علم الكلام ضرورات النهضة ودواعي التجديد

علم الكلام ضرورات النهضة ودواعي التجديد25%

علم الكلام ضرورات النهضة ودواعي التجديد مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 240

  • البداية
  • السابق
  • 240 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32368 / تحميل: 14906
الحجم الحجم الحجم
علم الكلام ضرورات النهضة ودواعي التجديد

علم الكلام ضرورات النهضة ودواعي التجديد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

المسائل من اختصاص علم الكلام الجديد" (١) . ولذا أدرج النعماني في هذا الكتاب مسائل جديدة مثل: حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، والإرث، والحقوق العامة للشعب، بجوار مباحث وجود الباري، والنبوة، والمعاد، والتأويل، وغير المحسوسات، كالملائكة والوحي وغيرها، والعلاقة بين الدين والدنيا.

ثُمَّ صدر في طهران كتاب بعنوان: أربع مقالات: الفلسفة أو الكلام الجديد، تأليف جواد تارا، غير أنَّ مباحث هذا الكتاب لا علاقة لها بعلم الكلام الجديد، وإنَّما يحتوي الكتاب على أربع مقالات، بحث المؤلِّف في الأولى منها مفهوم الوجود، فيما تحدَّث في الثانية عن وحدة الوجود وعلاقة الوجود بالماهية، وفي الثالثة حول الحق والحكم، وفي الأخيرة استعرض الأدلة على عودة الأرواح.

وفي مقدِّمة كتابه "الإسلام يتحدى"، أوضح العالم الهندي المسلم وحيد الدين خان، عام ١٩٤٦م المبرِّرات التي دعته لتأليف كتابه هذا، فشدَّد على ضرورة التحرُّر من منهج علم الكلام القديم؛ لأنَّ "طريقة الكلام وأسلوبه قد تغيَّرا بتغيُّر الزمن، ولذلك علينا أن نأتي بعلم كلام جديد لمواجهة تحدِّي

____________________

(١) شبلي النعماني، علم كلام جديد، ترجمه للفارسية: سيد محمد تقي فخر داعي كيلاني، طهران ١٣٢٩ش، ص ٤٢.

٤١

العصر الحديث" (١) . وقد استطاع وحيد الدين خان وصْل ما بدأه المفكِّر المسلم محمد إقبال من قبل في "تجديد التفكير الديني في الإسلام"، فكان كتابه "الإسلام يتحدَّى" إنجازاً رائداً في تشييد الكلام الجديد، إلاّ أنَّه ظلَّ مهملاً في المشرق الإسلامي، فلم يهتم به الباحثون، مع أنَّه تُرجم إلى العربية ونشر قبل ثلاثين عاماً.

وبعد ذلك بسبعة أعوام أصدر وحيد الدين خان كتابه الكلامي الثاني "الدين في مواجهة العلم" (٢) ، وأردفه بعد فترة بدراسة أعدَّها بعنوان: "نحو علم كلام جديد"، ألقاها في ندوة "تجديد الفكر الإسلامي"، التي عقدتها الجامعة الملِّية الإسلامية بدلهي في ٢٧ ديسمبر ١٩٧٦م (٣) .

أمَّا لدى الباحثين العرب، فقد ذكر مصطلح "الكلام الجديد" الدكتور فهمي جدعان سنة ١٩٧٦م، في كتابه "أسس التقدُّم عند مفكِّري الإسلام في العالم العربي الحديث"، في الفصل الرابع الذي عقده للحديث عن "التوحيد المتحرِّر" ، وبواعث التفكير الكلامي الجديد لدى بعض المفكِّرين المسلمين المحدثين، الذين "راحوا يبحثون عن علم كلام جديد - إنْ أمكن القول - علم

____________________

(١) وحيد الدين خان، الإسلام يتحدّى: مدخل علمي للإيمان، تعريب: ظفر الإسلام خان، مراجعة وتحقيق: د. عبد الصبور شاهين، الكويت، دار البحوث العلمية، ط ٦، ١٩٨١م، ص ٤٢.

(٢) نقل هذا الكتاب إلى العربية نجل المؤلِّف: ظفر الإسلام خان، ونشرته دار الاعتصام بالقاهرة سنة ١٩٧٢م.

(٣) نقل هذه الدراسة إلى العربية نجل المؤلِّف: ظفر الإسلام خان، ونشرتها دار النفائس في بيروت، في كتاب يضمُّ دراسات أخرى للمؤلِّف بعنوان "الإسلام والعصر الحديث" سنة ١٩٨٣م.

٤٢

للكلام يكون للتوحيد فيه وظائف جديدة، ويكون علماً "محرِّراً" للإنسان، وعلماً صافياً من الشوائب والأكدار" (١) .

ويعود استخدام مصطلح "التوحيد المتحرر" إلى المستشرق البريطاني "جيب"، الذي أشار إلى "اللاَّهوت المتحرِّر" ونسبه إلى أحد اللاَّهوتيين الكبار، في سياق حديثه عن الاتجاهات الحديثة في الإسلام، في المحاضرات التي ألقاها في "مؤسَّسة هاسكل لدراسة الأديان المقارنة" في مطلع هذا القرن، ونشرها في ما بعد في كتاب "الاتجاهات الحديثة في الإسلام" (٢) .

وفي إيران ظهر مصطلح "علم الكلام الجديد" مع ترجمة كتاب شبلي النعماني المذكور ونَشْرِه سنة ١٩٥٠م، لكن تبلور اتجاه جديد في التفكير الكلامي تجلَّى بوضوح في آثار العلاَّمة محمد حسين الطباطبائي ، وتلميذه الشهيد الشيخ مرتضى المُطَهَّري . فقد سعى الأخير سعياً حثيثاً لإرساء أسس منهجية لتجديد علم الكلام، وكتب تصوُّرات أولية بشأن تلك الأسس، كما اهتم بترسيم مفهوم علم الكلام الجديد، وتعاطى مع المصطلح في آثاره؛ ففي سياق بحثه لوظيفة علم الكلام، يُحدِّد له المُطَهَّري وظيفتين، تتمثَّل ا لأولى في دحض الشبهات الواردة على أصول الدين وفروعه، والثانية في بيان الأدلة

____________________

(١) د. فهمي جدعان، أسس التقدُّم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، ط ٣، عمَّان - الأردن، دار الشروق، ١٩٨٨م، ص ١٩٥.

(٢) هـ. أ. ر. جيب، الاتجاهات الحديثة في الإسلام، ترجمة: هاشم الحسيني، بيروت، دار مكتبة الحياة، ص ٤١١، ولاحظ أيضاً حول ولادة المصطلح، الصفحات ٨٩، ١٠٢، ١١٠، ١١٣.

٤٣

على الأصول. ثُمَّ يشير إلى أنَّ اقتصار الكلام القديم على هاتين الوظيفتين يعني غيابه عن الشبهات المستجدَّة في عصرنا، فضلاً عن أنَّ الشبهات الماضية أمست بلا موضوع في هذا العصر. كذلك وفَّر التقدُّم العلمي الكثير من الأدلَّة والبراهين الجديدة التي لم يعهدها العقل سابقاً. أضف إلى ذلك، أنَّ الكثير من الأدلة المتداولة بالأمس فقدت قيمتها، من هنا يشدَّد المُطَهَّري على لزوم (تأسيس كلام جديد) (١) .

وفي ضوء هذا لا ينبغي أن تُمنح "براءة" تحديث علم الكلام لرجلٍ واحد؛ لأنَّ روَّاد الإصلاح أسهموا جميعاً في إعادة بناء هذا العلم، فمنهم مَن عمل على تحديث المسائل، وآخر عمل على تحديث المباني، وثالث عمل على تحديث اللغة، ورابع أسهم في كل منها بنصيب.

أزمنة علم الكلام الجديد:

سنشير باختصار إلى الأزمنة التي تكشَّفت لنا بعد استقراء آثار الكلام الجديد. وأمَّا ما نعنيه بالزمن هنا، فهو تلك الفترة التي تتَّسم الآثار الكلامية فيها بسمات مشتركة، تتميَّز بها عن الأعمال السابقة واللاَّحقة. وفي ما يلي بيان هذه الأزمنة:

____________________

(١) مرتضى مطهري، وظايف اصلى ووظايف فعلى حوزه هاى علميه، (الوظائف الأساسية والوظائف الفعلية للحوزات العلمية)، ص ٤٩.

