تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ٢

تسلية المجالس وزينة المجالس10%

تسلية المجالس وزينة المجالس مؤلف:
المحقق: فارس حسون كريم
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 562

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 562 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 382156 / تحميل: 7087
الحجم الحجم الحجم
تسلية المجالس وزينة المجالس

تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ماذا يرسم لنا الرسام في المواكب العزائيّة؟

في الغالب نرى الرسام يتأثّر بمرأى واقعي معين، أو بمشهد مبكي حزين، أو بطبيعة معينة، أو بحدث تأريخي معين، أو بشخصية ما؛ سواء كان هذا التأثر في الواقع أو في الخيال، فتتحرّك في داخله الرغبة الإبداعية فيُبدع ويرسم حتّى يصل إلى مبتغاه، ويخرج لنا لوحة فنّية رائعة المنظر. وما يدريك لعله يجلس على رسم هذه اللوحة أيام وليالي، ويسهر عليها حتّى يقدّمها للمشاهد بالشكل الرائع والمقبول والمثير.

في لوس أنجلوس بأمريكا في إحدى السنوات أقام مركز الشباب المسلم هناك معرضاً صورياً شارك فيه الكثير من الرسّامين المبدعين بمختلف أطيافهم ودياناتهم، ثمّ عرضوا فيه لوحاتهم.

أيضاً بعض الرسّامين الشيعة ركّزوا على رسم بعض المشاهد المثيرة من واقعة الطفّ في لوحاتهم وعلّقوها من بين اللوحات، وكان هناك من الإخوة المؤمنين في المركز مهمّته في المعرض يعرّف باللوحات للزائرين.

هذا الأخ يقول: كان كلّ زائر يزور المعرض لا ينجذب إلى شيء أكثر ممّا ينجذب إلى النظر إلى اللوحات الحسينيّة؛ لأنّهم رأوا فيها المناظر النادرة والمثيرة.

وكان من بين الزائرين ومن المدعوّين لحضور هذا المعرض هو الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (رحمة الله عليه)، ومن جملة انطباعاته على اللوحات التي رآها كان يقول: إنّ اللوحات كانت معظمها رائعة ومعبّرة وهادفة، وتُعطي لذهنية الناظر الصورة التقريبية، ولكن ما لفت نظري وأثار انتباهي من بين اللوحات المعروضة كانت هناك لوحة لأحد الرسّامين من بلدة الحلّة بالعراق وقد رسم فيها طفل الحسين عبد الله الرضيع والسهم واقع في منحره، والدماء من حوله، وحوريات قد نزلت من السماء إلى الأرض يتبركنَ بدمائه.

٢١

يقول: وأنا أتأمّل إلى هذه اللوحة الفنية الرائعة لكنّي ما استطعت مواصلة التأمّل فيها؛ لأنّني اختنقت بالعبرة وقد جرت الدموع من عيني.

فالرسّام الحسيني مبدع عظيم، ويستحق الثناء والتبجيل والتكريم، وقبل أن نكرمه قد كرّمه مولاه الحسينعليه‌السلام ؛ لِما يؤدّي له من خدمات فنّية جميلة؛ مكافأة له على عنائه وتعبه وسهره.

أيضاً لا ننسى جهد وعناء ذلك الخطّاط الشريف الذي يسخّر قلمه في خدمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ويسخّر إبداعاته الخطّية في كتابة الشعارات القدّسية التي أطلقها حسين الإباء في يوم عاشوراء قبل استشهاده. حفظ الله كلّ الخطّاطين والفنّانين الرسّامين، وحشرهم مع محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

بلا شك إنّ كلّ هذا الفن الإبداعي لا يضيع هدراً، وإنّما نراه بجلاء قد أصبح مظهراً مؤثراً، ودافعاً للحركة الجماهيرية في المواكب العزائيّة.

٢٢

ركضة عزاء (طويريج) المشهورة لدى شيعة العراق

إنّ الذي رأى هذا الموكب المهيب وهو يخرج يوم عاشوراء، أو في أربعينية سيد الشهداءعليه‌السلام في المسير من حرم أبي الفضل العباسعليه‌السلام إلى حرم أخيه الحسينعليه‌السلام ، يلحظ بأنّ ما وراء هذه الهرولة الزاكية الشريفة حكاية تأريخية مشهورة عريقة برزت بعد استشهاد أبيِّ الضيمعليه‌السلام ، وسوف أنقلها لك بنوع من الإسهاب والتفصيل:

ينطلق ما يعرف بـ (عزاء طويريج) بمصاب سيد الشهداءعليه‌السلام ظهر العاشر من المحرّم بعد صلاة الظهر من منطقة ( طويريج )، وهم يهتفون:(أبد والله ما ننسى حسينا) و(وا حسين) ، وما إليه من الشعارات الحسينيّة والهتافات الولائية، إلى أن يصلوا إلى حرم سيد الشهداءعليه‌السلام ، ومنه إلى حرم العباس بن عليعليهما‌السلام ، ومنه إلى المخيّم الحسيني.

لهذا العزاء تاريخ طويل ومشاركة كبيرة من الموالين والمحبّين للإمامعليه‌السلام ، وهو عزاء جماهيري يُشارك فيه أعداد كبيرة من عشّاق الإمام وهم يندبون لمقتل الإمام السبط، مهرولين إلى الصحن الشريف للإمام، لاطمين الصدور والرؤوس، منادين: يا حسين! يا حسين! يا حسين! هذا النداء الخالد ما خلدت الدنيا.

ويروى في إحدى السنوات كان المرحوم العلاّمة السيد مهدي بحر العلوم قد ذهب يوم العاشر من محرّم إلى مدينة كربلاء المقدّسة بصحبة عدد من طلبته وخواصه، فوقف على مشارف المدينة لاستقبال الموكب الحسيني القادم من مدينة ( طويريج ) التي يفصلها عن كربلاء حوالي أربعة فراسخ، حيث يعدّ هذا الموكب من أشهر المواكب وأكثرها حرارة إلى درجة أنّ نمطاً من أنماط العزاء الحسيني ما زال مشتهراً باسم ( عزاء طويريج )؛ نسبة إلى هذه المدينة التي كان يخرج منها مئات الألوف من الرجال والنساء والأطفال وهم يبكون ويندبون ويلطمون على سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه).

٢٣

والرجال منهم كانوا يسيرون حفاة الإقدام، حاسري الرؤؤس، وهم يلطمون أنفسهم بقوّة وحرارة على وقع المراثي كالمفجوعين توّاً، ممّا يزيد الأسى واللوعة بمصاب سيد الشهداء، وتتحوّل مدينة كربلاء المقدّسة إلى حالة من الحزن والأسى في كلّ أرجائها من وقع هذا الموكب وصداه.

وعندما اقترب الموكب إلى حيث كان يقف السيد مهدي بحر العلوم تفاجأ الذين من حوله بقيامه فجأة بإلقاء عمامته، وخلع قميصه، وقد انفجر من شدّة البكاء وغاص في وسط الموكب بين الجماهير، وهو يلطم بشدّة وقوّة، وهو ينادي ويصيح: وا حسيناه! وا حسيناه!

وقد تعجّب هؤلاء الذين كانوا من المقرّبين إلى السيد من قيامه بهذا التصرّف بغتة، بينما هو لم يعهد عنه مثل ذلك أبداً. وما كان من هؤلاء من سبيل سوى أن يدخلوا مع السيد في الموكب، فأحاطوا به من كلّ جانب؛ خشية أن يصيبه مكروه، أو يُداس بالأقدام وسط أمواج هذا الموكب المهرول الكبير.

وطوال تلك الفترة رأى هؤلاء من السيد بحر العلوم ما زاد من تعجّبهم ودهشتهم، إذ وجدوه في حالة لم يروها من قبل منه؛ فقد كان يضرب نفسه بقوّة وشدّة وجزع، وهو يبكي ويصيح بأعلى صوته من دون أن يشعر بما حوله، وكان حقّاً كالذي فقد عزيزاً الساعة.

وانتظر هؤلاء انتهاء الموكب والدهشة قد ملأت عقولهم، وبعد انتهاء مراسم العزاء وانفضاض الجميع، عاد السيد بحر العلوم إلى حالته الطبيعية، ولكنّه كان شاحب الوجه، منخرّ القوى، ولم يكن يقوى على النهوض، فسأله المحيطون به منكرين: سيدنا، ماذا جرى لكم حتّى دخلتم هكذا فجأة ومن دون اختيار في موكب عزاء طويريج كأحدهم؟!

٢٤

فنظر إليهم السيد وانهمرت دموعه على خديه وقال: لا تلوموني، ولا ينبغي لكم أن تلوموا أحداً من العلماء إذا ما قام بذلك؛ فإنّني ما إن اقترب منّي الموكب حتّى رأيت مولاي صاحب الأمر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) حاسر الرأس، حافي القدمين، وهو يلطم ويبكي مع اللاطمين الباكين، فلم احتمل المنظر، ودخلت في الموكب ألطم صدري مع الإمام سلام الله عليه.

وعزاء طويريج يبدأ بالمسير انطلاقاً من مدينة طويريج الواقعة على بعد ٢٠ كيلو متراً عن كربلاء، حيث يتوجّه المشاركون فيه إلى هذه المدينة سيراً على الأقدام ليصلوا قبل الظهر على مشارف المدينة؛ حيث تُقام صلاة الظهر هناك لينطلق الموكب إلى داخل المدينة المقدّسة.

وتولّى علماء دين من آل القزويني، ووجهاء مدينة طويريج من آل عنبر، وعشائر بني حسن، وآل فتلة، والدعوم، الإشراف والإنفاق بمساعدة أهالي هذه المدينة على (ركضة طويريج) التي تنطلق لتبدأ بعدها مراسيم (الركضة) في العاشر من الشهر، وهو موكب عزاء يشارك فيه مئات الآلاف في كلّ عام.

٢٥

حلقة عزاء ذي الجناح المشهورة لدى شيعة البحرين

العزاء الحسيني لا يختصر على شريحة من الناس ليس على الشباب فحسب، بل يشترك فيه الشيوخ المسنّين الكبار من ذوي الشيبة البهية، وهؤلاء في البحرين قد خُصّصت لهم مسيرة عزائية خاصة بهم، وهي معروفة بـ (حلقة ذي الجناح)، وهذه التسمية نسبة لجواد الحسينعليه‌السلام .

وإليك قصّة كيفية هذه المسيرة الخالدة بالتفصيل: تعدّ قبل كلّ شيء الأعلام والشبيهات والخيول والجمال والهوادج، ثمّ يتجمّعوا الأجداد والآباء الكرام بعد خروجهم من سماع المقتل يوم العاشر، ويتكتلون في لمّة واحدة أمام موكب الشباب، ويأتي الرادود في مقدّمتهم ويقرأ قصيدة (أحرم الحجّاج) للشيخ حسن الدمستاني.

هذه القصيدة الحسينيّة الأدبية المشهورة التي على الدوام أبياتها تتردّد على ألسن الموالين المعزّين في كلّ مكان، وهي في الواقع ملحمة نظمت حادثة الطفّ من الأوّل إلى الأخير، وأصبح كلّ أهل العزاء يردّدون هذه الملحمة بشتّى الألحان في مختلف أنحاء العالم الإسلامي والوسط الشيعي.

والقصيدة في الموكب على حال نظمها لم يغيّر فيها شيء إلاّ المستهل الذي اعتاد المعزّون أن يردّدوه في كلّ عام بهذه الكيفية:

ذو الجناح أقبل من الميدان خالي

وويلاه أي وا حسيناه وويلاه

٢٦

تأمّلات واقعية واعية في موكب ذي الجناح

متى تأسس موكب ذي الجناح؟ ولأيّ هدف وجد هذا الموكب؟

يعتبر أهل البحرين إنّ أوّل مأتم أُقيم في البحرين هو (مأتم ابن أمان) في حي المخارقة وسط العاصمة المنامة قبل حوالي قرنين، وشارك في تشييده أبناء الحي من البحّارة والبنّائين، وقد تمّ تجديده بعد وفاة الحاج عبد الأعلى أمان عام ١٨٦٩.

