تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ١

تسلية المجالس وزينة المجالس13%

تسلية المجالس وزينة المجالس مؤلف:
المحقق: فارس حسون كريم
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 337222 / تحميل: 8191
الحجم الحجم الحجم
تسلية المجالس وزينة المجالس

تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وأخرج الملاّ، كما في الصواعق(١) أيضاً: أنّ عليّاً مرّ بموضع قبر الحسينعليهما‌السلام ، فقال:« ها هُنا مناخُ ركابِهمْ، وها هُنا موضِعُ رحالِهمْ، وها هُنا مِهراق دِمائِهمْ؛ فتيةٌ مِن آلِ مُحمّدٍ يُقتلون بهذهِ العرصة، تبكِي عليهم السّماءُ والأرضُ » (٢) .

ومن حديث اُمّ سلمة، كما نصّ عليه ابن عبد ربّه المالكي(٣) ، حيث ذكر مقتل الحسينعليه‌السلام في الجزء الثاني من العقد الفريد، قالت: كان عندي النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعي الحسينعليه‌السلام ، فدنا من النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذته فبكى فتركته،

____________________

(١) الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٦.

(٢) وهذا الحديث رواه أصحابنا بكيفيّة مشجية عن الباقر (عليه الصلاة والسّلام)، ورووه عن هرثمة وعن ابن عبّاس، وإنْ أردت الوقوف عليه فدونك الخصائص الحسينيّة / ١٠٨ - ١١٢ ( المؤلّف ).

(٣) في سطر ١٥ من ص٢٤٣ من جزئه الثاني، المطبوع سنة ١٣٠٥ هـ، وفي هامشه زهر الآداب. ( المؤلّف ).

٤١

فدنا منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذته فبكى فتركته، فقال له جبرئيل: أتحبّهُ يا محمّد؟ قال:« نَعَم » . قال: أما إنّ اُمّتك ستقتله، وإنْ شئتَ أريتك الأرض التي يُقتل بها. فبكى النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وروى الماوردي الشافعي - في باب إنذار النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سيحدث بعده(٢) ، من كتابه أعلام النبوّة - عن عروة، عن عائشة، قالت: دخل الحسينُ بن عليٍّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يوحى إليه، فقال جبرائيل: إنّ اُمّتك ستفتتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك. ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء، وقال: في هذه يُقتل ابنك، اسمها الطفِّ. قال: فلمّا ذهب جبرائيل، خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أصحابه والتربة بيده، وفيهم: أبو بكر وعمر، وعليٌّعليه‌السلام وحذيفة، وعثمان وأبو ذر، وهو يبكي، فقالوا: ما يُبكيك يا رسول الله؟ فقال:« أخبَرني جِبرائيلُ: أنّ ابني الحسَينَ يُقتل بَعدي

____________________

(١) وأخرج البغوي في معجمه، وأبو حاتم في صحيحه من حديث أنس، كما في الصواعق، نحوه. ( المؤلّف ). راجع: الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٤ - ٥٦٥.

(٢) وهو الباب الثاني عشر في ص٢٣ من ذلك الكتاب. ( المؤلّف ).

٤٢

بأرضِ الطَّفِّ، وجاءني بِهذهِ التُّربةِ، فأخبَرَنِي أنّ فيها مَضجَعهُ » .

وأخرج الترمذي، كما في الصواعق وغيرها: أنّ اُمّ سلمة رأت النّبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيما يراه النائم، باكياً وبرأسه ولحيته التراب، فسألته، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« قُتلَ الحُسينُ آنفاً » (١) .

قال في الصواعق: وكذلك رآه ابن عبّاس نصف النّهار أشعثاً أغبراً، بيده قارورة فيها دم يلتقطه، فسأله، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« دَمُ الحُسينِ وأصحابِهِ، لَم أزَلْ أتتبّعه مُنذُ اليومِ » (٢) . قال: فنظروا فوجدوه قد قُتل في ذلك اليوم(٣)(٤) .

____________________

(١) سنن الترمذي / ٣٧٧٤، الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٧، ذخائر العقبى / ١٤٨.

(٢) وأخرجه من حديث ابن عبّاس أحمد بن حنبل في المسند ١ / ٢٨٣، وابن عبد البر والعسقلاني في ترجمة الحسينعليه‌السلام من الاستيعاب والإصابة، وخلق كثير. ( المؤلّف ).

(٣) وراجع أيضاً: الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٧، المعجم الكبير / ٢٨٢٢، مختصر تاريخ ابن عساكر ٧ / ١٥٢، سِيَر أعلام النبلاء ٣ / ٣١٥، البداية والنّهاية ٨ / ٢٠٠، ذخائر العقبى / ١٤٨.

(٤) وللمزيد حول بكاء النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسينعليه‌السلام في مصادر أهل السُنّة راجع: مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٦ و ٤ / ٣٩٨، تاريخ الخميس ١ / ٣٠٠، ٤١٨، الأمالي للشجري / ١٦٥، كنز العمال ١٣ / ١١١ و ٦ / ٢٢٣، مقتل الحسينعليه‌السلام ١ / ١٥٨، ١٥٩، ١٦٣، وسيلة المآل / ١٨٣، الفصول المهمّة / ١٥٤، ينابيع المودّة / ٣١٨ و ٣٢٠، الفتح الكبير ١ / ٥٥، روض الأزهر / ١٠٤، الكواكب الدرّيّة ١ / ٥٦، الخصائص الكبرى ٢ / ١٢٦، تاريخ الخلفاء / ١٠، التاج الجامع ٣ / ٣١٨، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٠٣، ذخائر المواريث ٤ / ٣٠٠، تاريخ الإسلام ٢ / ٣٥٠، كفاية الطالب / ٢٨٦، مصابيح السنَّة / ٢٠٧، تاريخ الرقّة / ٧٥، نظم درر السّمطين / ٢١٥، الغُنية لطالبي طريق الحقِّ ٢ / ٥٦، لسان العرب ١١ / ٣٤٩، النّهاية ٢ / ٢١٢.

وراجع أيضاً: كتاب سيرتنا وسنّتنا للعلاّمة الأميني، وكتاب أنباء السّماء برزيّة كربلاء للمحقّق الطباطبائي، وكتاب إحقاق الحق - المجلّد الحادي عشر.

٤٣

بكاء النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسينعليه‌السلام في مصادر الشيعة:

وأمّا صحاحنا، فإنّها متواترة في بكائهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسينعليه‌السلام في مقامات عديدة: يوم ولادته وقبله، ويوم السّابع من مولده، وبعده في بيت فاطمة، وفي حجرته،

٤٤

وعلى منبره، وفي بعض أسفاره.

تارة يبكيه وحده، يُقبّله في نحره ويبكي، ويُقبّله في شفتَيه ويبكي، وإذا رآه فَرِحاً يبكي، وإذا رآه حَزِناً يبكي؛ بل صحّ أنّه قد بكاه: آدم ونوح، وإبراهيم وإسماعيل، وموسى وعيسى، وزكريّا ويحيى، والخضر وسليمانعليهم‌السلام . وتفصيل ذلك كلّه موكول إلى مظانّه من كتب الحديث(١) .

إقامة الأئمّةعليهم‌السلام المأتم على الحسينعليه‌السلام وحث أولياؤهم على ذلك

وأمّا أئمّة العترة الطاهرةعليهم‌السلام الذين هم كسفينة نوح، وباب حطّة،

____________________

(١) فراجع: الخصائص الحسينيّة / ١٠٥ - ٢٣٢، وإنْ شئتَ فراجع: جلاء العيون، أو البحار، أو غيرهما. ( المؤلّف ).

وراجع: أمالي الصدوق - المجلس ٩٢، كامل الزيارات / ٦٧ - ٦٨، ٨٣ - ٨٤، ٩٢، ١١٥، ١٩٢، علل الشرائع ١ / ١٥٤، الكافي ١ / ٢٨٣، ٥٣٤، مناقب آل أبي طالب ٤ / ٥٥، المحتضر / ١٤٦ - ١٤٧، بحار الأنوار ٤٥ / ٢٢٠ - ٢٢٩، الباب ٤١.

٤٥

وأمان أهل الأرض، وأحد الثقلين اللذين لا يضلّ مَن تمسّك بهما ولا يهتدي إلى الله من صدّ عنهما، فقد استمرّت سيرتهم على النّدب والعويل، وأمروا أولياءهم بإقامة مآتم الحزن، جيلاً بعد جيل.

