهم، وتفريق كلمتهم، وأن نأتي بهم إلى مكّة اُسارى، ونعرّفهم ضلالهم.

فقال عدّاس: بالله يا سيّديّ، ارجعوا من فوركم هذا إلى مكّة، والله لئن لقيتموه لا تفرحوا بالحياة بعدها، والله إنّه نبي حق، وقوله صدق، فزجراه ولم يعبئا بكلامه.(٢)

ثمّ إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجع إلى مكة من الطائف واشتدّ البلاء، وأقبل المشركون يردّون المسلمين ويفتنونهم عن دينهم، ثمّ انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استجار بالأخنس بن شَريق، وسهيل بن عمرو فتعلّلا، ثم استجار بالمطعم بن عديّ حتى دبّر في أمر الهجرة.(٣)

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعرض نفسه على قبائل العرب في

____________

١ - إعلام الورى: ٦٤، عنه البحار: ١٩ / ٦ ضمن ح ٥.

وأورده في مناقب شهراشوب: ١ / ٦٨، عنه البحار: ١٩ / ١٧ ح ٩.

٢ - المغازي للواقدي: ٣٣، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١٤ / ٩٦، البحار: ١٩ / ٣٣٠.

٣ - إعلام الورى: ٦٥، عنه البحار: ١٩ / ٧.


١٦٤


الموسم، فلقي رهطاً من الخزرج، فقال: ألا تجلسون اُحدّثكم؟

قالوا: بلى، فجلسوا إليه، فدعاهم إلى الله، وتلا عليهم القرآن.

فقال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلمون والله انّه النبيّ الّذي كانوا يوعدوكم به اليهود(١) ، فلا يسبقنّكم إليه أحد، فأجابوه، وقالوا له: إنّا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والسوء مثل ما بينهم، وعسى الله أن يجمع بينهم بك، فستقدم عليهم وتدعوهم إلى أمرك، وكانوا ستّة نفر.

فلمّا قدموا المدينة أخبروا قومهم بالخبر، فما دار حول الا وفيها حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبايعوه على بيعة النساء ألاّ يشركوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا، إلى آخرها، ثمّ انصرفوا وبعث معهم مصعب بن عمير يصلّي بهم، وكان يسمّى بينهم في المدينة « المقرئ »(٢) ، فلم تبق دار في المدينة إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا دار اُميّة وحطيمة ووائل وهم من الأوس.

ثمّ عاد مصعب إلى مكّة، وخرج من خرج من الأنصار إلى الموسم، فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان في أيّام التشريق بالليل عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : اُبايعكم على الاسلام.

فقال بعضهم: يا رسول الله، نريد أن تعرّفنا ما لله علينا، وما لك علينا، وما لنا على الله.

____________

١ - في المناقب والبحار: الذي كان يوعدكم به اليهود.

٢ - سمّي بذلك لأنّه كان يقرئهم القرآن.


١٦٥


فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمّا ما لله عليكم فتعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأمّا ما لي عليكم فتنصرونني مثل نسائكم وأبنائكم، وأن تصبروا على عضّ السيوف، وأن يقتل خياركم.

قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا على الله؟

قال: أمّا في الدنيا فالظهور على من عاداكم، وفي الآخرة رضوان الله والجنّة، فأخذ البراء بن معرور بيده، وقال: والّذي بعثك بالحق نبيّاً لنمنعنّك بما نمنع به اُزرنا(١) ، فبايعنا يا رسول الله، فنحن أهل الحرب وأهل الحلقة ورثناها كبار عن كبار.

فقال أبو الهيثم: إنّ بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنّا إن قطعناها أو قطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك، ثمّ أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟

فتبسّم رسول الله، ثمّ قال: بل الدم الدم والهدم الهدم، اُحارب من حاربتم، واُسالم من سالمتم، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخرجوا لكم(٢) اثنى عشر نقيباً، فاختاروا، فقال: اُبايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحواريّين كفلاء على قومهم بما فيهم، وعلى أن تمنعوني بما(٣) تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، فبايعوه على ذلك، فصرخ الشيطان في العقبة: يا أهل الجباجب(٤) ، هل لكم في محمّد

____________

١ - قال ابن الأثير في النهاية: ١ / ٤٥: وفي حديث بيعة العقبة « لَنَمْنَعَنَكَ ممّا نمنع به اُزُرَنا » أي نساءنا وأهلنا، كنّى عنهنّ بالأزر ؛ وقيل: أراد أنفسنا. وقد يكنّى عن النفس بالإزار.