ومنذ تأسيس هذا المأتم التأريخي في ذلك الوقت انطلقت منه مسيرة حلقة ذي الجناح، وشيئاً فشيئاً أخذ يكبر هذا الموكب إلى أن عمّ مناطق وقرى البحرين، وكان له شهرة واتساع واسع بمشاركة أصحاب الثياب من المسنّين من جيل الأجداد والآباء.

فلو تأمّلنا في هذا الموكب المقدّس تأمّلاً واعياً لرأينا أنّ الهدف الأسمى من إيجاد مثل هذا العزاء هو المشاركة الوجدانية لجميع الموالين من شيب وشباب، فلماذا نلغي دور المسنّين من المشاركة في المواكب العزائية؟

لا بدّ أن تفرد لهم حلقة خاصة بهم حتّى تكون لهم الحافز المشجّع على المشاركة؛ ولأجل هذا الهدف النبيل تمّ إنشاء موكب ذا الجناح. ونأمل أنّ هذه التجربة الرائدة ستعمم على كلّ مناطق العزاء في العالم الشيعي حتّى تصبح المشاركة لجميع الفئات في المجتمع.

وإنّي على يقين بأنّ الشيعة مع تقدّم وتطوّر المواكب العزائية في هذا العصر إلاّ أنّ هناك الكثير ممّن يرغب أن يجعل ذا الجناح في مقدّمة المواكب العزائية الاُخرى، ولذكريات وفاء جواد الحسينعليه‌السلام .

٢٧

موكب عزاء حديث خاص للصم والبكم في البحرين

إنّ لكلّ إنسان حقّ في هذه الحياة ولو كان من ذوي العاهة، فمن الظلم أن يُحرم منه وبالاستطاعة أن يحصل على حقّه بمساعدة أهل الخير من المجتمع، ولا خير في مجتمع لا ينتبه إلى الفئة المحرومة.

والحياة هي الحركة، وكما يُقال:في كلّ حركة بركة . وأيّ حركة طبيعية تطوعية تسير في اتجاه خدمة أهل البيتعليهم‌السلام يباركها الله عزّ وجلّ، ويباركها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويباركها جميع المعصومينعليهم‌السلام .

فأهالي منطقة النعيم في البحرين قد تحرّكوا تحرّكاً جدّياً من أجل إنشاء موكب حسيني يضم فئة الصم والبكم؛ هذه الفئة التي عاشت في السنوات المنصرمة قد لا تفهم إلاّ القليل عن المواكب العزائية، وبالفعل تمّ هذا الإنجاز الكبير، وضمّ هذه الفئة إلى باقي فئات المجتمع. وكلّ هذا الفضل يرجع إلى أهالي النعيم الذين أُشربوا حبّ الحسينعليه‌السلام ؛ حيث إنّ قلوبهم تقطر بالولاء الخالص للعترة الطاهرة.

وفّق الله المؤسسين والقائمين على خدمة هذا الموكب المبارك المقدّس، وجعل هذا الإنجاز المثمر والعطاء اليانع في ميزان حسناتهم.

٢٨

متى بدأ موكب الصم والبكم، وكيف كانت انطلاقته؟

لقد بدأ هذا الموكب المميّز يظهر وجوده في صفوف المسيرات العزائية المقدّسة بجهود حثيثة مكثفة من قبل لجنة مأتم النعيم الجنوبي، حيث طرحت فكرة المجلس الحسيني للصم في ٣٠ / ٧ / ٢٠٠٣م، ووافق المجلس على تبنّي الفكرة.

وبعد الموافقة بدأ التحرّك في تطبيق هذا المشروع القيم؛ فأُقيم أوّل مجلس ديني (حسيني) مترجم بلغة الإشارة للرجال ‏‏( مكان خاص للرجال) في ٢٦ / ٢ / ٢٠٠٤م، ثمّ أُقيم أوّل مجلس ديني حسيني مترجم بلغة الإشارة ‏للنساء في ٢٨ / ٢ / ٢٠٠٤م. وفي تاريخ ١٠ / محرّم ١٤٢٥ هـ زار وزير الصحة المجلس الديني للصم نساءً ورجالاً.

ومن ضمن الفعاليات والنشاطات المستمرة تمّ اللقاء بالمجلس الحسيني للصم مع د. فؤاد شهاب رئيس مركز سلطان لتنمية السمع والنطق بتاريخ ١١ محرّم ١٤٢٥هـ - ٢٠ محرّم ١٤٢٥هـ.

وفي ١ / ٣ / ٢٠٠٤م تمّ إجراء اختبارات سمعية للصم بمركز سلطان لتنمية السمع ‏والنطق‏ في ‏٢ / ٣ / ٢٠٠٤م (٢٩ محرّم ١٤٢٥ هـ)، وتمّ لقاء لجنة الصم بوزير الصحة في ‏قاعة رفيده بوزارة الصحة.‏

وفي ٤ / ٢ / ٢٠٠٥م تمّ إعداد إقامة مخيّم ثقافي وترفيهي للصم بالصخير بالتعاون مع ‏جمعية التوعية الإسلامية.‏

‏وفي ١٩ / ٢ / ٢٠٠٥م (١٠ محرّم ١٤٢٦هـ) انطلق أوّل موكب عزاء للصم والبكم في البحرين ‏إن لم يكن على مستوى العالم.

إنّ هذه مجهودات بدائية رائدة شكّلت حجر الأساس لإقامة هذا المشروع الولائي الحسيني الهام، وحري بي وبكلّ إنسان منصف أن يشيد وينوّه بهذه المبادرات والجهود الخيّرة ويثني عليها؛ لأنّها قد أنجحت بروز موكب الصم والبكم وصيّرته على هذه الكيفية التي نراها بارزة على هيئته إلى حتّى هذا العام ٢٠٠٦م، وإلى الأعوام المقبلة إنشاء الله تعالى.

٢٩

فائدتنا من إقامة العزاء الحسيني

س١: ما الهدف من تجمهر الجماهير الحسينيّة المعزّية من مختلف المناطق في منطقة واحدة؟

هناك أهداف متعدّدة ومغزى كبير لهذا الحشد الجماهيري الغفير الذي يكاد يُعدّ بالملايين وهم يتجمهرون في بقعة واحدة وفي رحاب واحد، ويحملون الرايات ويهتفون بصوت واحد ( لبيك ياحسين )، ( أبد والله لا ننسى حسيناه ).

أذكر باختصار أهم هذه الأهداف، وهي أربعة:

أوّلاً: المحافظة على هيبة وقوّة العزاء.

ثانياً: الزيادة في مضاعفة الأجر والثواب.

ثالثاً: كشف ما هو جديد لدى الرواديد.

رابعاً: وحدة الصف تحت راية الحسينعليه‌السلام .

هذه أهم أبرز الغايات التي تدفع تدفّق الجماهير إلى أن يقيموا العزاء في مدينة من مدن مناطقهم، ويجتمعوا تحت مظلّة شعار واحد وراية واحدة وصف واحد. وهذا التجمهر يكون له طابع خاص، وقد اعتاد عليه المعزّون من عصور سابقة إلى عصرنا الحالي.

س٢: ما هي الفائدة التي تجنيها جماهير الشيعة من خلق هذه المسيرات المليونيّة في المواسم العزائيّة؟

إنّ أكبر فائدة تُجنى من وراء تلك المسيرات المليونيّة هو تخليد ذكرى شهادة أبي الأحرار الحسينعليه‌السلام ، وإظهار مظلوميته للعالم، وشدّ أنظار الأمم في جميع أنحاء العالم لقدسية وعظمة هذا القائد العظيم، هذا من ناحية.

ومن ناحية اُخرى - بحسب اعتقادي - هو الرفض للظلم والظالمين في كلّ عصر، وفي كلّ زمان ومكان؛ حيث إنّ شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ليس لهم الاستفادة من شيء في جعل هذه المسيرات العزائيّة إلاّ السير على نهج الإمام الحسين وباقي الأئمّة الطاهرين (عليهم السّلام أجمعين) ذلك النهج الثائر.

٣٠

ونختصر هذه الفائدة في ثلاثة مواضع:

الأوّل: الركوب في سفينة النجاة

يا أهل الرثاء، ويا أرباب العزاء، أقول: أكبر سفينة منجية يركبها الإنسان في حياته هي سفينة الحسينعليه‌السلام ، وأكبر فائدة يجنيها المعزّي؛ حيث يرى نفسه مع المعزّين وقد شملته ألطاف رحمة الحسينعليه‌السلام ، وهذه الرحمة النورانية هي التي تضيء وجوده وحياته. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :“ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة “ ، وقال الإمام الصادقعليه‌السلام :« كلّنا سفن نجاة، وسفينة جدّي الحسين أوسع، وفي لجج البحار أسرع » .

الثاني: استجابة الدعاء تحت قبة الحسينعليه‌السلام

أيّها المؤمنون، اعلموا بيقين أنّ كلّ منبر عزاء يُعقد على سيد الشهداءعليه‌السلام في أيّ بقعة على وجه الأرض فهو يعتبر قبة للإمامعليه‌السلام ، وتكون الدعوة بقربه مستجابة. وما من أحد منّا إلاّ ولديه هموم وحاجات، فنحن نحتاج إلى الحسينعليه‌السلام ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ جعل الشفاء في تربته، واستجابة الدعاء تحت قبته؛ فلذلك تجد ملايين الشيعة الزائرين يتوافدون في المواسم العزائيّة على كربلاء، وتراهم بقلوب خاشعة في المسيرات العزائيّة بقرب الضريح الحسيني الطاهر يرفعون الأكف؛ يتضرّعون إلى المولى سبحانه وتعالى بحقّ حبيبه الحسينعليه‌السلام أن يفرّج عنهم، ويجلي همومهم، ويقضي حوائجهم، ويدفع عنهم شرور الابتلاءات.

فكم من زائر توفّق لنيل مناه ومبتغاه من خلال مشاركته في المواكب العزائيّة المقدّسة التي تنطلق من تحت تلك القبة الشامخة النوراء.وعن الكرامات الحسينيّة حدّث ما شئت، وكلّها شوهدت بالعين المجرّدة في ذلك الرحاب الشريف الطاهر. وللتفاصيل عن قصص كرامات سيد الشهداءعليه‌السلام راجع كتابنا الجديد (أنوار الأبصار في قصص وكرامات الأئمّة الأطهار).

ثالثاً: قبول العزاء والزيارة ونيل الشفاعة

٣١

رابعاً: تلبية لنداء الأئمّة المعصومين، والحثّ على إقامة الشعائر الحسينيّة؛ كإقامة العزاء والبكاء في يوم عاشوراء.

ثلاثة مناهل يستفيد منها الإنسان المؤمن من دنياه لآخرته، وهي عبارة عن محطّات يتزوّد منها وقود الفوز والنجاة، ألا وهي: العزاء، والبكاء، والزيارة. إذا نجح المعزّي والزائر والباكي في حسن أدائها، وزار وهو عارف بحقّ الإمام الحسينعليه‌السلام فسوف ينال منه القبول ونيل الشفاعة. فدعوتي من القلب إلى كلّ معزّ أن يدخل في مواكب العزاء وهو ينوي النيّة الخالصة الحسنة التي تؤهله أن ينال القبول.

