الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)0%

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 173

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف: الصفحات: 173
المشاهدات: 59299
تحميل: 5556

توضيحات:

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 173 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59299 / تحميل: 5556
الحجم الحجم الحجم
الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

في المعركة التي جرت في اليوم القادم(1) .

في معركة الأحزاب التي هي من أهمِّ الغزوات الإسلامية، وفي أحداث فتح مكة عندما انتصر جنود الإسلام على آخر متراس للمشركين، والسيطرة على البيت العتيق، وتخليصه من الأصنام التي كانت تلوّثه، نرى أيضاً فاطمة ( عليها السلام )واقفةً إلى جانب أبيها، ففي الخندق تُقبل عليه بأقراص من الخبز معدودة بعد أن بقى أياماً بدون طعام، وفي الفتح المبين نراها تضرب له خيمته وتُهيّئ له ماءً ليستحم ويغتسل، حتى يزيل عن جسده المبارك غبار الطريق، ويرتدي ثياباً نظيفة يخرج بها إلى المسجد الحرام.

____________________

1 - حدثت غزوة ( حمراء الأسد ) عندما عاد المشركون من وسط الطريق صوب المدينة بعد معركة ( أحد )؛ حتى يُكملوا ضربتهم التي وجّهوها إلى المسلمين، لكنّ اللّه أراد أن يرجعوا خائبين، لذا فقد ألقى سبحانه وتعالى الرعب في قلوبهم عندما واجهوا المسلمين، حتى المجروحين منهم، فتراجعوا عن عزمهم.

٢١

فاطمة ( عليها السلام ) زوجة أمير المؤمنين علي ( عليه السلام )

( لو لم يُخلق عليٌّ لم يكن لفاطمة كفوٌ )(1) .

الزواج الذي عُقد في ملكوت السموات

كمالات فاطمة الرفيعة من ناحية، وكونها بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) من ناحية أخرى، شرف نسبها من ناحية ثالثة، كان سبباً في سعي الكثير من كبار أصحاب الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) لخطبتها، إلاّ أنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) رفض تزويجها، وغالباً ما يكرّر قوله:

( أمرها إلى ربِّها! )

الأعجب من ذلك خطبة ( عبد الرحمن بن عوف )، ذلك الرجل الثري الذي كان ينظر إلى الأمور من زاوية مادية، على ضوء التقاليد والأعراف الجاهلية، فكان يعتقد بأنّ المهر الغالي دليل على عِظم موقع المرأة ومكانتها.

فعن أنس بن مالك قال:

ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري، وعثمان بن عفان إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله )، فقال له عبد الرحمن يا رسول الله، تزوّجني فاطمة ابنتك، وقد بذلت لها من الصداق مِئة ناقة سوداء زرق الأعين، كلها قباطي مصر، وعشرة آلاف

____________________

1. كنوز الحقائق، ص124.

٢٢

دينار - ولم يكن من أصحاب رسول الله أيسر من عبد الرحمن وعثمان - وقال عثمان: وأنا أبذل ذلك، وأنا أَقدم من عبد الرحمن إسلاماً.

فغضب النبي ( صلّى الله عليه وآله ) من مقالتهما، فتناول كفاً من الحصى فحصب به عبد الرحمن وقال له: ( إنّك تهوّل عليّ بمالك؟ ) فتحوّل الحصى دراً، فقوّمت درّة من تلك الدرر فإذا هي تفي بكلِّ ما يملكه عبد الرحمن(1) .

بلى... يجب أن تُشخّص وتُطبّق المُثل الإسلامية في زواج فاطمة ( عليها السلام )، ويتعرّف المجتمع الإسلامي على القيم والمعايير الإسلامية السامية، وتُسحق السُنن البالية من عهد الجاهلية.

وبينما كان حديث زواج فاطمة يدور على ألسن أهل المدينة، إذ ذيع فجأةً أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) لن يزوّجها من غير علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).

علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) الذي خلت يده من المال، ومن كلِّ ثروة دنيوية، ولم يكن يتحلى بأيٍّ من الميزات التي تُقيم لها الجاهلية وزناً، لكنّه كان يتمتع بإيمان وقيم إسلامية أصلية، تملأ كيانه من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه.

