الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)0%

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 173

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف: الصفحات: 173
المشاهدات: 59308
تحميل: 5561

توضيحات:

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 173 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59308 / تحميل: 5561
الحجم الحجم الحجم
الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

3- محبوبة الرسول وبضعته.

4- مقرّبة إلى الله، يرضى لرضاها ويغضب لغضبها.

5- صاحبة التضحية الكبرى والفداء.

6- المقام العلمي لفاطمة.

7- كرامات سيدة النساء.

8- أوّل مَن يدخل الجنة.

9- أسامي فاطمة.

10- هدية النبي لابنته الزهراء.

٤١

سيدة نساء العالمين

من الطبيعي أن تختلف منزلة البشر من واحد لآخر، فمنهم مَن علا بفضيلته على الملائكة المقرّبين، ومنهم مَن هو أحطَّ من الحيوانات، وطبقاً لِما ينصُّ عليه القران ويوصي به الإسلام، فإنَّ ( العلم والإيمان والتقوى والصفات الإنسانية الفاضلة ) هي التي ترفع من مقام الإنسان وقيمته، وبالاستناد إلى هذه المعايير فإنّ السيدة فاطمة الزهراء - وعلى لسان رسول الله - سيدة نساء العالمين.

لقد ورد في مصادر أهل السنة المعروفة كثيراً من الروايات تنصُّ على أنّ فاطمة الزهراء أفضل نساء العالمين؛ حيث تحدث الرسول، بهذه لعدة مرات وبتعابير مختلفة.

1- قال:

( إنّ أفضل نساء الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم )(1) .

2- ونقرأ في حديث آخر للرسول حين اعتلّ علة الموت، عندما شاهد قلق واضطراب فاطمة أنّه قال:

( يا فاطمة، أَلا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه

____________________

1. نقل هذا الحديث في مستدرك الصحيحين، ج 2، ص497 ثمّ صرّح بأنّ سنده صحيح.

٤٢

الأمّة، وسيدة نساء المؤمنين )(1) .

و هنا تظهر أفضلية فاطمة المطلقة؛ حيث لم يورد الرسول في حديثه اسماً آخر.

3- نقل أبو نعيم الأصبهاني عن جابر بن سمرة، قال: جاء نبيّ الله فجلس وقال:

إنّ فاطمة وَجِعة، فقال القوم: لو عدناها؟

فقام فمشى حتى انتهى إلى الباب - والباب عليها مصفق - قال، فنادى: شُدّي عليك ثيابك فإنّ القوم جاؤوا يعودونكِ.

فقالت: يا نبيّ الله، ما عليَّ عباءة. قال: فأخذ رداءً فرمى به إليها من وراء الباب، فقال: شُدّي بهذا رأسك، فدخل ودخل القوم، فقعد ساعةً فخرجوا، فقال القوم: تالله بنت نبيّنا على هذا الحال؟

قال فالتفت فقال:

( أَما إنّها سيدة النساء يوم القيامة )(2) .

4 - وبتعبير آخر رواه صحيح(3) البخاري - وهو من أشهر مصادر الحديث عند العامة - نقلاً عن عائشة أنّها قالت:

أقبلت فاطمة كأنّ مشيتها مشية رسول الله فقال: مرحباً بابنتي، ثمّ أجلسها عن يمينه، ثم أسرَّ إليها حديثاً فبكت، فقلت استخصك رسول الله وأنت تبكين؟ ثمَّ أنّه أسرَّ لها فضحكت.

قالت: فقلت لها ما رأيت كاليوم أقرب فرحاً من حزن، ما أسرّ إليك؟

____________________

1. مستدرك الصحيحين، ج3، ص156، كما صرّح بصحة سند هذا الحديث.

2. حلية الأولياء، ج2، ص42.

3. صحيح البخاري كتاب بدء الخلق.

٤٣

فقالت فاطمة: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله.

حتى إذا قُبض الرسول سألتها، فقالت:

( إنّه أسرّ إليّ وقال: كان جبرئيل يعارضني بالقران في كلّ عام، وإنّه عارضني به هذا العام مرتين، ولا أراه إلاّ قد حضر أجلي، وإنّكِ أوّل أهلي لحوقاً بي، ولنِعمَ السلف أنا لكِ، فبكيت لذلك، فقال: أَما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة ونساء المؤمنين؟! فذلك الذي أضحكني ).