فكما إنّنا إذا قصدنا إلى أداء مناسك الحج نبتعد عن المظاهر المادية والتصرّفات اللاسلوكية، كذلك عندما نتوجه لكي نعزّي على الإمام الحسينعليه‌السلام لا بدّ أن نكون على هذا المستوى الراقي من التأدّب؛ لكي تُكتب أعمالنا في ديوان خالص الأعمال، وإلاّ ما فائدة هذه المسيرات المليونيّة إذا لم تتوّج بتاج المودّة والإخاء واحترام بعضنا البعض؟

القوي منّا يعطف على الضعيف، والغني على الفقير، ونتآلف على بساط الرحمة، وفي رحاب سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام الغريب المظلومعليه‌السلام ، وتحت رايته العظيمة.

٣٢

الرادود الحسيني وأثره في المعزّين

س: هل للرادود الحسيني ذلك التأثير المهم لاجتذاب المعزّين؟

الرادود الحسيني هو قطب الرحى المحرّك في المواكب العزائيّة، وهو يشكّل العمود الفقري لإنجاح مسيرة العزاء؛ لذلك يحتاج الرادود إلى مؤهّلات تؤهّله. ومن أبرز تلك المؤهّلات قوّة وحلاوة الصوت، وفوق كلّ ذلك الالتزام الديني، والأخلاق، واحترام الناس.

أيضاً من جملة المؤهّلات انتقاء القصائد والحرص على جودتها، وتلحينها بالألحان المقبولة اجتماعياً ودينياً.

لماذا كلّ هذه المؤهّلات مطلوبة في شخصية الرادود؟

لأنّ هذه المواصفات تجعل من الرادود الحسيني أن يكون مثلاً وقدوة يقتدي به مَنْ يأتي من بعده في هذا الطريق السامي.

أيضاً الرادود الحسيني الناشئ المحترف بحاجة إلى إتقان بعض الأساسيات والفنون الذي يقوم عليها نجاح الموكب العزائي، هكذا تحدّث الرادود البحريني الجدير عبد الشهيد الثور: لو ألقينا أنظارنا إلى مواكبنا بصورة عامّة سنجدها في أغلبها الأعم لا تخرج عن أربعة فنون وإن زاد في بعض الحالات فن هنا وقصر منها فن هناك.

نجد الموكب يتكوّن من:

١ - الهواس.

٢ - الوقفة.

٣ - داخل المأتم.

٤ - خارج المأتم.

٣٣

ولهذا أراني أفضل إدخال الرادود مع بداياته في دورة تدريبية تعبر الفنون الأربعة السابقة على التوالي. ينتقل من فن إلى الثاني بعد اجتياز الفن الأول بنجاح، وليثبت للفريق المشرف على أدائه مدى مهارته، وكيف سيتميز في فن دون الآخر. هذا طبعاً بعد أن تكون أربعة فرق يعمل كلّ فريق على حدة مع النظر لمتطلبات الفرع المختصّ هو فيه.

وهذا لا يمنع من إجراء لقاءات دورية بين الفرق الأربعة وتبادل وجهات النظر ورفع ايجابيات كلّ قسم وسلبياته لبعضهم البعض، على أن يكون العمل كفريق وليس فردياً، بمعنى أن يتحمّل الفريق نجاح وفشل الرادود بكونه متابعاً لتوجيهه وتسديد مساره.

ثمّ تتابع وقال: بهذه المنهجية نؤسس منهجاً جديداً في إخراج رواديد جدداً يعتمدون على التوجيه المنظّم، والتأهّل في مسلسل المراحل الآنفة؛ يقيّم مستوى الرادود في أيّها أقوى، ولا يلحق بمرحلة حتّى ينجز تمكنه من المرحلة السابقة، وبعد التقييم يرجح له أيّ مرحلة هو الأقوى فيها ليتم له التخصص فيها، وبهذا نكون قد أسسنا لفن التخصص، ونقلنا الموكب لمرحلة النشاط والتنافس الشريف، والعطاء المنظّم، والقوّة المحكمة(١) .

وهكذا كان يتحدّث الرادود الحسيني الشهير الحاج ملا باسم الكربلائي عن تجربته الاحترافية الرائدة، ويفصح للملايين من المعزّين الذين يتابعون إنجازاته الرثائية في كلّ عام، ويقول عن بداياته: كانت بدايتي في إيران بعد أن هجّرنا من طرف النظام العراقي في عام ١٩٨٠،

____________________

(١) موقع ملتقى الساحل الشرقي - الرادود الحسيني عبد الشهيد الثور - ١٢ / يونيو / ٢٠٠٣م.

٣٤

وقد بدأت قارئاً للقرآن، واستمررت لخمس سنوات، أي لغاية ١٩٨٥م. كان عندي أستاذ في إيران اسمه محمّد تقي الكربلائي، فطلبت منه قصائد حتّى أقرأها في العزاء، فاستهزأ بي آنذاك، فحزنت وحملت عليه في قلبي، وعندما أحس بذلك أعطاني بعض القصائد لأقرأها في العزاء، وكانت قصيدة كان يقرأها الرادود الحسيني المعروف (الشيخ هادي الكربلائي)، والتي تقول: ( يحمى الدخل يا حسين / كلّ اللوادم ايشهدون / بر وبحر مو منكور/ جن وانس يعترفون)، وأمّا القصيدة الثانية فكان مطلعهما: ( مر على الشاطئ يحادي ارچابنا).

أعطاني هاتين القصيدتين وأخذت أتمرّن عليها، وبدأت في مدينة (قم المقدّسة) في ذكرى وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد بدأت بموكب الزنجيل، حيث كانت المواكب الكربلائية كلّها تجتمع عند سماحة المرجع المرحوم السيد محمّد الشيرازي (رحمة الله عليه)، وبعد أدائي الأوّل صار إعجابٌ من الناس وتشجيع على الاستمرار، وقال لي الكثيرون بأنّ لك شأناً في هذا المجال. ومنذ تلك التجربة الأولى في عام ١٩٨٠ وإلى اليوم أنا مستمر والحمد لله(١).

وأتحفنا الرادود الحسيني الكبير القدير الحاج ملا جليل الكربلائي عن بدايات احترافه عبر سؤال في مقابلة قد وجه له، فأجاب وهو يبتسم كعادته قائلاً: أستطيع القول بأنّ بدايتي كانت في العراق مذ كان عمري ١٣ سنة تقريباً، إذ كان والدي يأخذني إلى المرحوم حمزة الصغير، وكان (رحمه الله) يقول لي: (اقرأ عمو شويه).

فكنت أقرأ له ممّا حفظته من قصائده، فسألني ذات مرّة: (هواي تقرأ لو قليل؟). فأجبته: أنا أقرأ في البيت فقط، ولا أعرف إن كانت قراءتي صحيحة أم لا.

فقال لأبي: (إذا يقرأ ويصير عنده عوار بگصته فهذا يصير رادود). (هسه ما أدري كان يمزح وياي (رحمة الله عليه) لو حقيقة كانت؟ ما أدري!).

٣٥

ومن ذلك اليوم وأنا مولع بالقراءة، ولم أتركها أبداً حتّى صار التهجير من العراق إلى إيران في السبعينات، وبدأت أقرأ في هيئة الفاطمية بأصفهان، وبقيت حوالي ١٠ سنوات أقرأ فيها، لكنّني آنذاك لم أكن معروفاً مثل اليوم، فلم تكن لي تسجيلات كثيرة حتّى الثمانينات، حيث دعيت للقراءة في مواكب كبيرة في قم المقدّسة وطهران ومشهد ومعظم المدن الإيرانية، وأصبح لي تسجيلات صوتية كثيرة جداً.

ثمّ قال الملا جليل: لكن الرادود الاعتيادي كيف يضع الأطوار؟ هذه أقولها للشباب الذين يطمحون لخدمة الحسينعليه‌السلام بمجال الرادودية.

الرادود لمّا يسمع قصائد، تواشيح، أناشيد، يصبح عنده خزين كبير في ذاكرته، ومع مرور الوقت يصبح لديه خبرة بوضع الأوزان على الأطوار المخزونة عنده؛ ولذلك تراه يأتي بمقطوعة من مقام الحجاز مثلاً، ومقطوعة من مقام الكرد، ويزاوج بينهما بعملية ذوقية غير مخطّط لها، وبدون أن يعرف الرادود ما الذي عمله ونتج الطور.

وأنا اُحذّر الرواديد الشباب خاصة من إهمال الحالة الروحانية، لا تجعلوا الأطوار تطغى على أصالة المنبر وقدسيته؛ هذا منبر مقدّس. قبل كم يوم قلت: في طهران ليلة مولد العباسعليه‌السلام ، قبل كم سنة جاؤوا بطفل أعمى إلى المجلس فإذا به يخرج مبصراً. المنبر الذي يعطي هكذا معاجز وكرامات، طيب كيف يجوز لي أن أقول من عليه أيّ كلام وآتي بأيّ تصرّف؟!

وأجرت شبكة السادة الإسلاميّة المباركة لقاء مع الرادود الحسيني البحريني المميز الشيخ حسين الأكرف (حفظه الله)، وقد بدأت المحاورة معه بهذا السؤال: كيف كانت بدايات خدمتكم في موكب العزاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؟ هل كان للبيئة التي تربيتم فيها (سواء المنزل أو المنطقة) تأثير كبير على بداياتكم؟ وما هو مدى تأثير والديكم على إظهار هذه الملكة (إلقاء القصيدة العزائيّة والشعر)؟

٣٦

فأجاب الشيخ الأكرف: بدايتي كانت بلطف الله وعنايته في العام ١٩٨٥م، في قريتي الدراز، وبالتحديد في مأتم أنصار العدالة، وكانت القصيدة الأولى من ألحان المرحوم حمزة الصغير، وكلمات والدي الحاج أحمد الأكرف، كنت حينها في الحادية عشر من العمر، قبل ذلك كنت منشداً في فرقة الإمام الصادقعليه‌السلام للأناشيد الإسلاميّة، وقبلها كنت في فرقة جمعية التوعية الإسلاميّة منذ عام ١٩٨٣م.

ولبيئتي (الدرازية) كبير الأثر في توجهي الحسيني والحوزوي بعد ذلك؛ فقريتي من القرى المعروفة بتاريخها العلمائي وتمسّكها الديني، فهي الأصل الذي ينتمي له الشيخ يوسف العصفور صاحب الحدائق (قدّ سره). كما إنّ لوالدي العزيزين عظيم الأثر في توجهي هذا؛ فإنّ الوالد كان رادوداً وشاعراً حسينياً مجيداً، ووالدتي دوماً تحفّزني وتشجّعني لخدمة الحسينعليه‌السلام .

وحول سؤال: إنّه كثر في الآونة الأخيرة بين الرواديد ما يعرف بالألحان العزائيّة، وهي ظاهرة وإن كانت تهدف إلى تطوير الأداء، فما رأي سماحتكم في ذلك؟

فأجاب الرادود الشيخ: اللحن يستنطق معاني الكلمة، ويعطيها لغة مؤثرة ووقعاً خاصاً في النفوس، فقد تكون الكلمة بلا لحن باهتة اللون ضعيفة الوقع لكنّها في قالب اللحن يكون لها نبض، وتجري فيها الروح؛ لهذا فإنّ اهتمام الرواديد باللحن وتطويره ومحاولة التنويع فيه هو أمر يخدم القضية الحسينيّة، ويحافظ على حضورها في العواطف والعقول.

ولكل جيل من الرواديد ذوقه الخاص وحسّه المختلف بحسب اختلاف الظروف والانتماءات والقضايا؛ فالحزن البالغ في الألحان العراقية العزائيّة يكشف عن واقع الألم الذي يتأثر به الرادود العراقي، والحماسة والثورة فيه إلى جانب الحزن في اللحن البحراني يكشف عن هذا الواقع المعاش في البحرين وهكذا.

