تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ٢

تسلية المجالس وزينة المجالس10%

تسلية المجالس وزينة المجالس مؤلف:
المحقق: فارس حسون كريم
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 562

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 562 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 382270 / تحميل: 7093
الحجم الحجم الحجم
تسلية المجالس وزينة المجالس

تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

امرأة قتلت رجلا قال تقتل به ولا يغرم أهلها شيئا.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول في رجل قتل امرأة متعمدا فقال إن شاء أهلها أن يقتلوه ويؤدوا إلى أهله نصف الدية وإن شاءوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم وقال في امرأة قتلت زوجها متعمدا فقال إن شاء أهله أن يقتلوه قتلوها وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه.

٥ ـ ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن الحلبي وأبي عبيدة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سئل عن رجل قتل امرأة خطأ وهي على رأس الولد تمخض قال عليه الدية خمسة آلاف درهم وعليه للذي في بطنها غرة وصيف أو وصيفة أو أربعون دينارا.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبان بن تغلب قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها قال عشر من الإبل قلت قطع اثنين قال عشرون قلت قطع ثلاثا قال ثلاثون قلت قطع أربعا قال عشرون قلت سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله ونقول الذي جاء به شيطان فقال مهلا يا أبان هكذا حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف يا أبان إنك أخذتني بالقياس والسنة إذا قيست محق

الحديث الرابع : صحيح.

الحديث الخامس : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « أو أربعون دينارا » خلاف ما عليه الأصحاب ، وحمله الشيخ تارة على التقية ، وأخرى على ما إذا كان علقة وسيأتي القول فيه.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « مهلا » أي اسكت وانظر في حتى أجيبك ، ويدل على عدم حجية القياس بالطريق الأولى أيضا فلا تغفل.

٦١

الدين.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المرأة بينها وبين الرجل قصاص قال نعم في الجراحات حتى تبلغ الثلث سواء فإذا بلغت الثلث ارتفع الرجل وسفلت المرأة.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن الحلبي قال سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن جراحات الرجال والنساء في الديات والقصاص فقال الرجال والنساء في القصاص سواء السن بالسن والشجة بالشجة والإصبع بالإصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية فإذا جاوزت الثلث صيرت دية الرجل في الجراحات ثلثي الدية ودية النساء ثلث الدية.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولاد ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله برجل قد ضرب امرأة حاملا بعمود الفسطاط فقتلها فخير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أولياءها أن يأخذوا الدية خمسة آلاف درهم وغرة وصيف أو وصيفة للذي في بطنها أو يدفعوا إلى أولياء القاتل خمسة آلاف [ درهم ] ويقتلوه.

الحديث السابع : حسن.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

الحديث التاسع : صحيح.

وهذا الخبر وما تقدمه بظواهرها تدل على أن الخيار في القود والدية إلى أولياء المقتول كما ذهب إليه ابن الجنيد ، إلا أن يأول بما قدمنا ذكره بأن يكون مبنيا على ما هو الغالب من رضا الجاني بالدية ، على أنه يجوز أن يكون في خصوص تلك الصورة الحكم كذلك ، لاشتمالها على الرد من الولي كما قال العلامة (ره) في القواعد ، ولو امتنع الولي أو كان فقيرا فالأقرب أن له المطالبة بدية الحرة إذ لا سبيل إلى طل الدم ـ انتهى.

والقول به في خصوص هذه الصورة قوي ، لدلالة الأخبار الكثيرة عليه.

٦٢

١٠ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال قلت له رجل قتل امرأة فقال إن أراد أهل المرأة أن يقتلوه أدوا نصف ديته وقتلوه وإلا قبلوا الدية.

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جراحات المرأة والرجل سواء إلى أن تبلغ ثلث الدية فإذا جاز ذلك تضاعفت جراحة الرجل على جراحة المرأة ضعفين.

١٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل فقأ عين امرأة فقال إن يشاءوا أن يفقئوا عينه ويؤدوا إليه ربع الدية وإن شاءت أن تأخذ ربع الدية وقال في امرأة فقأت عين رجل أنه إن شاء فقأ عينها وإلا أخذ دية عينه.

١٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال إن قتل رجل امرأة وأراد أهل المرأة أن يقتلوه أدوا نصف الدية إلى أهل الرجل.

١٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن عبد الكريم ، عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل قطع إصبع امرأة قال يقطع إصبعه حتى ينتهي إلى ثلث الدية فإذا جاز الثلث كان في الرجل الضعف.

الحديث العاشر : موثق.

الحديث الحادي عشر : حسن أو موثق.

ويدل على مذهب الشيخ ، ويمكن إرجاع« ذلك » إلى ما دون الثلث.

الحديث الثاني عشر : حسن.

الحديث الثالث عشر : صحيح.

الحديث الرابع عشر : موثق.

٦٣

( باب )

( من خطؤه عمد ومن عمده خطأ )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سئل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلا خطأ فقال إن خطأ المرأة والغلام عمد فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما ويؤدوا إلى أولياء الغلام خمسة آلاف درهم وإن أحبوا أن يقتلوا

باب من خطاؤه عمد ومن عمده خطاء

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « إن خطاء المرأة والغلام عمد » لا يخفى مخالفته للمشهور بل للإجماع ، ويحتمل أن يكون المراد بخطائهما ما صدر عنهما لنقصان عقلهما لا الخطأ المصطلح ، فالمراد بغلام لم يدرك شاب لم يبلغ كمال العقل ، مع كونه بالغا.

قال الشيخ في التهذيب(١) بعد إيراد الروايتين على عكس ترتيب الكتاب ، فأما قوله في الخبر الأول : إن خطاء المرأة والعبد عمد » وفي الرواية الأخرى « إن خطاء المرأة والغلام عمد » فهذا مخالف لقول الله ، لأن الله تعالى حكم في قتل الخطإ الدية دون القود ، ولا يجوز أن يكون الخطأ عمدا كمالا يجوز أن يكون العمد خطاء إلا فيمن ليس بمكلف ، مثل المجانين ، والذين ليسوا عقلاء وأيضا قد قدمنا من الأخبار ما يدل علي أن العبد إذا قتل خطاء سلم إلى أولياء المقتول ، أو يفتديه مولاه ، وليس لهم قتله ، وكذلك قد بينا أن الصبي إذا لم يبلغ فإن عمدة خطاء ، وتتحمل الدية عاقلته ، فكيف يجوز أن يكون خطاؤه عمدا ، وإذا كان الخبران على ما قلناه من الاختلاط لم ينبغ أن يكون العمل عليهما فيما يتعلق بأن يجعل الخطأ عمدا ، على أنه يشبه أن يكون الوجه فيه أن خطاءهما عمد ، على ما يعتقده بعض مخالفينا أنه خطاء لأن منهم من يقول كل من يقتل بغير حديدة فإن قتله خطاء ، وقد بينا

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ ص ٢٤٣.

٦٤

الغلام قتلوه وترد المرأة إلى أولياء الغلام ربع الدية وإن أحب أولياء المقتول أن يقتل المرأة قتلوها ويرد الغلام على أولياء المرأة ربع الدية قال وإن أحب أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية وعلى المرأة نصف الدية.

٢ ـ ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن ضريس الكناسي قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن امرأة وعبد قتلا رجلا خطأ فقال إن خطأ المرأة والعبد مثل العمد فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما فإن كان قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا

نحن خلاف ذلك ، وأن القتل بأي شيء كان إذا قصد كان عمدا ، ويكون القول فيقوله عليه‌السلام : « غلام لم يدرك » المراد به لم يدرك حد الكمال ، لأنا قد بينا أنه إذا بلغ خمسة أشبار اقتص منه. انتهى.

ثم اعلم أنه مع حمل الغلام على البالغ يبقى فيه مخالفتان للمشهور ، أحدهما فيقوله عليه‌السلام : « وترد المرأة على أولياء الغلام ربع الدية » فإنه موافق لما اختاره الشيخ في النهاية وتبعه تلميذه القاضي ، والمشهور أنها ترد على ورثة الرجل ديتها كاملة نصف دية الرجل.

وثانيهما فيقوله « ويرد الغلام على أولياء المرأة ربع الدية » فإن المقطوع به في كلامهم هو أنه حينئذ لا يرد على أولياء المقتول نصف الدية من الغلام ، وأماقوله « ويردوا على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم » فهو موافق للمشهور ، ويرد مذهب المفيد حيث ذهب إلى أن المردود على تقدير قتلهما يقسم أثلاثا ثلثه لأولياء المرأة وثلثاه لأولياء الرجل ، والله يعلم.

