تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ٢

تسلية المجالس وزينة المجالس3%

تسلية المجالس وزينة المجالس مؤلف:
المحقق: فارس حسون كريم
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 562

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 562 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 382305 / تحميل: 7093
الحجم الحجم الحجم
تسلية المجالس وزينة المجالس

تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وجرى دمعي دماً ممّا على

سبط خير الرسل في الطفّ جرى

وعلى الأبرار من اُسرته

أهل بيت ومقام وصفا

صرّعوا فيه ظماة قد سقوا

بكؤوس الموت من بعد الظما

صاعدت نيران أحشائي الحشا

مدمعاً قانٍ على خدّي جرى

خير أهل الأرض أضحوا صرّعاً

بشبا البيض وأطراف القنا

سادة الخلق اُولي الأمر الّذي

مدحهم حقّاً أتى في هل أتى

بكت الأرض دماً مذ صّرعوا

فرقها حزناً وأطباق العلا

كربلا منك فؤادي ملؤه

من عظيم الوجد كرب وبلا

كم شموس غربت فيك وكم

من بدور أفلت بعد الضيا؟

ووجوه لبنات المصطفى

هتكت من بعد صون وحيا

٢٢١

وجسوم غيّرت أوصافها

منهم البَوْغَاءُ(١) من بعد السنا

وقلوب ظاميات لم تر

غير ورد الموت من كفّ الردى

كم علت فوق العوالي منهم

طلعت أنوارها تجلو الدجى

وأُبينت عضد مع ساعد

وأكفّ كبحور في الندى

ويرى الناظر من أوجههم

ثفنات كنجوم في السرا

يا عيوني إن تضنّي بالبكا

لهم لا نلت في الدنيا المنى

وكذا يا حرقتي إن سكنت

منك أحشائي أو طرفي غفا

أيها الراكب وجناء لها

أثر في الخدّ من جذب البرا

تقطع الال كرال نافل(٢)

ليس يثنيها كلال ووجا

لا تهاب السير في جنح الدجى

وكذا لا تخشي حرّ الضحى

__________________

١ - البوغاء، التراب الناعم الهابي في الهواء.

٢ - كذا في الأصل، ولعلها: تقطع الأتلال ناقة.