٤٤

١ـ إحياء علم الكلام أو تأسيس المُعْتَقَد على العقل والعلم:

يمكن أن نُؤرِّخ لهذه الفترة بالنصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، حتى نهاية الربع الأول من القرن العشرين. وممَّا تميَّزت به هذه الفترة الدعوة لإحياء علم الكلام؛ ببعث شعاب الإيمان الساكنة في النفوس، عبر التذكير بأصول الدين، والموعظة بوازعه ودافعه، وإيقاظ الفكر من حالة السبات، وإثارة طاقات الحركة، والدعوة لإصلاح الأفكار الفاسدة (١) ، وتطهير وجدان الأمة من الخرافات، وتأكيد دور العقل والعلم بوصفهما رافدين رئيسيين لتغذية المُعْتَقَد.

أمَّا أبرز أعلام هذه الفترة، فهم: السيد جمال الدين الأفغاني ، وتلميذه محمد عبده، و عبد الرحمن الكواكبي ، و شبلي النعماني ، و محمد الطاهر بن عاشور ، و هبة الدين الشهرستاني ، و حسين الجسر ، و محمد جواد البلاغي ، و محمد حسين كاشف الغطاء ،... وغيرهم.

٢ـ تجديد علم الكلام أو التأسيس الفلسفي لعلم الكلام:

تبدأ هذه الفترة بجهود المفكِّر الهندي المسلم محمد إقبال، وخصوصاً محاضراته الست التي ألقاها في مدارس بالهند عام ١٩٢٨م، ثُمَّ أتمَّها بعد ذلك في الله آباد في عليكره، وصدرت في ما بعد في كتابه الشهير "تجديد التفكير

____________________

(١) د. حسن عبد الله الترابي، قضايا التجديد... نحو منهج أصولي، الخرطوم، معهد البحوث والدراسات الاجتماعية، ط ٢، ١٩٩٥م، ص ١٩.

٤٥

ومع أنَّ المسلم أصرَّ على التمسُّك بالإيمان بالله وبوحدانيته، ولم يتخلَّ عن إيمانه، غير أنَّ هذا الإيمان فقد إشعاعه الاجتماعي، وتجرَّد من فاعليته؛ فلم يتجسَّد في نزوع للوحدة والمؤاخاة في حياة المجتمع المسلم، باعتبار أنَّ عقيدة التوحيد تُوحِّد المجتمع، في التصورات، والغايات، والشعور، وأنماط السلوك؛ وإنَّما تعرَّض المجتمع إلى انقسامات شتى، وأمسى جماعاتٍ وفِرقاً متعدِّدة، أهدرتْ الكثير من قدرات الأمة في سجالات أفضت إلى مواقف عدائية، وأقحمت الأمة في حروب أهلية في بعض الفترات. وهكذا يضمحل دور العقيدة حيث تُفرغ من محتواها الاجتماعي، فلا تحول دون اقتتال الأمة الواحدة، كما ولا تكون منبعاً للوحدة.

٤ـ تراجع دور العقل وشيوع التقليد في علم الكلام:

مع أنَّ الكلام والفلسفة كليهما يُصنّف في خانة المعارف العقلية، إلاّ أنَّ هناك فَرقاً شاسعاً في نوع المنهج الذي يتعاطاه المتكلِّم والمنهج الذي يتعاطاه الفيلسوف، فالثاني ينتهج البرهان الذي يرتكز على مسائل مسلَّمة تستند إلى مقدِّمات يقينية، ويرى أنَّ الحقيقة هي ما ينتهي إليه البرهان؛ بمعنى أنَّه ليس هناك حقائق قبلية خارج إطار البحث والبرهان. بينما يتعاطى المتكلِّم منهجاً مختلفاً يبتني على الإيمان بمسلَّمات قبلية، ثُمَّ يستدل عليها بمقدِّمات، قد تكون يقينية وقد تكون غير ذلك؛ لذلك يكون القياس المستعمل في البحث الكلامي جدلياً، أي يعتمد على مقدِّمات تتألَّف من المشهورات والمسلَّمات، بغية

٤٦

إثبات ما هو مسلَّم الثبوت قبلاً. أمَّا القياس المستعمل في البحث الفلسفي، فيكون قياساً برهانياً يعتمد على مقدِّمات يقينية، بغية إثبات الحقيقة، والتي هي ما ينتهي إليه الدليل، لا ما هو مسلَّم قبل الدليل.

إنَّ انتهاج هذا المنهج في الأبحاث الكلامية أدَّى إلى تراجع دور العقل بالتدريج في علم الكلام، وترسُّخ نزعة تقليد أعلام المتكلِّمين في كل مذهب. ومع أنَّ المعروف هو عدم جواز التقليد في أصول الدين، غير أنَّ التمسُّك بآراء الأشعري في أصول الدين مثلاً، شاع بنحو أضحي الدفاع عنها دفاعاً عن الدين، والتفكير خارجها تفكيراً خارج الدين، فجنَّد طائفة واسعة من دارسي الكلام أنفسهم لمحاربة أيَّة محاولة للخروج على فكر الأشعري، ووصموا مثل هذه المحاولات بالابتداع والمروق من الدين.

وهكذا الحال مع غير الأشعري، مع أعلام المتكلِّمين الذين أضحى تقليدهم واقتفاء أثرهم أحد الأعراف المتوارثة في القرون المتأخرة، وأفضى ذلك إلى تعطيل العقل الكلامي، وتوقُّف الإبداع والاجتهاد في علم الكلام.

وهذه هي النتيجة الطبيعية للنهج الذي اختطَّه التفكير الكلامي والذي قاد إلى تقليد رجال المذهب. وحسب تعبير العلاَّمة الطباطبائي: "سيكون الاعتقاد بأصل المسألة متَّكئاً على تقليد رجال المذهب. أمَّا البحث والاستدلال الكلامي، فلا يعدو في نطاق هذا المنهج إلاّ أن يكون ضرباً من ضروب اللهو، أو الرياضة الفكرية، أو اللعب. وسرُّ ذلك أنَّ المنهج البحثي الذي يقوم على افتراض ثبات المدلول أولاً، ثُمَّ يبحث ثانياً عن الدليل الذي يدل على المدلول

٤٧

المفترض، لا يستحق أن يوصف بأكثر من كونه لهواً أو رياضة فكرية أو تلاعباً بالحقائق. إنَّ اعتماد هذا المنهج في البحوث العلمية يشبه من الزاوية العرفية، أن يتَّخذ المرء قراراً إزاء عمل معين، ثُمَّ يبادر بعد ذلك لطلب المشورة" (١) .

ثُمَّ يمضي الطباطبائي في بيان أثر منهج المتكلِّمين في استبعاد العقل واستبداله بإجماع أتباع المذهب، فيقول: "كان فيما ترتَّب من آثار هذا المنهج، أن اتخذ أتباع كل مذهب من المذاهب الإسلامية، إجماع أهل ذلك المذهب على ما هو متداول بينهم من عقائد، حجَّة تكون رديفة للكتاب والسُّـنَّة. وبهذا الترتيب سقطت حُجِّـيَّة العقل - حتى لو كان بديهياً كلياً - عن الاستقلال، ولم تعد له قدرة على الفعل والحركة" (٢) .

أمَّا النتائج السلبية التي خلَّفها منهج المتكلِّمين في الحياة الإسلامية، فتتلخَّص باشتمال المؤلَّفات الكلامية على "نظريات وأقوال يأسف العقل السليم لوجودها" (٣) ، مضافاً إلى "افتراض أهل كل مذهب إجماعات ومسلَّمات مذهبهم من الضروريات، وعليه عدُّوا كل مَن لم يذعن من المسلمين لنظرياتهم ومسلَّماتهم منكراً للضروري ومن المبتدعين" (٤) .

____________________

(١) محمد حسين الطباطبائي، الشيعة. نص الحوار مع المستشرق كوربان، قم، مؤسَّسة أم القرى للتحقيق والنشر، ١٤١٦هـ، ص ٨٢ - ٨٣.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) المصدر نفسه.

٤٨

وبذلك دخل علم الكلام مرحلة السُّبات، وحيل بين العقل المسلم وبين ممارسة النقد، وانطفأ النقاش الحرُّ الذي ساد الحياة العقلية عند المسلمين في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية. ولمَّا يزل الفكر الإسلامي ينوء بتركة تلك المرحلة، ولمَّا تزل سلطة السلف تقمع المبادرات الجادة في تقويم مسار التفكير الإسلامي، والتعرُّف على العناصر المعيقة للعقل المسلم.