وعندما تحقّق القوم علموا أنَّ وحياً سماوياً قد أمر الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) بعقد هذا الزواج التاريخي المبارك، إضافةً إلى أنّه ( صلّى الله عليه وآله ) قال:

( أتاني مَلَك فقال: يا محمد، إنّ الله يقرؤك السلام، ويقول لك: إنّي قد زوّجت فاطمة ابنتك من عليٍّ ابن أبى طالب في الملأ الأعلى، فزوّجها منه في الأرض )(2) .

____________________

1- تذكرة الخواص، ص306، استخرجتها من كتاب ( فاطمة الزهراء بهجة وقلب المصطفى ) ص462.

2- ذخائر العقبى، ص31.

٢٣

عندما دخل أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، وقد أخذ الحياء منه مأخذه، جلس بين يديه ( عليه السلام ) ولم يستطع التكلّم؛ لجلالة وهيبة صاحب الرسالة ( عليه السلام ) فقال له ( عليه السلام ):

ما جاء بك؟ ألك حاجة؟ فسكت أمير المؤمنين ( عليه السلام )، فقال ( عليه السلام ): لعلك جئت تخطب فاطمة؟

فقال علي ( عليه السلام ): نعم، فقال الرسول ( صلّى الله عليه وآله ):يا علي! لقد سبقك آخرون خطبتها مني، وإنّي كلما عرضت الأمر عليها لم تظهر موافقتها، دعني أحدّثها في شأنك.

صحيح أنّ هذا الزواج قد عُقد في السماء ويجب أن يتم، إلاّ أنّ احترام حرية المرأة في اختيار زوجها عموماً، وشخصية فاطمة ( عليها السلام ) خصوصاً تُحتّم على الرسول ( صلّى الله عليه وآله )، أن يتشاور مع فاطمة ( عليها السلام ) في هذا الأمر قبل البتّ فيه.

بعدها ذهب النبّي ( صلّى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام ) وقال لها: إنّ علي بن أبي طالب ممّن قد عرفتِ قرابته وفضله في الإسلام، وإنّي سألت ربّي أن يزوّجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً، فما ترين؟ فسكتت، فخرج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وهو يقول:

الله أكبر! سكوتها إقرارها

بعدها تمّ عقد القران بواسطة الرسول ( صلّى الله عليه وآله ).

مهر فاطمة:

والآن، لنرى ما هو مهر فاطمة؟

ممّا لا شك فيه أنّ زواج أفضل رجال العالم بسيدة نساء العالم وابنة

٢٤

رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، يجب أن يكون مثلاً رائعاً، مثالاً لكلَّ العصور والأزمنة؛ لذا توجه الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) إلى أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) بالقول:

( يا أبا الحسن فهل معك شيء أزوّجك به؟ فقال علي ( عليه السلام ):

فداك أبي وأمي والله ما يخفى عليك من أمري شيء، أَملك سيفي، درعي، وناضحي، وما أملك شيئاً غير هذا، فقال له رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ): يا علي، أمّا سيفك فلا غنى بك عنه، تجاهد به في سبيل الله، وتقاتل به أعداء الله، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك، وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكنّي قد زوّجتك بالدرع ورضيت بها منك )(1) .

ونقرأ في رواية أخرى أنّ الزهراء ( عليها السلام ) طلبت من أبيها ( عليه السلام )، أن يكون مهرها الشفاعة في المذنبين من أمّة محمد ( صلّى الله عليه وآله )، فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) على الرسول ( عليه السلام ) مخبراً بتلبية الله سبحانه وتعالى لطلب فاطمة ( عليه السلام )(2) .

ربّما أنّ أغلى قيمة ذكرها التاريخ لهذا الدرع كانت خمسمِئة درهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نقرأ في الحديث أنّ فاطمة ( عليه السلام ) سألت النبي ( صلّى الله عليه وآله )، أن يكون صداقها الشفاعة لأمّته يوم القيامة، فنزل جبريل ( عليه السلام )، ومعه رقعة من حرير مكتوب عليها: جعل الله مهر فاطمة الزهراء شفاعة المذنبين من أمّة أبيها(3) .

