مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)9%

مقتل الامام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-8163-70-7
الصفحات: 437

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243907 / تحميل: 10025
الحجم الحجم الحجم
مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٨١٦٣-٧٠-٧
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مقتل الحسين (ع)

١

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

« هوية الكتاب »

الكتاب:.............................................................. مقتل الحسينعليه‌السلام

المؤلف:............................................................ سيد عبدالرزاق المقرم

الناشر:.................................................. انتشارات المكتبة الحيدرية - قم

عدد الصفحات والقطع:............................................ (٤٣٠ صفحة) وزيري

الطبعة:.............................................................................. الأولى

عدد المطبوع:................................................................ ٢٠٠٠ جلد

سنة الطبع:...................................................... ١٤٢٥ هـ - ١٣٨٣ ش

المطبعة:........................................................................... شريعت

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمة المؤلّف

بقلم السيّد محمّد حسين المقرَّم

مدرّس في ثانوية الكندي

١ - تمهيد

أ - نافح أئمّة الهدى عن شريعة سيّد المرسلين، فأقاموا معالم الدِّين وأوضحوا السنن ونشروا ألوية الحق، وهم يلقون التعاليم كلّما وأتتهم الفرصة وسنحت لهم السانحة. وقد كابدوا في سبيل ذلك شتّى البلايا والمحن، وصابروا كلّما اعتكر الجو في وجوههم، ونفّس عليهم أعداؤهم وحقد عليهم الشانئون والمبغضون؛ فقسمٌ قُطِّعت أمعاؤهم وفُتِّت أكبادهم، وآخرون سيوفٌ وزَّعت أوصالهم، وسجون دامسة اُلقوا في غياهبها، ولكن أنوار الحقِّ كانت كاشفةً لظلماء الضلال، وصدق الحقيقة مزهق للباطل الزائف، وقد أنمحت قرون وأتت أجيالٌ، وعلماءُ شريعةِ بيت العصمة يحوطونها، ويتكفلون مدارستها واستجلاء غوامضها واستكناه لبابها، وقد حظيت علوم آل البيتعليهم‌السلام بكثير من العناية، وحفلت بكثير من الإهتمام، فزخرت اُمهات المدن الإسلامية بجهابذة أفذاذ، وعلماء أساطين؛ قعَّدوا القواعد وفرّعوا الفروع، وجالت أقلامهم في كلِّ ميدان، وصالت مزابرهم في كل رحب من رحاب العلم، وركضت أفراسهم في كل مضمار من مضامير المعارف والعلوم.

ب - وأجدني لست بصدد الحديث عن هذه العلوم التي ألّفوا فيها، والفنون التي صنّفوا في مسائلها او أوقفوا أنفسهم وحياتهم في صيانة نفائسها؛ فإنّ مكتبات العالم الغربي - في كبريات مُدنه - تزخر باعداد هائلة من تلك المؤلفات الجليلة، وتزدحمت صالات معاهدها باُلوف المؤلفات ممّا حررته أقلام اولئك الاساطين؛ ناهيك بما تضمّه المدن الإسلامية في الشرق من هذه المؤلفات الجليلة، والمصنّفات العتيدة وجاءت دُور النّشر والمعاهد العلميّة

٥

في الجامعات والمجامع العلميّة، فشمّرت عن ساعد الجدِّ، وأخذت في تحقيق المؤلّفات واستخرجتها من كنوزها؛ فأخذت بالشرح والتحقيق والإبانة والمقارنة والفحص، وغاصت أقلام المحققين في الأغوار فاستخرجت الدُّرر النّفائس وقد اهتبلت الفرصة كلُّ مؤسسة ناشرة محبّة في العلم أو راغبة في الثراء؛ حيث النّفوس فيها طموح للعلم وعشق للارتشاف من معين المعارف ونميرها الصافي والنّجف الأشرف - سيّدة المدن الإسلاميّة في البحث والنظر والتدريس والتأليف منذ أنْ أسّسها الشيخ الطوسيرضي‌الله‌عنه في القرن الخامس الهجري - تعجُّ منتدياتها بعلماء أماثل سطعوا كواكباً في دياجير الظلم، وشموساً باهرة في الأزمنة التي أعقبت عصور أئمّتناعليهم‌السلام ، ولمْ ينكصوا عن مواصلة المسيرة، ولمْ يلقوا الأقلام التي جردوها لأزاحة الشبهات، ولا تخلّوا عن المنابر؛ فالمساجد الشريفة تعجُّ بوجوه نيِّرة من المشايخ، وتحفل بعقول لمّاحةِ الخواطر، وأذهانٍ وقّادة الإشعاع، وقرائحٍ عذبة الموارد؛ ولذا نجد النجف لمْ تبرحها الزعامة والرئاسة، فهي مَوئل أهل العلم والشادّين به ومباءة أهل الفضل أتظنّ أنّ رئاسة التدريس ومكانتها في الفُتيا تفارقها وتبارحها، واشعاعاتُ سيّد العارفين وإمام المتّقين أميرِ المؤمنينعليه‌السلام تغمر الكون الإسلامي؟ والقبسات من حِكَمه وأحكامه تعمر القلوب وتغمرها، وتملأ الأفئدة وتفعمها، كلّ ذلك من أنفاس سيّد الحكماءعليه‌السلام ؟.

ج - وفي بحر هذه الأمواج من الفيوضات العلمية الزاخرة نشأ وعاش سيّدنا (المترجَم له)، فحزَّ في نفسه أن يجد أخبار أهل البيتعليهم‌السلام مطموسةَ المعالم في كثير من الجوانب، وآلمه ان لا تعنى الأقلام باستجلاء حياتهم واستبطان مكنونات مآثرهم وفواضلهم. ألا تكفي المكتبة الإسلامية هذه الاُلوف المؤلفة والمجاميع المصنَّفة في الفقه والاُصول، ويبقى نضال سادات الورى مطموساً، يغلب عليه التضليل والتمويه والتحريف من الأقلام المعادية التي انصرفت في العهود التي ما هادنتهم ولا ركنت إلى موادعتهم؛ فشنّت عليهم حروباً شنيعة فظيعة من البهتان والإفك في تزوير الحقائق!! وكيف لا تكون كذلك والسلطة غاشمة، وولاة الاُمور في أزمانهم ينفسون عليهم ويكيدون لهم؛ فجاءت الأراجيف والأباطيل، وانتشر المتملقون للحكّام القائمين آنذاك بالاُمور.

٦

وسيّدنا (المترجَم له) بخبرته الواسعة بهؤلاء الرواة الكاذبين، وأسماء الشخصيّات المفتعلة، وجد من حق الأئمّةعليهم‌السلام عليه أن يصرف جهده، ويبذل نشاطه في أن يحقق ويدرس تعاليمهم التي انهيت إلينا، وأن يجيل النظر في كثير من الاخبار المرتبكة المروية عنهم، وبيان سبب ذلك الارتباك في الاخبار ومؤدّى مضامينها، كلُ ذلك بالمقارنة والاستنباط والنفاذ إلى دقائق الاحكام.

ولكنه وجد التأليف أحقّ بأن يقصر في بيان احوالهم وتراجمهم. أليس ظلماً لهم منا ونحن نملك القلم ولدينا المعرفة وتتوفر بين ايدينا كلّ أسباب البحث والدراسة؛ أن نتقاعس عن ذلك ولا نكشف ما ران على أخبارهم من شبهات؟ واذا كان الاُمويون والزبيريون والعباسيون شنّوا عليهم حروباً شعواء في إخفات اشعاعاتهم، وطمس معالمهم، واستخدموا مَن يواليهم ويناصرهم، أفلا يتوجب علينا أن نوجّه الهمم، والنشاط لمواصلة الأشواط التي ساروا عليها؟ وبالأحرى أن نؤلف في حقّهم، فنناصرهم ونعضدهم في نضالهم وكفاحهم، وبيان حقائقهم الناصعة التي رانت عليها ترهات الاباطيل. ألمْ يكتفِ علماؤنا من الخوض في مسائل فقهيّة واُصولية، وكلاميّة وفلسفيّة أمضينا عليها قروناً وقروناً، فلمْ يبقَ مجال لقائل أو بيان لمجادل ومناظر؟ إنّ حقَّهم علينا أنْ نكتب فيهم، وندرس نهضاتهم، ونستجلي غوامض أقوالهم، وندفع ما اُلصق بهم وبطرائقهم من الريب! وكان -رحمه‌الله - يجد من العبث أن يبذل المؤلّف جهده، ويفني نفسه في فروع من اُمور العلم الحديث أو القديم، ولا يخصّص شيئاً من هذا الجهد وذلك الإضناء في دراسة شخصيّاتهم، وشخصيّات ذراريهم والمشايعين لهم الذين ركبوا أعواد المشانق، واُلقي بهم في السجون وشُرّدوا في الآفاق، فلاقوا الحتوف ثابتين على المبدء السامي ودينهم الحنيف. هذا ماحرّره في مقدّمة شرحه لقصيدة الشيخ حسن ابن الشيخ كاظم سبتيرحمه‌الله ، المسمّاة (الكلم الطيّب)(١) ، وهو أول ما بدأ في كتابته، قال: « لذلك كان الواجب بعد الاُصول الاعتقاديّة، النظر في فضائلهم ومناقبهم وأحوالهم؛ قياماً بواجب حقّهم من جهة، ولنقتدي ونتبع أقوالهم من جهة اُخرى... الخ ».

____________________________

(١) مخطوط: ديباجة الشرح.

٧

٢ - نسبه

عبد الرزاق بن محمّد بن عبّاس ابن العالم حسن ابن العالم قاسم بن حسون بن سعيد بن حسن بن كمال الدين بن حسن بن سعيد بن ثابت بن يحيى بن دويس بن عاصم بن حسن بن محمّد بن علي بن سالم بن علي بن صبرة بن موسى بن علي بن جعفر ابن الإمام أبي الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادقعليه‌السلام .

وأمّا لقبه (المقرَّم)، وهو لقب العائلة، فكان سببه أن أحد أجداده كان عليلاً في رجليه من مرض أجهده وانحله؛ فأقعده في البيت. على أن اللقب الذي كان يغلب على العائلة قبل هذا هو (السعيدي)؛ نسبة إلى جده سعيد بن ثابت.

٣ - ولادته ونشأته

(١٣١٦ - ١٣٩١هـ: ١٨٩٤ - ١٩٧١ م)

ولد -رحمه‌الله - في النجف الأشرف من والدين شريفين عام (١٣١٦) للهجرة النبوية، الموافق لعام (١٨٩٤) الميلادي كما استعلم منه العلامة الشيخ علي أصغر أحمدي، وكما ذكرته مقالة الصحفي الايراني مدير مجلة خود (عماد زادة) المنشورة في جريدة (نداي حق) في طهران بتاريخ ٢٩ / رمضان / ١٣٧٠هـ.