٣٧

كلّ ما هناك هو أنّ علينا أن نراعي في اللحن المناخ الإسلامي والطبيعة الموكبية، واللمسة الحسينيّة والولائية، وأن لا نهبط باللحن إلى أجواء اُخرى لا تنتمي للحسينعليه‌السلام ، ولا تخدم قضيته.

وفي حوار أجرته جريدة الرأي العام مع الرادود خادم أهل البيتعليهم‌السلام نزار القطري (حفظه الله تعالى)، سأله المحاور عن التعريف ببطاقته الشخصية فقال: اسمي نزار فضل الله رواني، المعروف بـ ( نزار القطري )؛ وذلك انتساباً لمسقط رأسي الدوحة الحبيبة.

من مواليد ١٩٧١، جنسيتي بريطاني، أتكلم ٤ لغات بطلاقة، متزوّج ولدي كوثر وحسين، وأعمل حالياً كـ (مونتير) في تلفزيون الرأي - قسم الأخبار.

وفي سؤال وجّهه الأخ السائل له في المقابلة حول ما هي الرسالة التي يريد توجيهها للجمهور من خلال الإنشاد، فأجاب الرادود نزار قائلاً: بكلّ صدق ووضوح هي الرجوع إلى الدين، وعندما أقول ذلك لا أقصد الإسلام فقط، بل أقصد الرجوع إلى الفضيلة والقيم الأخلاقيّة التي تأمر بها جميع الأديان السماوية بوجه عام.

فانّ الهدف من الأناشيد ليس تقديم شيء لتمضية وقت الفراغ في سماعه، ولكن هو تقديم شيء يعود علينا بالمنفعة الدينيّة؛ كذكر الله تعالى، أو مدح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فإنّ سماع شيء يرضي الله ورسوله أحبّ إليهما من سماع شيء يغضبهما.

وحول أهمية تأثير الرادود الحسيني على الجماهير كتب الكاتب الحسيني أحمد رضا تحت عنوان ( الموكب الحسيني تأريخه وأهدافه): والرادود يعتبر محور حركة الموكب الحسيني، والقطب الرئيس في تشكيل عواطف الجمهور، وشحنها بالحماس الممزوج بعاطفة الحزن والبكاء على مقتل الإمام الحسين وأهل بيته الأطهارعليهم‌السلام .

٣٨

وعادة ما يتفاوت الرواديد حسب أعمارهم وخبراتهم، ومن الضروري أن يكون الرادود الحسيني قدوة أخلاقيّة في المجتمع، وعنصراً اجتماعياً نشطاً في المجال الثقافي أو السياسي.

وقد لعبت المواكب الحسينيّة عبر مختلف عصور التاريخ أدواراً بارزة في تشكيل العقل الجمعي وتعبئة الجماهير بالحماس، وتترافق مع هذه الشعائر بعض الأعمال الإيجابية؛ كحملات التبرّع بالدم، أو فتح مراسم فنيّة، أو عرض فنون تمثيلية ومسرحية، بالإضافة إلى النشاط الإعلامي (بالصوت والصورة) المرافق للمواكب الحسينيّة.

وأصبحت هذه الشعائر ممارسة تتوارثها الأجيال، ورسالة إعلاميّة لجماهير متعطّشة للحرية والعدل والتضحية من أجل الأهداف النبيلة التي وظّفها الإمام الحسينعليه‌السلام في نهضته الخالدة(١) .

أيضاً لي كلمة مختصرة في هذا الصدد: أيّها الأحبّة إنّي أضمّ صوتي إلى صوت الرادود الأخ نزار القطري وأقول: بالفعل، إنّ ما كان لله ينمو؛ إنّنا إذا ساهمنا وبذرنا بذرة الخير فسوف تثمر وتينع ثمارها بالخير، والناشئون من أبناء هذا الجيل الحسيني الصاعد ما هم إلاّ أمانة الله في أعناقنا جميعاً، فيجب علينا أن نبادر ونأخذ على عاتقنا مسؤولية تأهيلهم؛ لكي يصبح الموهوب منهم من جملة ركب خدمة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

وإنّي على ثقة وبكلّ تأكيد أرى بأنّ هناك في هذا الجيل الولائي الناشئ مَنْ له القابلية على التعليم والتدريب والتأهيل على أن يصبحوا رواديدَ كباراً في المستقبل، ولدينا من الأصوات في عذوبة جمالها وجهوريتها، ولكنّها مختبئة تحت الرماد تريد مَنْ ينبشها حتّى تشتعل وتطلق تلك الموهبة المغيبة.

وخير مثل وشاهد لنا ما قاله الأخ الرادود باسم الكربلائي حيث ذكر لنا أنّه درّب أحد الأشخاص، وبعد فترة أتقن هذا المتدرّب الألحان، ويلحن القصائد العزائيّة، ثمّ أصبح الملا باسم نفسه يأخذ من ألحانه ويلقيها.

فدعونا أيّها الإخوة أن لا نبخل على سيد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام بفلذات أكبادنا؛ فلندفعهم ونشجعهم ونزجهم في هذا الميدان بكلّ افتخار.

____________________

(١) مجلة النبأ - العدد ٦٦ - محرّم الحرام ١٤٢٣هـ.

٣٩

س: إلى أيّ مستوى نريد أن نصل بتطوير مسيرة المواكب العزائيّة الرثائية المقدّسة؟

تفعيل لجان المواكب العزائيّة

من الملاحظ لدى الجميع أنّ أيّ لجنة من لجان المواكب العزائيّة في مختلف مناطق العالم هي تابعة للمأتم نفسه، ورواد هذه اللجان في الغالب يكونون من المتطوّعين.

وهنا حري بي أن أقف وقفة إجلال وثناء لخدمة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، هؤلاء الرجال من الأوفياء الصادقين، ودليل صدقهم وإخلاصهم هو عطاؤهم الوافر المثمر، والسهر على أن تخرج المسيرات العزائيّة بانتظام، وأن يحيوا ذكريات المعصومين الطاهرينعليهم‌السلام يرجون بذلك رضاهم.

وهذا التطوّع لا أحد يستهين به؛ لأنّه يثلج فؤاد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويسرّ قلب الزهراء البتولعليها‌السلام ، كم هو عظيم عند الله عزّ وجلّ وعند أهل البيتعليهم‌السلام من يسخّر نفسه في خدمة مَنْ تخدمهم الملائكة.

قد يستصغر البعض من الناس أن يقف في الطريق ويسقي المارة من المعزّين شربات من الماء، أو من العصير البارد، ويبرّد على قلوبهم على حبّ الحسينعليه‌السلام ، هذا العمل الذي نراه صغيراً فهو عند الله كبير وعظيم، وثوابه لا يُعد ولا يُحصى، وله رصيد وافر في الآخرة؛ من هنا أيّها الأحبّة ينبغي أن نزجّ بفلذات أكبادنا أن تخدم أهل البيتعليهم‌السلام في أثناء خروج المواكب العزائيّة.

نحن كما نوضّح لأبنائنا الأجر والثواب الذي يحصل عليه الباكي على الحسينعليه‌السلام في المقابل لا نبخل على هؤلاء الناشئين ذوي النفوس البريئة النقية أن نغرس في ذواتهم منذ صغرهم كيف يخدمون الحسينعليه‌السلام حتّى يصبحوا من خدمة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ وبالتالي تستمر مسيرة الخير والعطاء، وتزدهر المواكب الحسينيّة بالمضحّين من ذوي الفاعلية.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

٤٧ ـفرحة الغريّ في تعيين قبر أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام ، للسيّد عبدالكريم ابن طاووس الحلّي ( ت ٦٩٣ هـ ) المطبعة الحيدرية ، النجف الأًشرف.

٤٨ ـالقاموس المحيط ، لمحمّد بن يعقوب الفيروزآبادي ( ت ٨١٧ هـ ) دارالفكر ، بيروت ١٤٠٣ هـ ٤٩ ـ الكافي ، لثقية الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي ( ت ٣٢٩ هـ ) تصحيح الشيخ نجم الدين الآملي ، المكتبة الإسلامية ، طهران ١٣٨٨ هـ.

٥٠ ـالكامل في الضعفاء ، لعبدالله بن عديّ الجرجاني ، الطبعة الثانية ، دارالفكر ، بيروت ١٤٠٥ هـ ٥١ ـ كشف الاتياب في أتباع محمّد بن عبدالوهّاب ، للسيّد محسن الأًمين العاملي ، مكتبة اليمن الكبرى (مصوًّر على الطبعة الأًولى سنة ١٣٤٧ هـ).

٥٢ ـكشف الخفاء ومزيل الإلباس ، لإسماعيل بن محمّد العجلوني (ت ١١٦٢ هـ) تصحيح أحمد القلاش ، الطبعة الرابعة ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ١٤٠٥ هـ.

٥٣ ـكنز الدقائق ( تفسير ) ، للميرزا محمّد بن محمّدرضا المشهدي القمي ( ت ١١٢٥ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسّين في الحوزة العلمية ، قم ١٤١١ هـ.

٥٤ ـكنز لعمّال ، لعليّ بن حسام الدين المتّقي الهندي ( ت ٩٧٥ هـ ) تصحيح صفوة السقّا ، الطبعة الخامسة ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ١٤٠٥ هـ.

٥٥ ـالكنى والأًسماء ، أًحمد بن حمّاد الدولابي ( ٢٢٤ ـ ٣١٠ هـ ) الطبعة الثانية ( مصوًّر على طبعة حيدرآباد الدكن بالهند سية ١٣٢٢ هـ ) دارالكتب العلمية ، بيروت ١٤٠٣ هـ.

٥٦ ـالكني والأًلقاب ، للشيخ عبّاس القمي ( ت ١٣٥٩ هـ ) مطبعة العرفان ، صيدا ١٣٥٨ هـ.

٥٧ ـلسان العرب ، لابن منظور المصري ، أدب الحوزة ، قم ١٤٠٥ هـ ( مصوًّر ).

٥٨ ـماضي النجف وحاضرها ، للشيخ جعفر باقر آل محبوبة ، الطبعة الثانية ( مصوًّرة على طبعة النجف الأًشرف ) دار الأًضواء ، بيروت ١٤٠٦ هـ.

٥٩ ـمجمع البيان في تفسير القرآن ، للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي

١٠١

( ت ٥٤٨ هـ ) مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم ١٤٠٣ هـ ( مصوًّر على طبة مطبعة العرفان بصيدا سنة ١٣٣٣ هـ ).

٦٠ ـمحمع الزوائد ومنبع الفوائد ، لعليّ بن أبي بكر الهيثمي ( ت ٨٠٧ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت.

٦١ ـمختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ، لابن منظور محمّد بن مكرّم ( ٦٣٠ ـ ٧١١ هـ ) تحقيق رياض عبدالحميد مراد وروحية النّحاس ومحمّد مطيع الحافظ ، الطبعة الأًولى ، دارالفكر ، دمشق ١٤٠٤ هـ.

٦٢ ـالمستدرك على الصحيحين ، لمحمّد بن عبدالله الحاكم النيسابوري ( ت ٤٠٥ هـ ) دارالفكر ، بيروت ١٣٩٨ هـ.

٦٣ ـمسند أحمد بن حنبل ، دارالفكر ، بيروت.

٦٤ ـمشكل الآثار ، لأًبي جعفر الطحاوي ، دارصادر ، بيروت ( مصوُّر على طبعة حيدرآباد الدكن بالهند سية ١٣٣٣ هـ ).

٦٥ ـالمصنًّف ، لعبد الرزّاق بن همّام الصنعاني ( ١٢٦ ـ ٢١١ هـ ) تحقيق حبيب الرحمن الأًعظمي ، الطبعة الأًولى ، المجلس العلمي ، بيروت ١٣٩٠ هـ.

