علم الكلام ضرورات النهضة ودواعي التجديد

مؤلف: تصدر عن مجلة الحياة الطيبة
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 240
مؤلف: تصدر عن مجلة الحياة الطيبة
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 240
علم الكلام
ضرورات النهضة ودواعي التجديد
بسم الله الرحمن الرحيم
الفهرس
المقدِّمة ٧
الفصل الأوَّل .١٧
علم الكلام الجديد .١٩
علم الكلام الجديد .٥٩
الفصل الثاني .٩٤
سبيل الله الواحد أم سُبُله المتعدِّدة ٩٦
نظرة إلى التعدُّدية في الأديان .١٣٠
دور الخيال في التعدُّدية الدينية ١٦٥
الفصل الثالث ..١٨٩
التقييم الكلامي للحداثة ١٩١
حوار الإسلام والحداثة ٢١٩
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ربَّما يمكن القول بأنَّ الآية الأولى التي نزلت على محمد (صلَّى الله عليه وآله)، كانت اللُّبنة الأولى في بناء صرح علمٍ عُرف - بعد أن شُيِّدت أركانه - بـ: علم الكلام. ولا يبدو أنَّ في هذه الدعاوى مبالغةً أو إغراقاً؛ فقد عَرَّف المتكلِّمون علمهم بأنَّه العلم الذي يبحث "عن الله وصفاته وأفعاله" . ودعوى النبي (صلَّى الله عليه وآله) للنبوة تتضمَّن دعوى أخرى، هي: وجود كائن أسمى من عالم المادة، له صفات جمالية وكمالية؛ منها: صفة الهادي، اقتضت أنْ يستنقذ مخلوقاته من تيه الضلالة، وينقلهم إلى شاطئ الحق، فاختار لهم رسولاً من أنفسهم، يُزكِّيهم ويُعلِّمهم الكتاب والحكمة. وما هذه الدعاوى - مقرونة بالبرهان والبحث والنقاش - إلاّ بداية لعلم الكلام، وموضوعاً له.
وقد لاقت دعوة الإسلام نفوساً عطشى للهداية، وأقربَ ما تكون إلى الفطرة، فكانت تُربة صالحة لنمو غراس العقيدة؛ ما لم يفسح المجال لتطوُّر الجدل حول تلك المعتقدات في تلك الفترة من عمر الدعوة الإسلامية. و الأمر الآخر هو أنَّ ثقل حضور النبي (صلَّى الله عليه وآله) ألقى بظلِّه على تلك المعتقدات، فأغناها عن الاستدلال؛ حيث كان له (صلَّى الله عليه وآله) من الأثر في نفوس أتباعه أنَّه كان يأمر
فيطاع، ويُصدَّق دون مطالبة بالدليل في كثير من الأحيان. ولم يكن الجدل حول العقيدة الإسلامية إلاّ مع الآخر من أهل الأديان الأخرى، أو مع المشركين. وقد استجاب القرآن لهم، وحاورهم حول أهمِّ أصول الإسلام وأركانه، بل قرَّر أرقى الآداب المطلوب مراعاتها في المحاورة: (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١) إلى غير ذلك ممَّا تزخر به آي القرآن من آداب الحوار وضوابطه.
وما أن انتقل الرسول (صلَّى الله عليه وآله) إلى جوار ربِّه، حتى دبَّ الخلاف بين المسلمين. وأبرز ما اختلفوا فيه هو الإمامة ؛ ومن هنا يرى بعض الباحثين أنَّ الخلفيَّة الأولى لعلم الكلام هي خلفية سياسية، مُطعَّمة في بعض الأحيان بألوان دينية (٢) . ويدعم وجهة النظر هذه ارتباط كثير من مسائل علم الكلام بالسياسة، أو على الأقل ربطها المتأخِّر بها، ومن ذلك مسألة القضاء والقدر وربطها بمصدر السلطة؛ حيث يُدَّعى أنَّ نظرية الجبر وخلق الله لأفعال الإنسان تخدم السلطة السياسية، وتُوجِد لها مبرِّراً شرعياً لكل ما تمارسه على المحكومين. وكذلك مسألة خلق القرآن التي أرادها المأمون حجة للنيل من خصومه السياسيين، وهم الفقهاء وأهل الحديث، إلى غير ذلك ممَّا يحتاج إلى بحث مستقل ليس هذا مجاله.
وسواء صَدَقَت هذه التحليلات أم لم تصدق،
____________________
(١) العنكبوت: ٤٦.
(٢) الموسوعة الفلسفية العربية، مادة: كلام.
فإنَّ علم الكلام وُلد في ظل هذه الظروف والأجواء، ومع القرون الأولى للإسلام. وكان - كما يبدو للمنصِف - وليد البيئة الإسلامية، ومستجيباً لحاجات داخلية، اقتضتها طبيعة الحياة الدينية الإسلامية وظروفها.
موضوع علم الكلام وغاياته
وقد اختار علماء الكلام البحث عن الذات الإلهية، وما يتعلق بها من صفات وأفعال، موضوعاً لعلمهم. واختاروا الدفاع عن الدين، وردِّ الشُّبهات الواردة على أصول الدين ومفرداته الاعتقادية، غايةً لهم وهدفاً.
يقول ابن خلدون مُعرِّفاً علم الكلام: "هو علم يتضمَّن الحِجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والردَّ على المبتدِعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السُّـنَّة" (١) . وفي مورد آخر يقول - مبيِّناً موضوع علم الكلام -: "فموضوع علم الكلام، عند أهله، إنَّما هو العقائد الإيمانية، بعد فرضها صحيحة من الشرع؛ من حيث يمكن أن يُستدل عليها بالأدلة العقلية، فترفع البدع وتزول الشكوك والشُّبه عن تلك العقائد" (٢) .
وتجد هذا الوعي لموضوع علم الكلام في كثير من عبارات المتكلِّمين، المتقدِّمين منهم والمتأخرين. ولكن طُرح مُؤخَّراً رأي يفترض أنَّ علم الكلام علم لا موضوع له، حيث إنَّ الهمَّ الأول للمتكلِّمين هو الدفاع عن الدين؛
____________________
(١) ابن خلدون، المقدِّمة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ص ٤٥٨.
(٢) المصدر نفسه، ص ٤٦٦.
وبالتالي معالجة الشُّبهات الواردة عليه. وينتج عن هذا، أنَّ هذه الشبهات هي موضوعه، ومن الطبيعي أنَّها ليست ثابتة، بل هي كل يوم بلبوس
جديد. وقد نُوقش هذا الرأي من قبل بعض الباحثين، ولا مجال للتفصيل.
تطوُّر علم الكلام عِبر التاريخ
عرف تاريخ علم الكلام فترات ازدهار وفترات ركود؛ نتجت في بعض الأحيان عن التشكيك في مدى مشروعية البحث الكلامي، حيث رأى بعض الفقهاء في البحث الكلامي فتحاً لباب البدعة، ودخولاً في ما لا ينبغي الدخول فيه، فيُنقل عن مالك بن أنس قوله: "... أهل البدع الذين يتكلَّمون في أسماء الله وصفاته، ولا يسكتون عمَّا سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان" (١) .
وفي نصٍّ آخر عن الشافعي يقول فيه: "لقد أطَّلعتُ من أهل الكلام على شيء ما توهَّمتُه قط، ولأن يُبتلي المرء بجميع ما نهى الله عنه سوى الشرك؛ خيرٌ من أن يُبتلى بالكلام" (٢) .