فعن الصادقعليه‌السلام ، فيما رواه ابن قولويه في الكامل، وابن شهر آشوب في المناقب وغيرهما:« إنَّ عليَّ بنَ الحسين عليهما‌السلام بكى على أبيهِ مُدّةَ حياتِهِ، وما وُضِعَ بَينَ يدَيهِ طعامٌ إلاّ بكى، ولا اُتِيَ بشرابٍ إلاّ بكى حتّى قال له أحدُ مواليه: جُعلتُ فِداك يابن رسولِ الله، إنّي أخافُ أنْ تكون مِنَ الهالكين » . قالعليه‌السلام :« إنّما أشكو بثِّي وحُزني إلى الله، وأعلمُ مِن اللهِ ما لا تَعلمونَ » .

وروى ابن قولويه وابن شهر آشوب أيضاً وغيرهما: أنّه لمّا كثر بكاؤه، قال له مولاه: أما آنَ لحُزنك أنْ ينقضي؟ فقال:« وَيحَك! إنّ يعقوبَ عليه‌السلام كانَ لَه اثنا عَشرَ وَلداً، فَغيّبَ اللهُ واحداً مِنهُمْ فابيضّتْ عَيناهُ مِنْ كثرةِ بُكائِهِ عليهِ، واحدَودَب ظهرُه مِن الغَمِّ، وابنُه حَيٌّ في الدُّنيا، وأنا نَظرتُ إلى أبي وأخي، وعمومَتي وسبعةَ عشرَ مِن أهلِ بَيتي

٤٦

مقتولين حَولي، فَكيف ينقَضي حُزني؟! » .

وعن الباقرعليه‌السلام (١) قال:« كانَ أبي عليُّ بنُ الحسينِ (صَلواتُ اللهِ عليهِ) يقول: أيّما مُؤمنٍ دَمعتْ عَيناه لِقتلِ الحسين بن عليٍّ عليه‌السلام دَمعةً حتّى تسيلُ على خَدّه، بوّأه اللهُ تعالى في الجنّةِ غُرفاً يسكنها أحقاباً.

وأيّما مُؤمنٍ دَمعتْ عَيناه حتّى تَسيلَ على خدِّه فينا، لأذىً مَسّنا مِن عدوِّنا في الدُّنيا، بوّأه الله في الجنَّة مبوّأ صِدقٍ، وأيّما مُؤمنٍ مَسّهُ أذىً فينا فدمعت عيناه حتّى تسيلَ على خدِّه صرفَ اللهُ عن وجههِ الأذى، وآمنَهُ يومَ القيامةِ مِن سخطهِ والنّارِ » (٢) .

وقال الرضاعليه‌السلام (٣) ، وهو الثامن من أئمّة الهدى (صلوات الله وسلامه عليهم):« إنّ المُحرّمَ شهرٌ كان أهلُ الجاهليّة يُحرّمونَ فيه القتالَ، فاستُحلَّتْ فيه دِماؤنَا، وهُتكتْ فيه حُرمتُنَا،

____________________

(١) فيما أخرجه جماعة، منهم: ابن قولويه في كامله. ( المؤلّف ).

(٢) كامل الزيارات / ١٠٠. وراجع: تفسير القمّي / ٦١٦، ثواب الأعمال / ٤٧، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨١.

(٣) فيما أخرجه الصدوق في أماليه وغير واحد من أصحابنا. ( المؤلّف ).

٤٧

وسُبيتْ فيه ذرارينَا ونساؤنَا، واُضرِمتْ فيه النّارُ في مَضارِبنَا، وانتُهبَ ما فيها مِن ثقلِنا (١) ، ولَمْ ترعَ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حُرمةٌ في أمرِنا.

إنّ يومَ الحُسينِ أقرحَ جفونَنا، وأسبلَ دموعَنا، وأذلّ عزيزَنا.... فَعلى مثلِ الحسينِ فليبكِ الباكون؛ فإنّ البكاءَ عليه يحطّ الذنوبَ العِظام ». ثمّ قالعليه‌السلام :« كانَ أبي إذا دخلَ شهرُ المُحرّمِ، لا يُرى ضاحِكاً، وكانت الكآبةُ تغلبُ عليه حتّى يمضي منه عشرةُ أيّام، فإذا كانَ يوم العاشرِ كانَ ذلك اليوم يومَ مصيبتِهِ وحُزنِهِ وبُكائِهِ » (٢) . وقالعليه‌السلام (٣) :« مَنْ تذكَّرَ مُصابَنا وبكى لِما ارتُكِبَ منّا، كانَ معنا في درجتِنَا يومَ القيامةِ، ومَن ذكَر مُصابَنَا فَبكى

____________________

(١) الثقل: وزان سبب متاع المسافر، وكلّ شيء نفيس مصون. ( المؤلّف ).

(٢) أمالي الصدوق - المجلس السابع والعشرون - الرقم الثاني، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٣.

(٣) فيما أخرجه الصدوق في أماليه. ( المؤلّف ).

٤٨

وأبكى، لَم تبكِ عينُهُ يومَ تبكي العيونُ، ومَنْ جَلَس مَجلِساً يُحيَى فيهِ أمرُنا، لَم يمُتْ قلبُهُ يومَ تموتُ القلوبُ » (١) .

وعن الريّان بن شبيب، فيما أخرجه الشيخ الصدوق في العيون، قال: دخلتُ على الرِّضاعليه‌السلام في أوّل يوم من المُحرّم، فقال لي:« يابنَ شَبيب، إنّ المُحرّمَ هو الشّهرُ الذي كانَ أهلُ الجاهليّةِ فيما مَضى يُحرّمون فيهِ الظُّلمَ والقِتالَ لِحُرمَتِهِ، فَما عرفتْ هذه الاُمّةُ حُرمةَ شهرِها، ولا حُرمَةَ نبيِّها صلى‌الله‌عليه‌وآله ; إذ قَتلوا في هذا الشَّهرِ ذُرِّيَّتهُ، وسَبَوا نساءَه، وانتهبُوا ثِقلَهُ... يابنَ شَبيب، إنْ كُنتَ باكِياً لِشيءٍ فابكِ لِلحسينِ عليه‌السلام ؛ فإنّه ذُبِحَ كما يُذبَحُ الكَبشُ (٢) ،وقُتِل معه مِن أهلِ بيتهِ

____________________

(١) أمالي الصدوق - المجلس السّابع عشر - الرقم الرابع، وراجع: عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ / ٢٩٤، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨.

(٢) إنّ التعبير كهذا ممّا يدلّك على غاية همجيّة القوم، وشقائهم وبُعدهم عن العطف الإنساني، بالإضافة على قتلهم ريحانة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهتكهم حرمته في سبطه ( روحي فداه ).

وقد أجمل الإمام (عليه أفضل الصلاة والسّلام) لمّا أدى عن الفاجعة وأهمّيّتها بهذا الكلام القصير، وأشار به إلى معنى جسيم يُدركه الباحث المُتعمّق بعد التحليل والاختبار، ويندهش المجموع البشري لمثل هذه الرزيّة، عندما علم أنّه لَم يوجد بين تلك الجموع المحتشدة في كربلاء مَن يردعهم عن موقفهم البغيض، ولا أقل من تسائل بعضهم: لماذا نُقاتل الحسين؟ وبأيّ عمل استحقّ ذلك منّا؟ أو هل كان دمُ الحسينعليه‌السلام مُباحاً إلى حدّ إباحة دم الكبش، ويُذبح - بأبي هو واُمّي! - بلا ملامةٍ لآثم، ومِنْ دون خشية محاسب؟! ( المؤلّف ).

٤٩

ثمانيةَ عشرَ رجلاً، ما لَهُمْ في الأرضِ مِنْ شَبيهٍ، ولَقد بَكتْ السّماواتُ السَّبع لِقتلِه... » .

إلى أنْ قال:« يابنَ شَبيب، إنْ سَرّكَ أنْ تكونَ معنا في الدَّرجاتِ العُلا من الجنانِ، فاحزَنْ لِحُزنِنا وافرَحْ لِفَرحِنا، وعليكَ بولايَتِنا... » (١) .

وقالعليه‌السلام ، فيما أخرجه الصدوق في أماليه:« مَن تَركَ السَّعيَ في حوائِجِهِ يومَ عاشوراء قضَى اللهُ لهُ حوائجَ الدُّنيا والآخِرةِ، ومَن كانَ يومُ عاشوراء يومَ مُصيبَتِهِ وحُزنِهِ وبُكائِهِ،

____________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ / ٢٩٩، وراجع: أمالي الصدوق - المجلس ٢٧، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٥.

٥٠

جعلَ اللهُ عزّ وجل يومَ القيامةِ يومَ فَرحِهِ وسرورِهِ وقرّت بنا في الجنانِ عينُه... » (١) .