نعم، وبهذا الشكل يجب أن تُحطّم القيم الخاطئة، لتحلَّ محلها القيم الأصيلة، وهكذا يجب أن تكون سير وأعراف ذوي الإيمان من الرجال والنساء، وعلى هذا النهج تكون حياة القادة الحقيقيين لعباد الله ( عزّ وجل ).

____________________

1- إحقاق الحق، ج10، ص358

2- أخبار الدّول، ص88.

3- إحقاق الحق، ج10، ص367.

٢٥

جهاز فاطمة ( عليها السلام ):

المهر، الجهاز، ومراسم الزفاف هي المشاكل الكبرى الثلاث التي تواجه العوائل بشأن الزواج، وهي المشاكل التي تطغى أحياناً على الحياة الزوجية فتجعل الزوجين يعيشان الأَمرّين طيلة عمرهما.

وبسبب هذه الأمور الثلاثة نلاحظ أحياناً نشوء مشاجرات لفظية، وأخرى نزاعات دموية، وما أكثر ما أُضيع من الأموال في هذه المجال؛ بسبب التظاهر والتفاخر والمنافسة الطفولية والقبيحة بين العوائل.

والمؤسف أنّ ترسّبات الأفكار الجاهلية ما زالت عالقةً في أذهان مَن يدّعون تمسكهم بالإسلام الحنيف.

ولكن يجب أن يكون جهاز سيدة الإسلام كما هو مهرها مثالاً نموذجياً للجميع.

وكما أمر رسول الله فقد بيع الدرع بأربعمِئة وسبعين درهماً، ثمّ جاء علي ( عليه السلام ) بالمهر إلى الرسول، قسّم الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) المال إلى ثلاثة أقسام، حيث قبض قبضةً منه ودفعه إلى بلال وقال له: ابتع لفاطمة طيباً، ثمّ قبض بكلتا يديه مقداراً من ذلك المال ودفعه إلى جماعة قائلاً لهم: اشتروا به ما يصلح فاطمة من ثياب وأثاث للبيت، ودفع مبلغاً آخراً لأمِّ أيمن لتشتري به أمتعةً إلى البيت.

من الواضح أنّ جهاز العرس الذي يُهيّأ بهذا القدر من المال، لا بدَّ أن يكون بسيطاً رخيص الثمن.

وقد ذكرت كتب التاريخ أنّ جهاز سيدة نساء العالمين قد تكوَّن من ثمانية عشر نوعاً من الحاجيات، كلّها من ذلك المال، ونذكر هنا أهمّها:

قطيفة سوداء خيبرية

٢٦

قميص بسبعة دراهم

سرير مزمّل بشريط

أربع مرافق من أُدم الطائف، حشوها أذخر(1)

ستر من صوف حصير هجير

رحى يدوية

سقاء من أدم

مخضب من نحاس

قعب للبن وشن للماء

جرّة خضراء... وأمثال ذلك

نعم هكذا كان جهاز سيدة نساء العالمين.

مراسم الزفاف:

أجرى نبيّ الرحمة احتفالاً لهذا الزواج الذي اختاره الله سبحانه وتعالى، ولهذه العائلة التي كان لها الدور الأهم في تاريخ الإسلام، والتي انحدر منها النسل الطيب وأئمة الهدى، خلفاء الله في أرضه، فأغضبت مراسم الاحتفال تلك أعداء المسلمين، ورفعت رأس الموالين عالياً، وجعلت الخصوم يفكرون بمعنى الإسلام.

حضرت كلُّ من ( أمّ أيمن ) و ( أمّ سلمة ) وهما امرأتان ذواتا منزلة رفيعة في الإسلام، كما كانتا شغفتين بفاطمة الزهراء، عند رسول الله بيت عائشة مع باقي زوجاته، فأحدقن به وقلن: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله، وقد اجتمعنا لأمر لو أنَّ خديجة في الأحياء لقرّت بذلك عينها.

____________________

1- أذخر، نبات طيّب الرّائحة.