الحديث الثاني : صحيح.

وهذه الأحكام كلها موافقة للمشهور بين الأصحاب ، بعد حمل الخطإ على ما مر. قال في الشرائع : لو اشترك عبد وامرأة في قتل حر فللأولياء قتلهما ، ولا رد على المرأة ولا على العبد إلا أن يزيد قيمته عن نصف الدية ، فيرد على مولاه الزائد ، ولو قتلت المرأة به كان لهم استرقاق العبد إلا أن يكون قيمته زائدة عن نصف دية

٦٥

إلى سيد العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم وإن أحبوا أن يقتلوا المرأة ويأخذوا العبد أخذوا إلا أن يكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم ويأخذوا العبد أو يفتديه سيده وإن كانت قيمة العبد أقل من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلا العبد.

٣ ـ ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبيدة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن أعمى فقأ عين صحيح [ متعمدا ] قال فقال يا أبا عبيدة إن عمد الأعمى مثل الخطإ هذا فيه الدية من ماله فإن لم يكن له مال فإن ديته على الإمام ولا يبطل حق مسلم.

المقتول ، فيرد على مولاه ما فضل ، فإن قتلوا العبد وقيمته بقدر جنايته أو أقل فلا رد ، وعلى المرأة دية جنايتها ، وإن كان قيمته أكثر من نصف الدية ، ردت عليه المرأة ما فضل من قيمته ، فإن استوعب دية الحر وإلا كان الفاضل لورثة المقتول أولا.

الحديث الثالث : موثق.

وقال في المسالك : ذهب الشيخ في النهاية إلى أن عمد الأعمى وخطأه سواء ، يجب فيه الدية على عاقلته ، وتبعه ابن البراج ، وهو قول ابن الجنيد وابن بابويه والسند رواية الحلبي عن الصادقعليه‌السلام « أنه قال : » الأعمى جنايته خطاء ، يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما ، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمه دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين « الحديث » ورواية أبي عبيدة [ عن الباقرعليه‌السلام ] وهما مشتركان في الضعف ، ومختلفان في الحكم ، ومخالفان للأصول ، وذهب ابن إدريس وجملة المتأخرين إلى أن الأعمى كالمبصر في وجوب القصاص عليه بعمده.

٦٦

( باب نادر )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه وإن لم يكن بلغ خمسة أشبار قضي بالدية.

( باب )

( الرجل يقتل مملوكه أو ينكل به )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن رجل قتل مملوكا له قال يعتق رقبة ويصوم «شَهْرَيْنِ

باب نادر

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وقال في الشرائع : الصبي لا يقتل بصبي ولا بالغ ، وفي رواية يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا ، وفي الأخرى إذا بلغ خمسة أشبار يقام عليه الحدود ، والوجه أن عمد الصبي خطاء محض ، يلزم أرشه العاقلة ، حتى يبلغ خمس عشرة سنة.

وقال في المسالك : بمضمونها أفتى الصدوق والمفيد ، وبرواية العشر أفتى الشيخ في النهاية ، والحق أنها مع ضعفها شاذة مخالفة للأصول ، ولما أجمع عليه المسلمون إلا من شذ فلا يلتفت إليها.

باب الرجل يقتل مملوكه أو ينكل به

الحديث الأول : موثق بسنديه.

والمشهور بين الأصحاب وجوب كفارة الجمع بالقتل عمدا ، سواء كان المقتول حرا أو عبدا مملوكا للقاتل أو غيره صغيرا كان أو كبيرا.

وقال في المختلف : قال المفيد : السيد إذا قتل عبده عمدا كان عليه كفارة عتق

٦٧

مُتَتابِعَيْنِ » ويتوب إلى الله.

علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن زرعة ، عن سماعة مثله.

٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال في الرجل يقتل مملوكه متعمدا قال يعجبني أن يعتق رقبة ويصوم «شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ » ويطعم ستين مسكينا ثم تكون التوبة بعد ذلك.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن حمران ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في الرجل يقتل مملوكا له قال يعتق رقبة ويصوم «شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ » ويتوب إلى الله عز وجل.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبي المغراء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قتل عبده متعمدا فعليه أن يعتق رقبة وأن يطعم ستين مسكينا ويصوم «شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ ».

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن المختار بن محمد بن المختار ومحمد بن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن العلوي جميعا ، عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسنعليه‌السلام في رجل قتل مملوكته أو مملوكه قال إن كان المملوك له أدب وحبس إلا أن يكون معروفا بقتل المماليك فيقتل به.

رقبة مؤمنة ، فإن أضاف إليه صوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا ، فهو أحوط وأفضل له في كفارته انتهى.

وربما يؤيد قول المفيد بالاكتفاء ببعض الخصال في بعض الأخبار ، وبقوله :عليه‌السلام « يعجبني » في حسنة الحلبي ، لكن يشكل تخصيص الأخبار المطلقة ، وتأويل الأخبار الخاصة بمفهوم هذه الأخبار ، وأما الإعجاب فيمكن أن يكون لتأخير التوبة عن الخصال لا لنفسها.

الحديث الثاني : حسن.

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : صحيح.

الحديث الخامس : مجهول.

٦٨

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن أمير المؤمنينعليه‌السلام رفع إليه رجل عذب عبده حتى مات فضربه مائة نكالا وحبسه سنة وأغرمه قيمة العبد فتصدق بها عنه.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس عنهمعليه‌السلام قال سئل عن رجل قتل مملوكه قال إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضربا شديدا وأخذ منه قيمة العبد ويدفع إلى بيت مال المسلمين وإن كان متعودا للقتل قتل به.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام في امرأة قطعت ثدي وليدتها أنها

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

ويدل الخبر على أحكام :

الأول : وجوب ضرب مائة سوط ، وإنما ذكر الأصحاب فيه التعزير مع تصريحهم بأن التعزير يجب أن لا يبلغ الحد ، لكن مستندهم ظاهرا هذا الخبر.

الثاني : الحبس سنة ، ولم أجد من تعرض له منهم.

الثالث : وجوب التصدق بقيمته ، وقد قطع به الأكثر وتردد فيه ابن الجنيد والعلامة في بعض كتبه ، والشهيد الثاني رحمهم الله تعالى.

الحديث السابع : مجهول.

والمشهور بين الأصحاب التصدق به كما مر ويمكن الجمع بالتخيير.

الحديث الثامن : حسن.

ويدل على أن التنكيل موجب للعتق من غير ولاء كما هو المشهور بين الأصحاب ، وعلى أنه إذا جعله بعد ذلك ضامن جريرته يرثه ، ويحتمل أن يكون ضمير الفاعل في « ضمن » راجعا إلى « من أحب ».

٦٩

حرة لا سبيل لمولاتها عليها وقضى فيمن نكل بمملوكه فهو حر لا سبيل له عليه سائبة يذهب فيتولى إلى من أحب فإذا ضمن جريرته فهو يرثه.

( باب )

( الرجل الحر يقتل مملوك غيره أو يجرحه والمملوك يقتل )

( الحر أو يجرحه )

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال قلت له قول الله عز وجل «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى » قال فقال لا يقتل حر بعبد ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم ثمنه دية العبد.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال يقتل العبد بالحر ولا يقتل الحر بالعبد ولكن يغرم ثمنه ويضرب ضربا شديدا حتى لا يعود.

باب الرجل الحر يقتل مملوك غيره أو يجرحه والمملوك يقتل الحر أو يجرحه

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « لا يقتل حر بعبد » تفسير وتخصيص للآية ، إذ ظاهرها عدم قتل العبد أيضا بالحر لكنه خرج بالأخبار والإجماع ، وكذا الذكر والأنثى من الجانبين ولا خلاف بين الأصحاب في عدم قتل الحر بالعبد مع عدم كونه معتادا لقتلهم ، وأما مع الاعتياد فقيل يقتل مطلقا سواء كان عبده أو غيره ، وقيل : لا يقتل مطلقا ، وعلى الأول ففي قتله قصاصا فيرد فاضل ديته عن القيمة أو حدا لإفساده فلا يرد عليه شيء وجهان ، وذهب أكثر القائلين به إلى الثاني وهو الظاهر من الأخبار الدالة عليه.

الحديث الثاني : موثق والحكم إجماعي.

٧٠

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لا يقتل الحر بالعبد وإذا قتل الحر العبد غرم ثمنه وضرب ضربا شديدا.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يقتل حر بعبد وإن قتله عمدا ولكن يغرم ثمنه ويضرب ضربا شديدا إذا قتله عمدا وقال دية المملوك ثمنه.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال دية العبد قيمته فإن كان نفيسا فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم ولا يجاوز به دية الحر.

