علم الكلام ضرورات النهضة ودواعي التجديد
0%
مؤلف: تصدر عن مجلة الحياة الطيبة
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 240
مؤلف: تصدر عن مجلة الحياة الطيبة
تصنيف: الصفحات: 240
المشاهدات: 31449
تحميل: 13954
توضيحات:
مؤلف: تصدر عن مجلة الحياة الطيبة
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 240
مؤلف: تصدر عن مجلة الحياة الطيبة
احتكار التدين، أو ادعاء حقانية خاصة؛ ذلك لأنَّ كل دين قد نال جزءاً من الحقيقة بصورتها الظاهرية.
أول إشكال يرد على جون هيك هو مشكلة نسبية نظريته؛ لأنَّ قبول الاختلاف بين "الحقيقة كماهي" و "الحقيقة كما تبدو"، وإنكار مطابقة الذهن للواقع الخارجي - وبتعبيرٍ آخر، عدم تطابق الفنومن مع النومن - هو أبرز ما في النسبية العلمية.
الإشكال الثاني: لماذا نفترض أنَّ جميع المتديِّنين كالرجال العميان، يصادفون حقيقة تُسمَّى "الفيل"؟ فلعل كل فئة منهم وجدت حقيقة خاصة قائمة بذاتها.
الإشكال الثالث: إذا كانت جميع اتجاهات التعدَّدية تُؤمن بتعدُّد الحقيقة، فإنَّ مثل هذه الاتجاه سيتجه نحو نسبية الحقيقة؛ ذلك أنَّ بعض هذه الحقائق متناقضة، وسيقع هذا الاتجاه في اجتماع النقيضين.
وإذا كانت الحقيقة واحدة، لكن طُرق الوصول إليها متعدِّدة، وهذه الطرق تحمل نوعاً من الافتراضات المعرفية المتعارضة معها، فإنَّ قبولها جميعاً يجرُّ الإنسان نحو نسبية المعرفة.
أمَّا إذا كان المفكِّر يعتقد بأنَّ الحقيقة واحدة، وأنَّ أي طريق، ولو لم ينته إلى الحقيقة الكاملة، لكنَّه سيحصل على مقدار منها؛ أي أنَّها ميسَّرة للجميع ويمكنهم الحصول على شكل من أشكالها، وما دامت هذه الطرق لا تستدعي التناقض واجتماع النقيضين فلن تبتلى هذه الفكرة بالنسبة.
الاتجاه العاشر
هو البحث المبني على المعرفة بالمصير ( Eschatological ) القائم على أساس معايير الصدق والحقانية، والذي يفصل بين الدين الحق والدين
الباطل. وبطبيعة الحال، فإنَّه يوجد اختلاف في تحديد معيار الصدق والحق؛ إذ اعتبر البعض أنَّ الأخلاق هي معيار الصدق، بينما اعتبر آخرون أنَّ التجارب والحالات الدينية هي المعيار، وذهب غيرهم إلى أن تأمين الحاجات الضرورية هو معيار الصدق، ورأى آخرون أنَّ المعيار هو مطابقة الواقع (1) .
يبدو أنَّ هذا الاتجاه هو أفضل جواب على الأسئلة التي طرحت في أول المقالة. علينا أن لا نصر على أنَّ جميع الأديان تسير بالإنسان نحو السعادة والحقيقة، بل علينا أن نحاول اكتشاف أحقية أي دين بالمعايير المنطقية، وعندما يثبت لنا ذلك، نُؤمن بأنَّ السعادة والحقيقة تكون في اتباعه؛ أي بعد إثبات ضرورة الدين والنبوّة العامة، نبحث في أحقية النبوّة الخاصة.
أمَّا بعض الطرق الموجودة لإثبات أحقية نبوَّة أي نبي ، فهي:
1ـ أن تكون أقواله موافقة للعقل.
2ـ أن لا يكون هناك تناقض بين أقواله.
3ـ أن يصل بالإنسان - حسب ما يراه - إلى الهدف السامي، ويُوفِّر له احتياجاته التي يتوخَّاها.
____________________
(1) مجلَّة [الحوزة والجامعة] الفصلية،ع 1، ص 62.
4ـ أن يُثبت علاقته بعالم الغيب بطريقٍ ما، كالمعجزة.
أمَّا كيف تُعرف أحقيَّة أي دين، فهو بحث مهم يستحق الدراسة، ولا مجال له في هذا المقام.
ومن ناحية أخرى، فإنِّي أرى أنَّ مسألة تعدُّد الأديان، أو وحدتها، ما زالت تعيش في ثقافتنا كجنين، نأمل أنَّ نساعد في نموها من خلال طرح البحوث المختلفة.
د. دافيد س. سكوت *
حتى قبل وصول الأوروبيين إلى القارة التي أسموها أميركا ، كان التنوع الديني قد بات حقيقة هنا. ذلك أنَّ الطرائق الدينية لشعوب البلد الأصليين كانت أساساً متنوِّعة وحيَّة. والقادمون الأوروبيون جلبوا معهم التقاليد الدينية لأوروبا (1) .