٢٧

قالت ( أمّ سلمة ): فلمّا ذكرنا خديجة بكى رسول الله ثمّ قال: ( خديجة وأين مثل خديجة، صدّقتني حين كذَّبني الناس، ووازرتني على دين الله، وأعانتني عليه بمالها، إنّ الله عز وجلّ أمرني أن أبشّر خديجة ببيت في الجنة من قصب ( الزمرد ) لا صخب فيه ولانصب ).

قالت ( أمّ سلمة ): فقلنا: فديناك بآبائنا وأمّهاتنا يا رسول الله، إنّك لم تذكر من خديجة أمراً إلاّ وقد كانت كذلك غير أنّها قد مضت إلى ربّها، فهنّأها الله بذلك وجمع بيننا وبينها في درجات جنته ورضوانه ورحمته، يا رسول الله، وهذا أخوك في الدنيا، وابن عمّك في النسب علي بن أبى طالب، يجب أن تدخل عليه زوجته فاطمة، وتجمع بها شمله.

فقال: ( يا أمّ سلمة، فما بال علي ( عليه السلام ) لا يسألني ذلك؟ ) فقلت: يمنعه الحياء منك يا رسول الله.

قالت ( أمّ أيمن ): فقال لي رسول الله: ( انطلقي إلى عليِّ فأتيني به، فخرجت من عند رسول الله فإذا عليّ ينتظرني؛ ليسألني عن جواب رسول الله، فلمّا رآني قال: ما وراءك يا أمّ أيمن؟ قلت: أجب رسول الله.

قال علي: فدخلت عليه وقمن أزواجه فدخلن البيت، وجلست بين يديه مطرقاً نحو الأرض حياءً منه، فقال أتحبُّ أن تدخل عليك زوجتك؟ فقلت وأنا مطرق: نعم فداك أبي وأمي، فقال: نعم وكرامة يا أبا الحسن أدخلها عليك في ليلتنا هذه، أو في ليلة غد إن شاء الله، فقمت فرحاً مسروراً، وأمر أزواجه أن يزيّنَ فاطمة ويطيّبنَها ويفرشنَ لها بيتاً؛ ليُدخلنَها على بعلها، ففعلنَ ذلك.

وأخذ رسول الله من الدراهم التي سلّمها إلى ( أمّ سلمة ) عشرة دراهم فدفعها إليّ وقال: اشترِ سمناً وتمراً وأقطاً، فاشتريت وأقبلت به إلى

٢٨

رسول الله، فحسر عن ذراعيه ودعا بسفرة من أدم، وجعل يشدخ التمر والسمن، ويخلطهما بالأقط حتى اتخذه حيساً.

ثمَّ قال: يا علي، ادعُ مَن أحببت، فخرجت إلى المسجد وأصحاب رسول الله متوافرون، فقلت: أجيبوا رسول الله، فقاموا جميعاً وأقبلوا نحو النبي، فأخبرته بأنّ القوم كثير، فجلّل السفرة بمنديل، وقال: ادخل عليَّ عشرة بعد عشرة، ففعلت، وجعلوا يأكلون ويخرجون ولا ينقص الطعام، حتى لقد أكل من ذلك الحيس سبعمِئة رجل وامرأة ببركة النبي.

قالت ( أمّ سلمة ): ثمّ دعا بابنته فاطمة، ودعا بعليِّ، فأخذ عليّاً بيمينه وفاطمة بشماله، وجعلهما إلى صدره، فقبّل بين أعينهما، ودفع فاطمة إلى عليٍّ وقال: يا علي نِعمَ الزوجة زوجتك، ثمّ أقبل على فاطمة وقال: يا فاطمة نِعمَ البعل بعلك، ثمَّ قام يمشي بينهما حتى أدخلهما بيتهما الذي هُيئ لهما، ثمّ خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب فقال: طهّركما الله وطهّر نسلكما، أنا سِلمٌ لمَن سالمكما، وحرب لمَن حاربكما، أستودعكما الله واستخلفه عليكم(1) .