٦ ـ يونس ، عن أبان بن تغلب عمن رواه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا قتل العبد الحر دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا حبسوه وإن شاءوا استرقوه ويكون عبدا لهم.

الحديث الثالث : حسن.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

الحديث الخامس : صحيح.

ولا خلاف فيه بين الأصحاب إلا ابن حمزة حيث قال : وإن قتل عبد غيره لزمه قيمته ما لم تتجاوز دية الحر ، فإن تجاوزت أدت إلى أقل من دية الحر ولو بدينار ولا يعلم مستنده ، والروايات إنما تدل على عدم الزيادة.

الحديث السادس : مرسل.

ويدل هذا الخبر والخبر الآتي على أن الوارث في العمد بالخيار بين القتل والاسترقاق ، ولا خلاف في تسلط الولي على قتله ، وأما إذا أراد استرقاقه فهل يتوقف على رضا المولى؟ فالأشهر بين الأصحاب وظاهر الأخبار العدم ، وقيل : يتوقف على رضاه ، لأن القتل عمدا يوجب القصاص ولا يثبت المال عوضا عنه إلا بالتراضي ، ولا يخفى ضعفه في مقابلة النصوص.

٧١

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام في العبد إذا قتل الحر دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا استرقوه.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن مدبر قتل رجلا عمدا فقال يقتل به قال قلت فإن قتله خطأ قال فقال يدفع إلى أولياء المقتول فيكون لهم رقا إن شاءوا باعوه وإن شاءوا استرقوه وليس لهم أن يقتلوه قال ثم قال يا أبا محمد إن المدبر مملوك.

الحديث السابع : حسن.

الحديث الثامن : صحيح.

واعلم أن المقطوع به في كلام الأصحاب هو أن المدبر إذا قتل عمدا قتل به ، وإن شاء الولي استرقه وبطل تدبيره ، وأما لو قتل خطاء فإن فكه مولاه بأرش الجناية أو أقل الأمرين على القولين لم يبطل التدبير ، وإن سلمه فاختلفوا فيه في موضعين :

الأول أنه هل يعتق بموت مولاه الذي دبره أم يبطل التدبير؟ فذهب الشيخان إلى الأول ، وابن إدريس وأكثر المتأخرين إلى الثاني كما هو ظاهر هذا الخبر وغيره.

والثاني في أنه على القول بعدم بطلان التدبير والحكم بعتقه بعد موت المولى هل يسعى في شيء لأولياء المقتول؟ قيل : لا ، لإطلاق الرواية.

وقال الشيخ : يسعى في دية المقتول إن كان حرا وقيمته إن كان عبدا ، وقال الصدوق : يسعى في قيمته ، وقيل : يسعى في أقل الأمرين من قيمة نفسه ومن دية المقتول أو قيمته جمعا بين الأدلة.

وقال الشهيد الثاني : والأقوى في الموضعين أنه مع استرقاقه بالفعل قبل موت المولى يبطل التدبير ، وإلا عتق بموت مولاه وسعى في فك رقبته بأقل الأمرين من قيمته يوم الجناية وأرش الجناية إن لم تكن الجناية موجبة لقتله حرا ، ويمكن الجمع بين الأخبار بذلك أيضا. انتهى ، ولا يخفى قوته ومتانته.

٧٢

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام مدبر قتل رجلا خطأ من يضمن عنه قال يصالح عنه مولاه فإن أبى دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبره ثم يرجع حرا لا سبيل عليه وفي رواية أخرى ويستسعى في قيمته.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي محمد الوابشي قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوم ادعوا على عبد جناية يحيط برقبته فأقر العبد بها قال لا يجوز إقرار العبد على سيده فإن أقاموا البينة على ما ادعوا على العبد أخذ العبد بها أو يفتديه مولاه.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا قتل الحر العبد غرم قيمته وأدب قيل فإن كانت قيمته عشرين ألف درهم قال لا يجاوز بقيمة عبد دية الأحرار.

١٢ ـ وعنه وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن علي بن

الحديث التاسع : حسن وآخره مرسل.

وحمل على أقل الأمرين أو أرش الجناية.

الحديث العاشر : مجهول.

ولا خلاف في عدم اعتبار إقرار المملوك بالجناية ولو أقر بما يوجب المال يتبع به إذا تحرر.

وقوله عليه‌السلام : « أو يفتديه مولاه » محمول على ما إذا رضي به الوارث إذا كان عمدا ، والافتداء لم يرد متعديا بنفسه فيما عندنا من كتب اللغة ، وإنما يقال : يفتدي به ، ولعل فيه حذفا وإيصالا وتصحيفا.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

الحديث الثاني عشر : حسن كالصحيح.

ويدل على أحكام. الأول : إن الخيار في جراحة العبد عمدا إلى المجروح بين

٧٣

رئاب ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال في عبد جرح حرا قال إن شاء الحر اقتص منه وإن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته وإن كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحر المجروح من العبد بقدر دية جراحته ـ والباقي للمولى يباع العبد فيأخذ المجروح حقه ويرد الباقي على المولى.

١٣ ـ ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل شج عبدا موضحة قال عليه نصف عشر قيمته.

القصاص واسترقاق الكل إن كانت الجناية تحيط برقبته ، وإلا فبقدر أرش الجناية كما هو المشهور بين الأصحاب.

الثاني : إنه مع عدم استيعاب الجناية يفديه مولاه إن أراد ، وحمل على ما إذا أراد المجني عليه أيضا ، وإلا فله الاسترقاق بقدر أرش الجناية كما هو الأشهر ، وعمل بظاهره ابن الجنيد حيث قال : إذا كان أرش جناية العبد لا يحيط برقبته كان الخيار إلى سيده إن شاء فداه ، وإلا كان المجني عليه شريكا في رقبة العبد بقدر أرش الجناية ، وإن كان أرش جنايته يحيط برقبة كان الخيار إلى المجني عليه أو وليه ، فإن شاء ملك الرقبة وإن شاء أخذ من سيده قيمته.

الثالث : إنه مع عدم رضا المولى بالفداء ، للمجروح استرقاقه بقدر الجناية ولا خلاف فيه.

الرابع : إن للمولى أن يجبر على بيع جميع العبد ليأخذ قدر أرشه ، وهو الظاهر من المحقق في الشرائع ، لكن الظاهر من كلام الأكثر والأوفق بأصولهم أن له أن يبيع بقدر أرش الجناية ، ويمكن أن يحمل الخبر على ما إذا رضي المولى بالبيع أو على ما إذا لم يمكن بيع البعض ، والأخير أيضا لا يخلو من إشكال. فالله يعلم.

الحديث الثالث عشر : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « عليه نصف عشر قيمته » لأن في الموضحة خمسا من الإبل وهي نصف عشر تمام الدية ، ففي العبد نصف عشر قيمته كما هو المقرر في جراحات

٧٤

١٤ ـ ابن محبوب ، عن الحسن بن صالح قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن عبد قطع يد رجل حر وله ثلاث أصابع من يده شلل فقال وما قيمة العبد قلت اجعلها ما شئت قال إن كان قيمة العبد أكثر من دية الإصبعين الصحيحتين والثلاث أصابع الشلل رد الذي قطعت يده على مولى العبد ما فضل من القيمة وأخذ العبد وإن شاء أخذ قيمة الإصبعين الصحيحتين والثلاث أصابع الشلل قلت وكم قيمة الإصبعين الصحيحتين مع الكف والثلاث الأصابع [ الشلل ] قال قيمة الإصبعين الصحيحتين مع الكف ألفا درهم وقيمة الثلاث الأصابع الشلل مع الكف ألف درهم لأنها على الثلث من دية الصحاح قال وإن

المملوك.

الحديث الرابع عشر : ضعيف.

قوله : « من يده شلل » الشلل بالتحريك مصدر ، والصفة للمذكر أشل وللمؤنث شلاء فالتوصيف والحمل إما للمبالغة ، أو بحذف مضاف أي ذوات شلل ، والأظهر أنه كان شلاء بالضم ، جمع شلاء فصحف.

قوله : « اجعلها ما شئت » أي أفرضها ما شئت وبين لها حكمها ويستفاد من الخبر أمور.

الأول : تساوي دية الأصابع كما هو الأشهر وسيأتي.

الثاني : كون دية العضو الأشل ثلث دية الصحيح كما هو المقطوع به في كلامهم.

الثالث : عدم قطع اليد الصحيحة بالشلاء ، وإن كان الجاني عبدا والمجني عليه حرا إذ لم يتعرضعليه‌السلام لذكر القصاص مع عدم التخصيص بالخطاء ، وهو الظاهر من تعميم الأصحاب.