وممَّا ينبغي التذكير به هنا، أنَّ قصور علم الكلام التقليدي، وعجزه عن الوفاء بالمقتضيات العقيدية للمسلم، لا يعود فقط إلى ما مرَّ من مشكلات، وإنَّما يُضاف إلى ذلك مشكلات أخرى، غير أنَّ جلَّ هذه المشكلات تتفرَّع من تلك، وإن كانت ربَّما تبدو للوهلة الأولى مستقلة عنها في أثرها.

ومن هذه المشكلات، اعتماد الكلام القديم على الطبيعيات الكلاسيكية، والاستناد إلى معطياتها بوصفها حقائق نهائية، بينما نسخت العلوم الطبيعية الحديثة معظم الأفكار والقوانين التي قامت عليها الطبيعيات بالأمس، وبرهنت الاكتشافات الحديثة لقوانين الطبيعة على أنَّ الكثير من قوانين تلك الطبيعيات وأفكارها أوهام محضة.

كما أنَّ الكلام التقليدي اقتصرت أبحاثه على مجموعة مسائل، ولبث الخَلَف يُكرِّر هذه المسائل ذاتها، ويُفكر في داخلها، حتى تكوَّنت لها حدود صارمة، لم يجرؤ أحد على تخطِّيها، وصار مدلول العقيدة هو تلك المسائل خاصة، واتخذ المتكلِّمون نسقاً محدَّداً في ترتيبها، وظلَّ هذا النسق هو هو في المدوَّنات الكلامية.

٤٩

وقد أدَّى ذلك إلى حجب مباحث هامة في علم الكلام، لعلَّ من أبرزها مبحث الإنسان؛ حيث لم يدرج في مؤلَّفات المتكلِّمين مبحث خاص بالإنسان، يتناول تأصيل موقف نظري يحدِّد موقع الإنسان في سُلَّم المخلوقات؛ أي منزلته وقيمته بالنسبة إلى غيره من المخلوقات، كالملائكة والجنّ وغير ذلك، والهدف من وجوده، وطبيعة وظيفته، وأنماط حياته، وثقافته، وعيشه، وعلاقتها بما يتشكَّل لديه من رؤية كونية، وما يرتبط بذلك من مسائل؛ بينما نجد أنَّ قضية الإنسان تتصدَّر القضايا التي يعالجها القرآن.

على أنَّ أهمية هذه القضية تتنامى مع تطوُّر الحياة الاجتماعية، وشيوع ألوان القهر والاستبداد، وامتهان الإنسان، وإهدار كرامته، وتدجينه على المفاهيم والقيم الرديئة، فما لم نتوفَّر على صياغة رؤية كونية تفصح لنا عن مكانة الإنسان، وتحدِّد نوع علاقته بالدين، وتؤكِّد أنَّ الدين جاء لتكريم الإنسان وترشيده وخدمته، تغدو دعواتنا لتحريره مجرَّد شعارات لا مضمون لها (١) .

عصر إحياء علم الكلام

في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، حدث أوَّل لقاء مباشر بين المسلمين في الشرق والأوربيين، وذلك عندما غزا نابليون مصر سنة ١٧٩٨م، وجلب معه المطبعة، وبعض مقتنيات الحضارة الأوربية الحديثة، فضلاً عن مجموعة من

____________________

(١) المصدر، موجز في أصول الدين، مصدر سابق، ص ٢١ - ٢٥ (مقدِّمة المحقِّق).

٥٠

الخبراء والأكاديميين. ثُمَّ تلا ذلك بعثُ محمد علي باشا لجماعة من الطلاَّب المصريين إلى فرنسا في سنة ١٨٢٦م، وكانت البعثة تضم في البداية اثنين وأربعين دارساً، ثُمَّ تكامل عددها فبلغ ١١٤، بعد أن التحق بهم آخرون، فكانت أكبر بعثة دراسيَّة توفدها مصر إلى أوروبا حينذاك. وقد لعب أفراد هذه البعثة بعد تأهيلهم العلمي دوراً رائداً في بناء الدولة المصرية، غير أنَّ الدور الأهم هو الذي لعبه أحد الأفراد، والذي لم يكن أول الأمر طالباً في البعثة، وإنَّما كان مرشداً أو إماماً دينياً للبعثة، وهو الشيخ رفاعة الطهطاوي، لكنَّه شرع بالدراسة فور وصوله، وتعلَّم اللغة الفرنسية، وكان يهدف إلى ترجمة العلوم إلى العربية. وبعد عودته إلى مصر سنة ١٨٣١، بادر الطهطاوي إلى ترجمة الكثير من الكتب، وبموازاتها كتب رحلته وانطباعاته ووعيه للحضارة الغربية، في كتابه الذائع الصيت "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، ومؤلَّفات غيرها.

لقد كان لترجمات الطهطاوي ومؤلَّفاته، وجهود آخرين تالية لجهوده، أثر حاسم في تدشين عهد جديد للفكر في مصر وما يحيطها من البلاد العربية، وهو العهد الذي تعرَّف فيه المسلمون على شيء من معارف أوروبا وعلومها الجديدة.

وما حدث في مصر سبقه التقاء المسلمين الأتراك بالفكر الأوربي، وقارنه في النصف الأول من القرن التاسع عشر تعرُّف المسلمين في شبه القارة الهندية على أوربا وبعض معارفها، وتلاه اتصال الدولة القاجارية في إيران بها أيضاً.

٥١

ولقد اتسم تعرُّف النخبة في العالم الإسلامي على أوربا آنذاك بالانبهار والذهول، فمثلاً كان السير سيد أحمد خان يدعو المسلمين في الهند للانخراط في الحضارة الغربية، وبغية تحقيق ذلك أصدر مجلَّة "تهذيب الأخلاق"، وهي مجلَّة تهتم بالتبشير بدعوته، كما أنشأ مجمعاً علمياً للترجمة والتأليف والنشر، ومؤسَّسة تعليمية هامة سنة ١٨٧٥م، هي "جامعة عليكره الإسلامية"، كذلك ألَّف عدَّة كتب، من أشهرها تفسيره للقرآن، الذي نحا فيه منحى تأويلياً، واهتم فيه بالتلفيق بين مداليل القرآن والعلوم الحديثة، فقدَّم في هدى هذا المنهج فهماً بديلاً لبعض العقائد، واقترح في كتابه "تبيان الكلام" نظرية جديدة اصطلح عليها بإنسانية الأديان (١) .

لقد أشاعت آراء أحمد خان، ونظراته التأويلية للمفاهيم العقائدية، ودعوته للمذهب الطبيعي، عاصفة من الجدل والمناظرات، أيقظت التفكير الكلامي الساكن، وأقحمت العقل الكلامي في فضاء قلق مضطرب يموج بإشكالات واستفهامات مختلفة، لم يألفها هذا العقل في متون الكلام الكلاسيكية، فانبرى للردِّ على آرائه السيد أكبر حسين الإله آبادي، والسيد جمال الدين الأفغاني، وغيرهم (٢) .

____________________

(١) عبد الجبار، الرفاعي، المقدِّمات التأسيسية للتقريب في المجتمعات الإسلامية: مثال الهند، التوحيد، ع ٦٠ (محرَّم ١٤١٣هـ - تموز ١٩٩٢م)، ص ٩٠ - ٩٦.

(٢) المصدر نفسه، ص ٩٤ - ٩٥.

٥٢

إنَّ آراء أحمد خان وآراء مفكِّرين آخرين ظهروا في تركيا وإيران ومصر والمشرق العربي، عملت على تأجيج قلق عقائدي، مهَّد السبيل لبعث الروح في علم الكلام وإحيائه من جديد، فعادت الحياة لتدبَّ في التفكير الكلامي، وبدأ وعي المتكلِّم يتحرَّر من الحواشي والشروح، التي لبث محتجباً في مداراتها عن العالم مدَّة طويلة.