وبكى (صلوات الله عليه) إذ أنشده دعبل بن عليٍّ الخُزاعي قصيدته التائيّة السائرة، التي اُغمي عليه في أثنائها مرّتين، كما نصّ عليه الفاضل العبّاسي في ترجمة دعبل من معاهد التنصيص، وغيره من أهل الأخبار.

وفي البحار وغيره: أنّهعليه‌السلام أمر - قبل إنشادها - بسترٍ فضُرب دون عقائله، فجلسنَ خلفه يسمعن الرثاء ويبكينَ على جدّهن سيد الشهداءعليه‌السلام ، وأنّه قال يومئذ:« يا دِعبلُ، مَن بَكى أو أبكَى على مُصابِنا ولَو واحداً كانَ أجرُهُ على اللهِ. يا دعبلُ، مَنْ ذرفتْ عَيناهُ على مُصابِنا حشرَه اللهُ مَعنا ».

وحدّث محمّد بن سهل، كما في ترجمة الكميت من معاهد التنصيص، قال: دخلت مع الكميت على أبي عبد الله

____________________

(١) أمالي الصدوق - المجلس السّابع والعشرون - الرقم الرابع، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٤.

٥١

جعفر بن محمّد الصّادقعليه‌السلام في أيّام التشريق، فقال له: جُعلت فداك! ألا أنشدك؟ قال:« إنّها أيّامٌ عِظام » . قال: إنّها فيكم. قالعليه‌السلام :« هاتْ » . وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله فقرب، فأنشده، في رثاء الحسينعليه‌السلام ، فكثر البكاء حتّى أتى على هذا البيت:

يُصيبُ به الرَّامُونَ عَنْ قَوسِ غَيرِهِمْ

فَيَا آخِراً أسدَّى له الغَيَّ أوَّلُ

قال: فرفع أبو عبد اللهعليه‌السلام يدَيهِ، فقال:« اللهمّ، اغفِرْ للكُميتْ ما قدَّمَ وما أخّرَ، وما أسرَّ وما أعلنَ حتّى يَرضَى » (١) .

____________________

(١) بخٍ بخٍ، هنيئاً لمَن نال من أئمّة الهُدىعليهم‌السلام بعضَ ذلك، وأنت تعلم أنّهعليه‌السلام لَم يبتهل بالدُّعاء للكميت هذا الابتهال إلاّ لِما دلّ عليه بيته هذا من معرفته بحقيقة الحال.

وقد أكثر الشعراء من نظم هذا المعنى، فنظمه المهيار في قصيدته اللاميّة، وقبل ذلك نظمه الشريف الرضي، فقال:

بَنى لَهُمُ الماضونَ آساسَ هَذِهِ

فَعَلّوا عَلى آساسِ تِلكَ القَواعِدِ

إلى آخر ما قال.

وكأنّ سيدة نساء عصرها زينبعليها‌السلام أشارت إلى هذا المعنى بقولها مخاطبة ليزيد: وسيعلمُ مَنْ سوّل لك، ومكّنكَ من رقابِ المُسلمين.

بل أشار إليه معاوية إذ كتبَ إليه محمّد بن أبي بكر يلومه في تمرّده على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويذكر له فضله وسابقته، فكتب له معاوية في الجواب ما يتضمّن الإشارة إلى المعنى الذي نظمه الكميت، فراجع ذلك الجواب في كتاب: وقعة صفين لنصر بن مزاحم، أو شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، أو مروج الذهب للمسعودي.

وقد اعترف بذلك المعنى يزيد بن معاوية، إذ كتب إليه ابن عمر يلومه على قتل الحسينعليه‌السلام ، فأجابه: أمّا بعد، فإنّا أقبلنا على فُرش مُمهّدة ونمارق مُنضّدة... إلى آخر الكتاب.

وقد نقله البلاذري وغيره من أهل السير والأخبار، وفي كتابنا ( سبيل المؤمنين ) من هذا شيء كثير، فحقيق بالباحثين أنْ يقفوا عليه. ( المؤلّف ).

٥٢

وفي كامل الزيارات بالإسناد إلى عبد الله بن غالب، قال: دخلتُ على أبي عبد اللهعليه‌السلام فأنشدتُه مرثيّة للحسينعليه‌السلام ، فلمّا انتهيتُ إلى قولي:

لبليّة تسقو حُسيناً

بمسقاةِ الثَّرى غير التُّرابِ

صاحت باكية من وراء الستر: يا أبتاه!(١) .

____________________

(١) كامل الزيارات / ١٠٥، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٦.

٥٣

وروى الصدوق في الأمالي وثواب الأعمال، وابن قولَويه، بأسانيد معتبرة عن أبي عمارة، قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام :« يا أبا عُمارة، أنشِدْني في الحسين عليه‌السلام » . فأنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى. قال: فو الله. ما زِلتُ أنشده وهو يبكي حتّى سمعت البكاء من الدار. قال: فقال لي:« يا أبا عُمارة، مَن أنشدَ في الحسينِ بن عليٍّ عليهما‌السلام فأبكى خمسينَ فلَهُ الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى ثلاثينَ فلَه الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى عشرينَ فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى عشرةً فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى واحداً فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فبكى فَلَهُ الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فتباكى فلَه الجنّة » (١) .

____________________

(١) أمالي الصدوق - المجلس ٢٩ - الرقم ٦، ثواب الأعمال / ٤٧، كامل الزيارات / ١٠٥.

وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٢.

٥٤

وروى الصدوق في ثواب الأعمال بالإسناد إلى هارون المكفوف، قال: دخلتُ على أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، فقال لي:« يا أبا هارونَ، أنشِدْني في الحسين عليه‌السلام » . فأنشدته، فقال لي:« أنشِدْني كما تُنشدونَ » - يعني بالرقّة -. قال: فأنشدته:

اُمرُرْ على جَدثِ الحُسيـْ

ـنِ فقُلْ لأعظُمِهِ الزَّكيّهْ

قال: فبكى، ثمّ قال:« زدني » . فأنشدته القصيدة الاُخرى. قال: فبكى، وسمعتُ البكاء من خلف السّتر. قال: فلمّا فرغت، قال:« يا أبا هارونَ، مَن أنشدَ في الحُسينِ فبكَى وأبكَى عشرةً كُتبتْ لهُمْ الجنّة... إلى أنْ قال:ومَن ذُكر الحسينُ عندَه فخرجَ مِنْ عَينَيهِ مِنَ الدَّمعِ مقدارُ جناحِ ذبابةٍ، كانَ ثوابُهُ على اللهِ عزّ وجل، ولم يرضَ له بدونِ الجنّةِ » (١) .

____________________

(١) ثواب الأعمال / ٤٧، وراجع: كامل الزيارات / ١٠٠، ١٠٤، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٨.

٥٥

وروى الكشِّي بسند معتبر عن زيد الشحّام، قال: كنّا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فدخل عليه جعفر بن عثمان، فقرّبه وأدناه، ثمّ قال:« يا جعفر » . قال: لبّيك، جعلني الله فداك. قال:« بلَغنِي أنّكَ تقولُ الشّعرَ في الحُسينِ عليه‌السلام وتُجيدُ » . فقال له: نعم، جعلني الله فداك. قال:« قُلْ » . فأنشدته، فبكى ومَن حوله حتّى صارت الدموع على وجهه ولحيته، ثمّ قال:« يا جعفرُ، واللهِ، لقد شهَدتْ الملائكةُ المُقرَّبونَ ها هُنا يسمعون قولَك في الحسينِ عليه‌السلام ، ولقد بكَوا كَما بَكينا وأكثر ... إلى أنْ قال:ما مِن أحدٍ قالَ في الحُسينِ شعراً فبكَى وأبكَى بهِ إلاّ أوجب اللهُ لَه الجنّةَ، وغَفَرَ لَهُ » (١) .

وروى ابن قولويه في الكامل بسند معتبر حديثاً عن الصادقعليه‌السلام جاء فيه:« وكانَ جدّي عليُّ بنُ الحُسينِ عليهما‌السلام إذا ذكرَه ( يعني: الحسينعليه‌السلام )بَكى حتّى تملأ عيناه لحيته، وحتّى يبكي لِبكائِهِ - رَحمةً لَه - مَنْ رآه، وأنّ الملائِكَةَ

____________________

(١) رجال الكشّي / ١٨٧.

٥٦

الذين عند قبرِهِ لَيبكون فيبكي لِبكائِهمْ كُلُّ مَن في الهواء والسّماء. وما مِن باكٍ يبكيه إلاّ وقد وصلَ فاطمةَ وأسعدَها، ووصلَ رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأدّى حقّنا... » .