الرابع : أن شلل الأصابع وصحتها يسري حكمها إلى جميع الكف ، ولم أرهم صرحوا بذلك ، لكن لا يبعد القول به على أصولهم.

الخامس : تخيير المولى مع استيعاب الجناية بين الفداء ، ودفع العبد ولعله

٧٥

كان قيمة العبد أقل من دية الإصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل دفع العبد إلى الذي قطعت يده أو يفتديه مولاه ويأخذ العبد.

١٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس عمن رواه قال قال يلزم مولى العبد قصاص جراحة عبده من قيمة ديته على حساب ذلك يصير أرش الجراحة وإذا جرح الحر العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته.

١٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن جميل وعلي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمد بن حمران جميعا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في مدبر قتل رجلا خطأ قال إن شاء مولاه أن يؤدي إليهم الدية وإلا دفعه إليهم

محمول على ما إذا رضي به المجني عليه أو على الخطإ.

الحديث الخامس عشر : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « من قيمة ديته » لعل الضمير راجع إلى المجني عليه المعلوم بقرينة المقام أو إلى الجراح.

والحاصل أن المولى يلزمه إذا أراد الفك أن يعطي دية الجرح بالنظر إلى المجروح لا بالنظر إليه ، فيدل على مذهب من قال بثبوت أرش الجناية مطلقا ، ويحتمل إرجاع الضمير إلى العبد إشارة إلى أن المولى لا يلزم بأزيد من قيمة العبد ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما ذكره الأصحاب من أن أرش الجناية الواقعة على الحر إذا لم يقدر في الشرع تفرض الجناية في العبد وبنسبة نقص قيمته يؤخذ من الدية ، لكن تطبيقه على العبارة مشكل ،قوله عليه‌السلام : « فقيمة جراحته » إلى آخره أي ينسب دية الجراح في الحر إلى مجموع ديته ، وبهذه النسبة يؤخذ من قيمة العبد كما ذكره الأصحاب.

الحديث السادس عشر : السند الأول ضعيف على المشهور والثاني مجهول.

وقال الشيخ في التهذيب(١) : هذه الروايات هكذا وردت مطلقة بأنه متى مات المدبر صار المدبر حرا ، وليس فيها أنه يستسعي في الدية ، والأولى أن يشترط ذلك فيها فيقال

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ ص ١٩٨.

٧٦

يخدمهم فإذا مات مولاه يعني الذي أعتقه رجع حرا وفي رواية يونس لا شيء عليه.

١٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن نعيم بن إبراهيم ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أم الولد جنايتها في حقوق الناس على سيدها وما كان من حقوق الله عز وجل في الحدود فإن ذلك في بدنها قال ويقاص منها للمماليك ولا قصاص بين الحر والعبد.

١٨ ـ عنه ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في عبد فقأ عين حر وعلى العبد دين إن على العبد حدا للمفقوء عينه و

إذا مات المولى الذي دبره استسعى في دية المقتول ، » لئلا يبطل دم امرئ مسلم ، وذلك لا ينافي هذه الأخبار ، فأما قوله في رواية يونس« لا شيء عليه » فنحمله على أنه لا شيء عليه من العقوبة ، أو أنه لا شيء عليه في الحال وإن وجب عليه أن يسعى على مر الأوقات.

الحديث السابع عشر : مجهول.

وظاهره أن جنايتها لا تتعلق برقبتها ، بل يلزم المولى أرش جنايتها ونسب القول بذلك إلى الشيخ في المبسوط ، وابن البراج ، والمشهور بين الأصحاب أن جنايتها تتعلق برقبتها ، وللمولى فكها إما بأرش الجناية أو بأقل الأمرين وإن شاء دفعها إلى المجني عليه. هذا في الخطإ.

وأما في العمد فلا خلاف في جواز القود ، وأما الاسترقاق فالظاهر أنه يجري فيه ما مر.

وقال الشهيد (ره) في الدروس بعد نقل مضمون الرواية : ويمكن حملها على أن له الفداء وهو متين.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « حدا » أي حكما جاريا فإن كان عمدا يقتص منه ولا يمنع منه عدم قدرته بعد ذلك على الكسب للغرماء إن تعلق دينهم بكسبه ، لتقدم حق الجناية المتعلق

٧٧

يبطل دين الغرماء.

١٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل له مملوكان قتل أحدهما صاحبه أله أن يقيده به دون السلطان إن أحب ذلك قال هو ماله يفعل به ما يشاء إن شاء قتله وإن شاء عفا.

٢٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن الخطاب بن سلمة ، عن هشام بن أحمر قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن مدبر قتل رجلا خطأ قال أي شيء رويتم في هذا قال قلت روينا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال يتل برمته إلى أولياء المقتول فإذا مات الذي دبره أعتق قال سبحان الله فيبطل دم امرئ مسلم قال قلت هكذا روينا قال قد غلطتم على أبي يتل برمته إلى أولياء المقتول فإذا مات

برقبته على الدين المتعلق بكسبه أو ذمته ، ويجوز للمجني عليه استرقاقه ، وكذا في الخطإ يجوز استرقاقه ، ويمكن أن يخص الحد بالقصاص بل هو أظهر.

الحديث التاسع عشر : موثق.

ولا خلاف ظاهرا بين الأصحاب في كونه مخيرا بين العفو والقود ، والخبر يدل على جواز القود له بدون إذن الإمامعليه‌السلام كما ذهب إليه جماعة ، لا سيما إذا كان مملوكه والأحوط عدم المبادرة بدون إذن الحاكم.

الحديث العشرون : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « يتل برمته » قال الجزري يقال : تله في يده أي ألقاه ، وتله للجبين : أي صرعه ، وقال : وفي حديث عليعليه‌السلام « إن جاء بأربعة يشهدون وإلا دفع إليه برمته » الرمة بالضم قطعة حبل يشد بها الأسير ، أو القاتل إذا قيد إلى القصاص أي يسلم إليهم بالحبل الذي شد به تمكينا لهم منه ، لئلا يهرب ، ثم اتسعوا فيه حتى قالوا « أخذت الشيء برمته » أي كله انتهى ، والخبر يدل على أنه يستسعي في قيمته ، وإن زادت الدية عنها كما هو الأشهر ، ويمكن الجمع بين الأخبار بالتخيير بين الاسترقاق ـ فلا يعتق بعد موت المولى ـ وبين استخدامه إلى موت المولى ، واستسعائه

٧٨

الذي دبره استسعي في قيمته.

٢١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي مريم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام في أنف العبد أو ذكره أو شيء يحيط بثمنه أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد ويأخذ العبد.

( باب )

( المكاتب يقتل الحر أو يجرحه والحر يقتل المكاتب أو يجرحه )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام في مكاتب قتل قال يحسب

بعده ليعتق ، ويحمل أخبار عدم الاستسعاء على الاستحباب.

الحديث الحادي والعشرون : حسن أو موثق.

ومضمونه مقطوع به في كلام الأصحاب ، حيث حكموا بأنه إذا جنى الحر على العبد بما فيه ديته فمولاه بالخيار بين إمساكه ولا شيء له ، وبين دفعه وأخذ قيمته ، لئلا يجمع بين العوض والمعوض ، واستثنى الأكثر من ذلك ، ما لو كان الجاني غاصبا ، فإنه يجمع عليه بين أخذ العوض ، والمعوض مراعاة لجانب المالية ، ووقوفا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق.

باب المكاتب يقتل الحر أو يجرحه والحر يقتل المكاتب أو يجرحه

الحديث الأول : صحيح أو حسن.

وعليه عمل الأصحاب ولم يخالف ظاهرا إلا الشيخ في الاستبصار حيث قال : يحسب ويؤدي منه بحساب الحرية ما لم يكن أدى نصف ثمنه ، فإذا أدى ذلك كان حكمه حكم الأحرار ، وقال الصدوق : إذا فقأ حر. عين مكاتب أو كسر سنه فإن كان أدى نصف مكاتبته ، فقأ عين الحر أو أخذ ديته إن كان خطاء فإنه بمنزلة الحر وإن كان لم يؤد النصف قوم فأدى بقدر ما عتق منه انتهى ، ومستندهما خبر طرح

٧٩

ما أعتق منه فيؤدى دية الحر وما رق منه فدية العبد.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي ولاد الحناط قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن مكاتب اشترط عليه

بالجهالة.

الحديث الثاني : صحيح.