ليعتبر عشاق الدنيا وذوو الإيمان الضعيف، المتأثرون بزخارف هذا العالم المادي، الذين يرون كرامة وجلال العائلة في التشريفات القاصمة للظهر، التي تُقام في العرس، وليستلهموا من هذا البناء التربوي للإنسان، الذي يُعدّ ثروةً وكنزاً لسعادة كلٍّ من الشباب والشابات، وليتفحّصوا صفحات التاريخ، ويشاهدوا بأعينهم كيف طبّقت تعاليم الإسلام أحداث ( خطبة ) و( مهر ) و( جهاز ) و( مراسم حفلة زواج ) سيدة النساء فاطمة الزهراء ( عليه السلام ).

____________________

1. بحار الأنوار، ج43، ( تاريخ الزهراء ) ص 131-132.

٢٩

فاطمة ( عليها السلام ) بعد رحيل أبيها ( صلّى الله عليه وآله )

( ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس، باكية العين، محترقة القلب )(1) .

انقضت الفترة السعيدة من حياة سيدة النساء فاطمة الزهراء بسرعة؛ وذلك بوفاة النبيّ الكريم، رغم أنّها لم تذق معنى السعادة في أيٍّ من مراحل حياتها؛ بسبب الضغوط والحروب والمؤامرات التي حاكها الأعداء ضد الإسلام والرسول، ممّا سلب روح الزهراء الهدوء والطمأنينة.

وبارتحاله إلى الرفيق الأعلى بدأت رياح الظلم والمصاعب تهب على آل بيته الميامين، فظهرت من جديد أحقاد بدر وخيبر وحُنين، التي دُفنت في عصر الرسول الأمين تحت التراب، وثار المنافقون والأحزاب؛ لينتقموا من الإسلام ومن آل بيت محمد، وخصوصاً ابنته فاطمة الزهراء، التي كانت تمثّل مركز الدائرة، التي صُوّبت نحوها سهام الأعداء المسمومة.

ألم فراق أبيها من ناحية، مظلومية أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) المؤلمة من ناحية أخرى، المؤامرات التي حاكها أعداء الإسلام من ناحية ثالثة.

وقلق فاطمة على مستقبل المسلمين وكيفية الحفاظ على تعاليم القران.

____________________

1. المناقب، ج3، ص362.

٣٠

اجتمعت هذه الأمور مع بعضها لتعكّر صفوها وتدمي قلبها، لكن فاطمة أخفت همها وغمها عن زوجها؛ مخافة أن يتسع جرحه ومعاناته من ظلم الأمّة له، لهذا كانت تذهب إلى قبر أبيها لتبثَّ إليه آلامها وأحزانها، وما آل إليه حالها، فقد قالت ذات مرّة: ( يا أبتاه بقيت والهةً وحيرانةً فريدة، قد انخمد صوتي وانقطع ظهري وتنغّص عيشي )، ومرةً أخرى نراها تقول:

قُل للمُغيّبِ تَحتَ أطباقِ الثّرى

إن كُنتَ تَسمَعُ صَرخَتي وَنِدائيا

صُبّتْ عَليَّ مَصائِبٌ لَوْ أنَّها

صُبّتْ عَلى الأيام صِرنَ لَيَالِيا

قدْ كُنْتُ ذاتَ حِمىً بِظلِّ مُحمّد

لا أخْشَى مِن ضَيمَ وكان حماً لِيا

فاليومْ أخشعُ لِلذّلِيلِ وَأتَّقي

ضَيْمي وَأدْفَعُ ظالِمي برِدائِيا

إذا بَكَتْ قُمْريّة في لَيلِها

شَجَناً عَلى غُصْن بَكيتُ صَباحيا

فلأَجْعَلنَّ الحُزنَ بِعَدَكَ مُؤنِسي

وَلأجْعَلَنَّ الدّمْعَ فِيكَ وِشاحِيا

ماذا عَلى مَنْ شَمَّ تُربةَ أحمد

أنْ لا يَشُمَّ مَدى الزّمانِ غَوالِيا

لماذا بكت فاطمة بهذا الشكل؟

لِمَ كلُّ هذا الجزع؟

لماذا عدم الارتياح هذا، كأنّها الحرمل على النار؟

لماذا؟

لنسمع منها جوابها على هذه التساؤلات.

تقول أمّ سلمة:

بعد وفاة الرسول الكريم ذهبت لزيارة وتفقّد حال سيدة الإسلام فاطمة الزهراء، فلخّصت لي حالها بهذه الجمل العميقة:

أصبحت بين كمدٍ وكرب

٣١

فَقد النبي وظلم الوصي

هُتكَ والله حجابه...