وفي قرب الإسناد عن بكر بن محمّد الأزدي، قال: قال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام لفضيل بن يسار:« أتجلسون وتُحدّثون؟ » . قال: نعم، جعلتُ فداك. قالعليه‌السلام :« إنّ تلكَ المجالِسَ اُحبُّها، فأحيوا أمرَنا؛ فرَحمَ اللهُ مَن أحيا أمرَنا. يا فُضيلُ، مَن ذَكَرَنا أو ذُكِرْنا عندهُ فخرجَ مِن عَينِهِ مثلُ جناحِ الذُّباب غفرَ اللهُ له ذنوبَه » .

وفي خصال الصدوق، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال:« إنّ اللهَ تبارَك وتعالى اطّلَعَ إلى الأرضِ فاختارَنا، واختارَ لَنا شيعةً يَنصرونَنا، ويفرحونَ لِفَرَحِنا، ويَحزَنونَ لِحُزنِنا، ويَبذلون أموالَهُمْ وأنفُسَهمْ فِينا، أُولئِكَ مِنّا وإلَينا » .

وفي كامل الزيارات بالإسناد إلى أبي عمارة المنشد، قال: ما ذُكر الحسينُعليه‌السلام عند أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في يوم قط فرؤيَ مُتبسِّماً في ذلك اليوم إلى الليل.

٥٧

قال: وكان أبو عبد اللهعليه‌السلام يقول:« الحسينُ عليه‌السلام عَبرَةُ كُلِّ مُؤمنٍ » (١) .

وفيه بالإسناد إلى الصادقعليه‌السلام ، قال:« قال الحسينُ عليه‌السلام : أنا قتيلُ العَبرَة، لا يَذكُرنِي مُؤمِنٌ إلاّ استعبَرَ » (٢) .

إلى غير ذلك من صحاح الأخبار المتواترة عن الأئمّة الأبرارعليهم‌السلام (٣) .

حجّية أقوال الأئمّةعليهم‌السلام في رجحان إقامة المأتم

وناهيك بها حجّة على رجحان هذه المآتم، واستحبابها شرعاً؛ فإنّ أقوالَ أئمّة الهدى من أهل البيتعليهم‌السلام وأفعالَهم وتقريرَهم حجّةٌ بالغة؛ لوجوب عصمتهم بحكم العقل والنقل، كما هو مُقرّر في مظانه من كتب المتكلّمين من أصحابنا، والتفصيل في كتابنا ( سبيل المؤمنين ).

____________________

كامل الزيارات / ١٠٨، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٠.

(٢) كامل الزيارات / ١٠٨، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٤.

(٣) راجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨ - ٢٩٦، الباب الرابع والثلاثون.

٥٨

على أنّ الاقتداء بهم في هذه المآتم وغيرها لا يتوقّف عند الخصم على عصمتهم، بل يكفينا فيه ما اتّفقت عليه الكلمة من إمامتهم في الفتوى، وأنّهم في أنفسهم لا يقصرون عن الفقهاء الأربعة والثوري والأوزاعي وأضرابهم علماً ولا عملاً.

وأنت تعلم أنّ هذه المآتم لَو ثبتت عن أبي حنيفة أو صاحبَيه أبي يوسف والشيباني مثلاً، لاستبق الخصم إليها وعكف أيّام حياته عليها، فلِمَ ينكرها علينا ويندّد بها بعد ثبوتها عن أئمّة أهل البيت يا منصفون؟!

أتراه يرى في أئمّة الثقلين أمراً يقتضي الإعراض عنهم، أو يجد فيهم شيئاً يستوجب الإنكار على الآخذين بمذهبهم، أو أنّ هناك أدلّة خاصّة تقصر الإمامة في الفتوى على أئمّة خصومنا ولا تبيح الرجوع إلى غيرهم، كلاّ إنّ واقع الأمر وحقيقة الحال بالعكس.

حديث الثقلين

هذا حديث الثقلين المجمع على صحّته واستفاضته،

٥٩

قد أنزل العترة منزلة الكتاب، وجعلها قدوةً لاُولي الألباب، فراجعه:

في باب فضائل عليعليه‌السلام من صحيح مسلم. أو في الجمع بين الصحيحين. أو الجمع بين الصحاح الستّة. أو في حديث أبي سعيد الخدري من مسند أحمد بن حنبل. أو خصائص عليعليه‌السلام للإمام النّسائي. أو في تفسيري الثعلبي والبيهقي. أو في حلية الحافظ الأصفهاني. أو كتب الحاكم والطبراني وغيرها من كتب الحديث(١) .

____________________

(١) حديث الثقلين حديث صحيح ثابت متواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أخرجه الحفّاظ وأئمّة الحديث في الصحاح والمسانيد والسّنن والمعاجم بطرق كثيرة صحيحة عن بضع وعشرين صحابيّاً، فالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أحسّ بقرب أجله أوصى اُمّته بأهمّ الاُمور لدَيه وأعزّها عليه، وهما ثقلاه وخليفتاه، وحثّ على التمسّك بهما

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360


مناقب إسحاق [ العدل ](١) : انّه كان في خلافة هشام خطيب يلعن عليّاًعليه‌السلام على المنبر، فخرجت كفّ من قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - يُرى الكفّ ولا يُرى الذراع - عاقدة على ثلاث وستّين، وإذا كلام من القبر: ويلك [ من أمويّ ](٢) ( أكَفَرتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ ) الآية، وألفت ما فيها، فإذا دخان أزرق، قال: فما نزل عن المنبر إلا وهو أعمى يقاد، وما مضت عليه ثلاثة أيّام حتى مات.(٣)

وروى علماء واسط أنّه لمّا رفع عمر بن عبد العزيز اللعائن جعل خطيب واسط يلعن، فإذا هو بثور عبر الشطّ، وشقّ السور، ودخل المدينة، وأتى الجامع، وصعد المنبر، ونطح الخطيب فقتله، وغاب عن أعين الناس، فسدّوا الباب الذي دخل منه(٤) ، وأثره ظاهر وسمّوه باب الثور.

وقال هاشميّ: رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه - وهو يغطّيه - فسألته عن سبب ذلك، فقال: نعم، قد جعلت على نفسي أن لا يسألني أحد عن سبب ذلك إلا أخبرته، كنت شديد الوقيعة في عليّ، كثير الذكر له بالمكروه، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذا بآتٍ أتاني في منامي فقال: أنت صاحب الوقيعة في عليّ؟ فضرب شقّ وجهي؟ فأصبحت وشقّ وجهي أسود كما ترى.(٥)

____________

١ و ٢ - من المناقب.

٣ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٣٤٣ - ٣٤٤، عنه البحار: ٣٩ / ٣١٨ ح ١٩، ومدينة المعاجز: ٢ / ٢٨٣ - ٢٨٤ ح ٥٥١ و ٥٥٢ إلى قوله: فخبطه جمل حتى قتله.

٤ - كذا في المناقب، وفي الأصل: فيه.

٥ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٣٤٤، عنه البحار: ٣٩ / ٣١٩ ح ٢٠، ومدينة المعاجز: ١ / ٣١٤ ح ١٩٨ من قوله « قال هاشمي ».

وأورد نحوه في الفضائل لشاذان: ١١٥، والروضة في الفضائل: ١٠ ( مخطوط )، عنهما البحار: ٤٢ / ٨ ح ١٠.

وأورده أيضاً في الثاقب في المناقب: ٢٤١ ح ٦.


٣٦١


وكان بالمدينة رجل ناصبيّ، ثم تشيّع بعد ذلك، فسئل عن السبب، فقال: إنّي رأيت في منامي عليّاًعليه‌السلام يقول [ لي ](١) : لو حضرت صفّين مع من كنت تقاتل؟

قافل: فأطرقت اُفكّر، فقالعليه‌السلام : يا خسيس، هذه مسألة تحتاج إلى [ هذا ](٢) الفكر العظيم! اصفعوا قفاه، فصفعت(٣) حتى انتبهت وقد ورم قفاي، فرجعت عمّا كنت عليه.(٤)

روى شيخنا ووسيلتنا إلى ربّنا الشيخ الجليل الفقيه عناد الدين محمد بن علي بن الحسين [ بن موسى ](٥) بن بابويه القمّي في أماليه، قال: حدّثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدّثني محمد بن جرير الطبري، قال: حدّثني أحمد بن رشيد، قال حدّثنا أبو معمر سعيد بن خثيم(٦) ، قال: حدّثني سعد، عن الحسن البصري أنّه بلغه أنّ زاعماً يزعم أنّه ينتقص عليّاً صلوات الله عليه، فقام في أصحابه يوماً فقال: لقد هممت أن أغلق بابي ثمّ لا أخرج من بيتي حتى يأتيني أجلي، بلغني أنّا زاعماً منكم يزعم أنّي أنتقص خير الناس بعد نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنيسه وجليسه، والمفرّج عنه الكرب عند الزلازل، والقاتل للأقران يوم التنازل، لقد فارقكم رجل قرأ القرآن فوقّره، [ وأخذ العلم

__________________

وأخرجه في مدينة المعاجز: ١ / ٣١٤ ح ١٩٩ عن البرسي - ولم نجده في مشارق أنوار اليقين - وما فيه يوافق ما في فضائل شاذان.

