مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)9%

مقتل الامام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-8163-70-7
الصفحات: 437

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243918 / تحميل: 10025
الحجم الحجم الحجم
مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٨١٦٣-٧٠-٧
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أفدي الاولى للعلى أسرى بهم ظعن

وراء حـادٍ مـن الأقـدار يزعجه

رَكْـبٌ عـلى جنة الماوى معرِّسه

لـكن عـلى محن البلوى معرِّجه

مِثل الحسين تضيق الأرض فيه فلا

يـدري إلى أيـن ماواه ومولجه

ويطلب الأمن بالبطحا وخوف بني

سـفيان يـقلقه مـنها ويـخرجه

وهـو الذي شَرُفَ البيت الحرام به

ولاح بـعد الـعمى لـلناس منهجه

يـا حـائراً لا وحاشا نور عزمته

بـمن سواك الهدى قد شع مسرجه

وواسـع الـحلم والدنيا تضيق به

سـواك ان ضاق خطب من يفرِّجه

ويـا مـليكاً رعـاياه عليه طغت

وبـالـخلافة بـاريه مـتوِّجه(١)

في مكّة

وفي مكّة كتب الحسينعليه‌السلام نسخة واحدة إلى رؤساء الأخماس بالبصرة وهم؛ مالك بن مسمع البكري(٢) ، والأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود(٣) ، ومسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، وعمرو بن عبيد بن معمر. وأرسله مع مولى له يقال له سليمان(٤) وفيه:«أمّا بعد، فإنَّ الله اصطفى محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله من خلقه وأكرمه بنبوّته واختاره لرسالته، ثمّ قبضه إليه، وقد نصح لعباده وبلّغ ما اُرسل به صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنّا أهله وأولياءه وورثته وأحقّ النّاس بمقامه في النّاس، فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممَّن تولاه، وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السُنَّة قد اُميتت والبدعة قد اُحييت، فإنْ

____________________________

(١) لحجّة الإسلام الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاءقدس‌سره .

(٢) في تاريخ الطبري ٦ / ٦٣ الطبعة الاُولى سنة ٣٨: كان مالك بن مسمع مائلاً إلى بني أمية وإليه لجأ مروان يوم الجمل.

(٣) في الاصابة ٣ / ٤٨٠: كان المنذر بن الجارود مع عليعليه‌السلام يوم الجمل، وأمّره على اصطخر، واُمّه اُمامة بنت النعمان، وولاه عبيد الله بن زياد الهند، فمات هناك سنة ٦١، وعند خليفة: ولاه السند فمات به سنة ٦٢.

وفي تاريخ الطبري ٧ / ١٨٣ الطبعة أولى سنة ٧١ﻫ: أنّ مصعب بن الزبير قال للحكم بن المنذر بن الجارود: كان الجارود علجا بجزيرة (ابن كاوان) فارسياً، فقطع إلى ساحل البحر فانتمى إلى عبد القيس، ولا والله ما أعرف حياً أكثر اشتمالا على سوأة منهم ثم انكح اخته المكعبر الفارسي فلم يصب شرفاً قط.

(٤) هذا في تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٠، وفي اللهوف ص ٢١: يكنّى أبا رزين، وفي مثير الأحزان ص ١٢: أرسله مع ذراع السدوسي.

١٤١

تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد» .

فسلّم المنذر بن الجارود العبدي رسولَ الحسين إلى ابن زياد فصلبه عشيّة الليلة التي خرج في صبيحتها إلى الكوفة؛ ليسبق الحسين إليها(١) . وكانت ابنة المنذر، بحرية زوجة ابن زياد فزعم أنْ يكون الرسول دسيساً من ابن زياد، فأمّا الأحنف فإنّه كتب إلى الحسينعليه‌السلام : أمّا بعد، فاصبر إنّ وعد الله حقّ ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون(٢) .

وأمّا يزيد بن مسعود(٣) فإنّه جمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد، فلمّا حضروا قال: يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم؟ قالوا: بخ بخ! أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر، حللت في الشرف وسطاً وتقدّمت فيه فرطاً، قال: فإنّي قد جمعتكم لأمر أريد أنْ اُشاوركم فيه وأستعين بكم عليه، فقالوا: إنّا والله نمنحك النصيحة، ونجد لك الرأي، فقل حتّى نسمع. فقال: إنّ معاوية مات فأهون به والله هالكاً ومفقوداً، إلا وأنّه قد انكسر باب الجَور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم، وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمراً ظنّ أنّه قد أحكمه، وهيهات الذي أراد اجتهد والله ففشل، وشاور فخذل، وقد قام يزيد - شارب الخمور ورأس الفجور - يدّعي الخلافة على المسلمين، ويتأمّر عليهم بغير رضىً منهم مع قصر حلم وقلّة علم، لا يعرف من الحقّ موطأ قدَمَيه، فاُقسم بالله قسماً مبروراً لجهاده على الدِّين أفضل من جهاد المشركين، وهذا الحسين بن علي وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف، وهو أولى بهذا الأمر؛ لسابقته وسنّه وقِدَمه وقَرابته، يعطف على الصغير ويُحسن إلى الكبير، فأكرم به راعي رعيّة وإمام قوم وجبت لله به الحُجّة، وبلغت به الموعظة، فلا تعشوا عن نور الحقّ، ولا تسكعوا في وهد الباطل، فقد كان

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٠.

(٢) مثير الاحزان / ١٣.

(٣) هذا في مثير الأحزان، وعند الطبري وابن الأثير: مسعود بن عمرو وقال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب / ٢١٨: كان عبّاد بن مسعود بن خالد بن مالك النهشلي سيداً، واُخته ليلى بنت مسعود تحت علي بن أبي طالب، ولدت له ابا بكر قُتل مع الحسين، وعبد الله كان مع مصعب بن الزبير في خروجه على المختار وقُتل يوم هزيمة أصحاب المختار، وذكرنا في (زيد الشهيد / ١٠١، الطبعة الثاني) نصوص المؤرّخين في قتله بالمذار من سواد البصرة، ولم يُعلم قاتله، وفي الخرايج للراوندي في معجزات عليعليه‌السلام : وُجِد مذبوحاً في فسطاطه، ولم يُعلم ذابحه.

١٤٢

صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصرته، والله لا يقصّر أحدكم عن نصرته، إلا أورثه الله تعالى الذلّ في ولده والقلّة في عشيرته، وها أنا ذا قد لبستُ للحرب لامتها وادرعتُ لها بدرعها، مَن لَمْ يُقتل يَمت، ومَن يهرب لَمْ يفت، فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب.

فقالت بنو حنظلة: يا أبا خالد، نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك، إنْ رميتَ بنا أصبتَ وإنْ غزوتَ بنا فتحتَ، لا تخوض والله غمرةً إلاّ خضناها، ولا تلقى والله شدّة إلاّ لقيناها، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت.

وتكلّمتْ بنو عامر بن تميم فقالوا: يا أبا خالد، نحن بنو أبيك وحلفاؤك، لا نرضى إنْ غضبتَ، ولا نبقى إن ظعنتَ، والأمر إليك فادعنا إذا شئت.

وقالت بنو سعد بن زيد: أبا خالد، إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج عن رأيك، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال يوم الجمل، فحمدنا ما أمرنا وبقى عزّنا فينا، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتيك برأينا. فقال لهم: لئن فعلتموها لا رفع الله السّيف عنكم أبداً، ولا زال سيفكم فيكم.

ثمّ كتب إلى الحسينعليه‌السلام : أمّا بعد، فقد وصل إليَّ كتابك، وفهمتُ ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظّي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك، وإنّ الله لمْ يخل الأرض قط من عامل عليها بخير ودليل على سبيل نجاة، وأنتم حُجّة الله على خلقه ووديعته في أرضه، تفرّعتم من زيتونة أحمديّة هو أصلها وأنتم فرعها، فأقدِم سعدتَ بأسعد طائر، فقد ذللتُ لك أعناق بني تميم، وتركتهم أشدّ تتابعاً في طاعتك من الإبل الظمّاء لورود الماء يوم خمسها، وقد ذللتُ لك رقاب بني سعد، وغسلتُ درن قلوبها بماء سحاب مزن حين استهلّ برقها فلمع.

فلمّا قرأ الحسينعليه‌السلام كتابه، قال:«مالك، آمنك الله من الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر» .

ولما تجهز ابن مسعود إلى المسير، بلغه قَتْل الحسينعليه‌السلام فاشتدّ جزعه، وكثر

١٤٣

أسفه لفوات الأُمنية من السّعادة بالشهادة(١) .

وكانت مارية ابنة سعد أو منقذ أيما، وهي من الشيعة المخلصين، ودارها مألف لهم يتحدّثون فيه فضل أهل البيت، فقال يزيد بن نبيط وهو من عبد القيس لأولاده - وهم عشرة -: أيّكم يخرج معي؟ فانتدب منهم اثنان عبد الله وعبيد الله. وقال له أصحابه - في بيت تلك المرأة -: نخاف عليك أصحاب ابن زياد، قال: والله لو استوت اخفافها بالجدد لهان عليّ طلب من طلبني(٢) ، وصحبه مولاه عامر وسيف بن مالك والأدهم بن اّميّة(٣) فوافوا الحسين بمكّة، وضمّوا رحالهم إلى رحله حتّى وردوا كربلا، وقُتلوا معه.

كتب الكوفيّين

وفي مكّة وافته كتب أهل الكوفة من الرجل والاثنين والثلاثة والأربعة، يسألونه القدوم عليهم؛ لأنّهم بغير إمام، ولم يجتمعوا مع النّعمان بن بشير في جمعة ولا جماعة، وتكاثرت عليه الكتب حتّى ورد عليه في يوم واحد ستمئة كتاب، واجتمع عنده من نوب متفرّقة إثنا عشر ألف كتاب وفي كلّ ذلك يشددون الطلب وهو لا يجيبهم. وآخر كتاب ورد عليه من شبث بن ربعي، وحجّار بن أبجر، ويزيد بن الحارث(٤) ، وعزرة بن قيس، وعمرو بن الحجّاج، ومحمد بن عُمَير ابن عطارد وفيه: إنّ النّاس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل يابن رسول الله فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار. فأقدم إذا شئت، فإنّما تقدم على جند لك مجنّدة(٥) .