٢٢٢

عجّ بأرض حلّ فيها سيّد

مجده أرفع قدراً من ذكا

خير من جاهد في الله ومن

في سبيل الله بالنفس سخا

تركوه في العرا منجدلاً

ذا فؤادٍ يشتكي حرّ الصدا

بدر تمّ صار من بعد الثرا

وعلوّ المجد ضمناً في الثرى

كربلا مذ أشرقت من دمه

أظلمت في الخلق أعلام الهدى

يا شريك الذكر من ذكرك في

مهجتي من حرّ أشجاني لظا

وبخدّي لحمه من أدمعي

فيضها أربى على بحر ظما

ما دروا كم فريت من بغيهم

كبد للمصطفى والمرتضى

يا مصاباً أهله فاطمة

وأبوها وعليَّ ذو العلا

أيها القاصد بيت الله بال‍ـ

‍ـعجّ والثجّ إذا نلت المُنى

من تمام الحجّ والعمرة عجّ

بضريح ضمّ خير الأنبيا

٢٢٣

أبلغته من سلامي ما زكا

من فؤاد ضمنه صدق الولا

ثمّ قل يا خير مبعوث به

كشف الله عن الخلق العمى

لو ترى سبطك فرداً ماله

ناصر يفديه من جهد البلا

وبنات لك قد أثخنتها

من مديد السير افراط العنا

وأكفّاً بريت من ساعدٍ

كان في راحتها بحر الندى

ووجوهاً كالمصابيح لها

في ظلام الليل نور يستضا

كم تجافت عن وثير الفرحش أج‍ـ

‍ـسادها تخلص لله الدعا

أصبحت في كربلا مخضباً

شَيبْها بالدم من حدّ الظبا

يا بني الزهراء ممّا نالكم

مدمعي من فرط حزني ما رقى

وكذا نار الأسى في كبدي

حرّها يذكي رسيساً في الحشا

وبقلبي لوعة ما آن لها

فيكم حتّى مماتي منتهى

٢٢٤

أنتم سفن نجاتي لا أرى

غيركم ينقذ إن خطب عرا

وبكم ارجو إذا ما نشرت

صحف الأعمال في يوم القضا

ان يراني الله رقاً خالصاً

لعلا مجدكم العالي البنا

آه من نسوتكم يسرا بها

حسراً يمشون في ذلّ السبا

بين أرجاس لهم أفئدة

ملئت حقداً كجلمود قسا

فوق أقتاب بها يسرى إلى ال‍ـ

‍ـرجس نجل ابن زياد ذي الشقا

قد مزجت الدمع فيكم بدم

وعلى عيني إذ نفث البكا

وبقلبي حرقة من هظمكم

حرّها منذ وجودي ما خبا

كم مراث فيكم أرسلتها

نظمها ينبىء عن صدق الولا

يزدريها حاسدي من غيظه

حين يطويها ولبّي بالثنا

ويرى للبغض منه وجهة

ذا امتناع لاح ما فيه خفى

٢٢٥

يظهر النصح وفي أحشائه

من نظامي حرّ نار تصطلى

ويراني ضاحكاً مبتسماً

بمديح وثناء ودعا

وإذا ما غبت عنه سل من

بغيه غضباً به عرضي برا

يختل الأغمار بالزهد وفي

قلبه الفاسد مكر ودها

وترى في فرض عرضي جاهداً

معلناً كالنار في جزل الغضى

فإذا فكرّت فيما نالكم

هان ما ألقاه من فرط الأسى

وأرى الصبر جميلاً غبّه

فاُسلّي القلب منّي بالأسى

يا عياذي وملاذي إن عرت

غصّة تعرض في الحلق شجا

كلّ عامٍ ينقضي أقضي من

حقكم مأتم حزن وعزا

واسيل الدمع من نظم بكم

راق يستفديه ربّ النهى

وتراه شابني في فمه

علقماً لا يزدريه ذي الشقا

٢٢٦

واُبكّي شيعة في حبّكم

طاب منها فرعها والمحتدى

وبكم أرجو نجاتي من لظى

حرّها ينزع باللفح الشوى

وعليكم صلوات ما بدا

كوكب أظهره ليل بدا

وعلى من منعوكم حقّكم

لعنات ما لها من منتهى

٢٢٧

فصل

في خروج الحسين صلوات الله عليه إلى العراق، وما

جرى عليه في طريقه، ونزوله في الطفّ(١)

قيل: جمع الحسينعليه‌السلام أصحابه بعد أن وصل إليه كتاب مسلم بطاعة أهل العراق وحسن نيّاتهم وانقيادهم فعزمعليه‌السلام على الخروج وأعطى كلّ واحدٍ منهم عشرة دنانير وجملاً يحمل عليه رحله وزاده، ثمّ إنّه طاف بالبيت وتهيّأ للخروج وحمل بناته وأخواته على المحامل، فقصد(٢) من مكّة يوم الثلاثاء يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجّة ومعه اثنان وثمانون رجلاً من شيعته ومواليه وأهل بيته، فلمـّا خرج اعترضه أصحاب الأمير عمرو بن سعيد بن العاص فجالدهم بالسياط ولم يزد على ذلك فتركوه وصاحوا على أثره: ألا تتّقي الله تعالى تخرج من الجماعة، وتفرّق بين هذه الاُمّة؟

فقال الحسينعليه‌السلام :( لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ) (٣) الآية.

و سار صلوات الله عليه حتّى صار بالتنعيم، ولقي هناك عيراً تحمل الورس والحلل إلى يزيد بن معاوية لعنه الله من عامله باليمن، فأخذ الحسين

__________________

١ - انظر فيما يتعلّق بهذا الفصل: الفتوح لابن أعثم الكوفي: ٥/١١٩ وما بعدها، تاريخ الطبري: ٥/٣٨٢ وما بعدها.

٢ - في المقتل: وفصل.

٣ - سورة يونس: ٤١.

٢٢٨

ذلك كلّه وقال لأصحاب الإبل: لا اُكرهكم، من أحبّ أن يمضي معي إلى العراق أوفيناه كراه حسناً، وأحسنّا صحبته، ومن أراد فرقتنا من مكاننا هذا وفيناه كراه بقدر ما قطع من الطريق، فمن فارقه حاسبه ووفّاه حقّه(١) ، ومن مضى معه أعطاه كراه وكساه.(٢)

وإنّما أخذعليه‌السلام العير لأنّها كانت من أموال المسلمين، وكان حكم المسلمين، إليه صلوات الله عليه، وكان خروجه قبل أن يعلم بقتل مسلم؛ وقيل: كان خروجه من مكّة يوم قتل مسلم بعد أن كتب إليه مسلم بأخذ البيعة واجتماع الناس عليه وانتظارهم إيّاه.