١ و ٢ - من المناقب.

٣ - في المناقب: اعطوا قفاه. فصفقت.

٤ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٣٤٤، عنه البحار: ٤٢ / ٧ ح ٧.

٥ - من الأمالي.

٦ - في الأمالي: خيثم ( خثيم ).


٣٦٢


فوفّره، ](١) وحاز البأس فاستعمله في طاعة ربّه، صابراً على مضض الحرب، شاكراً عند اللأواء والكرب، عمل بكتاب الله، ونصح لنبيّه وابن عمّه وأخيه، آخاه دون أصحابه، وجعل عند سرّه، وجاهد عنه صغيراً، وقاتل معه كبيراً، يقتل الأقران، وينازل الفرسان دون دين الله حتى وضعت الحرب أوزارها، مستمسكاً بعهد نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا يصدّه صادّ، ولا يمالي عليه مضادّ، ثمّ مضى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو عنه راض.

أعلم المسلمين علماً، وأفهمهم فهماً، وأقدمهم في الإسلام، لا نظير له في مناقبه، ولا شبيه له في ضرائبه، فظلفت(٢) نفسه عن الشهوات، وعمل لله في الغفلات، وأسبغ الوضوء(٣) في السبرات، وخشع(٤) لله في الصلوات، وقطع نفسه عن اللذات، مشمّراً عن ساق، طيّب الأخلاق، كريم الأعراق، واتّبع سنن نبيّه، واقتفى آثار وليّه، فكيف أقول فيه ما يوبقني؟ وما أحد أعلمه يجد فيه مقالاً، فكفّوا عنّا الأذى، وتجنّبوا طريق الردى.(٥)

وقال أيضاً رضي الله عنه في أماليه: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان وعلي بن أحمد بن موسى الدقّاق ومحمد بن أحمد السناني وعبد الله بن محمد الصائغ، قالوا: حدّثنا أبو العبّاس [ أحمد بن يحيى بن ](٦) زكريّا القطّان، قال: حدّثنا أبو محمد بكر بن عبدالله بن حبيب، قال: حدّثني علي بن محمد، قال: حدّثنا الفضل بن العبّاس، قال حدّثنا عبد القدّوس الورّاق، قال: حدّثنا

__________________

١ - من الأمالي.

٢ - كذا في الأمالي، وفي الأصل: طلقت. وظلفت: منعت.

٣ - في الأمالي: الطهور. والسيرات: جمع السبرة، الغداة الباردة.

٤ - كذا في الأمالي، وفي الأصل: وخضع.

٥ - أمالي الصدوق: ٣٥٢ ح ١، عنه البحار: ٤٠ / ١١٧ ح ٢.

٦ - من الأمالي.


٣٦٣


محمد بن كثير، عن الأعمش.

و حدّثنا الحسن بن إبراهيم بن أحمد المكتّب، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى القطّان، قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدّثني عبيد الله بن محمد بن باطويه(١) ، قال: حدّثنا محمد بن كثير، عن الأعمش.

وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيّوب اللخمي فيما كتب إلينا من أصفهان، قال: حدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري سنة ستّ وثمانين ومائتين، قال: حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي، قال: حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي، قال: حدّثنا مندل بن علي العنزي(٢) ، عن الأعمش.

وحدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: حدّثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي، قال: حدّثنا علي بن عيسى الكوفي، قال: حدّثنا جرير(٣) بن عبد الحميد، عن الأعمش، وزاد بعضهم على بعض في اللفظ، وقال بعضهم ما لم يقل بعض، وسياق الحديث لمندل بن علي العنزي، عن الأعمش، قال: بعث إليّ أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أجب، قال: فبقيت(٤) متفكّراً فيما بيني وبين نفسي وقلت: ما بعث إليّ [ في ](٥) هذه الساعة الا ليسألني عن فضائل عليعليه‌السلام ، ولعلّي إن أخبرته قتلني.

قال: فكتبت وصيّتي، ولبست كفني، ودخلت عليه، فقال ادن منّي، فدنوت وعنده عمرو بن عبيد، فلمّا رأيته طابت نفسي شيئاً ثم قال: ادن منّي،

____________

١ - في الأمالي: عبد الله ( عبيد الله ) بن محمد بن باطويه ( ناطويه ).

٢ - في الأمالي: العنزي ( العتري ). وكذا في الموضع التالي.

٣ - كذا في الأمالي، وفي الاصل: حريز.

٤ - في الأمالي: فقمت.

٥ - من الأمالي.


٣٦٤


فدنوت حتى كادت تمسّ ركبتي ركبته، قال: فوجد منّي رائحة الحنوط، فقال: والله لتصدقّنني وإلاّ لأصلبنّك.(١)

فقلت: ما حاجتك، يا أمير المؤمنين؟

قال: ما شأنك متحنّطاً؟

قلت: أتاني رسولك في جوف الليل أن أجب، فقلت: عسى أن يكون أمير المؤمنين بعث إليّ [ في ](٢) هذه الساعة ليسألني عن فضائل عليّعليه‌السلام . فلعلّي إن أخبرته قتلني، فكتبت وصيّتي، ولبست كفني.

قال: وكان متّكئاً فاستوى جالساً وقال: لا حول ولا قوّة إلا بالله، سألتك - يا أعمش(٣) - كم حديثاً ترويه في فضائل عليّعليه‌السلام ؟

قال: فقلت: يسيراً، يا أمير المؤمنين.

قال: كم.

قلت: عشرة آلاف وما زاد.

فقال: يا سليمان، لاُحدّثنّك بحديث في فضل عليّعليه‌السلام تنسى كلّ حديث [ سمعته ](٤) .

قال: قلت: حدّثني، يا أمير المؤمنين.

قال: إنّي كنت هارباً من بني اُميّة وكنت أتردّد في البلدان(٥) وأتقرّب إلى الناس بفضائل عليّعليه‌السلام ، وكانوا يطعموني ويزوّدوني حتى وردت إلى

__________________

١ - في الأمالي: لتصدّقني أو لاُصلبنّك.

٢ و ٤ - من الأمالي.

٣ - في الأمالي: سألتك بالله يا سليمان.

٥ - كذا في الأمالي، وفي الأصل: من بني يزدد في البلدان.


٣٦٥


بلاد شام، وإنّي لفي كساءٍ خلق ما عليّ غيره، فسمعت الاقامة وأنا جائع، فدخلت المسجد لاُصلّي وفي نفسي أن اُكلّم الناس في عشاءٍ [ يعشوني ](١) ، فلمّا سلّم الإمام دخل المسجد صبيّان، فالتفت الإمام اليهما وقال: مرحباً بكما، ومرحباً بمن اسمكما على اسمهما، وكان إلى جانبي شابّ فقلت: يا شابّ، ما الصبيّان؟ ومن الشيخ؟

قال: هو جدّهما، وليس أحد في هذه المدينة يحبّ عليّاً إلا [ هذا ](٢) الشيخ، فلذلك سمّى أحدهما الحسن والآخر الحسين، فقمت فرحاً إلى الشيخ، فقلت: أيها الشيخ، هل لك حاجة في حديثٍ اُقرّ به عينك؟

قال: إن أقررت عيني أقررت عينك.

قال: قلت: حدّثني أبي، عن جدّي، عن أبيه قال: كنّا قعوداً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ جاءت فاطمةعليها‌السلام وهي تبكي، فقال لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك يا فاطمة؟

قالت: يا أبة، خرج الحسن والحسين فما أدري أين باتا.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة، لا تبكي، فإنّ الله الذي خلقهما هو ألطف بهما منك، ورفع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يديه إلى السماء، وقال: اللّهمّ إن كانا أخذا برّاً أو بحراً فاحفظهما وسلّمهما، فنزل جبرائيلعليه‌السلام من السماء وقال: يا محمد، إنّ الله سبحانه يقرئك السلام ويقول: لا تحزن ولا تغتمّ فإنّهما فاضلان في الدنيا وفاضلان في الآخرة، وأبوهما أفضل منهما، هما نائمان في حظيرة بني النجّار، وقد وكّل الله بهما ملكاً.