بعثت بزور الكتب سر واقدم إلى

نحو العراق بمكرها ودهاتها

____________________________

(١) مثير الأحزان ص ١٣ واللهوف ص ٢١.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ١٩٨.

(٣) ذخيرة الدارين ص ٢٢٤.

(٤) في أنساب الاشراف للبلاذري ٥ / ٣٣٨: كان حوشب بن يزيد بن رويم يتبارى في اطعام الطعام مع عكرمة بن ربعي احد بني تيم الله بن ثعلبة فقال مصعب: دعوهما ينفقا من خيانتهما وفجورهما.

(٥) إبن نماص ص ١١. وذكر الخوارزمي ١ / ١٩٣ وما بعدها الفصل العاشر، تفصيل اجتماع الكوفيين وكتبهم إلى الحسين.

١٤٤

هـذي الـخلافة لا ولـيٌّ لها ولا

كـفؤ وإنّـك مـن خـياركفاتها

فـأتى يـزجُّ الـيعملات بـمعشر

كـالأسد والاشـطان مـنغاباتها

وحـصان ذيـل كـالأهلة اوجهاً

بـسـنائها وبـهـائها وصـفاتها

مـا زال يـخترق الفلا حتّى أتى

أرض الطفوف وحلَّ في عرصاتها

وإذا بـه وقـف الـجواد فقاليا

قـوم اخبروني عن صدوق رواتها

ما الأرض قالوا ذي معالم كربلا

مـا بـال طرفك حادَ عن طرقاتها

قـال انـزلوا فالحكم في أجداثنا

ان لا تـشق سـوى على جنباتها

حـطَّ الرحال وقال يصلح عضبه

الـماضي لقطع البيض في قمّاتها

بـينا يـجيل الطرف إذ دارت به

زمـر يـلوح الـغدر من راياتها

مـا خـلت أنَّ بـدور تـم بالعرا

تمسي (بنو الزرقاء) من هالاتها(١)

جواب الحسين

ولما اجتمع عند الحسين ما ملأ خرجين، كتب إليهم كتاباً واحداً دفعه إلى هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي وكانا آخر الرُسُل، وصورته:«بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين أمّا بعد، فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليَّ بكتبكم - وكانا آخر مَن قدِم عليَّ من رُسُلكم - وقد فهمتُ كلّ الذي قصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم أنّه ليس علينا إمام فأقبِل لعلَّ الله يجمعنا بك على الهدى والحقّ، وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي، وأمرته أنْ يكتب إليَّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإنْ كتب أنّه قد اجتمع رأي ملأكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قَدِمت عليَّ به رُسُلكم وقرأتُ في كتبكم، أقدِم عليكم وشيكاً إنْ شاء الله، فلعَمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحقّ والحابس نفسَه على ذات الله، والسّلام» (٢) .

ثمّ دفع الكتاب إلى مسلم بن عقيل، وقال له:«إنّي موجّهك إلى أهل الكوفة، وسيقضي الله من أمرك ما يُحبّ ويرضى، وأنا أرجو أنْ أكون أنا وأنت في

____________________________

(١) من قصيدة في الحسين للشيخ محمّد بن اسماعيل البغدادي الحلّي، الشهير بابن الخلفة، المتوفى سنة ١٢٤٧ (شعراء الحلة ٥ / ١٧٤).

(٢) الطبري ٦ / ١٩٨، والأخبار الطوال / ٢٣٨.

١٤٥

درجة الشهداء فامضِ ببركة الله وعونه، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها» (١) .

سفر مسلم

وبعث مع مسلم بن عقيلعليه‌السلام قيس بن مسهّر الصيداوي، وعمارة بن عبد الله السلولي، وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي وأمره بتقوى الله والنظر فيما اجتمع عليه أهل الكوفة، فإن رأى النّاس مجتمعين مستوثقين عجّل إليه بكتاب(٢) .

فخرج مسلم من مكّة للنصف من شهر رمضان(٣) على طريق المدينة، فدخلها وصلّى في مسجد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وودّع أهله(٤) ، ثمّ استأجر رجليَن من قيس ليدلاّه على الطريق، فضلاّ ذات ليلة وأصبحا تائهين، وقد اشتدّ بهما العطش والحَر، فقالا لمسلمعليه‌السلام - وقد بان لهما سنن الطريق -: عليك بهذا السّمت فالزمه لعلّك تنجو، فتركهما ومضى على الوصف ومات الدليلان عطشاً(٥) ، ولم يسعه حملهما؛ لأنّهما على وشك الهلاك، وغاية ما وضح للدليلَين العلائم المفضية إلى الطريق، لا الطريق نفسه. ولَم تكن المسافة بينهم وبين الماء معلومة، وليس لهما طاقة على الركوب بأنفسهما ولا مردفين مع آخر، وبقاء مسلمعليه‌السلام معهما إلى منتهى الأمر يفضي إلى هلاكه ومَن معه، فكان الواجب الأهم التحفّظ على النّفوس المحترمة بالمسير لإدراك الماء؛ فلذلك تركهما في المكان.

ونجا مسلم ومن معه من خدمه بحشاشة الأنفس حتّى أفضوا إلى الطريق و وردوا الماء فأقام فيه.

وكتب إلى الحسينعليه‌السلام مع رسول استأجره من أهل ذلك الماء يخبره بموت الدليلَين وما لاقاه من الجهد وإنّه مقيم بمنزله، وهو المضيق من بطن الخبت حتّى يعرف ما عنده من الرأي، فسار الرسول ووافى الحسين بمكّة وأعطاه الكتاب.

____________________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ١٩٦، الفصل العاشر.

(٢) إرشاد المفيد.

(٣) مروج الذهب ٢ / ٨٦.

(٤) الطبري ٦ / ١٩٨.

(٥) الأخبار الطوال / ٢٣٢.

١٤٦

فكتب الحسينعليه‌السلام يأمره بالمسير إلى الكوفة ولا يتأخر.

ولما قرأ مسلم الكتاب سار من وقته، ومر بماء لطي فنزل عليه ثم ارتحل، فإذا رجل يرمي ظبياً حين أشرف له فصرعه، فتفأل بقتل عدوّه(١) .

دخول الكوفة

ولخمس خلون من شوّال دخل الكوفة(٢) ، فنزل دار المختار بن أبي عبيد الثقفي(٣) ، وكان شريفاً في قومه، كريماً عالي الهمّة مقداماً مجرّباً قويّ النّفس، شديداً على أعداء أهل البيتعليهم‌السلام ، له عقل وافر ورأي مصيب، خصوصاً بقواعد الحرب والغلبة على العدوّ، كأنّه مارس التجارب فحنكته، أو لابس الخطوب فهذّبته، انقطع إلى آل الرسول الأقدس فاستفاد منهم أدباً جمّاً وأخلاقاً فاضلة، وناصح لهم في السِّر والعلانية.

البيعة

ووافت الشيعة مسلماً في دار المختار بالترحيب وأظهروا له من الطاعة والانقياد ما زاد في سروره وابتهاجه، فعندما قرأ عليهم كتاب الحسين، قام عابس ابن شبيب الشاكري وقال: إنّي لا أخبرك عن النّاس، ولا أعلم ما في نفوسهم، ولا أغرّك بهم، والله إنّي اُحدّثك عمّا أنا موطّن عليه نفسي، والله لأجيبنّكم إذا دعوتم، ولاُقاتلنَّ معكم عدوّكم، ولأضربنَّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله لا اُريد بذلك إلاّ ما عند الله.

وقال حبيب بن مظاهر: قد قضيتَ ما في نفسك بواجز من قولك، وأنا والله الذي لا إله إلاّ هو، على مثل ما أنت عليه.

وقال سعيد بن عبد الله الحنفي مثل قولهما(٤) .

____________________________

(١) ارشاد المفيد.

(٢) مروج الذهب ٢ / ٨٦.

(٣) الطبري ٦ / ١٩٩.

(٤) الطبري ٦ / ١٩٩.

١٤٧

وأقبلت الشيعة يبايعونه حتّى أحصى ديوانه ثمانية عشر ألفاً(١) ، وقيل بلغ خمساً وعشرين ألفاً(٢) ، وفي حديث الشعبي بلغ مَن بايعه أربعين ألفاً(٣) ، فكتب مسلم إلى الحسين مع عابس بن شبيب الشاكري، يخبره باجتماع أهل الكوفة على طاعته وانتظارهم لقدومه وفيه يقول: الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي(٤) .

وكان ذلك قبل مقتل مسلم بسبع وعشرين ليلة(٥) ، وانظم إليه كتاب أهل الكوفة وفيه: عجّل القدوم يابن رسول الله، فانّ لك بالكوفة مئة ألف سيف فلا تتأخر(٦) .

فساء هذا جماعة ممَّن لهم هوى في بني اُميّة منهم؛ عمر بن سعد بن أبي وقّاص، وعبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي، وعمارة بن عقبة بن أبي معيط، فكتبوا إلى يزيد يخبرونه بقدوم مسلم بن عقيل وإقبال أهل الكوفة عليه وأنّ النّعمان بن بشير لا طاقة له على المقاومة(٧) .

فأرسل يزيد على سرجون(٨) مولاه يستشيره - وكان كاتبه وأنيسه - فقال سرجون: عليك بعبيد الله بن زياد، قال: إنّه لا خير عنده، فقال سرجون: لو كان معاوية حيّاً وأشار عليك به أكنت توليه؟ قال: نعم، فقال: هذا عهد معاوية إليه بخاتمه ولم يمنعني أنْ أعلمك به إلا معرفتي ببغضك له، فانفذه إليه. وعزل النّعمان بن بشير، وكتب إليه: أمّا بعد فإنّ الممدوح مسبوب يوماً، وإنّ المسبوب يوما ممدوح، وقد سمي بك إلى غاية أنت فيها كما قال الأول.

____________________________

(١) تذكرة الخواص / ١٣٨، وتاريخ الطبري ٦ / ٢١١.

(٢) ابن شهرآشوب ٢ / ٣١٠.

(٣) ابن نما / ١١.

(٤) الطبري ٦ / ٢١٠.

(٥) الطبري ٦ / ٢٢٤.

(٦) البحار ١٠ / ١٨٥.

(٧) تاريخ الطبري ٦ / ٩٩ إلى ٢٠١.