مفهوم تجديد علم الكلام:

ماذا يعني مصطلح علم الكلام الجديد؟ ومَن هو مجدِّد علم الكلام في هذا العصر؟

حتى هذه اللحظة ما زال هناك نقاش بين المهتمين حول هاتين المسألتين، فقد ذهب بعض إلى أن تجديد علم الكلام لا يعني سوى إلحاق المسائل الجديدة واستيعابها في إطار المنظومة الموروثة لعلم الكلام، فمتى ما انضمت مسائل أخرى لعلم الكلام تجدَّد هذا العلم. فيما ذهب آخرون إلى أنَّ مفهوم تجديد علم الكلام لا يقتصر على ضمِّ مسائل جديدة فحسب، وإنَّما يتَّسع ليشمل التجديد في: المسائل، والهدف، والمناهج، والموضوع، واللغة، والمباني، والهندسة المعرفية (٢) .

____________________

(١) الشيخ جعفر السبحاني، مدخل مسائل جديد در علم كلام (مدخل إلى المسائل الجديدة في علم الكلام)، قم، مؤسَّسة الإمام الصادق، ١٣٧٥ش، ص ٦ - ٨.

(٢) د. أحد فرامرز قراملكي، تحليل مفهوم التجدد في الكلام الجديد، ترجمة: حبيب فيَّاض، مجلَّة المنطلق، ع ١١٩ (خريف وشتاء ١٩٩٧ - ١٩٩٨)، ص ١٨ - ٢٣.

٥٣

فالتحديد في المسائل يعني توالد مسائل جديدة، نتيجة للشبهات المستحدثة، ينجم عنها نمو وتطوُّر علم الكلام نفسه.

أمَّا التجديد في الهدف، فيعني تجاوز الغايات المعروفة لهذا العلم، التي تتلخَّص في الدفاع عن المعتقدات، إلى تحليل حقيقة الإيمان ومجمل التجربة الدينية.

كما أنَّ التجديد في المناهج يعني التحرُّر من المنهج الأحادي، والانفتاح على مناهج متعدِّدة في البحث الكلامي، تشمل المناهج الهرمنيوطيقية [علم تفسير النصوص]، والسيميائية [علم الدلالة]، والتجريبية، والبرهانية، مضافاً إلى ظواهر النصوص، والحقائق التاريخية (١) .

بينما يعني التحوُّل في الموضوع، الخروج من الاهتمام بقضايا وجود الباري وصفاته، والنبوة العامة والخاصة، والمعاد، إلى نطاقٍ واسعٍ يستوعب كافَّة القضايا الموجودة في النصوص المقدَّسة، سواء منها الناظرة إلى الواقع أم الناظرة إلى الأخلاق والقيم (٢) .

أمَّا التجديد في اللغة، فيتحقَّق بالانتقال من لغة المتكلِّمين القديمة، ومعمياتها وألغازها، إلى لغة حديثة تُعبِّر بيسر وسهولة عن المداليل، ويفهمها المخاطب من دون عناء؛ لأنَّها لغة معاملاته وحياته اليومية.

____________________

(١) المصدر نفسه، ص ١٧ - ٢٢.

(٢) مصطفى ملكيان، دفاع عقلائى از دين (الدفاع العقلائي عن الدين)، مجلَّة نقد ونظر، ع ٢ (ربيع ١٣٧٤.ش)، ص ٣٦.

٥٤

وبموازاة ذلك لابدّ من التجديد في المباني، فالمتكلِّم اهتمّ سابقاً بترسيم مبانٍ خاصة في المعرفة، تستند إلى المنطق الأرسطي، وشيء من ميراث الفلسفة اليونانية، وجعلها ممهِّدة للمباحث الكلامية، بينما انهارت بعض تلك المباني حين افتتحت الفلسفة الأوروبية الحديثة ثغرات اخترقت جدار الواقعية الأرسطية، وتزايد الحديث عن واقعيَّات معقَّدة، كالواقعية التخمينية، وتعرُّض المفهوم التقليدي للعقل إلى عاصفة نقدية، استهلَّها الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانط"، واكتست من بعده صياغات متنوِّعة، مستنِدة في ذلك إلى معطيات فلسفة العلم والفيزياء الجديدة. ذلك كله يدعو إلى استئناف النظر في المباني الماضية لعلم الكلام؛ لأنَّ التجديد في المسائل، والموضوع، والهدف، والمناهج، واللغة، يتطلّب تجديداً في المباني.

فإذا طال التجديد جميع الأبعاد السابقة، فإنَّ الهندسة المعرفية لعلم الكلام ستشهد تحديثاً؛ لأنَّ أبعاد كل علم تشكَّل نسيجاً متكاملاً فيما بينها، ويُوحِّدها التأثير المتبادل؛ أي أنَّ أيَّ تحوُّل في أحدها يستتبعه تحوُّل في سائر الأبعاد، وهذا يعني تخلخل المنظومة السابقة للعلم، وحدوث منظومة بديلة، يأخذ فيها كلُّ بُعدٍ من أبعاد العلم موقعه الملائم، ويُعاد نظم المسائل في إطار يتَّسق مع التحوُّلات الجديدة في: المسائل، والغايات، والموضوع، والمناهج واللغة، والمباني، ومعنى ذلك تجديد الهندسة المعرفية لعلم الكلام (١) .

____________________

(١) د. أحد فرامرز قراملكي، تحليل مفهوم التجدُّد في الكلام الجديد، مصدر سابق، ص ٢٢ - ٢٣.

٥٥

الديني في الإسلام"، وتمتدُّ هذه الفترة التي اشتهر فيها كتاب "الظاهرة القرآنية" لمالك بن نبي ، الذي صدر للمرة الأولى باللغة الفرنسية في باريس سنة ١٩٤٦م، ودرس مالك فيه التجربة الدينية، وظاهرة الوحي، والمعجزة، دراسة مبتكرة معمَّقة، وكتاب "الدين: بحوث ممهِّدة لدراسة تاريخ الأديان" لمحمد عبد الله درَّاز، الذي كتبه سنة ١٩٥٢م، وعالج فيه معالجة تحليلية دقيقة الفكرة الدينية من الوجهتين الموضوعية والنفسية، والعلاقة بين الدين والأخلاق والفلسفة وسائر العلوم، ونزعة التديُّن وأصالتها في الفطرة، ونشأة العقيدة الدينية. وبعبارة أخرى، تناول الكثير من مباحث ما يُعرف بفلسفة الدين بأسلوب منهجي تحليلي.

ومن الكتب التي اشتهرت في هذه الفترة كتاب "أصول الفلسفة والمنهج الواقعي" للعلاَّمة محمد حسين الطباطبائي والتعليقات عليه لتلميذه الشيخ مرتضى المُطَهَّري، فقد صدر الجزء الأول سنة ١٩٥٣م. وهذا الكتاب، وإن كان كتاباً فلسفياً، انصبَّ البحث فيه على بيان مسألة المعرفة والإدراك، وتفسير حقيقة المعرفة البشرية، ومصادرها، وحدودها. لكنَّه جاء ليقرِّر جملة من القواعد والمرتكزات الأساسية في الفلسفة الإسلامية، وينطلق منها لمحاكمة الاتجاه التجريبي في الفلسفة الأوربية، والفلسفة المادية، والمادية الديالكتيكية منها بالذات، التي وفدت إلى العالم الإسلامي ساعتئذٍ.

وفي سنة ١٩٥٩م صدر كتاب "فلسفتنا" للمفكِّر الشهيد محمد باقر الصدر ، وهذا الكتاب كسابقه "أصول الفلسفة" يمثِّل محاولة جادة للتأسيس

٥٦

الفلسفي لعلم الكلام، فإنَّه يعالج قضية المعرفة أولاً، ثُمَّ ينطلق منها لتحديد الرؤية الكونية للإسلام.

وقد شهدت هذه الفترة انتقال علم الكلام من طور الإحياء إلى طور التجديد؛ فالإحياء كما مرَّ آنفاً يعني البعث والإيقاظ والإثارة، فيما يعني التجديد إعادة بناء علم الكلام وتطويره؛ أي تكييفه لطور جديد من أطوار التاريخ، يستجيب فيه لمتطلَّبات الحياة المتجدِّدة (١) .

٣ـ التأسيس المنهجي لعلم الكلام:

تبدأ الفترة الثالثة من تطوُّر علم الكلام الجديد بصدور كتاب "الأسس المنطقية للاستقراء" سنة ١٩٧١م، وتستمر حتى اليوم. و السمة المميِّزة لهذه الفترة من عمر التفكير الكلامي، هي حدوث منعطف منهجي في مسار حركة علم الكلام .