٦٦ ـمعارف الرجال ، للشيخ محمّد حرز الدين ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، مطبعة الولاية ، قم ١٤٠٥ هـ ( مصوًّر ).

٦٧ ـمعجم الأًدباء ، لياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي ( ت ٦٢٦ هـ ) الطبعة الثالثة ، دارالفكر ، ١٤٠٠ هـ.

٦٨ ـمعجم البلدان ، لياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي ( ت ٦٢٦ هـ ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت ١٣٩٩ هـ.

٦٩ ـالمعجم الكبير ، لسليمان بن أحمد الطبراني ( ٢٦٠ ـ ٣٦٠ هـ ) تحقيق حمدي عبدالمجيد السلفي ، دار إحياء التراث العربي ( مصوًّر على الطبعة الثانية لمكتبة ابن بيميّة بالقاهرة سنة ١٣٩٨ هـ ).

٧٠ ـمعجم ما لّفة علماء الأًمّة الأسلامية للردّ على خرافات الدعوة الوهّابية ، للسيّد عبدالله محمّد عليّ ، مقال منشور في مجلّة تراثنا ـ قم ، العدد ١٧ / شوّال ١٤٠٩ هـ ، ص ١٤٦ ـ ١٧٨.

١٠٢

٧١ ـمعجم المطبوعات العربية والمعرًّبة ، ليوسف إليان سركيس ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم ١٤١٠ هـ ( مصوًّر ).

٧٢ ـمعجم المؤلّفين ، لعمر رضا كحّالة ، دار إحياء التراث العربي.

٧٣ ـمعحم المؤلّفين العراقيّين ، لكوكيس عوّاد ، مطبعة الإرشاد ، بغداد ١٩٦٩ م.

٧٤ ـمناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، لابن المغازلي عليّ بن محمّد الشافعي ، تحقيق محمّد باقر البهبودي ، دار الأًضواء ، بيروت ١٤٠٣ هـ ( مصوًّر على طبعة المكتبة الإسلامية بطهران سنة ١٣٩٤ هـ ).

٧٥ ـمنتهي المطلب في تحقيق المذهب ، للعلاّمة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهًّر ( ت ٧٢٦ هـ ) طبعة حجرية ، ايران.

٧٦ ـمن عاش بعد الموت ، لابن أبي الدنيا ( ٢٠٨ ـ ٢٨١ هـ ) تحقيق عبدالله محمّد الدرويش ، الطبعة الأًولى ، عالم الكتب ، بيروت ١٤٠٦ هـ.

٧٧ ـمنهج الرشاد لمن أراد السداد ، للشيخ جعفر بن خضر الجناجي النجفي ( ١١٥٦ ـ ١٢٢٨ هـ ) تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الأًولى ، المجمع العالمي لأًهل البيتعليهم‌السلام ، قم ١٤١٤ هـ.

٧٨ ـالموطّأ ، لمالك بن أنس ، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي ، دار أحياء اليراث العربي ، بيروت ( مصوًّر )

٧٩ ـنجوم أمّت : آية الله العظمى الشيخ محمّد جواد البلاغي ، للشيخ ناصر الدين الأًنصاري القمي ، مقال منشور في مجلّة نور علم ـ قم ، العداد ٤١ / مهر وآبان ١٣٧٠ هـ.ش ، ص ٤٤ ـ ٧٠.

٨٠ ـنقباء البشر في القرن الرابع عشر ( طبقات أعلام الشيعة ) ، للشيخ آقا بزرك الطهراني (ت ١٣٨٩ هـ) الطبعة الثانية (مصوًّرة) دار المرتضى ، مشهد ١٤٠٤ هـ.

٨١ ـنور الثقلين ( تفسير ) للشيخ عبد عليّ بن جمعة العروسي الحويزي ( ت ١١١٢ هـ ) تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، الطبعة الثانية ، الطبعة العلمية ، قم.

٨٢ ـالهدى إلى دين المصطفى ، للشيخ محمّد جواد البلاغي ( ١٢٨٢ ـ ١٣٥٢ هـ ) دارالكتب الإسلامية ، قم ( مصوًّر على الطبعة الثانية ).

١٠٣

٨٣ ـالوفا بأحوال المصطفى ، لأًبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي ( ٥١٠ ـ ٥٩٧ هـ ) تحقيق مصطفى عبدالواحد ، دار المعرفة ، بيروت ( مصوًّر على الطبعة الأًولى بالقاهرة سنة ١٣٨٦ هـ ).

٨٤ ـوفاء الوفا ، لعليّ بن أحمد المصري السمهودي ( ت ٩١١ هـ ) تحقيق محمّد محيي الدين عبدالحميد ، الطبعة الرابعة ، دار إحياء التراث العربي ، العربي ، بيروت ١٤٠٤ هـ ( مصوًّر ).

١٠٤

( ٧ )

فهرس محتويات الكتاب

المقدمة‎ : ٧

ترجمة المؤلف(٢) ٨

[ تمهيد : ] ٣٩

الفصل الأوّل. ٤٧

في توحيدالله في العبادة ٤٧

[ زيارة القبور : ] ٥١

[ التبرُّك بالقبور : ] ٥٥

الفصل الثاني. ٥٧

في توحيد الله سبحانه في الأفعال. ٥٧

[ التوسّل والاستغاثة والاستشفاع : ] ٦٠

الجهة الثانية : إضافة الدعوة إلى الضرائح : ٦١

[ الشفاعة : ] ٦٤

الفصل الثالث.. ٦٩

في البناء على القبور ٦٩

الفصل الرابع. ٧٧

في الصلاة عند القبور ، ٧٧

وإيقاد السرج عليها ٧٧

الفصل الخامس.. ٨١

١٠٥

في الذبائح والنذور ٨١

الفهارس العامة ٨٣

فهرس الآيات القرآنية ٨٥

فهرس الأعلام ٨٩

فهرس الفرق والجماعات.. ٩٣

فهرس الأماكن والبقاع. ٩٤

فهرس مصادر المؤلِّف.. ٩٦

فهرس مصادر المقدّمة والتحقيق. ٩٧

( ٧ ) ١٠٥

فهرس محتويات الكتاب.. ١٠٥

١٠٦

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وقوله لعليّ بن الحسينعليه‌السلام : أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين، فالحمد لله الّذي قتلهما وسفك دماءهما، وإنّ أباك قطع رحمي، وجهل حقّي ونازعني سلطاني، إلى آخر كلامه كما أشرنا إليه من قبل، ونصب رأس الحسينعليه‌السلام على باب القرية الظالم أهلها - أعني بلدة دمشق - وإيقافه ذرّيّة الرسول على درج المسجد كسبايا الترك والخزرج، ثمّ إنزاله إيّاهم في دار لا يكنّهم(١) من حرّ ولا قرّ حتّى تقشّرت وجوههم، وتغيّرت ألوانهم، وأمر خطيبه أن يرقى المنبر ويخبر الناس بمساوىء أمير المؤمنين ومساوىء الحسينعليهما‌السلام وأمثال ذلك، ثمّ هو يلعن ابن زياد ويتبرى من فعله وينتصل من صنعه، وهل فعل اللعين ما فعل إلّا بأمره وتحذيره من مخالفته؟ وهل سفك اللعين دماء أهل البيت إلّا بإرغابه وإرهابه له بقوله، ومراسلته بالكتاب الّذي ولّاه فيه الكوفة وجمع له بينها وبين البصرة الّذي ذكرنا لما وصل إليه الخبر بتوجّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة وحثّه فيه على قتله، وأمره له بإقامة الارصاد وحفظ المسالك على الحسين، وقوله لابن زياد في كتابه: إنّه قد ابتلى زمانك بالحسين من بين الأزمان، وفي هذه الكرّة يعتق أو يكون رقّاً عبداً كما تعبد العبيد فاحبس على التهمة واقتل على الظنّة، الوحا الوحا، العجل العجل - كما ذكرنا أوّلاً -.

وإنّما أظهر اللعين التبرّي من فعل ابن زياد لعنه الله خوفاً من الفتنة وتمويهاً على العامّة لأنّ أكثر الناس في جميع الآفاق والأصقاع أنكروا فعله الشنيع وصنعه الفضيع، ولم يكونوا راضين بفعله وما صدر عنه خصوصاً من كان حيّاً من الصحابة والتابعين في زمنه كسهل بن سعد الساعدي والمنهال بن عمرو

__________________

١ - لا يصونهم - خ ل -.

٤٠١

والنعمان بن بشير وأبي برزة الأسلمي ممّن سمع ورأى إكرام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله له ولأخيه، وكذلك جميع أرباب الملل المختلفة من اليهود والنصارى، وناهيك مقال حبر اليهود ورسول ملك الروم لما شاهداه وهو ينكث ثنايا الحسينعليه‌السلام بالقضيب - كما ذكر - ولم يكن أحد من المسلمين في جميع البلاد راض بفعله إلّا من استحكم النفاق في قلبه من شيعة آل أبي سفيان، بل كان أكثر أهل بيته ونسائه وبني عمّه غير راضين بذلك.

روي أنّ عبد الرحمان بن الحكم أخو مروان بن الحكم كان حاضراً عند يزيد لمـّا وضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يديه وعرضت عليه سبايا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل عبد الرحمان يقول:

لهام بجنب الطفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي النسب(١) الوغل

سميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليست بذي نسل(٢)

فقال له يزيد: سبحان الله! أفي مثل هذا الموضع تتكلّم بهذا؟ أمّا يسعك السكوت؟(٣)

و روي أنّه لمـّا وضع رأس الحسين بين يدي يزيد فجعل ينكث ثنايا الحسين بالقضيب ويقول: لقد كان أبو عبد الله حسن المضحك، فأقبل إليه أبو برزة صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان حاضراً في مجلسه، وقال:

____________

١ - في المناقب: الحسب.

٢ - في المناقب: أمست بلا نسل.

٣ - مناقب ابن شهراشوب: ٤/١١٤. وفيه: يحيى بن الحكم.

٤٠٢

ويحك يا يزيد، أتنكت بقضيبك ثغر الحسين؟ لقد أخذ قضيبك هذا من ثغره مأخذاً، أشهد لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن، ويقول: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة، قتل الله قاتلكما ولعنه وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً، أمّا أنت يا يزيد لتجيء يوم القيامة وعبيدالله بن زياد شفيقك، ويجي هذا وشفيقه محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فغضب يزيد وأمر بإخراجه، فاُخرج سحباً.

وقيل: إنّ سمرة بن جندب صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا رأى يزيد يقلّب ثنايا الحسينعليه‌السلام قال: يا يزيد، قطع الله يدك ارفع قضيبك، فطال ما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلثم هاتين الشفتين، ولم يكن أحد من أكثر الناس في جميع الآفاق راضياً بفعله فلذلك أبدى الاعتذار، وركن إلى الانكار، خوفاً أن يفتق عليه فتق لا يرتق، وأن ينفتح عليه باب من الشرّ لا يغلق، فاعتذر وأنّى له الاعتذار، ولم يكن له موافقاً على فعله وكفره إلّا أهل القرية الظالم أهلها - أعني شبيهة سدوم المؤتفكة، والطائفة الجاهلة المشركة أهل بلدة دمشق الشام فإنّهم ارتضعوا ثدي النفاق(١) من أخلاف أسلافهم،

____________

١ - في « ح »:

روي أنّ اُمّ الحجّاج بن يوسف قاتل السادات والحجّاج ولدته مشوّهاً لا دبر له فاثقب له دبر، وأبي أن يقبل الثدي من اُمّه وغيرها فأعياهم أمره.