صحيح أنَّه في بعض الحالات أنشأ هؤلاء المهاجرون مستعمرات لم يسمحوا فيها إلاّ بإحدى هذه التقاليد، ولكن في مستعمرات أخرى نشأت طوائف يهودية صغيرة في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر. كذلك، فإنَّه في وقت مبكر من تاريخنا، أُحضر العبيد إلى هذه الشواطئ ومعهم جاء الإسلام والتقاليد الدينية الأفريقية، وذلك على الرغم من أنَّ نظام الرق قضى على ممارسة هذه التقاليد الدينية؛ كجزء من نزع الصفة الإنسانية
____________________
* أستاذ كرسي الدين والثقافة في المعهد المتحد للاهوت بنغالور - الهند.
(1) أرى أنَّ تمييز ويلفرد كانتويل سميث في كتابه: معنى الدين وغايته، في "التقليد الديني" و"الإيمان الشخصي"، عنصرين مهمَّين في تكوين ما ندعوه بالدين.
للذين بيعوا واشتروا من أجل العمل أو التكاثر.
وهكذا فإنَّه - وقبل أن نفكِّر كشعب بإنشاء الحقيقة السياسية المسمَّاة: الولايات المتحدة الأميركية، وحتى قبل أنْ نبدأ بالتجربة الاجتماعية المستمرة والتي لا تزال نعيشها - كان التنوُّع الديني يشكّل واحداً من الخيوط التي لا نزال نحوك نسيجها الاجتماعي. فلم يعد المرء مضطرَّاً للسفر إلى الخارج للتعرف على العالم الإسلامي، فديترويت ، و هيوستن ، و شيكاغو ، و كليفلاند ، و واشنطن ، و سبرنغفيلد، و إنديانا - وهي بعض النماذج ليس إلاّ - باتت الآن داخل هذا العالم.
إلى ذلك، فإنَّ السيخ هم سائقو سيارات الأجرة والمحاسبون وأطباء الأسنان في بلادنا، في حين أنَّ البوذيين هم مدرِِّبو فِرَقنا لكرة السلة، كما هم أيضاً مستشارونا الماليون وبقَّالونا. والهنود هم أطبَّاؤنا، ومبرمجو حواسيبنا، وباحثونا في حقل الطيران.
لقد باتت تعدُّدية أميركا الدينية بادية للعيان أكثر من أي وقت مضى، وبات من الشائع أن ترى أناساً يرتدون لباسهم الديني المميَّز، أو أن تقرأ مقالات في الصحف عن الاحتفالات الدينية لمجموعة من الطوائف المختلفة.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة، هو تنامي المؤشِّرات على التنوُّع الديني في المباني العامة. ففي أحياء الطبقة العاملة والوسطى في نيويورك ومن حولها، وفي بوسطن ولوس أنجلوس وغيرها من المدن، يمرُّ المرء بالقرب من مبانٍ تبدو عادية في شكلها الخارجي، ولكنَّها كناية عن معابد صغيرة للسيخ، أو أديرة متواضعة تضم قاعات للصلاة وغرف لإقامة الكهنة للمجموعات البوذية الصغيرة، سواء تلك السيرلانكية أم الفيتنامية أو اللاوية أو التيبتية.
وهناك في بيتسبرغ معبد هندوسي جميل يتربع على إحدى التلال، وهو في شموخه دليل واضح، قد لا يضاهى، على تنوُّعنا الديني. إلى ذلك، هنالك المسجد المقبَّب الذي يرتفع وسط حقول الذرة على الأوتوستراد، الذي يربط بين الولايات في ضواحي مدينة توليدو.
ولعل الصورة الأوضح لتنوُّعنا، هي تلك التي يمكن أن يشاهدها المرء وهو يقود سيارته على مدى بضعة أميال في شارع نيو هامشير في سيلفر سبرنغ، ماريلاند، في ضواحي العاصمة. هناك يجد المرء معبداً للبوذيين، ومسجداً ومركزاً إسلامياً كبيراً وجديداً، وكنيسة أرثوذكسية أوكرانية، وكنيسة لحوارييي المسيح، ومركزاً لإرسالية الشمنايا الهندوسية، وكنيسة كاثوليكية أوكرانية، ومعبداً هندوسياً جوجراتياً. هذا فضلاً عن وجود بعض الإسبانيين من أتباع مذهب العنصرة، والكاثوليك الفيتناميين، والإنجيليين الكوريين، الذين يتشاركون المباني نفسها مع كنائس أكثر تقليدية من روم كاثوليك ومشدويين وميشيخانيين (1) .