ويُتضح جيداً من التأمل في هذه الأحاديث، أنّه إذا قيل إنّ فاطمة واحدة من أربع من النساء الفاضلات، فإنّ ذلك لا ينافي كونها أفضل تلك النساء الأربع.

ودليلنا على هذا ما يفيده الحديث التالي:

5 - نُقل في كتاب ( ذخائر العقبى ) عن ابن عباس أنّ الرسول الكريم قال: ( أربع نسوة سيدات سادات عالمهنَّ: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وأفضلهنّ فاطمة )(1) ، وبالطبع فإنّ كلمة ( أفضلهنّ ) تشتمل على عدة معان، وتشير إلى المنزلة العلمية، والتقوى والإيثار، وسائر المَلَكات الفاضلة.

لقد صرّح القران قائلاً: أنّ الملائكة كانت تكلّم مريم، كما في الآية الشريفة:( إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) (2) .

وقد كلّمت مريم الملائكة، وهذا ما تنصّ عليه آية 16 والى آية 21 من

____________________

1. ذخائر العقبى، ص44، وأيضاً السيوطي في ( الدر المنثور ) ذكر هذا الحديث في أسفل آية 42 من سورة آل عمران.

2. سورة آل عمران، آية 42 كذلك آية 43و45.

٤٤

سورة مريم، وينص القران على أنّه كان يؤتى لمريم بطعام من الجنة، حيث نقرأ في الآية الشريفة:( فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُول حَسَن وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمَحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب ) (1) .

ويصفها في مكان آخر بأنّها ( صدّيقة )، كما في الآية الشريفة:

( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) (2) .

وغير ذلك من الفضائل التي يثبتها للسيدة مريم وباقي النساء الفاضلات كآسية بنت مزاحم، وكذلك يثبت النبي مثل هذه الفضائل والكرامات للسيدة خديجة الكبرى.

ومن هذا المنطلق نعرف أنَّ لفاطمة مقام عالي أو منزلة رفيعة مكرّمة، خصوصاً ما جاء في رواية ( الأفضلية ) التي تدل على أنَّ هذه المفاخر والمناقب، هي في الواقع جزء ممّا تتحلّى وتتميّز به فاطمة.

____________________

1. سورة آل عمران، آية 37.

2. سورة المائدة، آية 75.

٤٥

حوراء إنسية

إنّ اللبنة الأُولى في بناء كيان الإنسان هي انعقاد ( النطفة )؛ لأنّها على أية حال تحمل قسماً مهماً من قيمه الوجودية؛ ولذلك تواترت الروايات التي توصي بضرورة سلامة هذه اللبنة وصحة تكوينها.

وعند ما نطالع تاريخ حياة سيدة النساء، نرى أنّها قد امتازت في هذا المجال عن جميع شخصيات العالم رجالاً ونساءً.

ومن الأفضل أن نسمع هذا الحديث من فم رسول الله:

6 - عن ابن عباس قال:

كان النبي يكثر تقبيل فاطمة فقالت له عائشة:

إنّك تكثر تقبيل فاطمة.

فقال: ( إنّ جبرئيل ليلة أُسري بي أدخلني الجنة فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماءً في صلبي، فحملت خديجة بفاطمة، فإذا اشتقت لتك الثمار قبّلت فاطمة، فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها )(1) .

7- وجدير بالذكر أنّ بعض الروايات قد نصّت على فاكهة ( التفاح )، كما هو في كتاب ( ذخائر العقبى )، حيث ينقل ( الطبري ) حديثاً للرسول

____________________

1. ذخائر العقبى، ص36.

٤٦

عن جمع من الصحابة أنّه قال: ( لمّا أُسري بي أدخلني جبريل الجنة فناولني تفاحةً فأكلتها، فصارت نطفةً في ظهري، فلمّا نزلت من السماء واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة )(1) .

8 - وقد نقل في حديث آخر، أنّ الرسول قد تناول فاكهة ( السفرجل ) عند مروره بالجنة ليلة المعراج، جاء ذلك في ( مستدرك الصحيحين ) نقلاً عن ( سعد بن مالك )(2) .