كان أبوه السيّد محمّد ابن السيّد عبّاس، كثير الاعتكاف بالجامع الاعظم في الكوفة، وكثير الاقامة فيها. ولكن جده لأمه السيّد حسين العالم، أخذه بمزيد من الرعاية والتنشئة الدينية، على غرار ما ينشأ عليه أبناء أهل العلم والفضل من دراسة العربية بادواتها، والفقه بفروعه، والعقائد بمسائله. وكانت وفاة جده هذا في سنة (١٣٣٤) هـ قد آلمته كثيراً وحملته جهداً ونصباً في العيش والحياة، فتحمل الشظف وكابد قساوة الاحوال، ولكن هذه لم تصرفه عن طلب العلم وحضور البحث لدى اساتذته. وكان يذكر والده السيّد محمّد المتوفى عام (١٣٥١) بكثير من الخير. ووالدته العلوية كانت صالحة وقارئة للقرآن، وكان باراً بها، وقد وافاها الاجل عام (١٣٧٠) هـ.

كان عمّه السيّد مهدي ابن السيّد عبّاس كثير التجوال بين المدن، وكثير الإختلاف إلى الأرحام المنبثين في النعمانية والديوانية والهندية وأماكن اُخرى. وكان هذا العمُّ -رحمه‌الله - مناوئاً وشديداً على العثمانين، وكثير التقريع لهم؛ لما ينزلون بالناس من الأذى والجور، حتّى ظفروا به في الكوت وأعدموه شنقاً بدخوله إليها عام (١٣٣٤) هـ.

٨

وأمّا جدّ عائلة آل المقرّم، فهو السيّد قاسم، وقد نزح من أراضي (الحسكة)، حيث كانت له أراضٍ يباشرها، وجاء إلى النجف الأشرف لجوار سيّد الوصيينعليه‌السلام ؛ ولأن بعض أفراد العائلة كان يقيم في النجف. كذا سجل (المترجَم له) في بعض أوراقه.

كان نزوحه في القرن الثاني الهجري، ومنذ حلَّ في دارهم الحالية جدَّ في طلب العلم حتّى صار علماً من الأعلام، وكان مرموقاً لدى علمائها وأفاضلها، وكانت داره مرتاداً لذوي الفضل، وكثيراً ما كان يقيم الحفلات لأهل البيتعليهم‌السلام ويعقد المجالس لذكراهم. كان نسابة ومن أئمة الجماعة وله مؤلفات، منها: حاشية على كتاب (الانساب) لأبي الحسن الفتوني العاملي المتوفى سنة (١١٣٨) هـ، وحاشيته هذه غير متصلة في ذكر الآباء والأجداد او ذكر الفروع بالاحرى، وحاشية اُخرى على كتاب (عمدة الطالب) لابن عنبه الداوري الحسيني المتوفى سنة (٨٢٨) هـ.

ومترجمنارحمه‌الله لم يشتغل في قضايا الأنساب المتأخرة، وقد كان يتحرج من الخوض في شؤونها، على أنه ملم واسع المعرفة بأخبار الرجال والرواة وبمن يتفرع من الاصائل، ولذلك لا يعسر عليه فهم قيمة الحديث والخبر، او الرواية من معرفة الاسم المكذوب، او بالأحرى المفتعل، او الاخلاق التي كان يتسم بها الرجل او يشتهر بها.

ولا يعزب عن البال أنّ جدّه لأمه السيّد حسين المتوفى في أواخر عام (١٣٣٤) هـ، كان هو الآخر إمام الجماعة ومن المشتغلين بالتدريس، وكان خاله السيّد أحمد ابن السيّد حسين المتوفى أيضاً سنة (١٣٣٤) هـ من أهل الفضل والعلم، وقد أنجب أولاداً أربعة، عرف منهم: السيّد ابراهيم ابن السيّد أحمد المتوفى سنة (١٣٥٨) هـ عالم فاضل، وكان ذا نظر وفقه واسع، وحضر عنده كثير ممّن صاروا في منازل علمية جليلة، وقد درس ردحاً من الزمن في مدرسة الإمام الشيح محمّد حسين آل شيخ علي كاشف الغطاءرحمه‌الله .

٤ - مشايخه

١ - جدّه العالم الورع التقي السيّد حسين، المتوفى عام (١٣٣٤) هـ، وقد عني بتنشئته وتربيته وتعلمه.

٩

٢ - العلامة الحجة الشيخ محمّد رضا آل شيخ هادي آل كاشف الغطاء، المتوفى عام (١٣٦٦) هـ، وقد قرأ عليه الأصول.

٣ - العلامة الحجة الفقيه الشيخ حسين الحلي النجفي مُدّ ظله، وقد قرأ عليه السطوح فقهاً واُصولاً.

٤ - المرجع الأعلى المغفور له السيّد محسن الحكيم، المتوفى عام (١٣٩٠) هـ، وقد حضر عليه خارج الفقه.

٥ - الحجة المجتهد الشيخ آغا ضياء العراقي، المتوفى عام (١٣٦١) هـ، وقد حضر عليه خارج الأصول.

٦ - الزعيم الديني المرجع في الفتوى السيّد أبو الحسن الأصفهاني النجفي المتوفى عام (١٣٦٥) هـ، وقد حضر عليه خارج الفقه وكتب تقريراته.

٧ - الحجة المرجع في الفتوى الميرز محمّد حسين النائيني النجفي المتوفى (١٣٥٥) هـ، وقد حضر عليه خارج الفقه والأصول، وكتب تقريراته.

٨ - آية الله المدرّس الأكبر المرجع السيّد أبو القاسم الخوئي النجفي مُدّ ظله، وقد حضر عليه الفقه والأصول.

٩ - (أ) أمّا المجاهد الكبير الشيخ محمّد جواد البلاغي، المتوفى سنة (١٣٥٢) هـ، فكانت في نفسه له مكانة أثيرة، وكان كثير التحدث عن منزلته؛ ولتشابه الرجلين في اُسلوب العمل والنضال عن شريعة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله مما قوّى العلاقة بينهما. وقد ساهم المغفور له مع الحجّة البلاغي في نشر (الرحلة المدرسية)، وكذلك كتابه (الهدى إلى دين المصطفى)، وكانت شخصية المرحوم البلاغي تملأ نفسه إعجاباً وإكباراً في كثير من المواقف التي يبدو فيها الولاء لآل البيتعليهم‌السلام خالصاً صريحاً. كما تلاحظ ذلك فيما سجَّله على قصيدة البلاغي المثبتة في باب المراثي، وعلى كثير من الكتب التي اشتراها منه، مثل: تصحيح المترجَم له نسخةَ له من كتاب الرحلة المدرسية، وشراؤه مسند أحمد، حيث فهرسه وعليه عبارة تنم عن تقديره لشخصيته.

(ب) أمّا المرحوم الحُجّة، المرجع في الفتوى الشيخ محمّد حسين الأصفهاني النجفي، المتوفى سنة (١٣٦١) هـ، فقد كانت له صحبة جليلة، وقد استفاد من دروسه

١٠

في الفلسفة والكلام. وبرغبة من السيّد المقرَّم كتب المرحوم الشيخ الأصفهاني اُرجوزته الكبرى في المعصومينعليهم‌السلام ، المسمّاة (الأنوار القدسية). ومع أن الناظم اُستاذ في الفلسفة، وملأ جوانب هذه الاُرجوزة بالمصطلحات العقلية الفلسفية؛ فقد جاءت سلسة في تراكيبها، واضحة في أفكارها ومعانيها، عذبة في جرسها، ونحن ندري أن الفلسفة بمصطلحاتها ترهق النظم، وتثقل كاهل الشعر فلا تدعه شعراً.

ولم يفتأ المغفور له يكثر من قراءة المناسب من هذه الاُرجوزة في عديد من المجالس التي يقيمها في ذكرى المعصومينعليهم‌السلام ، وكتاب (مقتل الحسين) هذا لم يغفل الاُرجوزة من الإلماع إلى بعضها، وفي باب المراثي تجد فصلاً من هذه الاُرجوزة مثبتاً في الحسينعليه‌السلام .

(ج) وأمّا الحُجّة الشيخ عبد الرسول بن الشيخ شريف الجواهري، المتوفى سنة (١٣٨٩) هـ نوّر الله ضريحه، فقد كان مثال الورع والعفة وفي أعلى درجات طهارة النفس والتّقى، وقد لازمه المترجَم له. والشيخ ممّن يُعرف بالاجتهاد والمنزلة العالية في العلم، وسيدنا المقرَّم ذو صلة وثيقة به، خصوصاً عند المذاكرة في اُمهات المسائل ودقائق المباحث، وقد سألت صديقي الفاضل الاستاذ الحاج يحيى الجواهري، وكان يحضر مجلسهما، عن طبيعة المباحث التي تدور بين الشيخ والسيّد، أجاب: إنّ المرحوم المقرَّم كان يورد إيرادات فيما يسمّى (اشتباهات) على الشيخ الكبير صاحب الجواهر في كتابه (الجواهر)، وكان الفقية الشيخ عبد الرسول يقرّه على تلك، ويوقفه على الملاحظات التي يبديها في بعض مسائل (الجواهر).

٥ - مكانته العلمية

هذا الموضوع لا أجده يسمح لي في الحديث عن مكانة السيّد العلمية وهو والدي، ولكن هذه المكانة اذا أراد أن يستشفها القارئ الكريم، فيكفيه ما اُدرج في قائمة المؤلفات التي حررها قلمه؛ فالخطّية منها والمطبوعة ما فيه غُنية للباحث ونجعةٌ للمرتاد، ناهيك عن تلك (الأجازات) العلمية التي منحها له أكابر العلماء وهي محفوظة إلى جنب مخطوطاته، لكن السيّد لم يكن يتبجح بها، ولا ادري ما اثرُها في نفسه!.

أمّا المقدّمات التي كتبها لكثير من

١١

المؤلفات التي أخرجتها المطابع، ثمّ تلك البحوث والتعليقات في كتاب (الدراسات) للسيّد علي الشاهروديرحمه‌الله ، وهي تقريرات سيدنا الخوئي، وكذلك كتابه الآخر (المحاضرات في الفقه الجعفري)، فهي تنم عن العقلية التي يتمتع بها (المترجَم له) والذهنية التي توفرت له، ثمّ الصبر الطويل في تقليب الصفحات للمَراجع والمصادر العديدة. ويغلب على ظنّي أنه أعان كثيراً من الباحثين المحدَثين في النجف، المعاصرين الذين أخرجوا شهيرات الكتب، وربما قدّم لهم فصولاً تامة للكتب التي نشروها، كل ذلك خدمة للعلم وأهل العلم.

واليك ما كتبه الشيخ محمّد هادي الأميني نجل المرحوم الحُجّة الأميني(١) : « لقد كان الحُجّة السيّد المقرّم بحراً متدفقاً لا في الفقه واصوله، وإنما تجده يخوض في الحديث والأدب والفلسفة والدراية والحكمة الالهية، كعبة القاصد وملاذ المحتاج، واسعَ الثقافة وافر العلوم، صريحاً في جميع أقواله وأعماله. إنّ كتاباً واحداً من كتبه يكفي أن يعطيك فكرة واضحة عن ثقافته الحيّة التي تتجلى فيها نفحات العبقرية، وهو مع هذا العلم الغزير، والبحث الجمِّ لا يزدهيه الفخر ولا يداخله الغرور؛ لذلك كنت تجده دائماً موطِّئَ الجانب، يلقي إليك بما عنده وكأنه يأخذ منك ».