ولم يعد يقتصر الأمر على الظهور المادي، بل بات جزءاً من نسيجنا وحياتنا اليومية، إلى حد أنَّه بات من الغريب أنَّ الجيل السابق لم يعش هذا التنوع، فلقد عاش الكثير من الناس، وخصوصاً البيض في الماضي، في ظل تجانس ديني وثقافي. والآن فقط بتنا نُواجَه بهذا التنوُّع الديني والثقافي الذي صار من المستحيل تجاهله.
____________________
(1) جمعت ديانا إيك التي تعمل مع طلاَّبها على مشروع للتعدُّدية الدينية في جامعة هارفرد هذه الأمثلة وغيرها الكثير، من مواد مكتوبة أو غير مكتوبة للمظاهر المادية للتنوُّع الديني الجديد في الولايات المتحدة. والوسيلة الأكثر سهولة للحصول عليها تتمثَّل في الحصول على:
CD-Rom On Common Ground ) New York : Columbia University Press. 1997).
وكما قال كبير الكهنة في كنيسة ريفر سايد في مدينة نيويورك، جايمس فوريز، مذكِّراً بـ "القمة الدولية للرؤساء الروحيين" الذين اجتمعوا في أوائل أيلول 2000: "كنَّا في الماضي غرباء، ولكنَّنا بتنا جيراناً في القرية الكونية. ولكن ماذا يعني ذلك على المستوى الإنساني؟ الجواب عن هذا السؤال يتعلق بكلمة واحدة: نحن" .
إذا نظرنا إلى العالم عن كثب، ولنقل كقرية يسكنها نحو ألف نسمة، سيفرض علينا ذلك أن نواجه: ماذا نعني بهذه الـ (نحن) . وكما كاهن ويلفرد كانتويل سميث معتاداً على أن يقول: "يُشكِّل معنى كلمة "نحن" إحدى أهمِّ الحقائق المتعلِّقة بأيِّ شعب" (1) . فهل "نحن" هذه تعني نحن المسيحيين، نحن البروتستانت، نحن الأميركيين، نحن الكهنة، أم نحن البشر؟ فنحن هذه تشمل أناساً مختلفين في أوقات مختلفة، ولابد من أن نشير إلى ذلك في موعظاتنا وقداديسنا. ولكن إلى أيِّ حدٍ، وبأيِّ وتيرة تَضم هذه النحن أناساً من أديان أخرى، وأمماً وأعراقاً أخرى؟ وإلى أيِّ حد هذه النحن تجمع أكثر ممَّا هي تُفرِّق؟ قد تتحرك علاقتنا بالآخر بحسب التعابير التي نستخدمها، فأحياناً نتحدَّث "عنهم" (الآخر الموضوعي)، وأحياناً نتحدث "معهم" ، أو أحياناً تتَّخذ هذه العلاقة طابعاً شخصياً أكثر فنتحدث "إليكم". في حين أنَّه؛ لتطوير حوار
____________________
(1) Objectivity and the Human Sciences ". in Religious Diversity: ، W.C. Smith Essays by Wilfred Cantwell Smith, ed. E.G . Oxtoby (New York: Harner and Row, 1976 ), and P. 178.
حقيقي، يجب أن نتحدَّث "معكم" .
وأخيراً، فإنَّنا جميعاً نتحدث "عنَّا" ، و "عنَّا" جميعاً. وهذه هي المرحلة الأساسية التي ينبغي أن يصل إليها الحوار بين الأديان، إذا كنَّا نريد أن نعظ في شكلٍ ملائم لعالم متنوُّع ومستقل (1) .
هناك لغة "نحن" لدى كل طائفة دينية، ذلك أنَّ مسألة النحن ليست مجرد مسألة اجتماعية، بل هي مسألة ثيولوجية أيضاً، ومرتبطة في شكل لا فكاك منه بقيمنا الدينية. يتحدَّث الهندوس عن العالم كلِّه كعائلة واحدة. ويتحدَّث البوذيون عن جماعة السانغها ( Sangha ) الكهنوتية ذات الاتجاهات الكونية الأربعة. ويتبنَّى المسلمون تأويلات للأمة، الجماعة الإسلامية، بحيث تشمل بالمعنى العريض والواسع كل الذين أسلموا حياتهم لله. ويتحدَّث اليهود عن ميثاق الله مع نوح بوصفه ميثاقاً يشمل كل الذين يلتزمون بالمبادئ الأخلاقية الرئيسية. قد يكون هناك بعض الانعزاليين الذين ينظرون إلى المستقبل كمجال لتوسيع المسافة بين الـ "نحن" والـ "هم"، ولكن هناك في كل طائفة دينية تيارات في التفكير والتخيُّل تشكِّل محاولات نحو توسيع الـ "نحن"، بحيث تصبح جامعة لا مفرِّقة. فهناك في المسيحية لغة الـ Oikis أو البيت. يخبرنا أنجيل يوحنا 2: 14 - على سبيل المثال - عن بيت الله ذي المنازل المتعدِّدة. ومن هذه الكلمة كما هو معروف جاءت كلمات Oikoumene التي تعني "الأرض المسكونة في كلِّـيَّتها"، وبالتالي فإنَّه ليس من المستغرب أنَّ الحركة المسكونية المسيحية وجدت أنَّ هذا المصطلح
____________________
(1) المرجع نفسه.
