تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ١

تسلية المجالس وزينة المجالس6%

تسلية المجالس وزينة المجالس مؤلف:
المحقق: فارس حسون كريم
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 337285 / تحميل: 8193
الحجم الحجم الحجم
تسلية المجالس وزينة المجالس

تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480


فقد أعرف أقواماً

وإن كانوا صعاليك(١)

مساريع إلى الخير

وللشرّ متـاريـك(٢)

أبو صالح الحنفي: قال: سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي، فشكوت إليه ما لقيت من اُمّته من الأود واللدد(٣) ، وبكيت، فقال: لا تبك يا عليّ، والتفتَ والتفتُّ، فإذا رجلان مصفّدان، وإذا جلاميد ترضخ بها رؤوسهما.

و روي أنّهعليه‌السلام قال لابنته اُمّ كلثوم: يا بنيّة، إنّي أراني قلّ ما أصحبكم.

قالت: وكيف ذاك يا أبتاه؟

قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام وهو يمسح الغبار عن وجهي، ويقول: يا عليّ، لا عليك قضيت ما عليك.

قالت: فما مكثنا حتى ضرب في تلك الليلة.

وروي أنّه قال: يا بنيّة، إنّي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يشير إليّ بكفّه، ويقول: يا علي، إلينا، فإنّ ما عندنا خير لك.

أبو مخنف الأزدي، وابن راشد، والرفاعي، والثقفي جميعاً، قالوا: لمّا رجع أمير المؤمنينعليه‌السلام من حرب الخوارج وقتلهم الله على يده، وأنجز ما وعده، اجتمع في مكّة جماعة من الخوارج فقالوا: إنّا شرينا أنفسنا لله فلو

____________

١ - الصعاليك: جمع الصعلوم، وهو الفقير، الضعيف.

٢ - انظر خصائص الأئمّةعليهم‌السلام : ٦٣.

٣ - الاود: الاعوجاج. اللدد: الخصومة.


٤٨١


أ تينا أئمّة الضلال، وطلبنا غِرّتهم أرحنا العباد والبلاد منهم.

فقال عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله: أنا أكفيكم عليّاً، وقال الحجّاج بن عبد الله السعدي الملقّب بالبُرَك: أنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر التميمي: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، واتّعدوا ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، ثمّ تفرّقوا، فدخل ابن ملجم الكوفة فرأى رجلاً من تيم الرباب عند قَطام التميميّة، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام قتل أباها الأخضر وأخاها الأصبغ بالنهروان فشغف بها، وخطبها فأجابته بمهر ذكره العبدي في كلمته:

فلم أر مهراً ساقـهُ ذو سمـاحةٍ

كمهر قَطام مـن فصيـح وأعجم

ثـلاثـة آلافٍ وعبـدٌ وقَـينَةٌ

وقتل(١) عليّ بالحـسام الـمسمّم

فلا مهر أغلى من عليّ وإن غلا

ولا فتك إلا دون فتك(٢) ابن ملجم

فقبل ابن مُلجَم ذلك، ثمّ قال: يا ويلك، ومن يقدر على قتل عليّ، وهو فارس الفرسان، ومغالب الأقران، والسبّاق إلى الطعان؟ وأمّا المال فلا بأس عليّ منه.

قالت: اقبل، فقبل، وقال لها: إنّي ما أتيت هذه البلدة إلا لذلك، ولم اُظهر ذلك لأحد إلا لك.

قالت: فإنّي أرسل إلى جماعة رأيهم رأيك في ذلك، فبعثت إلى ابن عمّ لها يقال له وردان(٣) بن مجالد التميمي وسألته معونة ابن ملجم، واستعان ابن ملجم بشبيب بن بَجَرة، وأعانه رجل من وكلاء عمرو بن العاص فأطعمتهم

__________________

١ - في المناقب: وعبدٌ وفتية وضرب عليّ.

٢ - في المناقب: ولا قتل الا دون قتل.

٣ - كذا في المناقب، وفي الأصل: ورقاء.


٤٨٢


اللوزينج والجوزينق وسقتهم الخمر العكبري، فنام شبيب وتمتّع ابن ملجم معها، ثمّ قامت فأيقظتهم وعصبت صدورهم بحرير، وتقلّدوا أسيافهم.

و قيل: إنّ ابن ملجم قال لها: أترضين منّي بضربة واحدة؟

قالت: نعم، ولكن اعطني سيفك، فأعطاها فأمست ملطّخة بالسمّ، ثمّ مضوا وكمنوا له مقابل السدّة، وحضر الأشعث بن قيس لمعونتهم، وقال لابن ملجم: النجا النجا لحاجتك، فقد فضحك الصبح، فأحسّ حجر بن عديّ بما أراد الأشعث، فقال: قتلته يا أشعث، وخرج مبادراً ليمضي إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف.

وعن عبد الله بن محمد(١) الأزدي، قال: أقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام ينادي: الصلاة الصلاة، فإذا هو مضروب، وسمعت قائلاً يقول: الحكم لله يا عليّ لا لك ولا لأصحابك، وسمعت عليّاً يقول: فزت وربّ الكعبة، ثمّ قال: لا يفوتنّكم الرجل.

وكان قد ضربه شبيب فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق، ومضى هارباً حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عمّ له فرآه يحلّ الحرير عن صدره، فقال: لعلّك قتلت أمير المؤمنين؟ فاراد أن يقول: لا، فقال: نعم، فقتله الأزدي.

وأمّا ابن ملجم فإنّ رجلاً من همدان لحقه وطرح عليه قطيفة وصرعه.

وانسلّ الثالث بين الناس وأتوا بابن ملجم إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال: النفس بالنفس، إن أنا متّ فاقتلوه كما قتلني، وإن سلمت رأيت فيه رأيي.

وفي رواية: إن عشت رأيت فيه رأيي، وإن هلكت فاصنعوا به ما يفعل

____________

١ - في المناقب: محمد بن عبد الله.


٤٨٣


بقاتل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فسئل: ما معناه؟

فقال: اقتلوه، ثمّ حرّقوه بالنار.

فقال ابن ملجم: لقد ابتعته بألفٍ وسممته بألف، فإن خانني فأبعده الله، ولقد ضربته ضربة لو قسّمت بين أهل الأرض لأهلكتهم.

وفي محاسن الجوابات عن الدينوريّ: أنّ ابن ملجم قال: لقد سألت الله أن يقتل به شرّ خلقه.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لقد أجاب الله دعوتك، يا حسن، إذا متّ فاقتله بسيفه.

روي أنّهعليه‌السلام قال: أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره، فإن أصحّ فأنا وليّ دمي، إن شئت عفوت، وإن شئت استنفذت، وإن هلكت فاقتلوه.

وروي أنّه لمّا ضرب أمير المؤمنينعليه‌السلام وسمعوا قوله: فزت وربّ الكعبة، وارتفع الصياح في المسجد: قُتِل أمير المؤمنين، أقبل أهل الكوفة رجالاً ونساءً بالمصابيح، فوجدوا أمير المؤمنينعليه‌السلام مطروحاً في محرابه، فارتفعت أصوات الناس بالبكاء والنحيب.

وأقبل الحسن والحسين، فلمّا رأيا أمير المؤمنين وقعا على قدميه وأعلنا بالبكاء والنحيب، وأقبلت بنات أمير المؤمنين مشقّقات الجيوب، وجعل أمير المؤمنين يأخذ الدم من رأسه ويلطّخ وجهه ومحاسنه، ويقول: هكذا ألقى الله، هكذا ألقى رسول الله، هكذا ألقى فاطمة، هكذا ألقى جعفر الطيّار، وسمع أمير المؤمنين بكاء بناته، فقال: احملوني إلى المنزل لاُودّع بناتي وأهلي،


٤٨٤


فوضع إحدى يديه على كتف الحسن، والاُخرى على كتف الحسين، ومضيا به إلى حجرته ورجلاه تخطّان الأرض، وقد علا لونه الاصفرار، ولمّا وصل إلى الحجرة تنفّس الصبح، فقال: يا صبح، اشهد لي عند ربّك أنّني منذ كفلني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طفلاً إلى يومي هذا ما طلعتَ عليّ وأنا نائم أبداً، ثمّ قال: اللّهمّ اشهد وكفى بك شهيداً أنّي لم أعص لك أمراً، ولا تركت فرضاً، ولا خطر في بالي ما يخالف أمرك.

وروى ابن نباتة في خبر أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: لقد ضربت في الليلة الّتي قبض فيها يوشع بن نون، ولاُقبضنّ في الليلة التي رفع(١) فيها عيسىعليه‌السلام .

عن الحسنعليه‌السلام في خبر: ولقد صعد بروحه في الليلة الّتي صعد فيها بروح يحيى بن زكريّاعليهما‌السلام .

وكان عبد الرحمان بن ملجم لعنه الله في عداد مراد. قال ابن عبّاس: من نسل قدار عاقر ناقة صالح، وقصّتهما واحدة، لأنّ قدار عشق امرأة يقال لها رباب كما عشق ابن ملجم قطاماً.

وسُمِعَ ابن ملجم يقول: لأضربنّ عليّاً بسيفي هذا، فذهبوا به إليهعليه‌السلام ، فقال: ما اسمك؟

قال: عبد الرحمان بن ملجم.

قال: نشدتك بالله عن شيء تخبرني به؟

قال: نعم.

__________________

١ - كذا في المناقب، وفي الأصل: قبض.


٤٨٥


قال: هل مرّ بك رجل متوكّئاً على عصا وأنت في الباب فمشقك بعصاه، ثم قال: بؤساً لك يا أشقى من عاقر ناقة ثمود؟

قال: نعم.

قال: هل كان الصبيان يسمّونك ابن راعية الكلاب؟

قال: نعم.