وروى ابن جرير - بحذف الاسناد - عن الأعمش قال: قال لي أبو محمد الواقدي وزرارة بن صالح(٣) : لقينا الحسينعليه‌السلام قبل أن يخرج إلى العراق بثلاثة، فأخبرناه بضعف الناس بالكوفة، وأنّ قلوبهم معه واسيافهم عليه.

فأومأ بيده نحو السماء، ففتحت أبواب السماء، ونزلت الملائكة عدداً لا يحصيه إلاّ الله عزّوجلّ.

فقالعليه‌السلام : لو لا تقارب الاشياء، وسقوط الأجر،(٤) لقاتلتهم بهؤلاء، ولكنّي أعلم علماً(٥) أنّ هناك مصرعي، وهناك مصارع أصحابي، لا

__________________

١ - في المقتل: ما قطع من الأرض، فمن فارقه منهم حوسب وأوفاء حقّه.

٢ - مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ١/٢٢٠ نقلاً عن ابن أعثم.

٣ - في الملهوف: خلج.

وذكر في مستدركات علم الرجال: ٣/٤٢٥ زرارة بن خلج وزرارة بن صالح وعدّهما شخصين، وكلامهما تشرّف بلقاء الحسينعليه‌السلام ، ولعلّ الاسمين لشخص واحد.

٤ - في الملهوف: وحضور الأجل.

٥ - في الملهوف: يقيناً.

٢٢٩

ينجو منهم إلاّ ولدي عليّ(١) .(٢)

و روى سيّدنا ومولانا، السيّد الجليل عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد ابن طاووس الحسينيرضي‌الله‌عنه أنّ مولانا الحسينعليه‌السلام لمـّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً، فقال:

الحمد لله، وما شاء الله، ولا قوةّ إلاّ بالله، وصلّى الله على رسوله، خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخُيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تتقاطعها عسلان(٣) الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً، وأجوفة(٤) سبغاً، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم، رضاء الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا اُجور الصّابرين، لن تشذّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحمته، هي مجموعة عليه(٥) في حضيرة القدس، تقربهم عينه، وينجز بهم وعده، من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل [ معنا ](٦) ، فإنّي راحل إن شاء الله(٧) .(٨)

وذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل عن محمد بن يحيى،

____________

١ - انظر: دلائل الامامة: ٧٤، نوادر المعجزات: ١٠٧ ح ١، الدرّ النظيم: ١٦٧ ( مخطوط ). إثبات الهداة: ٢/٥٨٨ ح ٦٨، البحار: ٤٤/٣٦٤.

٢ - الملهوف على قتلى الطفوف: ١٢٤ - ١٢٦ و١٣٠.

٣ - في الملهوف: تقطعها ذئاب.

٤ - في الملهوف: وأجربة.

٥ - في الملهوف: له.

٦ - من الملهوف.

٧ - انظر: مثير الأحزان: ٤١، كشف الغمّة: ٢/٢٩، البحار: ٤٤/٣٦٦ - ٣٦٧.

٨ - الملهوف على قتلى الطفوف: ١٢٦.

٢٣٠

عن محمد بن الحسين، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان، عن مروان بن إسماعيل، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ذكرنا خروج الحسينعليه‌السلام وتخّلف ابن الحنيفة عنه، فقال ابوعبد اللهعليه‌السلام : يا حمزة، إنّي ساُحدّثك(١) بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك(٢) هذا، إنّ الحسينعليه‌السلام لمـّا فصل متوجّهاً دعا(٣) بقرطاس وكتب فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

من الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى بني هاشم

أمّا بعد:

فإنه من لحق بي منكم استشهد، ومن تخلف [ عنّي ](٤) لم يبلغ مبلغ الفتح، والسلام.(٥)

وذكر شيخنا المفيد محمد بن [ محمد بن ](٦) النعمانرضي‌الله‌عنه [ في كتاب مولد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ومولد الأوصياء صلوات الله عليهم ](٧) بإسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: لمـّا سار أبو عبد اللهعليه‌السلام من

____________

١ - في البحار: ساُخبرك.