يُعبِّر عن امتداد الكنيسة الكوني، البيت الكوني، ولكن من الواضح أنَّ هذه الأرض المسكونة ليست مسيحية (1) أو يهودية أو مسلمة أو هندوسية أو بوذية. ولكن من المؤكَّد - أيضاً - أنَّ هذا الكلام صحيح، وهو: "ثَمَّة من الحقيقة ما يكفي بالكاد لجعل المجتمعات آمنة، ولكن هناك من الأمن ما يكفي لضرب منطق الجماعة. وهذه هي الأحجية التي تعتمد عليها في شكلٍ أساسي حكمة العالم: الأخبار قديمة ولكنَّها أخبار كل يوم " (2) .
وكما رأينا، فإنَّ العادات المكتسبة منذ قرون، هي أيضاً قديمة بما فيه الكفاية. وتقف الحضارات والثقافات في موقف المدافع إزاء بقية الإنسانية، فهي مقتنعة بأنَّ هويَّتها هي عين الحقيقة، وهو إيمان يبعد في الوقت نفسه المنتسبين إليها عن الكل البشري الذي تنتمي إليه حقيقتهم. والحال أنَّ نزوعهم إلى الحفاظ على أنفسهم يجعلهم يدفعون الضغوط نحو انتماء أكبر. ولكن لا يمكننا بالتأكيد أن تكون لنا إنسانيتنا، ما لم نعترف بها للجميع. ففي النهاية، يشكل رفض الإنسانية المشتركة طعنة لإنسانيتنا الخاصة. وكما أنَّ الطبيعة لا تترك خصوصيات محدَّدة، فإنَّ التاريخ بدأ يُؤكِّد بعناد الدرس نفسه.
____________________
(1) في مكتب العلاقات الدولية في مقر WCC في جنيف، تذكر إحدى الملصقات أنَّ المسكونة هي كل الأرض المسكونة، وليس القسم المسيحي منها.
(2) مسرحية وليم شكسبير، العقاب، الفصل الثالث، المشهد الأول، السطر 214.
ففي إطار عالمنا المتعدِّد، وذي الاعتماد المتبادل في آن، يرى بيندكت أندرسون أنَّ الخيال يلعب دوراً حاسماً (1) . بل إنَّ أندرسون يحاجج أنَّ الطريقة الأقوى لرسم الحدود في العالم، ليست تلك التي يعتمدها الماسحون الجغرافيون أو الجيوش، بل هي ناتجة من القدرة على التخيُّل التي تُنشئ لنا حساً بالـ "نحن"، ربَّما كان قومياً أو دينياً أو ثقافياً أو متعدِّد الثقافات. والحال أنَّ التقاليد الدينية أكثر قدماً وتأثيراً في المجتمعات المتخيِّلة من الدول/ الأمم الحديثة.
يرسم الهندوس صورة للعالم كزهرة لوتس من أربع تويجات، تشكل الهند التويجة الجنوبية منها. أمَّا المسلمون، فلديهم إحساس قوي بالمركز الروحي - وليس الكنسي - يتمحور حول جماعة دينية عالمية. أمَّا الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، فلديها بدورها إحساس قوي بالمركز، إنَّما في شكل مختلف تماماً عن المسلمين؛ بحيث تعكس "روما" و "الفاتيكان" نظاماً وسلطة كنسيين متكاملين. في حين أنَّ التقليد البوذي لا مركزي جداً، وبالتالي فإنَّ جماعاته المتخيِّلة أكثر إثنية ممَّا هي كونية. أمَّا الإوجالا من سكان السهول العظيمة، فينظرون إلى أنفسهم كشعب واحد ضمن "المواقد السبعة" في السيوكس Siocuss . ويربط الأبورجينال في أستراليا جماعتهم المتخيَّلة بالأرض والزمن الذي يُسمُّونها الحلم " The Dreaming " . ويُشكِّل الجسد
____________________
(1) يبحث بيندكت أندرسون في "المجتمعات المتخيَّلة" (1983 London, Vrso ) (في العملية التي يتم من خلالها تفعيل الأم لنفسها وللآخرين. ويرى أنَّ هذه العملية هي التي تقوم عليها الأمم).