وروي انّه أتى ابن ملجم أمير المؤمنينعليه‌السلام يبايعه فردّه مرتين أو ثلاثاً، ثمّ بايعه وتوثّق منه إلا يغدر ولا ينكث، فقال: والله ما رأيتك تفعل هذا بغيري.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : امض يا ابن ملجم، فوالله لتخضبنّ هذه من هذا - وأشار إلى لحيته ورأسه -.

وروي أنّ ابن ملجم أتى أمير المؤمنينعليه‌السلام يستحمله، فقال: يا غزوان احمله على الأشقر، ثمّ قالعليه‌السلام :

اُريد حياته ويريد قتلي

عذيري من خليلي(١) من مراد(٢)

وروي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان كثيراً ما يقول: ما يمنع أشقاها؟ أو ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا؟ وكان يقول: والله ليخضبنّ هذه من دم هذا، ثمّ يشير إلى لحيته ورأسه خضاب دم لا خضاب عطر ولا عبير(٣) .

__________________

١ - في المناقب: عذيرك من خليلك.

٢ - مناقب ابن شهراشوب: ٣ / ٣٠٨ - ٣١٣، عنه البحار: ٤٢ / ٢٣٦ - ٢٤٠ ح ٤٥.

٣ - انظر: الطبقات الكبرى: ٣ / ٣٣، مقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام لابن أبي الدنيا: ٤١ ح ٢٦، الآحاد والمثاني: ١ / ١٤٨ ح ١٧٦، أنساب الأشراف: ٢ / ٥٠٠ ح ٥٤٥.


٤٨٦


و قيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ ابن ملجم يسمّ بسيفه ويقول: إنّه سيقتلك به فتكةً يتحدّث بها العرب، فبعث إليه، فقال له: لِم تسمّ سيفك؟

قال: لعدوّي وعدوّك، فخلّا عنه، وقال: ما قتلني بعد.

وقال ابن عبد الرحمان السلمي: أخبرني الحسن بن عليعليه‌السلام أنّه سمع أباه في ذلك السحر يقول: يا بنيّ، إنّي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الليلة في المنام، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من اُمّتك من الأود واللدد؟

فقال: ادع عليهم.

فقلت: اللّهمّ أبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً منهم(١) . ثم انتبه وجاء مؤذّنه يؤذنه بالصلاة، فخرج فاعتوره الرجلان، فأمّا أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأمّا الآخر فضربه في رأسه وذلك في صبيحة يوم الجمعة لتسع عشرة من رمضان صبيحة بدر.

وروي أنّه جمع الأطبّاء لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان أبصرهم بالطبّ أثير(٢) بن عمرو السكوني، وكان صاحب كسرى يتطبّب له، وهو الّذي تنسب إليه صحراء أثير فأخذ رئة شاة حارّة فتتبّع عرقاً منها فأخرجه وأدخله في جراحة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثمّ نفخ العرق واستخرجه فإذا عليه بياض دماغ وإذا الضربة قد وصلت إلى اُمّ رأسه.

____________

١ - انظر نهج البلاغة: ٩٩ خطبة رقم ٧٠، عنه البحار: ٣٤ / ٧٩ ح ٩٣٦، وج ٤٢ / ٢٢٦ ح ٣٧.

٢ - كذا في الاستيعاب، وفي الأصل: كثير، وفي مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا: ٤٣ ح ٢٨ أنّ طبيبه كان ابن أثير الكندي.


٤٨٧


فقال: يا أمير المؤمنين، اعهد فإنّك ميّت(١) .

فعندها أوصى أمير المؤمنينعليه‌السلام للحسن والحسين صلوات الله عليهما بالوصيّة التي رواها سيّدنا ومفخرنا السيد محمد الرضي الموسويّ في كتاب نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين، وهي قولهعليه‌السلام :

و من وصيّة لهعليه‌السلام للحسن والحسينعليهما‌السلام لمّا ضربه ابن ملجم عليه اللعنة:

اُوصيكما بتقوى الله، وألاّ تبغياً الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما، وقولا بالحقّ، واعملا للآخرة(٢) ، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.

اُوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدّكما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: صلاح ذات البيت أفضل من عامّة الصلاة والصوم.

الله الله في الأيتام فلا تُغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم.

الله الله في جيرانكم، فإنّهم وصيّة نبيّكم، وما زالعليه‌السلام يوصي بهم حتى ظننّا(٣) أنّه سيورثهم.

والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم.

والله الله في الصلاة فإنّها عمود دينكم.

____________

١ - الاستيعاب: ٣ / ٦٢.

٢ - في النهج: للأجر.

٣ - كذا في النهج، وفي الأصل: ظننت.


٤٨٨


والله الله في بيت ربّكم، لا تخلوه ما بقيتم، فإنّه إن ترك لم تناظروا.

والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله.

وعليكم بالتواصل والتباذل، وإيّاكم والتدابر والتقاطع، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم اشراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم.

[ ثمّ ](١) قال: يا بني عبد المطّلب، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون: قتل أمير المؤمنين(٢) ، ألا لا يقتل فيَّ(٣) إلا قاتلي.

انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثّلوا بالرجل، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إيّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور.(٤)

أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري، قال: أوصى عليّ صلوات الله عليه عند موته للحسن والحسينعليهما‌السلام وقال لهما: إذا أنا متّ فإنّكما ستجدان عند رأسي حنوطاً من الجنّة وثلاثة أكفان من استبرق الجنّة فغسّلوني وحنّطوني بالحنوط وكفّنوني.

قال الحسنعليه‌السلام : فلمّا قبضعليه‌السلام وجدنا عند رأسه طبقاً

__________________

١ - من النهج.

٢ - كرّرت هذه الجملة في الأصل.

٣ - في النهج: لا تقتلنّ بي.

٤ - نهج: ٤٢١ رقم ٤٧، عنه البحار: ٤٢ / ٢٥٦ ح ٧٨.

وروى الوصيّة أيضاً ابن أبي الدنيا في مقتل الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام ص ٤٥ وما بعدها، فراجع.


٤٨٩


من الذهب عليه خمس شمّامات من كافور الجنّة، وسدراً من سدر الجنّة.

ومن الطريق أهل البيتعليهم‌السلام ما جاء في تهذيب الأحكام(١) عن سعد الاسكافي قال: حدّثني أبو عبد اللهعليه‌السلام [ قال ](٢) : لمّا اُصيب أمير المؤمنينعليه‌السلام قال للحسن والحسينعليهما‌السلام : غسّلاني وكفّناني وحنّطاني، واحملاني على سريري، واحملا مؤخّره تكفيان مقدّمه، فإنّكما تنتهيان إلى قبر محفور، ولحد ملحود، ولبن موضوع، فالحداني واشرجا اللبن عليَّ، وارفعا لبنة من عند(٣) رأسي فانظرا ما تسمعان.

وعن منصور بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن جدّه [ زيد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه ](٤) الحسين بن عليعليهم‌السلام في خبر طويل يذكر فيه:

اُوصيكما وصيّة فلا تظهرا على أمري أحداً، فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحاً وأن يكفّناه فيما يجدان، فإذا غسّلاه وكفّناه وضعاه على اللوح وإذا وجدا السرير يشال مقدّمه فيشيلان مؤخّره، وأن يصلّي الحسن مرّة والحسين مرّة صلاة إمام، ففعلا بما رسمعليه‌السلام ، فوجدا اللوح وعليه مكتوب:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما ادّخره نوح النبي لعلي بن أبي طالب،

__________________

١ - تهذيب الأحكام: ٦ / ١٠٦ ح ٣.

ورواه في الكافي: ١ / ٤٥٧ ح ٩، وفرحة الغريّ: ٣٠، عنهما البحار: ٤٢ / ٢١٣ ح ١٤.

وأخرج قطعة منه في البحار: ٤٢ / ٢٥١ ح ٥٣ عن الكافي.

٢ - من المناقب.

٣ - في المناقب: ممّا يلي.

٤ - من المناقب.


٤٩٠


وأصابا الكفن في دهليز الدار موضوعاً فيه حنوط د أضاء نوره على نور النهار.

وروي أنّ الحسينعليه‌السلام قال وقت الغسل: أما ترى خفّة أمير المؤمنين؟

فقال الحسن: يا أبا عبد الله، إنّ معنا قوماً يعينونا، فلمّا قضينا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدّم السرير، ولم نزل نتّبعه إلى أن وردنا الغريّ، فأتينا إلى قبر كما وصفعليه‌السلام ونحن نسمع خفق أجنحة كثيرة وضجّة وجَلَبة(١) ، فوضعنا السرير وصلّينا على أمير المؤمنينعليه‌السلام كما وصف لنا، ونزلنا قبره فأضجعناه في لحده، ونضّدنا عليه اللبن.

وفي الخبر عن الصادقعليه‌السلام : فأخذنا اللبنة من عند رأسه بعدما أشرجنا عليه اللبن، وإذا ليس في القبر شيء، وإذا هاتف يهتف: أمير المؤمنينعليه‌السلام كان عبداً صالحاً، فألحقه الله بنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء، حتى لو أنّ نبيّاً مات بالمشرق و [ مات ](٢) وصيّه بالمغرب لألحق الله الوصيّ بالنبيّ.

وفي خبر عن اُمّ كلثوم بنت عليعليه‌السلام : فاشنقّ القبر عن ضريح فإذا هم بساجة(٣) مكتوب عليها بالسريانيّة:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا قبر حفره نوح لعليّ بن أبي طالب وصيّ

__________________

١ - الجلبة - بالتحريك -: اختلاط الصوت.

٢ - من المناقب.

٣ - الساجة: الطيلسان الواسع المدوّر.


٤٩١


محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الطوفان بسبعمائة سنة.

و عنها رضي الله عنها أنّه لمّا دفن أمير المؤمنين علهي السام سمع ناطق يقول: أحسن الله لكم العزاء في سيّدكم وحجّة الله على خلقه.

