فإنَّ علم الكلام وُلد في ظل هذه الظروف والأجواء، ومع القرون الأولى للإسلام. وكان - كما يبدو للمنصِف - وليد البيئة الإسلامية، ومستجيباً لحاجات داخلية، اقتضتها طبيعة الحياة الدينية الإسلامية وظروفها.
موضوع علم الكلام وغاياته
وقد اختار علماء الكلام البحث عن الذات الإلهية، وما يتعلق بها من صفات وأفعال،
موضوعاً
لعلمهم. واختاروا الدفاع عن الدين، وردِّ الشُّبهات الواردة على أصول الدين ومفرداته الاعتقادية،
غايةً
لهم وهدفاً.
يقول ابن خلدون مُعرِّفاً علم الكلام:
"هو علم يتضمَّن الحِجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والردَّ على المبتدِعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السُّـنَّة"
. وفي مورد آخر يقول - مبيِّناً موضوع علم الكلام -:
"فموضوع علم الكلام، عند أهله، إنَّما هو العقائد الإيمانية، بعد فرضها صحيحة من الشرع؛ من حيث يمكن أن يُستدل عليها بالأدلة العقلية، فترفع البدع وتزول الشكوك والشُّبه عن تلك العقائد"
.
وتجد هذا الوعي لموضوع علم الكلام في كثير من عبارات المتكلِّمين، المتقدِّمين منهم والمتأخرين. ولكن طُرح مُؤخَّراً رأي يفترض أنَّ علم الكلام علم لا موضوع له، حيث إنَّ الهمَّ الأول للمتكلِّمين هو الدفاع عن الدين؛
____________________