٢ - في المناقب والبحار: إليّ.

٣ - في المناقب والبحار: ممّا.

٤ - قال ابن الأثير في النهاية: ١ / ٢٣٤: في حديث بيعة الأنصار « نادى الشيطان: يا أصحاب الجُباجِب » هي جمع جُبجُب - بالضم - وهو المستوى من الأرض ليس بحَزن، وهي هاهنا منازل بمنىً، سمّيت به، قيل: لأنّ كروش الأضاحي تُلقى فيها أيّام الحج. والجَبجَبة: الكَرِشُ يُجعل فيها اللحم يُتزوّد في الأسفار.


١٦٦


والصباة معه؟ اجتمعوا على حربكم، ثم نفر الناس من منى وفشى الخبر، فخرجوا في الطلب، فأدركوا سعد بن عبّادة والمنذر بن عمرو، فأمّا المنذر فأعجز القوم، وأمّا سعد فأخذوه، وربطوه بنسع رحله، وأدخلوه مكّة يضربونه، فبلغ خبره جبير بن مطعم والحارث بن حرب بن اُميّة فأتياه وخلّصاه.

و كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك الوقت لم يؤمر إلا بالدعاء والصبر على الأذى، والصفح عن الجاهل، فطالت قريش على المسلمين، فلمّا كثر عتوّهم أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بالهجرة، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه المؤمنين: إنّ الله قد جعل لكم داراً وإخواناً تأمنون بها، فخرجوا أرسالاً(١) يتسلّلون تحت الليل، حتى لم يبق مع النبي إلا عليّعليه‌السلام ، مع جماعة يسيرة من أصحابه، فحذرت قريش خروجه، وعلموا أنّه قد أجمع على حربهم، فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قُصيّ بن كلاب يتشاورون في أمره، فتمثّل لهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد، فقال: أنا ذو رأي حضرت لموازرتكم.

فقال عروة بن هشام: نتربّص به ريب المنون، وقال أبو البَختريّ: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه.

وقال العاص بن وائل واُميّة واُبيّ ابنا خلف: نبني له علماً(٢) نستودعه فيه، فلا يخلص إليه(٣) من الصباة أحد.

____________

١ - قال المجلسيرحمه‌الله : الأرسال - بالفتح -: جمع الرسل - بالتحريك - وهو القطيع من كل شيء، أي زمراً زمراً. ويحتمل الإرسال - بالكسر -: وهو الرفق والتؤدة.

٢ - زاد في المناقب: ونترك له فرجاً.

يقال لما يُبنى في جواد الطريق من المنازل يستدلّ بها على الطريق: أعلامٌ، واحدها عَلَمٌ. والعلم: المنار والعلامة والعَلَم: شيء يُنصب في الفلوات تهتدي به الضالّة. « لسان العرب: ١٢ / ٤١٩ - علم - ».

٣ - كذا الصحيح، وفي الأصل: فلا يخلص منه إليه.


١٦٧


و قال عتبة وشيبة وأبو سفيان: نرحل بعيراً صعباً ونوثق محمداً عليه كتافاً وشدّاً، ثم نقصع(١) البعير بأطراف الرماح فيوشك أن يقطعه بين الدكادك(٢) إرباً إرباً.

فقال أبو جهل: أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة فتنتدبوا من كلّ قبيلة رجلاً نجداً(٣) ، وتأتونه بياتاً، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعها، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطّلب مناهضة قريش فيه فيرضون بالعقل.