التهذيب(١) في خبر أنّه نفذ إسماعيل بن عيسى العبّاسي غلاماً أسود شديد البأس يعرف بالجمل في ذي الحجّة سنة ثلاث وتسعين ومائتين في جماعةٍ وقال: امضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به الناس ويقولون انّه قبر عليّ حتى تنبشوه(٢) إلى قعره، فحفروا حتى نزلوا خمسة أذرع فبلغوا إلى موضع صلب عجزوا عنه، فنزل الحبشي وضرب ضربة سمع طنينها في البرّ(٣) ، ثمّ ضرب ثانية وثالثة، ثمّ صاح صيحة وجعل يستغيث فأخرجوه بالحبل فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى ترقوته(٤) دم فحملوه على بغل، ولم يزل ينتثر من عضده وسائر شقّه الأيمن فرجعوا إلى العبّاسي، فلمّا رآه التفت إلى القبلة وتاب من فعله وتولّى وتبرّأ، ومات الغلام من وقته، وركب في الليل إلى عليّ بن مصعب ابن جابر وسأله أن يجعل(٥) على القبر صندوقاً.

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه: حدّثني أبو الحسن محمد بن تمّام الكوفي، قال: حدّثني أبو الحسن بن الحجّاج، قال: رأينا هذا الصندوق

____________

١ - تهذيب الأحكام: ٦ / ١١١ ح ١٦. وفيه إسماعيل بن عديّ العبّاسي.

٢ - كذا في التهذيب، وفي الأصل والمناقب: تنبشون.

٣ - في التهذيب: القبر.

٤ - في التهذيب: مرفقه.

٥ - في التهذيب والمناقب: يعمل.


٤٩٢


وذلك قبل أن يبني الحسن بن زيد الحائط.(١)

أ قول: وإنّما أمر أمير المؤمنينعليه‌السلام بإخفاء قبره عن غير أهله وولده لأمرٍ لا نعلم نحن سرّه، ولتكن المحنة أشدّ، والبلاء أعظم، أو لكثرة أعدائه، وقصدهم إطفاء نوره، أو غيرهما ؛ كخوف شدّة عداوة أعدائه له في حياته، كالناكثين والقاسطين والمارقين الذين غرّروا بأنفسهم في حربه، ورابطوه قاصدين إطفاء نوره واستئصال شأفته، حتى قتلوه في محرابه راكعاً، وأعلنوا بسبّه على منابرهم، وقتلوا ولده وشيعته، وسبوا نساءه وبناته وولده، ثمّ تتبّعوا أبرار شيعته بالأذى والقتل، كما فعل زياد بن أبيه والحجّاج، وغيرهما، وكانوا يقتلون على التهمة والظنّة، حتى روي أنّهم سمعوا برجل يحدّث الناس بفضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ببلاد ما وراء النهر فاجتهدوا في قتله وقتلوه غيلة(٢)، فما ظنّك لو علموا بموضع قبره؟ وهوعليه‌السلام أعلم بما قال وأوصى.

ولم يكن قبرهعليه‌السلام مخفيّاً عند ولده وأهله وأحفاده الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم، حتى انّ الإمام المعصوم عليّ بن الحسين سيّد العابدين أتى من المدينة لزيارته وأخفى نفسه في الحياة وزاره ليلاً ورجع من فوره إلى المدينة، وكذلك الباقرعليه‌السلام .

روى جابر بن عبد الله الأنصاري، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال: أتى عليّ بن الحسين عليه السالم زائراً أمير المؤمنين فوضع خدّه على القبر،

____________

١ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٣٤٨ - ٣٥٠، عنه البحار: ٤٢ / ٢٣٤ - ٢٣٦ ح ٤٤.

٢ - الغيلة: المكر.


٤٩٣


وقال: السلام عليك يا وليّ(١) الله في أرضه، وحجّته على عباده، إلى آخر الزيارة، ثمّ قال: اللّهمّ إنّ قلوب المخبتين إليك والهة(٢) ، وسبل الراغبين إليك شارعة، إلى آخره، كما ذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي في مصباحه(٣) .

ولم يزل قبرهعليه‌السلام مخفيّاً عند العامّة معلوماً عند الخاصّة إلى أن، انقرضت دولة الشجرة الملعونة في القرآن - أعني بني اُميذة عليهم لعائن الله - فأظهره الصادقعليه‌السلام لخاصّته وأصحابه(٤) .

وكان يأتي إليه من المدينة جماعة من شيعته، وكان معلوماً لأكثر الناس في تلك الناحية، حتى انّ بعض خلفاء بني العبّاس خرج يتصيّد في ناحية الغريّين والثويّة وأرسل الكلاب فلجأت [ الظباء ](٥) إلى أكمة ورجعت الكلاب، ثمّ إنّ الضباء هبطت منها وصنعت الكلاب مثل الأوّل، فسئل شيخاً من بني أسد فقال: إنّ فيها قبر علي بن أبي طالبعليه‌السلام جعله الله حرماً لا يأوى إليه شيء إلا أمن.(٦)

__________________

١ - في الصحيفة السجّاديّة ومصباح المتهجّد: يا أمين. وهذه الزيارة معروفة بزيارة أمين الله.

٢ - المخبتين: الخاشعين: والهة: متحيّرة من شدّة الوجد.

٣ - مصباح المتهجّد: ٧٣٨، الصحيفة السجّاديّة الجامعة: ٥٩٠ دعاء ٢٥٥.

وانظر أيضاً: كامل الزيارات: ٣٩ ب ١١ ح ١، مزار الشهيد: ٩٥، البلد الأمين: ٢٩٥، مصباح الكفعمي: ٤٨٠، فرحة الغريّ: ٤٠.

٤ - انظر: إرشاد المفيد: ١٢.

٥ - من المناقب.

٦ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٣٥٠.

ورواه مفصّلاً في فرحة الغريّ: ١١٩ وفيه أنّ الخليفة هو هارون الرشيد، عنه البحار: ٤٢ / ٣٢٩ ح ١٦.


٤٩٤


ولنرجع إلى تمام الحديث:

و لمّا فرغ أمير المؤمنين من وصيّته وكانت ليلة الحادي والعشرين وذهب شطر من الليل فتحت أبواب السماء، وزيّنت الجنان، وتهيّأت أرواح الأنبياء والأولياء لاستقبال روحه الشريفة صلوات الله عليه. قالعليه‌السلام للحسن والحسين: احملوني إلى هذا البيت، ودعوني وحدي، واغلقوا عليَّ الباب، واجلسوا خارج الباب إلى أن أمضي إلى جوار الله تعالى، فوضعوهعليه‌السلام وفعلوا ما أمرهم، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى سمعوا أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: لا إله إلا الله، فلمّا سمع الحسن والحسين تهليله صلوات الله عليه لم يتمالكا إلى أن دخلا عليه، فوجدوه قد قضى صلوات الله عليه نحبه، فأخذوا في تجهيزه كما ذكرنا أوّلاً صلوات الله ورحمته وبركاته عليه وعلى روحه وبدنه، ولعنة الله على ظالمه وقاتله ومانعه حقّه.

وروى الكليني في الكافي(١) أنّه لمّا توفّي أمير المؤمنينعليه‌السلام جاء شيخ يبكي وهو يقول: اليوم انقطعت علاقة النبوّة، حتى وقف بباب البيت الذي فيه أمير المؤمنينعليه‌السلام - وذلك حين موته قبل أن يخرجوه ويأخذوا في جهازه - فأخذ بعضادتي الباب، ثم قال: رحمك الله، لفقد كنتَ أول الناس إسلاماً، وأفضلهم إيماناً، وأشدّهم يقيناً، وأخوفهم من الله، وأطوعهم لنبيّ الله، وأفضلهم مناقباً، وأكثرهم سوابقاً، وأشبههم به خَلقاً وخُلقاً، وسيماء وفضلاً، وكنتَ أخفضهم صوتاً، وأعلاهم طوداً، وأقلّهم كلاماً، وأصوبهم منطقاً،

____________

١ - الكافي: ١ / ٤٥٤ ح ٤، عنه البحار: ٤٢ / ٣٠٣ ح ٤ وعن كمال الدين: ٣٨٧ ح ٣.

وأخرجه في مدينة المعاجز: ٣ / ٦٥ ح ٧٣٠ عن الكافي.


٤٩٥


و أشجعهم قلباً، وأحسنهم عملاً(١) ، وأقواهم يقيناً، محفظت ما ضيّعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمّرت إذا اجتمعوا، وعلوت إذا هلعوا، ووقفت إذا أسرعوا، وأدركت أوتار ما ظلموا.

كنتَ على الكافرين عذاباً واصباً، وللمؤمنين كهفاً وحصناً، كنت كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت للأطفال كالأب الشفيق، وللأرامل كالبعل العطوف، قسمت بالسويّة، وعدلت بالرعيّة، وأطفأت النيران، وكسرت الأصنام، وذللت الأوثان، وعبدت الرحمن - في كلام كثير - فالتفتوا فلم يروا أحداً، فسئل الحسنعليه‌السلام عنه، فقال: كان الخضر، فارتجّت الدار بالبكاء والنحيب، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.(٢)

ولمّا رجع الحسن والحسينعليهما‌السلام من دفن أمير المؤمنينعليه‌السلام أمر الحسنعليه‌السلام بإخراج ابن ملجم والاتيان به، فأمرعليه‌السلام فضربت عنقه، واستوهبت اُمّ الهيثم بنت الأسود النخعيّة جيفته لتتولّى إحراقها، فوهبها لها فأحرقتها بالنار، وأمّا الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على معاوية وعمرو بن العاص، فإنّ أحدهما ضرب معاوية على إليته وهو راكع، وأمّا الآخر فإنّه قتل خارجة بن أبي حنيفة العامري وهو يظنّ أنّه عمرو، وكان قد استخلفه لعلّة وجدها.(٣)

وممّا رثي بهعليه‌السلام قول سيّدنا ومولانا الحسن السبط التابع لمرضاة

____________

١ - كذا في المناقب، وفي الأصل: علماً.