واعلم أن المكاتب إن لم يؤد من مكاتبته شيئا أو كان مشروطا فهو كالقن ، وإن كان مطلقا وقد أدى من مال الكتابة شيئا تحرر منه بحسابه ، فإذا قتل حرا عمدا قتل به ، وإن قتل مملوكا فلا قود ، وتعلقت الجناية بما فيه من الرقية مبعضة ، فيسعى في نصيب الحرية ويسترق الباقي منه ، أو يباع في نصيب الرقية إلا أن يفكه المولى فيبقى على مكاتبته. وإذا قتل خطاء تتعلق الجناية برقبته مبعضة ، فما قابل نصيب الحرية يكون على الإمام ، وما قابل نصيب الرقية إن فداه المولى فالكتابة بحالها وإن دفعه استرقه أولياء المقتول ، وبطلت الكتابة في ذلك البعض ، هذا هو المشهور وفيه أقوال أخر ، أحدها : أنه مع أداء نصف ما عليه يصير بمنزلة الحر ، فيستسعى في العمد ، ويجب على الإمام أداء نصيب الحرية في الخطإ ، نسب إلى الشيخ في الاستبصار وإلى الصدوق وقد عرفت ما ذهبا إليه فيما نقلنا عنهما ، وثانيهما أن على الإمام أن يؤدي بقدر ما عتق من المكاتب ، وما لم يؤد فلمورثه أن يستخدموه فيه مدة حياته ، وليس لهم بيعه. ذهب إليه المفيد وسلار ، ونسب إلى الصدوق أيضا.

وثالثها : أن على مولاه ما قابل نصيب الرقية ، وعلى الإمام ما قابل الحرية ، ذهب إليه الشيخ في النهاية وابن إدريس.

فإذا عرفت هذا ففي هذا الخبر إشكال من حيث إن الحكم المذكور فيه هو حكم غير المشروط ، وقد صرح فيه بأنه حكم المشروط ، ولعله سقط حكم المشروط من البين ، وقيل : المعنى اشترط أن يكون جنايته عليه ، ولا يخفى بعده ، وفي الفقيه(١) هكذا « قال : سألت أبا عبد الله عن مكاتب جنى على رجل » إلى آخره وهو

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ٩٦.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

عقيل، واصعد به إلى أعلى القصر، واضرب عنقه ليكون ذلك أشفى لصدرك.

قال: فأصعد مسلم إلى أعلى القصر وهو يسبّح الله ويستغفره ويقول: اللّهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا، حتّى اُتي به إلى أعلى القصر، وتقدّم ذلك الشامي إليه فضرب عنقه صلوات الله ورحمته وبركاته عليه ثمّ نزل الشامي إلى ابن زياد وهو مذعور.

فقال ابن زياد: ما الّذي ذعرك؟

قال: رأيت ساعة قتلته رجلاً بحذائي أسود شديد السواد كريه المنظر وهو عاضّ على اصبعه - أو قال على شفته - ففزعت منه فزعاً لم أفزع مثله، فتبسّم ابن زياد، وقال: لعلّك دهشت وهذه عادة لم تعتدها.

قال : ثمّ دعا ابن زياد بهانىء بن عروة أن يخرج فيلحق بمسلم.

فقال: محمد بن الأشعث: أصلح الله الأمير، إنّك قد عرفت منزلته [ في المصر ](١) وشرفه في عشيرته، وقد علم قومه أنّي وأسماء(٢) بن خارجة جئناك به، فاُنشدك الله أيّها الأمير إلاّ وهبته لي، فإنّي أخاف عداوة قومه لي فإنّهم سادة أهل الكوفة، فزبره ابن زياد وأمر بهانىء بن عروة فاخرج الى السوق الى مكان يباع فيه الغنم، وهو مكتوف، وعلم هانيء أنّه مقتول، فجعل يقول: وامذحجاه وأين بني(٣) مذحج؟ واعشيرتاه وأين بني عشيرتي؟ ثمّ أخرج يده من الكتاف، فقال: أمّا من عصا أو سكيّن أو حجر يدرأ(٤) به الرجل عن نفسه؟ فوثبوا إليه

____________

١ - من المقتل.

٢ - كذا في المقتل، وفي الأصل: مسلم.

٣ - في المقتل: منّي، وكذا في الموضع الآتي.

٤ - في المقتل: يجاحش.

٢٠١

فشدّوه، ثمّ قالوا له: امدد عنقك.

فقال: ما أنا بمعينكم على نفسي، فضربه غلام لابن زياد بالسيف ضربه فلم تعمل فيه شيئاً.

فقال هانىء: إلى الله المعاد والمنقلب، اللّهمّ إلى رحمتك ورضوانك، اللّهمّ اجعل هذا اليوم كفّارة لذنوبي، فإنّي ما غضبت إلاّ لابن نبيّك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتقدم الغلام ثانية فقتله رحمة الله وبركاته عليه.

ثمّ أمر ابن زياد بمسلم وهانىء فصلبا منكسين.

روي أنّ مسلماً كان من أشجع الناس قلباً وأشدّهم بطشاً. ولقد كان من قوتّه انّه كان يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت، فلعنة الله على قاتله وخاذله.

و لمـّا صلبا منكسينرضي‌الله‌عنهما قال فيهما عبد الله بن الزبير الأسدي:

فإن كنت ما(١) تدرين ما الموت فانظري

إلى هاني بالسوق وابن عقيل

إ لى بطل قد هشم السيف وجهه

وآخر يهوي من جدار(٢) قتيل

أصابهما ريب المنون(٣) فأصبحا

أحاديث من يسري بكلّ سبيل

____________

١ - في المقتل: إذا كنت لا.

٢ - في المقتل: طمار.

٣ - في المقتل: أمر الأمير.

٢٠٢

ترى جسداً قد غيّر الموت لونه

ونضْح دمٍ قد سال كلّ مسيل

فتى كان أحيا من فتاة حيية

وأقطع من ذي شفرتين صقيل(١)

أيركب أسماء الهماليج(٢) آمناً

وقد طلبته مذحج بقبيل(٣)

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم

فكونوا أيامى(٤) اُرضيت بقليل

قال : ثمّ كتب عبيد الله بن زياد إلى عدوّ الله يزيد لعنه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

لعبد الله يزيد أمير المؤمنين من عبيد الله بن زياد.

الحمدلله الّذي أخذ لأميرالمؤمنين بحقّه وكفاه مؤونة عدوّه، ثمّ ذكر فيه قصّة مسلم وذكر هانىء بن عروة، وكيف أخذهما وقتلهما، ثمّ قال: وقد بعثت برأسهما مع هانىء بن حيّة(٥) الوادعي والزبير بن الأروح التميمي، وهما من أهل الطاعة والسنّة والجماعة، فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحبّ فإنّ عندهما

____________

١ - زاد في المقتل البيت التالي:

وأشجع من ليث بخفان مصحر

وأجرأ من ضار بغاية غيل

٢ - الهماليج: جمع هملاج، وهو البرذون.

٣ - في المقتل: بذحول، وزاد فيه البيت التالي:

تطوف حواليه مراد وكلّهم

على رقبةٍ من سائلٍ ومسول

٤ - في المقتل: بغايا.

٥ - في تاريخ الطبري: هانىء بن أبي حيّة، وفي الكامل في التاريخ: هانىء بن جبة الوداعي.

٢٠٣

علماً وفهماً وصدقاً وورعاً.

قال : فلمـّا ورد الكتاب والرأسان على يزيد لعنه الله أمر بالرأسين فنصبا على باب دمشق، ثمّ كتب إلى ابن زياد:

أمّا بعد:

فإنك عملت عمل الحازم، وصِلْتَ صولة الشجاع الرابط الجأش، فقد كفيتَ ووفيتَ، وقد سألتُ رسوليك فوجدتهما كما زعمتَ، وقَد أمرتُ لكلّ واحد منهما بعشرة آلاف درهم وسرّحتهما إليك، فاستوص بهما خيراً وقد بلغني انّ الحسين قد عزم على المصير إلى العراق، فضع المراصد والمناظر والمسالح واحترس، واحبس على الظنّ، واقتل على التهمة، واكتب إليّ بذلك كلّ يوم بما يحدث من خبر.(١)

قلت: يا من بذل نفسه في طاعة ربّه ووليّ أمره، وأجهد جهده في جهاد أعداء الله في علانيته وسرّه، وكشف عن ساق في طلب السعادة الباقية، وشمّر عن ساعد لتحصيل الدرجة العالية، حزني عليك أقلقني، وما اُسدي إليك أرّقني، ودمعي لما أصابك أغرقني، ووجدي لمصابك أحرقني، أدّيت الأمانة جاهداً، وبذلت النفس مجاهداً، صابراً على ما أصابك في جنب الله، مصابراً بقلبك وقالبكأعداء الله، لم تضرع ولم تفشل، ولم تهن ولم تنكل، بل قابلتَ الأعداء بشريف طلعتك، وقاتلتَ الأشقياء بشدةّ عزمتك.