٦ - اسلوبه

إنّ أساليب الباحثين تعتمد على الوضوح والإبانة، وإقامة الدليل وسطوع الحجة، وإذا استقرأنا مؤلفات المغفور له، فبماذا يظهر اُسلوبه الكتابي؟ أكبر الظن أنك إذا تفحصت كتبه في مواضيعها المختلفة، والتعليقات التي حررها للآخرين، أو التي كتبها مقدماتٍ لكتب علماء أجلاء، فلا شك أنك ستجد سِمة الوضوح وطابع الإشراق هي الأساس في التراكيب. ولا يبعد عن البال أن البحث الذي تتميز به كتبه، هي دراسة وفحص ومقارنة، وهذا يستدعي منه قراءة النصوص بوجوهها المختلفة، مع نقد للقائلين والرواة وعرض لشخصياتهم. وبعد هذا كلِّه، إمّا أن يستقيم النص أو يتهاوى؛ وعلى هذا صدر كتابه (تنزيه المختار الثقفي)، وكتابه الجليل (السيّدة سكينة)،

____________________________

(١) مجلّة العدل النجفيّة - العدد ١٧ في ١٤ شعبان ١٣٩١ هـ الموافق ٥ / ١٠ / ١٩٧١.

١٢

وكتابه المخطوط (نقد التاريخ في مسائل ست).

واُسلوب الكتابة في عصره كان يعتمد السجع، والاحتفال بالزخرفة اللفظية، وشحن التراكيب بما يثقل كاهل العبارة من رموز وإشارات وأَشياء اُخرى يجفوها البيان العربي الحديث. هذه أشياء خلا منها اُسلوبه، واعتمد على (الإستنباط) والفهم الجيد؛ لذلك قامت مؤلفاته على الأصالة في الفكرة، والاسترسال في سرد الحقائق وعرض المعاني، وتراه يستدرجك إلى الرضا بالمسألة الخطيرة التي يثيرها، وقد حفل هذا الكتاب (مقتل الحسين) بمثل هذه الامور.

(والسيّد) حين يستمر في البحث والدراسة والفحص والمقارنة، يقول: وعلى هذا نستفيد فقهاً أن... الخ.

٧ - أول مؤلّفاته

إنّ شدّة حبّه لآل البيتعليهم‌السلام تدفعه حين يقرأ الكتاب، أنْ يلتقط منه تلك الأخبار والأحاديث التي تشير إلى شيء من اُمورهم، أو شيء من اُمور مَن يناوئهم، ثمّ هو يجمع هذه الشذرات في (رسالة) نقدر أن نقول عنها غير متكاملة، وهي في عرف الباحثين (مادّة البحث الأولى). وكثيراً ما كان يهب هذه التي يجمعها إلى كلِّ مَن يُعنى ببحث ينفعه، هذا الذي هيّأه لنفسه.

وصل إلى علمه أن الخطيب الشاعر، المرحوم الشيخ حسن سبتي قد نظم قصيدة مطولة بائية في أحوال المعصومينعليهم‌السلام ، سمّاها (الكلم الطيب)، أو (أنفع الزاد ليوم المعاد) فشرحها، وجاء في صدر الشرح: (وهذا أول ما كتبته، وبعدها كتبت أحوال زيد الشهيد)، وفي آخر الشرح جاءت العبارة التالية: (قد كنت أرغب في اختصاره، وعاقني عنه الشغل الكثير). وقد نذر نفسه إلى شرحها والتعليق عليها وبيان ما يحتاج إلى بيان، لكنّه -رحمه‌الله - لم يحسبه في عداد مؤلفاته؛ لأن الشرح لا يقوم على جهد أساسٍ منه، فلذلك لم يحفل به.

لقد صدر له أول كتاب هو (زيد الشهيد) وألحق به رسالة في (تنزيه المختار الثقفي). والكتاب هو ترجمة لأحوال زيد ابن الإمام السجّادعليه‌السلام . ولم يذكر في المقدمة دواعي التأليف. وفي أكبر ظني أنّ حبّه الأصيل لثورة الحسينعليه‌السلام ؛ دفعه لأن يكتب عنه، ويعرض الإطاحة بحكم الاُمويين الجائر، ولتشابه كثير من المواقف بين ثورته وثورة أبي الشهداءعليه‌السلام .

والكتاب يحفل بكثير

١٣

من القضايا، التي زوّرتها الأقلام المسخرة؛ لتركيز دعائم الاُمويين. هذا أمر لا يهمنا بقدر ما يهمنا الإلماع إلى شيء، وهو: أن الكتاب صدر في الثلاثينات، وكان يومذاك من المعيب على العالِم أن يجرد نفسه في الإشتغال باُمور ليست من صلب الفقه والاُصول، ويُعتبر عمله مزرياً به، وبمنزلته وفضله.

والمترجَم له كسر أقفال الحديد التي تمنع الرجل العالِم أن يبحث وينشط للطبع و التعليق، أو التحقيق في كتاب لجهبذ من أعلامنا في القرون المتقدمة؛ ولذلك لم تتطامن نفوس الحوزة العلمية إلى أن ينصرف عَلم من أعلامها إلى البحث في اُمور لا تتصل بالفقه او الاصول!.

واشتد الاستغراب لدى الحوزة لمّا برز كتاب للمرحوم الشيخ عبد الحسين الأميني (شهداء الفضيلة)، وجاء الباحث المنقّب المرحوم آغا بزرك الطهراني فباشر بإخراج موسوعته الجليلة (الذريعة)، وتُخرج أجزاءه الاولى مطابع النجف، ويسبقهم في العمل المرحوم الحُجّة الثقة الشيخ عبّاس القمي، فيخرج كتابه النفيس (الكنى والألقاب)، ثمّ يأتي منتدى النشر فيحقق كتاب السيّد الرضي (حقائق التأويل) ويكتب له مقدّمة نفيسة الحُجّة العالم، والشاعر الشيخ عبد الحسين الحلي.

وهكذا ألّف أهل الفضل والعلم هذا اللون من طرائق الكتابة والدراسة، فتتابعت المؤلفات وبالأحرى الدراسات، وحينئذ لا يمكن أن يبقى (مؤلَّف) يتراكم عليه غبار النسيان والإهمال، فالمطابع ودور النشر والقرّاء، يقبلون عليها في كثير من الرضا، وحينئذ عمّت المكتبات الخاصة والعامة، وكثر المنتفعون بتحقيقات أهل العلم.

٨ - كتاب مقتل الحسين

قال الشاعر:

أنستْ رزيتُكم رزايانا التي

سلفت وهوَّنت الرَّزايا الآتية

إنّه يشير إلى رزية كربلاء، حيث هي الفاجعة العظمى والكارثة الكبرى، التي نزلت بساحة آل المصطفىعليهم‌السلام ، حيث الدواهي التي صاحبتها في سلسلة مسيرة آل بيت الوحي من المدينة إلى العراق والشام، كانت تقرح القلب وتدمي الفؤاد. وقد كان الائمة الامجادعليهم‌السلام يستحثون شيعتهم بأن لا يتناسوها، ويعملوا كل شيء في سبيل إحياء ذكراها«أحيوا أمرنا، رحم الله مَن أحيا أمرنا» ، لذلك رافقتها فصول أدخلت رواية الحادثة فيها، والطابع الحزين المثير للعواطف، والمستفز

١٤

لكوامن النفوس ودفائن الخواطر. وقلوب الشيعة تلتاع بالأسى، وتعتلج فيها الخواطر الكئيبة المشحونة بالصور المفزعة، والقلوب تحتدم غيظاً على كلِّ مَن أتى بتلك الفعلة النكراء.

وجاء أرباب التاريخ فسجّلوا كلَّ ما سمعوا، ودوّنوا كلَّ ما وصل إلى سمعهم، فدخلت في الفاجعة أشياء وأشياء يأباها الذوق، ولا تنسجم مع ما رواه الائمةعليهم‌السلام ، ولا يأتلف مع الحقيقة. هذا من جانبنا؛ حيث أضفنا الكثير الكثير إلى أحداث كربلاء وما تبعها من أحداث. وأمّا من جانب أعداء آل البيتعليهم‌السلام ، فقد عمدت أقلامهم إلى التحريف والتمويه، وإزواء الحقائق، وعلى هذه مرّت الفاجعة، وقطعت العصور والأزمان وهي إلى القيامة باقية، ولكن لا بدّ من إزاحة الستار عمّا خفي واستتر، ولا بد من رواية الصحيح من الأخبار، ونسف كلّ ما لا يتّفق مع أساس نهضة سيّد الشهداءعليه‌السلام في صراعه الدّامي؛ للاطاحة بمَن أمات السنة وأحيا البدعة.

ألا يدفعك الاستغراب إلى أن نأخذ الرواية عن حميد بن مسلم، الذي يبدو رقيق القلب في ميدان المعركة، وهو ممن رافق حمل رأس أبي عبد اللهعليه‌السلام ، حيث يُهدى إلى الكوفة والشام، وندع أخبار كربلاء ولا نأحذها من أهلها، وممّن صبت عليهم بلاياها؟!.

ثم مَن هو أبو الفرج الاصفهاني؟ إنه اُموي في النزعة والنسب، والمعتمد في أخباره على زبيريين واُموييّن مناوئين لآل البيتعليهم‌السلام . وكذلك الطبري في كتابه المشهور بـ (تاريخ الاُمم والملوك)، فكل روايته عن (السدّي ومجاهد) وغيرهما، وأهل العلم يعرفون السدّي مَن هو؟ ولكن أخبار كربلاء جاءت عنه؛ لهذا كلّه انبرى المرحوم (المترجَم له) في تحرير كتابه (مقتل الحسين).

حفل كتاب المقتل بالإشارة إلى كثير من المنقولات التي لا تنهض على أساس، وبالمقارنة والفحص أبطلها بعد أن راحت تنقلها الأفواه أزماناً وازمانا!

واحتوى المقتل أيضاً في هوامشه على بحوث فقهية ولغوية وأدبية، وتحقيقات عديدة لكثير من ألفاظ روايات تتضارب على ألسنة رواتها، ويجد القارئ فيضاً من المصادر التي يستند اليها (المترجَم له) في تحقيقاته ودراساته لرواية كربلاء!

شخصيات عديدة في رواية كربلاء؛ رجال ونساء وصبية فيها التباس،

١٥

بالاسماء والمسمّيات، فازاح المؤلف كلَّ ما ران عليها. ألا تدري بأن المراد بأم كلثوم هي العقيلة زينب؟ وهل تذهب بك الظنون إلى أن اُم البنين لم تكن على قيد الحياة زمن (المأساة)، وهذا الشعر الذي يرويه الذاكرون لا نصيب له من الصحة:

لا تدعونّي ويك اُمَّ البنين

تذكريني بليوث العرين

ونحن نروي الخبر، ونكون إلى جانب مروان (الوزغ) فنظهره رقيق الحاشية، دامع العين من حيث لا ندري؟!. وماذا تعرف عن ذابح الحسينعليه‌السلام الشِمر نسباً ومزاجاً، وعبيد الله الأمير؟. وقد استنبط السيّد أحكاماً شرعية من تصرفات الإمام أبي عبد اللهعليه‌السلام وأقواله في خطبه، كل هذا تجده في (مقتل الحسين)، وتجد اُموراً اُخرى أجد نفسي لا أعرضها لك، ولكن نفسك أيها القارئ تدفعك للوقوف عليها واستشراف مضامين الكتاب، كما نستشرف مواضيعه الحبيبة إليك.