فقال أبو مرّة: أحسنت يا أبا الحكم، هذا الرأي فلا نعدلنّ له رأياً، فأنزل الله سبحانه:( يَمكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثبِتُوكَ أَو يَقتُلُوكَ أَو يُخرِجُوكَ ) (٤) الآية، فهبط جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، فدعا عليّاًعليه‌السلام ، فقال: إنّ الله سبحانه أوحى إليّ أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلى غار ثور أطحل(٥) ليلتي هذه، وأمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي، وأن ألقي عليك شبهي.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أو تسلم بمبيتي هناك؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم.

فتبسّم أمير المؤمنين ضاحكاً، وأهوى إلى الارض ساجداً، فكان أوّل من سجد لله شكراً، وأوّل من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته، فلمّا رفع رأسه

____________

١ - أي نجرحه بأطراف الرماح حتى يغضب.

٢ - جمع الدكداك: وهو أرض فيها غلظ.

٣ - النجد: الشجاع الماضي فيما يعجز عنه غيره.

٤ - سورة الأنفال: ٣٠.

٥ - الطُحلَة - بالضم -: لون بين الغُبرة والسواد ببياض قليل. « القاموس المحيط: ٤ / ٦ - طحل - ».


١٦٨


قال: امض بما اُمرت به، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي.

قال: فارقد على فراشي، واشتمل بردي الحضرمي، ثمّ إنّي اُخبرك يا علي انّ الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينهم(١) ، فأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل(٢) ، وقد امتحنك الله يا ابن اُمّ بي، وامتحنني فيك بمثل ما امتحن خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل، فصبراً صبراً( إنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ ) (٣) ثم ضمّه إلى صدره، واستتبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر وهند بن أبي هالة وعبيد الله(٤) بن فُهَيرة، ودليلهم اُريقط(٥) الليثي فأمرهم رسول الله بمكان ذكره لهم، ولبث(٦) صلى‌الله‌عليه‌وآله مع عليّ يوصيه، ثم خرج في فحمة العشاء(٧) والرصد من قريش قد أطافوا به ينتظرون انتصاف الليل ليهجموا عليه، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:( وَجَعَلنَا مِن بَينِ أَيدِيهِم سَدّاً وَمِن خَلفِهِم سَدّاً ) (٨) الآية، وكان بيده قبضة تراب، فرمى بها في رؤوسهم، ومضى حتى انتهى إلى أصحابه الذين واعدهم، فنهضوا(٩) معه

__________________

١ - في المناقب: دينه.

٢ - تقدّمت تخريجاته ص ٣٩ هامش ١٦.

٣ - سورة الأعراف: ٥٦.

٤ - في المناقب: عبد الله، وكذا في المواضع الآتية.

وفي الكامل: عامر بن فُهَيرَة - وهو مولى الطُفَيل بن عبد الله الأزديّ - اشتراه أبو بكر. انظر في ترجمته « الكامل في التاريخ: ٢ / ٦٨ ».

٥ - في المناقب: اُزيقطة. ولعلّه أبو واقد - كما سيأتي في ص ٨٥ -.

وفي تاريخ الطبري: ٢ / ٣٧٨ و ٣٨٠ دليلهم: عبد الله بن أرقد.

٦ - كذا في المناقب، وفي الأصل: كتب - وهو تصحيف -.

٧ - الفَحمة من الليل: أوّله، أو أشدّ سواده، أو ما بين غروب الشمس إلى نوم الناس. « القاموس المحيط: ٤ / ١٥٨ - فحم - ».

٨ - سورة يس: ٩.

٩ - في المناقب: فمضوا.


١٦٩


حتى وصلوا إلى الغار، وانصرف هند وعبيد الله بن فهيرة راجعين إلى مكّة.(١)

وكان قد اجتمع حول دار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعمائة رجل مكبّلين بالسلاح.