عاهدوك وغدروا، وأخلفوك وكفروا، واستحبّوا العمى على الهدى، واختار الدنيا على الاُخرى، فطوّقهم الله بذلك أطواق العار، وأعدلهم بقتالك

____________

١ - مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ١/١٩٧ - ٢١٥.

٢٠٤

أُطباق النّار، وجعلهم ضرام وقودها، وطعام حديدها، وأفراط جنودها، فلقد حقّت عليهم كلمة العذاب بخذلانهم إيّاك، ونكصوا على الأعقاب إذ استبدلوا بك سواك.

فأبعد بالكوفة وساكنيها، وأهاليها وقاطنيها، فليست واقعتك بأعظم من واقعة عمّك وقتله في محرابه، ولا خذلك بأعظم من خذل الزكيّ وغدر أصحابه، ولا نقض عهدك بأقبح من نقض عهد المقتول بين خاصّتهم وعامّتهم، ولا خفر ذمّتك بأشنع من خفر ذمة المصلوب بكناستهم.

فلقد غدروا بعد مواثيقهم وأيمانهم، وكفروا بعد تظاهرهم بإيمانهم، فحرمهم الله ريح الجنّة، وطوقّهم أطواق اللعنة، ورمى مصرهم بالذلّ الشامل، والخزي الكامل، والسيف القاطع، والعذاب الواقع، ليس له من الله من دافع(١) ، حتّى صارت حصيداً كأن لم تغن بالأمس(٢) ، وبراحاً خالية من الإنس، للبوم في أرجائها تغريد، وللوحش في عراصها تطريد، وأهلها عباديد(٣) في الأقطار، ومتفرّقون في الأمصار، قد أذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار.

لمـّا خذلوا الحق وأهله، واسترهبوا الجهاد وفضله، وآثروا الدعة والراحة، واستشعروا السفاهة والوقاحة، سلّط الله عليهم شرّ خليقته، وأدنى بريّته، نجل سميّة الزانية، وزعيم العصابة الباغية، ثمّ قفّاه بالخصيم الألدّ، والكفور الأشدّ، الغيّ يظلّه عن التعريف، الأم نغل من ثقيف، الّذيّال الميّال،

__________________

١ - إقتباس من الآية: ٢ من سورة المعارج.

٢ - إقتباس من الآية: ٢٤ من سورة يونس.

٣ - عباديد: متفرّقون.

٢٠٥

المغتال القتّال، السفّاك الفتّاك، الهتّاك الأفّاك، فداسهم دوس السنبل وذراهم ذرى الحبّ كما قال فيه بعض عارفيه: جاءنا أعمش اختفش ارحميمة برجلها وأخرج إليها ثياباً قصاراً، والله ما عرق فيها عنان في سبيل الله، فقال: بايعوني فبايعناه، وفي هذه الأعواد ينظر إلينا بالتصغير، وننظر إليه بالتعظيم، يأمرنا بالمعروف ونجيبه، وينهانا عن المنكر ونرتكبه، فاستعبد أحرارهم، وأباد خيارهم، وأذلّ بالتسخير رجالهم، وأيتم بفتكه أطفالهم، فتفرّقوا أيادي سبأ، واتّخذوا سبيلهم في الأرض سرباً.

فانظر إلى فروع اُصولها في زمانك، ونتائج مقدّماتها في أوانك، هل ترهم إلاّ بين شرطي ذميم، أو عتلّ زنيم، أو ممسك لئيم، أو معتد أثيم؟

بغض ذرّيّة الرسول في جبلّتهم مركوز، والتغامز عليهم بالحواجب في طبيعتهم مرموز، يقصدونهم في أنفسهم وأموالهم، ويهضمونهم بأقوالهم وأفعالهم، ويتجّسّسون على عوراتهم، ويتّبعون عثراتهم، وبالأعين عليهم يتلامزون، وإذا مروّا بهم يتغامزون، إن رأوا فضيلة من فضائلهم كتموها، وإن بدرت منهم صغيرة أكبروها، يغرون بهم سفاءهم، وينصرون عليهم أعداءهم، أتباع كلّ ناعق، وأشياع كلّ مارق، لا يستضيؤون بنور العلم، ولا يترتّبون برتبة الحلم، يدّعون حبّ ذرّيّة نبيّهم، وصفحات وجوههم تنطق بتكذيبهم، ويظهرون النصيحة لعترة وليهّم، ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يؤذون الجار، ويهضمون الأخيار، ويعظّمون الأشرار، ويحسدون على ربع دينار.

ولقد أقمت فيهم مدّة، وصحبت منهم عدّة، وعمرّت المساكن المونقة وغرست الحدائق المغدمة، أكثر(١) سوادهم، ولا آكل زادهم، اُكافي على الحسنة بعشر أمثالها، واُجازي بالهدية أضعاف أثقالها، وأتعفّف عن ولائمهم،

__________________

١ - غير مقروءة في الأصل.

٢٠٦

و أتصلّف عن مطاعمهم، حذراً من مننهم، وتقصيّاً عن نعمتهم، كما قال الأوّل:

فلا ذا يراني واقفاً في طريقه

ولا ذا يراني جالساً عند بابه

فنصبوا حبائل حسدهم قصداً لوقوعي، وأوفوا قواتل سمومهم ليجتاحوا أصلي وفروعي، وأطلعني ربّي على فساد ضمائرهم، وخبث سرائرهم، فاتخذّت الليل ستراً، وفصلت عن قراري سرّاً، قد أذهل الخوف لبيّ، وأرجف الوجل قلبي، ملتفتاً إلى ما خلفي، قد أحال الفرق لوني وغيّر وضعي، قائلاً:( رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) ، ولا تجعلني فتنة للقوم الكافرين(٢) ، عامداً أفضل مشهد، وأكرم مرقد، وخير صعيد، وأفخر شهيد، سيّد الشهداء، وأشرف أولاد الأنبياء، صاحب كربلاء، حتّى إذا استقرّت في الدار، وأمنت البوار، خمدت مسراي عند الصباح، وجعلت مثواي حضرة خامس الأشباح، واتخذت بلدته موطناً ومستقرّاً، ونزلاً مستمرّاً، وهلّم جرّا، وتلوت:( سُبْحَانَ الَّذِي أسرَى ) (٣) . ولمـّا سئمتُ صحبتهم، وقلوتُ جبلهم، جعلتُ أشرح ما صدر لي عنهم، واُوضح ما تمّ عليَّ منهم، بسحر حلال من شعري، وراتق زلال من نثري.

فمن جملة ذلك أبيات من جملة قصيدة مطوّلة قلتها حين فررت، ونظمت فيها ما ذكرتُ، وأوردتُ ما تمّ على السيّد المجيد، والسبط الشهيد، عليه أفضل الصلوات، وأكمل التحيّات:

كربلا كم فيك من شيب خضيب

بدم النحر وكم هام نقيف

____________

١ - سورة القصص: ٢١.

٢ - إقتباس من الآية: ٨٥ من سورة يونس.

٣ - سورة الإسراء: ١.

٢٠٧

وسعيدٍ بصعيد الطفّ ثاوٍ

رأسه يعلى على رمح ثقيف

لبني الزهراء أرباب المساعي

والمعالي والعوالي والسيوف

زلف نحوهم عصبة سوءٍ

ليس فيهم غير زنديق وكوفي

لعن الله بني الكوفة لم

يك فيهم من بعهد الله يوفي

سل يزيداً قائماً بالقسط من

حاز المعالي من تليد وطريف

صلبوه بعد خذل ثمّ قتل

آه ممّا حلّ بالبدن الشريف

فلذا صارت براحاً وخلت

أرجاؤها من قاطن فيها وريف

وغدت أبناؤها في كلّ فجٍّ

بين شرطي زنيم وعريف

ولئيم وذميم ورجيم

وشقيّ وغويّ وطفيف

وجبان يوم زحف وقراع

وعلى الجارات بالليل زحوف

هم فروع لاُصول لم يرقّوا

لبني الزهراء في يوم الطفوف

٢٠٨

أسفوا إن لم يكونوا ذا اجتها

د مثل آبائهم بين الصفوف

فاستحلّوا من بينهم كلّ سوء

وأحلّوا بهم كلّ مخوف

فلذا نحوهم وجّهت دمي

وعليهم أنا داع بالحتوف

ولمـّا أسدوه من بغي وظلـ

ـم تسرّه بالسوء داني وأليف

ومن الله عليهم لعنات

دائماً تترى بلا كمّ وكيف

ما شكا ذو حرقة ما ناله

من فاجرٍ بالبغي والظلم عسوف

فيا من يعنّفني بسبّهم، ويؤفّفني بثلبهم، ويعيبني بعيبتهم، ويخطئني بتخطئتهم، ويعيّرني ويتجسس على عوراتي، ويسلك مسلكهم في التفحّص عن زلّاتي، لا تلمني على ما صدر منّي، ولا تفنّدني وتصدعني، فلا بدّ للملآن أن يطفح، وللصوفي عند غلبة الحال أن يشطح، فمهد لقاعدة نظمي ونثري عذراً، ولا ترهقني من أمري عسراً.