٩ - آثاره

أ - المطبوعة:

١ - زيد الشهيد (ترجمة).

٢ - المختار بن عبيد الثقفي (نقد ودراسة).

٣ - السيّد سكينة (دراسة).

٤ - مقتل الحسينعليه‌السلام (تاريخ وتحقيق).

٥ - الصدّيقة الزهراءعليه‌السلام (ترجمة).

٦ - الإمام زين العابدينعليه‌السلام (ترجمة).

٧ - الإمام الرضاعليه‌السلام (ترجمة).

٨ - الإمام الجوادعليه‌السلام (ترجمة).

٩ - قمر بني هاشم - العبّاسعليه‌السلام (ترجمة).

١٠ - علي الاكبرعليه‌السلام (ترجمة).

١١ - الشهيد مسلم بن عقيل (ترجمة).

١٢ - سر الإيمان في الشهادة الثالثة (أخبار ودراسة).

١٣ - يوم الاربعين عند الحسين (رسالة) (مآثر وطاعات).

١٦

١٤ - المحاضرات في الفقه الجعفري (كتاب للسيّد علي الشاهرودي)، تعليقات ودراسة له.

ب - مقدمات وتصدير لكتب تراثية:

١ - دلائل الإمامة - لابن جرير الطبري الإمامي.

٢ - الأمالي - للشيخ المفيد (محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري).

٣ - الخصائص - للسيّد الرضي.

٤ - الملاحم - للسيّد أحمد بن طاووس.

٥ - فرحة الغري - للسيّد عبد الكريم بن طاووس.

٦ - إثبات الوصية - للمسعودي.

٧ - الكشكول - للسيّد حيدر بن علي العبيدي الحسيني الآملي.

٨ - بشارة المصطفى - لعماد الدين الطبري الأملي (تعليقات وملاحظات).

٩ - الجمل - للشيخ المفيد (تعليقات).

ج - آثاره المخطوطة:

١ - المنقذ الاكبر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله (دراسة).

٢ - الحسن بن عليعليه‌السلام (دراسة).

٣ - عاشوراء في الإسلام (نقد وتاريخ).

٤ - الأعياد في الإسلام (تاريخ).

٥ - ذكرى المعصومينعليهم‌السلام - أجزاء منه مطبوعة - (تاريخ).

٦ - زينب العقيلةعليه‌السلام (ترجمة).

٧ - ميثم التمّار (رسالة)، (ترجمة).

٨ - أبو ذر الغفاري (رسالة)، (ترجمة).

٩ - عمار بن ياسر (رسالة)، (ترجمة).

١٠ - نقل الاموات في الفقه الإسلامي (دراسة).

١١ - نقد التاريخ في مسائل ست (دراسة وتحليل).

١٢ - حلق اللحية (نقد).

١٣ - دراسات في الفقه والتاريخ (دراسة وتحليل لأحاديث).

١٤ - ربائب الرسول (تاريخ ودراسة).

١٧

١٥ - الكنى والألقاب (تراجم).

١٦ - حاشية على الكفاية - للشيخ محمّد كاظم الخراساني (اصول).

١٧ - حاشية على المكاسب - للشيخ مرتضى الانصاري (فقه).

١٨ - نوادر الآثار (شؤون شتّى).

١٩ - يوم الغدير أو حِجّة الوداع (تاريخ).

١٠ - ولاؤه لأهل البيتعليه‌السلام

ليس أكبر ذخيرة من أن يحيا المرء، بل ويموت على محبة أهل البيتعليه‌السلام . وليس أنفس شيء يحرزه المرء حين تصفر الأكف ممّا يملكه لنفسه، من حيازة محبتهم، ويضمن شفاعتهم، وتكون مثوبته في الدار الاُخرى أن ينزل منازلهم، ويكون من المقربين إليهم.

والناس كلهم ينشؤون على محبتهم وولائهم، ولكن درجة تركّز هذه الصفة تتباين فيما بينهم؛ فواحد يرضى من نفسه أن يحضر مجالسهم، وآخر لا يرضى إلا أن يقيم لهم المجالس، وآخر يرضى لنفسه أن يحضر او يرحل لزيارتهم في ضرائحهم، وآخر ينشط لتهيئة الناس وربما ينفق لتهيئة الزائرين لحضور مشاهدهمعليهم‌السلام .

وسيدنا المترجَم له كانت تزدهيه هذه الألوان من النشاط كلها، فقد نشأ وتربّى ووجد نفسه في بيت تكثر فيه المناسبات التي تعقد لآل البيتعليهم‌السلام . هكذا كان يرى جده (السيّد حسين) يجتمع الناس عنده ويتذاكرون، بل ويلقون من نتاجاتهم الأدبية الشيء الكثير، ووجد نفسه -رحمه‌الله - مفعمة بهذا الولاء فاستزاد منه، وأخذ يتحين الفرص لإقامة المجلس حتّى لاولئك الذين شايعوهم وتابعوهم، وعلوا صهوات الأعواد او ماتوا في ديار الغربة وتجرعوا كؤوس الردى صابرين، والشواهد كثيرة على ذلك.

وكتابه المخطوط (نوادر الآثار) فيه تلك القصائد التي كان يلقيها الشعراء الذاهبين -رحمهم‌الله - في مناسبات أفراحهم. وطريقة الإحياء عنده لا تكفي باقامة المجالس لهم، بل الانصراف إلى نشر آرائهم، وبيان طرائقهم في السلوك والحياة، وقد مارس ذلك عن طريق المحاضرات التي يجمع عليها أهل المكاسب من إخوانه وأصحابه في أيام شهر رمضان. وهكذا كنت أرى البيت يمتلئ بهم، ويتكرر البحث ليلة بعد ليلة، ورمضاناً بعد رمضان.

أمّا قلمه وراحته ووقته، فشواهدها هذه

١٨

(المؤلفات) التي خلّفها. ونرجو منه تعالى أن يسدد الخُطى لنشرها بين الناس. وأجلُّ مخطوطاته هي: (المنقذ الاكبر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإمام الحسنعليه‌السلام ، وقد مضى على تأليفهما أكثر من ثلاثين عاماً، وكتابه (نقد التاريخ في مسائل ست) كان كثيراً ما يتحدث عنه.

١١ - نظمه

لم يكن (المترجَم له) يحسن الشعر ولا يتعاطاه ولم يعان قرضه، غير أنه كان يحبه سيّما إذا قيل في أهل البيتعليهم‌السلام . وكثيراً ما كان يقتبس شعراً من شعراء أهل البيت في مؤلفاته عند ذكرهمعليهم‌السلام ؛ إحياء لذكر شعرائهم.

أمّا هو، فلا نعهد له شيئاً سوى نزر قليل، منه قوله في أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام متوسلاً إلى الله تعالى به؛ لكشف ما ألم به:

أبا الفضل يا نور عين الحسين

ويـا كافل الظَّعن يوم المسيرْ

أتـعرض عـني وأنت الجواد

وكـهف لمن بالحمى يستجيرْ

ومنه اُرجوزته التي نظمها في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وآله الأطهارعليهم‌السلام ، ولكنه لم يتمها فمنها:

نحمدك اللهم يـا مَن شرفا

هذا الوجود بالنبي المصطفى

مـحـمدٍ وآلـه الأطـايبِ

نـهج الـهدى كفاية للطالبِ

أرشـاد من ضلَّ عن الهداية

إلى طريق الحقِّ والولاية

وفيها يقول:

وجاء في حديث أهل البيتِ

مَن قال فينا واحداً من بيتِ

أيَّـده الله بـروح الـقدس

وزال عنه كلَّ ريبٍ مُلبس

لـذلك أحـببت أن أنظم ما

قد دونوه في الصِحاح العلما

من فضل عترة النبي الطهرِ

ومـَن هـمُ ولاة ربِّ الأمر

خاتمة حياته

عانى المؤلف -رحمه‌الله - من شظف العيش، وقساوة الحياة شيئاً كثيراً، وسار في حياته سيرة فيها الإباء والترفع، وكان يربأ بها أن تتدنى إلى ما لا يليق بها. وغرامه

١٩

بحضور الدرس وأداء مهمة التدريس والاعتكاف شغله الشاغل، فكان يرضى من عيشه بالبُلغة، وكم رغب إليه المرحوم آية الله الزعيم الديني أبو الحسن الاصفهاني أن يحضر إليه؛ ليكون وكيلاً عنه في إحدى هذه الحواضر الكبرى من مدن العراق، وحينئذ يكون رخاء الحياة، ولكنه لا يرضيه ذلك العرض، ولا تزدهيه تلك المهمة، وكل ما في نفسه أنه راضٍ بقسمه تعالى، قانع بما يتهيأ له من أسباب الحياة، ويهمه أن يملأ نفسه من زاد العلم، ويشبع مما في كنوزها من دقائق الذخائر. وبالجد والمثابرة المتواصلة نال المكانة المحترمة بين أهل الفضل.

كان يتحدث -رحمه‌الله - كثيراً عن مثل تلك الرغبات التي يريدها له أصحاب المراجع. كان يعلل رفضه بأن النفس لا يكبح جماحها إذا تهيأت لها غضارة العيش ورخاء الحياة، وربما تغمسه في أشياء اُخرى. هذه التعليلات وأمور اُخرى لم يفصح عنها هي سبب الرفض، وكان كتوماً في مثل هذه الشؤون!.

أمّا صفاته الجسمية، فقد كان نحيفاً في قامة معتدلة، وفي اُخريات أيامه - حينما اصطلمت عليه العلل - كان يغالب نفسه بأن يكون معتدل القامة، رافع الرأس. كان يرتاح أن يباشر شؤون إقامة المجلس في المناسبات العديدة للأئمة الأطهار وأصحابهم البررة، وايمانه بهم وبكرامتهم عند الله كان كثيراً ما يتوسل إليهم في رفع البلوى ورفع الضر، ولِمَ لا يفعل ذلك؟ ألم يكن الإمام أبو الحسن علي الهاديعليه‌السلام يأمر أبا هاشم الجعفري أن يطلب من رجل ليدعو له عند مرقد سيّد الشهداءعليه‌السلام ؟!.