____________________
(١) جلال الدين السيوطي، صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام، ص ٩٦.
(٢) فخر الدين الرازي، مناقب الإمام الشافعي، مخطوطة في مكتبة الأزهر، تحت رقم ٣٩٣٦، ورقة ٦٥.
هذا ورغم التشكيك في علم الكلام ومشروعيته، نما هذا العلم وتشكَّلت مدارسه واتجاهاته، وكان يحتضن، كما غيره من العلوم، بعض السلبيات وكثيراً من الإيجابيات.
وأهمُّ السلبيَّات التي تُؤخذ على علم الكلام:
١ـ تحوُّله إلى أساس لتقسيم المسلمين إلى فِرق وأحزاب، ما أدَّى إلى البُعد عن المنهجية في كثير من موارد النزاع بين المتكلِّمين؛ حيث كفَّر بعضهم بعضاً، وأُلِّفت كتب تحمل في ثناياها هجوماً وتجريحاً أكثر ممَّا تحمل نقاشاً منهجياً علمياً، وانعكس ذلك حتى في عناوين بعض الكتب. وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى كتاب موجز بعنوان: "رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس" حيث تقوم فكرة الكتاب على رسالة شكر يُوجِّهها إبليس إلى الأشاعرة.
٢ـ الإغراق في النظريات البعيدة عن الواقع ؛ بحيث صار المتكلِّم ينحت مسائله من داخل علمه، ومن مخزون فكره، بدل الرجوع إلى الواقع ومعالجة قضاياه، لبيان موقف الإسلام منها. ولذلك نجد أنَّ فكرةً ما ربَّما شغلت عقول المتكلِّمين لسنوات، وذُكِرت في أكثر كتبهم الكلامية، رغم عدم وجود مَن يُؤمن بها. هذه الأمور وغيرها دعت كثيراً من الباحثين، إلى الإحساس بضرورة إحداث نُقلة في مراحل تطوُّر هذا العلم، بوحي من مستجدات طرأت على الفكر الإنساني عموماً، والفكر الديني خصوصاً.
تجديد الكلام؛ دواعيه ومساربه
عند الحديث عن دواعي التحديث في علم الكلام، يمكن الإشارة إلى السلبيات التي واجهت علم الكلام في مسيرته التاريخية، ومنها ما أشرنا إليه أعلاه. وأمَّا مداخل التجديد في هذا العلم، فمنها:
١ـ تجديد المسائل:
إذا كان علم الكلام يهدف إلى شرح وجهة نظر الإسلام حول بعض القضايا الكلِّـيَّة الكبرى، التي تواجه الإنسان ولا تدخل ضمن مجال علم آخر من العلوم الإسلامية الأخرى كالفقه أو غيره من العلوم، وأمثلة ذلك كثيرة، فإنَّا نُشير إلى بعضها في بعض دراسات هذا الكتاب، ومنها:
أ - العلاقة بين الدين والعلم.
ب - الدين والأدلجة.
ج - الدين والأسطورة.
د - الدين والمرأة.
٢ـ تجدُّد المناهج:
استخدم علم الكلام الجدل منهجاً في أكثر استدلالاته في مرحلة النشأة، ثُمَّ بعد أن تعرَّف المسلمون على الفلسفة والمنطق، طوَّروا منهج هذا العلم
واستفادوا من العلوم الواردة في استدلالاتهم. ويُسجَّل للخواجة نصير الدين الطوسي، أو عليه، حسب تقييم بعض الدارسين، تحويله علم الكلام إلى فلسفة بعد اعتماد مناهج الفلاسفة وطرائق استدلالهم. وفي هذا العصر يمكن الإشارة إلى السيد الشهيد الصدر (رحمه الله) بوصفه فاتحاً لاستخدام منهج الاحتمال في علم الكلام، في كتابه الذي لم يُعطَ حقَّه في الأوساط العلمية حتى الآن "الأسس المنطقية للاستقراء" ، وقد استخدم هذا المنهج وطبَّقه في دراسة كلامية طُبعت بعنوان: "المُرسِل، الرسول، الرسالة" .
٣ ـ تجدُّد اللغة:
بين الفكر واللغة علاقات ووشائج لا يمكن تجاوزها أو تجاهل دورها. ولا شك في أنَّ اللغة كائن حي، يتطوَّر باستمرار نتيجة الخبرات التي تُضاف إلى رصيد الإنسان الفكري. وعلم الكلام - كما غيره من العلوم - علم يُؤدَّى باللغة، وتُصاغ أفكاره بوساطتها، فمن الطبيعي أن يتجدَّد مع تجدُّد اللغة وتطوُّرها.
نشأة المصطلح وإشكاليَّاته
لا يتَّفق الباحثون على التسمية؛ حيث يرى فيها بعضهم نوعاً من القطيعة مع التراث، ومن هؤلاء الشيخ عبد الله جوادي آملي ، حيث لا يرى مُبرِّراً لهذه
التسمية رغم موافقته على ضرورة التجديد، ويطرح سؤالاً يبدو له مبرِّراته المنطقية؛ وهو: ماذا نُسمِّي علم الكلام بعد مدَّة من الزمن؟ (١) .
وفي مقابل هذه النظرة هناك مَن يرى بأنَّ علم الكلام الجديد هو علم آخر، يختلف عن علم الكلام القديم في منهجه ومسائله ولغته. وبالتالي هو علم يجد في التراث ما ينفعه ويغنيه، وبالتالي لا ينقطع عن الموروث الإسلامي، بل ربَّما لا يمكنه ذلك، ولكنَّه - على أيِّ حال - علم جديد؛ لا تطوير للعلم القديم عينه. وبعبارةٍ أخرى، سوف تبقى الحاجة إلى علم الكلام القديم، والحاجة إلى تطويره كذلك، ولكنَّنا نحتاج إلى علم جديد هو هذا العلم، الجديد في كل شيء حتى في هندسته المعرفية (٢) .
وسواء تمَّ تبنِّي هذه النظرة أو تلك، فإنَّ هذا المصطلح استُخدم وراج بغض النظر عن المعنى المراد منه في كثير من الأحيان، وأكثر ما راج في الأوساط الثقافية في الجمهورية الإسلامية. ويُرجع بعضُ الباحثين اشتقاق هذا المصطلح إلى العالم الهندي شبلي النعماني في كتاب له حمل اسم: "علم الكلام الجديد"، وتُرجم هذا الكتاب إلى الفارسية وطُبع عام ١٩٥٠ بالعنوان نفسه، ولم أعثر على ترجمة عربية لهذا الكتاب بعد محاولات للبحث عنه. وبعده صدرتْ كتب أخرى تُمثِّل محاولات متفرِّقة للنهوض بعلم الكلام وتجديده، إلا أنَّها لم
____________________
(١) ندوة عُقدة في قم، وطبعت في كتاب بعنوان: "كلام جديد در گذر انديشه ها"، ص ٢٢ - ٢٥.
(٢) إشارة إلى كتاب د. أحد قراملكي، الهندسة المعرفية لعلم الكلام الجديد، دار الهادي، بيروت.
تُمثِّل حركة واضحة المعالم، وضمن هذا الخط لا يمكن إغفال الدور الذي لعبه كل من الشهيد مرتضى مطهري والشهيد محمد باقر الصدر .
وفي العقد الأخير من القرن العشرين وما بعده، فُتح باب البحث على مصراعيه في هذا المجال في الجمهورية الإسلامية في إيران، ونُشرت دراسات في المجلاَّت الفكرية الدورية، وفي كتب مستقلَّة، وعُقدت ندوات عدَّة ومؤتمرات، تُرجم بعضها إلى العربية، وما بقي غير مترجم أكثر. وفي ترجمته إغناء للمكتبة العربية الإسلامية نتمنَّى أن يُقيَّض لهذا العمل مَن ينجزه.