٢ - في الملهوف: مجلسنا.

٣ - في الملهوف: أمر.

٤ - من الملهوف. وفيه: لم يبلغ الفتح.

٥ - انظر: بصائر الدرجات: ٤٨١ - ٤٨٢ ح ٥، كامل الزيارات: ٧٥، دلائل الامامة: ٧٧، نوادر المعجزات: ١٠٩ ح ٦، تيسير المطالب: ٩١، الخرائج والجرائح: ٢/٧٧١ ذ ح ٩٣، المناقب لابن شهراشوب: ٤/٧٦، مختصر بصائر الدرجات: ٦، إثبات الهداة: ٢/٥٧٧ ح ١٨، البحار: ٤٢/٨١ ح ١٢، وج ٤٥/٨٤ ح ١٣ وص ٨٧ ح ٢٣.

٦ و ٧ - من الملهوف.

٢٣١

[ مكّة ليدخل ](١) المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسوّمة والمردفة(٢) في أيديهم الحراب، على نجب من نجب الجنّة، فسلّموا عليه وقالوا: يا حجّة الله على خلقه بعد جدّه وأبيه وأخيه، إنّ الله سبحانه أمدّ جدّكصلى‌الله‌عليه‌وآله بنا في مواطن كثيرة، وإنّ الله أمدّك بنا.

فقال لهم: الموعد حفرتي وبقعتي الّتي أستشهد فيها، وهي كربلاء، فإذا وردتها فأتوني.

فقالوا: يا حجّة الله، مرنا نسمع ونطع، فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك؟

فقال: لا سبيل لهم عليَّ، ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.

و أتته أفواج مسلمي(٣) الجنّ، فقالوا: يا سيّدنا، نحن شيعتك وأنصارك، فمرنا بأمرك وما تشاء، فلو أمرتنا بقتل كلّ عدوّ لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك.

فجزاهم الحسين خيراً، وقال لهم: أمّا قرأتم كتاب الله المنزل على جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أَيْنَمَا تَكُونُوا يَدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) (٤) وقال سبحانه:( لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إلَى مَضَاجِعِهِمْ ) (٥) ؟ وإذا أقمت بمكاني فبماذا يبتلى(٦) هذا الخلق المتعوس؟ وبماذا

____________

١ - من الملهوف.

٢ - في الملهوف: المسوّمين والمردفين.

٣ - في الملهوف: من مؤمني.

٤ - سورة النساء: ٧٨.

٥ - سورة آل عمران: ١٥٤.

٦ - في الملهوف: فبمَ يمتحن؟

٢٣٢

يختبرون؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء وقد اختارها الله تعالى [ لي ](١) يوم دحا الأرض، وجعلها معقلاً لشيعتنا، وتكون لهم أماناً في الدنيا والآخرة؟ ولكن تحضرون يوم السبت، وهو يوم عاشوراء الّذي في آخره اُقتل، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي، ويسار برأسي إلى يزيد لعنه الله.

فقالت الجنّ: نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه، لو لا أنّ أمرك طاعة وأنّه لا يجوز لنا مخالفتك(٢) قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك.

فقال لهمعليه‌السلام : نحن والله أقدر عليهم منكم، ولكن( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) (٣) .(٤)

ثمّ سار الحسين صلوات الله عليه حتّى بلغ ذات عرق(٥) فلقيه رجل من بني أسد يقال له بشر بن غالب، فقال الحسين: من أين أقبلت؟

قال : من العراق.

قال: كيف خلّفت أهل العراق؟

____________

١ - من الملهوف.

٢ - زاد في الملهوف: لخالفناك و.

٣ - سورة الأنفال: ٤٢.

٤ - الملهوف على قتلى الطفوف: ١٢٩ - ١٣٠.

ومن قوله: « روى محمد بن يعقوب في كتاب الرسائل » إلى هنا نقله المجلسيرحمه‌الله في البحار: ٤٤/٣٣٠ - ٣٣١ عن كتابنا هذا. وكذا في عوالم العلوم: ١٧/١٧٩.

٥ - ذات عرق: مُهَلّ أهل العراق، وهو الحدّ بين نجد وتهامة؛ وقيل: عرق جبل بطريق مكّة ومنه ذات عرق. وقال الأصمعي: ما ارتفع من بطن الرمة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق.