٢ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٣٤٧، عنه مدينة المعاجز: ٣ / ٦٨ ح ٧٣١.

٣ - إرشاد المفيد: ١٨ وفيه: خارجة بن أي حبيبة العامري، مناقب ابن شهراشوب: ٣ / ٣١٣.


٤٩٦


الله صلوات الله عليه:

أين من كـان لعلم

المصطفى في الناس بابا

أين مـن كـان إذا

ما أقحـط الـناس سحابا

أين من كان إذا نو

دي فـي الحـرب أجابا

أين من كـان دعا

ه مستـجابـاً ومجـابـا(١)

و سمع هاتف من الجنّ يقول:

يا من يؤمّ إلى المدينـة قـاصـداً

أدّ الرسالة غير ما متـوان

قتلت شرار بـني اُميّـة سيــّداً

خير البريّة ماجداً ذا شـان

ربّ الفضائل في السماء وأرضها

سيف النـبي وهادم الأوثان

بكت المشاعر والمساجـد بـعدما

بكت الأنـام لـه بكلّ مكان

صعصعة بن صوحان:

إلى من لي باُنسـك يا اُخيّا

ومن لتي أن أبثّـك مـالديّا

طوتك خطوب دهر قد تولّى

كذاك خطوبـه نشـراً وطيّا

فلو نشرت قواك إلى المنايا

شكوت إلـيك ما صنعت إليّا

بكيتك يا عليّ بدمع(٢) عيني

فلم يغن البكاء علـيك شـيّا

كفى حزناً بدفنك ثمّ إنّي

نفضت تراب قبرك من يديّا

وكانت في حياتك لي عظات

وأنت الـيوم أوعظ منك حيّا

فيا أسفي عليك وطول شوقي

إليك لـو أنّ ذلـك ردّ شـيّا

____________

١ - مناقب ابن شهراشوب: ٣ / ٣١٣.

٢ - في المناقب: لدرّ.


٤٩٧


و له أيضاً:

هل خبّر القبر سائليـه

أم قرّ عيناً بزائريه؟

أم هل تراه أحاط علماً

بالجسد المستكن فيه؟

لو علم القبر من يواري

تاه على كلّ من يليه

يا موت ماذا أردت منّي

حقّقت ما كنت أتّقيه

يا موت لو تقبل افتداء

لكنت بالروح أفتديه

دهر رماني بفقد الـفي

أذمّ دهري وأشتكيه(١)

عن ابن عبّاس رضي الله عنه: لقد قتل أمير المؤمنينعليه‌السلامعليه‌السلام على أرض الكوفة فأمطرت السماء ثلاثة أيّام دماً.

أبو حمزة، عن الصادقعليه‌السلام أنّه لمّا قبض أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يرفع من وجه الأرض حجر الا وجد تحته دم عبيط.

وفي أخبار الطالبيّين أنّ الروم أسروا قوماً من المسلمين فاُتي بهم الملك فعرض عليهم الكفر، فأبوا، فأمر بإلقائهم في الزيت المغليّ، وأطلق منهم رجلاً يخبر بحالهم، فبينا هو يسير إذ سمع وقع حوافر الخيل، فوقف فنظر إلى أصحابه الذين اُلقوا في الزيت، فقال لهم في ذلك، فقالوا: قد كان ذلك، فنادى مناد من السماء في شهداء البرّ والبحر انّ عليّ بن أبي طالب قد استشهد في هذه الليلة، فصلّوا عليه، فصلّينا عليه ونحن راجعون إلى مصارعنا.

أبو ذرعة الرازي، عن منصور بن عمّار أنّه سئل عن أعجب ما رآه، قال: ترى هذه الصخرة في وسط البحر، يخرج من هذا البحر طائر في كلّ يوم مثل

____________

١ - مناقب ابن شهراشوب: ٣ / ٣١٤ - ٣١٥.


٤٩٨


النعامة فيقع عليها، فإذا استوى واقفاً تقيّأ رأساً، ثم تقيّأ يداً، وهكذا عضواً عضواً، ثمّ تلتئم الأعضاء بعضها إلى بعض حتى يستوي إنساناً قاعداً، ثمّ يهمّ بالقيام، فإذا همّ للقيام نقره نقرةً فيأخذ رأسه، ثمّ يأخذ عضواً عضواً كما قاءه، فلمّا طال عليَّ ذلك ناديته يوماً: ويلك من أنت؟

فالتفت إليّ ذليلاً وقال: أنا ابن ملجم قاتل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكّل الله بي هذا الطائر فهو يعذّبني إلى يوم القيامة.(١)

و سأل أبو مسكان الصادقعليه‌السلام عن القائم المائل في طريق الغريّ. فقال: نعم، إنّهم لمّا جاءوا بسرير أمير المؤمنين عليه السالم انحنى أسفاً وحزناً على أمير المؤمنين صلوات الله عليه.(٢)

وممّا رثاه به أبو الأسود الدؤلي رضي الله عنه:

ألا يا عين ويحك فاسـعدينا

ألا فابكي أمير المـؤمـنيـنا

رزئنا خير من ركب المطايا

وأفضلها(٣) ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها

ومن قرأ المثـانـي والمـبينا(٤)

إذا استقبلت وجه أبي حسين

رأيت البدر راق الناظـرينـا

يقيم الحدّ لا يـرتـاب فـيه

ويقضي بالسرائـر(٥) مستبينا

ألا أبلغ معاويـة بـن حرب

فلا قرّت عيـون الشـامتيـنا

____________

١ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٣٤٦ - ٣٤٧، عنه البحار: ٤٢ / ٣٠٨ - ٣٠٩ ح ٩.

٢ - مناقب ابن شهراشوب: ٢ / ٣٤٨.

٣ - في المناقب: وحثحثها، وفي الديوان: وخَيّسها، وفي الأعيان: وفارسها. وحثحثها: أي أسرعها.

٤ - في الديوان والأعيان: والمئينا.

٥ - في المناقب: بالفرائض.


٤٩٩


أفي شهر الصيام فجـعتمـونا

بخير النـاس طرّاً أجمعينا

ومن بعد النبـيّ فخير نفـس

أبو حسـن وخير الصالحينا

كأنّ الـناس إذ فقـدوا علـيّاً

نعام جـال فـي بلـد سنينا

وكنّا قـبل مهـلكة بخـيـر

نـرى فينا وصيّ المسلمينا

فلا والله لا أنسـى عـليّاً

وحسن صلاته في الراكعينا

لقد علمت قريش حيث كانت

بأنّك خيرها نسباً(١) ودينـا

فلا تشمت معاوية بن حرب

فإنّ بقيّة الـخلفـاء فيـنا(٢)

و لمّا قال عمران بن حِطّان الخارجي لعنة الله عليه في ابن ملجم:

يا ضربة من تقيّ ما أراد بها

إلاّ ليدرك من ذي العرش رضوانا

إنّي لأذكره حينـاً فأحسـبه

أوفـى البريّة عند الـله مـيزانا(٣)

 أجابه بكر(٤) بن حمّاد التاهرتي معارضاً له:

قل لابـن ملجم والأقدار غالبة

هدّمتَ ويلك للإسـلام أركانا

قتلتَ أفضل من يمشي على قدمٍ

وأوّل الناس إسلامـاً وإيماناً

واعلم النـاس بالـقرآن ثمّ بما

سنّ الرسول لنا شرعاً وتبيانا

____________

١ - في المناقب: خيرهم حسباً.

٢ - مناقب ابن شهراشوب: ٣ / ٣١٥، ديوان أبي الأسود الدوؤلي: ٧١ رقم ٤٥، أعيان الشيعة: ٧ / ٤٠٣.

وقد اختلف في نسبة هذه القصيدة وفي عدد أبياتها ؛ فقد نسب في الاستيعاب وكفاية الطالب لاُمّ الهيثم بنت العريان النخعيّة، ونسبت في الكامل في التاريخ لاُمّ العريان، ونسبت في الأغاني وإنباه الرواة وتاريخ الطبري للدؤلي.

٣ - الفَرق بين الفِرق: ٧٢، الغدير: ١ / ٣٢٤.

٤ - كذا في الأصل والاصابة: ٣ / ١٧٩، وفي الاستيعاب: ٢ / ٤٧٢: أبو بكر، وفي الغدير: ١ / ٣٢٦: بكر بن حسّان الباهلي.


٥٠٠


صهر الرسول ومـولاه(١) وناصره

أضحت مـناقبـه نـوراً وبرهانا

وكان منه على رغم الحـسود لـه

مكان هارون من موسى بن عمرانا

وكان في الحرب سيفاً صارماً ذكراً

ليثاً إذا ما لـقى الأقـران أقـرانا

ذكرتُ قـاتـله والـدمـع منـحدر

فقلت سبحـان ربّ الـناس سبحانا

إنّي لأحـسبه مـا كـان مـن بشرٍ

يخشى المعـاد ولكـن كان شيطانا

اشقى مــراد إذا عدّت قبـائلـها

وأخسر الناس عند الـله مــيزانا

كعاقـر الـناقة الاولى التي جلبت

على ثمود بأرض الحجر خـسرانا

قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها

قبل المـنيـّة أزماناً فـأزمـانـا

فلا عـفا الله عـنه مـا تحـمّله

ولا سقـى قبر عمـران بن حِطّانا

لقوله فـي شقـيٍّ ظـلّ مجـترماً

ونال ما ناله ظـلـماً وعـدوانـا

يا ضربـة مـن تقـيّ ما أراد بها

إلاّ ليبلغ من ذي الـعرش رضوانا

بل ضربة من غويّ أورثـته لظى

وسوف يلقى بها الرحمن غـضبانا

كأنّه لـم يـرد قـصداً بضـربته

إلاّ ليصلى عذاب الخلـد نيـرانـا(٢)

قلت : يا من حبّه أعظم وسائلي إلى ربّي في حشري، ويا من ذكره أطيب ما يخطر بقلبي ويمرّ بفكري، ويا من ولاه رأس إيماني واعتقادي، ويا من مدحه راحة روحي وأقصى مرادي، مصابك جدّد أحزاني، وهيّج أشجاني، وقرّح مقلتي، وأجرى عبرتي، وأسهر ناظري، وأظهر سرائري، كلّما أردت أن اُكفكف دموعي ذكت نيران الأسى في ضلوعي، وكيف لا اُذيب فؤادي بنار حسراتي، واُصاعده دماً من شؤوني بتصاعد زفراتي، وأشقّ لمصابك فؤادي لا

____________

١ - في الغدير: صهر النبيّ ومولانا.