قال: فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرحاً ومعه أصحابه حتى أتى

__________________

١ و ٢ - من الأمالي.


٣٦٦


حظيرة بني النجّار، فإذا الحسن(١) معانقاً للحسينعليه‌السلام ، وإذا الملك الموكّل بهما قد افترش أحد جناحيه تحتهما وغطّاهما بالآخر.

قال: فمكث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّلهما حتى انتبها، فلمّا استيقظا حمل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن، وحمل جبرائيل الحسين فخرج من الحظيرة وهو يقول: والله لاُشرّفنّكما كما شرّفكم الله عزّ وجل.

فقال له أبو بكر: ناولني أحد الصبيّين اُخفّف عنك.

فقال: يا أبا بكر، نعم الحاملان، ونعم الراكبان، وأبوهما أفضل منهما فخرجت حتى أتى باب المسجد فقال: يا بلال، هلمّ عليّ الناس، فنادى منادي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة، فاجتمع الناس عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد، فقام على قدميه، فقال: يا معشر الناس، هل أدلّكم على أفضل الناس جدّاً وجدّة؟

قالوا: بلى، يا رسول الله.

قال: الحسن والحسين فإنّ جدّهما محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجدّتهما خديجة بنت خويلد.

يا معشر الناس، هل أدلّكم على خير الناس اُمّاً وأباً؟

قالوا: بلى، يا رسول الله.

قال: الحسن والحسين فإنّ أباهما يحبّ الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، واُمّهما فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

يا معشر الناس: هل أدلّكم على خير الناس عمّاً وعمّة؟

__________________

١ - في الأمالي: حتى أتوا حظيرة بني النجّار، فإذا هم بالحسن.


٣٦٧


قالوا: بلى، يا رسول الله.

قال: الحسن والحسين فإنّ عمّهما جعفر الطيّار في الجنّة مع الملائكة، وعمّتهما اُمّ هانئ بنت أبي طالب.

يا معشر الناس، هل أدلّكم على خير الناس خالاً وخالة؟

قالوا: بلى، يا رسول الله.

قال: الحسن والحسين فإنّ خالهما القاسم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخالتهما زينب بنت رسول الله، ثمّ قال بيده هكذا يحشرنا الله(١) ، ثمّ قال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّ الحسن في الجنّة، والحسين في الجنّة، وجدّهما في الجنّة، وجدّتهما في الجنّة، [ وأباهما في الجنّة، واُمّهما في الجنّة ](٢) ، وعمّهما في الجنّة، وعمّتهما في الجنّة، وخالهما في الجنّة، وخالتهما في الجنّة.

اللّهمّ إنّك تعلم من يحبّهما في الجنّة، ومن يبغضهما في النار.

قال: فلمّا قلت ذلك للشيخ قال: من أنت يا فتى؟

قلت: رجل من أهل الكوفة.

قال: أعربيّ أنت أم مولى؟

قلت: بل عربيّ.

قال: فأنت تحدّث بهذا الحديث وأنت في هذا الكساء، فكساني خلعته،

__________________

١ - الظاهر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ضمّهما إلى صدره وأشار إلى الناس: هكذا يحشرنا الله.

٢ - من الأمالي.


٣٦٨


وحملني على بغلته فبعتها بمائة دينار، وقال يا شابّ(١) ، أقررت عيني فوالله لأقرّنّ عينك، ولأرشدنّك إلى شابّ يقرّ عينك اليوم.

قال: قلت: أرشدني.

قال: إنّ لي أخوين أحدهما إمام والآخر مؤذّن، أمّا الإمام فإنّه يحبّ عليّاً منذ خرج من بطن اُمّه، وأمّا المؤذّن فإنّه يبغض عليّاً منذ خرج من بطن اُمّه.

قال: قلت: أرشدني، فأخذ بيدي حتى أتى بي إلى باب الامام، فإذا برجل خرج إليّ وقال: أمّا البغلة والكسوة فأعرفهما، والله ما كان فلان يكسوك ويحملك إلا لأنّك تحبّ الله ورسوله ووصيّ رسوله، فحدّثني بحديث في فضل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

قال: قلت: أخبرني أبي، عن أبيه، عن جدّه، قال: كنّا قعوداً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ جاءت فاطمة تبكي بكاءً شديداً، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك، يا فاطمة؟

قالت: يا أبة، عيّرتني نساء قريش وقلن: إنّ أباك زوّجك من معدم لا مال له.

فقال لها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تبكي فوالله ما زوّجتك حتى زوّجك الله من فوق عرشه، وأشهد بذلك جبرائيل وميكائيل، وإنّ الله سبحانه اطّلع على أهل الأرض(٢) فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبيّاً، ثمّ اطّلع الثانية فاختار من الخلائق عليّاً، فزوّجك إيّاه، واتّخذه وصيّاً، فعليّ أشجع الناس قلباً، وأحلم الناس حلماً، وأسمح الناس كفّاً، وأقدم الناس سلماً، وأعلم الناس علماً،

__________________

١ - كذا في الأمالي، وفي الأصل: بغلته باعها بمائة دينار، وقال: يا شيخ.

٢ - في الأمالي: الدنيا.


٣٦٩


والحسن والحسين ابناه وهما سيّدا شباب أهل الجنة، واسمهما في التوراة شبير وشبر لكرامتهما على الله سبحانه.

يا فاطمة، لا تبكي فوالله إذا كان يوم القيامة يكسى أبوك حلّتين، وعليّ حلّتين، ولواء الحمد بيدي، فاُناوله عليّاً لكرامته على الله.

يا فاطمة، لا تبكي فإنّي إذا دعيت إلى ربّ العالمين يجيّ عليّ معي، وإذا شفّعني الله شفّع عليّ معي.

يا فاطمة، لا تبكي فإنّه إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ في أهوال ذلك اليوم: يا محمد، نعم الجدّ جدّك إبراهيم خليل الرحمن، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب.

يا فاطمة، علي يعينني على مفاتيح الجنّة، وشيعته هم الفائزون غداً يوم القيامة في الجنّة، فلمّا قلت ذلك قال: يا بنيّ ممّن أنت؟

قلت: من أهل الكوفة.

قال: أعربيّ أنت أم مولى؟

قلت: عربيّ.

قال: فكساني ثلاثين ثوباً، وأعطاني عشرة آلاف درهم، ثمّ قال: يا شابّ، أقررت عيني ولي إليك حاجة، قلت: انقضيت إن شاء الله.

قال: فإذا كان غداً فائت مسجد آل فلان كيما ترى أخي المبغض لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

قال: فطالت عليّ تلك الليلة، فلمّا أصبحت أتيت المسجد الذي وصف لي وقمت في الصف الأوّل فإذا إلى جانبي شابّ متعمّم فذهب ليركع فسقطت


٣٧٠


عمامته، فنظرت في وجهه فإذا رأسه رأس خنزير، ووجهه وجه خنزير، فوالله ما علمت ما تكلّمت [ به ](١) في صلاتي حتى سلّم الامام، فقلت: يا ويحك ما الّذي أرى بك؟

فبكى وقال لي: انظر إلى هذه الدار، فنظرت، فقال لي: ادخل، فدخلت، فقال لي: كنت مؤذّناً لآل فلانٍ كلّما أذّنت(٢) لعنت عليّاً صلوات الله عليه ألف مرّة بين الاذان والإقامة، وكلّما كان يوم الجمعة لعنته أربعة آلاف مرّة، فخرجت من منزلي وأتيت داري واتّكأت على هذا الدكّان الّذي ترى فرأيت في منامي كأنّي في الجنّة وفيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام فرحين، ورأيت كأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن يمينه الحسن، وعن يساره الحسين ومعه كأس، فقال: يا حسن، اسقني فسقاه، ثمّ قال: اسق الجماعة، فسقاهم(٣) ، ثمّ رأيته كأنّه قال: اسق المتّكئ على [ هذا ](٤) الدكّان.

فقال الحسنعليه‌السلام : يا جدّ، أتأمرني أن أسقي هذا وهو يلعن أبي في كلّ يوم ألف مرّة بين الأذان والإقامة، وقد لعنه في هذا اليوم أربعة آلاف مرّة بين الأذان والإقامة؟! فأتاني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: مالك عليك لعنة الله تعلن عليّاً، وعليّ منّي، [ وتشتم عليّاً وعليّ منّي ](٥) ؟ ورأيته كأنّه تفل في وجهي وضربني برجله، وقال: قم غيّر الله ما بك من نعمة، فانتبهت [ من نومي ](٦) فإذا رأسي رأس خنزير، ووجهي وجه خنزير.

ثم قال لي أبو جعفر المنصور: أهذان الحديثان في يدك؟

__________________

١ و ٤ و ٥ و ٦ - من الأمالي.