الحياة الطَّـيِّبة
الفصل الأوَّل
* علم الكلام الجديد - تمهيد وعرضي تاريخي................... عبد الجبار الرفاعي
* علم الكلام الجديد - قراءة أولية.......................................... حيدر حب الله
الشيخ عبد الجبار الرفاعي *
تمهيد تاريخي
تبلورت النواة الأولى لعلم الكلام في فضاء بعض الاستفهامات، وما اكتنفها من جدلٍ وتأمُّلٍ في دلالات بعض الآيات القرآنية المتشابهة، التي تتحدَّث عن الذات والصفات، والقضاء والقدر، ثُمَّ اتسع بالتدريج إطار هذه الأسئلة والتأمُّلات، فشملت مسائل أخرى تجاوزت قضية الإلوهية والصفات إلى الإمامة، فور التحاق النبي الكريم (صلَّى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى. وما فتئت قضية الإمامة تستأثر باهتمام العقل الإسلامي وقتئذٍ، حتى أضحت من أهمِّ مسائل التفكير العقائدي في حياة المسلمين.
وقد كان للحروب الداخلية في المجتمع الإسلامي أثر هامٌّ في تطوير النقاش في الموضوعات العقائدية، وفي توالُدِ أسئلة جديدة تتمحوَرُ حول حكم مرتكب الكبيرة، وخلق أفعال العباد، وحرية المكلَّف واختياره، وغير ذلك من المسائل.
____________________
* رئيس تحرير مجلَّة قضايا إسلامية معاصرة.
كذلك عملت الفتوحات على إدخال شعوب عدَّةٍ في الإسلام، لبثت مدَّة طويلة في نِحلٍ كتابيَّةٍ أو وثنيَّةٍ، ولم تستطع حركة الدعوة العاجلة تحرير وعي هؤلاء المسلمين من ترسُّبات أديانهم ونِحَلِهم السَّابقة. فنجم عن ذلك شيوع مناخٍ فكريٍّ مضطرب، يموج برؤى متقاطعة وسجالات صاخبة، غدَّتها في فترة لاحقة أفكار المنطق والفلسفة ومقولاتهما، التي تدفَّقت من مراكز الترجمة، وبخاصة في عصر المأمون العبَّاسي.
في هذا الفضاء الثقافي تشكَّل علم الكلام، وصار واحداً من الإبداعات المعرفية للحضارة الإسلامية، وانخرط في دراسته وتدريسه والتأليف فيه قطاع كبير من العلماء المسلمين، منذ نهاية القرن الهجري الأول، وبلغ ذلك ذروته في القرن الرابع. وصار تنوُّع الأقوال في علم الكلام، هو الأساس لوجود الفِرق والاتجاهات المختلفة في الإسلام. فميلاد أيَّة فرقة، ونموِّها وتأثيرها في مسار الحياة الإسلامية، بات يتوقَّف على بنائها لآراء وتصوُّرات مستدَلَّة في القضايا العقائدية؛ ولهذا عملت الفِرق التي ظهرت بدوافع سياسة على صياغة فهمٍ عقائدي خاص بها، وشدَّدت على أفكار محدَّدة، استندت إليها بوصفها مرجعية في سلوكها السياسي. أمَّا الجماعات التي أخفقت في تكوين منظومة عقيدية، تصدر عنها مواقفها السياسية، فإنَّها انطفأت باكراً، وإنْ خطف وهجها الأبصار عند ظهورها.
إنَّ علم الكلام تحكَّمت في نشأته وتطوُّره مجموعة ظواهر سياسية واجتماعية وثقافية، كانت سائدة في المجتمعات الإسلامية آنذاك، فأمدَّت عقل
وأمّا الجدُّ الأعلى : عَدْنانُ :
فَقَدْ قال المسعوديّ : إنّما سُمّيَ «عدنان» من العَدْنِ ، وهو الإقامة ، لأنّ الله أقام ملائكةً لحفظه ، وذلك لأنّ أعين الإنس والجنّ كانت إليه مصروفةً ، وأرادوا قتلَهُ ، وقالوا : «لئن تركنا هذا الغلام حتّى يدرك مدارك الرجال ليخرجنّ من ظهره من يسود الناس» فوكّل الله به من يحفظه (فَنَشَأ أحْسَنَ أهلِ زمانِه خَلْقاً وخُلُقاً)(١) .
وهو أوّل من وضع أنصاب الحرم ، وَكَسا الكعبة(٢) وهو أصلُ العَدْنانيّة كلّهم ، ومنه تفرّقت شعوبهم وقبائلهم ، وعلى عهده اجتاح بُخْتَنُصَّرُ بلاد العرب وشتّتهم ، وعلى يد ابنِهِ مَعَدّ استعاد مجد أبيه وقومه(٣) .
هؤلاء هم آباءُ أبي الفَضْلِ العَبّاس عليه السلام :
فتراهم قد توارثوا الشرفَ والمجدَ والفضيلةَ خَلَفاً عن سَلَفٍ وهم على ما نعتقده نحن الإماميّة الاثني عشريّة : كلّهم مؤمنون موحّدون ، على ملّة أبيهم إبراهيم النَبِيّ صلّى الله على نبيّنا وآله وعليه. بل كانوا من الصدّيقين ،
__________________
(١) إثبات الوصيّة (ص ٧٤) وتاريخ الخميس (١ / ١٤٦) وما بين القوسين لم يرد فيه.
(٢) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٧٠).
(٣) ولا خلافَ بين علماء النسب أنّ عدنانَ من ذُرّية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام لكنّهم اختلفوا في عَدَدِ الوسائط إليه. والمأْثُوْرُ عَنْهُ صلى الله عليه وآله كان إذا وَصَلَ إلى عدنان أَمْسَكَ ولم يَتَجاوَزْهُ أُنظر : الكامل لابن الأثير (٢ / ٣٣).
وقال بعضهم بَعْدَ رَفْعِهِ نَسَبَ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عدنان :
إلى هُنا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ |
واخْتَلَفُوْا مِنْ آدمٍ (*) إلَيهِ |
(*) صَرَفَ (آدَمَ) لِمُراعاةِ الْوَزْنِ.
وفي آبائهم من كانوا من الأنبياء والمرسلين ، والأوصياء والمعصومين(١) .
وَلعَذنان الشَّرَفُ الْأَقْعَسُ وَطِرازُ السُّؤْدَدِ الأنْفَسُ بولادَتهِ لأَشْرَفِ الْخَلْقِ وَسَيّدِ الأنبياء والمرسلين وفي ذلك يقولُ ابنُ الرُّوْميّ الشاعرُ الشهيرُ(٢) :
فَكَمْ أَبٍ قَدْ عَلا بِابْنِ ذُرى شَرَفٍ كَما عَلا بِرَسُول اللهِ عَدْنانُ
وأمّا أُمّهات أُولئك :
فقد ذكر المسعودي : أنّ كلّ واحدٍ منهم ـ أي أَجْداد النَبِيّ صلى الله عليه وآله ـ كان يأخذ على ابنه أن لا يَتَزَوَّدَ إلاّ أطهر النساء في زمانه(٣) .