صورة مشتركة للعلاقة المتبادلة في المجتمع المتخيَّل. فلدى كل من المسيحيين والهندوس يُمثِّل الجسد صورة الكل ذي الاعتماد المتبادل. ففي التقليد المسيحي "جسد المسيح" هو الكنيسة؛ جسد واحد ذو أعضاء كثيرة. لا يمكن أن تقول العين لليد، ولا الرأس للأقدام: "لست في حاجة إليكم". كذلك تعتبر الترنيمة الفيداوية المشهورة ( Purush Sukta ) أنَّ النظام المخلوق كله، الزمني والأخلاقي - الاجتماعي، هو جسد الإنسان الكوني المنقسم في الأضحية الأولى التي تسبَّبت بالخلق.
ولئن كان الجسد هو الصورة الكلية للمجتمع، وهو في هذا المعنى شيء إيجابي، فهو أيضاً يمنع صورة تراتبية. فهناك رأس وهناك أقدام، ومهما كانت الأقدام مهمَّة، فإنَّ التراتيبية تبقى قائمة. وبالتالي، فإنَّ الصورة التراتبية لا تتناسب مع فكرتنا المتخيَّلة عن علاقاتنا كجماعات عقيدية في عالم ذي اعتماد متبادل. ففي تطويرنا للإحساس بـ "نحن" أكثر اتساعاً من "نحن" الدينية أو الثقافية، يبدو من الأهمية بمكان تحديد نوع العلاقات الإنسانية المتبادلة التي نودُّ أن ننشئها. ولدى أتباع كل تقليد ديني أحلام للعالم المثالي، ولكيفية ارتباطنا بعضنا ببعض على الرغم من اختلافنا.
وفي هذا الإطار، يُشكِّل النظر إلى أحلام بعضنا بعضاً خطوة مهمَّة في البدء بتخيُّل "النحن". فهل إنَّنا نتخيَّل أفقنا كجماعات منفصلة، مهتمة أساساً بحماية حقوق بعضنا في علاقة مدنية البناء أو كأسر دينية متعدِّدة؟ أم أنَّنا نتخيَّل أنفسنا كجماعات دينية تتنافس في الخير والصلاح، كما يقول القرآن. وإلى ذلك،
فإنَّ تخيُّل "نحن" أكثر اتساعاً لا يعني التخلِّي عن جماعاتنا المنفصلة، بل إنَّه يعني إيجاد وسائل من العيش سوياً كمجتمع المجتمعات. ولكي نفعل ذلك لابد من أن نتخيَّل معاً من نحن.
هناك للعديد من التقاليد الدينية رؤىً محدَّدة للمجتمع المتخيَّل المؤلَّف من الأمم المختلفة. فالصورة السائدة في التقليد المسيحي للجماعة التي ستقوم هي مملكة الله / المملكة التي يريدها الله، والتي لابد من أن نكون شركاء في صنعها. والعهد الجديد مليء بصور هذه المملكة.
والجماعة المتخيَّلة لن تكون الجماعة المسيحية، بل جماعة كل الأرض المسكونة. أمَّا تعبير المملكة، فيتعيَّن أن يُحمَل، سواء في زمن المسيح أم في زمننا الحالي، على معنى مختلف. فلقد قلب المسيح من فهمنا وتوقعنا لِمَا هي عليه المملكة، إذ باتت على صورة لا تشبه أي مملكة على الأرض. فلن تًعرَّف الجماعة المتخيَّلة أو تُحكم من فوق، بل هي ستنمو من أصغر البذور كما تنمو الدغل الكبيرة من بذور الخردل الصغيرة. وهي مملكة لن يرثها الأغنياء والأقوياء، بل الفقراء والأرامل والمشرَّدون والغرباء.
وهذه الجماعة لن تُثبت هويتها بالسيطرة أو بالإقصاء، ولكنَّها ستكون، كما هو متخيَّل، بيتاً مفتوحاً لكل أمم الأرض الآتين من كل الجهات الأربع؛ الشرق والغرب والشمال والجنوب، ليأكلوا من المائدة نفسها. والجماعة المتخيَّلة نفسها ليست متروكة إلى زمان ومكان إلهيين في المستقبل، إنَّها معنا
الآن في عالمنا هذا وفي داخلنا. كما أنَّها ليست في مكان آخر، بل في هذا المكان الذي ستسوده العدالة وسيملأه السلام حتى الثمالة.
ومملكة الله أوسع بكثير من الكنيسة المسيحية. أمَّا دور التابعين المباشرين للمسيح في تحقيق هذا العالم، فليس مُعبَّراً عنه بلغة ضخمة جزلة، بل بأبسط الكلمات وأكثرها تواضعاً. إذ يفترض أن نقوم نحن - كل رجال العقيدة - بلعب دور الخميرة للعجين، والملح للطعام، والنور للطريق.