(٨) في الإسلام والحضارة العربية ٢ / ١٥٨، لمحمد كرد علي: كان سرجون بن منصور من نصارى الشام، استخدمه معاوية في مصالح الدولة، وكان أبوه منصور على المال في الشام من عهد هرقل قبل الفتح، ساعد المسلمين على قتال الروم ومنصور بن سرجون بن منصور: كانت له خدمة في الدولة كأبيه، وكان عمر بن الخطاب يمنع من خدمة النصارى إلاّ إذا أسلموا.

١٤٨

رُفِعتَ وجاوزتَ السَّحاب وفوقه

فمالَكَ الا مرقبُ الشمسِ مَقعَدُ(١)

وأمره بالاستعجال على الشخوص إلى الكوفة؛ ليطلب ابن عقيل فيوثقه أو يقتله أو ينفيه(٢) .

فتعجّل ابن زياد المسير إلى الكوفة مع مسلم بن عمرو الباهلي والمنذر بن الجارود وشريك الحارثي وعبد الله بن الحارث بن نوفل في خمسمئة رجل انتخبهم من أهل البصرة، فجدّ في السير وكان لا يلوي على أحد يسقط من أصحابه حتّى أنّ شريك بن الأعور سقط أثناء الطريق، وسقط عبد الله بن الحارث؛ رجاء أنْ يتأخّر ابن زياد من أجلهم فلَم يلتفت ابن زياد إليهم؛ مخافة أنْ يسبقه الحسين إلى الكوفة. ولمّا ورد القادسيّة سقط مولاه مهران فقال له ابن زياد: إنْ أمسكت على هذا الحال فتنظر القصر فلك مئة ألف، فقال: والله لا أستطيع، فتركه عبيد الله ولبس ثياباً يمانيّة وعمامة سوداء وانحدر وحده، وكلّما مرّ بالمحارس ظنّوا أنّه الحسينعليه‌السلام فقالوا: مرحباً بابن رسول الله، وهو ساكت، فدخل الكوفة ممّا يلي النّجف(٣) .

واستقبله النّاس بهتاف واحد: مرحباً بابن رسول الله، فساءه هذا الحال وانتهى إلى قصر الامارة، فلم يفتح النّعمان باب القصر، وأشرف عليه من أعلى القصر يقول: ما أنا بمؤد إليك أمانتي يابن رسول الله، فقال له ابن زياد(٤) : افتح

____________________________

(١) أنساب الاشراف للبلاذري ٤ / ٨٢.

(٢) الطبري ٦ / ١٩٩.

(٣) مثير الأحزان لابن نما الحلّي.

(٤) لم ينص المؤرخون على ولادة ابن زياد على التحقيق، وما ذكروه منه لا يصح، ومنه يصح على وجه التقريب والظن؛ فالأول ما يحكيه ابن كثير في البداية ٨ / ٢٨٣: عن ابن عساكر عن أحمد بن يونس الضبي أن مولد عبيد الله بن زياد سنة تسع وثلاثين، فيكون له يوم الطفّ أواخر سنة (٦٠ هـ) إحدى وعشرون سنة، وله يوم موت أبيه زياد الواقع سنة (٥٣ ﻫـ) أربع عشرة سنة... وهذا لا يتّفق مع ما ذكره ابن جرير في التاريخ ٦ / ١٦٦: أنّ معاوية ولّى عبيد الله بن زياد خراسان سنة (٥٣ ﻫـ) فإنّه يبعد أن يتولّى ابن أربع عشرة سنة بلداً كبيراً مثل خراسان، وما ذكره ابن جرير يكون له وجه على الظن فإنه في ٦ / ١٦٦ من تاريخه يقول: في سنة (٥٣ ﻫـ) ولّى معاوية عبيد الله بن زياد خراسان وله خمس وعشرون سنة؛ وعليه تكون ولادته سنة (٢٨ هـ) وله يوم الطفّ اثنتان وثلاثون سنة، وما ذكره يتّفق مع ما حكاه ابن كثير في البداية ٨ /٢٨٣: عن الفضل بن ركين إنّ لعبيد الله بن زياد يوم قتل الحسين ٢٨ سنة؛ وعليه تكون ولادته سنة (٣٢ﻫـ) ويوم موت زياد الواقع في سنة (٥٣ﻫـ) له إحدى وعشرون سنة.

وذكر ابن حجر في (تعجيل المنفعة / ٢٧١ طبعة حيدر آباد): أنّ عبيد الله بن زياد ولد سنة ٣٢ (أو سنة ٣٣ هـ) فيكون له يوم الطفّ الواقع أول عام (٦١ﻫـ) سبع وعشرون سنة أو ثمان وعشرون سنة. =

١٤٩

فقد طال ليلك! فسمعها رجل وعرفه، فقال للناس: انه ابن زياد وربّ الكعبة(١) .

فتفرّقوا إلى منازلهم، وعند الصباح جمع ابن زياد النّاس في الجامع الأعظم، وخطبهم وحذّرهم ومنّاهم العطيّة وقال: أيّما عريف وُجَد عنده أحد من بغية أمير المؤمنين ولَم يرفعه إلينا، صُلِب على باب داره(٢) .

____________________________

= وعلى كلّ، كانت اُمّه مرجانة مجوسيّة، وعند ابن كثير في البداية ٨ / ٣٨٣، وعند العيني في (عمدة القاري شرح البخاري ٧ / ٦٥٦ كتاب الفضائل في مناقب الحسنين): أنّها سبيّة من اصفهان وقيل مجوسيّة.

وفي تاريخ الطبري ٧ / ٦: قالت مرجانة - لمّا قُتل الحسين - لعبيد الله: ويلك! ماذا صنعت؟ وماذا ركبت؟.

وفي كامل ابن الاثير ٤ / ١٠٣ في مقتل ابن زياد، قالت مرجانة لعبيد الله: يا خبيث، قتلت ابن رسول الله؟! والله لا ترى الجنة أبداً.

وفي سِير أعلام النبلاء للذهبي ٣ / ٣٥٩ قالت له اُمّه مرجانة: قَتلتَ ابن رسول الله! لا ترى الجنة، ونحو هذا.

ويذكر بعض المؤرخين أنّها قالت له: وددتُ أنّك حيظة ولم تأت إلى الحسين ما أتيت.

وفي تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٨، وكامل ابن الاثير ٤ / ٣٤ عليه مروج الذهب قال له أخوه عثمان: وددتُ في أنف كلّ رجل من بني زياد خزامة إلى يوم القيامة وأنّ الحسين لم يُقتل، فلم يرد عليه عبيد الله، وكيف يرد عليه؟! وقد شاهد حيطان قصر الامارة تسيل دماً حينما اُدخل الرأس المقدّس عليه، كما في الصواعق المحرقة / ١١٦، وتاريخ ابن عساكر ٤ / ٣٣٩.

وفي أنساب الاشراف للبلاذري ٤ / ٧٧: كان عبيد الله بن زياد جميلاً أرقطاً. وفي صفحة ٨١: كان مملواً شرّاً، وهو أول من وضع المثالب؛ ليعارض بها النّاس بمثل ما يقولون فيه. وفي صفحة ٨٦: كان أكولاً لا يشبع، يأكل في اليوم أكثر من خمسين أكلة.

وفي المعارف لابن قتيبة / ٢٥٦: كان طويلاً جدّاً لا يرى ماشياً إلاّ ظنوه راكباً.

وفي البيان والتبيين للجاحظ ١ / ٧٥ الطبعة الثانية: كان ألكناً، يقلب الحاء هاءً قال لهارون بن قبيصة: (اهروري) يريد (احروري)، ويقلب القاف كافاً يقول (كلت له) يريد (قلت له)، وفيه ٢ / ١٦٧: جاءته اللكنة من الأساورة؛ فإنّ زياداً تزوّج (مرجانة) من شيرويه الاسواري، وكان عبيد الله معها فنشأ بين الأساورة؛ تغلّبت عليه لغتهم

وفي أنساب الأشراف ٥ / ٨٤: كان ابن زياد إذا غضب على أحد، ألقاه من فوق قصر الامارة واطمار كل مرتفع وفي صفحة ٨٢: تزوّج عبيد الله هنداً بنت أسماء بن خارجة، فعاب عليه محمّد بن عمير بن عطارد ومحمد بن الاشعث وعمرو بن حريث، فتزوّج عبيد الله اُمّ النعمان بنت محمّد بن الاشعث، وزوّج أخاه عثمان ابنة عمير بن عطارد، وزوّج أخاه عبد الله ابنة عمرو بن حريث.

وفي النقود القديمة الإسلامية للتبريزي / ٥٠، ضمن مجموعة النقود العربية، جمع انستاس الكرملي: أنّ أول من غشّ الدراهم وضربها زيوفاً عبيد الله بن زياد، حين فرّ من البصرة سنة (٦٤ﻫـ) ثمّ فشت بالأمصار. ومثله جاء في إغاثة الاُمّة بكشف الغمّة للمقريزي / ٦١، والنقود الإسلامية القديمة للمقريزي / ٥٠، وفي مآثر الاناقة للقلقشندي ١ / ١٨٥: في خلافة المهدي انه ردّ نسب زياد بن أبيه إلى عبيد الله الرومي.

(١) الطبري ج٦ ص٢٠١.

(٢) الارشاد.

١٥٠

موقف مسلم

ولمّا بلغ مسلم بن عقيل خطبة ابن زياد ووعيده وظهر له حال النّاس، خاف أنْ يؤخذ غيلةً، فخرج من دار المختار بعد العتمة إلى دار هاني بن عروة المذحجي، وكان شديد التشيع(١) ، ومن أشراف الكوفة(٢) ، وقرّائها(٣) ، وشيخ مراد وزعيمها، يركب في أربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل، فإذا تلاها أحلافها من كندة ركب في ثلاثين ألفاً(٤) ، وكان من خواصّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(٥) ، حضر حروبه الثلاثة(٦) ، وأدرك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتشرّف بصحبته، وكان له يوم قتله بضع وتسعون سنة(٧) .

ونزل مع مسلم بن عقيل شريك(٨) بن عبد الله(٩) الأعور الحارثي

____________________________

(١) كامل ابن الاثير ٤ / ١٠.

(٢) الأخبار الطوال / ٢٣٥.

(٣) الأغاني ١٤ / ٩٥.

(٤) مروج الذهب ٢ / ٨٩.

(٥) الاصابة ٣ / ٦١٦ القسم الثالث.

(٦) ذخيرة الدارين / ٢٧٨، وفي كامل ابن الأثير ٤ / ١٠: حارب في صفين مع عمار بن ياسر.