٢ - الغدير: ١ / ٣٢٦ - ٣٢٧.


٥٠١


قميص حزني، واُحرّم رقادي لوفاتك على قريح جفني، وحبّك جُنّتي وجَنّتي في دنياي وآخرتي، وولاؤك معاذي وملاذي يوم حشري وفاقتي؟

كتبت أحرف خالص اعتقادي في حبّك على صفحات سرائري، وظهرت آثار محض ودادي لمجدك على وجهات بواطني وظواهري، عمّر الله لحبّك في قلبي منزلاً شامخاً، وثبّت بي في طريق شكوكي إلى عرفانك قدماً راسخاً، لمّا شرّفني ربّي باتّباعك، وأكرمني بولائك، ونزّهني عن دنس الشكّ في أمرك، وأطلعني على جلال مجدك وفخرك، وأعلمني أنّ أفضل الأعمال حبّك، وأقرب القربى إلى الرسول قربك.

وقفت خالص ودّي على باب جلالك، ووجّهت شكري إلى كعبة إفضالك، لا اُريد بعد الله ورسوله منك بدلاً، ولا أبغي عن اتّباع سبيلك حولاً، بل طوّقت بطوق العبوديّة عنقي، ووسمت بميسم الرقية لجنابك حسّي ومفرقي، راجياً أن يثبتني في جرائد أرقّائك عبداً حبشيّاً، وإن كنت علويّاً قرشيّاً.

نزّهك الله عن الدنيا الفانية، واختار لك الدار الباقية، وابتلى عباده بولائك، وأخبرهم باتّباعك، فمن اتّبع سبيلك فقد اتّبع سبيل المؤمنين، وانتظم في سلك المخلصين، وٍأسلم لربّ العالمين، واستمسك بحبله المتين، ومن تولّى عن أمرك وخفض المرفوع من قدرك، ولم يفق واضح أمرك، وكذّب بعلانيتك وسرّك، وغشى بصره عن نور عدلك، وقدّم عليك من لا يعادل عند الله شسع نعلك، وسمّى الكاذب صدّيقاً، والجاهل فاروقاً، فقد ألحد في دين الله، وكذّب ببيّنات الله، وصار اسمه في صحائف التحقيق مذؤوماً مدحوراً، وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً، وخرج من عبادة الله إلى عبادة


٥٠٢


الشيطان، واتّبع ما تتلو الشياطين على ملك سليمان(١) .

أنت نور الحقّ، ومحنة الخلق، والسبب المتّصل بين الله وعباده، والنهج الموصل لسالكه إلى سبيل رشاده، لمّا أعلى الله على كلّ شأن شأنك، ورفع على كلّ بنيان بنيانك، وتوّجك بتاج العلم، وحلّاك بحلية الحلم، فصارت نفسك أشرف النفوس الإنسيّة، وروحك أطهر الأرواح القدسيّة، وقلبك مشكاة الأنوار الإلهيّة، وذاتك مظهر الأسرار الربّانيّة، وقرن طاعتك بطاعته، ومعصيتك بمعصيته، يدخل الجنّة من أطاعك وإن عصاه، ويدخل النار من أبغضك وإن والاه.

وأمر رسوله أن يوردك في الغدير من زلال الاختصاص كأساً رويّاً، وأن يرفع لك بآية التطهير في سماء الاخلاص كاناً عليّاً، وأن يكمل الاسلام بعد نقصه بولايتك، وأن يتمّ الايمان بصريح نصّه على خلافتك، فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله آخذاً ميثاقك على الأسود والأحمر، موجباً ولاءك على كلّ من أخلص بالوحدانيّة لربّه وأقرّ، وأخلصك بالاصطفاء، وخصّك بسيّدة النساء، وأعلمنا أنّ الله سبحانه تولّى عقدة نكاحها بشريف إرادته، وأشهد على ذلك مقرّبي ملائكته، وقرن حبّه بحبّك، وجعل ذرّيّته من صلبك.

فشمخت لذلك معاطس أقوام حسداً وكفراً، وأضمروا في حياة نبيّهم لجلال رفعتك حقداً وغدراً، حتى إذا نقل الله نبيّه إلى جواره، واختصّه بدار قراره، أظهروا ما كمن من نفاقهم، وأشهروا ما بطن من شقاقهم، واتّخذوا عجلاً كقوم موسى، وفارقوا الحقّ كاُمّة عيسى، وبالغوا في إخفاء دين الله بآرائهم،

__________________

١ - اقتباس من سورة البقرة: ١٠٢.


٥٠٣


وراموا إطفاء نور الله بأفواههم، وخالفوا الرسول بما أكّد عليهم بوصيّته، وقطعوا الموصول ممّا أمر الله بصلته من عترته، واتّخذوا الولائج من دون الله ورسوله، وأجهدوا جهدهم في تحرف كتاب ربّهم وتبديله، وعبدوا الطاغوت وقد اُمروا أن يكفروا به، وصدّقوا من اتّفق النقل والعقل على تكذيبه، وأقاموا مقام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله شيطاناً مريداً، وجبّاراً عنيداً، وجهولاً ظلوماً، وعتلّاً زنيماً، وأكفأوا الاسلام، وعبّروا الأحكام، وحرّفوا الكتاب بأهوائهم، وأوّلوا القرآن بآرائهم، فلم يبق من الملّة الحنيفيّة إلا رسمها، ولا من الشريعة النبويّة إلا اسمها.

ثمّ لم يقنعوا باغتصاب تراثك، وانتهاب ميراثك، حتى نصبوا لك غوائلهم، ودفنوا لاخترامك حبائلهم، وجرّدوا عليك مناصلهم وعواملهم، وفوّقوا نحوك سهامهم ومعابلهم، ولم يتركوا عهداً فيك إلا نكثوه، ولا وعداً إلا أخلفوه، وعدلوا بك من لا يمتّ بنسبك، ولا يتّصل بسببك.

ثمّ أظهروا ما أخفوا من النفاق في عهد نبيّهم، وأبدوا ما أضمروا من العناد بحقدهم وبغيهم، وجعلوا خلافة الله ملكاً عضوضاً، وما عاهدوا الرسول عليه عهداً منقوضاً، وتواصوا بظلمك وهضمك، وتعاهدوا على إخفاء فضلك وعلمك، وموّهوا على الاُمّة المفتونة بزورهم، وشبّهوا عليها بغرورهم، وأغرّوا سفهاءها بسبّك، وحملوا طلقاءها على حربك، حتى اغتالوك في حال توجّهك إلى معبودك، وقتلوك حين ركوعك وسجودك، وهدموا دين الاسلام بهدم بنيتك، وفرّقوا كلمة الايمان بفرق هامتك، وغاوروك في محرابك طريحاً، وبين أصحابك طليحاً.

قد صدقت ما عاهدت الله عليه، ووفيت بما ندبك سبحانه إليه، ففزت


٥٠٤


بالشهادة التي فضّلك بها، واصطفاك بفضلها، وفكنت لوقتها منتظراً، وبوصفها مشتهراً، بما أعلمك به الصادق الأمين، ومن هو على الغيب ليس بضنين(١) ، بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لتخضبنّ هذه من هذا(٢) ، وبقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله كأنّي وأنت قائم تصلّي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين فضربك على هامتك ضربة خضب منها لحيتك(٣) ، وقال سبحانه في شأنك، ومن أصدق من الله قيلاً:( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدَوا اللهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً ) (٤) .

فلأنفذنّ لمصابك ماء شؤوني، ولأحرمنّ لذيذ الكرى على عيوني، ولأستنفذنّ العمر في مدائحك ومراثيك، ولأبكينّ الدهر على ما حلّ بك وبنيك، ولاُذيبنّ بنار حزني فؤادي، ولأصعدنّه دماً من مقلتي بطول سهادي، ولأندبنّك آناء ليلي ونهاري، ولأجعلنّ الحزن بمهجتي ألفاً، والبكاء على مقلتي وقفاً، ولاُوجّهنّ إلى غاصبي حقّك مطايا لعني وهضمي، ولأقرعنّ هامات مكذّبي صدقك بمقامع نثري ونظمي، ولاُبيّنّن ما دلّسوا بغرورهم، ولاُظهرنّ ما أخفوا من باطلهم وزورهم، معتقداً ذلك من أعظم الوسائل إلى ربّي في حشري، وأكمل الفضائل يوم بعثتي من قبري.

فمن جملة ذلك قصيدة تحلّي الطروس بجواهر مصارعها، وتسرّ النفوس بتواصل مقاطعها، نظمتها قبل ابتدائي بتأليف كتاب، والله الموفّق للصواب:

__________________

١ - اقتباس من سورة التكوير: ٢٤.

٢ - انظر: الأحاديث الغيبيّة: ١ / ٤٨ ح ١٩ وص ٤٩ ح ٢٠ وص ٥١ ح ٢٢.

٣ - انظر: الأحاديث الغيبّة: ١ / ٥٣ ح ٢٣.

٤ - سورة الأحزاب: ٢٣.