وفي الحديث انّ إبليس تصوّر لهم بصورة حارث بن كلدة زوج اُمّه الأوّل، فقال: اذبحوا له تيساً والعقوه من دمه، واطلوا به وجهه وبدنه كلّه، ففعلوا به ذلك فقبل الثدي، فلهذا لا يقدر يصبر عن سفك الدماء، وكان لذاته سفك الدم وارتكاب اُمور لا يقدر عليها غيره، واحصر من قتل بأمره سوى من قتل في حروبه فكانوا مائة ألف وعشرين ألفاً، ووجد في سجنه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف مرأة لم يجب على أحد منهم حدّ ولا قطع، وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد؛ وقيل لو جاءت كلّ اُمّة بفساقها وخبيثها وجي بالحجّاج وحده لزاد عليهم كفراً ونفاقاً. انتهى

٤٠٣

وجبلت على بغض أهل البيت طينتهم.

و لقد اُلقي على لساني من فيض فكري وجناني كلمات قصدتهم فيها بلعني وزجري، ووجّهت إليهم مطايا ذمّي في نثري، وأشرت إليهم بتعنيفي، وخاطبتهم بتأفيفي، أبعدهم الله من رحمته، وأحلّ بهم أليم عقوبته.

أيّها الأُمّة المغرورة برتبة دنياها، الكفورة بنعمة مولاها، المنكرة معادها ومبدأها، المنهمكة بطغواها في غيّها، المارقة بسعيها وبغيها، الجاحدة نصّ نبيّها، المنكرة فضل وليّها، السالكة نهج شركها، الحائرة في ظلمة شكّها.

يا أتباع أحزاب الشيطان، ويا نصّاب أنصاب الأوثان، ويا شيعة آل أبي سفيان، ويا صحبة الشجرة الملعونة في القرآن، يا من لم يؤمنوا منذ كفروا، ولم يؤتمنوا منذ غدروا، ألمع لهم شراب الباطل فوردوه، وظنّوه شراباً فلم يجدوه، ونعق بهم ناعق الظلم فأطاعوه، وبرق لهم بارق البغي فاتّبعوه، ولمع لهم علم الضلالة فأمّوه، وبدا لهم طريق الجهالة فسلكوه، لما كذبهم رائدهم، وأضلّهم قائدهم، أردتهم آراؤهم، وقادتهم أهواؤهم، إلى النّار الموصدة، والعمد الممدّدة، لا جرم من كان ابن الباغية دليله، ونجل النابغة قبيله، كان جزاؤه من عذاب الله جزاء موفوراً، وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً.

ويلكم ألم يأتكم نبأ الّذين راموا محق شمس الاسلام في احدهم وبدرهم، وإطفاء مصابيح الايمان بأحزابهم وقهرهم؟ ألم يكونوا لقائدكم آباء ولنبيّكم أعداء؟ أليست اُمّه آكلة أكباد الصدّيقين؟ أليس أبوه قائد أحزاب المشركين؟ الّذي لعنه وآباه وابنه الرسول الصادق في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللّهمّ العن الراكب والقائد والسائق؟ أليست عمّته حمّالة الحطب الّتي تبَّ الله يدها ويد بعلها أبي لهب؟ يا ويلكم أضلّكم الشيطان فأزلّكم، وزين لكم بغروره

٤٠٤

سوء عملكم، توادّون من حادّ الله ورسوله، وتتّبعون من كان الشيطان قائده ودليله، لا يشكّ في كفركم إلّا كافر، ولا يرتاب في فجوركم إلّا فاجر، أيصلب رأس ابن نبيّكم على باب جامعكم، ويسبّ صنو رسولكم في مجامعكم، وتساق نساؤه وبناته إلى يزيدكم، ويقمن مقام الخزرج والترك على باب يزيدكم؟

لا منكر منكم ينكر بلسانه وقلبه، ولا متقرّب يتقرّب بسترهم إلى ربّه، فأنتم قبل الفتح خير منكم بعده، وآباؤكم الهالكون على الكفر أفضل منكم يا أهل الردّة، أزنى من قوط لوط أمتكم، وأشأم من سدوم قريتكم، زنوة الفسوق، وجبهة العقوق، ومنزل الشيطان، ومعدن البهتان، تأتون الذكران من رجالكم، وتذرون ما خلق لكم ربّكم من أزواجكم، الابنة فاشية في أبنائكم، والغلمة ناشئة في نسائكم، أورثكم ذلك بغض وصيّ نبيّكم، وسبّكم له على منابركم بكفركم وغيكم، آه لو أنّ لي بكم قوّة يا بني الزواني، أو آوي إلى ركن شديد من أشباهي وإخواني، لاُصلينّكم في الدنيا قبل الآخرة ناراً، ولغادرتكم رماداً مستطاراً، ولمحوت آثاركم، ولقطعت أخباركم، ولعجلّت بواركم، ولهتكت أستاركم، ولقضيت بصلب قضاتكم، وحرب عتاتكم، وسبي نسائكم، وذبح أبنائكم، وقطع غراسكم، وقلع أساسكم.

يا أهل المؤتفكة، يا أتباع الطائفة المشركة، والله ما نظرتم حيث نظر الله، ولا اخترتم من اختار الله، ولا واليتم من والى الله، ولم تزالوا أتباع العصابة المفتونة، والشجرة الملعونة، تدحضون الحقّ بأيديكم وألسنتكم، وتنصرون الباطل في سرّكم وعلانيتكم، كم زينتم صفوفكم بصفين؟ وكم قتلتم أعلام المهاجرين الأوّلين؟ لما جبيت على بغض الوصيّ جوانح أضلاعكم، وأعلنتم

٤٠٥

بسبّه في جوامعكم ومجامعكم، قامت سوق النفاق في الآفاق، وعلت كلمة الشقاق على الاطلاق، وصار وليّ أمركم وسبيل كفركم يزيد القرود، ويزيد اليهود، ويزيد الخمور، ويزيد الفجور.

يا ويلكم أيقرع ثغر ابن النبيّ بمرأى منكم؟ أيطاف ببناته ونسائه في شوارعكم؟ فأبعد بكم وبما صدر عنكم، رماكم الله بذلّ شامل، وعدوٍّ قاتل، وسيف قاطع، وعذاب واقع، ليس له من الله من دافع.

ويحكم أتتّخذون يوم مصاب نبيّكم بولده عيداً، وانّ بوار رهطه موسماً جديداً، وتظهرون فيه تمام زينتكم، وتعدّونه رأس سنتكم؟ فاُقسم بالله الّذي جعل لكم الأرض قراراً، والسماء بناءً، لأنتم أشرّ من اليهود والنصارى، أسأل الله أن يرمي دمشق شامكم، ومحلّ طغاتكم، وبيت أصنامكم، ومقرّ أنصابكم وأزلامكم، بالموت الذريع، والأخذ السريع، والقحط الفضيع، والظلم الشنيع، حتّى تصيروا حصيداً خامدين، ومواتاً جامدين، وعباديد في الأقطار، ومتفرقين في الأمصار، أن يطمس على أموالكم، ويشدّد على قلوبكم، فلا تؤمنوا حتّى تروا العذاب الأليم تريدون أن تخرجوا من النّار وما أنتم بخارجين ولكم عذاب مقيم.

وسأختم هذا المجلس بقصيدة تنبىء عن خالص ودادي، ومُصاص اعتقادي، وطويل أحزاني ومديد أشجاني، ومحتث منامي، ووافر كربي وهيامي، في مدح من هدت مصيبته أركان أفراحي ومسرّاتي، وشيّدت واقعته قواعد أحزاني وكرباتي، وقلّدت جند خدّي عقيقاً من عبراتي، وأضرمت في أحشائي حريقاً من زفراتي، أعني من جعل الله قلبي لحبّه وحبّ أهل بيته مسكناً، ولولائه وولاء آبائه وأبنائه موطناً، ولساني على مدحهم موقوفاً،

٤٠٦

و شكري إلى كعبة جودهم مصروفاً.

سيّدي وابن سادتي، وقائدي وابن قادتي، أشرف من ارتدى بالمجد وأنور، وأفضل من عرف بالفخر واشتهر، سبط نبيّي، ورهط وليّي، ونجل سيّدتي، ووالد سادتي، وغناي يوم فقري وحاجتي، وغياثي إذا انقطعت من الدنيا وصلتي، سيّد الكونين وابن سادة الكونين، وإمام الثقلين وأب أئمّة الثقلين، المنزّه عن كلّ رجس ودين، مولاي وسيّدي أبي عبد الله الحسين، عليه من صلواتي ما نما وزكا، ومن تحيّاتي ما صفا وضفا، جعلها الله حجاباً من أليم عذابه، وستراً من وخيم عقابه، وهي هذه:

الفت فؤادي بعدكم أحزاني

لما جفا طيب الكرى أجفاني

يا من لهم منّي بقلبي منزل

ضمّت عليه جوانحي وجناني

أنا واحد في حبّكم لم يثنن

حتّى مماتي عن هواكم ثاني

أوقفت مدحي خالصاً لجلالكم

وعلى مراثيكم وقفت لساني

هدّت مصيبتكم وما فيكم جرا

ممّن جرا في كفره أركاني

فلأبكينّكم بدمع فيضه

بزري بصور العارض الهتّان

ولأضربنّ بمهجتي لمصابكم

ناراً تذيب الطود من أشجاني

أاُلاُم إن أرسلت نحو جمالكم

من منطقي نظماً جاه بياني

أو أرسلت عيني لفرط صبابتي

دمع يمازجه نجيع قاني

وبكم معادي إن عرتني أزمة

بقوارع من طارق الحدثان

وبكم اُرجّي فرحة يوماً به

اءُميت أو اُلَفُّ في أكفاني

وكذلك في قبري إذا اُجلست في

ظلماته وسئلت عن إيماني

وبيوم حشري لا أرى لي منقذاً

إلّا ولاءكم لدى الرحمن

٤٠٧

وصفاءَ ودٍّ لا يشاب بشبهةٍ

مقرونة بوساوس الشيطان

وأراكم من بعد أفضل مرسل

خير الورى من نازح أو دان

وأباكم ذا المجد أشرف من مشى

فوق الثرى من إنسها والجان

قصّام أبطال الحروب وكاسر ال‍ـ

‍ـأصنام يوم الفتح والأوثان

وأخ الرسول وصنوه ووصيّه

ونديده في الفضل والإحسان

ما من نبيّ مرسل كلّا ولا

ملك رقى بالقرب خير مكان

ألا وفضل أبيكم من فضلهم

ما آن له يوم التفاضل ثاني

يا خير من في الله وفّي مخلصاً

بجهاده في السرّ والاعلان

يا من عناه المصطفى والمرتضى

والطهر فاطم خيرة النسوان

يا ابن الأباطح والمشاعر والصفا

والبيت ذي الأستار والأركان

يا خامساً لذوي الكسا فصبغ ما

لاقيته ثوب السقام كساني

ومشير رأسك بالدما مخضّباً

منه المشيب على سنان سنان

وأذاب قلبي ثمّ صَعّده دماً

من مقلتي كالسيل في الجريان

لنسائك اللاتي يسقن حواسراً

يسترن أوجههنّ بالأردان

ولقتل اُسرتك الّتي جادت بأن‍ـ

ـ‍فسها عليك كمسلم مع هاني

وكذلك من جعلوا وجوههم وقى

لك من سهام عصابة البهتان

أضحوا بعرصة كربلاء صرعى وأم‍ـ

ـ‍سوا في نعيم دائم وأمان

في جنّة يسقون من بعد الظما

فيها كؤوساً من يد الولدان

من سلسبيل في منازل جنّة

محفوفة بالرَّوح والريحان

يا راكباً يطوي الفلاء بجسرة

كالدال في بَيْدٍ بغير توان

عج بالطفوف مقبلاً أزكى ترى

من حبّه فرض على الأعيان

سبط النبيّ وخامس الأشباح وال‍ـ

ـ‍مخصوص بالتطهير في الفرقان

٤٠٨

هدموا بمقتله الطغاة قواعد ال‍ـ

ـ‍اسلام والأحكام والإيمان

أبلغه عنّي من سلامي ما زكا

واخبره عمّا ساءني ودهاني

من فرط أحزاني لما لاقاه من

عصب الضلالة من بني سفيان

قوم بأنعم ربّهم كفروا فكم

قصدوا نبيّ الله بالشنئان؟

في حرب خير المرسلين ورهطه

بذلوا عناداً غاية الامكان

وعليه في بدر واُحد واجلبوا

بمضمر ومهنّد وسنان

وجرت صفوفهم بصفّين على

نهج الاُلى سلفوا اُولي الطغيان

حتى إذا أكلتهم الحرب الّتي

يروى مواقعها مدى الأزمانِ

وعليهم زأرت اُسود هريرها

لمـّا التقى في جنحها الجمعانِ

داموا فراراً حين صاروا طعمة

فيها لكلّ مهنّد ويمانِ

ورأوا دماء حماتهم مذ أصبحوا

فوق الصعيد كمفعم الغدران

رفعوا المصاحف حيلة وخديعة

مذ آل أمرهم إلى الخسرانِ

كفروا بأنعم ربّهم فغدوا لما

فعلوه بغياً حمة النيرانِ

وعلى ابن هند عجلهم عكفوه ك‍ـ

قوم السامريّ الغادر الخوّانِ

تركوا أخصّ العالمين برتبة ال‍ـ

‍ـهادي البشير بشاهد القرآنِ

وبنصّ أفضل مرسل ومبلّغ

وبحجّة من ساطع البرهانِ

وبنوا معالم دينهم جهلاً على

ابن قحّافهم ثمّ العتلّ الثاني

فأضلّ اُمّة أحمد بريائه

واسامها في مرتع البهتانِ

وأشار بالشورى فعاد الجور من‍ـ

ـ‍ه مكمّلاً والعدل في نقصانِ

حتى إذا ما قام ثالثهم وحا

نثهم وناكثهم فتى عفّان

جعل العتلّ زمامه بيد العتي‍ـ

ـ‍د ابن الطريد حميمه مروانِ

وغدا لمال الله يفرس جاهداً

كالذئب عاث بثلّة من ضأن

٤٠٩

حتّى إذا غمر الأنام بظلمه

وتبرّمت من حكمه الثقلان

أردته بطنته فأصبح جارعاً

كأس المنيّة واهي الأركانِ

حتّى إذا قام الوصيّ بعهده

لله لا نكس ولا متوان

قصدته راكبة البعير بفتنة

يذكي ضرام سعيرها رجسانِ

حتّى إذا الحرب العوان تحكمّت

بوقودها من أنفس الشجعان

صارا طعام عوامل ومناصل

للعكس قد نأيا عن الأوطانِ

جاءا لنصر عصابة الشيطان فاخ‍ـ

ـ‍ترما ببطش عصابة الرحمن

يا فرقة نكثت عهود نبيّها

وأتت بكلّ منافق فتّان

يا جند راكبة البعير ومن عصت

بالبغي أمر الحاكم الديّانِ

وأتت من البلد الحرام وقلبها

يغلي بنار الحقد والأضغانِ

حتّى إذا صارت حماة بعيرها

قوتاً لزائرها من السيدانِ

أبدت خضوعاً واستقالت عثرة

واستسلمت بالذّل والإذعانِ

صفح الكريم بحلمه عنها وأف‍ـ

‍ـرشها مهاد تحنّنٍ وأمانِ

وأعادها كرماً فعادت وهي ذو

عقل لفادح هولها ولهانِ

لما اطمأنّت دارها قفلت إلى

نحو ابن هند ذا حشاً ملآن

واستنفرته فسار بالجيش الّذي

راياته نصبت على البهتانِ

فهي الّتي جعلت ضرام وقودها

أجساد قادتها من الفرسانِ

لمـّا أتت بقميص عثمان علي‍ـ

‍ـه نجيعه كالأرجوان القاني

دارت رحاء الحرب واشتبك القنا

من سعيها واستقتل الجيشانِ

والله ما خذل الوصيّ وقتله

متبتلاً في طاعة المنّانِ

إلّا لها فيه نصيب وافر

ولسان باغ غادر ويدان

وكذاك قتل ابن الرسول ورهطه

دوح الفخار وأشرف الأفنانِ

٤١٠

لم أنسها يوم الزكي وقد غدت

بالقول تنفث نفقة الثعبان

آليت ألّا تدفنوا في منزلي

من لستُ أهواه ولا يهواني

يا بن أرذل تيم مرّة خادم ال‍ـ

ـ‍تيمي نجل زعيمهم جدعان

هذي الشجاعة من أبيك بخيبر

جاءتك ترقل رقلة الفحلان

يا آل أحمد إن جزعت لثابت

في الناس غيركم فما أشقاني

حزني عليكم سرمداً لا ينقضي

ما شبّه في القلب بالسلوانِ

كم ناصب علم الأذيّة لي بكم

أمسى للعن عدوّكم يلحاني

ويلسمني وقراً إذا ما ضلّ عن

لعن الطواغيت الاُلى ينهاني

عن جاحدي نصّ الغدير وغاصبي

فدكاً من الزهراء ذات الشانِ

ستّ النساء وبنت أكرم مرسل

شرفت برفعته بنو عدنانِ

يا من مصابهم جميع مصائب ال‍ـ

ـ‍دنيا وفادح خطبها أنساني

أنتم عياذي والّذي أرجوهم

حصناً إذا الخطب الجسيم دهاني

وبكم اُرجّي يوم حشري زلفة

من خالقي بالعفو والغفرانِ

وإليه أفزع من عدوٍّ كاشح

بالبغي يقصدني وبالعدوان

إن يعدني عدوّاً عليه يرى لها

متسربلاً بالخزي ثوب هوان

ويصدّه عنّي بذلّ شامل

ليكون معتبراً لمن ناواني

أو أن تصبّرني على ما حلّ بي

من حمقه وأضرّ بي ودهاني

ثمّ الصلاة عليكم ما غرّدت

ورقاء في دوح على الأغصانِ

أو حرّكت ريح الصباء صاعداً

ناء عن الأوطان والخلّانِ

٤١١

٤١٢

المجلس التاسع

مفتتحاً بالتعزية الّتي وسمتها ب‍ « مجرية العبرة ومحزنة العترة »

قلتها بإذن الله، وتلوتها يوم التاسع في شهر

المحرّم الحرام على المنبر في جمع لا يحصى كثرة أجريت

بها عيون المؤمنين، وأحزنت قلوب المتّقين، وأخزيت من

رام هظمي من الشانئين تجاه ضريحه الشريف، ومقامه

المنيف، متقرّباً بذلك إلى الله ربّ العالمين، ونبيّه الأمين،

ووليّه سيّد الوصيّين، وآلهم الأئمّة الطاهرين.

الخطبة

الحمد للهِ الّذي نوّر قلوب أوليائه بأنوار معرفته، وأظهر نفوس أصفيائه على أسرار حكمته، واختبرهم بالتكاليف الشّاقة من حكمه لينالوا الزلفى من رحمته، وامتحنهم بالمحن السابقة في علمه، ليصلوا بها إلى جوار حضرته، وابتلى عباده بفرض مودّتهم وجعلها ثمن جنّته، وألزمهم بالتزام عروة عصمتهم وقرن طاعتهم بطاعته، فمن امتثل أمر الله بإخلاص ودّه لهم في سرّه وعلانيته، واستمسك بحبل ولائهم واعتقده سبباً منجياً في دنياه وآخرته، فقد استمسك بالعروة الوثقى من عفو ربّه ومغفرته، وفاز بالسعادة العظمى يوم فقره وفاقته، ومن أخذ ذات اليمين وذات الشمال في معتقده ونحلته، واتّبع غير سبيل

٤١٣

المؤمنين فيما ينظر من خبث سريرته، ولّاه الله ما تولّى وأحلّ به نكال عقوبته.

نحمده على ما وفّقنا له من عرفان حقّهم، والإقرار بفضلهم وصدقهم، والإستمساك بعروة عصمتهم، والإلتزام بحبل مودّتهم، وتضليل من خالفهم بقوله وفعله، وتكفير من أجلب عليهم بخيله ورجله، والبراءة ممّن تقدّمهم غاصباً، وتحلّى بغير اسمه كاذباً، ولعن من نصب لهم العداوة والبغضاء علانية وسرّاً، وتخطئة من ردّ مقالهم خفيةً وجهراً.

ونشكره إذ جعلنا من فضل طينتهم، وغذانا بلبان مودّتهم، وجعلنا من ورق شجرتهم، وأسكن قلوبنا لذّة معرفتهم، حبّنا إيّاهم دليل على طهارة مولدنا، وبغضنا أعداءهم سبيل إلى إخلاص ودّنا في معتقدنا.

نحمده على هذه النعمة الجسيمة، والمنّة الوسيمة، اللاتي جهل الأشقياء عرفان قدرها، وقصر البلغاء عن تأدية شكرها، ونشهد أن لا إله إلّا الله شهادة توافق بها قلوبنا ألسنتنا، ويوافق بها سرّنا علانيتنا، ونشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله الأمين، وحبله المتين، وصراطه المستقيم، ونهجه القويم، صدع بالحقّ ناطقاً، وخبّر عن الله صادقاً، تمّم الله به الرسالة، وأيد بالمعجز مقاله، واختاره حاكماً بأمره، وموضعاً لسرّه، وشرّفه بالاسراء إلى حضيرة قدسه، وجعل خطابه إيّاه ليلة المعراج اُنساً وشرفاً لنفسه، فهو أصل الشرف وفرعه، وبصر المجد وسمعه.

سرّة البطحاء مغرس أصله، ومنكب الجوزاء مركب فضله، أروقة المفاخر على هامة عظمته مضروبة، وألوية المآثر على رفعة حضرته منصوبة، وظلال الشرف تتفيّؤ على جلال نبوّته، وحلال الكرم وقف على رتبته.

سلالة طود العلم فمنه تفجّرت عيونه، ودوح المجد فعليه تهدّلت

٤١٤

غصونه، أعرض عن الدنيا صفحاً، وطوى عنها كشحاً، وشمرّ عنها ذيلاً، ولم يرزء منها كثيراً ولا قليلاً، تحبّبت إليه فأبغض، وتشوّقت نحوه فرفض، وتعرّضت به فأعرض، وعلى نفسه وخاصّته تركها أوجب وفرض، ولأدلّتها نقض، ولحججها أدحض، ولم يزل صلوات الله عليه يحذّر غرورها، ويخوّف زورها، حتّى نصبت له الغوائل، وأصمّت منه المقاتل، وآذته في أهله واُسرته، وأغرت سفهاءها بنيه وعترته، وغادرتهم بين قتيل ومطلول، وأسير مخذول، وطريد مشرّد، ومسجون مصفّد، تساق نساؤهم اُسارى، على الأقتاب حيارى، بغير نقاب ولا جلباب، يطاف بهنّ في البلاد، ويتشرّفهنّ الحاضر والباد، فلو أنّ عيناً بعدها كفت لعظيم ما وكفت، ونفساً تلفت لفرط ما تلهّفت، وقلب انقطع بسيوف الحزن غمّاً، وروحاً فارقت جسدها كرباً وهمّاً، لم يكونوا في شرح الحقيقة ملومين، ولا بين أرباب الطريقة مذمومين؟

فتفكرّوا في نبيّكم ووليّكم، وانّهما الّذين هم الوسيلة لكم إلى ربّكم، كيف تجرّأت لقتالهم بقايا الأحزاب، وتكالبت على استئصالهم أبناء الكلاب، وجرّدت عليهم من مناصلها وعواملها، وفوّقت نحوهم سهامها ومعابلها، هذا خاتم النبيّين وسيّدالمرسلين إمام الدين، وقائد الخير ونبيّ الرحمة، وشفيع الاُمّة، صاحب الحوض والكوثر، والناتج والمغفر، والخطبة والمنبر، والركن والمشعر، والوجه الأنور، والجبين الأزهر، والدين الأظهر، والنسب الأطهر، محمد سيّد البشر، الّذي لا يسامي في الفضل، ولا يساوي في المجد، ولا يجاري في حلبة الفخر، ولا يضاهى في رفعة القدر.