(٧) الاصابة ٣ / ٦١٦ القسم الثالث.

(٨) الاصابة ٣ / ٦١٦ القسم الثالث.

(٩) مقتل الخوارزمي ١ / ٢٠١: لقد اشتبه الأمر على الحجة السيد الامين في التعريف عن شريك (بالهمداني)، والذي أوقعه في الاشتباه كلّ من؛ الخوارزمي في مقتل الحسين، وابن نما في مثير الأحزان، مع ما ذكره ابن جرير في الذيل على تاريخه الملحق بالجزء الثاني عشر من تاريخ الاُمم والملوك. فإنّ سلسلة النسب المذكورة لشريك هي للحارث بن الأعور صاحب أمير المؤمنين؛ ومنشأ الاشتباه قول المؤرخين (شريك بن الأعور الحارثي)، وذهب عليهم أنّ شريكاً مذحجي والحارث الأعور همداني.

وممَّن نصّ على مذحجية شريك ابن دريد في الاشتقاق / ٤٠١، فإنّه قال: من رجال عبد المدان بن الحارث، شريك بن الأعور الذي خاطب معاوية فقال:

أيشتمني معاوية بن حرب

وسيفي صارم ومعي لساني

وفي صفحة ٣٩٧ وما بعدها: رجال سعد العشيرة يسمّون مذحجاً، وهو مالك بن أدد، ومن رجالهم عبد المدان، وبيت عبد المدان أحد بيوتات العرب الثلاثة؛ بيت زرارة بن عدس في بني تميم، وبيت خذيفة بن بدر في فزارة، وبيت عبد المدان في بني الحارث، ومن رجالهم شريك بن الأعور الذي خاطب معاوية وله معه حديث.

والمحاورة التي جرت بين معاوية وشريك ذكرها الهمداني في (الاكليل ٢ / ٢٢٩ طبعة مصر سنة ١٣٨٦ﻫـ)، وذكر فيها أربعة أبيات لشريك.

وذكرها الابشيهي في (المستطرف ١ / ٥٥ الباب الثامن) في الأجوبة المسكتة، وذكر ثلاثة أبيات.

وذكرها ابن حجة في (ثمرات الأوراق) على هامش المستطرف ١ / ٤٥، وذكر الأجوبة الهاشمية ولم يذكر الشعر، وذكر ستة أبيات فقط في (الحماسة البصرية ١ / ٧٠).

١٥١

الهمداني البصري، وكان من كبار شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام بالبصرة، جليل القدر في أصحابنا(١) ، شهد صفّين وقاتل مع عمار بن ياسر(٢) . ولشرفه وجاهه ولاّه عبيد الله بن زياد من قِبَل معاوية كرمان(٣) ، وكانت له مواصلة وصحبة مع هاني ابن عروة.

فمرض مرضاً شديداً عاده فيه ابن زياد، وقبل مجيئه قال شريك لمسلمعليه‌السلام : إنّ غايتك وغاية شيعتك هلاكه، فأقم في الخزانة حتّى إذا اطمأنّ عندي، اخرج إليه واقتله، وأنا أكفيك أمره بالكوفة مع العافية(٤) .

وبينا هم على هذا إذ قيل الأمير على الباب، فدخل مسلم الخزانة ودخل عبيد الله على شريك، ولما استبطأ شريك خروج مسلم، جعل يأخذ عمامته من على رأسه ويضعها على الأرض ثمّ يضعها على رأسه فعل ذلك مراراً، ونادى بصوت عال - يسمع مسلماً -:

مـا تنظرون بسلمى لا تحيوها

حيوا سليمى وحيوا من يحييها

هل شربة عذبة أسقى على ظمأ

ولـو تلفت وكانت منيتي فيها

وان تخشيت من سلمى مراقبة

فـلست تأمن يوماً من دواهيها

ولم يزل يكرّره وعينه رامقة إلى الخزانة، ثمّ صاح بصوت رفيع - يسمع مسلماً -: اسقونيها ولو كان فيها حتفي(٥) . فالتفت عبيد الله إلى هاني وقال: ابن عمّك يخلط في علّته، فقال هاني: إن شريكاً يهجر منذ وقع في علّته، وانه ليتكلّم بما لا يعلم(٦) .

فقال شريك لمسلم: ما منعك منه؟ قال خلتان؛ الاُولى: حديث عليعليه‌السلام عن

____________________________

= وفي مادة (عوى) من تاج العروس الاشارة إلى هذه المحاورة.

وفي (ربيع الابرار) للزمخشري باب الأجوبة المسكتة ذكر المحاورة وأبياتاً أربعة.

وممّا يستأنس لمذحجيته، نزوله بالكوفة في [ بيت ] هاني بن عروة؛ فإنّه من عشيرته ولحمته، ولو كان ابن الحارث همدانياً لنزل في بيت والده، مات الحارث الهمداني سنة (٦٥ﻫـ).

(١) ابن نما / ١٤.

(٢) الطبري ٦ / ٢٠٣.

(٣) النجوم الزاهرة ١ / ١٥٣، وكامل ابن الأثير ٣ / ٢٠٦، والأغاني ١٧ / ٦٠ و ٦٤ و ٧٠ طبعة ساسي.

(٤) ابن نما / ١٤.

(٥) رياض المصائب / ٦٠، وفي تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٤: كان شريك يقول: ما تنظرون بسلمى لا تحيوها، اسقونيها ولو كان فيها حتفي.

(٦) ابن نما / ١٤.

١٥٢

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :«إنّ الإيمان قيد الفتك، فلا يفتك مؤمن» (١) .

والثانية: امرأة هاني، فإنّها تعلّقت بي وأقسمت عليَّ بالله أنْ لا أفعل هذا في دارها، وبكت في وجهي فقال هاني: يا ويلها! قتلتني وقتلت نفسها، والذي فرّت منه وقعت فيه(٢) .

ولبث شريك بعد ذلك ثلاثة أيام ومات فصلّى عليه ابن زياد(٣) ، ودفن بالثوبة، ولمّا وضح لابن زياد أنّ شريكاً كان يحرّض على قتله، قال: والله لا اُصلّي على جنازة عراقي أبداً ولولا أنّ قبر زياد فيهم لنبشتُ شريكاً(٤) .

وأخذت اليشعة تختلف إلى مسلم بن عقيل في دار هاني على تستّر واستخفاء من ابن زياد وتواصوا بالكتمان؛ فخفي على ابن زياد موضع مسلم، فدعا معقلاً مولاه، وأعطاه ثلاثة آلاف، وأمره أنْ يلقى الشيعة ويعرّفهم أنّه من أهل الشام مولى لذي الكلاع، وقد أنعم الله عليه بحبِّ أهل بيت رسوله، وبلغه قدوم رجل منهم إلى هذا المصر داعيةً للحسين، وعنده مال يريد أن يلقاه ويوصله

____________________________

(١) ابن الأثير ٤ / ١١، وتاريخ الطبري ٦ / ٢٤٠، وقد تكرر ذكر الحديث في الجوامع، ففي مسند أحمد ١ / ١٦٦، ومنتخب كنز العمّال بهامشه ١ / ٥٧، والجامع الصغير للسيوطي ٤ / ١٢٣، وكنوز الحقايق بهامشه ١ / ٩٥، ومستدرك الحاكم ٤ / ٣٥٢، ومقتل الخوارزمي ١ / ٢٠٢ الفصل العاشر، ومناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٣١٨، والبحار الجزء الحادي عشر في معاجز الصادقعليه‌السلام ، و وقايع الأيام عن الشهاب في الحكم والآداب.

(٢) ابن نما / ١٤: وهذه الكلمة من عالم أهل البيت وخليفة سيّد الشهداء في الأمور الدينية والمدنية تفيد الملأ الديني المقتفي آثارهم فقهاً بشريعة الرسول الأقدس المانعة من الغدر، وأنّ النفوس الطاهرة تأبى للضيف أنْ يدخل بمَن استضافهم ما يكرهون وهذه تعاليم مقدّسة للاُمّة لو كانوا يفقهون. وهناك سرّ دقيق ومغزى آخر نظر إليه (شهيد القصر) لمسناه جوهرة فريدة من قول عمّه أمير المؤمنين في جواب مَن قال له: ألا تقتل ابن ملجم؟ فقالعليه‌السلام :«إذن فمَن يقتلني؟»، ومن قول الحسين لاُمّ سلمة:«إذا لم أمض إلى كربلا فمن يقتلني؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي؟ وبماذا يختبرون؟!»، فإنّ مفاد ذلك عدم قدرة أحد على تغيير المقادير الإلهية المحتّمة، وقد أجرى الله القضاء بشهادة أمير المؤمنين والحسين على يد ابن ملجم ويزيد.

وإذا كان من الجائز أن يطلع أمير المؤمنين الخواص من أصحابه كميثم وحبيب ورشيد وكميل على كيفية قتلهم وعلى يد مَن يكون، فمن القريب جداً أنْ يوقف سيّد الشهداءعليه‌السلام مسمل بن عقيل على ما يجري عليه حرفاً حرفاً؛ لأنّ ابن عقيل في السنام الأعلى من اليقين والبصيرة النافذة، ولكنّ الظرف لم يساعده على إظهار هذه الأسرار، فإنّ سرّ آل محمّد مستصعب، فأخذ يجمل في البيان، وعليك بمراجعة كتابنا (الشهيد مسلم / ١٣٤) فقد تبسّطنا في إيضاح ذلك تحت عنوان (مسلم لا يغدر).

(٣) مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ٢٠٢ الفصل العاشر، وتاريخ الطبري ٦ / ٢٠٢.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٢.

١٥٣

إليه، فدخل معقل الجامع الأعظم ورأى مسلم بن عوسجة الأسدي يصلّي، فلمّا فرغ دنا منه وقصّ عليه حاله، فدعا له مسلم بالخير والتوفيق، وأدخله على ابن عقيل، فدفع إليه المال وبايعه(١) وسلّمه إلى أبي ثمامة الصائدي، وكان بصيراً شجاعاً ومن وجوه الشيعة عيّنه مسلم لقبض ما يرد عليه من الأموال؛ ليشتري به سلاحاً.

فكان ذلك الرجل يختلف إلى مسلم كلّ يوم فلا يُحجب عنه ويتعرّف الأخبار، ويرفعها إلى ابن زياد عند المساء(٢) .