أمّا سمعت أخبار آبائهم الأوّلين؟ أمّا رأيت آثار أسلافهم الأقدمين؟ جدّل الوصيّ في جامعهم، وطعن الزكيّ بين مجامعهم، وقتل ابن عقيل لدى منازلهم، والاجاب على السبط الشهيد بقبائلهم وقنابلهم، وسبي ذراريه على أقتاب رواحلهم، هو الّذي أطلق لساني بما وصفت، وأجري بناني بما صغت

٢٠٩

و رصفت، فلا تعذلني على نحيبي وعويلي، ولا تصدّني لبكائي عن سبيلي، إلاّ من اتّخذ في الأرض لنفاقه نفقاً، وجرى في تيه ضلاله حيفاً وعنفاً وسأختم هذا المجلس الجليل، بمرثيّة السيّد النبيل، مسلم بن عقيل:

لهف قلبي وحرقتي وعويلي

وبكائي حزناً لخير قتيلِ

نجل عمّ النبيّ خير وفيّ

عاهد الله مسلم بن عقيلِ

خذلوه وأسلموه إلى الحي‍ـ

‍ـن فوفى بعهد آل الرسول

وتلقّى السيوف منه بوجه

لم تهن في رضا المليك الجليلِ

نصر الحقّ باللسان وبالقل‍ـ

ـب وحاز الثنا بباع طويل

ومن الله باع نفساً رقت في

المجد أعلا العلى بصبرٍ جميل

بذل النفس في رضا ابن

وليّ الله صنو الرسول زوج البتول

لست أنسى الأوغاد إذ خذلوه

والعدا يطلبونه بذحول

وهو يسطو كليث غاب فكم جدّل

رجساً بالصارم المصقول

٢١٠

ثمّ صبّت عليه منهم شآبيب

سهام كصوب مزن هطول

وهو لا يخشى السهام ولا يضرع

للقاسطين أهل الغلول

ويصدّ الكماة عنه بغضب

كم جريح منه وكم من قتيل

كم هزيم من بأسه وقتيل

فرّ منه يقفو سبيل قبيل

ثمّ لمـّا أبلى بلاء عظيماً

صار يشكو الضما بقلب غليل

غادرته السهام من وقعها

ذا جسد من ضنى الجراح كليل

وغدا في يد البغاة أسيراً

لهف قلبي على الأسير الذليل

ثمّ من بعد أسره جرّعوه

كأس حتف بأمر شرّ سليل

من أبوه إلى سميّة يسمو

فرعه لا يسمو بأصل أصيل

يا بني المصطفى لما نالكم صبري

فيصبر لكن طويل عويل

وإذا رمتُ أن اُكفكف دمعي

قال قلبي للطرف جدّ بهمول

٢١١

فعلى من سواهم آثر الدمع

وأرثي بالنظم من حسن قيل

وهم قادتي وأسباب إيماني

وقربي من خالقي ووصول

كشف الله لي بهم كلّ منشور

من الحقّ عن كفور جهول

فغدا حبّهم وبغض أعاديهم

بقلبي ما آن له من مزيل

وبإكفار من تقدّمهم اُوضح

عن حجّتي بصدق دليل

من كتاب وسنّة وقياس

ركبته ذوي الحجى والعقول

نصّ خير الأنام يوم غدير

ليس في الذكر فيه من تبديل

وكذا إنّما وليّكم فاتلُ إن

شئت إذا ما تلوتَ بالترتيل

تجد الله بالزعامة اصطفاهم

ففي الخلق ما لهم من مثيل

فلهم أرتجي لبرد اوامي

من رحيق من حوضهم سلسبيل

ومديحي في فضلهم ليس يحصى

بنظام كالذرّ في التعديل

٢١٢

وإليهم اُهدي عقود بناء

من قواد بالشكر غير ملول

ما دجى الليل ثمّ وأسفر صب‍ـ

‍ـح وزقا طائر بدوح ظليل

* * *

٢١٣

٢١٤

المجلس السابع

في مسير الحسينعليه‌السلام إلى العراق

ومن تبعه من أهله وإخوانه وبني أخيه

وبني عمّه صلوات الله عليهم أجمعين

الخطبة

الحمد لله الوفيّ وعده، العليّ مجده، الغالب جنده، العامّ رفده، لا راد لحكمه، ولا مغيّر لعلمه، المبدع المصّور، والمخترع المقدّر، الظاهر لخلقه بخلقه، والشامل لهم بلطفه ورزقه، حجب أفكارهم عن تصوّر كماله، وردع ابصارهم عن إدراك جلاله، وتجلّى لأوليائه بشواهد حكمته، وظهر لقلوبهم ببدائع صنعته، فانقادت قلوبهم بأزمّة التوفيق إلى مقام عرفانه، ووردوا مناهل التحقيق من فيض لطفه وإحسانه، وشربوا بالكأس الروّية من شراب عنايته، ووقفوا على قدم الصدق في مقام طاعته.

فأشرق نور الحقّ على مرايا قلوبهم فطاح وجودهم في شهودهم، لمـّا عاينوا من بهجة محبوبهم، فأصبحت قلوبهم بأنوار عرفان جلال مبدعهم مشرقة، ونفوسهم بالملكوت الأعلى من حصون صانعهم متعلّقة، فأطلعهم سبحانه على أسرار الصفيح الأعلى، وأراهم لما أعدّ للمجاهدين في سبيله في ذلك المقام الأسنى، من منازل مونقة، وحدائق مغدقة، وأنهار متدفّقة، وحسان

٢١٥

معشقة، وولدان ضياء جمالها قد أشرق، وثياب من سندس بطائنها من استبرق، اُكلها دائم، وساكنها سالم، لا يذوق الموت، ولا يخشى الفوت، ظلّها ظليل، دورها سلسبيل، وسقفها عرش الرحمن، وخدمها الحور الحسان،( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأكْوَابٍ وأبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعيِنٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ وَفَاكَهِةٍ مِمَّا يَتَخيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١) .

فاختاروا الاقامة في دار المقامة، والاستظلال بتلك الأطلال، وكرهوا الرجوع من دار البقاء إلى دار الفناء، والعود من المحلّ الأعلى إلى المقام الأدنى، ومن الصفيح الأرفع إلى الخراب البلقع، فطلبوا إلى ربّهم ألاّ يهبطهم من درجتهم، ولا يزحزحهم عن لذّتهم، ولا يخرجهم من جنّتهم، ولا يحطّهم عن رتبتهم.

فتجلّى لأفكارهم، وخاطبهم في أسرارهم: إنيّ قد جعلت الدنيا طريقاً يسلك به إلى نعيمي المقيم، وسبيلاً يتوصّل به إلى ثوابي الجسيم، فلو لا امتثال عبادي أوامري، وانزجارهم عن زواجري، والاخلاص بطاعتي والامحاص في محبّتي، وتحمّل المشاقّ في عبادتي، والاستظلال بأروقة طاعتي، لم أخلق خلقي، ولم أبسط رزقي، لكن أبدعتهم ليعرفوني ويوحّدوني وينزّهوني،( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (٢) .

فاتّبعوا دليلي، وجاهدوا في سبيلي، وصابروا أعدائي، وانصروا أوليائي، أجعلكم خزّان علمي في عبادي، واُمناء وحيي في بلادي، وشهدائي

__________________

١ - سورة الواقعة: ١٧ - ٢٤.

٢ - سورة الذاريات: ٥٦.

٢١٦

على بريّتي، وأوليائي في خليقتي، ولأقرننّ طاعتكم بطاعتي، ومودتّكم بمودّتي، وولاءكم بولائي، ورضاكم برضائي، إن تنصروني أنصركم واُثبت أقدامكم، وإن تقرضوني اُجازكم واُضاعف أعمالكم.