9 - وجاء في حديث آخر، أنّ الفاكهة التي تناولها الرسول كانت غير معروفة لأهل الدنيا، كما أنّها كانت لذيذةً وعطرة النكهة، حيث نقل ( السيوطي ) في ( الدرّ المنثور ) عن الرسول أنّه قال:

( لمّا أُسري بي إلى السماء أُدخلت الجنة، فوقفت على شجرة من أشجار الجنة، لم أرَ في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقاً ولا أطيب ثمرةً، فتناولت من ثمرتها، فأكلتها فصارت نطفةً في صلبي، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعت خديجة، فحملت بفاطمة، فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة )(3) .

وفي الواقع فإنّ الحديث الأوّل في هذا الفصل يحوي ويفسّر مجموع هذه الأحاديث، فطبقاً لِما جاء فيه فإنّ الرسول قد تناول من جميع فواكه الجنة، وإنَّ نطفة فاطمة قد انعقدت من عصارة تلك الثمار، هذا مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ الدنيا التي نعيشها تختلف عن عالم الجنة، بقدر تعجز معه ألفاظنا عن تبيان حقائقها، وما نذكره عنها ما هو إلاّ إشارات مختصرة لِما تتمتع بها.

____________________

1. ذخائر العقبى، ص44.

2. مستدرك الصحيحين، ج3، ص156.

3. ( السيوطي ) في ( الدّر المنثور ) في تفسير آية( سبحانَ الذي أَسرى بعبدِهِ ) سورة الإسراء آية1.

٤٧

على كلِّ حال فإنّ حوراءً إنسية بالمواصفات الخلقية والطبيعية لأهل الجنة، لابد وأن تكون نطفتها من عصارة فاكهة الجنة، وهذا ما امتازت به هذه السيدة على سائر نساء العالمين.

كانت من نساء الجنة، نفسها وخلقتها، قلبها وروحها، لونها وهيئتها، قولها وحديثها، وغير ذلك من صفات وميزات أهل الجنة، وخلاصة القول أنّها من الجنة من رأسها إلى أخمص قدميها.

فهل في تاريخ البشرية مثل هذا الوسام المشرّف لغير هذه السيدة؟

٤٨

فاطمة ( عليه السلام ) أحب الناس إلى الرسول الكريم ( صلّى الله عليه وآله )

الحب والعشق، أقوى ما يربط بين موجودين.

يفيد قانون الجاذبية الذي يحكم عالم المادة، أنّ قوة الجذب تتناسب طردياً مع حاصل ضرب الكتلتين، وعكسياً مع مربع المسافة بينهما.

ويسري حكم هذا القانون في العالم المعنوي والعشق الإلهي أيضاً، فكلما سمت قيمة الأشخاص وتقاربت نفوسها، زادت علاقة الحب والعشق بينها!

مع وجود اختلاف بسيط يختص به عالم المادة، فأحياناً يولّد الاختلاف والتضاد تجاذباً بين الجسمين ( كما في التجاذب الحاصل بين الشحنتين الموجبة والسالبة )، على خلاف ما يحدث في عالم الأرواح، حيث تقوى رابطة الجذب كلما زاد الشبه فيما بينها، وتضعف إذا ما وُجد التضاد والاختلاف.

نتجه بعد هذه المقدمة القصيرة صوب عالم الأحاديث؛ لنتعرّف على مدى علاقة الرسول الكريم ( صلّى الله عليه وآله ) بابنته فاطمة الزهراء ( عليها السلام )، وإلى أيِّ مقدار كان يحبها؟

10 - يُروى عن عائشة أنّها قالت:

( ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، وكانت

٤٩

إذا دخلت عليه رحّب بها، وقام إليها، فأخذ بيدها فقبّلها، وأجلسها في مجلسه )(1) .

11- وجاء في رواية أخرى.

( كان كثيراً ما يقبّل عرف فاطمة )(2) .

12- وتنص رواية ثالثة على:

( كان كثيراً ما يقبّلها في فمها )(3) .

13- لقد كان الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) يظهر الكثير من محبته لفاطمة ( عليها السلام )، حتى أثار ذلك حفيظة عائشة، حيث قالت لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله ).

يا رسول الله، ما لكَ إذا جاءت فاطمة قبّلتها، حتى تجعل لسانك في فيها كله، كأنّك تريد أن تطعمها عسلاً؟!

قال ( صلّى الله عليه وآله ): نعم يا عائشة، إنّي لمّا أُسري بي إلى السماء... وقصَّ عليها قصة ثمار الجنة التي تناولها )(4) .