٥٠٥


صرف الردى بفنـي الزمان موكل

ولهم بأسـيـفا المـنيـّة تـقتل

وهُم لأسـهم فتـكه غـرض فليس

لهم سبـيـل عـنه أن يتـحوّلوا

في حكمةٍ بـقضائه فـي أخـذهم

بالموت جـمعاً لا يجـور ويعدل

كم غادرت غَـدراتـه مــن قاهرٍ

في الترب مـقهوراً تطأه الأرجل

عفت العواصف قـبره بهـبوبهـا

وعلى ثراه الـسائمات تهـرول

أين الملوك بنـو الملـوك ومن هم

كانوا إذا ركبوا يـذوب الجـندل

لعب الزمان بهـم فعمّا قـد جرى

في حقّهم من صرفـه لا تـسألوا

بليت محاسنهـم وشـتّت شمـلهم

وخلت مجالسهم وأفـنى الـمنزل

واستبدلوا بطن الثرى من ظهرها

واروعتا بحشاي مـمّا استـبدلوا

يا من حيث مدامعي مـن أجلـهم

في صحن خـدّي مطلق ومسلسل

عنّي خذوا خبـر الصبابة انـّني

ما بين أربـاب الـغرام مــعدل

سقـمي لدعـواي المحبّة معـجز

إذ دمع عيني مذ نـأيتـم مـرسل

يا مـن حقـيقة محنتي في حبّهم

منـها سقـامـي مجـمل ومفصّل

ما ان ضـمـمت إلى زلال لقاكم

إلاّ ولي مـن فيـض دمعي منهل

كلا ولا عـنّي تـأخّـر وصلكم

إلاّ وهيّـجنـي غـرام مقـــبل

فلأندبنّ بحرقـةٍ مـن لـوعتي

رضـوى يـذوب لهـا ويـذبـل

بالخيف خفت منيـّتي إذ لم أنل

بمنى المنى منكم فـخطـبي مشكل

وبجمع أجمعتم قـطيـعة صبّكم

فـغدا جـمالـكم يخـد ويـزمـل

ورميـتم قلـبي بجمـرة لوعةٍ

بشُواظها مـنّي اُصـيـب المقـتل

فلأصـرفنّ مـودّتي عنكم إلى

قـوم لـهم فـي المـجد باع أطول

قـوم هـم اما ولـيّك عـادل

أو عـالـم أو حـاكـم أو مـرسل

              


٥٠٦


أو عــابـد أو حـامـد أو زاهـد

أو مـاجـد أو عـاضد أو مفضل

أو فائز يـوم الـغـديـر بـرتـبـة

بعلوّها خـضع السمـاك الأعزلُ

مولى إليـه فـي الـحساب حسابـنا

وعلـيه فـي ذاك المـقام نـعوّل

وإذا بنـو الـدنـيا توالت مثـلهـا

فإليه من دون الـخـلائق نعـدلُ

فـرض الإلـه عــلى الأنـام ولاءهُ

فرضـاً بـه نـزل الكتاب المنزل

إن كنتَ مرتابـاً فسـل عـن إنّما(١)

فهي الدليل لـمن يصـحّ ويعـقل

كـتف النـبيّ لأخمصيـك مـواطىء

فلذاك خـدّ سـواك حـقّاً أسفـل

يــا أوّل الأقوام إيـمـانـاً بـما

أوحى الإله لابن عمـّك مـن عل

يا آخـراً عـهـداً بـه لمّا قـضـى

حزت الـعلى أنت الأخـير الأوّل

مـا رمـتُ نـظـماً فيـك إلا زانه

سحراً يـزيـّن مقـولي ويجمـّل

وإذا مـديـح سواك رامت فكـرتي

سمح القريض له وكـلّ المقـول

وإذا طـغى ريب الزمـان بـعسـره

فدعائي باسمك للعسـر يسهــّل

أعمـالنـا منقوصـة مـقـصـورة

إن لم يصحـّحها ولاك ويـكمـّل

مديـحك ألبسـنـي ملابـس رفعة

لعلوّهـا فـوق الـمجـرّة أرفـل

كــم مـنـبـر شـرّفته بـمدائح

في وصف مجدك فضلها لا يجهل

وخـطـابة رصّـعتها بـجـواهـر

هام الثناء بهـا عـليـك يكـلّـل

تـعنوا وجـوه اُولي التـقـى لجلالها

وذوو الشقاء حسـداً بها يتضاءلوا

ماطال مـجـد بالمـكـارم والتـقى

إلاّ ومـجد عـلاك مـنه أطـول

رقمت حروف علاك في الصحف الاُولى

مفروضـة إذ مـا سواهـا مهمل

__________________

١ - أي قوله تعالى في سورة المائدة: ٥٥:( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ) .


٥٠٧


سـل عنـه بـدراً والوليد وعتـبة

تنـبيك عـن نـدب يـقول ويفعل

قـدّ ابـن ميـشا فانثنى وحسـامه

بدمـائـه متـوشّـح متـسـربل

وقـموص خيبر مذ اُبيـد غدت لها

قمـص الـمذلّة والإهـانـة تشمل

وبنو قريظة لـم يزل ربّ الـعلى

بيديـك يـا مـولى الأنـام يزلزلُ

أعمالنا فـي حـشرنا وصـلاتـنا

بسـوى ولائـك ربـّنا لا يـقـبل

علـقت يدي منـه بأوثـق عـروة

يفنـى الزمـان وحـبلها لا يفصلُ

يا مـن يقيس يـبه سـواه سفاهة

مـا أنـت إلا أعـفـك(١) لا يعقل

تربت يداك فضلّ سعيك فـي الورى

أيقاس بـالـدرّ الثـميـن الجـندلُ

من تـيم مـن أعلامها مـا فضلها

ما مجدها مـن حبـترٍ مـن نـعثل

بل ما الأكاسـرة العـظـام ومـا

القياصرة الكرام ومن يجـور ويعدل

فيـه بـنوح والـخليـل وبالكليم

وبابن مريـم وهـو مـنهـم أفضل

يا زائـراً جـدث الوصيّ معظماً

ولـه على البـيت الحـرام يفـضل

ويرى الخضوع لديه خير وسيلة

بثـوابـهـا يـتوسّـل المـتوسـّل

قف خاشعاً والثـم ثـراه ففضله

وكمـالـه مـن كـلّ فضـل أكمل

واعدد قيامك في صـعيد مـقامه

سبـباً إلى رضـوان ربّك يـوصـل

وجميع ما تأتي بـه من طـاعةٍ

جـزمــاً بغـير ولائـه لا يـقبـل

وأبـلغه عنّـي بالـسلام تحيـّة

هي خـير مـا يـهـدى إليه ويرسل

ومدائحاً في غير وصـف كمـاله

ترصيعـها وبديـعـها لا يـجـمـل

وإليه أيدي بالـخطـاب ألوكـه

عن صدق إخلاصي رواهـا الـمقول

من بعد ما نأتي بـه مـن طاعةٍ

بـأدائـها يـتـنـفّل الـمتـنـفّل

__________________

١ - الأعفك: الأحمق.


٥٠٨


وإذا فــرض أو إقـامـة سـنـّة

أو زورة منـهـا الـنجاة تـؤمّل

قف ثمّ قـل يـا خيـر مـن لولائه

في مهجـتي دون الخـلائق منزل

ومعـارج الـدعوات حول ضريحه

وعلـيه أمـلاك السـماء تـنزل

تركـوك يـا طود الـعلوم وقدّمـوا

رجسـاً بحبـّة خردل لا يـعـدل

وبنوا قواعد ديـنهم سفهاً على جرفٍ

فتاهـوا فـي الـضلال وضلّـلوا

وتراث أحـمد منـك حـازوه ومـا

استحيوا وللقـرآن جهـلاً أوّلـوا

وعلـى عبادة عجلهم عكفوا وأضـ

ـحى السـامريّ بهم إليه يـعدلوا

ولزوجك الـزهـراء عـن ميراثها

حجبوا وحـكم الـله فيـها بـدّلوا

وعليك من بعـد النـبيّ تحـزّبت

أحزابهم وأتـوا لحربك يـرفلـوا

وغدا براكبة البـعيـر بعـيرهـا

للكفر والإلـحاد منـهـا يحـمـل

وأتت مـن البلد الـحرام بفـتنـةٍ

لبّ اللـبـيب لها يحـير ويذهـل

لم أنسهـا وجمـوعـها من حولها

لضبا الـعوامـل والـمناصل مأكل

حتى إذا شرفت بعـصبـة بغـيها

ورأت بنيها حولـها قـد قـتـّلوا

أبدت خضوعاً واسـتـقالت عثرة

ما أن يقال ومـثلـها لا يـحـمل

ثمّ انثنت نـحو ابن هـند والحشا

منها بـه لـلحـقد نـار تـشعـل

جعلت دم الـمقـتول حقـّاً شبهة

منها بـدار أخ الـرسـول تؤمـّل

ما تيـم مـرّة مـن اُميّة فانكصي

فالبغي يصـرع طـالبـيه ويـخذل

أغراك غلّ فـي فـؤادك كـامنٌ

يغــلي مـراجـلـه وحـقد أوّل

لم تجر بعد المصطفى من فـتنةٍ

إلاّ وبغـيك وردهـا والـمنـهـل

فلذاك رأس القاسطـين ورهطـه

بك في الضلال تـتابعوا وتـوغّـلوا

والمارقون عن الهـدى والسابقون

إلى الـردى وبنـهروان جـدّلــوا

منك احتدوا وبك اقتدوا في ضيمهم

وعلى اجتهادك في خروجـك عوّلوا

              