قال ابن عبّاس: فكان من بني عبد شمس عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن هشام وأبو سفيان، ومن بني نوفل طعمة(٢) بن عديّ وجبير بن مُطعم والحارث بن عامر، ومن بني عبد الدار النضر بن الحارث، ومن بني أسد أبو البختري وزمعة(٣) ابن الأسود وحكيم بن حزام(٤) ، ومن بني مخزوم أبو جهل، ومن بني سهم نُبَيه ومُنبّه ابنا الحجّاج، ومن بني جُمَح اميّة بن خلف، هؤلاء الرؤساء وغيرهم ممّن(٥) لا يعدّ من قريش.(٦)

وأحاطوا بالدار إلى أن مضى من الليل شطره هجموا على أمير المؤمنين صلوات الله عليه شاهرين سيوفهم، ففطن بهم فاخترط سيفه وشدّ عليهم فانحازوا عنه، وقالوا: أين صاحبك؟

قال: لا أدري، أو رقيب كنت عليه، ألجأتموه إلى الخروج، فخرج.

__________________

١ - مناقب ابن شهراشوب: ١ / ١٨١ - ١٨٣، عنه البحار: ١٩ / ٢٥ ح ١٥ « إلى قوله: يتشاورون في أمره ».

وأخرجه في البحار: ١٩ / ٢٣ عن المنتقى في مولد المصطفى للكازروني، ولم أعثر على غير طبعته الفارسيّة والمسمّاة « نهاية المسؤول في رواية الرسول ».

وانظر في هجرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الكامل في التاريخ: ٢ / ١٠١ وما بعدها.

٢ - في تاريخ الطبري: طُعَيمَة.

٣ - كذا في المناقب وتاريخ الطبري، وفي الأصل: ربيعة.

٤ - كذا في المناقب وتاريخ الطبري، وفي الأصل: مزاحم.

٥ - كذا في المناق وتاريخ الطبري، وفي الأصل: ممّا.

٦ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٥٨، عنه البحار: ٣٨ / ٢٩٠.

وانظر تاريخ الطبري: ٢ / ٣٧٠.


١٧٠


و كان أمير المؤمنين في تلك الحال ابن عشرين سنة، فأقام صلوات الله عليه بمكّة حتى أدّى أمانات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأدّى إلى كل [ ذي ](١) حقّ حقّه، ثمّ عزم صلوات الله عليه على الهجرة.

فكان ذلك دلالة على خلافته وإمامته وشجاعته، وحمل نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ثلاثة أيّام، وفيهنّ عائشة، فله المنّة على أبي بكر بحفظ ولده، ولعليّعليه‌السلام المنّة عليه في هجرته، وعليّ ذو الهجرتين والشجاع هو الثابت(٢) بين أربعمائة سيف، وإنّما أباته النبي على فراشه ثقة بنجدته، فكانوا محدقين به إلى طلوع الفجر ليقتلوه ظاهراً، فيذهب دمه بمشاهدة بني هاشم بأنّ قاتليه من جميع القبائل.(٣)

وقد ذكرنا رؤساءهم الذين اجتمعوا لقتله قبل ذلك.

وروي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لمّا عزم على الهجرة قال له العبّاس: إنّ محمداً ما خرج إلا خفية، وقد طلبته قريش أشدّ طلب، وأنت تخرج جهاراً في أثاث وهوادج ومال ونساء ورجال تقطع بهم السباسب(٤) والشعاب من بين قبائل قريش ما أرى لك أن تمضي الا في خُفارَة(٥) خزاعة.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

____________

١ - من المناقب.

٢ - في المناقب: والشجاع البائت.

٣ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٥٨ - ٥٩، عنه البحار ٣٨ / ٢٨٩ - ٢٩١.

٤ - السباسب: جمع السبسُب: المَفازة أو الأرض المستوية البعيدة. « القاموس المحيط: ١ / ٨١ - سَبّه - ».

٥ - خَفيرُ القوم: مُجيرهم. « المحيط في اللغة: ٤ / ٣٣١ - خفظ - ».


١٧١


إنّ المـنيّة شـربـة مـورودة

لا تجز عـنّ(١) وشدّ للترحيل

إنّ ابن آمنـة النـبي محـمداً

رجل صدوق قال عن جبريل

أرخ الزمام ولا تخف من عائق

فاللـه يرديـهم عـن التنكيل

إنّي بـربّـي واثـق وبأحمـد

وسبـيـله متلاحق بـسـبيلِ

قالوا: وكمن مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في طريقه بالليل، فلمّا رآه(٢) أمير المؤمنينعليه‌السلام اخترط(٣) سيفه ونهض إليه، فصاح أمير المؤمنينعليه‌السلام فيه صيحة خرّ على وجهه، وجَلَدَه(٤) بسيفه، ثمّ مضى صلوات الله عليه ليلاً.(٥)

وكان مبيت أمير المؤمنينعليه‌السلام أوّل ليلة.

واقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار ثلاثة أيّام، ولمّا ورد المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقُباء منتظراً لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان أمير المؤمنين أمر ضعفاء المسلمين أن يتسلّلوا ويتخفّفوا إذا ملأ الليل بطن كلّ واد، وكان معه من النساء الفواطم(٦) وأيمن بن اُمّ أيمن(٧) مولى رسول الله صلّى الله

__________________

١ - في المناقب: لا تتزعنّ.

٢ - كذا في المناقب، وفي الأصل: رأى.

٣ - في المناقب: سلّ.

٤ - في المناقب: جلّله.

يقال: جَلَدته بالسيف والسوط جَلداً إذا ضربت جِلدَه: « لسان العرب: ٣ / ١٢٥ - جلد - ».

٥ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٥٩، عنه البحار: ٣٨ / ٢٩١.

٦ - أي: فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وامّه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب - وقد قيل هي ضُباعة -.

٧ - كذا في المناقب، وفي الاصل: واُمّ أيمن.


١٧٢


عليه وآله وغيرهم، وخرجعليه‌السلام إلى ذي طوى، وابو واقد يسوق بالرواحل فأعنف بهم، فقال أمير المؤمنين: أبا واقد، ارفق بالنسوة فإنّهنّ ضعائف.

قال: إنّي أخاف أن يدركنا الطلب.

قال: اربع عليك(١) ، إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي: يا علي، إنّهم لن يصلوا إليك من الآن بمكروه، ثمّ جعل أمير المؤمنين يسوق بهنّ سوقاً رفيقاً ويرتجزعليه‌السلام :

ليس إلا الله فارفع ظنّكا

يكفيك ربّ العرش(٢) ما أهمّكا

 فلمّا شارف ضجنان(٣) أدركه الطلب بثمانية فوارس، فأنزل النسوة واستقبلهم منتضياً سيفه، فأقبلوا عليه وقالوا: يا غُدَر(٤) ، كيف أنت(٥) ناج بالنسوة؟ ارجع لا أبا لك.

قال: فإن لم أفعل أفترجعون؟ ودنوا من النسوة فحال بينهم وبينها وقتل جناحاً، وكان يشدّ عليهم شدّ الأسد على فريسته، وهو يقول:

خلّوا سبيل الجاهد المجاهدِ

آليت لا اعبد غير الواحدِ

فتقهقروا عنه، فسار ظاهراً حتى وافى ضجنان فتلوّم بها يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين، فصلّى ليلته تلك والفواطم يذكرون الله قياماً

__________________

١ - أي توقّف وتحبّس.

٢ - في المناقب: الناس.

٣ - ضَجَنان: جبل قرب مكّة.

٤ - أي: يا غادر.

٥ - في المناقب: أظننت يا غدّار أنّك.


١٧٣


وقعوداً وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر، فصلّى بهم صلاة الفجر، ثمّ سار بهم حتى وصل المدينة، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم، وهو قوله تعالى:( الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِم - إلى قوله -أنِّي لَا اُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنكُم مِن ذَكَرٍ أَو اُنثَى - فالذكر عليّ والاُنثى فاطمة -بَعضُكُم مِن بَعضٍ - عليّ من الفواطم وهنّ من عليّ، إلى قوله -عِندَهُ حُسنُ الثَّوَابِ ) (١) .

وتلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إنَّ اللهَ اشتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أنفُسَهُم وَأموَالَهُم ) (٢) الآية، ثمّ قال: يا علي، أنت أول هذه الامّة إيماناً بالله وبرسوله، وأوّلهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهداً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي نفسي بيده لا يحبّك إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان، ولا يبغضك الا منافق أو كافر.