14- وجاء في صحيح أبي داوود

( كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة ( عليها السلام )، وأَوّل مَن يدخل عليه إذا قَدم فاطمة ( عليها السلام ) )(5) .

كما نقل ( أحمد بن حنبل ) هذه الرواية في مسنده(6) .

لكن نعلم أنّ للحب والحنان الواقعيين طرفين، فالحنان المطلق له

____________________

1. مستدرك الصحيحين، ج3، ص154.

2. كنز العمّال، ج7، ص111.

3. فيض الغدير، ص176.

4. تاريخ بغداد، ج5، ص87.

5. صحيح أبي داود، ج26، باب ما جاء في الانتفاع بالعاج.

6. مسند أحمد بن حنبل، ج6، ص282.

٥٠

جانب سلبي، ويكون سطحياً عديم القيمة، وكما أسلفنا فإنّ العشق الواقعي دليل على التشابه، وعندما يحصل التشابه ستتولّد الجاذبية بين الطرفين.

لذا فإنّ الروايات الإسلامية تعكس حقيقةً مهمةً، أَلا وهي أنّ العلاقة التي كانت تربط الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) بابنته فاطمة الزهراء ( عليها السلام )، كانت علاقة متبادلة وبنفس الشدة، وإليك شواهد ما أشرنا إليه:

15- جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان الجعفي، بينما رسول الله يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابه له جلوس، وقد نُحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل: أيّكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلمّا سجد النبي ( صلّى الله عليه وآله )، وضعه بين كتفيه، قال فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل إلى بعض، وأنا قائم أنظر لو كانت لي مِنعة طرحته عن ظهر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، والنبي ( صلّى الله عليه وآله ) ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت، وهي جويرية فطرحته عنه، ثمّ أقبلت عليهم تشتمهم، فلمّا قضى النبي ( صلّى الله عليه وآله ) صلاته، رفع صوته ثمّ دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً، ثمّ قال: ( اللَّهمَّ عليك بقريش، ثلاث مرات، فلمّا سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته ثمّ قال: اللّهمَّ عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأميّة بن خلف، وعقبة بن أبي معيط )، فو الذي بعث محمداً ( صلّى الله عليه وآله ) بالحق، لقد رأيت الذي سمّى صرعى يوم بدر، ثمّ سُحبوا إلى القليب قليب بدر(1) .

____________________

1. صحيح مسلم ( كتاب الجهاد والسّير )، وصحيح البخاري ( كتاب بدء الخلق، باب، ما لقي النبيّ وأصحابه من المشركين ).

٥١

نعم، لقد كانت الزهراء ( عليها السلام ) منذ صغرها خليطاً من ( المحبة ) و ( الشجاعة )، وهي دائماً على أُهبة الاستعداد في الدفاع عن أبيها ( صلّى الله عليه وآله ).

16- ونطالع أيضاً في نفس المصدر السابق عن أحداث غزوة أحد ما يأتي:

( قال سهل بن سعد: جُرح وجه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، وكُسرت رباعيته، وهُشمت البيضة على رأسه، فكانت فاطمة بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) تغسل الدم، وكان عليُّ بن أبي طالب يسكب عليها بالمِجَن، فلمّا رأت فاطمة أنّ الماء لا يزيد الدم إلاّ كثرةً، أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً، ثمّ ألصقته بالجرح فاستمسك الدم )(1) .

17- نقل ( أبو نعيم الأصفهاني ) في ( حلية الأولياء )، عن عليّ بن محمد بن إسماعيل، عن...عن أبي ثعلبة الخشني أنّه قال: قَدم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) من غزاة له، فدخل المسجد فصلّى فيه ركعتين - وكان يعجبه إذا قدم أن يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين - ثمّ خرج فأتى فاطمة فبدأ بها قبل بيوت أزواجه، فاستقبلته فاطمة ( عليها السلام )، وجعلت تقبّل وجهه وعينيه وتبكي.

فقال لها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ): ( ما يبكيك؟ قالت: أراك قد شحب لونك، فقال لها: يا فاطمة إنّ الله عزّ وجلّ بعث أباك بأمر، لم يبقَ على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر إلاّ أدخله به عزاً أو ذُلاً، يبلغ حيث بلغ الليل )(2) .