موقف هاني

ولما وضح الأمر لابن زياد وعرف أنّ مسلماً مختبئ في دار هاني بن عروة، دعا أسماء بن خارجة ومحمد بن الأشعث وعمرو بن الحَجّاج وسألهم عن انقطاع هاني عنه، قالوا: الشكوى تمنعه، فلم يقتنع ابن زياد بعد أن أخبرته العيون بجلوسه على باب داره كلّ عشيّة، فركب هؤلاء الجماعة إليه وسألوه المسير إلى السّلطان فإنّ الجفاء لا يحتمله وألحّوا عليه، فركب بغلته، ولمّا طلع عليه قال ابن زياد: أتتك بخائن رجلاه(٣) ، والتفت إلى شريح القاضي وقال(٤) :

اُريد حباءه ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

____________________________

(١) الأخبار الطوال / ٢٣٧.

(٢) الارشاد للمفيد.

(٣) في مجمع الأمثال للميداني ١ / ١٩: قاله الحارث بن جبلة الغساني لمّا ظفر بالحرث بن عفيف العبدي حين هجاه.

(٤) في الاصابة ٢ / ٢٧٤ (بترجمة قيس بن المكشوح): إنّ البيت لعمرو بن معد يكرب من أبيات قالها في ابن اُخته وكانا متباعدين.

وفي الأغاني ١٤ / ٣٢: إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام تمثل به لمّا دخل عليه ابن ملجم المرادي يبايعه.

وفي تاريخ اليعقوبي ٣ / ٩٧ المطبة الحيدرية بالنجف: أنّ أبا العبّاس السفاح بلغه تحرك محمّد بن عبد الله بالمدينة، فكتب إلى أبيه عبد الله بذلك وكتب في الكتاب.

اُريد حباءه ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

فكتب إليه عبد الله:

و

كـيف يريد ذاك وأنت منه

بـمنزلة الـنياط من الفؤاد

وكـيف يريد ذاك وأنت منه

وزندك حين يقدح من زنادي

وكـيف يريد ذاك وأنت منه

وأنـت لـهاشم رأس وهاد

١٥٤

ثمّ التفت إلى هاني وقال: أتيت بابن عقيل إلى دارك، وجمعت له السّلاح؟! فأنكر عليه هاني وإذ كثر الجدال، دعا ابن زياد معقلاً، ففهم هاني أنّ الخبر أتاه من جهته، فقال لابن زياد: إنَّ لأبيك عندي بلاءً حسناً وأنا اُحبّ مكافأته، فهل لك في خير؟ تمضي أنت وأهل بيتك إلى الشام سالمين بأموالكم؛ فإنّه جاء مَن هو أحقّ بالأمر منك ومن صاحبك(١) ، فقال ابن زياد: وتحت الرغوة اللبن الصريح(٢) .

فقال ابن زياد: والله لا تفارقني حتّى تأتيني به، قال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه، فأغلظ له ابن زياد وهدّده بالقتل فقال هاني: إذاً تكثر البارقة حولك، وهو يظنّ أنّ مراداً تمعنه، فأخذ ابن زياد بظفيرتيه وقنع وجهه بالسّيف حتّى كسر أنفه ونثر لحم خدّيه وجبينه على لحيته وحبسه عنده(٣) .

وبلغ عمرو بن الحَجّاج أنّ هانياً قُتِل - وكانت اُخته روعة تحت هاني، وهي اُمّ يحيى بن هاني - فأقبل في جمع من مذحج، وأحاط بالقصر فلمّا علم به ابن زياد، أمر شريح القاضي(٤) أن يدخل على هاني ويعلمهم بحياته، قال شريح: لمّا رآني هاني صاح بصوت رفيع: يا للمسلمين! إنْ دخل عليَّ عشرة أنقذوني. فلو لَم يكن معي حميد بن أبي بكر الأحمري وهو شرطي، لأبلغتُ أصحابه مقالته ولكن قلتُ: إنّه حيّ، فحمد الله عمرو بن الحَجّاج وانصرف بقومه(٥) .

نهضة مسلم

ولما بلغ مسلماً خبر هاني، خاف أن يؤخذ غيلةً فتعجّل الخروج قبل الأجل الذي بينه وبين النّاس، وأمر عبد الله بن حازم أنْ ينادي في أصحابه، وقد ملأ بهم

____________________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٨٨.

(٢) المستقصى للزمخشري ١ / ١٥ ط حيدر آباد.

(٣) مثير الأحزان لابن نما.

(٤) ذكر خليفة بن عمرو في كتاب الطبقات ١ / ٣٣٠ رقم ١٠٣٧: إنّه من (الأبناء) الذين باليمن وعداده في كندة، مات سنة (٧٦ﻫ).

وفي التعليق على الطبقات لسهيل زكار ١٦ / ١ قال: الأبناء، هم ولد الفرس الذين أتوا مع سيف بن ذي يزن لمساعدته على طرد الأحباش، والأبناء في اليمن يشكّلون طبقة خاصّة فان آباءهم فرس واُمهاتهم عربيات.

(٥) الطبري ٦ / ٢٠٦: وعند ابن نما وابن طاووس اسمها رويحة بنت عمرو بن الحجاج.

١٥٥

الدور حوله فاجتمع إليه أربعة آلاف ينادون بشعار المسلمين يوم بدر: (يا منصور أمتْ).

ثمّ عقد لعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة، وقال: سر أمامي على الخيل. وعقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد، وقال: انزل في الرجال. وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان. وعقد للعبّاس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة.

وأقبلوا نحو القصر فتحرّز ابن زياد فيه وغلق الأبواب ولَم يستطع المقاومة؛ لأنّه لَم يكن معه إلاّ ثلاثون رجلاً من الشرطة وعشرون رجلاً من الأشراف ومواليه، لكن نفاق الكوفة وما جبلوا عليه من الغدر لم يدع لهم علماً يخفق، فلم يبقَ من الأربعة آلاف إلاّ ثلاثمئة(١) .

وقد وصفهم الأحنف بن قيس بالمومسة تريد كلّ يوم بعلاً(٢) .

ولمّا صاح مَن في القصر يا أهل الكوفة اتقوا لله ولا توردوا على أنفسكم خيول الشام، فقد ذقتموهم وجرّبتموهم، فتفرّق هؤلاء الثلثمئة حتّى أنّ الرجل يأتي ابنه وأخاه وابن عمّه فيقول له: انصرف، والمرأة تأتي زوجها فتتعلق به حتّى يرجع(٣) .

فصلّى مسلمعليه‌السلام العشاء بالمسجد ومعه ثلاثون رجلاً ثمّ انصرف نحو كنده(٤) ومعه ثلاثة ولم يمض إلا قليلاً وإذا لم يشاهد مَن يدلّه على الطريق(٦) ، فنزل عن فرسه ومشى متلدداً في أزقّة الكوفة لا يدري إلى أين يتوجّه(٥) .

ولمّا تفرق الناس عن مسلم وسكن لغطهم ولم يسمع ابن زياد أصوات

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٧.

(٢) أنساب الأشراف ٥ / ٣٣٨، وفي الأغاني ١٧ / ١٦٢: وصفهم بذلك إبراهيم بن الأشتر لمصعب لمّا أراد أنْ يمدّه بأهل العراق.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٨.

(٤) الأخبار الطوال / ٢٤٠.

(٥) شرح مقامات الحريري للشريشي ١ / ١٩٢ آخر المقامة العاشرة.

(٦) اللهوف / ٢٩.

١٥٦

الرجال، أمَرَ مَن معه في القصر أنْ يشرفوا على ظلال المسجد لينظروا هل كمنوا فيها، فكانوا يدلون القناديل، ويشعلون النّار في القصب ويدلونها بالحبال إلى أنْ تصل إلى صحن الجامع فلم يروا أحداً، فأعلموا ابن زياد، وأمَرَ مناديه أنْ ينادي في النّاس؛ ليجتمعوا في المسجد، ولمّا امتلأ المسجد بهم، رقى المنبر وقال: إنّ ابن عقيل قد أتى ما قد علمتم من الخلاف والشقاق، فبرأت الذمّة من رجل وَجدناه في داره، ومن جاء به فله ديته، فاتقواء الله عباد الله، والزموا طاعتكم وبيعتكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً.

ثمّ أمر صاحب شرطته، الحصين بن تميم أنْ يفتّش الدور والسّكك، وحذّره بالفتك به إنْ أفلت مسلم وخرج من الكوفة(١) .

فوضع الحصين الحرس على أفواه السّكك، وتتبّع الأشراف النّاهضين مع مسلم، فقبض على عبد الأعلى بن يزيد الكلبي وعمارة بن صلخب الأزدي، فحبسهما ثمّ قتلهما، وحبس جماعة من الوجوه؛ استيحاشاً منهم، وفيهم الأصبغ بن نباته، والحارث الأعور الهمداني(٢) .

حبس المختار

وكان المختار عند خروج مسلم في قرية له تدعى (خطوانية)(٣) ، فجاء بمواليه يحمل راية خضراء، ويحمل عبد الله بن الحارث راية حمراء، وركّز المختار رايةً على باب عمرو بن حريث وقال: أردت أنْ أمنع عمراً(٤) ، ووضح لهما قتل مسلم وهاني واُشير عليهما بالدخول تحت راية الأمان عند عمرو بن حريث ففعلا وشهد لهما ابن حريث باجتنابهما ابن عقيل، فأمر ابن زياد بحبسهما بعد أنْ شتم المختار واستعرض وجهه بالقضيب فشتر عينه(٥) ، وبقيا في السّجن إلى أنْ

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٩ و٢١٠.

(٢) في طبقات ابن سعد ٦ / ١٦٩ طبعة صادر: كانت وفاة الحارث الأعور بالكوفة أيام خلافة عبد الله بن الزبير وعامله عليها عبد الله بن يزيد الأنصاري الخطمي، فصلّى على جنازة الحارث بوصيّة منه.

(٣) أنساب الاشراف للبلاذري ٥ / ٢١٤، وفي معجم البلدان ٣ / ٤٤٩: هي ناحية في بابل العراق.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٥.

(٥) في المعارف لابن قتيبة / ٢٥٣ باب ذوي العاهات، والمحبر لابن حبيب / ٣٠٣: ضرب عبيد الله بن زياد وجه المختار بالسوط فذهبت عينه.

١٥٧

قُتل الحسينعليه‌السلام (١) .