__________________
(١) أوائل المقالات للشيخ المفيد (ص ١٢) ولاحظ بحار الأنوار للمجلسي (١٥ / ١١٧) وراجع تفسير الرازي (٢٤ / ١٧٤) ط البهيّة في مصر ، و(٨ / ٥٣٧) ط بيروت حديثاً. والبداية والنهاية (٢ / ٤٨١).
(٢) للماوَرْدِيّ الفقيه الشافعي صاحب (الأحكام السلطانيّة) كلامٌ نفيسٌ في إيمان آباء النَبِيّ صلى الله عليه وآله كلّهم كما هو مذهب العترة عليهما السلام.
(٣) إثبات الوصيّة (ص ٧٤).
وأعمامُ العبّاس عليه السلام
فأعمامُ أبيه أمير المؤمنين هُم أولاد عَبْد المطّلب :
فكان لعَبْد المطّلب عشرةُ أبناء أكبرُهم الحارثُ ، وبه كان يُكنّى وللحارث عقبٌ.
فينبغي استيفاء ذكر الأعمام :
حمزةُ بنُ عَبْد المطّلب : أسدُ الله وأسد رسوله ، سيّد الشهداء في صدر الإسلام.
الزُبيرُ بنُ عَبْد المطّلب : صاحب حِلْف الفضول ، والّذي حمى مكّة أنْ يُظْلَمَ بها أحدٌ ، وكانت قُريشٌ لا تُبرمُ أمراً حتّى يشهدُهُ.
وهُو الّذي طرد حرب بن أُميّة حتّى استجار منهُ بأبيه عَبْد المطّلب(١) .
وعَبْد الله بنُ عَبْد المطّلب : والدُ النَبِيّ صلى الله عليه وآله ولم يُعْقِبْ سواهُ ، وكان آخر بني أبيه لأُمّه ، وهم الزُبير ، وأبو طالب ، أُمّهم فاطمةُ بنتُ عمرو المخزومية.
والعَبّاسُ بنُ عَبْد المطّلب : كانت له سقاية الحاج وعمارة البيت بعد وفاة أبي طالب عليه السلام والعمارة : أن لا يتكلّم أحدٌ في المسجد الحرام بِهُجْرٍ
__________________
(١) بطل العلقمي (١ / ٢٦٢) وانظر مروج الذهب للمسعودي (٢ / ٢٧٧) ورسائل الجاحظ (ص ٤٧) ـ
ولا رَفَثٍ ولا يرفعُ فيه صوتَهُ ، وكان العبّاس ينهاهم عن ذلك(١) .
وأبو طالب بن عَبْد المطّلب : والدُ أمِيْر المُؤْمِنِيْن عليّ عليه السلام :
وقد مرّ ذكره في الآباء.
وأولاده أعمال العَبّاس أبي الفضل ، هم :
جعفر :
شهيد مُؤتَةَ ، ذو الجناحين ، قطعت يداه في المعركة ، وكان حامل لواء المسلمين فضمّ اللواء على صدره حتّى ضُرِب على يافوخه فسقط هو واللواء(٢) كان يشبّه برسول الله صلى الله عليه وآله خَلَقاً وخُلقاً.
كان جواداً ، ويحبّ المساكين ويجلس إليهم ويحدّثهُم ، فلقّبه النَبِيّ صلى الله عليه وآله «أبا المساكين»(٣) .
وبكى رسول الله في نعيه ، وقال : «على مثل جعفر فلتبك البواكي»(٤) .
وعقيل بن أبي طالب :
قال الجاحظ : كان عقيل ناسباً عالماً بالأُمّهات ، بيّن اللسان ، شديد الجواب لا يقوم له أحد وكان من رواة الأشعار ومن علماء قريش بالأنساب والأخبار وكان أكثرهم ذكراً لمثالب الناس (ولمثالب قريش
__________________
(١) العقد الفريد (٢ / ٣٢٠).
(٢) بطل العلقمي (١ / ٢٩١).
(٣) حلية الأولياء لأبي نعيم (١ / ١١٧).
(٤) ذخائر العقبى للطبري (٢ / ٤٤٤) طبع قم ، و(ص ٣٦٢) طبع جدّة.
خاصّة) فعادوه لذلك(١) .
وكان مبغّضاً إليهم لأنّه كان يعدّ مساويهم ، فعادوه لذلك وقالوا فيه بالباطل ، ونسبوه إلى الحمق واختلقوا عليه أحاديث مزوّرة(٢) .
وقال علي عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله : إنّك لتحبّ عقيلاً؟! فقال صلى الله عليه وآله : «إيْ والله ، إنّي لأُحبّه حُبَّيْنِ : حُبّاً له ، وحَبّاً لحُبّ أبي طالب له ، وإنّ ولده المقتول في محبّة ولدك ، فتدمع عليه عيون المُوْمنين وتصلّي عليه الملائكةُ المقرَّبون».
ثمّ بكى صلى الله عليه وآله حتّى جرتْ دموعُهُ على صدره ، ثمّ قال : «اللهمّ إنّي أشكُوا إليك ما تلقى عترتي من بعدي»(٣) .
وهذا الحديث من (أعلام النُبُوَّة ودلائلها) حيث أخبر صلى الله عليه وآله عن شهادة الحسين سبطه الشهيد وشهادة مسلم بن عقيل في الكوفة ، وهو شارة فخرٍ عُظمى ووسام شرفٍ في كتف مسلمٍ عليه السلام من نبي الإسلام ، فهنيئاً له.
فهؤلاء أعمام العَبّاس الشهيد ، إخوة أبيه ، الّذين توجّهم رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله : «لو أنّ أبا طالب ولد الناسَ كُلَّهم لكانوا أشِدّاء أقوياء»(٤) .
__________________
(١) البيان والتبيين (٢ / ٣٢٤) طبع هارون ، و(٢ / ٢٢١) طبع ملحم وما بين القوسين من الاستيعاب (٢ / ٢٥٢) وانظر : الوافي بالوفيّات (٢٠ / ٦٣).
(٢) الاستيعاب (٢ / ٢٥٢).
(٣) الأمالي للشيخ الصدوق (ص ٨٨ المجلس ٢٧) والاستيعاب (٢ / ٢٥٢).
(٤) شرح الأخبار للقاضي النعمان المصريّ (١ / ٣٠) في حديث ٣٠٨ و(٣ / ٢١٦) أُمّ هاني بنت أبي طالب وعن غرر الخصائص للوطواط (ص ١٧). ولاحظ : كشف الغمّة للأربلي (٢ / ٢٣٥).
وهؤلاء أعمام أبي الفَضْلِ العَبّاس ، في الإسلام وكلّهم من الصحابة الكرام ، وقد أوجز فيهم القول حسّان شاعر النَبِيّ إذْ قال :
وما زال في الإسلام من آل هاشمٍ |
دعائم عِزٍّ لا تُرامُ ومَفْخَرُ |
|
بهاليلُ منهم جعفرٌ وابن أُمّه |
عليٌّ ومنهم أحمدُ المُتَخَيَّرُ(١) |
وقلتُ ـ أنا الجلاليُّ ـ مُجارياً ومُكَمِّلاً :
وحمزةُ والعَبّاسُ ثمّ عقيلُهم |
مآثرُهُم في الصُحْفِ تُتلى وتُنْشَرُ |
|
أُولئك أهلُ البيتِ آلُ مُحمَّدٍ |
بِطُهْرِهِمُ القرآنُ أُنْزِلَ يُخْبِرُ |
__________________
(١) بطل العلقمي (١ / ٢٤٩) وقد اعتمدنا على هذا الكتاب في البحث عن نسب العَبّاس عليه السلام بما له من الآباء والأعمام ، فقد بحث فيه بتفصيل واف عن تراجم هؤلاء وأرجعنا إلى مصادره مع مراجعة بعضها المتيسّر ، في مطبوعاته الحديثة وتصحيح نصوصه.