18- وروي فيما روي عن أحداث الخندق عن عليٍّ ( عليه السلام ) في حفر

____________________

1. صحيح مسلم ( كتاب الجهاد والسير ) وصحيح البخاري ( كتاب بدء الخلق، باب ( ما لقي النّبيّ وأصحابه من المشركين ).

2. حلية الأولياء ج2، ص30.

٥٢

الخندق، إذ جاءته فاطمة بكسرة من خبز فرفعتها إليه، فقال: ما هذه يا فاطمة؟ قالت: من قرص اختبزته لابنيَّ جئتك منه بهذه الكسرة، فقال: يا بنية، أَما إنّها لأوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث(1) .

ما أعظم قوى الجذب التي تربط بين هذا الأب وابنته؟

جاذبية متأصلة في أعماق روحيهما، ومحبة قد ارتشفت من منبع وجودهما، وعلاقة عشق تمخض عنها اتحاد روح الأب بروح ابنته في الملكوت الأعلى.

فهل هناك أفضل من هذا الافتخار لفاطمة الزهراء ( عليها السلام )؟.

فخر وفضيلة لم تكن لأي أحد عبر تاريخ الإسلام، سوى لمعلمها علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ).

____________________

1. ذخائر العقبى، ص47.

٥٣

قرب فاطمة ( عليها السلام ) من الله

نعلم أنّ الفناء هو أعلى مراتب القرب من الله سبحانه وتعالى.

( الفناء ) يعني تجاهل ونسيان كل شيء، وكل ذي نفس، بل وحتى الذات في مقابل الخالق الجبار، أي أن يصل المرء إلى مرحلة لا يرى فيها الوجود الدنيوي إلاّ سراباً، ولا يشاهد هذا العالم المخلوق إلاّ كظلٍّ باهت زائل.

يرى الله في كل مكان، ويبحث عنه في كلِّ مكان.

كالفراشة التي تدور حول شمعة تحترق، يصهر ذاته في وجود الله، فلا يرى قيمةً لكيانه في حضرة الإله.

يُعد ( التسليم المطلق ) لإرادة الله ( سبحانه وتعالى ) واحداً من الآثار المرتّبة على وصول المرء لهذا المقام، فما يريده الله هو المراد، وما يحبه هو الأصلح.

فرضاه من رضا الله، ورضا الله من رضاه.

وبهذه المعايير العرفانية نتوجه صوب المقام العرفاني لسيدة نساء العالمين، ونتعرّف على مدى سمو منزلتها عند الله، ونطّلع على الحقيقة التي أشار إليها رسول الإسلام الكريم ( صلّى الله عليه وآله ).

19 - نصّت الكتب المعروفة لأهل السنة على الكثير من الروايات التي

٥٤

تشير إلى أنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) قال لابنته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ):

( إنّ الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك )(1) .

20 - ورد في ( صحيح البخاري ) الذي يُعد من أشهر مصادر الحديث عند العامة، أنّ الرسول ( ص ) قال:

( فاطمة بضعة مني فمَن أغضبها فقد أغضبني )(2) .

21 - ونطالع في مكان آخر من نفس المصدر هذا الحديث:

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ).

( فإنّما هي فاطمة بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها )(3) .

وكما أشرنا سابقاً فإنَّ الأحاديث كثيرة في هذا المجال، وكلها تحكي عن المقام العالي لفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في معرفة الخالق، وعن درجة عصمتها، وإيمانها وإخلاصها، فقد سمت بمقامها إلى الله سبحانه وتعالى، حتى صار رضاها وغضبها مرآةً لرضا الله ورسوله، وسخطهما، ولا يمكن أن تُعادل هذه الدرجة السامية بأي شيء.

22 - وننهي بحثنا هذا بحديث آخر ينقله لنا ( صحيح الترمذي )، فقد قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):

( إنّما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما نصبها )(4) .

من البديهي أنّه لا يمكن لظاهرة الحنان التي تربط الوالد بولده أن

____________________

1. مستدرك الصحيحين، ج 3، ص 153. كما نقل هذا الحديث ( ابن حجر ) في ( الإصابة ) و ( ابن الأثير ) في ( أسد الغابة ).

2. صحيح البخاري ( كتاب بدء الخلق ) باب، مناقب قرابة رسول الله.