وكان قيام علي بعد النبي بمكّة ثلاث ليال، ثمّ لحق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(٣)

روى السدّي، عن ابن عبّاس، قال: نزل قوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ابتِغَاءَ مَرضَاةِ اللهِ ) (٤) في عليّ بن أبي طالب حين هرب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونزلت الآية بين مكّة والمدينة.

__________________

١ - سورة آل عمران: ١٩١ - ١٩٥.

٢ - سورة التوبة: ١١١.

٣ - مناقب ابن شهراشوب: ١ / ١٨٣ - ١٨٤.

ورواه الشيخ الطوسي في الأمالي: ٢ / ٨٤ - ٨٦، عنه البحار: ١٩ / ٦٥.

٤ - سورة البقرة: ٢٠٧.


١٧٤


وروي أنّه لمّا نام أمير المؤمنينعليه‌السلام قام جبرئيل عند(١) رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله به الملائكة؟(٢)

و روي أنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى جبرئيل وميكائيل أنّي قد جعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالزيادة؟ فلم يجيبا.

فأوحى الله إليهما: هذا عليّ بن أبي طالب قد آثر محمداً بعمره، ووقاه بنفسه، فاهبطا إليه واحفظانه، فهبط جبرئيل وميكائيل، الحديث(٣) .

وأمّا المشركون فركبوا الصعب والذلول في طلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(٤)

قال الزهري: ولمّا دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبو بكر الغار أرسل زوجاً من حمام، حتى باضا في أسفل الثقب، والعنكبوت حتى تنسج بيتاً، فلمّا جاء سرقاة بن مالك في طلبهما فرأى بيض الحمام ونسج(٥) العنكبوت، قال: لو دخله أحد لانكسر البيض وتفسّخ [ بيت ](٦) العنكبوت، فانصرف.

____________

١ - كذا في المجمع، وفي الأل: على.

٢ - مجمع البيان: ١ / ٣٠١. وفيه: بك الملائكة.

٣ - أمالي الطوسي: ٢ / ٨٣ - ٨٤، إحياء علوم الدين: ٣ / ٢٥٨، الروضة لشاذان: ٢ ( مخطوط )، إرشاد القلوب للديلمي: ٢٢٤، تأويل الآيات: ١ / ٨٩ ح ٧٦.

وأخرجه في البحار: ١٩ / ٣٩ وص ٦٤ وص ٨٥ ح ٣٦ وص ٨٦ ح ٣٧ عن بعض المصادر أعلاه.

٤ - مناقب ابن شهراشوب: ١ / ١٨٣.

٥ - في المجمع: وبيت.

٦ - من المجمع.


١٧٥


وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهمّ أعم أبصارهم عنّا، فعميت أبصارهم عن دخوله، وجعلوا ينظرون(١) يميناً وشمالاً حول الغار.

وقال أبو بكر: لو نظروا إلى أقدامهم لرأونا.

وروى علي بن ابراهيم في تفسيره: كان رجل من خزاعة، يقال له أبو كرز، فما زال يقفو أثر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى وقف بهم على الحجر(٢) ، فقال: [ هذه ](٣) قدم محمد، هي والله اُخت القدم التي في المقام، وقال: هذه قدم أبي قحافة والله، وقال: ما جاوزا هذا المكان، إمّا أن يكونا صعدا في السماء أو نزلا في الارض.

وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس، فوقف على باب الغار، وهو يقول: اطلبوه في هذه الشعاب فليس هاهنا.

ونزل رجل من قريش فاستقبل باب الغار وبال، فقال أبو بكر: قد أبصرونا يا رسول الله.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم.(٤)

( فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيهِ ) (٥) أي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي: ألقى في قلبه ما سكن به، وعلم أنّهم غير واصلين إليه.

وفي تخصيص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسكينة، وعد إدخال أبي

__________________

١ - في المجمع: يضربون.

٢ - في المجمع: باب الغار.

٣ - من المجمع.

٤ - أورده عن عليّ بن إبراهيم في مناقب ابن شهراشوب: ١ / ١٢٧ - ١٢٨، عنه البحار: ١٩ / ٧٧ ح ٢٨.