فللمرَّة الأولى يتحرَّر التفكير الإسلامي من قوالب المنطق الأرسطي، ويستند إلى منهج الاستقراء القائم على حساب الاحتمالات، بعد أن اكتشف الشهيد الصدر مذهباً جديداً في تفسير نمو المعرفة وتوالدها، غير ما كان معروفاً في المذهبين التجريبي والعقلي، وأسماه "المذهب الذاتي للمعرفة"، وقد

____________________

(١) المصدر نفسه، ص ٢٠.

٥٧

توكَّأ عليه في تدوين "موجز في أصول الدين" الذي جعله مدخلاً لرسالته العملية "الفتاوى الواضحة" (١) .

كما حصل انفتاح في مرحلة لاحقة على مناهج متنوِّعة في البحث الكلامي، فاستعان بعض الباحثين بفلسفة العلم المعاصر في أوروبا، وعمل على توظيف معطياتها في تحليل المعرفة الدينية، وتأكيد تاريخية هذه المعرفة (٢) ، فيما استعان آخرون بالهرمنيوطيقيا "تفسير النصوص"، والسيمياء "علم الدلالة" في تفسير النصوص وتأويل مدلولاتها (٣) . واستعار فريق ثالث مناهج ومعطيات متنوِّعة من العلوم الإنسانية الغربية، والإلهيات المسيحية ودشَّنها بمجموعها في تفسير النصوص، وتحليل التجربة الإيمانية، والمعرفة الدينية، حتى قاد ذلك إلى ما يشبه الفوضى المنهجية التي أفضت إلى نتائج متناقضة في تقرير أيَّة قضية.

____________________

(١) الصدر، موجز في أصول الدين، مصدر سابق، ٤٥ - ٤٧.

(٢) عبد الكريم سروش، قبض وبسط تئوريك شريعت، طهران، صراط، ١٣٧٢ش.

(٣) محمد مجتهد شبستري، هرمنوتيك كتاب وسنت (هرمنيوطيقا الكتاب والسنة)، طرح نو، ١٣٧٥ش.

٥٨

علم الكلام الجديد

قراءة أوَّليَّة

حيدر حب الله *

لعب علم الكلام دوراً رئيساً في المنظومة المعرفيَّة لأيِّ دينٍ، كما أنَّه يحتل مركزاً حسَّاساً فيها، ومن الطبيعي - وفقاً لهذه الموقعيَّة التي يتميَّز بها - أن يمثِّل التنامي أو التغييرات، أو التعديلات الطارئة على هذا العلم، تغيُّراً بنيوياً بالنسبة لكافَّة خطوط الخارطة المعرفية الأخرى.

ومن هنا، قد يكون هناك مجال للتحفُّظ إزاء عمليَّات إعادة النظر أو البناء التي تمارس في نطاق المسائل الفقهية والقانونية، أو المسائل الأخلاقية والتربوية...؛ وذلك بمعزل عن ملاحظة التعديلات التي طرأت وتطرأ، أو التي لابد أن تطرأ على علم الكلام؛ لأنَّ هذا العلم يشتمل على جملة من المبادئ التصديقية للمعارف الأخرى، فلابد أن تكون الانطلاقة من القاعدة وصولاً حتى رأس الهرم، دون العكس؛ إذ هذا ما تقتضيه طبيعة العلاقة بين هذه العلوم والمعارف، وهذا ما يفرض وضع التنمية الشاملة لعلم الكلام في موقعها الصحيح في سلَّم

____________________

* رئيس تحرير مجلَّة المنهاج.

(١) راجع: د. حسن جار، مجلَّة "المنطلق"، ع ١١٩، ص ٥.

٥٩

الأولويات الفكرية والثقافية؛ لأنَّ قضية إعادة ترتيب الأولويات بما يناسب الظروف الثقافية الراهنة، وعدم التقيُّد بالترتيب السابق لهذه الأولويات الذي اقتضته ظروفٌ سابقةٌ مختلفةٌ، تُعدُّ واحدةً من أهمِّ ما ينبغي تحديده للتوصُّل إلى نموٍّ صحيحٍ بدلاً من التورُّط بحالات تورُّم.

ومن هنا نلاحظ أنَّ الظروف - كما تُؤكِّد ذلك أعداد المصنَّفات وأعداد المتكلِّمين والفقهاء - التي فرضت شيئاً من تهميش الكلام لصالح الفقه والأصول منذ القرن التاسع الهجري، والتي ربَّما فرضتها الأوضاع السياسية التي رافقت أو أعقبت ظهور الدولة الصفويّة، وفتحت ميدان السياسة والاجتماع أمام الفقهاء، ما اضطرهم لإثبات حضورٍ قانوني فاعلٍ ساهم - في ظلِّ تسارع وتائر الظروف السياسية وغيرها - في إعطاء أولويةٍ للعقل، شكَّل لدى البعض انحساراً لدور النص، دفعه لثورةٍ على هذا الواقع دفاعاً عن التراث من الضياع، فتعزَّزت بذلك صراعاتٌ واسعةٌ تمركزت في السياق الأصولي والفقهي الأخباري والاجتهادي على حساب المجال الكلامي ونحوه.

هذه الظروف قد تغيَّرت - كما سنلاحظ - وصارت تستدعي اهتماماً مناسباً أكثر - وليس من الضروري أن يكون أكبر نسبياً - بالمسائل الكلامية.

وفي هذا السياق، يأتي مشروع علم الكلام الجديد، والذي جرى ويجري التركيز عليه في المحافل الفكرية والدينية المعاصرة، ولا سيما في العقد الميلادي الأخير؛ إذ يحاول هذا المشروع أن يضع حدَّاً لحالات الركود التي سيطرت على الدراسات الكلامية في القرون الأخيرة، ويعيد بعث النتاج الكلامي من

٦٠

(تخميس)

يحقُّ للراسياتِ الشُمِّ تنصدعُ

لفقدهم وبحورِ العلمِ تُنتزع

واصرخنَّ بصوتٍ ليس ينقطعُ

نذرٌ عليّ لئن عادوا وإن رجعوا

لأزرعنَّ طريقَ الطفِّ ريحانا

٦١

المجلس الخامس

القصيدة: للسيد حسين الموسوي الغريفي

البحراني ت١٠٠١ه

امربعُ الطفِّ ذا أمْ جانبُ الطور

حيّا الحيا منك ربعا غيرَ ممطورِ

كم فيكَ روضةُ قدسٍ اَعبقت اَرجا

كأنها جنةُ الوالدان والحور

يا كربلا حزتِ شأنا دونه زُحلٌ

وفزتِ بالسادة الغرِّ المغاوير

أيجملُ الصبرُ في آلِ النبيّ وهم

جمعٌ قضوا بين مسمومٍ ومنحور

فأيُّ عين عليهم غيرُ باكيةٍ

وأيُّ قلبٍ عليهم غير مفطور

من مُبْلِغُ المصطفى والطهرِ فاطمةٍ

أن الحسين طريح غير مقبور

من مبلغ المرتضى أن الحسينَ لُقىً

سقتْه أيدي المنايا كأسَ تكدير

وإنَّ أعظمَ شيءٍ سَوْقُ نسوتِه

أسرى يُسارُ بها من غير تسيير

وزينب ذات أشجان ومدمعُها

في الخدّ ما بين منظومٍ ومنثور

تبكي وتُظهر مما في ضمائرها

من الأسى في رثاها كلَّ مستور

تقول يا قمراً حاقَ المِحاقَ به

وشمسَ عِزٍّ عراها صرفُ تكوير

سُؤلي غياثي مُغيثي غايتب أملي

ركني عمادي عميدي عصمتي سوري(١)

____________________

(١) - رياض المدح والرثاء ص٦٩٢.

٦٢

(مجردات)

يخويه جيت كون اخبر جنابك

يخويه بالعده نهبوا اطنابك

يخويه الگيتْ بالمنحر اصوابك

يخويه انشلت ايده اشلون صابك

يخويه من سلب منك اثيابك

يخويه ما خجل منّك او هابك

(أبوذية)

حسين الطاعته الباري فرضها

الظالم هشّم اعظامه فرضها

عليه صلّت سيوف الشر فرضها

وهو صابر جرع مُر المنيه

(تخميس)

يا من له فصلُ الخلائقِ صائرُ

وعليه قطبُ رحى الجلالةِ دائر

ومجيبَ دعوةِ من دعاه وناصر

يا ليت في الأحياءِ شخصَك حاضر

وحسينُ مطروحٌ بعرصةش كربلا

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يطيق رؤية الحسنينعليهم‌السلام عطاشى

نقل في المنتخب، عن لوط بن يحيى، عن عبد الله بن قيس، قال: كنت ممن غزى مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في صفين وقد أخذ أبو أيوب الأعور السلمي الماء وحرزه عن الناس، فشكى المسلمون العطش، فأرسل فوارس على كشفه، فانحرفوا خائبين، فضاق صدره فقال له والده الحسينعليه‌السلام : امضي إليه يا أبتاه؟ فقال: امض يا ولدي، فمضى مع فوارس، فهزم أبا أيوب عن الماء، وبنى خيمته، وحط فوارسه، وأتى إلى أبيه وأخبره.