كانرحمه‌الله مستوفز الأعصاب، تستثيره البادرة التي لا يرضاها، وينفعل لسماع ما لا تطمئن إليه النفس، رقيق القلب، وافر الدمعة لدى سماعه مصاب آل الرسولعليهم‌السلام . هذه اُمور تضعف الركن الشديد، فكيف بعلل وشدائد صحية عديدة لا تفارقه واحدة حتّى تنتابه اُخرى، ومع هذا كلِّه يفزع إليهمعليهم‌السلام ، يتوسل إليهم بجاههم عند الله تعالى أن يكشف العسر ويدفع الضر. وكان يعتقد اعتقاداً جازماً إنالله تعالى لم يمد في عمره إلا

_____________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرم / ٣٨ (هذه الطبعة)

٢٠

بسببهم وحرمتهم؛ حيث إن الواحدة من العلل التي كانت تصيبه كفيلة بأن تقضي عليه.

وهكذا سار على هذه الشاكلة حتّى وافته المنية في ١٧ محرم الحرام لسنة ١٣٩١ هـ الموافق ١٥ / ٣ / ١٩٧١، فله من الله الرضوان وجزيل المثوبة.

وأطرف ما رُثِيَ بهرحمه‌الله ، قول الاستاذ الشيخ أحمد الوائلي مؤرخاً عام الوفاة:

إيـه عبد الرزّاق يا ألق الفكر

وروح الإيـمـان والأخـلاقِ

إنَّ قـبـراً حللت فيه لَروضٌ

سـوف تـبقى به ليوم التلاقي

فـاذا ما بُعثت حفَّت بك الأعـ

ـمـالُ بـيضاء حلوة الإشراقِ

فحسان الأصول والفقه والتاريـ

ـخ قـلّـدن منك بـالأعـناقِ

ومـدى الطَّف يوم سجَّلت فيه

لـحـسـيـن وآلـه والرفاقِ

صـفحات من التَّبحُّر والتمحيـ

ـص تـزري بأنفس الأَعـلاقِ

في حسين وسوف تلقى حسيناً

وترى الحوض مترعاً والساقي

هـذه عـنـدك الـشفيع وما

عـند إلهي خير وأبقى البواقي

مـسـتـميحاً عطاء ربِّك أرخ

(رحت عبد الرزّاق للرزّاق)

١٣٩١ هـ

٢١

٢٢

٢٣

٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت / ٦٩ .

( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) آل عمران / ١٦٩ و ١٧٠.

( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة / ١١١.

القرآن الكريم

٢٥

٢٦

نهضة الحسينعليه‌السلام

كان المغزى الوحيد لشهيد الدين، وحامية الإسلام الحسين بن أمير المؤمنينعليه‌السلام إبطال اُحدوثة الاُمويين، ودحض المعرات عن قدس الشريعة، ولفت الأنظار إلى براءتها وبراءة الصادع بها عمّا ألصقوه بدينه؛ من شية العار، والبدع المخزية، والفجور الظاهرة، والسياسة القاسية(١) . فنال سيد الشهداءعليه‌السلام مبتغاه بنهضته الكريمة، وأوحى إلى الملأ الديني ما هنالك من مجون فاضح، وعرّف الناس (بيزيد المخازي) ومَن لاث به من قادة الشر وجراثيم الفتن، فمجّتهم الأسماع، ولم يبقَ في المسلمين إلا من يرميهم بنظرة شزراء حتّى توقدت عليهم العزائم، واحتدمت الحمية الدينية من اُناس ونزعات من آخرين، فاستحال الجدال جلاداً، وأعقبت بلهنية عيشهم حروباً دامية أجهزت على حياتهم، ودمرت ملكهم المؤَسَّس على أنقاض الخلافة الإسلامية من دون أية حنكة أو جدارة، فأصاب هذا الفاتح الحسينعليه‌السلام شاكلة الغرض بذكره السائر، وصيته الطائر، ومجده المؤثل، وشرفه المعلّى( وَلا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللّهِ أَموَاتاً بَل أَحيَاء عندَ رَبِّهِمْ يُرزَقُونَ ) (٢) .

لا أجدك أيها القارىء وأنت تسبر التاريخ، وتتحرّى الحقائق بنظر التحليل، إلا وقد تجلّت لك نفسيّة (أبيِّ الضيم) الشريفة، ومغزاه المقدّس ونواياه الصالحة، وغاياته الكريمة في حلِّه ومرتحله، وفي إقدامه وإحجامه في دعواه ودعوته، ولا أحسبك في حاجة إلى التعريف بتفاصيل تلكم الجمل بعد أن

____________________________

(١) يتحدث الاستاذ أحمد أمين في ضحى الإسلام ١ / ٢٧، عن الحكم الاموي فيقول: الحق إنّ الحكم الاموي لم يكن حكماً إسلامياً يساوى فيه بين الناس، ويُكافئُ المحسن، عربياً كان أو مولى، ويعاقب المجرم، عربياً كان أو مولى، وإنّما الحكم فيه عربي، والحكّام خَدمة للعرب، وكانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية لا النزعة الإسلامية.

(٢) سورة آل عمران / ١٦٩.

٢٧

عرفت أن شهيد العظمة مَن هو؟ وما هي أعماله؟ وبطبع الحال تعرّف قبل كلّ شيء موقف مناوئه، وما شيبت به نفسيته من المخازي.

نحن لو تجردنا عما نرتئيه (لحسين الصلاح) من الإمامة والحق الواضح - الذي يقصر عنه في وقته أي ابن اُنثى - لم تدع لنا النصفة مساغاً لاحتمال مباراته في سيرة طاغية عصره، أو أنه ينافسه على شيء من المفاخر. فإن سيّد شباب أهل الجنّة متى كان يرى له شيئاً من الكفاءة حتّى يتنازل إلى مجاراته؟ ولقد كانعليه‌السلام يربأ بنفسه الكريمة حتّى عن مقابلة أسلافه.

أترى أن الحسينعليه‌السلام يقابل أبا سفيان بالنبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو معاوية بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، أو آكلة الأكباد بأم المؤمنين خديجة رضوان الله تعالى عليها، أو ميسون بسيّدة العالمينعليها‌السلام ، أو خلاعة الجاهلية بوحي الإسلام، أو الجهل المطبق بعلمه المتدفق، أو الشَّرَه المخزي بنزاهة نفسه المقدسة؟! إلى غيرها مما يكلُّ عنه القلم، ويضيق به الفم.

لقد كانت بين الله سبحانه وتعالى، وبين اوليائه المخلصين أسرار غامضة تنبو عنها بصائر غيرهم، وتنحسر أفكار القاصرين حتّى أعمتهم العصبية؛ فتجرؤا على قدس المنقذ الأكبر، وأبوا إلا الركون إلى التعصب الشائن، فقالوا: إن الحسين قُتل بسيف جدّه؛ لأنه خرج على إمام زمانه (يزيد) بعد أن تمت البيعة له، وكملت شروط الخلافة باجماع أهل الحلِّ والعقد، ولم يظهر منه ما يشينه ويزري به!!(١) .

____________________________

(١) عبارة أبي بكر ابن العربي الاندلسي في كتابه العواصم ص ٢٣٢، تحقيق محب الدين الخطيب، ط سنة ١٣٧١. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ستكون هنات، فمَن أراد أن يفرّق أمر هذه الاُمّة، وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً مَن كان». فما خرج عليه أحد إلا بتأويل، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا من جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله انتهى. وقال محب الدين في التعليق على هذا الحديث: ذكره مسلم في الصحيح، في كتاب الأمارة. قلت: هو في الجزء الثاني ص١٢١، كتاب الأمارة بعد الغزوات، أخرجه عن زياد بن علاقة عن عرفجة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله . (وابن علاقة) سيِّىء المذهب، منحرف عن أهل البيتعليهم‌السلام كما في تهذيب التهذيب ٢ / ٣٨١. وذكر عرفجة في ج٧ ص١٧٦، ولم ينقل له مدح أو ذم، فهو من المجهولين لا يؤبه بحديثه.

والعجب من التزامه بصحة خلافة يزيد، وهو يقرأ حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يزال أمر اُمّتي قائماً بالقسط حتّى يكون أول من يثلمه رجل من بني اُميّة، يقال له يزيد»!!رواه ابن حجر في مجمع الزوائد ٥ / ٢٤١ عن مسند أبي يعلى والبزاز. وفي الصواعق المحرقة ص ١٣٢ عن مسند الروياني عن أبي الدرداء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أول من يبدل سنتي رجل من بني اُميّة، يقال له يزيد».وفي كتاب الفتن من صحيح البخاري - باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هلاك اُمّتي على يدي اُغيلمة من اُمّتي».عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «هلكة اُمّتي على يدي غلمة من قريش».قال ابن حجر في شرح الحديث من فتح الباري ١٣ / ٧: كان أبو هريرة يمشي في السوق ويقول: اللهم، لا تدركني سنة ستين، ولا أمارة الصبيان. قال ابن حجر: أشار بذلك إلى خلافة يزيد، فإنها في سنة ستين، ولم يتعقبه.

٢٨

و قد غفل هذا القائل عن أنّ ابن ميسون لم يكن له يوم صلاح حتّى يشينه ما يبدو منه! وليس لطاماته ومخازيه قبل وبعد وقد ارتضع در ثدي (الكلبية) المزيج بالشهوات، وتربّى في حجر مَن لُعن على لسان الرسول الأقدس(١) ، وأمر الاُمّة بقتله متى شاهدته متسنماً صهوة منبره!(٢) . ولو امتثلث الاُمّة الأمر الواجب؛ لأمنت العذاب الواصب، المطلّ عليها من نافذة بدع الطاغية، ومن جرّاء قسوته المبيدة لها، لكنها كفرت بأنعم الله، فطفقت تستمرء ذلك المورد الوبيء ذعافاً ممقراً؛ فألبسها الله لباس الخوف، وتركها ترزح تحت نير الاضطهاد، وترسف في قيود الذل والاستعباد، ونصب عينها استهتار الماجنين وتهتّك المنهمكين بالشهوات! وكلما تنضح به الآنية الاموية الممقوتة شب (يزيد الاهواء) بين هاتيك النواجم من مظاهر الخلاعة.

ولقد أعرب عن كل ما أضمره من النوايا السيئة على الإسلام، والصادع به جَذِلاً بِخلاء الجوِّ له، فيقول العلامة الآلوسي:

مَن يقول إن يزيد لم يعصِ بذلك ولا يجوز لعنه، فينبغي أن ينتظم في سلسلة أنصار يزيد، وأنا أقول: إنّ الخبيث لم يكن مصدقاً برسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ مجموع ما فعله مع أهل حرم الله وأهل حرم نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي، ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر!, ولا أظن أن أمره كان خافياً على أجلّة المسلمين إذ ذاك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين، ولم يسعهم إلا الصبر. ولو سلّم أن الخبيث كان مسلماً، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط

____________________________

(١) في تاريخ الطبري ١١ / ٣٥٧ (حوادث سنة ٢٨٤)، تاريخ أبي الفداء ٢ / ٥٧ (حوادث سنة ٢٣٨)، كتاب صفين / ٢٤٧، تذكرة الخواص / ١١٥، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى أبا سفيان على جمل وابنه يزيد يقوده ومعاوية يسوقه فقال: «لعن الله الراكب والقائد والسائق».