وتُوحي صورة البيت للمهاتما غاندي ، ومارتن لوثر، كينغ جونيور ، ولكثيرين غيرهم، بعلاقتنا (بني البشر) البينية الوثيقة. فيبدأ كينغ - على سبيل المثال - حديثه عن "البيت العالمي"، بالكلمات الآتية:
قبل سنوات تُوفِّي كاتب روائي شهير، ووجدتُ بين أوراقه اقتراحات عدة لحبكات روائية
مستقبلية، لعل أهمَّها هي هذه: "ترث أسرة مشتَّتة إلى حد بعيد بيتاً عليها أن تعيش معاً فيه". وهذه هي المشكلة العظمي الجديدة للبشرية (هكذا في الأصل)، لقد ورثنا بيتاً كبيراً؛ بيتاً عالمياً "علينا أن نعيش فيه معاً، بيضاً وسوداً، شرقيين وغربيين، يهوداً وأحباراً، كاثوليكيين وبروتستانت، مسلمين وهندوس. أسرة منقسِمة - من غير داعٍ - في الأفكار والثقافة والمصلحة. وبما أنَّه لم يعد يسعنا أن نعيش منفصلين، فإنَّ علينا أن نتعلَّم كيف نعيش معاً في سلام" (1) .
ويجمع البيت عادةً أسرة كبيرة ومعقَّدة، تحوي على كل التنوُّعات في المزاج والشخصية التي يملكها البشر.
____________________
(1) Martin Luther King, Jr., Where Do we Go from here: Chaos or Community ?
Boston : Press, 1967)، P 167).
ومجتمع البيت هو مجتمع يتميَّز بالضيافة والتعاون في آن. وقد يحتوي البيت أيضاً على بعض التراتبية، ولكنَّها ليست تراتبية تكوينية كتراتبية الجسد، بل هي قابلة للتحدي والمفاوضة. وكذلك فإنَّه ليس هناك بيت من دون مشاحنات، ولكن قاعدة هذه المشاحنات هي الحب، ولغتها هي الحوار.
هل يمكننا تَخيُّل العالم محلياً ودولياً على مثال هذا البيت؟ هل يمكننا تصوُّر تنوُّع الأديان والعقائد على مثل هذا النحو؟ إنَّ تخيُّل الجماعة على مثال البيت يجعلنا نرى عن قرب أكثر التميزات في القرية الكونية ذات الألف نسمة. فالأغنياء سيرون بؤس الفقراء وجوعهم في غرف البيت نفسه؛ ذلك أنَّ العيش في بيت واحد سيجعلنا نقر، وبتعبير كينغ : "إن الحياة مترابطة في شكل جد واقعي، فعذاب الفقراء يُفقر الأغنياء. ونحن مسؤولون بالضرورة عن إخوَّتنا؛ لأنَّنا إخوة لهم. وما يُؤثِّر في أحدنا بشكل مباشر، يُؤثِّر في الآخرين في شكل غير مباشر" (1) .
ويتطلَّب إمكان تخيُّل مثل هذا البيت ما سمَّاه كينغ "ثورة في القيم" : "ذلك أنَّ ثورة حقيقية في القيم تعني - في التحليل الأخير - أنَّه يتعيَّن على ولاءاتنا أن تكون كونية، وليست فئوية. وعلى كل أمّة أن تكوِّن ولاءً طاغياً للإنسانية (هكذا في النص) لكي تحتفظ بما هو أفضل في مجتمعاتها" (2) .
وتشمل ثورة القيم هذه أنماط السلوك، وعلى رأسها السلوك الديني؛ ذلك أنَّه لا يمكن لأيِّ منزل أن يعمل على قاعدة الإقصاء والتميز، على رغم تميز
____________________
(1) Thomas Merton, The Asian Journal of Thomas Merton (New York: New ( Direcion, 1973 ), p 313.
(2) Ibid, P. 190.
كل جماعة في هذا البيت في بعض الأمور، كما في الطقوس المركزية.
كذلك فإنَّه لا يمكن لبيت أن يعمل على قاعدة الاشتمال أيضاً؛ ذلك أنَّه سيكون بيتاً لنا بصفة كوننا بشراً، وليس مسيحيين ومسلمين أو بوذيين، رغم أنَّ الجميع مرحَّب بهم. ولا يمكن لأيِّ جماعة أن تضع القواعد التي يتعين على الآخرين الالتزام بها. وبالتالي، فإنَّ القاعدة النهائية التي تُشكِّل أساس هذا البيت هي التعدُّدية. ففي المنزل الواحد يعيش الناس بعضهم مع بعض عن قرب؛ بحيث يعرف الهندوسي والمسيحي المسلمَ والبوذي اللذين يصحون في الفجر للصلاة أو للتأمل. ولسوف تسمع كل جماعة صلوات وعظات وأغنيات وحتى صمت الجماعات الأخرى، وكل جماعة تحترم الحياة الخاصة للجماعات الأخرى، وأحياناً هناك دعوات للدخول واحتفالات مشتركة.