فبكىعليه‌السلام فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ وهذا أول فتح ببركة الحسين، فقال ذكرت أنه سيقتل عطشانا بطف كربلاء حتى ينفر فرسه

٦٣

ويحمحم ويقول: الظليمة الظليمة لأمة قتلت ابن بنت نبيها.

وعن ابن عباس، قال: عطش المسلمون في مدينة الرسول في بعض السنين عطشا شديدا، حتى أنهم عادوا لا يجدون الماء في المدينة، فجاءت فاطمة الزهراءعليها‌السلام بولديها الحسن والحسينعليهم‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: يا أبة ان ابنيَّ الحسن والحسين صغيران لا يتحملان العطش فدعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحسن فأعطاه لسانه حتى روي، ثم دعا بالحسين فأعطاه أيضا لسانه فمصه حتى روي، فلما رويا وضعهما على ركبتيه، وجعل يقبل هذا مرة وهذا أخرى ثم يلثم هذا لثمة وهذا لثمة ثم يضع لسانه الشريف في أفواههما وهو معهما في غبطة ونعمة.

فبينما هو كذلك إذ هبط الأمين جبرئيلعليه‌السلام بالتحية من الرب الجليل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمد ربك يقرؤك السلام، ويقول: ان هذا ولدك الحسن يموت مسموما مظلوما (أي وا إماماه واحسناه)، وهذا ولدك الحسين يموت عطشانا مذبوحا (أي وا إماماه واحسيناه), فقال: يا أخي جبرئيل ومن يفعل ذلك بهما؟ قال: قوم من بني أمية يزعمون أنهم من أمتك، يقتلون أبناء صفوتك، ويشردون ذريتك(١) .

أقول يا رسول الله: أنت لا تحتمل رؤية الحسن والحسين عطاشى فعمدت إلى اروائهم فكيف بك لو نظرت إلى سبطك الحسين عطشانا لا يسقى وظمآنا لا يروى وكيف بك لو نظرت إليه مذبوحا من قفاه قد حمل

____________________

(١) - المنتخب ص١٨٧/١٨٨.

٦٤

رأسه إلى طاغية الكوفة أما جسده فمسلوب عار في صحراء كربلاء والشمس تصهره بحرارتها:

معرّىً في الهجيرةِ لا يُوارى

مخلّىً من بعيدة أو قريب

واين الزهراء التي لا تطيق رؤية الحسين عطشانا كيف بها لو رأته بحالة تقشعر منها الأبدان.

(مجردات)

يبني يريحانة المختار

يحسين يلمثلك فلا صار

اشذنبك يقتلونك الأشرار

تمنيت لن حاضر الكرار

جان اعله شانك رجّ الأقطار

واللي يهيج بالگلب نار

خواتك بگت من غير نغّار

ويقول ابن فايزرحمه‌الله عن لسان الزهراءعليها‌السلام :

(فايزي)

حتى جنينك ذابحينه يا جنيني

يا نور عين المصطفى او يا نور عيني

ليش العداوه بين هلأمة او بيني

الله يجازي من فعل بيك هلافعال

ايحگلي على امصابك لشق يحسين جيبي

وابدمك يسبط المصطفى لَخْضب الشيبي

جيتك امن الجنه اشوفك يا حبيبي

الله ياخذلي ابحقي من هل أنذال

٦٥

يحسين گلي وين ابو فاضل اشوفه

گلها بعد مثلي او مگطوعه اچفوفه

گطعوا يمينه معْ شماله هَل الكوفة

خلّوا عَفيره جثته من فوگ الرمال

(تخميس)

قومي اندُبي بين أهلِ الأرض عصمتَها

بعَوْلةٍ تسمع الأملاكُ جلبتها

قومي لرأسٍ هُدي أهدوه صعدتها

وجثة أبلتِ الأيامُ جِدّتَها

وغيّرتْها الليالي أيَّ تغيير

٦٦

المجلس السادس

القصيدة: للسيد ميرزا صالح القزويني الحلي الهنداوي

ت ١٣٩٧ه

وقائلةٌ ماذا القعودُ وفي الحشا

تهلبُ نارٍ جمرها قد تسعّرا

فقم أنت واضربْ بالحسام وبالقنا

وقُدها أسودا واملأِ الأرضَ عَثيرا

فقلت لها والدمع منها كأنه

سحائبَ فوقَ الوجنينِ تحدّرا

فو اللهِ لا انجزتُ للصحبِ موعدي

ولا أنا جرّدت الحسامَ المذكّرا

ولا عرقتْ بي عصبةٌ هاشميةٌ

أسودٌ بيوم الرَوْعِ والخطبُ قدعوا

هم الموقِدون النارَ للحرب في الضحى

كما أوقدوها في دجى الليل للقِرى

فكم لهمُ من طعنة يَسبق القضا

مداها وكم من ضربةٍ تَقصمُ العُرى

إلى أنْ دهى ما اعقبَ الدينَ وقعُه

أسىً وجرى حكمُ القضاءِ بما جرى

تداعوا إلى ورد المنون كأنهم

بدور تغشّاها الخسوف فغيّرا

بنفسي وآبائي نفوسا قضتْ على

ظلماً ونداها مد مجراه أبحرا

بنفسي وآبائي نفوسا أبَتْ لها

جفونٌ بدار الذُلّ أنْ تَقبلَ الكرى

بنفسي رؤوسا فوق شاهقةِ القنا

تُعلى فينحطّ العلى واهلي الذرا

وأعظمُ خطبٍ لو يُصادفه الصفا

لذاب أسىً من وقعِه وتفجرا

٦٧

عقائلُ آلِ اللهِ تستاقها العدا

على هُزّلٍ قد انحلتها يد السرى

ترى فوق أطراف القنا لحماتها

رؤوسا كامثال الكواكب نضّرا

وترنوا إلى أجسادها في ربى الثرى

نُبِذْنَ على رغم المكارم بالعرا(١)

(نصاري)

هاي الما تعرف السير والبيد

او ما تدري عدوها اليوم شيريد

ظلت بس تعيد النوح ترديد

مشت واعيونها اعله احسين تنظر

مشوا بيها العده الكوفة الكرار

او راس احسين عالي اعله الرمح صار

او من طبت او وصلت ذيچ الاديار

اجتها الناس واعليها اتفكر

غدت متحيره واتدير بالعين

لا عباس ظل عدها ولا احسين

مبتليه ابغدّر ناس نذلين

عليها ما تحن ساعه او تنغر

(أبوذية)

متدري اشكثر يبني على البل

دليل او هاذي ما چانت على البل

عگب ذاك الخدر اطلع على البل

وعگب عباس يحدي الشمر بيه

وصايا الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام إلى زوار الحسينعليه‌السلام

عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام أحدثه فدخل عليه ابنه فقال له: مرحبا وضعمه وقبله، وقال: حقر الله من حقركم، وانتقم ممن وتركم، وخذلكم، ولعن الله من قتلكم، وكان الله لكم وليا وحافظا وناصرا فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء.

____________________

(١) - البابليات ج٢، ص١٤٩.

٦٨

ثم بكى وقال: يا أبا بصير أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة؟ فبكيت حين قالها، فما قدرت على النطق، وما قدرت على كلامي من البكاء ثم قام إلى المصلى يدعو، وخرجت من عنده على تلك الحال، فما انتفعت بطعام وما جاءني النوم، وأصبحت صائما وَجِلاً حتى أتيته، فلما رأيته قد سكن سكنت، وحمدت الله حيث لم ينزل بي عقوبة.