أُمَّهاتُ أبي الفضل العَبّاس وأَخْوالُهُ
فوالدتُهُ : أُمّ البَنِيْنَ :
فاطمة بنت حَرَام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد ـ وهو عامر ـ بن كعب ابن عامر بن كِلاب بن ربيعة(١) بن عامر بن صعصعة(٢) .
اسمُها : فاطمة :
سمّاها «فاطمة» من كبار النسّابين : أبو نصر البخاريّ(٣) وابن عِنَبة(٤) وأكّد الإمام السيّد محسن الأمين في مواضع من كتابه أعيان الشيعة(٥) أنّ اسْمَها «فاطِمَةُ». وصرّح بذلك الأُردوباديّ ونقل ذلك عن أبي نصر البخاريّ ، وعن ابن أمير الحاجّ في شرح قصيدة أبي فراس(٦) .
وقد توهّم من قال : إنَّ اسْمَها كُنْيَتُها (يعني أُمّ البَنِيْنَ).
__________________
(١) إلى هنا أثبتت النسب أكثر المصادر ، وأقدمها مقتل أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام لابن أبي الدنيا (ص ١٣٠).
(٢) صَعْصَعَة بن مُعاوِيَةَ بْنِ بكْرِ بْنِ هَوازِنٍ بْنِ مَنْصُوْر بْنِ عِكْرِمَة بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ عَيْلان (قيس بن عَيْلان خ ل) بن مُضَر بْنِ نِزارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدنان.
(٣) سرّ السلسلة (ص ٨٨) معالم أنساب الطالبيين (ص ٢٥٥).
(٤) عمدة الطالب (ص ٣٥٦).
(٥) أعيان الشيعة (٧ / ٤٢٩) و(٨ / ٣٨٩) و(٣ / ٤٧٥).
(٦) فصول من حياة العَبّاس عليه السلام (ص ١٨).
وقد أغربَ من ادّعى أنّه : لم تذكر المصادر المعتبرة (!) لها اسماً وأضاف : بل ظاهرهم أنّ «أُمّ البنين» هو اسمها(١) .
أبوها : حَرامٌ :
كذا أثبته بالراء النسّابون ، منهم : ابنُ الكَلْبي(٢) والزُبَيْرُ بنُ بَكّار(٣) وافقهم : ابْنُ عَبْد رَبِّهِ(٤) وابنُ حَجَر العسقلانيُّ(٥) والمَقْريزيُّ(٦) والشيخُ الطوسيُّ في الرجال عند ذكر العَبّاس في أصحاب الإمام الحسين عليه السلام قال : أُمّ البنين بنت حَرَام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد ، من بني عامر(٧) .
وعلّق السيّد الزنجاني على اسم (حرام) بقوله : كذا في نسختين وفي بعض النسخ ، و(تنقيح المقال)(٨) وجامع الرواة(٩) : «حزام» بالمهملة بعدها معجمة.
ثمّ قال : والصحيح الأوّل ، فقد ترجمه في الإصابة (رقم ١٩٦٥) في
__________________
(١) قاموس الرجال للتستري (١٢ / ١٩٦) وقلّده في موسوعة التاريخ الإسلامي (٥ / ١٣٦).
(٢) جمهرة النسب (ص ٣٥٧).
(٣) النسب للزبير بن بكّار. ولا حظ : الجوهرة في النسب للبري (١ / ٣٩٥) و(٢ / ٢٢).
(٤) العقد الفريد (٥ / ١٣٤).
(٥) الإصابة (٢ / ٦٠) رقم ١٩٦١ ، وقال : العامري ثمّ الوحيدي ، له إدراك.
(٦) اتّعاظ الحنفا (١ / ١٠٥).
(٧) الرجال للشيخ الطوسي (ص) وبرقم (٩٦١) في نسخة السيّد الحجّة الشبيري الزنجاني دام ظلّه ، المصوّرة عندنا.
(٨) تنقيح المقال للشيخ المامقاني (٣ / ٧٠) في فصل النساء.
(٩) جامع الرواة للشيخ الأردبيلي ، وراجع مستدركات علم الرجال للنمازي (٨ / ٥٥١) رقم ١٧٩٥٧.
باب الحاء والراء المهملتين ، فراجع(١) .
أقولُ : وقد جاء في «مقتل أَميْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام» لابن أبي الدُّنيا ، عند ذكر أولاده ، ذكر العَبّاس وإخوته من أُمّ البَنِيْنَ ، فقال : «بنت حَرَام»(٢) .(٣) .
وكذلك أثبته «بنت حَرَام» السيّد أبو السعادات ؛ عليّ بن محمّد الحَسَنيّ المعروف بابن الشَجَرِيّ(٤) وابن قتيبة(٥) .
وجاء عند أبي العَبّاس الحسنيّ من الزيدية في كتاب «المصابيح» بلفظ «حرام» لكن طبع في موضع آخر : «حزام» بالزاي(٦) ولا ريب في كون أحدهما تصحيفاً ، والصواب هو الأوّل. وكذلك صوّب الأُردوبادي «حرام»(٧) . والشيخ عَبْد الواحد المظفّر قد حسم الأمر وأصاب المنحر بقوله : اسمه «حرام» بالحاء المهملة ، والراء المهملة ، بعدها ألِفٌ وميمٌ ،
__________________
(١) الرجال للطوسي هامش الرقم (٩٦١) من النسخة المصوّرة عندنا.
(٢) مقتل أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام المصوّرة المحفوظة عندنا.
(٣) كذا قرأتُ الكلمة في النسخة المصوّرة. لكن المرحوم الطباطبائي الّذي حقّق الكتاب ، أثبت الكلمة «حزام» بالزاي ، من غير تعليق. انظر مجلّة (تراثنا) العدد (١٢) ص (١٣٠).
وأظنّه اتّبع المشهور في أكثر الكتب المتداولة ، لوجود تشويهٍ بالسواد على حرف الراء من كلمة (حرام) من النسخة المصوّرة التي اعتمدها ، وقد تحقّق لديّ أنّ التشويه إنّما هو علامةٌ كان يضعها الكاتب على حرف الراء في الكلمات تمييزاً لها عن حرف الزاي ، الّتي وضع عليها نقطة فقط ، وهذا واضح لمن دقّق في تلك النسخة.
(٤) الأمالي الخميسية لابن الشجري (١ / ١٧٠ و ١٧١).
(٥) المعارف ـ طبع عكاشة ـ (ص ٢١١).
(٦) المصابيح (ص ٣٣١).
(٧) فصول من حياة العَبّاس عليه السلام للأُردوبادي (ص ١٨).
ويأتي في كثير من النسخ «حزام» بالزاي المعجمة(١) وهو غلطٌ قطعيٌّ(٢) .
وقد جاءت الكلمة «حزام» بالزاي في أكثر المصادر المطبوعة ، منها ما للقدماء مثل : يحيى بن الحسن العقيقي(٣) والطبري(٤) وأبي الفرج الأصفهاني(٥) والخوارزمي(٦) وابن حزم(٧) وعلى ذلك أكثر المطبوعات المتأخّرة.
وقد عرفت نّ الّذي صوّبه المحقّقون هو «حَرام» بالراء.