وأمر ابن زياد محمّد بن الأشعث(٢) ، وشبث بن ربعي، والقعقاع بن شور الذهلي(٣) ، وحَجّار بن أبجر(٤) ، وشمر بن ذي الجوشن، وعمرو بن حريث أنْ يرفعوا راية الأمان ويخذِّلوا النّاس(٥) ، فأجاب جماعة ممَّن خيَّم عليهم الفرق، وآخرون جرّهم الطمع الموهوم، واختفى الذين طهُرت ظمائرهم وكانوا يترقّبون فتح الأبواب للحملة على صولة الباطل.

مسلم في بيت طوعة

وانتهى بابن عقيل السّير إلى دور بني جبلة من كندة، و وقف على باب امرأة يقال لها طوعة اُمّ ولد كانت للأشعث بن قيس أعتقها، وتزوّجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالاً، كان مع النّاس، واُمّه واقفة على الباب تنتظره، فاستسقاها مسلم فسقته، واستضافها فأضافته، بعد أنْ عرَّفها أنّه ليس له في المصر أهل ولا عشيرة، وأنّه من أهل بيت لهم الشفاعة يوم الحساب، وهو مسلم بن عقيل فأدخلته بيتاً غير الذي ياوي إليه ابنها، وعرضت عليه الطعام فأبى، وأنكر ابنها كثرة الدخول والخروج لذلك البيت، فاستخبرها فلم تخبره إلاّ بعد أنْ حلف لها كتمان الأمر.

وعند الصباح أعلم ابن زياد بمكان مسلم، فأرسل ابن الأشعث في سبعين من قيس ليقبض عليه، ولمّا سمع مسلم وقع حوافر الخيل، عرف أنّه قد اُتي(٦) فعجّل دعاءه الذي كان مشغولاً به بعد صلاة الصبح، ثمّ لبس لامته وقال لطوعة: قد أدّيتِ ما عليك من البِرّ، وأخذتِ نصيبك من شفاعة رسول الله، ولقد رأيت البارحة عمّي أمير المؤمنين في المنام وهو يقول لي: أنت معي غداً(٧) .

____________________________

(١) أنساب الأشراف ٥ / ٢١٥.

(٢) في الطبقات لخليفة ١ / ٣٣١ رقم ١٠٤٣: محمّد بن الأشعث بن قيس اُمّه اُم فروة بنت أبي قحافة قتل سنة ٦٧ مع مصعب أيام المختار، الجرح والتعديل ٣ القسم الثاني / ٢٠٦

(٣) في الطبقات لخليفة ١ / ٣٢٨ رقم ١٠٣٢: القعقاع بن شور بن النعمان بن غنال بن حارثة بن عباد ابن امرئ القيس بن عمرو بن شيبان بن ذهل، نزل الكوفة. الجرح والتعديل ٣ القسم الثاني / ١٣٧.

(٤) في تاريخ الطبري ٦ / ٨٤: كان ابجر نصرانياً، مات سنة أربعين.

(٥) كامل ابن الأثير ٤ / ١٢.

(٦) المقاتل لأبي الفرج، وتاريخ الطبري ٦ / ٢١٠، ومقتل الخوارزمي ١ / ٢٠٨ الفصل العاشر.

(٧) نفس المهموم / ٍ٥٦.

١٥٨

وخرج إليهم مصلتاً سيفه، وقد اقتحموا عليه الدار فأخرجهم منها، ثمّ عادوا إليه وأخرجهم وهو يقول:

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع

فـأنت بـكأس الموت لا شك جارع

فـصـبراً لأمـر الله جـلَّ جـلاله

فـحكم قـضاء الله فـي الخلق ذايع

فقتل منهم واحداً وأربعين رجلاً(١) ، وكان من قوّته يأخذ الرجل بيده ويرمي به فوق البيت(٢) .

وأنفذ ابن الأشعث إلى ابن زياد يستمدّه الرجال، فبعث إليه اللائمة، فأرسل إليه: أتظنّ أنّك أرسلتني إلى بقّال من بقّاليّ الكوفة أو جرمقاني من جرامقة الحيرة(٣) وإنّما أرسلتني إلى سيف من أسياف محمّد بن عبد الله، فمدّه بالعسكر(٤) .

واشتدّ القتال فاختلف مسلم وبُكير بن حمران الأحمري بضربتين، ضرب بُكير فَم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السّيف إلى السّفلى ونصلت لها ثنيتان، وضربه مسلم على رأسه ضربةً منكرةً واُخرى على حبل العاتق حتّى كادت أنْ تطلع إلى جوفه، فمات(٥) .

ثمّ أشرفوا عليه من فوق ظهر البيت يرمونه بالحجارة ويلهبون النّار في أطنان القصب(٦) ويلقونها عليه، فشدّ عليهم يقاتلهم في السّكة، وهو يرتجز بأبيات حمران بن مالك:

أقـسمت لا اُقـتل إلا حُرّا

وان رأيت الموت شيئاً نكرا

كـلّ امرئ يوماً ملاق شرّا

ويـخلط الـبارد سخناً مرّا

____________________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢١٢.

(٢) نفس المهموم / ٥٧.

(٣) في الصحاح: الجرامقة: قوم من العجم صاروا إلى الموصل، وزاد في القاموس (أوائل الإسلام، والواحد جرمقاني)، وفي تاج العروس: إنّه كالاسم الخاص، وفي اللسان: جرامقة الشام: أنباطها، واحدهم جرمقاني (بضمّ الميم والجيم بينهما راء)، وفي جمهرة ابن دريد ٣ / ٣٢٤: وجرمق: غير عربي، والجرامق: جيل من الناس.

(٤) المنتخب / ٢٩٩ الليلة العاشرة.

(٥) مقتل الخوارزمي ١ / ٢١٠ الفصل العاشر.

(٦) في الصحاح والقاموس: الطن (بالضمّ): حزمة القصب، والقصبة الواحدة من الحزمة طنة.

١٥٩

ردَّ شعاع النفس فاستقر

اخاف ان أكذب او اغرّا(١)

وأثخنته الجراحات، وأعياه نزف الدّم، فاستند إلى جنب تلك الدار، فتحاملوا عليه يرمونه بالسّهام والحجارة، فقال: مالكم ترموني بالحجارة كما ترمى الكفّار، وأنا من أهل بيت الأنبياء الأبرار، ألا ترعون حقّ رسول الله في عترته؟

فقال له ابن الأشعث: لا تقتل نفسك وأنت في ذمّتي، قال مسلم: أاُوسر وبي طاقة؟! لا والله لا يكون ذلك أبداً، وحمل على ابن الأشعث فهرب منه، ثمّ حملوا عيه من كلّ جانب وقد اشتد به العطش، فطعنه رجل من خلفه فسقط إلى الأرض واُسر(٢) .

وقيل: إنّهم عملوا له حفيرة وستروها بالتراب، ثمّ انكشفوا بين يدَيه حتّى إذا وقع فيها أسروه(٣) .

ولمّا انتزعوه سيفه، دمعت عينه فتعجّب عمرو بن عبيد الله السّلمي من بكائه.

مسلم وابن زياد

وجيء به إلى ابن زياد، فرأى على باب القصر قلّة مبرَّدة فقال: اسقوني من

____________________________

(١) هذه الأبيات ذكرها ابن طاووس في اللهوف /٣٠ طبعة صيدا، وابن نما في مثير الأحزان بدون الشطر الخامس، وسمّاه يوم (القرم)، وذكرها الخوارزمي في المقتل ١ / ٢٠٩ الفصل العاشر بزيادة شطرين ولم ينسبها، وذكر ابن شهر آشوب في المناقب ٢ / ٢١٢ الطبعة الاُولى ايران ستة أشطر.

وهذا اليوم لم يذكره المؤلفون في أيام العرب الجاهلية، نعم في معجم البلدان ٧ / ٦٤، والمعجم ممّا استعجم للبكري ٣ / ١٠٦٢، وتاج العروس ٩ / ٣١٠: قرن: اسم جبل كانت فيه واقعة على بني عامر، وفي نهاية الارب للقلقشندي / ٣٢١: بنو قرن: بطن من مراد، ومنهم اُويس القرني، وكلّه لا يرشدنا إلى شيء صحيح، نعم ذكر محمّد بن حبيب النسابة في رسالة المغتالين / ٢٤٣ المدرجة في المجموعة السابعة من نوادر المخطوطات، تحقيق عبد السلام هارون: أنّ خثعماً قتلت الصميل أخا ذي الجوشن الكلابي؛ فغزاهم ذو الجوشن، وسانده عيينة بن حصن على أن يكون له المغنم، ولقوا خثعما بـ (الفزر)، وهو جبل، فقتلا واثخنا وغنما، قوتل بالجبل حمران بن مالك بن عبد الملك الخثعمي، فأمره أن يستأسر فأنشأ يقول:

أقسمت لا اُقتل إلاّ حرّا

إنّي رأيت الموت شيئاً نكرا

أكره أن اُخدع أو اُغرا

ثمّ قُتل، و رثته اُخته فقالت:

ويـل حمران أخا مظنه

أوفى على الخير ولم يمنه

والطاعن النجلاء مرثعنه

عائدها مثل وكيف الشنه

 (٢) مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢١٢، ومقتل الخوارزمي ١/ ٢٠٩ و٢١٠.

(٣) المنتخب للطريحي / ٢٩٩ المطبعة الحيدرية في النجف، عند ذكر الليلة العاشرة.

١٦٠

هذا الماء، فقال له مسلم بن عمرو الباهلي(١) : لا تذوق منها قطرة حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم، قال مسلمعليه‌السلام : من أنت؟ قال: أنا من عرف الحقّ إذ أنكرته، ونصح لإمامه إذ غششته، فقال له ابن عقيل: لاُمّك الثكل، ما أقساك وأفظّك، أنت ابن باهلة أولى بالحميم، ثمّ جلس وتساند إلى حائط القصر(٢) .

فبعث عمارة بن عقبة بن أبي معيط غلاماً له يُدعى قيساً(٣) فأتاه بالماء، وكلّما أراد أنْ يشرب، امتلأ القدح دماً، وفي الثالثة ذهب ليشرب فامتلأ القدح دماً وسقطت فيه ثناياه فتركه وقال: لو كان من الرّزق المقسوم لشربتُه.