(٢) في تاريخ بغداد ١٢ / ١٨١، تهذيب التهذيب ٢ / ٤٢٨ وكذلك ٥ / ١١٠، تاريخ الطبري ١١ / ٣٥٧، كتاب صفين / ٢٤٣، ٢٤٨، شرح نهج البلاغة ١ / ٣٤٨، كنوز الدقائق (في هامش الجامع الصغير) ١ / ١٨، اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٠، ميزان الاعتدال ١ / ٢٦٨ ترجمة الحكم بن ظهير، وكذلك ٢ / ١٢٩ ترجمة عبد الرزاق بن همام، سير أعلام النبلاء ٣ / ٩٩ ترجمة معاوية، مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ١٨٥، تاريخ أبي الفداء ٢ / ٥٧ (حوادث سنة ٢٨٣) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذا رأيتم معاوية على منبري، فاقتلوه.

٢٩

به نطاق البيان. وانا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لم يتصور أن يكون له مَثل من الفاسقين. والظاهر أنه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه. ويلحق به ابن زياد، وابن سعد وجماعة، فلعنة الله عليهم وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومَن مال إليهم إلى يوم الدين، ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

ويعجبني قول شاعر العصر، ذي الفضل الجلي، عبد الباقي افندي العمري الموصلي، وقد سئل عن لعن يزيد، فقال:

يزيد على لعني عريض جنابه

فاغدو به طول المدى العن اللعنا

ومَن يخشى القيل والقال من التصريح بلعن ذلك الضليل، فليقل: لعن الله عز وجلّ من رضي بقتل الحسينعليه‌السلام ، ومن آذى عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بغير حقٍّ، ومن غصبهم حقهم، فإنه يكون لاعناً له؛ لدخوله تحت العموم دخولاً اولياً في نفس الأمر. ولا يخالف أحداً في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها، سوى ابن العربي المار ذكره وموافقيه، فإنهم على ظاهر ما نقل عنهم، لا يجوّزون لعن مَن رضي بقتل الحسينعليه‌السلام ! وذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد!.

ثم قال: نقل البرزنجي في (الاشاعة)، والهيثمي في (الصواعق المحرقة)، أن الإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن لعن يزيد قال: كيف لا يلعن مَن لعنه الله في كتابه! فقال عبد الله: قرأت كتاب الله عز وجل فلم أجد فيه لعن يزيد! فقال الإمام: إن الله يقول: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ) (١) ، وأي فساد وقطيعة أشد مما فعله يزيد!.

وقد جزم بكفره وصرّح بلعنه جماعة من العلماء، منهم: القاضي أبو يعلى، والحافظ ابن الجوزي، وقال التفتازاني: لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أعوانه وأنصاره، وصرح بلعنه جلال الدين السيوطي.

وفي تاريخ ابن الوردي، والوافي بالوفيات: لما وردت على يزيد نساء الحسين وأطفاله، والرؤوس على الرماح، وقد أشرف على ثنية جيرون ونعب الغراب، قال:

لما بدت تلك الحمول وأشرقـت

تلك الشموس على رُبى جيرونِ

نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل

فلقد قـضيت من النبـي ديوني

____________________________

(١) سورة محمّد / ٢٢ - ٢٣.

٣٠

يعني: أنه قتل بمن قتله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر؛ كجده عتبة وخاله ولد عتبة وغيرهما، وهذا كفر صريح، فاذا صح عنه، فقد كفر به. ومثله تمثله بقول عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه بـ (ليت أشياخي ببدر...) الأبيات انتهى(١) .

إلى كثير من موبقاته وإلحاده، فاستحق بذلك اللعن من الله وملائكته وأنبيائه، ومَن دان بهم من المؤمنين إلى يوم الدين. ولم يتوقف في ذلك إلا من حُرم ريح الإيمان، وأعمته العصبية عن السلوك في جادّة الحقِّ؛ فأخذ يتردد في سيره، حيران لا يهتدي إلى طريق، ولا يخرج من مضيق.

ولم يتوقف المحققون من العلماء في كفره وزندقته، فيقول ابن خلدون: غلط القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي، إذ قال في كتابه (العواصم والقواصم): إن الحسين قُتل بسيفِ شرعه، غفلة عن اشتراط الإمام العادل في الخلافة الإسلامية! ومَن أعدل من الحسين في زمانه وإمامته وعدالته في قتال أهل الآراء!؟. وفي الصفحة نفسها ذكر الاجماع على فسق يزيد، ومعه لا يكون صالحاً للإمامة، ومن أجله كان الحسينعليه‌السلام يرى من المتعين الخروج عليه، وقعود الصحابة والتابعين عن نصرة الحسين لا لعدم تصويب فعله، بل لأنهم يرون عدم جواز اراقة الدماء، فلا يجوز نصرة يزيد بقتال الحسين، بل قتله من فعلات يزيد المؤكدة لفسقه والحسين فيها شهيد(٢) .

ويقول ابن مفلح الحنبلي: جوّز ابن عقيل وابن الجوزي الخروج على الإمام غير العادل، بدليل خروج الحسين على يزيد؛ لاقامة الحق. وذكره ابن الجوزي في كتابه (السر المصون) من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة من المنتسبين إلى السنة، إنهم قالوا: كان يزيد على الصواب، والحسين مخطئ في الخروج عليه. ولو نظروا في السِّير لعلموا كيف عُقدت البيعة له والزم الناس بها، ولقد فعل مع الناس في ذلك كلَّ قبيح، ثم لو قدرنا صحة خلافته، فقد بدرت منه بوادر وظهرت منه أمور، كلٌّ منها يوجب فسخ ذلك العقد؛ من نهب المدينة، ورمي الكعبة بالمنجنيق، وقتل الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام وضربه على ثناياه بالقضيب، وحمل

____________________________

(١) تفسير روح المعاني ٢٦ / ٧٣، آية: (فهل عسيتم أن توليتم).

(٢) مقدمة ابن خلدون / ٢٥٤- ٢٥٥ عند ذكر ولاية العهد.

٣١

رأسه على خشبة، وإنما يميل إلى هذا جاهل بالسيرة، عامّي المذهب، يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة(١) .

وقال التفتازاني: الحقُّ إن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره به، واهانته أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مما تواتر معناه وان كان تفاصيله آحاد. فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه(٢) .

وقال ابن حزم: قيام يزيد بن معاوية؛ لغرض دنيا فقط، فلا تاويل له. وهو بغي مجرد(٣) . ويقول الشوكاني: لقد أفرط بعض أهل العلم فحكموا: بأن الحسين السبطرضي‌الله‌عنه وأرضاه، باغ على الخِمّير السكّير، الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية! لعنهم الله. فيا للعجب من مقالات تقشعر منها الجلود، ويتصدع من سماعها كل جلمود!!(٤) .

وقال الجاحظ: المنكرات التي اقترفها يزيد؛ من قتل الحسين، وحمله بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا، وقرعه ثنايا الحسين بالعود، واخافته أهل المدينة، وهدم الكعبة، تدل على القسوة والغلظة والنصب، وسوء الرأي والحقد والبغضاء، والنفاق والخروج عن الايمان. فالفاسق ملعون، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون(٥) .

ويحدث البرهان الحلبي، إن الاستاذ الشيخ محمّد البكري تبعاً لوالده كان يلعن يزيد ويقول: زاده الله خزياً وضِعه وفي أسفل سجين وضَعه(٦) كما لعنه أبو الحسن علي بن محمّد الكياهراسي، وقال: لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي الرجل(٧) . وحكى ابن العماد عنه، أنه سئل عن يزيد بن معاوية، فقال: لم يكن من الصحابة؛ لأنه ولد أيام عمر بن الخطاب. ولأحمد فيه قولان؛ تلويح وتصريح. ولمالك قولان؛ تلويح وتصريح. ولأبي حنيفة قولان؛ تلويح وتصريح. ولنا قول واحد

____________________________

(١) الفروع ٣ / ٥٤٨ باب قتال أهل البغي- مطبعة المنار- سنة ١٣٤٥ ﻫـ.

(٢) شرح العقائد النسفية ص ١٨١ طبع الاستانة سنة ١٣١٣ هـ.

(٣) المحلّى ١١ / ٩٨.

(٤) نيل الاوطار ٧ / ١٤٧.

(٥) رسائل الجاحظ ص ٢٩٨ الرسالة الحادية عشرة في بني أمية.

(٦) السيرة الحلبية.

(٧) وفيات الاعيانلابن خلكان ترجمة علي بن محمّد بن علي الكياهراسي، ومرآة الجنان لليافعي ٣ / ١٧٩.

٣٢

تصريح دون تلويح، وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد، ومدمن الخمر، وشعره في الخمر معلوم(١) . ويقول الدكتور علي ابراهيم حسن: كان يزيد من المتّصفين بشرب الخمر واللهو والصيد(٢) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان يزيد بن معاوية ناصبياً فظاً، غليظاً جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين، وختمها بوقعة الحَرّة؛ فمقته الناس ولم يُبارك في عمره(٣) .

وقال الشيخ محمّد عبده: اذا وجدت في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع، وحكومة جائرة تعطله، وجب على كلّ مسلم نصر الاُولى. ثم قال: ومن هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على إمام الجور والبغي، الذي ولي أمر المسلمين بالقوّة والمكر، يزيد بن معاوية، خذله الله وخذل مَن انتصر له من الكرامية والنواصب(٤) . وقال ابن تغربردي الحنفي: كان يزيد فاسقاً، مدمن الخمر(٥) ، وقال: أخذت فتاوى العلماء بتعزير عمر بن عبد العزيز القزويني؛ إذ قال أمير المؤمنين يزيد، ثم اُخرج من بغداد إلى قزوين(٦) . وقال أبو شامة: دخل بغداد أحمد بن اسماعيل بن يوسف القزويني فوعظ بالنظامية، وفي يوم عاشوراء قيل له: إلعن يزيد بن معاوية. قال: ذلك إمام مجتهد. ففاجأه أحدهم فكاد يُقتل، وسقط عن المنبر. ثم أخرجوه إلى قزوين، ومات بها سنة (٥٩٠) هـ(٧) .

وقال سبط ابن الجوزي: سئل ابن الجوزي عن لعن يزيد فقال: أجاز أحمد لعنه، ونحن نقول لا نحبه؛ لما فعل بابن بنت نبينا، وحمله آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا إلى الشام على أقتاب الجمال، وتجرِّيه على آل رسول الله، فإنْ رضيتم بهذه المصالحة بقولنا لا نحبه، وإلا رجعنا إلى أصل الدعوى جواز لعنته(٨) .

____________________________

(١) شذرات الذهب لابن العماد ٣ / ١٧٩ سنة ٥٠٤هـ.

(٢) تاريخ الإسلام العام / ٢٧٠، الطبعة الثالثة.

(٣) نقله عنه في الروض الباسم للوزير اليماني ٢ / ٣٦.

(٤) تفسير المنار١ / ٣٦٧ في سورة المائدة: آية ٣٧ و ج ١٢ ص ١٨٣و ١٨٥.

(٥) النجوم الزاهرة ١/ ١٦٣.

(٦) النجوم الزاهرة ٦ / ١٣٤ سنة ٥٩٠ هـ.