3. صحيح البخاري ( كتاب النّكاح ) باب ذبّ الرّجل عن ابنته، ورد مضمون هذين الحديثين في كتب معروفة مثل ( خصائص النسائي )، ( فيض الغدير )، ( كنز العمّال )، ( مسند أحمد )، ( صحيح أبى داوود ) و ( حلية الأولياء ).

4. صحيح الترمذي، ج 2، ص 319.

٥٥

تُفسّر هذا الأمر، أنّ النبي ( ص ) رسول الله لا يريد إلاّ ما أراد الله، وأنّ رضا وسعادة فاطمة ( عليها السلام ) من رضا الله ورسوله، ما هو إلاّ دليل على صهر إرادتها فيما يريده الله ويرضاه.

لا بدّ من الإشارة هنا إلى نقطة مهمة، وهي أنّ البعض فسّر جملة ( فاطمة بضعة مني ) على أنّها جزء من جسد الرسول ( صلّى الله عليه وآله )، في الوقت الذي يدل مفهوم الحديث، على أنّ فاطمة ( عليها السلام ) جزء من كيان ووجود أبيها محمّد ( صلّى الله عليه وآله )، ومن الناحيتين المادية والروحية، وهذا ما ستشير إليه الروايات التي سنستعرضها إن شاء الله تعالى.

٥٦

زهد فاطمة ( عليها السلام )

( حبّ الدنيا رأس كل خطيئة ).

بالاستناد إلى الحديث النبوي الشريف، وإلى ما تمخّضت عنه تجاربنا ومشاهداتنا في الحياة، فإنَّ كلَّ التجاوزات، الجنايات، الأكاذيب، الخيانات، الظلم، كانت نتيجةً لحب ( المال ) و ( الجاه ) و ( الشهوة )، هنا يتضح أنّ الزهد والورع هما أساس التقوى والطهارة والصلاح.

ولكن يجب معرفة ماهية الزهد، فالزهد لا يعني ترك الدنيا، والرهبنة والاعتزال عن المجتمع، بل أنّ حقيقة الزهد هي الحرية وعدم الوقوع في شراك الدنيا.

فالزاهد مَن لم يتعلّق قلبه بالدنيا وإن كانت عنده، فلو أحسّ يوماً بأنّ رضا الله سبحانه وتعالى منوط بتركه لِما في يديه، كان مستعداً لهذا العمل، ويقول من أعماقه:

يا ليت بيني وبينك عامرٌ

وبيني وبين العالمين خرابُ

وإذا استدعى الحفاظ على الحرية والشرف والإيمان، أن يضحّي بحياته وروحه وماله، لم يتوانَ في ذلك، ويصرخ من أعماقه هيهات منا الذلة.

وعلى حد قول القرآن الكريم في تعريفه للزاهد:

٥٧

( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) (1)

بعد هذه المقدمة القصيرة نتوجه إلى أحاديث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، ونتعرّف من خلالها على وجهة نظره بشأن شخصية فاطمة ( عليها السلام ).

23- نقل ( ابن حجر ) وآخرون في رواية عن الرسول ( صلّى الله عليه وآله ):

( أخرج أحمد وغيره ما حاصله، أنّه ( صلّى الله عليه وآله ) كان إذا قَدم من سفر أتى فاطمة، وأطال المكث عندها، ففي مرة صنعت لها مسكينِ من ورق وقلادة وقرطين، وستر باب بيتها، فقَدم ( صلّى الله عليه وآله ) ودخل عليها، ثمّ خرج وقد عُرف الغضب في وجهه، حتى جلس على المنبر فظنت أنّه إنّما فعل ذلك لمّا رأى ما صنعته، فأرسلت به إليه ليجعله في سبيل الله، فقال: ( فعلت فداها أبوها - ثلاث مرات - ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله في الخير جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء )، ثمّ قال: فدخل ( صلّى الله عليه وآله ) عليها )(2) .

من الواضح أن يكون ثمن السوارين والقرطين الفضيين والعقد الفضي زهيداً، والأزهد ثمناً منها ذلك الستار الذي يعلّقه الإنسان على باب الغرفة، غير أنّ الرسول ( ص ) كان يعتبر أنّ ذلك ليس من شأن فاطمة ( عليها السلام )، بل يرى أنّ فضيلتها وكرامتها تكمن في خصالها الإنسانية.