٥٠٩


أغواهم الشـيطـان حـتى أكفروا

بحر الـعلوم وخـطّأوه وجهــّلوا

وعدوا عـليه مـصلّياً متـهجّـداً

بتـخـشـّع وتـضـرّع يـتبـتّل

كفــروا بأنعم ربـّهم ونـبيّـهم

ووليّهـم إذ ضيّـعـوا مـا حمـلوا

بكـت السـماوات العلى لمصابه

بدم عـبـيـط لا بـدمـع يـهمل

أذكت رزيّـته بقـلـبي لـوعـة

حتى الـمـمات رسيسـها يتجلجل

وعلى عيوني حرّمت طيب الكرى

فلذا بفيـض نجـيـعها لا تـبخـل

صلّى عليـك الـله يا مـن ديننا

حـقـّاً بغـير ولائـه لا يـقبـل

وعـلى الذيـن تـقـدّمـوك وفا

رقوا دين الهدى ووكيد عهدك أهملوا

لعناً وبيلاً ليـس يحـصـى عدّه

حتـى القـيامة وصله لا يفـصـل

ما ارتاح ذو شجن ينـشر صارماً

عصفت جـنوب واستـمرّت شمائل


٥١٠


فصل

في ذكر سيّدة النساء صلوات الله وسلامه عليها

نبدأ من ذلك بخطبة في ذكر شيء من مناقبها وتزويجها بأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، قلتها بإذن الله وخطبت في مشهد ولدها السبط التابع لمرضاة الله أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام يوم السادس من ذي الحجّة الحرام، وهي هذه:

الحمد لله الذي أعلا بعليّ أمره كلمة رسوله ونبيّه وانمى له في سماء المجد قدراً، وأوضح أحكام شريعته بوصيّه في اُمّته وشدّ به منه عضداً وأزراً، ونصب أعلام ملّته بشدّة عزمته وجعله نسباً وصهراً.

و أمر نبيّه أن يورده من غدير الشرف في الغدير ورداً وصدراً، وأن يخاطبا لجمّ الغفير بفرض ولايته علانية وسرّاً، وأن يرفع له بالرئاسة العامّة إلى حين حلول الطامّة الكبرى قدراً، لمّا زوّجه الجليل سبحانه بالبتولة الزهراء والإنسيّة الحوراء جعل سبحانه نثار طوبى لشهود العرس نثراً، وتولّى سبحانه عقدة نكاحها بلسان العناية الإلهيّة، وخاطب نبيّه ببيان الإرادة الإلهيّة الأزليّة: إنّي قد زوّجت نوري من نوري فأعظم بذلك فخراً.

يا له نكاحاً وليّه الملك الجليل، وعقد شاهداه جبرائيل وميكائيل، وجمعا(١) خطبته على منبر الكرامة راجيل، قد جعل الله نثار قاصرات الطرف فيه

__________________

١ - كذا في الأصل.


٥١١


ياقوتاً ودرّاً، يتفاخرن به في قصور دار المقامة، ويتهادينه في منازل السرور إلى يوم القيامة، تلك أرواح سالكي طريق الحقّ من أهل الامامة، قد جعل الله لهنّ حسن إخلاص المخلصين بالايمان(١) مهر الولاء وجود عين الوجود في الكربين، أعني صاحب بدر واُحد وحنين، لم يكن للزهراء كفو ما بين المشرقين والمغربين، فلهذا أحدث الله لهما في صحائف التطهير والتقديس أمراً.

بحران التقيا بتدبير العليّ العظيم، وبدران اقترنا بتقدير العزيز العليم، ونوران اجتمعا بمشيئة المدبّر الحكيم، قد كفّر الله بولائهما سيّئات أوليائهما وأعظم لهم أجراً، يخرج من صدف بحريهما اللؤلؤ والمرجان، ويشرق بزاهر نوريهما الملوان(٢) والخافقان، ويهتدي بعلم علمهما الثقلان من الإنس والجانّ، ويجعل الله بذرّيتهما لدين الحقّ بعد الطيّ نشراً، اُمناء الحقّ من نجلهما، وهداة الخلق من نسلهما، ودعاة الصدق من الهماهم غيوث وليوث في قرى، وقراع فهم اُسد الشرى، سادة الخلق والورى، فعليهم أهل بيت ومقام وصفا، ومناجاة بصدق صفا، من لهم بالمجد حقّاً وصفا، نال من ذي العرش صلوات الله تتراً، توقيراً وبرّاً.

نحمد ربّنا على ما اختصّنا به من عرفان حقّهم، ونكشره إذ جعلنا من الموقنين بفضلهم وصدقهم، ووفّقنا في حلبة الفخر للاقرار بتقديمهم وسبقهم، وخلص ابريز خالص معتقدنا لحبّهم سرّاً وجهراً.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تدحض عن قائلها ذنباً ووزراً، وترمض من منكرها سحراً وبحراً.

__________________

١ - الظاهر سقط من الأصل هنا بمقدار صفحة واحدة.

٢ - كذا في الأصل.


٥١٢


ونشهد أنّ محمداً عبده ورسوله الذي أطلعه الله على أسرار ملكوته ليلة الاسراء، وشرّفه حضرة جبروته على الخلق طرّاً.

صلّى الله عليه صلاة عرفها كالمسك عطراً، ونشرها كالروض نشراً، وعلى آلها الّذين من استمسك بحبل ولائهم فاز من الله بالبشرى، وحاز السعادة الكبرى في الدنيا والاُخرى، ما أظهر النهار بنور صباه من الليل فجراً، وهزم بمسلول صارم حسامه صباحه جنود الحنادس فلم يبق منها عينا ولا أثراً.

يا أيّها الّذين آمنوا هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذاب أليم(١) وسعادة باقية ببقاء الرب الرحيم، وجنّات لكم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبداً إنّ الله عنده أجر عظيم(٢) ، أن تسلكوا سبيل وليّ الله في برّه وبحره، والداعي إلى الله على بصيرةٍ من أمره، والمخلص بطاعته لربّه في برّه وبحره، والداعي إلى الله على بصيرةٍ من أمره، والمخلص بطاعته لربّه في سرّه وجهره، وعيبة علمه، وموضع سرّه، ووجهه الواضح في خلقه، ولسانه الناطق بحقّه، ويده الباسطة في بلاده، وعينه الباصرة في عباده.

صاحب الخندق وبدر، وقاتل الوليد وعمرو، الذي دكّ الله بيده حصن القموص، واختصّه بأشرف النصوص على الخصوص.

بحر العلم، طود الحلم، وينبوع الكرم، ومعدن الحكم.

أفصح الخلق لساناً، وأوضحهم بياناً، وأكرمهم بناناً، وأعلاهم في الشرف تبياناً.

السائق الصادق، والصادع الناطق، والفاتح الخاتم، والمتصدّق في

__________________

١ - إقتباس من سورة الصف: ١٠.

٢ - إقتباس من سورة التوبة: ٢١ و ٢٢.


٥١٣


ر كوعه بالخاتم.

نفسه نفس الرسول، وعرسه الطاهرة البتول، سيّدة نساء الاُمّة، واُمّ السادة الأئمّة، وابنة شفيع المحشر، وحليلة ساقي الكوثر، الخاشعة الزاهدة، الراكعة الساجدة، الصائمة القائمة، العاملة العالمة، السالكة الناسكة، العفيفة الشريفة، المتهجّدة المتعبّدة، البتولة الطاهرة، سيّدة نساء الدنيا والآخرة، اُمّ الحسنين، وابنة شفيع الكونين، وحليلة إمام الثقلين.

تخجل الشمس حياءً منها إن أسفرت، وتبتهج الأرض سروراً إن عليها خطرت، شجرة دوحة النبوّة، ودرّة صدفة الفتوّة، نور من نور خلقت، وشمس من شمس أشرقت، فضلها لا يخفى، ونورها لا يطفى، لمّا كان والدها لقلادة النبوّة واسطة، كلّمه الجليل سبحانه ليلة الاسراء بلا واسطة، وجعل بعلها له وصيّاً ووليّاً، وبأعباء رسالته حفيّاً مليّاً، وتولّى سبحانه عقدة نكاحها في حضيرة القدس، وجعل جبرائيل وميكائيل من جملة خدمها ليلة العرس:

بنت خيـر الـخلق طرّاً

وأجلّ الخـلق قـدرا

من بها الله بصنو المصـ

ـطفى أصفى وبـرّا

عالم الاُمـّة والهـادي لها

بـرّاً وبـــحـرا

ولا سـما الخـلق مـجداً

نسـباً كـان وصهرا

وبـاُحـدٍ شــدّ مـنه ا

لله لـلمخـتـار أزرا

وببـدر أطلـع الـحـقّ

به للـحــقّ بـدرا

هـازم الأحـزاب والقاتل

ذاك اليـوم عـمـرا

سـل بـه خــيبـركـم

هدّ بها ركناً وقصـرا

ناصب الرايـة لمّـا كـعّ

مَـن كــَعّ وفــرّا


٥١٤


في حنـين نـصـر الـلّه

به الاسـلام نـصـرا

رفع اللـه له فـي الـدوح

بـالإمــرة أمـــرا

كان بالـزهـراء مـن كلّ

عــباد الـله أحـرى

لم يكن كفـواً لـها لـولاه

بـيـن الـناس يـدري

جعل الـله لهـا خـمـس

جمـيع الأرض مهـرا

طهرت مـع نجـلها مـن

سائر الأرجـاس طهرا

ذكرها يـوم الكـساء فـي

الذكـر يتـلى مستمرّا

بـعلـها قامـع هـامـات

جنود الشـرك قـهـرا

قاصم الأصلاب والـقاسـم

للأسـلاب قـســرا

وامرح فكـري مـدحاً في

وصفه نـظمـاً ونثرا

فرأيت اللــه قد أعلى له

فـي الـذكـر ذكـرا

هـل أتـى(١) فيـه وفي

زوجته وابنيـه تـقرا

آثـروا بالـقـوت لمّـا

أن وفوا عـهداً ونذرا

عبد الخـالق لـمّا عـبد

الأقـوام جـهــرا

هـبـلاً ثـمّ يـغــوث

وسواعــاً ثم نسرا

مذ بني بالبضعة الزهراء

أهدى الـله عطـرا

شرفـاً مـنه لـها قــد

فاق في الآفـاق ذكرا

عرفه من يثرب في مـكّةٍ

يـنفـح نـشــرا

روي عن الأصبغ بن نباتة بإسناد متّصل قال: لمّا زوّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة من عليّعليه‌السلام وأراد أن يدخلها به أتاه جبرائيل،

____________

١ - المراد سورة الانسان.