(٧) رجال القرنين لأبي شامة / ٦، ومضمار الحقائق لتقي الدين عمر ابن شاهنشاه الايوبي، المتوفى سنة ٦١٧ ﻫـ- تحقيق الدكتور حسن حبشي ص١٢٠- حوادث سنة ٥٧٩ﻫـ.

(٨) مرآة الزمان ٨ / ٤٩٦ طـ حيدراباد.

٣٣

وذكر أبو القاسم الزجاجي باسناده عن عمر بن الضحّاك، قال: كان يزيد بن معاوية ينادم (قرداً)، فأخذه يوماً وحمله على إتان وحشي وشد عليها رباطاً، وأرسل الخيل في أثرها حتّى حسرتها الخيل فماتت الأتان، فقال يزيد بن معاوية:

تمسك أبا قيس بفضل عنانـه

فليس علينا أن هلكت ضمان

كما فعل الشيخ الذي سبقت به

زياداً أمير المؤمنين إتان(١)

وما ذكره ابن الأثير عن أبي يعلى حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنه قال: أنا لا اكفّر يزيد؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :«سألت الله تعالى أن لا يسلط على بنيَّ من غيرهم، فأعطاني ذلك» (٢) . لا يتابع عليه؛ لأن شرف أبي يعلى وجلالته وثقته، تبعد صدور هذه الكلمة الجافّة عنه، وإن سبقه إليها الرافعي في التدوين في علماء قزوين(٣) . وعلى فرض صدورها منه، فمن المقطوع به صدورها منه تقية. وقد بالغ الميرزا عبد الله افندي تلميذ المجلسي في إنكارها(٤) ؛ لأن كل من ترجم له من علماء الرجال مدحه واطراه بالجميل، ولم يذكر ذلك عنه، ولو كان لصدورها عنه عين أو أثر لمقتوه من أجلها. وقد ترحّم عليه الشيخ الصدوق في كتبه وترضّى عنه؛ لأنه من مشائخه.

وفي عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ص ٤٩٣ باب ٣٩ حدّثه بقم سنة (٣٣٩) هـ عمّا كتبه إليه علي بن إبراهيم بن هاشم سنة (٣٠٩) هـ، عن ياسر الخادم عن الرضاعليه‌السلام الخ حتّى أن الخطيب البغدادي مع تعصبه ترجم له، ولم يذكر عنه هذه الكلمة النابية(٥) ، فهذه الكلمة من زيادات الرافعي وابن الأثير، الغير المقرونة بأصل وثيق.

وبعد مقت أعلام الاُمّة ليزيد، نحاسب عبد المغيث بن زهير بن علوي الحربي عن الاُصول الصحيحة التي استقى منها كتابه، الذي صنّفه في فضائل يزيد(٦) ! وأي مأثرة صحيحة وجدها له حتّى سجّلها في كتابه؟! وهل حياته كلّها إلا مخازٍ وتهجمات على قدس الشريعة؟؛ لذلك لم يعبأ العلماء بهذا الكتاب. فيقول:

____________________________

(١) أمالي الزجاجي ص ٤٥ طـ المكتبة المحمودية - مصر.

(٢) كامل ابن الاثير ٤ / ٥١ (حوادث سنة ٦٤ ﻫـ) عليه مروج الذهب.

(٣) التدوين في علماء قزوين ٢ / ١٨٤ تصوير في مكتبة السيد الحكيم.

(٤) رياض العلماء (بترجمته)، مخطوط في مكتبة السيد الحكيم.

(٥) تاريخ بغداد ٨ / ١٨٤ طبع أول.

(٦) طبقات الحنابلة ١ / ٣٥٦.

٣٤

ابن العماد في شذرات الذهب ج٤ ص ٢٧٥ حوادث السنة ٥٨٣ هـ أتى فيه بالموضوعات وفي البداية لابن كثير ج١٢ ص ٣٢٨ ردّ عليه ابن الجوزي فأجاد وأصاب وفي كامل ابن الأثير ج ١١ ص ٢١٣ عليه مروج الذهب أتى فيه بالعجائب وفي طبقات الحنابلة لابن رجب ج ١ ص ٣٥٦ صنّف ابن الجوزي في الردّ عليه سماه الردّ على المتعصب العنيد، المانع من لعن يزيد.

ومن الغريب ما أفتى به عبد الغني المقدسي، حين سئل عن يزيد فقال: خلافته صحيحة؛ لأن ستّين صحابياً بايعه، منهم: ابن عمر. ومن لم يحبه لا ينكر عليه؛ لأنه ليس من الصحابة، وإنما يمنع من لعنه؛ خوفاً من التسلق إلى أبيه، وسداً لباب الفتنة(١) !!. وأغرب من هذا، إنكار ابن حجر الهيثمي رضا يزيد بقتل الحسينعليه‌السلام ، أو أنه أمر به(٢) مع تواتر الخبر برضاه، ولم ينكره إلا من أنكر ضوء الشمس!!.

قال ابن جرير والسيوطي: لما قُتل الحسين سُرَّ يزيد بمقتله، وحسنت حال ابن زياد عنده، ثم بعد ذلك ندم(٣) . وقال الخوارزمي: قال يزيد للنعمان بن بشير: الحمد لله الذي قتل الحسين(٤) . وقد احتفظوا بمنكراته كاحتفاظهم ببغي أبيه معاوية، ومعاندته لقوانين صاحب الدعوة الإلهية، أليس هو القائل لأبيه صخر لما أظهر الإسلام فرقاً من بوارق المسلمين؟

يـا صـخر لا تسلمن طوعاً فتفضحنا

بـعـد الـذيـن ببدر أصبحوا مزقا

لا تـركـنن إلــى أمـر تـقلِّدنا

والـراقـصاتِ بنعمان به الحرقا(٥)

فـالـمـوت أهون من قيل الصباة لنا

خـيـل ابن هند عن العزّى كذا فرقا

فـان أبـيـت أبـيـنـا ما تريد ولا

تدع عن اللات والعزّى اذا اعتنقا (٦)

ويقول ابن أبي الحديد: طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية، وقالوا: إنه كان ملحداً لا يعتقد بالنبوة. ونقلوا عنه في فلتات كلامه ما يدل عليه(٧) .

____________________________

(١) طبقات الحنابلة لابن رجب ٢ / ٣٤.

(٢) الفتاوى الحديثية ص ١٩٣.

(٣) تاريخ الطبري٧ / ١٩ طبعة أولى و تاريخ الخلفاء ١ / ١٣٩ (عند أحوال يزيد).

(٤) مقتل الحسين للخوارزمي٢ / ٥٩.

(٥) تذكرة الخواص / ١١٥ طـ ابران.

(٦) التعجب للكراجكي ص ٣٩، ملحق بكنز الفوائد.

(٧) شرح نهج البلاغة ١ / ٤٦٣ طـ اول -  مصر.

٣٥

وجدّه صخر، هو القائل للعبّاس يوم الفتح: إن هذه ملوكية. فقال العبّاس: ويلك إنها نبوة(١) . وفي معاوية، يقول أحمد بن الحسين البيهقي: خرج معاوية من الكفر إلى النفاق في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعده رجع إلى كفره الأصلي(٢) .

فابن ميسون عصارة تلكم المنكرات، فمتى كان يصلح لشيء من الملك فضلاً عن الخلافة الإلهية، وفي الاُمّة ريحانة الرسول وسيد شباب أهل الجنة؟!. أبوه من قام الدين بجهاده، واُمّه سيدة نساء العالمين، وهو الخامس لأصحاب الكساء، وعدل الكتاب المجيد في (حديث الثقلين)، يتفجر العلم من جوانبه، ويزدهي الخُلق العظيم معه أينما يتوجه، وعبق النبوة بين أعطافه، وألق الإمامة في أسارير وجهه. والى هذا يشيرعليه‌السلام لمّا عرض الوليد البيعة، فقال:«أيها الأمير، إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم. ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق. ومثلي لا يبايع مثله» (٣) .

وبعد هذا، فلنسأل هذا المتحذلق عن قوله: (خرج الحسين بعد انعقاد البيعة ليزيد)، متى انعقدت هاتيك البيعة الغاشمة؟ ومتى اجتمع عليها أهل الحل والعقد؟ أيوم كان يأخذها أبوه تحت بوارق الإرهاب؟! أم يوم إسعاف الصِلات لرواد الشره رضيخة يتلمظون بها؟!(٤) أم يوم عرضها عمال يزيد على الناس، فتسلل عنها ابن الرسول ومعه الهاشميون، وفر ابن الزبير إلى مكّة وتخفى ابن عمر في بيته؟(٥) . وكان عبد الرحمن ابن أبي بكر يجاهر بأنها هرقلية؛ كلما مات هرقل قام هرقل مكانه(٦) ، وكان يقول: إنّها بيعة قوقية، وقوق هو اسم قيصر(٧) فأرسل له معاوية مئة ألف درهم يستعطفه بها، فردها وقال: لا أبيع ديني بدنياي(٨) ، وقال

____________________________

(١) كامل بن الاثير ٢ / ٩٣ عليه مروج الذهب و تاريخ الطبري ٣ / ١١٧ طبعة أولى.

(٢) هدية الأحباب / ١١١ بترجمة البيهقي.

(٣) الملهوف على قتلى الطفوف ص ٩٨.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ١٣٥، وابن خلكان بترجمة الأحنف.

(٥) تاريخ الطبري ٦ / ١٧٠.

(٦) الكامل في التاريخ ٣ / ١٩٩، مجالس ثعلب / ٥١٩، الفائق للزمخشري٢ / ٢٠٣ طبع مصر.

(٧) سلس الغانيات- نعمان خيري الآلوسي / ٤١.

(٨) تهذيب الأسماء ١ / ٢٩٤.

٣٦

عبد الله بن عمرو بن العاص لعابس بن سعيد، الذي حثّه على البيعة ليزيد: أنا أعرف به منك، وقد بعتَ دينك بدنياك(١) . وقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي للشامي الذي أرسله مروان بن الحكم ليبايع ليزيد: يأمرني مروان أن أبايع لقوم ضربتهم بسيفي حتّى أسلموا! والله ما أسلموا ولكن استسلموا(٢) .

وقال زياد بن أبيه لعبيد بن كعب النميري: كتب إليّ معاوية في البيعة ليزيد، وضمان أمر الإسلام عظيم؛ إنَّ يزيد صاحب رسلة وتهاون مع ما اولع به من الصيد، فأخبر معاوية عني، وأخبره عن تهاون يزيد بأمر الدين وفعلاته المنكرة(٣) .

وقد أنكر على معاوية سعيد بن عثمان بن عفان، وفيما كتب إليه: إن أبي خير من أب يزيد، وأمي خير من امّه، وأنا خير منه(٤) . وكان الأحنف بن قيس منكراً لها، وكتب إليه يعرفه الخطأ فيما قصده من البيعة لابنه يزيد، وتقديمه على الحسن والحسين مع ما هما عليه من الفضل والى من ينتميان، وذكّره بالشروط التي أعطاها الحسن، وكان فيها أن لا يقدم عليه أحداً، وإن أهل العراق لم يبغضوا الحسنين منذ أحبوهما، والقلوب التي أبغضوه بها بين جوانحهم(٥) .