ولكنّها أحقاد بدرية

وترات أحدية

كانت عليها قلوب النفاق مكتمنةً(1) .

ورغم ذلك لم يخفَ على أحد ما تحمّلته في سبيل، الدفاع عن الحرمة العلوية المقدّسة، وحماية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

فبالرغم من قصر حياتها بعد أبيها، حيث استجاب الله سبحانه وتعالى دعاءها، ولبّت بدورها نداء الباري ( عزّ وجلّ )، لتنتقل إلى جوار ربّها وتسارع لرؤية أبيها، بالرغم من ذلك، فقد بذلت كلَّ ما في وسعها من فداء وتضحية في الدفاع عن الإسلام، والتذكير بحق أمير المؤمنين علي.

صلّى الله عليكِ يا بنتَ رسول الله ورحمة الله وبركاته.

____________________

1. مناقب ابن شهر آشوب، ج2، ص225.

٣٢

فضائل الزهراء ( عليها السلام )

يجدر بالذكر هنا أنّ كل الأحاديث المذكورة في هذا القسم، والتي تصل الأربعين حديثاً، قد نُقلت من مصادر أهل السنّة المشهورة والمعروفة مع ذكر أدلتها.

٣٣

٣٤

منزلة فاطمة ( عليها السلام )

يتبادر إلى ذهن البعض - من الذين يجهلون أو يتجاهلون الحقائق - أنّ الفضائل الكريمة المذكورة لأهل بيت النبوّة، ومنزلتهم السامية، إنّما تعزى إلى حسن ظنِّ مواليهم وتعلّقهم الشديد بآل محمّد.

فلأنّهم يعشقون آل البيت؛ لذا فهم لا يرون الأمور إلاّ من هذا المنظار، فكل ما يُروى عنهم من فضيلة يؤمن بها المَوالي، دون أن يعيروا أهميةً لسندها ومدى صحتها.

ولرفع سوء الظَّنِّ من أولئك البعض، ولزيادة اطمئنان المحبين والموالين، فسوف نلجأ إلى مصادر المذاهب الأخرى المشهورة، وكتبهم المعروفة لننقل ما جاء فيها من أحاديث وفضائل عن أهل بيت النبوّة.

لقد ذكرنا من قبل فضائل سيدة النساء فاطمة الزهراء من خلال شرح موجز لحياتها المباركة، وغايتنا في هذا القسم من الكتاب أن نطّلع على المقام المعنوي الرفيع لبنت رسول الله، ومن ( خلال كتب أهل السُنّة المشهورة ).

وقبل الدخول في صلب هذا البحث، نرى من اللازم أن نذكر بعض النقاط المهمة:

1- من الظريف أنّ معظم المناقب والفضائل التي ذُكرت في كتب

٣٥

الشيعة عن فاطمة الزهراء، قد ذكرها أهل العامة في كتبهم المشهورة أيضاً، إلاّ القليل منها، والتي ذُكرت في مصادر الشيعة المعتبرة دون أن ترد في كتب الآخرين.

2- لم يُنقل في هذا القسم من الكتاب الذي بين يديك أي رواية عن كتب الشيعة، كما اقتصرنا على كتب الحديث والتاريخ المشهورة والمعتمدة من بين جميع كتب ومصادر العامة.

3- من المثير للدهشة، تلك العاصفة الهوجاء التي حلت بالأمّة الإسلامية بعد وفاة رسول الله بسبب الخلافة، والتي كانت تستبطن حرف مسار الخلافة عن آل بيت محمد إلى أشخاص آخرين، فبعد أن نصَّبهم الله سبحانه وتعالى خلفاءً للنبيِّ في حياته، قام هؤلاء الأشخاص بتنحيتهم عنها والاستيلاء على مسند الخلافة بعد وفاته.

إقصاء أهل البيت سبّب أن قام الحكّام بمحو فضائلهم ومناقبهم، وبالتالي محو ما يُثبت أولويتهم وأحقيتهم بخلافة رسول الله محمد، بالإضافة إلى أنّ إثبات تلك الفضائل والمناقب ستدعو الجميع للتساؤل، ما معنى أن يتصّدى الآخرون لهذا الأمر، وأهل بيت النبوة يتمتعون بهذه المنزلة وهذا المقام؟!

