وبذلك دخل علم الكلام مرحلة السُّبات، وحيل بين العقل المسلم وبين ممارسة النقد، وانطفأ النقاش الحرُّ الذي ساد الحياة العقلية عند المسلمين في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية. ولمَّا يزل الفكر الإسلامي ينوء بتركة تلك المرحلة، ولمَّا تزل سلطة السلف تقمع المبادرات الجادة في تقويم مسار التفكير الإسلامي، والتعرُّف على العناصر المعيقة للعقل المسلم.
وممَّا ينبغي التذكير به هنا، أنَّ قصور علم الكلام التقليدي، وعجزه عن الوفاء بالمقتضيات العقيدية للمسلم، لا يعود فقط إلى ما مرَّ من مشكلات، وإنَّما يُضاف إلى ذلك مشكلات أخرى، غير أنَّ جلَّ هذه المشكلات تتفرَّع من تلك، وإن كانت ربَّما تبدو للوهلة الأولى مستقلة عنها في أثرها.
ومن هذه المشكلات، اعتماد الكلام القديم على الطبيعيات الكلاسيكية، والاستناد إلى معطياتها بوصفها حقائق نهائية، بينما نسخت العلوم الطبيعية الحديثة معظم الأفكار والقوانين التي قامت عليها الطبيعيات بالأمس، وبرهنت الاكتشافات الحديثة لقوانين الطبيعة على أنَّ الكثير من قوانين تلك الطبيعيات وأفكارها أوهام محضة.
كما أنَّ الكلام التقليدي اقتصرت أبحاثه على مجموعة مسائل، ولبث الخَلَف يُكرِّر هذه المسائل ذاتها، ويُفكر في داخلها، حتى تكوَّنت لها حدود صارمة، لم يجرؤ أحد على تخطِّيها، وصار مدلول العقيدة هو تلك المسائل خاصة، واتخذ المتكلِّمون نسقاً محدَّداً في ترتيبها، وظلَّ هذا النسق هو هو في المدوَّنات الكلامية.