٥ - سورة التوبة: ٤٠.


١٧٦


بكر فيها، أقوى دليل على عدم إيمانه، وقوّة يقينهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورباط جأشه، وقد أشرك الله المؤمنين مع رسوله في السكينة في هذه السورة وغيرها بقوله:( فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ ) على رسوله والمؤمنين، وأنزل جنوداً لم تروها، وفي سورة إنّا فتحنا:( فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلى المُؤمِنِينَ وَأَلزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقوَى ) (١) الآية.(٢)

وقد ردّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هند وعبد الله بن فُهيرة حين أوصلاه إلى الغار، وحبس أبي بكر لعلمه برباط جأشهما، وشدّة يقينهما، وقوّة إيمانهما، وانّهما لو قتلا ما أخبرا بمكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحبس أبا بكر عنده خوفاً على نفسه منه، لأنّه كان قد علم أوّلاً بعزم الرسول، وخاف إن اذن له كما أذن لهما أن تعلم قريشاً بمكانه فيخبرهم به إمّا رهبة أو نفاقاً.

وقد روى أبو المفضّل الشيباني بإسناده عن مجاهد، قال: فخرت عائشة بأبيها ومكانه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار، فقال لها عبد الله بن شّاد بن الهاد: فأين أنتِ من علي بن أبي طالب حيث نام [ في ](٣) مكانه وهو يرى أنّه يقتل؟ فسكتت ولم تجد جواباً.

وشتّان بين قوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ابتِغَاءَ مَرضَاةِ اللهِ ) (٤) وبين قوله:( لَا تَحزَن إنَّ اللهَ مَعَنَا ) (٥) وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوّي قلبه، ولم يكن مع عليّ أحد يقوّي قلبه، وهو لم يصبه وجع، وعليّ كان

__________________

١ - سورة الفتح: ٢٦.

٢ - مجمع البيان: ٣ / ٣١، عنه البحار: ١٩ / ٣٣.

٣ - من المناقب.

٤ - سورة البقرة: ٢٠٧.

٥ - سورة التوبة: ٤٠.


١٧٧


يرمى بالحجارة وهو على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبو بكر مختف بالغار، وعليّ ظاهر للكفّار.

و استخلفه الرسول لردّ الودائع لأنّه كان أميناً، فلمّا أدّاها قام صلوات الله عليه على سطح الكعبة، فنادى بأعلى صوته: يا أيّها الناس، هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وصيّة؟ هل من صاحب عدة له قِبَلَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فلمّا لم يأت أحد لحق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .(١)

فنزل معه على كلثوم(٢) ، وكان أبو بكر في بيت خبيب(٣) بن إساف، فأقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقبا يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسّس مسجده، وصلّى يوم الجمعة في المسجد الذي ببطن الوادي - وادي رانوقا(٤) - فكانت أوّل صلاة صلّاها بالمدينة، ثمّ أتاه غسّان بن مالك وعبّاس بن عبادة في رجال من بني سالم، فقالوا: يا رسول الله، أقم عندنا في العدّة والعدد والمنعة.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : خلّوا سبيلها، فإنّها مأمورة - يعني ناقته -، ثم

____________

١ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٥٧ - ٥٨، عنه البحار: ٣٨ / ٢٨٩.

٢ - في المناقب: كلثوم بن هِدم.

وهو كلثوم بن هدم بن امرئ القيس بن الحارث بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، كان يسكن قباء، ويعرف بصاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان شيخاً كبيراً، وأسلم قبل وصول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة، توفّي قبل بدر بيسير، وقيل: إنّه أوّل من مات من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . « اُسد الغابة: ٤ / ٢٥٣ ».

٣ - كذا الصحيح، وفي الأصل والمناقب: حبيب - وهو تصحيف -.

وهو خُبَيب بن إساف ؛ وقيل: يساف، ابن عِنَبة بن عَمرو الأنصاري الخزرجي: شهد بدراً واُحداً والخندق، وكان نازلاً بالمدينة وتأخّر إسلامه حتى سار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بدر، فلحق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الطريق فأسلم. « اُحد الغابة: ١ / ٣٦٨، وج ٢ / ١٠١ - ١٠٢ ».