لِمَ لا نقدّم مَن قدّمه الله تعالى والرسول؟

ولماذا يُحرم المسلمون من بحر علوم هؤلاء؟

لماذا... ولماذا؟

لذا يتضح لنا أنّ محو أو تجاهل تلك الفضائل كان جزءً من خططهم السياسية، وقد بلغت هذه المسألة أوجها في عصر حكومة ( بني أميّة ) و ( بني العباس )، ولم يكن في السر أو في الخفية بل علناً وأمام الملأ، ولم

٣٦

يكتفوا بمحو فضائل أهل البيت فحسب، بل وبدأوا بإثبات فضيلة الآخرين من خلال نشر أحاديث وروايات موضوعة كاذبة، حتى وصل بهم الأمر إلى شراء بعض الصحابة - أو أشباه الصحابة - لهذا العمل القبيح، وأجزلوا لهم العطاء.

فلقد رُوي أنَّ معاوية سلّم لسمرة بن جندب مِئة ألف درهم؛ حتى يروي أنّ الآيتين الشريفتين التاليتين قد نزلتا في علي بن أبي طالب وهما:

( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ ) (1) .

وأنَّ الآية التالية:

( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ ) (2)

قد نزلت في عبد الرحمن بن ملجم.

فلم يقبل، فبذل له مِئتي ألف درهم، فلم يقبل، فبذل له ثلاثمِئة ألف، فلم يقبل، فبذل له أربعمِئة ألف، فقبل وروى ذلك.

وبهذا الشكل أصبح ذكر مناقب وفضائل آل البيت ممنوعاً على المنابر وفي المجالس، بل ويُعدُّ جرماً سياسياً في رأي النظام الحاكم، ومَن يخالف فقد حلّ عليه غضب النظام، فيُسجن في بئر مظلم، أو يقطعوا لسانه أو يصلبوه.

____________________

1. سورة البقرة، آية 204، 205.

2. سورة البقرة، آية207.

٣٧

بعد ما جاء معاوية إلى المدينة، حذّر الصحابي والمفسّر المعروف ( ابن عباس )، الذي كانت له مكانة خاصة في المجتمع الإسلامي، من ذكر فضائل عليِّ بن أبي طالب قال ابن عباس لمعاوية:

أتمنع قراءة القران؟ ( يعنى أنّي أتلو الآيات التي وردت في حقِّ علي ).

قال: اقرأ القران ولكن لا تفسر آياته!

لقد قدّر في مثل هذه الظروف أن تُمحى فضائل آل البيت، لاسيما أنّ وسائل الإعلام آنذاك كانت مقتصرةً على هذه المنابر وخطب الصلاة.

ولكن العجيب أنّ فضائل ومناقب آل بيت النبي لم تختفِ، رغم الجوِّ المشحون الذي صنعه المنافقون، وإنّما ملأت كتب الصديق والعدو أيضاً، والأعجب من ذلك أن نشاهد من بين تلك الوثائق التي تدل على فضائلهم، اعترافات صريحة لأشخاص مثل ( معاوية ) و ( عمرو بن العاص )، وبعض الخلفاء المتقدمين، يثبتون بها تلك الفضائل والمناقب، التي كان يتمتع بها آل البيت، علماً أنّ هذه الاعترافات قد أَرّختها أيدي مؤرخيهم على صفحات التاريخ!

وما ذلك إلاّ دليل على مشيئة الله في فضح المنافقين، وإعجاز كبير لأهل بيت العصمة.

4- أظهر الساعون في محو فضائل آل بيت الرسول الكثير من التعصّب؛ حيث لم يكتفوا بتشويه سمعة أمير المؤمنين علي وأبنائه الكرام، ودرج أسمائهم في القائمة السوداء لأولئك الحاقدين، وإنّما سعوا إلى هدم وتحطيم مكانتهم الاجتماعية، والأَمرّ من ذلك أنّهم عمدوا إلى إلحاق الأذى والإساءة، بكل مَن له علاقة بآل بيت محمد أياً كان نوعها.