وخرج غلام ابن زياد فأدخله عليه، فلم يسلِّم، فقال له الحرسي: ألا تسلِّم على الأمير؟ قال له: اسكت إنّه ليس لي بأمير(٤) ، ويقال أنّه قال: السّلام على من اتبع الهدى وخَشِي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى، فضحك ابن زياد وقال: سلَّمت أو لَمْ تسلِّم إنّك مقتول(٥) ، فقال مسلم: إنْ قتلتني فلقد قَتَل مَنْ هو شرّ منك مَنْ هو خيراً منّي، وبعد فإنّك لا تدع سوء القتلة ولا قبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك.

فقال ابن زياد: لقد خرجتَ على إمامك، وشققتَ عصا المسلمين، والقحت الفتنة، قال مسلم: كذبت إنّما شقّ العصا معاوية وابنه يزيد، والفتنة ألقحها أبوك، وأنا أرجوا أنْ يرزقني الله الشهادة على يد شرّ بريّته(٦) .

ثمّ طلب مسلم أنْ يوصي إلى بعض قومه فأذِن له ونظر إلى الجلساء فرأى عمر بن سعد، فقال له: إنّ بيني وبينك قرابة، ولي إليك حاجة، ويجب عليك نجح حاجتي وهي سرّ. فأبى أن يمكّنه من ذكرها، فقال ابن زياد: لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك، فقام معه بحيث يراهما ابن زياد، فأوصاه مسلم أنْ

____________________________

(١) في كامل ابن الأثير ٤ / ١٢٦ حوادث سنة (٧١ﻫـ): مسلم بن عمرو الباهلي، والد قتيبة، وفي تاريخ الطبري ٧ / ١٨٥ الطبعة الاُولى حوادث سنة (٧١ﻫـ): قتل مسلم بن عمرو الباهلي (بدير الجاثليق) وكان مع مصعب بن الزبير لمّا التقى مع جيش عبد الملك..

(٢) الارشاد للشيخ المفيد.

(٣) الطبري ٦ / ٢١٢: وعند المفيد: أنّ عمرو بن حريث بعث غلامه سليما فأتاه بالماء.

(٤) اللهوف / ٣٠، وتاريخ الطبري ٦ / ٢١٢.

(٥) المنتخب / ٣٠٠.

(٦) ابن نما / ١٧، ومقتل الحوارزمي ١ / ٢١١ الفصل العاشر.

١٦١

يقضي من ثمن سيفه ودرعه ديناً استدانه منذ دخل الكوفة يبلغ ستمئة درهم(١) ، وأنْ يستوهب جثّته من ابن زياد ويدفنها، وأنْ يكتب إلى الحسين بخبره. فقام عمر بن سعد إلى ابن زياد وأفشى كلّ ما أسرّه إليه فقال ابن زياد: لا يخونك الأمين، ولكن قد يؤتمن الخائن(٢) .

ثمّ التفت ابن زياد إلى مسلم وقال: أيهاً يابن عقيل، أتيت النّاس وهم جمع ففرّقتهم، قال: كلاّ، لستُ أتيتُ لذلك، ولكن أهل المصر زعموا أنّ أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعوا إلى حكم الكتاب.

قال ابن زياد: ما أنت وذاك أوَ لَمْ نكن نعمل فيهم بالعدل؟ فقال مسلم: إنّ الله لَيعلم إنّك غير صادق، وإنّك لتقتل على الغضب والعداوة وسوء الظنّ، فشمته

____________________________

(١) في الأخبار الطوال / ٢٤١: يبلغ ألف درهم.

(٢) الارشاد وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢١٢ وهذه الجملة التي هي كالمثل وردت في لسان أهل البيتعليهم‌السلام ، ففي الوسائل للحر العاملي ج ٢ ص ٦٤٣ باب ٩ عدم جواز ائتمان الخائن، روى الكليني مسنداً عن معمر بن خلاد قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول كان أبو جعفرعليه‌السلام يقول: لم يخنك الأمين ولكن ائتمنت الخائن.

ثم انه لم تخف على شهيد القصر مسلمعليه‌السلام نفسية عمر بن سعد ولم يجهل دنس أصله ولكنه أراد ان يعرف الكوفيين مبلغه من المروءة والحفاظ كي لا يغتر به احد، وهناك سر آخر وهو ارشاد الملأ الكوفي إلى أن أهل البيتعليهم‌السلام وولاتهم لم يقصدوا الا الاصلاح ونشر الدعوة الإلهيّة وهذا الوالي من قبلهم لم يمد يده الى بيت المال وكان له ان يتصرف فيه كيف شاء غير انه قضى أيامه البالغة أربعاً وستين بالاستدانة وهكذا ينبغي أن تسير الولاة فلا يتخذون مال الفقراء مغنما... ولقد ذكرني هذا (الخائن) بقصة خالد القسري على كتمان السر لأنه من شيم العرب واخلاق الاسلام مع ما يحمله من المباينة لنبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله وشتم سيد الأوصياء على المنابر وقوله فيه ما لا يسوغ لليراع ان يذكره وذلك أن الوليد بن عبد الملك أراد الحج فعزم جماعة على اغتياله وطلبوا من خالد المشاركة معه فأبى، فقالوا له اكتم علينا، فأتى خالد الوليد وقال له دع الحج هذا العام فاني خائف عليك قال الوليد من الذين تخافهم علي؟ سمّهم لي، فامتنع أن يسمهم وقال: اني نصحتك ولن اسمهم لك فقال اني ابعث بك الى عدوك يوسف بن عمر قال: وان فعلت فلن اسمهم فبعث به الى يوسف فعذبه ولم يسمهم فسجنه ثم وضع على صدره المضرسة فقتل سنة ١٢٦ هـ عن ستين سنة ودفن بناحية، وعقر عامر بن سهل الأشعري فرسه على قبره فضربه يوسف سبعمائة سوط ولم يرثه احد من العرب على كثرة أياديه عندهم الا ابا الشغب العبسي قال:

ألا ان خـير الـناس حـياً وهالكا

أسـير سـقيف عندهم في السلاسل

لـعمري لـقد عمرتم السجن خالداً

وأوطـأتـموه وطــأة الـمتثاقل

فان تسجنوا القسري لا تسجنوا اسمه

ولا تـسجنوا مـعروفه في القبائل

تهذيب ابن عساكر ج ٥ ص ٧٩.

١٦٢

ابن زياد وشتم علياً وعقيلاً والحسين(١) ، فقال مسلم: أنت وأبوك أحقّ بالشتم، فاقض ما أنت قاض يا عدوّ الله(٢) .

فأمر ابن زياد رجلاً شامياً(٣) أنْ يصعد به إلى أعلى القصر ويضرب عنقه، ويرمي رأسه وجسده إلى الأرض، فأصعده إلى أعلى القصر، وهو يسبّح الله ويهلّله ويكبّره(٤) ويقول: اللهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا وكذبونا، وتوجه نحو المدينة وسلّم على الحسين(٥) .

وأشرف به الشامي على موضع الحذائين وضرب عنقه ورمى برأسه وجسده إلى الأرض(٦) ، ونزل مذعوراً، فقال له ابن زياد: ما شأنك؟ قال: رأيت ساعة قتله رجلاً أسود سَيِّء الوجه حذائي عاضّاً على إصبعه، ففزعتُ منه فقال ابن زياد: لعلّك دُهشت(٧) .

ثمّ أخرج هاني إلى مكان من السوق يُباع فيه الغنم وهو مكتوف، فجعل يصيح وآمذحجاه! ولا مذحج لي اليوم، وآمذحجاه! وأين منّي مذحج؟ فلمّا رأى أنّ أحداً لا ينصره جذب يده ونزعها من الكتاف وقال: أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يدافع رجل عن نفسه؟ ووثبوا عليه وأوثقوه كتافاً وقيل له: مدّ عنقك، فقال: ما أنا بها سخي، وما أنا بمعينكم على نفسي، فضربه بالسّيف مولى لعبيد الله ابن زياد تركي يُقال له رشيد، فلم يصنع فيه شيئاً فقال هاني: إلى الله المعاد اللهمّ إلى رحمتك ورضوانك، ثمّ ضربه اُخرى فقتله. وهذا العبد قتله عبد الرحمن بن الحصين المرادي رآه مع عبيد الله بـ (الخازر)(٨) .

وأمر ابن زياد بسحب مسلم وهاني بالحبال من أرجلهما في الأسواق(٩)

____________________________

(١) كامل ابن الأثير ٤ / ١٤ والطبري ٦ / ٢١٣.

(٢) اللهوف / ٣١.

(٣) مقتل الخوارزمي ١ / ٢١٣.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٣.

(٥) أسرار الشهادة / ٢٥٩.

(٦) ميثر الأحزان / ١٨.

(٧) مقتل الخوارزمي / ١ / ٣١٢، والملهوف.

(٨) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٤.

(٩) المنتخب / ٣٠١، وفي تاريخ الخميس ٢ / ٢٦٦ عند ذكر أولاد أبي بكر: أمر معاوية ابن خديج بسحب محمّد بن أبي بكر في الطريق ويمرّوا على دار عمرو بن العاص؛ لعلمه بكراهيته لقتله، ثمّ أمر بإحراقه، فاُحرقت جثته بعد ان وضع في جوف حمار. =

١٦٣

وصلبهما بالكناسة منكوسين(١) ، وأنفذ الرأسين إلى يزيد، فنصبهما في درب من دمشق(٢) .

وكتب إلى يزيد: أمّا بعد، فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقّه وكفاه مؤنة عدوّه، أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنّ مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هاني بن عروة المرادي، وإنّي جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال وكدتهما حتّى استخرجتهما، وأمكن الله منهما فضربتُ أعناقهما، وبعثتُ إليك برأسيهما مع هاني بن أبي حيّة الوادعي الهمداني، والزبير بن الاروح التميمي، وهما من أهل السّمع والطاعة والنصيحة، فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحبّ، فإنّ عندهما علماً وصدقاً وفهماً وورعاً، والسّلام.