مَن هو «أبو المُحِلّ»(٨) ؟ :
كُنّي «حرام» في بعض المصادر بـ «أبي المُحِلّ» كما سيأتي.
وهذا غلطٌ فاحش ؛ فإنّها كُنيةٌ للديّان ، وهو ولد (حرام) وأخو أُمّ البَنِيْنَ.
وأُمّهما : ليلى بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كِلاب(٩) .
__________________
(١) اسم هذا الحرف هو (الزاي) فلا حاجة إلى تمييزه عن (الراء) بوصف المعجمة ، وكذلك لا حاجة في ذلك بوصف الراء بالمهملة ، كما حقّقناه في رسالة (الضبط).
(٢) بطل العلقمي (١ / ١١١).
(٣) في (تسمية من أَعْقَبَ من ولد أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام) (ص ٢) من المخطوطة والنسخة غير منقوطة في أكثر حروفها المعجمة ولذلك يَدُبُّ الشكُّ إلى التنقيط في كلمة (حزام) فليدقّق.
(٤) تاريخ الطبري (٥ / ٤٦٨).
(٥) مقاتل الطالبيين (ص ٨٧).
(٦) مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (٢ / ٢٩).
(٧) جمهرة أنساب العرب لابن حزم (ص ٣٧).
(٨) جمهرة النسب ، للكلبي (ص ٣٣).
(٩) جمهرة النسب ، للكلبي (ص ٧ ـ ٣٢٨).
وذكر ابنه : عَبْد الله بن الديّان أبي المُحِلّ في بعض المصادر(١) . والديّان أبو المحِلّ هو أخو أُمّ البَنِيْنَ ، وعبد الله هذا هو ابن أخيها ، وهي عمّتُهُ.
وكلمة «المُحِلّ» بضمّ الميم ، وكسر الحاء المهملة ، وتشديد اللام ، كما ضبط بالقلم في كتاب الكلبيّ(٢) .
وتصحّفت كلمة «المُحِلّ» إلى «المجْل»(٣) .
فممّن وقع هذا التصحيف في مؤلّفاتهم : أبو نصر البخاريّ(٤) وابن عِنَبة(٥) والطبريّ(٦) والمظفّر(٧) والأُردوبادي(٨) ومن تأخّر عنهم.
وأغرب ابن كثير في قوله : أُمّ البَنِيْنّ بنت حزام وهو المُحِلّ(٩) فحذف حرف الكنية. وقد أغرب المقريزي فقال : أُمّ البَنِيْنَ بنت المحل بن الديّان ابن حَرام(١٠) .
__________________
(١) تاريخ الطبري (٥ / ٤١٥) وفيه : عبد الله بن أبي المحلّ بن حزام ، وكذلك في الكامل لابن الأثير (٤ / ٥٦) ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (١ / ٣٤٨).
(٢) جمهرة النسب للكلبي. وضبطه كذلك في عُمدة القاري شرح البخاري (٤ / ١٨٩) وهو في المصنّف لعبد الرزّاق (١ / ٤١٥) رقم ١٦٢٣ ومصنّف ابن أبي شيبة (٥ / ٣٩١) والطبقات الكبرى لابن سعد (٦ / ٢٤٢) وتهذيب التهذيب لابن حجر (٥ / ٣٤١).
(٣) سرّ السلسلة للبخاري (ص ٨٨) وتاريخ الطبري (٥ / ١٥٣).
(٤) سرّ السلسلة (٨٨) ومعالم أنساب الطالبيين (ص ٢٥٥).
(٥) عمدة الطالب (ص ٣٥٦).
(٦) تاريخ الطبري (٥ / ١٥٣) قال : بنت حزام وهو أبو المجل بن خالد.
(٧) بطل العلقميّ (ص ١٠٢) وقال في (ص ١١١) : أبوها أبو المحل حرام.
(٨) فصول من حياة العَبّاس عليه السلام (ص ١٨).
(٩) البداية والنهاية (٧ / ٥٥١).
(١٠) اتّعاظ الحنفا (١ / ١٠٥).
وجاء اسم أبيها عند بعضهم : حزام بن خالد بن دارم :
ففي كتاب الشيخ المفيد أنّها : بنت خالد بن دارم بن ربيعة(١) .
وقد عارضه الشيخ ابن إدريس ، وقال : إنّما أُمّ العبّاس أُمّ البنين بنت حزام بن خالد ربيعة بن عامر وليس من بني دارم التميميّ(٢) .
وفي كتاب نصر الجهضميّ : بنت خالد بن يزيد الكلابيّة(٣) .
وفي تذكرة سبط ابن الجوزيّ : وقيل : بنت خالد كلابية(٤) .
وفي مواضع أُخر : وقيل بنت خلة(٥) .
وجميع هذا بين خلطٍ وتصحيفٍ.
وأغرب ما رأينا ما جاء في كتاب «المنمّق» لابن حبيب البغدادي ، حيثُ عَدَّ العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام من «أبناء الحبشيّات من قريش»(٦) .
ذكر ذلك ابن إدريس ، وقال : هذا خطأٌ منه ، وتغفيلٌ ، وقلّة تحصيل(٧) .
أقولُ : لكنّ ابن حبيب نفسه ذكر في الكتاب المذكور أُمّ البَنِيْنَ ونَسَبَها
__________________
(١) الإرشاد للمفيد (١ / ٣٥٤).
(٢) السرائر (١ / ٦٥٦) وفي طبعة موسوعة ابن إدريس (٢ / ٤٩٤) ولمحقّقه اعتراض عليه وفصل الحديث عن هذه المعارضة في بطل العلقمي فراجع.
(٣) تاريخ أهل البيت عليهم السلام (ص ١٠٧).
(٤) تذكرة خواص الأُمّة (١ / ٦٦٤).
(٥) تذكرة خواص الأُمّة (١ / ٦٦٤).
(٦) المنمّق لابن حبيب البغدادي (ص ٤٠١).
(٧) السرائر لابن إدريس (٢ / ٤٩٥).
«الوحيديّة»(١) .
فكيف يقول بكونها حبشيّة؟ وهو علاّمة في هذا الفَنّ لا يعارض!.
فلابدّ من وقوع الخطأ من غيره في ذلك الموضع.
وقد تبيّن أنّ الصواب في نسبها هو ما أثبتناه عند ذكر اسمها ، وهو ما اتّفقت عليه كلمة جمهور العُلماء من النسّابين والمُؤرّخين ، كما سلف. فهي : العامريّةُ ، الكِلابيّةُ ، الوَحِيْدِيّةُ. سلام الله عليها وعلى أولادها الشهداء الأبرار.
كُنْيتُها : أُمُّ البَنِيْنَ :
هذه الكُنْيةُ معروفةٌ لزوجة مالك بن جعفر بن كِلاب ، الّتي ولدتْ له خمسة أولاد كلّ واحدٍ منهم سيّدٌ من سادات قومه ، رئيسٌ من رؤسائهم ، وهم :
١ ـ ربيعة : وهو من فرسان العرب ، ويعرف «ربيع المُقْتِرِيْنَ» ، وهو أبو لَبِيْد الشاعر الشهير أحد أصحاب المعلّقات(٢) .
٢ ـ معاوية : وهو «مُعَوِّدُ الحُكّام»(٣) .
٣ ـ الطُفَيل : وهو «فارس قُرْزُل»(٤) .
__________________
(١) المنمّق ، (ص ٣٥١) وانظر السرائر (في الموسوعة) (٢ / ٤٩٥).
(٢) العقد الفريد (١ / ١٣٧).