فلماذا يصر البعض على رغم الآثار والدلائل التاريخية التي تشير إلى

٣٨

إيمان أبي طالب عم وحامي الرسول بأنّه مات كافراً و مشركاً؟! زاعمين أنّ الآية الشريفة.

( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْئَوْنَ عَنْهُ ) (1) قد نزلت فيه!

لا لشيء سوى أنّه والد أمير المؤمنين علي.

ولماذا إصرارهم على أنّ ( أبا ذر الغفاري ) ذلك الرجل الشجاع، ذو ( مذهب اشتراكي )، حيث يتهمونه في كتبهم بأنّه يحمل عقائد اشتراكية؟!

ليس إلاّ... كونه من خُلّص أصحاب أمير المؤمنين، ومن المعترضين على الخليفة الثالث في مسألة إتلاف وهدر مال المسلمين.

وهناك الكثير من مثل هذه التساؤلات.

فيا ترى بعد هذه المعاداة، أَلا يعجب المرء من وجود كلِّ هذه الفضائل والمناقب لآل البيت في كتب مخالفيهم؟ أَليس من المعجزة أن تعبر أحاديث تحكي فضائل آل محمد عصوراً وأزمنةً، حارب فيها الحكّام محبي آل البيت بشتى الطرق، حتى أنّهم كانوا يعتبرون تسمية المولود باسم علي جرماً لا يُغتفر؟!

5 - المثير للدهشة أنّ حذف تلك الفضائل لم يكن منحصراً بالقرون الأُولى للإسلام، أو بعصر بني أمية وبني العباس فقط، ففي العصر الحاضر الذي يُسمّى ( عصر المطالعات والدراسات التاريخية الدقيقة )، حيث طبع الكتب الإسلامية، ونشرها في مختلف الدول الإسلامية؛ لذا فإنّ أيّ تغيير أو تحريف أو حذف للحقائق يسبّب فضيحةً كبيرةً، رغم ذلك نرى

____________________

1 - سورة الأنعام آية 26 ( نقرأ شرحاً مفصّلاً عن هذه التهمة الكبيرة، والدلائل التي تشير إلى بطلانها ) في المجلّد الخامس من ( تفسير الأمثل ) من ص 191 وما بعدها.

٣٩

محقّقون متعصبون! ( إن أمكن الجمع بين التحقيق والتعصّب )، قد انتهجوا نفس أسلوب الأمويين والعباسيين في حذف وتغيير وتحريف الحقائق، ممّا حدا بالعلاّمة ( الأميني ) وهو المحقّق الإسلامي الكبير إلى أن يذكر في كتابه ( الغدير ) بعضاً من النماذج، منها كيف أنّ المؤرّخ المعروف ( الطبري ) حرّف الحديث المربوط بقصة يوم الدار، وتفسير آية( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ، واستعداد علي للوقوف بجانب رسول الله، وإعلانه بوصاية ووزارة علي من بعده، حرّف كل ذلك رغم سند الحديث المعتبر عند كلِّ المذاهب.

والأسوأ من ذلك ما فعله ( محمد حسين هيكل )، حيث نقل الحديث في الطبعة الأُولى من تاريخه، ثمَّ حذف القسم الأهم من الحديث في الطبعة التالية(1) .

والآن وكما قلنا آنفاً فإنّنا سنذكر مناقب فاطمة الزهراء ومقامها الرفيع، من خلال الأحاديث التي نقلتها كتب العامة المشهورة، وكما ذكرنا أيضاً فسوف لن ننقل أي حديث من مصادر وطرق الشيعة ( رغم أنّها معتبرة جداً ومن الدرجة الأُولى )، فنخلي الميدان لأحاديث الآخرين؛ حتى يتبيّن أنّ تألّق هذه السيدة لا يمكن أن يخفيه الستار الذي ألقاه الحاقدون.

يتمّ التركيز هنا على عشر مباحث تعتبر محاور أصلية للموضوع وأنّ الزهراء:

1- إنّها سيدة نساء العالمين.

2- حوراء إنسية.

____________________

1. انظر الغدير، ج2، ص 287-290.

٤٠