فرجعت أجسادهم إلى الحضيض السفليّ، واستقرت أرواحهم العالم العلويّ، تطالع جمال حضرة معبودها في جميع حالاتها، وتستضيء بأنوار جلال مبدعها بأبصار كمالاتها حين توجّهاتها، ترى كلّ ما سواه مضمحلّاً باطلاً، وكلّ ما عداه للعدم قابلاً، فوصلوا أسبابهم بأسبابه، وقطعوا العلائق عمّا سوى الاتّصال بعزيز جنابه، ووقفوا على قدم الخدمة في جنح الظلام، ونادوا محبوبهم بلسان الاجلال والابتهال.

فاستخلصهم لنفسه لما أخلصوا بطاعته، واصطفاهم على خلقه لما صدقوا في محبّته، وتوّجهم بتيجان كرامته، وأفرغ عليهم حلل عصمته، وأطلعهم على مكنون سرّه، وقلّدهم ولاية أمره، فساقوا الخلق إلى طاعة ربّهم، ونصروا الحقّ بقالبهم وقلبهم، قد صدقت منهم العقائد والعزائم، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، حتّى إذا أدّوا النصيحة حقّها في جنب الله، وبذلوا أرواحاً وأجساداً قد أخلصت صدقها في طاعة الله، ورقوا في معارج السعادة إلى منازل الشهادة، وسلكوا سبيل المجد بقدم الجدّ، واتّبعوا دليل النجاة إلى عين الحياة، وركبوا سفينة الهدى، وتنكّبوا سبيل الردى، وجاهدوا في الله بأنفسهم وأموالهم، وأنكروا المنكر بأفعالهم وأقوالهم.

اُوذوا فصبروا، وابتلوا فشكروا، يعدوّن البأساء نعمة، والضرّاء رحمة، والجهاد في الله منحة، والقتل في سبيل الله حياة باقية، والبلاء في الله عيشة راضية، فحسدوا على ما اختصّهم الله به من قربه، وبذلوا الأجساد والأولاد في

٢١٧

حبّه، ونفوا عن عقر دارهم، واُخرجوا من منازلهم وقرارهم.

ضاقت بهم الأرض بعد رحبها، وقصدتهم الأعداء بفتكها وحربها، وكانت واقعة السبط الشهيد أبي عبد الله أفضع محنة، وأشنع فتنة، لم يحدث منذ وجود العالم مثلها، ولم يقع في الزمن المتقادم عديلها، اُخرج ابن الرسول من حرم جدّه خائفاً، وللحياة في دولة الظّالمين عائفاً، وللدنيا وأهلها قالياً، وللشهادة في الله راجياً، قد تبرّم بالبقاء في دولة الأشرار، وسئم الحياة في سلطان الفجّار.

فنصبوا له المهالك، وسدّوا عليه المسالك، لم يأمن في حرم يأمن فيه الطير الطائر، والوحش الجائر، ولم يطمئنّ في بلد يسكنه البرّ والفاجر، فوعده النصر على أعدائه قوم ذووا أحلام عازبة، وأيمان كاذبة، لم يثلج في قلوبهم برد الايمان، ولم يزالوا بنكثهم أحزاب الشيطان، حتّى إذا لزمته الحجّة بوجود الناصر، والقيام بجهاد الظّالمين في الظاهر، وامّ مصرهم ببنيه وبناته، وسار نحوهم بإخوانه وأخواته، وبلغ ضعفهم، وتوسّط جمعهم، خانوا عهده وأخلفوا وعده، فليتهم إذ نكثوا أيمانهم، ونقضوا أمانهم، تركوه يذهب حيث شاء، أو يرجع من حيث أتى، بل سدّوا عليه الموارد، وقعدوا له المراصد، وجندّوا لمنعه جموعهم وجنودهم، وأرهفوا لقتله حدّهم وحديدهم، وحرموا عليه ورد الماء المباح، ورفعوا عليه حدود الصفاح، فصار في أيديهم رهيناً، وبسيوفهم ضميناً، ثمّ ساقوا بناته وحلائله اُسارى، تحسبهم من هول ما أصابهم سكارى وما هم بسكارى، يسار بهم بين الأعداء على الأقتاب، ويساقون عنفاً بغير نقاب ولا جلباب، قد قشر حرّ الشمس وجوههم، وغيّر هجير القيض جسومهم.

فوا أسفا على تلك الأبدان المصرّعة، والأجساد المبضّعة، والأطراف المقطّعة، والرؤوس المرفعة.

٢١٨

وا لهفاه لتلك الوجوه الّتي هتكت بعد صونها وحجابها، وبرّزت بين طواغيتها وكذّابها، فدمعي عليهم مهتون، وقلبي لمصابهم محزون.

فيالله وللاسلام ايقتل نجل الرسول بين ظهرانيكم، وتسبى نساؤه وذراريه بين أيديكم، ويراق دمه وأنتم تنظرون، وللحق تخذلون، وللباطل تنصرون؟ لا منكر ينكر بقلبه ولسانه، ولا دافع يدفع بحسامه وسنانه، ولا ذو أنف حمي يغضب لله، ولا صاحب دين قويم يجاهد في سبيل الله، فأنتم أكفر اُمّة كفرت بعد إيمانها، وأفجر فرقة تظاهرت ببغيها وبهتانها، لم ترض بقائد النجاة دليلاً، اُولئك كالأنعام بل هم أضلَّ سبيلاً(١) ، بأنعم عدل بها هاديها، عن الحقّ السويّ، واسامها راعيها في المرعى الوبي.

فيا سبط نبيي، ورهط ولييّ، ويا سبيل نجاتي، ويا سليل هداتي، مصيبتك أرخصت في سوق أحزاني عبراتي، وأسعرت بلهيبها في جناني حسراتي، وحرمت على جفوني طيب منامي، وإفرغت على جسدي أثواب سقامي، ضاقت بك الدنيا يا ابن الرسول ومن أجلك خلقت، وشدّوا عليك القضا يا نجل البتول وابوابه دونك غلقت، أخرجوك من حرم جدّك خائفاً تترقّب، ونفوك عن مسقط رأسك وذهبوا بك كلّ مذهب، حتّى إذ وجّهت وجهة آمالك، وظعنت بعيالك وأطفالك، نحو اُناس لم ينصروا الحقّ مذ كانوا، ولم يؤثروا الصدق مذ خانوا، ولم يغضبوا لله، ولا انقادوا لأولياء الله، بل الغدر شيمتهم، والكذب سجيّتهم، إن خلفوا خبثوا، وإن عاهدوا نكثوا، اضر من ضافر إذا جرّدت السيوف، وألأم من مادر إذا طرقت الصنوف، أنباط أسقاط، أنذال أرذال، أنكاد أوغاد، للوصيّ وابنه خذلوا، وللسبط الشهيد وولده قتلوا، تساق بنات نبيّهم

__________________

١ - إقتباس من الآية: ٤٤ من سورة الفرقان.

٢١٩

على الأقتاب في أسواقهم وشوارعهم، وتشهر رؤوس أبناء وليّهم على الرماح في رحابهم ومجامعهم.

فيا دموعي لمصابهم حدّي بالدموع خدّي، ويا زفراتي تصاعدي بسعير حسراتي ووجدي، ويا كبدي لرزئهم تقطّعي، ويا أحشائي حزناً عليهم تضعضعي، وعمى لطرفي إن لم يسحّ دماً بقرينهم، وسحقاً لقلبي إن لم ينقطع أسفاً لمحنتهم، لمـّا كست السماء حمرة نجيع شهدائهم شفقاً، أروت في فؤادي بانعكاس أشعة لهيبها حرقاً، فقلبي حريق بسعير حزني، وطرفي غريق بمعين جفني، اُمثّل ثفنات وجوههم من أثر السجود على الرماح، كالكواكب الدرّيّة بضيائها أو كشمكاةٍ فيها مصباح.

فلهذا وقفت بكائي وجزعي عليهم، وصرفت المراثي من نظمي ونثري إليهم، أنثر في ثرى ضرائحهم عبراتي، واُصاعد في صعيد مراقدهم زفراتي، وأهدي إلى أرواحهم سلامي وتحيّاتي، واصلّي على أشباحهم عقيب صلواتي، وفي جميع آناتي، واُنشد لعظيم مصيبتي في خلواتي، ولجسيم رزيّتي نحيبي وأنّاتي:

يا مصاب السبط أورثت البكا

أعيُناً والقلب وجداً وعنا

و على عينّي حرّمت الكرى

ومزجت الدمع منّي بالدما

لا تلمني أيّها العاذل إن

نُحت بالترجيع من فرط الجوا

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562