(٣) الأمالي للسيد الشريف المرتضى (١ / ١٣٧) وفي طبعة إبراهيم (١ / ١٩٣).
(٤) كذا جاء ضَبْطُهُ في (القاموس المحيط) : (قُرْزُل) وهو اسم فرسه.
٤ ـ عامر : وهو من فرسان العرب يعرف «مُلاعب الأسنّة»(١) .
٥ ـ سلمى : وهو «نَزّالُ المضِيْقِ»(٢) .
وفي أُمّ البَنِيْنَ هذه سارَ المثلُ : «أَنجبُ من أُمّ البَنِيْنَ»(٣) .
وفيهم يقول لَبيد الشاعر :
نَحْنُ بَنُو أُمّ البَنِيْنَ الأرْبَعهْ |
وَنحْنُ خَيْرُ عامِر بنِ صَعْصَعَهْ(٤) |
وإنّما ذكر الشاعر (الأربعة) لمناسبة السجع ، إذ هم خَمْسة.
ولكلّ واحدٍ من هؤلاء قصّة في تلقيبه بلقبه المذكور.
وفي «بني عامر» من الرجال الأبطال ، والفرسان ، والأجواد ، عدد كبير ، منهم الصحابة الكرام والتابعون العظام ، وقد ملئت الصحائف بذكرهم(٥) .
قال فيهم اليعقوبيّ : كانت الرئاسة ـ على العرب ـ في أقوام ثمّ صارت في بني عامر بن صعصعة ، ولم تزل فيهم(٦) .
وقال أهل اللغة : بنو عامر ـ قوم أُمّ البَنِيْنَ ـ كانوا حُمْساً(٧) ـ وهم
__________________ـ
(١) العقد الفريد (١ / ١٣٧).
(٢) المحبر لابن حبيب (ص ٣٥٨).
(٣) مجمع الأمثال للميداني (٣ / ٤٠٢) وجمهرة الأمثال للعسكري (٢ / ٣٢٥).
(٤) بطل العلقمي (١ / ٤ ـ ٢٠٥) وأمالي المرتضى (١ / ١٣٥) ومعجم البلدان (١ / ٣٨٦) وخزانة الأدب (٤ / ١٧٠) طبعة قديمة ، وفي طبعة هارون (٩ / ٥٤٨).
(٥) فصّل عن تاريخهم وآثارهم ومآثرهم الشيخ عَبْد الواحد المظفّر في كتاب (بطل العلقمي) (ج ١ ص ـ ٢٢٧) فليراجع.
(٦) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٢٧).
(٧) الرسائل للجاحظ (١ / ٢٦٢).
المتشدّدون في دينهم ـ والحُمْسُ هم قريش قُطّان مكّة وسُكّانُها ومن له فيهم ولادة ، فكان لبني عامِر ولادةٌ في قريش(١) .
وانتقلت هذه الكُنْيةُ «أُمّ البَنِيْنَ» إلى والدة العَبّاس الشهيد ، قبلَ أن تدخل بيت الإمام أمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام كما هي العادة في تسمية الخلف بِاسْمِ واحدٍ من السَّلَفِ أو كُنْيَتِه ، ليكون ذكرى للماضين ، وعبرة وتنويهاً للباقين. وشاءَ اللهُ أن يكون لفاطمة (بَنُونَ أرْبَعَةٌ) من الإمام أمِيْر المُؤْمِنِينَ عليه السلام فينطبق عليها الاسْمُ كما جاء في الشعر ، فيكون لها حقيقةً بعدَ ما كانَ لتلك مَجازاً ، بل أصبحَ في التراث والتاريخَ عَلماً لِهذِهِ الأُمِّ سلام الله عليها لا تنصرف الكُنْية إلى غيرها.
وكفى أُم البَنيْنَ هذا الانتخاب من الإمام أمير المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام فضلاً وشرفاً ، مع مالها من النسب والحسب وما أثر عنها من الرعاية والعناية في بيت الإمام عليه السلام من دون نقل ما يخالف من سيرةٍ أو سريرة بل كانت كما نقل عن الشهيد الأوّل «من النساء الفاضلات»(٢) .
أُمُّ الْبَنِيْنَ وَكَفاها فَخْرا |
أنْ لَمْ تَلِدْ إلاّ فَتىً هِزَبْرا |
|
فَيالَها كُنْيَةَ فَخْرٍ خَلَّدَتْ |
لَها بِسِفْرِ الْمَكْرُماتِ ذِكْرا |
__________________
(١) لسان العرب ، وتاج العروس (مادّة : حمس) وانظر الكامل في التاريخ (١ / ٦٣٩) والنهاية والبداية لابن الأثير مادّة (حمس) (١ / ٣٥٨).
(٢) مجموعة الشهيد الأوّل نقلاً في كتاب العبّاس عليه السلام للسيّد المقرّم.
أَضْحَتْ بِها «مَخْصُوْصَةً» حَثُ اغْتَدَتْ |
أوْلى بِها مِنْ غَيْرِها وأحْرى |
|
إذْ وَلَدتْ أَرْبَعَةً قَد أَشْرَقُوا |
في أُفُقِ الْمَجْدِ نُجُوْماً زُهْرا |
|
مُجَزَّرِيْنَ كَالأَضاحِيِّ غَدَوْا |
فَاحْتَسَبَهُمْ طاعَةً وَصَبْرا |
|
جادُوْا عَنِ ابْنِ الْمُصْطَفى بِأَنْفُسٍ |
نَفِيْسَةٍ سَمَتْ عُلاً وَقَدْرا |
|
خَيْرُ قَرابِيْنَ بِطَفِّ كَرْبلا |
بَعْدَ حُسَيْنٍ ؛ شَرَفاً وطُهْرا |
|
بِالثُّكْلِ أَوْلاها الإِلهُ أَجْرَهُ |
مُذْ واسَتِ الطُّهْرَ الْبَتُوْلَ الزَّهْرا |
|
وَنالَتِ الزُّلْفى مِنَ اللهِ بِما |
قَدْ أخْلَصَتْ سَرِيْرَةً وَجَهْرا |
|
مِنْ رَبِّنا لا بَرِحَتْ بِمَنِّهِ |
سَحائِبُ اللُّطْفِ عَلَيْها تَتْرى |
ذكر أَمِيْر المُؤْمِنِينَ عليه السلام لها :
وكلّ تلك الأمجاد كانت هي المطلوبة للإمام أمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام وهو الممتثل لأمر النَبِيّ صلى الله عليه وآله القائل : «اختاروا لنُطَفِكُم ، فإنّ الخال أحد
الضَجِيْعَيْن»(١) ـ(٢) .
ولذلك طلبَ الإمامُ من أخيه عقيل ـ الّذي كان عارفاً بأنساب العرب وأخبارهم ، بل كانَ من أعلم قريشٍ بالنَسَبِ(٣) ـ فقال له :
«اطلُبْ لي امرأةً ولدتْها شجعانُ العرب ، حتّى تَلِدَ لي وَلَداً شُجاعاً».
فوقع الاختيار على أُمّ البَنِيْنَ الكِلابِيّةِ ، وولدتْ له العَبّاس بن علي ، وإخوته عليهم السلام(٤) .
وروي : أنّ الإمامَ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام قال لأخيه :
«انْظُرْ إِلَيَّ (٥) امرأةً قد وَلَدْتْها الفحولة من العرب لأتَزَوَّجَها ، فتلدَ لي غُلاماً فارساً» .