٤ - في المناقب: رافوقا.


١٧٨


تلقّا ه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة، فقال كذلك، ثمّ اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة، ثمّ اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة في رجال من بني الحارث، فانطلقت حتى إذا وازت دار بني مالك بن النجّار بركت على باب مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو يومئذ مِربَد(١) لغلامين يتيمين من بني النجّار، فلمّا بركت ورسول الله لم ينزل وثبت وسارت غير بعيد ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفّت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أوّل مرّة فبركت، ثمّ تجلجلت(٢) ورزمت ووضعت جرانها، فنزلصلى‌الله‌عليه‌وآله عنها، واحتمل أبو أيّوب رحله ووضعه في بيته، ونزل رسول الله في بيت أبي أيّوب وسأل عن المربد فاُخبر انّه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء، فأرضاها معاذ، وأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ببناء المسجد، وعمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه، وعمل فيه المهاجرون والأنصار، وأخذ المسلمون يرتجزون وهم يعملون، فقال بعضهم:

لئن قعدنا والنبيّ يعمل

لذاك منّا العمل المضلّل

 ____________

١ - كذا في المناقب، وفي الأصل: مزيد. وكذا في المواضع التالية.

والمريد: موضع الإبل.

٢ - كذا في المناقب، وفي الأصل: تخلخلت.

وتجلجلت: أي تخاضعت وتضعضعت. وما في الأصل لعلّه: تحلحلت - وهو الموافق لما في سيرة ابن إسحاق، ومعناه: تحرّكت.

قال ابن الأثير في النهاية: ٤ / ٢٣٩: « ثم تَلَحلَحَت وأرزَمَت، ووَضَعت جِرانَها » تَلَحلَحَت: أي أقامَت وَلَزِمَت مكانها ولم تَبرح، وهو ضدّ تَحَلحَل.

وقال في ج ٢ / ٢٢٠: « وأرزمت » أي صَوّتَت، والإرزام: الصوت لا يفتح به الفَمُ، و « ناقة رازم » هي التي لا تتحرّك من الهزال.

والجران باطن العنق ؛ وقيل: مقدّمه.


١٧٩


والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:

لا عيش إلا عيش الآخرة

ربّ(١) ارحم الأنصار والمهاجرة

و علي أمير المؤمنين يقول:

لا يستوي من يعمل(٢) المساجدا

يدأب فيها قائماً وقاعداً

 ومن يُرى عن الغبار(٣) حائداً

ثم انتقل من بيت أبي أيّوب إلى مساكنه التي بنيت له ؛ وقيل: كانت مدّة مقامه بالمدينة إلى أن بنى المسجد وبيوته من شهر ربيع الأوّل إلى صفر من السنة القابلة.(٤)

ولمّا كان بعد سبعة أشهر من الهجرة نزل جبرئيل عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقول:( اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ بأَنَّهُم ظُلِمُوا ) (٥) الآية، وقلّد في عنق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيفاً. وفي رواية: لم يكن له غمد، وقال: حارب بهذا قومك حتى يقولوا لا إله إلا الله.

وروى أهل السير أنّ جميع ما غزا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه ستّ وعشرون غزاة، على هذا النسق: الأبواء، بواط(٦) العشيرة، بدر الاُولى، بدر

____________

١ - في المناقب: اللهم.

٢ - كذا في المناقب، وفي الأصل: يعمر.

٣ - في المناقب: الغيار. - بمعنى: الغيرة -، وكلاهما يناسب المقام. والحائد: المعرض والمائل عن الشيء.

٤ - مناقب ابن شهراشوب: ١ / ١٨٤ - ١٨٦، عنه البحار: ١٩ / ١٢٢ ح ٩.

٥ - سورة الحج: ٤٠.

٦ - بُواط: واد من أودية القبليّة ...، وهو جبلٌ من جبال جُهينة، بناحية رَضوى به غزاة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . « مراصد الاطّلاع: ١ / ٢٢٨ ».


١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592