٢ - في الأمالي: أصبحت.

٣ - في الأمالي: فشربوا.


٣٧١


فقلت: لا.

فقال: يا سليمان، حبّ عليّ إيمان، وبغضه نفاق، والله لا يحبّه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق.

قال: فقلت: الأمان، يا أمير المؤمنين.

قال: لك الأمان.

فقتل: ما تقول في قاتل الحسينعليه‌السلام ؟

فقال: في النار، وإلى النار.

قلت: وكذلك من يقتل ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في النار، وإلى النار.

قال: يا سليمان، الملك عقيم، اخرج فحدّث بما سمعت.(١)

قلت: ثمّ لم تغن عنه الآيات والنذر، ولم يعتبر بما شاهد وحقّه أن يعتبر،

__________________

١ - أمالي الصدوق: ٣٥٣ ح ٢، عنه مدينة المعاجز: ١ / ٣١١ ح ١٩٦، وج ٣ / ٢٧٦ ح ٨٩٤، وغاية المرام: ٦٥٧ ح ١٠٨، وحلية الأبرار: ٢ / ١٣٧ ح ١.

ورواه في مناقب ابن المغازلي: ١٤٣ ح ١٨٨، ومناقب الخوارزمي: ٢٠٠، وبشارة المصطفى: ١٧٠ - ١٧٥.

وأورده في روضة الواعظين: ١٢٠ - ١٢٤، وفضائل شاذان: ١١٦ - ١٢١.

وأخرجه في البحار: ٣٧ / ٨٨ ح ٥٥ عن أمالي الصدوق وبشارة المصطفى ومناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة في العترة الطاهرة.

وفي ج ٤٣ / ٣٠٢، وعوالم العلوم: ١٦ / ٦٠ - ٦١ عن كشف الغمّة: ١ / ٥٢٣ - ٥٢٥ مختصراً.

وفي مدينة المعاجز: ٤ / ١١ ح ١٠٥١ عن عيون المعجزات: ٦٠ - ٦١. وفي غاية المرام: ٦٥٣ ح ١٠٧ عن مناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة.

وفي حلية الأبرار: ٢ / ١٣٨ ح ٢ عن مناقب الخوارزمي.


٣٧٢


حتى يتبع بالأذى ذرّيّته، وقصد بالأدا(١) عترته، فكم علويّ أضحى منه ومن ولده في أضيق سجن وأسر، وأسبغ حكم وقهر، قد أكلت الجوامع لحم سواعده ويديه، ووضعت الأصفاد من قدميه إلى حقويه، وأثّرت الأغلال في عنقه وعضديه، ونظرت الحتوف عن كثب إليه، يستعذب الموت من أليم عذابهم، ويستطب الفوت لوخيم عقابهم.

وكم فاطميّ فطم عن ثدي الحياة بقواتل سمومهم، وكم حسينيّ انتظم في سلك الأموات بسيوف وقائعهم ونقمهم، سل فخّاً(٢) وما حلّ بآل الرسول في عراها، والزوراء وما غيّب من ولد البتول في ثراها، وخراسان ومن شرّفت به مرابع طوسها، والعراق وما حلّ من أمجادهم في ضرائح رموسها.

ترى مشاهدهم في الأقطار تشهد بجلالة قدرهم، وتعاهدهم في الأمصار ينبي عن غزارة فضلهم، وأنوار الايمان تسطع من قباب مزاراتهم، وسحائب الغفران تهمع من اكمال زياراتهم، يغفر الله الذنوب بالهجرة إليها، ويكشف الكروب بالعكوف بحضراتها ومبانيها.

كلّما تقادمت الأيّام تجدّد فجرهم، وكلّما تعاقبت الأعوام تعالى ذكرهم، ورثوا المجد بالأصالة، لما تمّمت بجدّهم الرسالة، وعلت كلمتهم في الآفاق، لما اُقيم أبوهم وليّاً على الإطلاق، شدّ الله بزكيّهم أزر ملّته، واستشهد بشهيدهم على برهان ربوبيّته، وزيّن بعابدهم أوراد عبادته، وبيّن بباقرهم وصادقهم أسرار شيعته، وأظهر بعالمهم وكاظمهم أنوار حكمته، وجعل رضاه مقروناً برضاهم، وعلمه مخزوناً في جوادهم ومرتضاهم، وهداه في اتّباع سبيل

__________________

١ - كذا في الأصل.

٢ - فخّ: واد بمكّة، قتل به الحسين بن علي بن الحسين يوم التروية سنة تسع وستّين ومائة، وقتل جماعة من أهل بيته « مراصد الاطّلاع: ٣ / ١٠١٩ ».


٣٧٣


هاديهم، وولاه منوطاً بولاء عسكريّهم وزكيّهم، وقوام الخلق بقائمهم، وقيام الحقّ بعالمهم، صاحب الشوكة والقوّة، وظاهر الملّة والدعوة، حجّة الله على بريّته، ومحجّته في خليقته، والقائم بالقسط في اُمّة جدّه، والداعي إلى الحق بجدّه وجهده.

ذكر راحة روحي وقلبي، ومدحه مجلي همّي وكربي، وخياله نصب سواد مقلتي، وجماله في سويداء قلبي ومهجتي، أحنّ إلى ؤرؤيته ولو في طيف المنام، وأشتاق الى بهجته وإن بعد المرام، أوّ دلو ثبّتني في جرائد الخالصين من عبيده، وأن يرقمني في دفاتر المخلصين من جنوده، وأن يسمني بميسم العبوديّة في جنبي لعزيز جنابه، وأن يطوّقني بطوق الرقّية لملازمة ركابه، أسير بين يدي طرفه ولو على رأسي وطرفي، وأستلمح أنوار بهجته من بين يديّ ومن خلفي، واُسارع إلى أمره بقلبي وقالبي، وأستظلّ بظلّ جواده وذلك أقصى مطالبي، رافعاً صوتي مدّة مسيري بين يديه، متابعاً لفظي حين إشارتي بالصلاة عليه، قائلاً: معاشر المؤمنين، افرجوا عن سبيل سبيل ربّكم، وتنحّوا عن طريق وليّ أمركم.

هذا علّة وجودكم، هذا دليلكم على معبودكم، هذا صاحب زمانكم هذا ناصب أعلامكم، هذا وسيلتك إلى ربّكم يوم حشركم، هذا نوركم الّذي يسعى بين أيديكم ومن خلفكم حين بشركم، هذا الذي وعدكم به سيّد المرسلين ولا خلف لوعده، هذا الّذي الروح الأمين من بعض حشمه وجنده، هذا فرع الشجرة المباركة، هذا خليفة الله بلا مشاركة، هذا علم العترة الطاهرة، هذا مصباح الاُسرة الفاخرة، هذا شمس الشريعة النبويّة، هذا بدر الذرّيّة العلويّة، هذا ممصّر الأمصار، هذا مدمّر الفجّار، هذا هادم أركان النفاق، هذا قاطع أسباب الشقاق، هذا الصادق بالحقّ، هذا الناطق بالصدق، هذا طود الحلم، هذا


٣٧٤


بحر العلم، هذا إمام الاُمّة، هذا صاحب( وَنُرِيدُ أن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأرضِ وَنَجعَلَهُم أئِمَّةً ) (١) ، هذا الذي لولا وجوده لصاخت الأرض بكم، ولأخذكم العذاب من فوقكم ومن تحت أرجلكم، هذا خليفة الأنبياء، هذا خاتمة الأوصياء.

غضّوا أبصاركم إذا أشرتم بالصلاة عليه، واخفضوا أصواتكم ولا تقدّموا بين يديه، واسألوا الله بحقّه فهو من أعظم وسائلكم إليه، لا يقبل الله منكم صرفاً ولا عدلاً إلا باتّباع سبيله، ولا يقيم لكم يوم القيامة وزناً إلا باقتفاء دليله.

فلا أزال أهتف بهذه الكلمات مدّة مسيري في ظلّ ركابه، وأبهج بهذه الصفات منذ مصيري غاشياً دار جنابه، حتى إذا التقى الجمعان، واصطدم الفيلقان، ضربت بين يديه بسيفي قدماً قدماً، وقصمت الأصلاب بشدّة بطشي قصماً قصماً، وقيّضت الأجساد بثعلب رمحي شكاً شكاً، وجندلت الأبطال بقوّة عزمي فتكاً فتكاً، لا اُوقر كبير أهل النفاق، ولا أرحم صغيرهم، ولا أغمد حسامي حتى اُبيد أميرهم ومأمورهم.