فقال له عقيلٌ أمَّ البَنِيْنَ الكِلابيّةَ ، فإنّه ليس في العرب أشجعُ من آبائها(٦) ـ(٧) .
__________________
(١) رواه الإمام الكليني في الكافي الشريف (٢ / ٥) وعنه في وسائل الشيعة (٣ / ٦).
(٢) في بعض الطُّرُق : «اختارُوا لِنُطَفِكُمْ فَإنَّ الْعِرْقُ دَسّاسٌ» وفي ذلِكَ يَقُولُ الشاعِرُ :
لا تَخْطِبَنَّ سِوى كَرِيْمَةِ مَعْشَرٍ |
فَالْعِرْقُ دَسّاسٌ مِنَ الْجِهَتَيْنِ |
|
أَوَ ما تَرى أنَّ النَّتِيجَةَ دائماً |
تَبَعُ الأخَسِّ مِنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ |
(٣) أسد الغابة (٣ / ٤٢٣) والوافي بالوفيات (٢٠ / ٦٣).
(٤) سرّ السلسلة (٨٨) ومعالم أنساب العرب (٢٥٤).
(٥) كذا ضبطه العلاّمة الأُردوبادي ، والمطبوع في المصادر : (إلى امراةٍ) وفي الكتب المتأخرة (انظر لي امراةً).
(٦) عمدة الطالب (ص ٣٥٧).
(٧) وبنو كلابٍ كانوا مِنْ أَشْرافِ الْعَرَبِ ، وفيهم ذُؤابَةُ المَجْدِ من بني عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ، وفيهم
وفي نصٍّ آخر : قال عقيل : إنّه ليس في العرب أشجعُ ـ أو أفرسُ ـ من آباء أُمّ البَنِيْنَ الّتي وَلَدَتْها الفُحولةُ من العرب ، وهم بنُو كِلاب.
ولقد صَدَّقَ العَبّاسُ توقُّع أبيه في أُمّه ، حيثُ حقّق أروع أمثلة البسالة والمروءة في كربلاء ، مقرُوناً بسائر ملكاته الفاضلة الّتي بدتْ في تلك المعركة الحاسمة من الإيمان والوفاء وغيرهما من سيرته المعنويّة.
وكَفَى العَبّاس فخراً أنْ تنطبق عليه نُبُوءةُ أبيه ، وتتحقَّقَ فيه أُمنيتُهُ الّتي قصدَها من ذلك الزواج المُقدّس.
متى تزوّجها الإمام أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام؟
لا ريبَ أنّ الإمام عليه السلام كان قد أقدم عليها متخذاً نصب عينيه وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسنّته في قوله : «اختاروا لنُطَفِكُم ، فإنّ الخال أحد الضَجِيْعَيْن»(١) .
وذكر سبطُ ابن الجوزي أولاد أُممّ البَنِيْنَ الأربعة ، وقال : تزوّجها [الإمامُ عليه السلام] بعد فاطمة(٢) . وذكر زوجات الإمام أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام :
__________________
يقولُ جرير في هجاء الراعي النُّمَيريّ :
فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ |
فلا كَعْباً بَلَغْتَ ولا كِلابا |
ونُمَير هو ابن عامر بن صعصعة ، وكعب وكلاب ابْنا أَخِيْهِ ربيعة بن عامر بن صَعْصَعَة ، لكنّ الشَّرَفَ والسُّؤْدَدَ كانا في أَولادِهِما دُوْنَ أَوْلادِ نمير.
(١) رواه الكليني في الكافي (٥ / ٣٣٢) باب ١٢ ح ٣. والطوسي في تهذيب الأحكام (٧ / ٤٠٢) ب ٣٤.
(٢) تذكرة الخواص (١ / ٦٦٤).
فقال في «أسماء بنت عُمَيْسٍ» : تزوّجها بعد أُمّ البَنِيْنَ(١) .
وقال في «أُمامة بنت أبي العاص» : تزوّجها بعد الصَهْباء(٢) .
وقال أبو الفداء : ثمّ بعد موت فاطمة ، تزوّج أُمّ البَنِيْنَ بنت حرام(٣) الكلابيّة ، فولد له منها [ثمّ ذكر أولادها الأربعة] وقال : قُتِلَ هؤلاء مع أخيهم الحسين ، ولم يُعْقِبْ منهم غيرُ العَبّاس(٤) .
أقولُ : لكن المشهور : أنّ أوّل من تزوّج الإمام بعد فاطمة الزهراء عليها السلام هي (أُمامةُ) بنتُ أبي العاص ، وأُمّها زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله. تزوّجها الإمامُ بوصيّة من الزهراء عليها السلام.
قال الشيخ ابنُ شهر آشوب : «وأوصتْ [الزهراء عليها السلام] إلى علي عليه السلام بثلاث :
أن يتزوّج بابنة أُختها «أُمامة» لحُبّها أولادها.
وأن يتّخذَ نعشاً ، ووصفته له.
وأن لا يشهدَ أحدٌ جنازتها ممّن ظَلَمَها.
وأن لا يترك أن يُصلّي عليها أحدٌ منهم»(٥) .
وقال ابنُ طلحة الشافعي : أُمامةُ بنتُ أبي العاص ، وهي بنتُ زينب ابنة
__________________
(١) تذكرة الخواص (١ / ٦٦٤).
(٢) تذكرة الخواص (١ / ٦٦٤).
(٣) في المصدر : حزام ، وهو غلط كما مضى.
(٤) تاريخ أبي الفداء المسمّى بالمختصر في أخبار البشر (١ / ١٨١).
(٥) مناقب آل أبي طالب (٣ / ٤١١).
رسول الله صلى الله عليه وآله تزوّجَها بعد موت خالتها فاطمة(١) .
وأمّا من قال : إنّ الإمامَ عليه السلام تزوّج أُمّ البَنِيْنَ بعدَ فاطمة عليها السلام كالطبري الّذي قال عند ذكر فاطمة عليها السلام : ثمّ تزوّج بَعْدُ أُمّ البنين(٢) .
فلا يُنافي ما تقدّم ، لأنّ البعدية تصدُق مع تراخٍ بين وفاة فاطمة وبين هذا الزواج. فيما إذا كان مسكن أُمّ البَنِيْنَ مع أهلها في الكوفة ، فلاحظ ما سنذكره عن محلّ ولادة العَبّاس عليه السلام.
الإمام وبني أمّ البنين :
وفي الحديث عن ابن عبّاس ، قال : ذكر التزويج عند أَمِير المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام فقال : إنّ من لذّة العيش أنْ ترى في كلّ عامٍ عرساً. فقال له بعض أصحابه : وأنتَ لمْ تفعلْ ذلك! فقال : كيف وعندي أربعٌ؟ قال : أترك واحدةً منهنّ!
فقال : عن أيّتهنّ؟
فعندي أمامةُ بنت أبي العاص ، أوصتني فاطمةُ بتزوّجها بعدها.
وعندي أُمّ البَنِيْنَ ، وهي تأتي في كلّ عامٍ بابنٍ.
وعندي أسماءُ بنت عُمَيسٍ ، كأنّها جامٌ من ذَهَبٍ.
وعندي أمّ حبيب التغلبيّة ، وهي النفسُ الّتي بينَ الجَنْبَينِ(٣) .
__________________
(١) مطالب السؤول (١ / ٦٤٧).
(٢) لاحظ تاريخ الطبري (٥ / ١٥٣).
(٣) مكارم أخلاق النبيّ والأئمّة عليهم السلام للراوندي (ص ١٩١) رقم (٢٣٦ / ٧٣).