وعن عبد الملك بن مقرن عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا زرتم أبا عبد اللهعليه‌السلام فالزموا الصمت إلا من خير، وان ملائكة الليل والنهار من الحفظة تحضر الملائكة الذين بالحائر، فتصافحهم فلا يجيبونها من شدة البكاء، فينتظرونهم حتى تزول الشمس، وحتى ينوّر الفجر، ثم يكلمونهم ويسألونهم عن أشياء من أمر السماء، فأما ما بين هذين الوقتين فانهم لا ينطقون ولا يفترون عن البكاء والدعاء.

وعن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أيضا: أن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة.

أقول وكيف لا تبكي ملائكة السماء وهم ينظرون إلى الحسين والشمر جالس على صدره.

لهفي له والشمرُ يقطعُ رأسَه

وخيولُهم تجري على أعضائهِ

والمـُهرُ يندبه ويَلِثمُ نحرَه

ويقول عاري السرجِ في بيدائه

قُتِلَ الحسينُ وهُتّكت نسوانُه

وغدا يُباح المحتمى بحمائه

(نصاري)

هون فوگه يشمن دم الجروح

لِگنَّه ايعالج او محتار بالروح

٦٩

بچت زينب او دمع العين مسفوح

تگله ياهو الوصّيته بيّه

بچت زينب او نادتَّه يمهيوب

دگلي هليتامه اتروح يا صوب

يخويه ليش عفتونه فرد نوب

او رحتوا بالطبگ يهل الحميه

وأقول أيضا: وكيف لا تبكي ملائكة السماء وقد طيف برأس ابن فاطمة والنساء من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بلد إلى بلد.

(أبوذية)

سلتني كربله يا بوي والشام

او هوه الدنيه علينه انگطع والشام

وجهي من سنا النيران وشّام

او ما تدري السده والصار بيه

(تخميس)

غدت ربةُ الاخدار ولهى اسيرةً

تَقاذَفُها البيدا ضُحىً وهجيرةً

وتهتف بالحامي الجوارِ عشيرةً

اترضى وأنت الثاقبُ العزمِ غيرةً

يلاحظُها حسرى القناعِ يزيد

٧٠

المجلس السابع

القصيدة: للشيخ حسن النجفي

لمصاب الحسين زاد شجوني

فاعذلوني إن شئتموا فاعذلوني

كيف لا أندُبُ الحسينَ بجفنٍ

مقرَحٍ بالبكا وقلبٍ حنين

لهفَ قلبي عليه وهو جديلٌ

فوق وجه الصعيدِ دامي الجبين

يتلضّى من الصدى وعلى الخدّ

جواري عيونِه كالعيون

لست أنساه بالطفوف فريدا

منشِدا من لواعج وشجون

ليت شعري لأي ذنبٍ ويا ليت

على أيِّ بدعةٍ يقتلوني

ان يكن قد جهلتموا الفضلَ منا

فاسئلوا محكمَ الكتابِ المبين

والدي أشرف الورى بعد جدي

وأخي أصلُ كلِ فضلٍ ودين

والبتولُ الزهراءُ أميْ وعمّيْ

ذوالجناحينِ صاحبُ التمكين

وينادي يا أمَّ كلثومَ قومي

قبل تفريق شمِلنا ودِّعيني

واذرفي دمعَكِ المصونَ على الخدِّ

ونوحي عليَّ ثم اندبيني

وإذا ما رأيتِ مقتلولَ ظلمٍ

منعوه عن حقِّه فاذكريني

لهفَ قلبي لزينبٍ وهيَ تبكي

وتنادي من قلبها المحزون

يا أخي يا مؤمَّلي يا رجائي

يا مُنائي يا مسعدي يا معيني

٧١

كنتَ أمنا للخائقين ويُمنا

للبرايا في كل وقت وحين

يا هلالا لما استتمَّ ضياءً

غيّبته بالطف أيدي المنون

ليت عينيكَ يا شقيقيْ ترانا

حاسراتٍ من بعد خدرٍ مصون

سافراتِ الوجوهِ مهتكاتٍ

بين عبدٍ فاغٍ ووغدٍ لعين(١)

(مجردات)

بعدك تراهو الدهر ذبني

واعله العين يا خويه سطرني

والسوط هلورمه المتني

وحچي الشماته اللي كتلني

و امصايبك خويه عمنّي

(مجردات)

حرمه او غريبه ابين ظلام

و امحنه ابنسوان وايتام

ما چنت احسّب لن الأيام

ابيسر امشي الديرة الشام

لا يزوك... إلا الصديقون من أمتي

قال في كامل الزيارة بسنده عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل الحسين جذبه إليه ثم يقول لأمير المؤمنينعليه‌السلام

____________________

(١) - المنتخب ص٤١٣: لقد ذكر الشيخ الطريحيرحمه‌الله أن هذه القصيدة هي للشيخ حسن النجفي وقد فتشت في كتب التراجم والأدب فلم أعثر على ترجمة لهذا الشاعر، نعم ان الخاقانيرحمه‌الله ذكر في موسوعته شعراء الغري ج٣ شاعر بهذا الاسم إلا انه من معاصري السيد مهدي بحر العلوم ومن المعلوم ان الطريحي سابق لعصر السيد بحر العلوم بأثر من مائة سنة لهذا فان حسن النجفي الشاعر المذكور في المنتخب مجهول الحال ولعل تصحيفا او خطأ ما قد وقع والله العالم.

٧٢

امسكه ثم يقع عليه فيقبله ويبكي فيقول الحسين: يا أبه لم تبكي؟ فيقول له: يا بني اقبل موضع السيوف منك وأبكي، قال: يا أبة واقتل؟ قال: أي والله وأبوك وأخوك وأنت قال: يا أبة فمصارعنا شتى - أي كل واحد منا يدفن في ناحية -؟ قال نعم يا بني قال: من يزورنا من أمتك؟ قال لا يزور أباك وأخاك وأنت إلا الصديقون من أمتي(١) .

فبكى الحسينُ وقال رزئي فادحٌ

فتصارخوا أهلُ العَبا لبكائِهِ

قال الحسينُ وحقَّ مَن خلق الورى

طرّا وسقّفَ أرضَه بسمائه

لا أدخلُ الجناتِ حتى يدخلوا

واللهُ يهدي من يشا بهدائه

وفيه عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال: كان الحسينعليه‌السلام مع أمه تحمله فأخذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لعن الله قاتليك ولعن الله سالبيك ولعن الله المتأزرين عليك وحكم الله بيني وبين من أعان عليك.

فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا أبه أي شيء تقول؟ قال: يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل وكأني أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم يا أبة وأين هذا الموضع الذي تصف؟

قال: موضع يقال له كربلاء وهي ذات كرب وبلاء علينا وعلى الأمة يخرج عليهم شرار أمتي قالت: يا أبة فيقتل؟

قال: نعم يا بنتاه ما قتل قبله أحد كان تبكيه السموات والأرض

____________________

(١) - مقتل الحسين ص٤٨ بحر العلوم.

٧٣

والملائكة والوحوش والحيتان في البحار والجبال لو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفس وتأتيه قوم من محبينا ليس على الأرض أعلم بالله ولا أقول بحقنا منهم وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم وأولئك مصابيح في ظلمات الجور وهم الشفعاء وهم واردون حوضي غدا أعرفهم إذا وردوا عليّ بسيماهم وأهل كل دين يطلبون أئمتهم وهم يطلبوننا ولا يطلبون غيرنا(١) .

قالت بأيّ الأرضِ يُقطع رأسُه

وبأيّ شهر كان كونُ فِنائِه

قال النبيُّ يكون ذا بمحرم

في يوم عاشورا شنيعُ نعائه

ويكون مصرعُه المهولُ بكربلا

ومصارعُ الأنصارِ في صحرائه

فبكت وقالت واشماتةَ حاسدي

واصفوةَ الجبار من خلصائِه

من ذا يغسله ويحمل نعشَه

من ذا يواري جسمَه بثرائه

من يكفل الأيتامَ بعد وفاتِه

من ذا يقيم مآتما لعزائه

وكأني بالزهراءعليها‌السلام :

(مجردات) (٢)

ما چنت أظن ايموت عطشان

او محّد يشيله امن آل عدنان

او تلعب عليه الخيل ميدان

او راسه يرفعونه على اسنان

او تبگه الحريم ابغير وليان

وكأني برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجيبها:

____________________

(١) - مقتل الحسين ص٤٨/٤٩ بحر العلوم.