وعرق هو الجبل المشرف على ذات عرق. « معجم البلدان: ٤/١٠٧ - ١٠٨ ».

٢٣٣

فقال: يا ابن رسول الله، خلّفت القلوب معك والسيوف مع بني اُميّة.

فقال: صدقت إنّ الله يفعل ما يشاء.

فقال الرجل: يا ابن رسول الله، خبّرني عن قول الله سبحانه:( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ اُنَاسٍ بإمَامِهِمْ ) (١) .

فقال الحسين: نعم، يا أخا بني أسد، هما إمامان، إمام هدى دعا إلى هدى، وإمام ضلالة دعا إلى ضلالة، فهذا ومن أجابه إلى الهدى في الجنّة، وهذا من أجابه إلى الضلالة في النار.

قال : واتّصل الخبر بالوليد بن عتبة أميرالمدينة بأنّ الحسينعليه‌السلام توجّه إلى العراق، فكتب إلى ابن زياد:

أمّا بعد:

فإن الحسين قد توجّه إلى العراق وهو ابن فاطمة، وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاحذر - يا ابن زياد - أن تأتي إليه بسوء فتهيّج على نفسك [ وقومك ](٢) أمراً في مدّة(٣) الدنيا لا يسدّه(٤) شيء، ولا تنساه الخاصّة والعامّة أبداً ما دامت الدنيا.

قال: فلم يلتفت ابن زياد إلى كتاب الوليد.(٥)

____________

١ - سورة الاسراء: ٧١.

٢ - من البحار.

٣ - في المقتل والبحار: هذه.

٤ - في البحار: لا يصدّه.

٥ - مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ١/٢٢٠ - ٢٢١، الملهوف على قتلى الطفوف: ١٣١.

ومن قوله: « واتّصل الخير بالوليد » إلى هنا نقله المجلسيرحمه‌الله في البحار:

٢٣٤

قال : ثمّ سار صلوات الله عليه حتّى نزل الثَّعلبيّة(١) وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد، ثمّ استيقظ، فقال: رأيت هاتفاً(٢) يقول: أنتم تسرعون(٣) والمنايا تسرع بكم إلى الجنّة.

فقال له ابنه علي: يا أباه، ألسنا على الحقّ؟

فقال: بلى، يا بنيّ، والّذي إليه مرجع العباد.

فقال: يا أباه، إذن لا نبالي بالموت.

فقال الحسينعليه‌السلام : جزاك الله خير ما جزى ولداً عن والده.

ثمّ بات صلوات الله عليه، فلمـّا أصبح إذا برجل من أهل الكوفة يكنّى أبا هِرّة الأزدي قد أتاه فسلّم عليه، ثمّ قال: يا ابن رسول الله، ما الّذي أخرجك من حرم الله وحرم جدّكصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقال الحسينعليه‌السلام : ويحك يا أبا هرّة، إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنّهم الله ذلّاً شاملاً وسيفاً قَاطعاً، وليسلّطنَّ عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة [ منهم ](٤) فحكمت في أموالهم ودمائهم

____________

٤٤/٣٦٨ عن كتابنا هذا. وكذا في عوالم العلوم: ١٧/٢١٨.

١ - الثعلبية: من منازل طريق مكّة من الكوفة بعد الشقوق وقبل الخزيميّة، وهي ثلثا الطريق، وأسفل منها ماء يقال له الضُويجعة على ميل منها مشرف، وإنمّا سمّيت بالثعلبيّة لإقامة ثعلبة بن عمرو بها؛ وقيل: سمّيت بثَعلَبة بن دودان بن أسد وهو أوّل من حفرها ونزلها. « معجم البلدان: ٢/٧٨ ».

٢ - في المقتل: فارساً.

٣ - في الملهوف: تسيرون.

٤ - من المقتل والملهوف.

٢٣٥

[ حتّى أذلّتهم ](١) .(٢)

وفي كتاب تاريخ غر الرياشي بإسناده عن راوي حديثه قال: حججت فتركت أصحابي وانطلقت أتعسّف الطريق وحدي، فبينا أنا أسير إذ رفعت طرفي إلى أخبية وفساطيط، فانطلقت نحوها حيث أتيت أدناها، فقلت: لمن هذه الأبنية؟

فقالوا: للحسينعليه‌السلام .

قلت: ابن عليّ وابن فاطمةعليهما‌السلام ؟

قالوا: نعم.