وكذلك فإنَّ كل جماعة تسمع وترى نفاقات الجماعات الأخرى. وكما في كل بيت، فإنَّنا سنرى بعضنا في أحسن حالاتنا وفي أسوأها. ولا يمكن أن نتظاهر بالكمال. وسواء على الصعيد المحلي أو الكوني، فإنَّ البيت يُوفِّر البيئة لكي نفهم بعضنا بعضاً، ليس كأغراب، بل كجيران. وربَّما أدَّى الفهم المشترك إلى تحوُّل مشترك، وذلك عندما يأخذ كل منا يرى العظمة التي ينظر بها جاره إلى نفسه. وفوق ذلك كله، يُوفِّر البيت الإطار الذي يجعلنا نقوم بما تفرضه علينا التزامات أدياننا من أن نتعاون معاً لحل مشاكل عالمنا المشترك.
ولكن هل هذا ممكن في إطار الأديان المتعدِّدة؟ عن هذا السؤال يجيب توماس مرتون (أحد أهم المفكِّرين المؤمنين بالروحية المشتركة للأديان)،
بالإيجاب، وذلك في إطار ملاحظات أعدَّها لمحاضرة قبل وفاته المفاجئة، يقول: "أنا مقتنع بأنَّ التواصل في العمق عبر الخطوط التي كانت حتى الآن تفصلنا دينياً، لم يعد أمراً ممكنا ومرغوباً فيه فحسب، بل هو مهمّ جداً لمصائر رجل القرن العشرين" (1) (هكذا في الأصل).
أمَّا جون ديون - وهو بدوره أحد المبرَّزين في هذا المجال - فيُعبِّر عن اقتناع مماثل، وإن بشكل أكثر تصويراً: "إنَّ رجل الدين في زمننا لا يشبه جواتما أو المسيح أو محمد في قدرته على تأسيس دين عالمي، ولكنَّه يشبه شخصاً مثل غاندي، ينتقل من دينه إلى أديان الآخرين عبر التفهُّم المتعاطِف، ثم يعود وقد اكتسب رؤية جديدة لدينه. وهكذا يبدو أنَّ الذهاب إلى الأديان الأخرى والعودة هو مغامرة هذا العصر الروحية" (2) .
ومثل هذه المغامرة لا تُشكِّل إمكانية جديدة فحسب، بل هي ضرورة جديدة أيضاً. وذلك إذا أردنا أن نكون جيراناً في هذا التنوُّع الديني لقريتنا
الكونية. ولهذه المغامرة تأثير في عبادتنا وتأويلنا لكتبنا المقدَّسة ومواعظنا، وذلك ناجم عن رؤيتنا المشتركة للتجاور ضمن التنوُّع الديني في قريتنا الكونية. والحال أنَّ ما نتحدَّث عنه ذو علاقة مباشرة بالحوار بين الأديان. ولكن السؤال العملي لم نسأله بعد، ناهيك بالإجابة عنه: كيف نمضي بهذا الحوار، وخصوصاً أنَّ ذلك يتطلَّب أن يدخل المرء في تجربة الآخر؟ ولعل
____________________
(1) Thomas Merton, The Asian Journal of Thomas Merton (New York: New ( Direcion, 1973 ), p 313.
(2) John Dunne, The Way of all the Earth (New York: Macmillan , 1972.
التخيُّل الديني يمكن أن يوفِّر باب الدخول إلى قلب عقيدة الآخر. ولقد جرت في السنوات الأخيرة أحاديث كثيرة بين الثيولوجيين وأساتذة الدين حول ضرورة تخيُّل ديني خصب وفاعل. ولقد أدركنا أنَّ نور الوحي يمر بواسطة قناة المخيَّلة؛ بحيث يلعب التخيُّل دوراً حيوياً في وجود كل دين وفي استمراره. فإنْ باتت مخيَّلتنا الدينية باهتة وجافة، لابد من أن تفقد حياتنا الدينية الخاصة - فضلاً عن ممارستنا الدينية المؤسسية - أي معنى حيوي
لها (1) .
ويسع التخيُّل الديني - إضافة إلى أهمِّيته في روحانية الفرد والجماعة - أنْ يُشكِّل نقطة الانطلاق التي نقوم من خلالها بإسقاط أنفسنا في عالم الآخر الديني. ومن أهم الدراسات الأكاديمية والمقنِعة حول الدور المركزي لتخيُّل في محاولة التواصل مع دين وتقليد غريب عنا، هي دراسة دافيد ترايسي بعنوان: "التخيُّل التحليلي" (2) .
اعتبر ترايسي أنَّ الجهد لتأويل نص كلاسيكي، سواء من التراث الديني للفرد أم من تراث الغير، هو في شكل أساسي مماثل تماماً لِما نختبره أمام عمل فني حقيقي. فعند ذلك لابد لنا من أن نغامر بأن
____________________
(1) انظر على سبيل المثال:
ricoeur, Figuring the Sacred: Religion, Narrative and Imagination, David Pellauer, Teans. (Philadelphia: Augsber Fortress, 1995) Paul D.Avis, God and the Creative william Lynch, Images of Faith (London: Routledge,2000) of Nortre Dame Press, 1997), University Dayton Review, Fall, 1980
(2)
وأنظر الفصول التي يمكن عدُّها دليلك لكيفية التحاور مع التقاليد الدينية الأخرى، وهي تُظهر الدور المحوري للتخيُّل في هكذا حوار.