لو نشر لي صدّيقهم نجل قحّافهم في تلك الحال لفلقت قحفته بنصفين، ولو تراءى لعيني زعيمهم فاروقهم عند مقارعة الأبطال لفرقت فرقه شطرين، ولصبغت من ذي نوريهم أثباجه من دم أوداجه، ولأطفأت لابن هندهم من نور الحياة ضوء سراجه، ولآذيت أهل هودجهم بقولي وفعلي، ولو جأت جبينها وخدها بسبت نعلي، وللعنت أباها وجدّها بعالي صوتي، ولشفيت عليك صدري منها ومن جندها قبل موتي، حتى أجعلها في عرصة الجمع تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع.

__________________

١ - سورة القصص: ٥.


٣٧٥


.

يا ابن من أسرى به الله إلى حضرته

وبه أظهر دين الـحقّ مـن بعثته

يا سميّ الفاتح الخاتم يا نـور الهدى

يا منار الحائر التـائـه فـي حيرته

يا أمان المـلك الجبـّار في عـالمه

يا أمين المصطفى المختـار في اُمّته

كم غياب عـن عليل عظمت علّته

كم حجاب من مشوق مات من غصّته

لو تزره عائداً لو في الكرى أحييته

وبثثت الـروح بعد الـموت في جثّته

لم يزل منك جمال في سويداء قلبه

وخيال فـي سواد الطـرف من مقلتهِ

مستمرّ عهده مـن عالـم الذرّ إلى

أن يوافيكم غـداً بالصدق في رجعتهِ

نوره مذتمّ منكم صار لا يخشى بكم

زخرفاً من باطـل يوديه فـي ظلمتهِ

مذ خلا عمّا سواكم قلـبه صار له

ذكـركـم دأباً به يأنس في خـلوته

نحوكم منطقه كالدرّ فـي ترصيعه

ببديع يطـرب الأسمـاع من دقّـته


٣٧٦


ببيان من معـان صـرفهـا في مدحكم

يزدريه الجاهل الهالك فـي شبهته

قسماً بالله ثـمّ المصـطـفى أكرم من

أرسل الله وبالأطهار من عتـرتـه

انّ لي صدق يقـين بـولاكـم لا أرى

غيره ينقذ للإنسـان فـي لعـنـته

يا مليكاً جـعـل اللـه له فـي ملـكه

بسطة منها مدار الخلق في قبـضته

لو نهيت الشمس عن إشراقها ما أشرقت

ومنعت الـفلـك الدوّار عن دورته

كلّما فكّرت في جرمـي ومـا أسلفته

من كبير موبق أسعـفت مـن تبعته

قال لي حسن يقيـني لك حـصن مانع

ذلك المولى الذي بالـغت في مدحته

حجّة الـوقـت ولـيّ الـله في عالمه

ساطع البرهان والظاهر فـي حجّته

بحر علم طود حلـم لا يضاهـى مجده

كنز جود لا يسامى في عـلا رفعته

غائب عن مقلتي لـكن بقـلبي حاضر

لم يزل فيه خيال مـن سـنا بهجته


٣٧٧


يا مديد العمر صل صبا تقضّى عمره

في انتظار واشفِهِ بالوصل من عـلّته

يا إلهي إن تقضّى أجلي من قبل أن

تقض لي بالسعد في دنياي من رؤيته

فامح عنّي موبقات ليس تحصى كثرة

واجعلنّي يوم حشر الخلق فـي زمرته

أقول: إنّ هذه الجملة المعترضة التي قرّرتها، والأبيات المسطّرة التي ذكرتها، ليست من ملازمات المجلس المذكور، ولا من غصون المقصد المذكور، لكن لما صبّت الصبابة شآبيبها على قلبي، وأضرمت الكآبة لهيبها في لبّي، وذلك لما ألقى الله على لسان الحائد عن الحقّ، ونطق به الجاحد من الصدق، وشهد بما هو حجّة عليه في الدنيا والاُخرى، فصار ومن انتمى إليه نحري الله أحقّ وأحرى، أوحى جناني إلى لساني، وألقى بياني على بناني، هذه الكلمات المحلّاة بترصيعي وتسجيعي، والأبيات المستمعة بمعاني بياني وبديعي، فصارت كالعقد في صدر الخريدة، أو العهد في صدر الجريدة.

و لنرجع إلى تمام المجلس الموعود، والله المستعان على كلّ جبّار كنود.

الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام : كان إبراهيم بن هاشم المخزومي والياً على المدينة، وكان يجمعنا كلّ يوم جمعة قريباً من المنبر ويشتم عليّاًعليه‌السلام ، فلصقت بالمنبر فأغفيت، وفرأيت القبر قد انفرج فخرج منه رجل عليه ثياب بيض، فقال لي: يا أبا عبد الله، ألا يحزنك ما يقول هذا؟

قلت: بلى، والله.


٣٧٨


قال: افتح عينيك انظر ما يصنع الله به، وإذا هو قد ذكر عليّاً فرمي به من فوق المنبر فمات.(١)

عثمان بن عفّان السجستاني: [ إنّ محمد بن عبّاد ](٢) قال: كان في جواري رجل صالح، فرأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه على شفير الحوض والحسن والحسين يسقيان الاُمّة، فاستسقيت فأبيا عليَّ، فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أسأله، فقال: لا تسقوه، فإنّ في جوارك رجل يلعن عليّاً فلم تنهه، ثم ناولني سكّيناً، وقال: اذهب فاذبحه.

قال: فخرجت فذبحته ودفعت السكّين إليه، فقال: يا حسين، اسقه، فسقاني، فأخذت الكأس بيدي ولا أدري أشربت أم لا، فانتبهت فإذا بولولة ويقولون: فلان ذبح على فراشه، وأخذ الشرطة الجيران، فقمت إلى الأمير، فقلت: أصلحك الله أنا فعلت به هذا والقوم براء، وقصصت عليه الرؤيا، فقال: اذهب جزاك الله خيراً.(٣)

عبد الله بن السائب وكثير بن الصلت، قالا: جمع زياد بن أبيه أشراف الكوفة في مسجد الرحبة ليحملهم على سبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام والبراءة منه، فأغفيت فإذا أنا بشخص طويل العنق، أهدل أهدب(٤) ، قد سدّ ما بين السماء والأرض، فقلت له: من أنت؟

__________________

١ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٣٤٥، عنه البحار، ٣٩ / ٣٢٠، ومدينة المعاجز: ٢ / ٢٨٥ ح ٥٥٤.

٢ - من المناقب.

٣ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٣٤٥، عنه البحار: ٣٩ / ٣٢٠.

وأخرجه في مدينة المعاجز: ٢ / ٢٨٦ ح ٥٥٥ عن مناقب ابن شهراشوب والثاقب في المناقب: ٢٣٩ ح ٢٠٣.

٤ - الأهدل: المسترخي الشفة السفلى الغليظها. والأهدب: طويل شعر الأجفان.


٣٧٩


قال: أنا النقّاد ذو الرقبة طاعون بعثت إلى زياد، فانتبهت فزعاً فسمعت الواعية، وأنشأت أقول:

قد جشم الناس أمراً ضاق ذرعهـم

بحملهم(١) حين أدّاهم إلى الرحبة

يدعو على ناصر الإسلام حين يرى

له على المشركين الطول والغلبة

ما كان منتـهـياً عـمّا أراد بـه(٢)

حـتى تـناوله النقّاد ذو الرقبة

فأسط الـشقّ مـنه ضـربة عجباً

كما تناول ظلماً صاحب الرحبة(٣) (٤)

و لمّا أتم الله سبحانه به دينه، وأثبت في صحائف الاخلاص يقينه، قاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله، وشدّ أركان الإيمان بواضح دليله، ومهّد سبيل الإسلام براسخ علمه، وبيّن طريق الأحكام بصائب حكمه، وأبطل شبهة أهل البغي بظاهر حجّة أدلّته، وأدحض حجّة اولي الغيّ بصائب حكمته، وأحيا سنّة أخيه الصادق الأمين في قوله: لتقاتلنّ بعدي الناكثين والقاسطين

____________

١ - كذا في المناقب، وفي الأصل: يحمله.

٢ - في الأمالي: بنا.

٣ - المراد من « صاحب الرحبة » أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٤ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٣٤٥، عنه البحار: ٣٩ / ٣٢١.

ورواه في أمالي الطوسي: ١ / ٢٣٨ ( مختصراً )، عنه البحار: ٣٩ / ٣١٤ ح ١٠.

وفي ج ٢ / ٢٣٢، عنه البحار: ٤٢ / ٦ ح ٦.

وأخرجه في مدينة المعاجز: ٢ / ٢٦٢ ح ٥٤٢، عن الأمالي - الرواية الثانية - والمناقب.


٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592