قلت: أين هو؟

قالوا: في ذلك الفسطاط، فانطلقت نحوه، فإذا الحسينعليه‌السلام متّكٍ على باب الفسطاط يقرأ كتباً بين يديه، فسلّمت فردّ عليَّ، فقلت: يا ابن رسول الله، بأبي أنت واُمّي ما أنزلك في هذه الأرض القفراء الّتي ليس فيها ريف ولا منعة؟

قال: إنّ هؤلاء أخافوني، وهذه كتب أهل الكوفة وهم قاتليّ، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا والله محرماً إلاّ انتهكوه، بعث الله إليهم من يقتلهم حتّى يكونوا أذلّ من فرم(٣) الأمة.

قال: ثمّ سار صلوات الله عليه وحدّث جماعة من فزارة وبجيلة قالوا: كنّا

__________________

١ - من الملهوف.

٢ - مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ١/٢٢٦، الملهوف على قتلى الطفوف: ١٣١ - ١٣٢.

٣ - الفرم: خرقة الحيض.

٢٣٦

مع زهير بن القين لما أقبلنا من مكةّ، فكنّا نساير الحسينعليه‌السلام حتّى لحقناه، وكان إذا أراد النزول اعتزلناه فنزلنا ناحية(١) .

فلمـّا كان في بعض الأيّام نزل في مكان لم نجد بدّاً من أن ننازله فيه، فبينا نحن نتغدّى من زادٍ(٢) لنا إذ أقبل رسول الحسينعليه‌السلام حتّى سلّم.

ثمّ قال: يا زهير بن القين، إنّ أبا عبد اللهعليه‌السلام بعثني إليك لتاتيه، فطرح كلّ منّا ما في يده حتّى كأنّما على رؤوسنا الطير.

فقالت له امرأته(٣) - وهي ديلم بنت عمرو -: سبحان الله، أيبعث إليك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ لا تأتيه؟ فلو أتيته فسمعتَ من كلامه.

فمضى إليه زهير، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه فقوّض وبثقله(٤) ومتاعه فحوّل إلى الحسينعليه‌السلام .

وقال لامرأته: أنتِ طالق، فإنّي لا اُحبّ أن يصيبك بسببي إلاّ خير، وقد عزمت على صحبة الحسينعليه‌السلام لأفديه بروحي، وأقيه بنفسي، ثمّ أعطاها حقّها(٥) وسلّمها إلى بعض بني عمّها ليوصلها إلى أهلها.

فقامت إليه [ وودّعته ](٦) وبكت، وقالت: كان(٧) الله لك، أسألك أن

__________________

١ - انظر: تاريخ الطبري: ٥/٣٩٣ - ٣٩٤، إرشاد المفيد: ٢٢٣، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من تاريخ دمشق: ٢١١ ح ٢٦٨، إعلام الورى: ٢٢٩، الكامل في التاريخ: ٤/٣٩، البداية والنهاية: ٨/١٦٩، البحار: ٤٤/١٨٦ ح ١٤.

٢ - في الملهوف: بطعامٍ.

٣ - في الملهوف: زوجته.

٤ - كذا في الملهوف: وفي الأصل: بفسطاطه وثقله

٥ - في الملهوف: مالها.

٦ - من الملهوف.

٧ - في الملهوف: خار.

٢٣٧

تذكرني في القيامة عند جدّ الحسينعليه‌السلام .

ثمّ قالَ لأصحابه: من أراد(١) أن يصحبني، وإلاّ فهو آخر العهد [ منّي ](٢) به.

و هذا الحديث نقلته من كتاب إغاثة الملهوف لسيّدنا عليّ بن موسى بن جعفر بن طاووس(٣) .

ورأيت حديثاً أنّ زهيررضي‌الله‌عنه قال لأصحابه لمـّا ودّعهم: إنّي كنت غزوت بَلَنْجرَ(٤) مع سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه ، فلمـّا فتح الله علينا اشتدّ سرورنا، فقال سلمان: أفرحتم بما أفاء الله عليكم؟

قلنا: نعم.

فقال: إذا أدركتم شبّان آل محمد فكونوا أشدّ فرحاً لقتالكم معهم(٥) منكم ما أصبتم اليوم، وأنا أستودعكم الله تعالى، ثمّ ما زال الحسينعليه‌السلام حتّى قتلرحمه‌الله .(٦)

وقيل: إنّ الحسينعليه‌السلام لمـّا وصل إلى زرود لقي رجلاً على راحلة، فلمـّا رآه الرجل عدل عن الطريق، وكان الحسينعليه‌السلام قد وقف

____________

١ - في الملهوف: من أحبّ منكم.