السبع الطباق ميدان سباقه، وسدرة المنتهى غاية براقة، و( سُبْحَانَ

٤١٥

الَّذي أسْرَى ) (١) حظو الرهان،( فَأوْحَى إلَى عَبْدِهِ ما أوْحَى ) (٢) خلعة المليك السلطان، ووضع له كرسيّ الكرامة في عالم الملكوت الأعلى، ونصب لأخمصه منبر الزعامة فوق طرائق السبع العلى، حتّى رقى بقدم الصدق إلى أعلى مراقي الشرف، ونطق بلسان الحقّ في ذلك المقام المشرّف، فخوطب في سرائره، ونودي في ضمائره: يا من أطلعته على سرّي المصون، وأيّدته بكلامي المخزون( قُلْ يَا أيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللهِ إلَيْكُمْ جَمِيعاً الّذي لَهُ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ يُحْيي وَيُمِيُت فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبيِّ الاُمِّيِّ الّذي يُؤمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لِعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (٣) فصدع بها ناطقاً، وأعلن بها صادقاً، فعندها جرى قلم القدرة على لوح المشيئة بيد المشيئة لرقم منشور نبوّته، واثبت أرباب ديوان الصفيح الأعلى على قرطاس الشرف مسطور عموم ولايته.

الابتداء:( كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أنَا وَرُسُلي إنَّ اللهَ قَويٌّ عَزِيزٌ ) (٤) الانتهاء:( ادْعُ إلىَ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (٥) باللفظ الوجيز.

لمـّا علم قيّوم الملكوت تسدّده في ذاته وإخلاصه ختم بيد العظمة والقدرة مرقوم ولايته بمهر الخاصّة، وأشهد على ذلك رهبان صوامع العالم الأقدس، وأمرهم بالتمسك في مقام الخدمة في ذلك المقام المقدّس، جبرئيل عن يمينه يعضده، وميكائيل عن يساره يمجّده.

__________________

١ - سورة الاسراء: ١.

٢ - سورة النجم: ١٠.

٣ - سورة الأعراف: ١٥٨.

٤ - سورة المجادلة: ٢١.

٥ - سورة النحل: ١٢٥.

٤١٦

ولمـّا وضع تاج الكرامة على همّته، واُفرغت خلع العصمة على أعطاف نبّوته، أثبت الكرام الكاتبون نسخة الميسور في رقّ منشور، متّصل الثبوت إلى يوم النشور، يفخر اللوح المحفوظ بتقريره، ويزهر الكتاب المسطور بمسطوره، وتشرق السموات السبع بنوره، ويخضل كلّ أمير لشرف أميره، اُعيد إلى قراره من البلد الحرام، بعد أخذ ميثاق ولايته على الخاصّ والعامّ، الروحانيّون يتألمّون لفراقه، والكرّوبيّون مكتنفوا براقه، وجبرائيل آخذ بركابه، وميكائيل غاشيه دار جنابه، قد نشرت أعلام الفخر عليه، وسلّمت مقاليد الجنّة والنار إليه، وجعل مدار أمر الدنيا والآخرة في قبضة حكمه، وعلوم الأوّلين والآخرين كالقطرة في بحر علمه.

فما عسى أن أقول في وصف من « لولاك لما خلقت الأفلاك » حلّة نبّوته، والسفرة الكرام البررة من الأملاك ملازموا حضرته، وسمّوه بعزل السماك الأعزل سمو عن مقام رفعته، وعلوّه يتبدّل انباك المجرّة علو بعالي همّته، به قوام العالم، وله مقام السلطنة على بنى آدم، ناقل كلّ مجد رفيع مجده، ويخضع كلّ شريف لشرف جدّه، ويفخر الخليل بنبوّته، وتشمّخ جبريل بنبوّته، وتفضّل إسماعيل على إسرائيل بوصلته، ويمنّ اللطيف الخبير على الجمّ الغفير من خلقه ببعثته.

البائع نفسه من خالقه، الواضع سيفه على عاتقه، تلوذ الأبطال بجانبه إذا حمي الوطيس، وتعوذ الرجال بشجاعته إذا التقى الخميس بالخميس، سل عنه بدراً واُحداً إذا اُنزلت الملائكة المتوّجون له جنداً.

لمـّا قام داعياً إلى الله على بصيرة من أمره، مخلصاً في جهاد أعداء الله في علانيته وسرّه، قاطعاً في الله الأقربين من اُولى أرحامه، واصلاً للأبعدين بآلائه

٤١٧

وإنعامه، تألّبت على قتاله أحزاب الشيطان، وتكتّبت لاستئصاله كتائب البهتان، وخلعت العرب أعنّة الطاعة لأمره، ورامت خفض ما رفع إليه من قدره، وهدِّ ما شدّ من أركانه، وهدم ما اُسّس من بنيانه، وإدحاض ما أوضح من حجّته، وإخفاء ما بيّن من أدلّته، وأبى الله إلّا أن ينصر دينه، ويؤيّد نبيّه وأمينه.

ولم يزلصلى‌الله‌عليه‌وآله مجاهداً صابراً يتلقّى حدود الصفاح بشريف طلعته، ويقابل رؤوس الرماح بزاهر بهجته، ويذلّ بشدّة بأسه كلّ متكبّر جبّار، ويفلّ بشباء سيفه كلّ متغلّب ختّار، يباشر بنفسه الحتوف، ويتلقى بوجهه السيوف، حتّى كسرت في اُحد رباعيته، وشجّت لمناوشته القتال جبهته، وقتل في بدر واُحد وحنين أهله واُسرته، لم يثنه ثانٍ عن نصرة دين الله، ولم يكن له في الخلق ثان في جهاد أعداء الله.

قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه.(١)

ولم يزلصلى‌الله‌عليه‌وآله يقاسي الأهوال في حروبه وغزواته، ويقطّع الآجال بتواصل صولاته وعزماته، حتّى قبضه الله إليه سعيداً، ودعاه إلى جواره شهيداً، موفياً ببيعته، موضحاً سبيل الحقّ بدعوته، ولمـّا نقله الله إلى جواره وقبضه إليه واختاره اشتدّ البلاء على ذرّيّته، وضاق الفضاء بعترته، ورمتهم عصب الباطل بسهام نفاقها، وأصمت منهم المقاتل بمعابل شقاقها، وجحدت نصّ الغدير ولم يطل العهد، وضللت الهادي البشير ولم تخلف المعتمدة(٢) ،

__________________

١ - انظر: بحار الأنوار: ١٦/١١٧ و ١٢١ و ٢٣٢ و ٢٥٤ و ٣٤٠، وج ١٩/١٩١ ح ٤٤، وج ٧٢/٥.

٢ - كذا في الأصل.

٤١٨

ووضعت الحقّ في غير محلّه، ونكثت ما عاهدت عليه الرسول في أهله وأظهرت فيهم الأجناد، ورمتهم عن قوس واحدة دون العباد، ومنعت الزهراء نحلتها من والدها، وردّت شهادة شاهدها، ولطموا خدّها وخلّوا جدّها، حتّى ماتت بغصّتها من قولهم وفعلهم، وأوصت أن تدفن ليلاً من أجلهم.

يا ويلهم ممّا ارتكبوا من ظلم آل نبيّهم، واحتقبوا من غصب حقّ وليّهم، جعلوا الضرير يقود مبصرهم، والضليل الشرّير حبرهم وخيّرهم، والكذوب على الله ورسوله زعيمهم وصدّيقهم، الظلوم لآل وليّهم وفاروقهم، فضلّوا وأضلّوا، وزلّوا وأزلّوا، وسلكوا منهاج الشرك، وأظهروا كلمة الكبر، وارتدّوا عن الدين الحنيف، وباعوا الآخرة بالنزر الطفيف.

فأبعدهم الله كما بعدت ثمود، وأوردهم النّار وبئس الورد المورود، ذلك بأنّهم اتّخذوا آيات الله هزواً ولعباً، وافتروا على الله كذباً، فأبوا شرّ مآب، ونكصوا على الأعقاب، حتّى إذا اُكملت العدّة، وانقضت المدّة، وأرهقتهم سعور وقدموا على ما قدموا من موبقات الذنوب وتكدّر من دار غرورهم ما راق وصفا، ورأوا المجرون النّار فظنّوا أنّهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفاً.

قد تهيّأت ملائكة العذاب لعذابهم، وسجّرت دركات النيران لعقاقهم، وحاق بهم ما كانوا بهم يستهزئون، وردّوا إلى الله مولاهم الحقّ وضلّ عنهم ما كانوا يفترون، وشاهدوا كتاب عملهم قد أحصى ما اقترفوه حساباً وعدواً قالوا: يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها؟! ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربّك أحداً هنالك تشتمل أعناقهم الأغلال بجوامعها، وتنتابهم الزبانية بمقامعها، ويلقون في شرّ سجن يشرف عليهم إبليس فيلعنهم، وتطلع إليهم عبدة الأوثان فتوبّخهم، لا فترة من ريحة عقابها، ولا يقضى عليهم

٤١٩

فيموتوا ولا يخفّف عنهم من عذابها.

لم يرض وليّهم وفاروقهم، بل جبتهم وطاغوتهم بتقلّد عارها في دار الفناء، حتّى احتقبه وزرها إلى دار البقاء، وأفضى بوصيّته إلى من ضارعه من أهل النفاق، وتابعه من اُولي الشقاق، بقتل ذرّيّة نبيّهم، والانتقام من عترة وليّهم، وألّا يقتلوا عترتهم، ولا يرحموا عبرتهم، فنسجوا على منواله، واقتدوا بأفعاله وأقواله، وقتلوهم تحت كلّ كوكب، وذهبوا بهم كلّ مذهب.

فلا أنس وإن نسيت، ولا يعزب عن علمي ما حييت، قائدة الفتنة، وقاعدة المحنة، ابنة رأس الظلمة، وأساس الآثمة، أوّل باغ بغى في هذه الاُمّة، وأخبث طاغ طغى وأحلّ بآل الرسول ظلمه، يخب بها جملها من البلد الحرام، قد أجلبت بخيلها ورجلها على علمة الإسلام، وإمام الأنام، أفضل من صلّى وصام، وأجمل من نام وقام، وأكمل من دقّ ودرج، وأتقى من ولج وخرج، قصّام الأصلاب إذ تضرم الوقائع نارها، وقسّام الأسلاب حين تضع الحرب أوزارها.

شقيق النبيّ في المجانسة، ورفيقة في المجالسة، ومساوية في الحقيقة، ومواليه في الطريقة، ونفسه في المباهلة، وسيفه في المصاولة، وعليّه الأعلى، ووليّه الأدنى.

أعبد العبّاد، وأزهد الزهّاد، وبدل الأبدال، ومنكّس الأبطال، يقطّ الأصلاب إن بارز، ويجزّ الرقاب إن ناجز، يمشي إلى الحتوف مشياً سجحاً، ويبدي للضرب وجهاً سمحاً، يخطر في الحرب والمنايا أليفة سيوفه، ويشمرّ للضرب والبلايا طلائع صفوفه.

كم قصم قفاراً يدي قفاره؟ وكم جندل مغواراً بشباء غراره؟ وكم افترس

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562