٥١٥


فقال: يا محمد، ما تصنع؟

قال: اُدخل فاطمة بعليّ.

قال: إنّ ربّك يقرؤك السلام، ويقول لك: لا تحدث شيئاً حتى آتيك، ثمّ عرج جبرائيل وهبط على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه قدح من الياقوت فيه من مسك الجنّة، وزعفران من زعفران الجنّة، مضروب بماء الحياة، وقال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ربّك يقرؤك السلام، ويقول لك: مر فاطمة فلتضع هذا في مفرقها ونحرها، ففعلت ذلك، فكانت صلوات الله عليها بعد ذلك إذا حكّت رأسها بالمدينة تفوح رائحة من مكّة، فيقول الناس: ما هذه الرائحة؟

فيقال: إنّ فاطمة قد حكّت رأسها بالمدينة اليوم، فهذه رائحة الطيب الذي أهداه الله إليها.

و روى الشيخ الجليل محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضي الله عنه في أماليه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: لقد هممت بتزويج فاطمةعليها‌السلام وما يمنعني من ذلك إلا انّي لم أتجرّأ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ ذلك ليختلج في صدري ليلاً ونهاراً حتى دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم فقال: يا علي.

فقلت: لبّيك، يا رسول الله.

قال: هل لك في التزويج؟

قلت: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعلم، وإذا به يريد أن يزوّجني بعض نساء قريش(١) وإنّي لخائف على فوات فاطمة، فانصرفت فلم أشعر بشيء حتى

__________________

١ - كذا في الأمالي، وفي الأصل: بعض بنات نساء قريش.


٥١٦


أتاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي: أجب النبيّ وأسرع، فما رأيت أشدّ فرحاً منه اليوم، قال: فأتيته مسرعاً، فإذا هو في حجرة اُمّ سلمة رضي الله عنها، فلمّا نظر إليّ تهلّل وجهه فرحاً، وتبسّم حتى نظرت إلى بياض أسنانه يبرق.

فقال: يا عليّ، أبشر، فإنّ الله سبحانه قد كفاني ما كان أهمّني من أمر تزويجك.

فقلت: وكيف ذلك، يا رسول الله؟

فقال: أتاني جبرائيل ومعه من سنبل الجنّة وقرنفلها وناولنيهما فأخذتهما وشممتهما، وقلت: ما سبب هذا السنبل والقرنفل؟

فقال: إنّ الله سبحانه أمر سكّان الجنّة(١) من الملائكة ومن فيها أن يزيّنوا الجنان كلّها بمغارسها وأشجارها وأثمارها وقصورها، وأمر ريحها فهبّت بأنواع الطيب والعطر، وأمر حور عينها بقراءة سورة طه وطواسين ويس وحمعسق، ثمّ نادى منادٍ من تحت العرش:

ألا إنّ اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب، ألا إنّي اُشهدكم أنّي قد زوّجت فاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من عليّ بن أبي طالب رضي منّي بعضهما لبعضٍ.

ثمّ بعث الله سبحانه سحابة بيضاء فمطرت عليهم من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها، وقامت الملائكة من سنبل الجنّة وقرنفلها، وهذا ممّا نثرته الملائكة.

__________________

١ - في الأمالي: الجنان.


٥١٧


ثمّ أمر الله سبحانه ملكاً من ملائكة الجنّة يقال له راحيل(١) ، وليس في الملائكة أبلغ منه، فقال: اخطب يا راحيل، فخطب بخطبةٍ لم يسمع بمثلها أهل السماوات ولا أهل الأرض، ثمّ نادى منادٍ: ألا يا ملائكتي وسكّان جنّتي، باركوا على عليّ حبيب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة بنت محمد فقد باركت عليهما، ألا إنّي قد زوّجت أحبّ النساء إليّ من أحبّ الرجال إليّ بعد النبيّين والمرسلين(٢) .

فقال راحيل الملك: يا ربّ وما بركتك عليهما بأكثر ممّا رأينا [ لهما ](٣) في جنّتك ودار رضوانك؟

فقال عزّ وجل: يا راحيل، إنّ من بركتي عليهما أنّ أجمعهما على محبّتي، وأجعلهما حجّة على خلقي، وعزّتي وجلالي لأخلقنّ منهما خلقاً، ولأنشئنّ منما ذرّيّة أجعلهم خزّاني في أرضي، ومعادن لعلمي، ودعاة إلى ديني، بهم أحتجّ على خلقي بعد النبيّين والمرسلين.

فأبشر يا عليّ، فإنّ الله عزّ وجلّ أكرمك بكرامةٍ لم يكرم بمثلها أحداً، وقد زوّجتك ابنتي على ما زوّجك الرحمن، ورضيت بما رضي الله لها، فدونك أهلك، فإنّك أحقّ بها منّي ومن كلّ أحد، وقد أخبرني جبرائيل أنّ الجنّة مشتاقة

__________________

١ - كذا في الأمالي، وفي الأصل: راجيل، وكذا في المواضع الآتية.

٢ - في « ح »: سمعت من علماء الشيعة رضوان الله عليهم أجمعين [ أنّه ] قد وجد بالكوفة بعد قتل الحسينعليه‌السلام درّة حمراء وقد كتب فيها بخطّ كوفيّ جليّ هذا الرباعي بحسن الخط:

أنا درّ من السمـاء نثروني

يوم تزويج والد الـحسنين

كنت أصفى من اللجين ولكن

صبّغتني دماء نحر حسين

٣ - من الأمالي، وفيه بعده: في جنانك ودارك.


٥١٨


إليكما، ولولا أنّ الله سبحانه قدّر أن يخرج منكما ما يتّخده على الخلق حجّة لأجاب فيكما الجنّة وأهلها، فنعم الأخ أنت، ونعم الختن أنت، ونعم الصاحب أنت، وكفاك برضى الله رضى.

قال عليّعليه‌السلام : فقلت: يا رسول الله، أبلغ بقدري حتى ذكرتُ في السماء(١) وزوّجني ربّي في ملائكته؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله سبحانه إذا أكرم وليّه أكرمه بما لا عين رأت ولا اُذن سمعت، فأحباها الله لك.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد أن سجد شكراً لله:( رَبِّ أوزِعنِي أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتِي أَنعَمتَ عَلَيَّ ) (٢) .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : آمين(٣) .

الخرگوشي في كتابيه شرف المصطفى واللوامع، بإسناده عن سلمان. وأبو بكر الشيرازي أيضاً روى في كتابه. وأبو إسحاق الثعلبي، وعليّ بن أحمد الطائي، وغيرهم من علماء السنّة في تفاسيرهم عن سعيد بن جبير. وروى أيضاً سفيان الثوري وأبو نعيم الأصفهاني أيضاً فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنينعليه‌السلام عن حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، وعن [ أبي مالك، عن ](٤) ابن عبّاس والقاضي النطنزي عن سفيان بن عيينة، عن الصادقعليه‌السلام .

__________________

١ - في الأمالي: الجنّة.

٢ - سورة النمل: ١٩.

٣ - أمالي الصدوق: ٤٤٨ ح ١، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ١ / ٢٢٢ ح ١ وص ٢٢٥ ح ٢، عنهما البحار: ٤٣ / ١٠١ ح ١٢، وفي ص ١٠٣ عن تفسير فرات: ١٥٦.

٤ - من المناقب.


٥١٩


وروى مشايخنا رضي الله عنهم عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى:( مَرَجَ البَحرَينِ يَلتَقِيَانِ ) (١) قال: عليّ وفاطمة بحران من العلم عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه، وفي رواية:( بَينَهُماَ بَرزَخٌ ) (٢) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( يَخرُجُ مِنهُمَا اللُّؤلُؤُ وَالمَرجَانَ ) (٣) الحسن الحسينعليهما‌السلام .(٤)

أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس أنّ فاطمةعليها‌السلام بكت للجوع والعري، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اقنعي يا فاطمة بزوجك، فوالله إنّه سيّد في الدنيا، سيّد في الآخرة، وأصلح بينهما، فأنزل سبحانه:( مَرَجَ البَحرَينِ يَلتَقِيَانِ ) يقول: أنا الله أرسلت البحرين: عليّاً بحر العلم، وفاطمة بحر النبوّة، يلتقيان: يتّصلان، أنا الله أوقعت الوصلة بينهما، ثم قال:( بَينَهُمَا بَرزَخٌ ) أي مانع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمنع عليّاً أن يحزن لأجل الدنيا، ويمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدنيا( فَبِأيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا ) يا معشر الجنّ والإنس( تُكَذِّبَان ) بولاية أمير المؤمنين وحبّ فاطمة الزهراء، فاللؤلؤ الحسن، والمرجان الحسين، لأنّ اللؤلؤ الكبار والمرجان الصغار، ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما، فإنّ البحر ما سمّي بحراً إلا لسعته، وأجرى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرساً فقال: وجدته بحراً.(٥)

القاضي أبو محمد الكرخي في كتابه عن الصادقعليه‌السلام ، عن فاطمة

__________________

١ - سورة الرحمن: ١٩.

٢ - سورة الرحمن: ٢٠.

٣ - سورة الرحمن: ٢٢.

٤ - مناقب ابن شهراشوب: ٣ / ٣١٨ - ٣١٩، عنه البحار: ٤٣ / ٣١ ح ٣٩.

٥ - مناقب ابن شهراشوب: ٣ / ٣١٩، عنه البحار: ٢٤ / ٩٩ ح ٦.


٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592