نلعب "لعبة" (1) . لعبة ستكون فيها الحقيقية على المحك؛ حقيقة معرفة واقعنا وآمالنا. لعبة يتعيَّن علينا فيها أن نتخلَّى عن انضباطنا كمثقَّفين، وعن وعينا بذواتنا، وأنْ ندع القياد لمشاعرنا وتخيُّلنا.
لكن ما الذي يمكن أن يبدو أقل جدية وأكثر خصوصية أكثر من الناتج الذاتي للعب؟ بَْيدَ أنَّ فهم ما نختبره فعلياً لدى لعب لعبة ما، قد يُسفر عن نتائج مذهلة. فإذا ما أصررتُ عندما أدخل لعبة على أن أتحكَّم بكل خطوة أخطوها، آنذاك لا أكون ألعب اللعبة نفسها، بل أكون ألعب لعبة أخرى يكون فيها الوعي بالذات هو القاعدة الوحيدة، في حين أنَّ قابليتي لتأثُّر وقدرتي على تجاوز ذاتي هما خطوات ممنوعة. فالذاتية الصرفة ربَّما تكون مسؤولة أحياناً عن عدم القدرة على اللعب، وعلى رفض التفاعل، وعلى استحالة الدخول في أيِّ لعبة، باستثناء الدور الذي رسمه المرء لنفسه. إنَّها اللعبة النرجسية التي يقوم بها المرء بالدور الوحيد، وهو أيضاً المتفرِّج الوحيد. إلاَّ أنَّ الذاتية المحضة لا يمكن أن تحلَّ محل الخبرة الفعلية التي يكتسبها المرء من لعب أي لعبة.
ذلك أنَّ لعب أي لعبة يجعل المرء يفقد الوعي بالذات ومركزيتها. فخلال اللعب يفترض أنْ أفقد نفسي، ولكن ليس في شكل سلبي، بل إنَّني في الحقيقة أكسب نفساً أخرى من خلال سماحي لنفسي بالدخول فعلياً في اللعبة.
____________________
(1) إنَّ دراسة جوهان هويزينغا: Johan Huzinga, Homo Ludens (Boston : Beacon Press, 1955)، هي الدراسة الكلاسيكية الحديثة حول الطبيعة اللعبية للوجود الإنساني. أمَّا غادامر، فهو يستخدم التجربة الفنية لفهم عملية التخيُّل. ومن الجدير بالملاحظة أنَّه في هذا النوع من اللعب، لابد من وجود المشاهد للعب اللعبة.
وبالتالي، فإنِّي أسمح لنفسي بأن تلعب لعبة، فأنتقل إلى القبول بـ "قوانين" اللعبة، وحركتها إلى الأمام وإلى الخلف؛ أي إلى العلاقات الداخلية للعبة نفسها.
وهكذا لا تعود اللعبة موضوعاً لذات واعية بذاتها، بل شكلاً من أشكال الانطلاق العلائقي الناتج من الوجود في العالم، والمختلف عن الوجود العادي غير اللاعب. فأنا في كل لعبة أدخل إلى العالم؛ حيث ألعب في شكل كامل إلى حدٍ أنَّ اللعبة نفسها تلعبني (1) . وفي هذا الإطار، إذا لعبنا لعبة التواصل مع دينٍ آخر، في شكل جدّي، فسوف يقود ذلك إلى تجربة نجد فيها أنفسنا، وقد حصلنا على واقع ربَّما لم نكن ندرك من قبل أنَّه موجود. والحال أنَّ التجربة الدينية الحقيقية تبدو وفقاً لكل الذين خاضوها وكأنَّها شعور ببروز قوة لا يمكن إنكارها. وهي ليست قوة المرء، ولا يُعبَّر عنها بلغة اليقين، بل بلغة الفضيحة والغموض. فالإنسان الديني لا يدَّعي أنَّه امتلك ناصية الحقيقة، بل هو يتحدَّث عن فقدان للضوابط التي كان يملكها، وأنّه يختبر شعوراً بالتحرُّر يوصله إلى حال من عدم الفهم، وإلى غموض فعلي مذهل ومخيف في آن؛ وهذا بالتأكيد هو لب التعبُّد الديني.
____________________
(1) Tracy, The Analogical Imagination حتى ص 113 - 115.
يُشدِّد ترايسي في تحليله لتصرُّفات اللاعبين، وهو تصرُّف - كما يصر غادامر عن حق - مرتبط أنطولوجياً بظاهر اللعبة نفسها، وهي التي تُحدِّد تصرف اللاعبين، وليس الوعي.