وحرص أبيُّ الضيم سيد الشهداء على نصح معاوية وارشاده إلى لاحب الطريق، وتعريفه منكرات يزيد، وإن له الفضل عليه بكل جهاته، وفيما قال له:«إنّ اُمّي خير من اُمّه، وأبي خير من أبيه» . فقال معاوية: أمّا امّك، فهي ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهي خير من امرأة من كلب. وأمّا حبي يزيد، فلو اُعطيت به ملء الغوطة لما رضيت. وأمّا أبوك وأبوه، فقد تحاكما إلى الله تعالى فحكم لأبيه على أبيك(٦) .

إلى هنا سكت أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ؛ لأنه عرف ألا مقنع لابن آكلة الأكباد بالحقيقة، وإنما لم يقل معاوية (إنّ أباه أفضل من أبيك)؛ لعلمه بعدم سماع أحد منه ذلك، ولشهرة سبق عليعليه‌السلام إلى الإسلام واجتماع المحامد

____________________________

(١) القضاة للكندي / ٣١٠ اوفست.

(٢) تهذيب تاريخ ابن عساكر ٦ / ١٢٨.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ١٦٩ (حوادث سنة ٥٦).

(٤) نوادر المخطوطات- الرسالة السادسة / ١٦٥ في المغتالين لمحمد بن حبيب.

(٥) الإمامة والسياسة ١ / ١٤١، مطبعة الاُمّة- مصر / ١٣٢٨ ﻫـ.

(٦) المثل السائر لابن الاثير ١ / ٧١ باب الاستدراج- طبع مصر / ١٣٥٨ ﻫـ.

٣٧

فيه، وتقدّمه على غيره في الفضائل جمعاء؛ لذلك عدل معاوية إلى الإيهام بايجاد شبهة المنافرة والمحاكمة، وهذا ما يسمّيه علماء البلاغة بالاستدراج.

ومرّة اُخرى، قال له سيد الشهداء أبو عبد اللهعليه‌السلام :«لقد فهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله سياسته لاُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تريد أن توهم على الناس كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عمّا احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد من استقرائه الكلاب المهارسة (١) ، والحمام السبق، والقَينات ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده ناصراً، ودع ما تحاول فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت فيه، فوالله ما برحت تقدم باطلاً في جور، وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية، وما بينك وبين الموت إلا غمضة، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص» (٢) .

وكتبعليه‌السلام إليه مرّة ثالثة:«إعلم إن لله عز وجل كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها، وليس الله تعالى بناسٍ أخذك بالظنة، وقتلك اولياءه على التُّهم، ونفيك لهم عن دورهم إلى دار الغربة. أولست قاتل حجر أخي كندة والمصلين العابدين؛ الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله تعالى لومة لائم؟ أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، العبد الصالح الذي أبلته العبادة؛ فنحل جسمه، واصفرّ لونه بعدما آمنته وأعطيته من عهود الله عز وجل، ولو أعطيته طائراً لنزل إليك من رأس جبل؛ جرأة منك على ربك، واستخفافاً بذلك العهد؟ أولست المدّعي (ابن سمية) المولود على فراش عبيد ثقيف، فزعمت أنه من أبيك وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الولد للفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعمداً، واتبعت هواك بغير هدى من الله تعالى، ثم سلطته على العراقين يقطع أيدي المسلمين، ويُسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل. كأنك لست من هذه الاُمّة وليسوا منك!؟ أولست الكاتب لزياد أن يقتل كلَّ مَن كان على دين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ فقتلهم ومثّل بهم بأمرك. ودين علي عليه‌السلام هو دين الله عز وجل الذي به ضرب أباك وضربك، وبه جلست مجلسك الذي جلست؟

____________________________

(١) في الآداب السلطانية لابن الطقطقي / الفصل الأول صفحة ٣٨: كان يزيد بن معاوية يلبس كلاب الصيد اساور الذهب، والجلاجل المنسوجة منه، ويهب لكل كلب عبداً يخدمه.

(٢) الإمامة والسياسة ١ / ١٥٤.

٣٨

وإنّ أخذك الناس ببيعة ابنك يزيد، وهو غلام حدث يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب؛ فقد خسرت نفسك، وبترت دينك وأخرجت أمانتك» (١) .

وكتب إليه مرة رابعة يعدد عليه بوائقه؛ وذلك لما قتل زياد ابن أبيه مسلم بن زيمر، وعبد الله بن نجي الحضرميَّين، وصلبهما على أبواب دورهما بالكوفة أياماً، وكانا من شيعة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام . وفيما كتب إليه:«ألست صاحب حِجر والحضرميَّين اللذين كتب إليك ابن سمية أنهما على دين علي عليه‌السلام ورأيه. فكتبت إليه: مَن كان على دين علي ورأيه فاقتله وامثل به، فقتلهما ومثل بامرك بهما؟ ودينُ علي وابن عم علي الذي كان يضرب عليه أباك، ويضربه عليه أبوك، جلست مجلسك الذي أنت فيه. ولولا ذلك، كان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشم الرحلتين اللتين بنا منَّ الله عليك بوضعها عنكم.....» في كلام طويل يوبّخه فيه بادّعائه زياداً، وتوليته على العراقين(٢) .

ولم تُجدِ هذه النصائح من ابن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في دحض باطل معاوية، بعد أن سدّت بوارق الإرهاب، وبواعثُ الطمع طريق الحقّ. لكن معاوية بدهائه المعلوم لم يرقه أن يمس الحسينَعليه‌السلام سوءٌ؛ خشية سوء الفتنة وانتكاث الأمر، لما يعلمه أن (أبيَّ الضيم) لا يتنازل إلى الدنية إلى نفس يلفظه، وأن شيعته يومئذ غيرهم بالأمس على عهد أخيه الإمام المجتبى، فإنهم ما زالوا يتذمرون من عمّال معاوية؛ للتنكيل الذريع بهم حتّى بلغ الحال، أن الرجل منهم يستهين أن يقال له: زنديق، ولا يقال له (ترابي)!.

وكم من مرة واجهوا الإمام المجتبىعليه‌السلام بكلام أمرّ من الحنظل مع اعترافهم له بالإمامة، وإذعانهم بأن ما صدر منه عن صلاح إلهي، وأمر ربوبي. وحتى أنهم استنهضوا الحسينعليه‌السلام غير مرّة فلم ينهض معهم؛ رعاية للميثاق، وإرجاء الأمر إلى وقته المعلوم لديه من جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبيه الوصيعليه‌السلام .

فمعاوية يعلم أنه لو اُصيب الحسينعليه‌السلام بسوء - والحالة هذه - تلتف الشيعة حوله؛ فيستفحل الخطب بينه وبين معاوية.

____________________________

(١) رجال الكشي / ٣٢ طـ الهند، ترجمة عمرو بن الحمق، الدرجات الرفيعة /٤٣٤ طـ النجف.

(٢) المحبر لابن حبيب / ٤٧٩ طـ حيدر آباد.

٣٩

وللعلة هذه بعينها؛ أوصى ولده يزيد بالمسالمة مع الحسين إن استبد بالأمر، ومهما يجد من أبيِّ الضيم مخاشنة وشدة. فقال له: إنّ أهل العراق لن يدعوا الحسين حتّى يخرجوه، فإن خرج عليك وظفرت به، فاصفح عنه، فإنّ له رحماً ماسة، وحقاً عظيماً(١) . لكن (يزيد الجهل)؛ لغروره المُردي لم يكترث بتلك الوصيّة، فتعاورت عليه بوادره، وانتكث فتله. ولئن سرَّ (يزيد الخزاية) الفتحُ العاجل، فقد أعقب فشلاً قريباً، وكاشفه الناس بالسباب المقذع، وأكثروا باللائمة عليه حتّى ممّن لم ينتحل دين الإسلام.

وحديث رسول ملك الروم مع يزيد في المجلس، حين شاهد الرأس الأزهر بين يديه يقرعه بالعود! أحدث هزّة في المجلس، وعرف يزيد أنه لم تُجدِ فيهم التمويهات. وكيف تجدي وقد سمع من حضر المجلس صوتاً عالياً من الرأس المقدس، لمّا أمر يزيد بقتل ذلك الرسول«لا حول ولا قوة إلا بالله» (٢) ؟ وأي أحد رأى أو سمع قبل يوم الحسينعليه‌السلام رأساً مفصولاً عن الجسد ينطق بالكلام الفصيح؟ وهل يقدر ابن ميسون أن يقاوم أسرار الله، أو يطفئ نوره الأقدس؟... كلا.

ولقد فشا الإنكار عليه من حريمه وحامته حتّى أن زوجته هند(٣) لما أبصرت

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ١٧٩.

(٢) عوالم الامام الحسين / ١٥٠ للمحدث عبد الله البحراني، ترجمته في روضات الجنات / ٣٧٠ آخر ترجمة الشيخ عبد الله ابن الحاج صالح السماهيجي جامع الصحيفة العلوية.

(٣) قصة تزويج هند زوجة عبد الله بن عامر بن كريز من يزيد، واجبار زوجها على الطلاق، من الأساطير التي أراد واضعها الحطَّ من كرامة سيدي شباب أهل الجنة؛ الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فرويت بصور مختلفة.

(الصورة الاولى) في مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ١٥١ طـ النجف، بالاسناد إلى يحيى بن عبد الله بن بشير الباهلي، قال: كانت هند بنت سهيل بن عمرو عند عبد الله بن عامر بن كريز، وكان عامل معاوية على البصرة. فاقطعه خراج البصرة على أن يتنازل عن زوجته هند؛ لرغبة يزيد فيها. وبعد انتهاء العدّة أرسل معاوية أبا هريرة ومعه ألف دينار مهراً لها، وفي المدينة ذكر أبو هريرة القصة للحسين بن عليعليه‌السلام ، فقال:«اذكرني لهند» . ففعل أبو هريرة، واختارت الحسين فتزوجها، ولمّا بلغه رغبة عبد الله بن عامر فيها، طلّقها وقال له:«نِعم المُحلل كنت لكما» . وفي اسناده يحيى بن عبد الله بن بشير الباهلي عن ابن المبارك وهو مجهول عند علماء الرجال.

(الصورة الثانية) في المصدر نفسه / ١٥٠ مسنداً عن الهذلي عن ابن سيرين: إن عبد الرحمن بن عناب بن اُسيد كان أبا عذرتها، طلقها وتزوجها عبد الله بن عامر بن كريز. وذكر كما في الصورة الاولى، إلا أنه أبدل الحسين بالحسنعليه‌السلام ، وأنه قال لعبد الله بن عامر بعد أن طلقها: «لا تجد مُحلّلاً خيراً لكما مني». وكانت هند تقول: سيدهم حسن. واسخاهم عبد الله. وأحبهم إليَّ عبد الرحمن. وفي تهذيب التهذيب ٢ / ٤٥: إن الهذلي هو أبو بكر، كذّاب عند ابن معين، ضعيف عند أبي زرعة، متروك الحديث عند النسائي. =

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437