(٢) - للمؤلف.

٧٤

(مجردات) (١)

يگلها يبويه او دمعه غدران

الشيعه تدفنه ابَّچي او أحزان

او تلطم عليه شيب او شبان

(أبوذية)

عليّه حگ ولايتكم لهبها

وأنه روحي لبو اليمه لهبها

ابگلبي نارك اليسعر لهبها

او عله امصابك أون يبن الزجيه

***

فأتى الأمينُ إلى الأمينِ يقول قد

اوحى إلهُ العرشِ في أنحائِهِ

أن قلْ لسيدةِ النساءِ بأنني

اُنشي كراما شيعةً لعزائه

____________________

(١) - للمؤلف.

٧٥

المجلس الثامن

القصيدة: للشخ حسين بن علي بن حسن

البلادي القديحي ت١٣٨٧ه

أيُّ خطبٍ عرى البتولَ وطه

ونحى أعينَ الهدى فعماها

أي خطبٍ أبكى النبيينَ جميعا

وله الأوصياءُ عزَّ عزاها

أي خطب أكبى الملائكَ طرّاً

وقلوبُ الإيمانِ شبّتْ لظاها

ذاك خطبُ الحسينِ أعظمْ بخطبٍ

صيّر الكائناتِ يجري دماها

لست أنساه في ثرى الطفِ أضحى

في رجالٍ إلُهها زكّاها

نزلوا مترلا على الماءِ لكنْ

لم يبلُّوا عن الضَرامِ شِفاها

تركوهمْ على الرغامِ ثلاثا

جثّما غُسلُها فيوضُ دماها

قد أحاكت لها السوافي ثابا

نسجت للورى ثيابَ جواها

وبنفسي فردَ الحقيقةِ أضحى

مُفرَدا حلّقت عليه عداها

وأبيه لولا أحبَّ لقاه

ربُّه ما ثوى بحرِّ رُباها

عاريا صلّتِ السيوفُ عليه

فاغتدى مسجَدا لبيض ضباها

غسلته السيوف ماءً طهورا

كفنته الرياحُ سافي ذراها

شيّعتْ نعشَه الرماحُ وأمسى

قبرُه في قلوب مَن والاها(١)

____________________

(١) - رياض المدح والرثاء ص١٦٣.

٧٦

(نصاري)

يا شيال راس احسين رد بيه

لوين اتريد عن جسمه تودّيه

نريد الراس يم جسمه نخلّيه

او ندفنه لا يضل جسمه امجسم

يا شيال راس احسين ردّه

لوين اتريد عن جسمه تبعده

لون ايشوف حاله اليوم جده

بجه اعلى امصيبته ابدال الدمع دم

(أبوذية)

الماتم بس إلك يحسين ينصاب

او دِمَه ابيومك ابدال الدمع ينصاب

يريت الصوّبك بالگلب ينصاب

او تدوس الخيل صدره اعله الوطيه

(تخميس)

عن فاطمٍ قتلُ ابنِها متفرِّعُ

وبسقطِها بالطفِ أودتْ رُضّعُ

وبسيل أدمعِها اُسيلتْ أدمعُ

وبكسر ذاك الضلعِ رُضّتْ أضلعُ

في طيِّها سرُّ الإلهِ مصونُ

جبرئيلعليه‌السلام يخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسنينعليهم‌السلام

روي عن السيدة أم سلمة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت: دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم ودخل في اثره الحسن والحسينعليه‌السلام وجلسا إلى جانبيه فأخذ الحسن على ركبته اليمنى والحسين على ركبته اليسرى وجعل يقبل هذا تارة وهذا أخرى وإذا بجرئيل قد نزل وقال: يا رسول الله انك لتحب الحسن والحسين، فقال وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا وقرتا عيني فقال جبرئيل يا نبي الله ان الله قد حكم عليهما بأمر فاصبر له فقال: وما هو يا أخي؟ فقال: قد حكم على هذا الحسن أن يموت مسموما وعلى هذا الحسين

٧٧

أن يموت مذبوحا وأن لكل نبي دعوة مستجابة فإن شئت كانت دعوتك لولديك الحسن والحسينعليهم‌السلام فادع الله أن يسلمهما من السم والقتل وان شئت كانت مصيبتهما ذخيرة في شفاعتك للعصاة من أمتك يوم القيامة، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أخي جبرئيل أنا راض بحكم ربي لا أريد إلا ما يريده وقد أحببت أن تكون دعوتي ذخيرة لشفاعتي في العصاة من امتي ويقضي الله في ولدي ما يشاء(١) .

وروي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ذات يوم جالسا وحوله علي وفاطمة الحسن والحسينعليهم‌السلام فقال لهم: يا أهل بيتي كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى فقال له الحسينعليه‌السلام يا جد نموت موتا أو نقتل قتلا؟ قال: يا بني يا تقتلون ظلما وعدوانا وتشرد ذراريكم في الأرض شرقا وغربا.

ولله در القاتل:

لا تأمنِ الدهرَ إن الدهرَ ذو غِيَرٍ

وذو لسانينِ في الدنيا ووجهينِ

أختى على عترةِ الهادي فشتتهم

فما ترى جامعا منهم بشخصين

بعض بطيبةَ مدفونٌ وبعضُهمُ

في كربلاءَ وبعض في الغريَين

وأرضُ طوسٍ وسامرا وقد ضمنت

بغدادُ بدرين حلّا وسطَ قبرين

فقال الحسين: ومن يقتلنا يا جد؟ فقال: يقتلكم أشرار الناس قال: فهل يزورنا بعد قتلنا أحد من أمتك؟ فقال: نعم طائفة من أمتي يزورون قبوركم ويبكون عليكم ويندبون وينوحون حزنا على مصابكم يريدون بذلك برِّي

____________________

(١) - المنتخب ص٨٥.

٧٨

وصلتي(١) .

يا سادتي ألِمَنْ أنعى أسىً ولمن

أبكي بجفنَينِ من عينَيّ قريحين

أبكي على الحسن المسمومِ مضطهدا

أم للحسين لُقىً بين الخميسين

أبكي عليه خضيبَ الشيبِ من دمه

معفرَ الخدِّ محزوزَ الوريدين

(مجردات)

وين الذي الهاشم يصلها

بحسين يخبرها او يگلها

بالطف بگه اشبيح النبلها

او حريمه احرگت كوفان ظلها

سبيات ما واحد يجلها

ذليلات محَّد يرحم الها

اعرضوهن على البلدان كلها

مصيبه فلا صارت مثلها

(أبوذية)

صدك زينب يبو الحسنين تنساب

عگب عزها يحامي الجار تنساب

هاي ام الحزن بالحسب تنساب

الجدها المصطفى سيد البريه

(تخميس)

فاوقفها مثل الأما في ابتياعها

وابرزها تُخمى بضوِّ شعاعِها

وجرَّعها الأوغادُ ذُلَّ سماعِها

بسب أبيها عند سلبِ قناعِها

ولا ستر إلا ساعدٌ وزنودُ

____________________

(١) - المصدر السابق ص٨٥.

٧٩

المجلس التاسع

القصيدة: للشيخ هادي كاشف العطاء

ت١٣٦٠ه

ربعٌ محى الحدثانِ رسَمه

أجرى عليه الدهرُ حكمَهْ

أوحشتَ يا ربعَ الهدى

ولبستَ بعد النورِ ظلمه

ولقد أشابت لُمّتي

نوبٌ تشيب كلَّ لُمّه

يوم أبيُّ الضيمِ فيه

اُبى المذلّةَ والمذمّه

وسقى الثرى بدم العدوّ

واطعم العقبانَ لحمه

وافى لعرصة كربلا

من هاشم في خير غِلْمه

أقمارِ تمٍّ أسفرت

بدجى الخطوبِ المدلهمّه

وليوثِ حربٍ صيرّت

سمرَ العوالي اللُدن أجمه

حتى إذا نزل القضا

ء واَنفذَ المقدورُ حتمه

نهبتهمُ بيضُ الضبا

وتقاسمتهم أيَّ قسمه

يا صدمةَ الدينِ التي

ما مثلُها للدين صدمه

هدّمتِ أركانَ الهدى

وثلمتِ في الإسلام ثلمه

قتل الإمامُ ابنُ الإما

مِ أخو الإمامِ أو الأئمه

ما ذاق طعمَ الماءِ حتى

صار للأسياف طُعمه

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240