٢ - من الملهوف.

٣ - الملهوف على قتلى الطفوف: ١٣٢ - ١٣٣. وانظر: وقعة الطفّ: ١٦١ - ١٦٢.

٤ - كذا في المقتل، وفي الأصل: عزمت بلخاً.

وبلنجر: مدينة ببلاد الخزر خلف باب الأبواب: « معجم البلدان: ١/٤٨٩ ».

٥ - في المقتل: بقتالكم معه.

٦ - مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ١/٢٢٥.

٢٣٨

ينتظره، فلمـّا عدل مضى وتركه.

قال عبد الله بن سليم(١) والمنذر بن الشمعل(٢) الأسديّان: فعدلنا إلى الراكب، فسلّمنا عليه، فردّ علينا، فقلنا: ممّ الرجل؟

فقال: أسديّ.

قلنا: ونحن أسديّان، فما الخبر؟

قال : الخبر إنّ مسلم بن عقيل وهانىء بن عروة قتلا، ورأيتهما يجرّان في الأسواق. فأتينا الحسينعليه‌السلام : فقلنا: إن عندنا خبراً، فنظر إلى أصحابه، فقال: ما دون هؤلاء سرّاً.

قلنا: أرأيت الراكب الذّي عدل عن الطريق؟ إنّه أخبر بكذا وكذا.

فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

قلنا: ننشدك الله في نفسك وهؤلاء الصبية فإّنه ليس لك في الكوفة ناصر قريب [ ولا شيعة، فنظر الحسين إلى بني عقيل فقال لهم: ما ترون فقد قتل مسلم؟ فبادر ](٣) بنو عقيل فقالوا: قتل صاحبنا، وننصرف! إنّك والله لست كمثل مسلم، ولو قد نظر الناس إليك ما عدلوا بك أحد، وإنّا والله لا نرجع حتّى ندرك ثأرنا أو نذوق الموت كما ذاق أخونا، فنظر الحسين إلينا، وقال: لا خير في

____________

١ - في المقتل: سليمان.

٢ - كذا في المقتل، وفي الأصل: والمراد بن إسماعيل، وفي وقعة الطفّ: والمذري المشمعل.

٣ - من المقتل.

٢٣٩

الحياة بعد هؤلاء، فعلمنا أنّه يسير لا محالة، فقلنا: خار الله لك.(١)

و قيل: إنّ الخبر أتى الحسين بقتل مسلم في زُبالة(٢) ، فعرف بذلك جماعة ممّذن تبعه، فتفرّق عنه أهل الأطماع والارتياب، وبقي معه أهله وخيار أصحابه.

قال: وارتجّ الوضع لقتل مسلم وسالت الدموع كلّ مسيل.(٣)

ثمّ سار الحسينعليه‌السلام قاصداً لما دعاه الله إليه، فلقيه الفرزدق، فسلّم عليه ودنا منه وقبّل يده، فقال له الحسين: من أين أقبلت؟

قال: من الكوفة.

قال: كيف خلّفت الناس(٤) ؟

فقال الفرزدق: يا أبا عبد الله، كيف تركن إله أهل الكوفة وهم الّذين قتلوا ابن عمّك مسلم وشيعته؟

فاستعبر الحسينعليه‌السلام باكياً، ثمّ قال: رحم الله مسلماً، فقد صار إلى روح الله وريحانه، وجنّته(٥) ورضوانه، قد قضى ما عليه وبقي ما علينا، ثمّ أنشأ يقول:

فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة

فإنّ ثواب الله أعلى وأنبلُ

____________

١ - مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ١/٢٢٨ - ٢٢٩. وانظر: وقعة الطفّ: ١٦٤.

٢ - زبالة: منزل معروف بطريق مكّة من الكوفة، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبية بعد القاع من الكوفة وقبل الشقوق فيها حصن وجامع لبني غاضرة من بني أسد. « معجم البلدان: ٣/١٢٩ ».

٣ - الملهوف على قتلى الطفوف: ١٣٤.

٤ - في المقتل: أهل الكوفة.

٥ - في المقتل والملهوف: وتحيّته.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562