تعلّمت فاطمة ( عليها السلام ) هذا الدرس من أبيها مباشرةً، حيث رمت بالدنيا وزخرفها جانباً، محرّرةً نفسها من ذلك الأسر من ناحية، وأنفقت ما في يدها في سبيل الله من ناحية أخرى.

لقد عرفنا من خلال الحديث الذي سبق ذكره - برقم 3- نقلاً عن كتاب

____________________

1. سورة الحديد، آية 23.

2. الصواعق المحرقة، ص 109.

٥٨

( حلية الأولياء ) لم تكن تملك الحجاب الكافي، عند مجيء الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) وأصحابه لعيادتها، ممّا حدا به ( صلّى الله عليه وآله ) أن يناولها عباءته؛ لتستر نفسها وتستعد للضيوف الذين جاؤوا لعيادتها.

إنّ جهاز فاطمة ( عليها السلام ) ومراسم الزفاف التي جرت بمنتهى البساطة، وتفانيها في القيام على شؤون بيتها، حيث تحضن طفلها في إحدى يديها، وفي الأخرى تطحن الشعير لتهيّئ لهم الخبز، كل ذلك شواهد صادقة على زهدها العالي وإيمانها الصادق، ويشير الحديث التالي إلى هذا المعنى:

24- نقل أبو نعيم الأصفهاني في ( حلية الأولياء ):

( لقد طحنت فاطمة بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، حتى مجُلَت يدها، وربا وأثّر قطب الرحى في يدها )(1) .

25- نُقل في ( مسند أحمد ) وهو أحد أشهر مصادر أهل السنة عن ( أنس بن مالك ) أنّه قال:

إنّ بلالاً بطأ عن صلاة الصبح، فقال له النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ( ما حبسك ) فقال: مررت بفاطمة وهي تطحن، والصبي يبكي، فقلت لها إن شئتِ كفيتك الرحى وكفيتيني الصبي، وإن شئتِ كفيتك الصبي وكفيتيني الرحى، ( فقالت أنا أَرفق بابني منك )، فذاك حبسني، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):

( فرحمتها يرحمك الله )(2) .

من الفضائل الأخلاقية التي تتحلّى بها سيدة النساء، هي الشجاعة والشهامة، في دفاعها عن أبيها الرسول الكريم ( صلّى الله عليه وآله ) ضد مشركي مكة، كما أنّ

____________________

1. حلية الأولياء، ج2، ص41.

2. مسند أحمد، ج3، ص150.

٥٩

مجيئها إلى ميدان أُحُد، وتضميدها جراح الرسول ( صلّى الله عليه وآله )، لم يكن ليخفى عن أي أحد، وهذا ما أثبتته الأحاديث التي ذكرناها آنفاً.

لقد سارت على طريق العبودية، وعبادة الله منذ ولادتها، وهي على هذا الحال إلى أن فارقت روحها الحياة، والحديث الآتي يدل على هذا المعنى.

26- جاء في ( ذخائر العقبى ) ما جاء في قصة ولادة فاطمة الزهراء ( عليه السلام )، وانعقاد نطفتها من ثمار الجنة، وحضور النساء الأربع عند ولادتها: ( فوُلدت فاطمة ( عليها السلام )، فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدةً )(1) .

27- ونطالع في نفس المصدر روايةً تدلُّ على سموها وعفتها، حيث تنقل ( أسماء بنت عميس ) هذه القصة العجيبة:

قالت فاطمة ( عليها السلام ) لأسماء بنت عميس: ( يا أسماء، إنّي استقبحت ما يُصنع بالنساء، إنّه يُطرح على المرأة الثوب فيصفّها، وقالت أسماء: يا بنة رسول الله، أَلا أُريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة، فدعت بجرائد رطبة فحنّتها، ثمّ طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة (عليها السلام ): ما أحسن هذا وأجمله، تُعرف به المرأة من الرجل، فإذا أنا مت فاغسليني أنتِ وعلي ولا يدخل عليَّ أحد ).

وجاء في نهاية هذا الحديث.

إنّ فاطمة ( عليها السلام ) لمّا رأت النعش تبسّمت، وما رُؤيت مبتسمةً بعد النبي ( صلّى الله عليه وآله ) قط(2) .

____________________

1. ذخائر العقبى، ص44.

2. ذخائر العقبى، ص54.

٦٠