وكتب يزيد إلى ابن زياد: أمّا بعد، فإنّك لَم تعد أنْ كنتَ كما اُحبّ، عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش، فقد أغنيت وكفيت وصدقت ظنّي بك ورأيي فيك، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرتَ فاستوص بهما خيراً، وإنّه قد بلغني أنّ الحسين بن علي قد توجّه نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترس على الظن، وخذ على التهمة(٣) ، وهذا الحسين قد ابتلي به زمانك من بين الأزمان وبلادك من بين البلدان، وابتليت

____________________________

= وفي كامل ابن الأثير ١١ / ١٥٣ حوادث سنة ٥٥٥، عليه مروج الذهب: لمّا قتل ظهير الدين ابن العطار أمر فوضعوا حبلاً في مذاكيره وسحبوه في الشوارع، و وضعوا في يده مغرفة فيها عذرة وفي يده الاُخرى وضعوا قلماً وهم يصيحون: وقّع لنا يا مولانا.

وفي مضمار الحقائق لصاحب حماة محمّد بن تقي الدين الأيوبي / ١٢: أنّ بعضهم قطع اُذنه وذلك في ١٥ ذي القعدة سنة (٥٧٥ﻫـ).

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢١، ومقتل الخوارزمي ١ / ٢١٥: وهذه الفعلة لا يأتي بها إلاّ من خرج عن ربقة الإسلام، ولم يحمل أقلّ شيء من العطف والرقّة، وبمثلها صنع الحَجّاج بعبد الله بن الزبير، كما في أنساب الأشراف للبلاذري ٥ / ٢٦٨، وابن حبيب في المحبر / ٤٨١.

وفي مختصر تاريخ الدول لابن العبري / ١١٦: إن الملك نارون صلب فطرسا وبولسا منكوسين بعد أن قتلهما.

وفي حياة الحيوان مادة الكلب: إنّ ابراهيم الفزاري ضبطت عليه اُمور منكرة من الاستهزاء بالله والأنبياء فأفتى فقهاء القيروان بقتله وصلب منكساً ثم اُنزل واُحرق بالنّار.

وفي المحبر لمحمد بن حبيب / ٤٨١ طبعة حيدر آباد: صلب الحَجّاج بن يوسف عبدَ الله بن الزبير بمكة منكساً.

(٢) تاريخ أبي الفدا ١ / ١٩٠، والبداية لابن كثير ٨ / ١٥٧.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٤.

١٦٤

به من بين العمّال، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تعبد العبيد(١) فأمّا أنْ تحاربه أو تحمله إليَّ(٢) .

سقتك دماً يا ابن عم الحسين

مـدامع شـيعتك الـسافحة

ولا برحت هاطلات العيون

تـحـييك غـادية رائـحة

لانـك لـم تـروِ من شربة

ثـناياك فـيها غدت طائحة

رموك من القصر إذ اوثقوك

فهل سَلِمَت فيك من جارحة

وسـحـباً تُـجَرُّ بـأسواقهم

ألـست أمـيرهُمُ الـبارحة

أتـقضي ولم تبكك الباكيات

أمـالك في المصر من نائحة

لئنْ تقضِ نحباً فكم في زرود

عليك العشية من صائحة(٣)

السّفر إلى العراق

لمّا بلغ الحسين إنّ يزيد انفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر، وأمَّره على الحاج، و ولاّه أمر المَوسم، وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجد(٤) ، عزم على الخروج من مكّة قبل إتمام الحج، واقتصر على العمرة؛ كراهية أنْ تستباح به حرمة البيت(٥) .

____________________________

(١) مقتل العوالم / ٦٦، وتاريخ ابن عساكر ٤ / ٣٣٢.

(٢) مقتل الخوارزمي ١ / ٢١٥.

(٣) للسيّد باقر الهنديرحمه‌الله . لا يخفى أنّ الأقوال في يوم شهادة مسلم ثلاثة؛ الأول: يوم الثالث من ذي الحِجَّة ذكره في (الأخبار الطوال)، ويظهر من ابن طاووس في (اللهوف) موافقته فإنّه قال: توجّه الحسين من مكّة لثلاث مضين من ذي الحِجَّة ثمّ قال بعد ذلك، وكان خروجه من مكّة في اليوم الذي قتل فيه مسلم. الثاني: يوم الثامن من ذي الحِجَّة، ذكره الوطواط في (غرر الخصائص / ٢١٠) وهو الظاهر من (تاريخ أبي الفدا ٢ / ١٩)، و (تذكرة الخواص / ١٣٩) قالا: قتل مسلم لثمان مضين من ذي الحِجَّة (وتذكير العدد يراد منه الليلة). الثالث: يوم عرفة، نصّ عيه المفيد في (الارشاد)، والكفعمي في (المصباح)، وهو الظاهر من ابن نما في (مثير الأحزان)، و (تاريخ الطبري ٦ / ٢١٥)، و (مروج الذهب ٢ / ٩٠) قالوا: وكان ظهور مسلم بالكوفة يوم الثامن من ذي الحِجَّة، وقد قتل ثاني يوم خروجه. ويحكي المسعودي في (مروج الذهب) قولاً بخروجه يوم التاسع من ذي الحِجَّة، واذا كان قتله ثاني يوم خروجه تكون شهادته يوم الأضحى.

(٤) المنتخب / ٣٠٤ الليلة العاشرة.

(٥) ابن نما / ٨٩، وتاريخ الطبري ٦ / ١٧٧.

١٦٥

خطبتهعليه‌السلام في مكّة

وقبل أنْ يخرج قام خطيباً فقال:«الحمد لله وما شاء الله ولا قوّة إلاّ بالله وصلّى الله على رسوله، خُطَّ الموت على ولد آدم مَخَطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخُيِّر لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلاة بين النّواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفا وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خُطَّ بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا اُجور الصابرين. لنْ تشذ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس، تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده. ألا مَن كان فينا باذلاً مهجته موطِّناً على لقاء الله نفسَه فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً إنْ شاء الله تعالى» (١) .

وكان خروجهعليه‌السلام من مكّة لثمان مضَين من ذي الحِجَّة، ومعه أهل بيته ومواليه وشيعته من أهل الحجاز والبصرة والكوفة الذين انضمّوا إليه أيام إقامته بمكّة وأعطى كلّ واحد منهم عشرة دنانير وجملاً يحمل عليه زاده(٢) .

محاولات لصرفه عن السّفر

وسأله جماعة من أهل بيته وغيرهم التريّث عن هذا السّفر حتّى يستبين له حال النّاس؛ خوفاً من غدر الكوفيّين وانقلاب الأمر عليه، ولكنّ (أبي الضيم) لمْ تسعه المصارحة بما عنده من العلم بمصير أمره لكلّ من قابله؛ لأنّ الحقائق كما هي لا تفاض لأيّ متطلب بعد تفاوت المراتب واختلاف الأوعية سعةً وضيقاً، فكانعليه‌السلام يُجيب كلّ واحدٍ بما يسعه ظرفه وتتحمّله معرفته.

فيقول لابن الزبير:«إنّ أبي حدّثني أنّ بمكّة كبشاً به تستحلّ حرمتها، فما اُحبّ أنْ أكون ذلك الكبش، ولَئن اُقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليَّ من أنْ اُقتل فيها (٣) ، وأيمَ الله لَو كنتُ في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيَّ حاجتهم، والله ليعتدنَّ عليَّ كما اعتدت اليهود في السبت» .

____________________________

(١) اللهوف / ٣٣، وابن نما / ٢٠.

(٢) نفس المهموم / ٩١.

(٣) في تاريخ مكة للازرقي ٢ / ١٥٠: قال ذلك لابن عبّاس.

١٦٦

ولما خرج من عنده ابن الزبير قال الحسينعليه‌السلام لمَن حضر عنده:«إنّ هذا ليس شيء من الدنيا أحبّ إليه من أنْ أخرج من الحجاز، وقد عَلِمَ أنّ النّاس لا يعدلونه بي، فودّ أنّي خرجتُ حتّى يخلو له» (١) .

وأتاه محمّد بن الحنفيّة في الليلة التي سار الحسين في صبيحتها إلى العراق وقال: عرفتَ غدر أهل الكوفة بأبيك وأخيك، وإنّي أخاف أنْ يكون حالك حال من مضى، فأقم هنا فإنّك أعزّ مَن في الحرم وأمنعه فقال الحسينعليه‌السلام :«أخافُ أنْ يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذي تُستباح به حرمة هذا البيت» ، فأشار عليه ابن الحنفيّة بالذهاب إلى اليمن أو بعض نواحي البر، فوعده أبو عبد الله في النّظر في هذا الرأي.

وفي سَحَر تلك الليلة ارتحل الحسينعليه‌السلام ، فأتاه ابن الحنفيّة وأخذ بزمام ناقته وقد ركبها وقال: ألمْ تعدني النّظر فيما سألتك؟ قال:«بلى، ولكن بعد ما فارقتك أتاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: يا حسين اخرج، فإنّ الله تعالى شاء أنْ يراك قتيلاً»، فاسترجع محمّد، وحينما لَمْ يعرف الوجه في حمل العيال معه، وهو على مثل هذا الحال قال له الحسينعليه‌السلام :«قد شاء الله تعالى أنْ يراهنَّ سبايا» (٢) .

وكتب إليه عبد الله بن جعفر الطيّار مع ابنَيه عون ومحمّد: أمّا بعد، فإنّي أسألك الله لمّا انصرفت حين تقرأ كتابي هذا، فإنّي مُشفق عليك من هذا الوجه أنْ يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إنْ هلكتَ اليوم، اُطفئ نور الأرض، فإنّك عَلَمُ المهتدين، ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسّير، فإنّي في أثر كتابي، والسّلام.

ثم أخذ عبد الله كتاباً من عامل يزيد على مكّة عمرو بن سعيد بن العاص فيه أمان للحسين وجاء به إلى الحسين ومعه يحيى بن سعيد بن العاص وجهد أنْ يصرف الحسين عن الوجه الذي أراده فلَم يقبل أبو عبد اللهعليه‌السلام وعرَّفه أنّه رأى رسول الله في المنام وأمره بأمر لابدّ من انفاذه، فسأله عن الرؤيا، فقال:«ما حدّثتُ بها أحداً، وما أنا محدّث بها حتّى ألقى ربّي عزّ وجلّ» (٣) .

____________________________

(١) كامل ابن الأثير ٤ / ١٦.

(٢) البحار ١٠ / ١٨٤.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٩، وكامل ابن الأثير ٤ / ١٧، والبداية لابن كثير ٦ / ١٦٣.

١٦٧

وقال له ابن عبّاس: يابن العم، إنّي أتصبَّر وما أصبرُ، وأتخوَّفُ عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال. إنّ أهل العراق قوم غَدرٍ فلا تقربنَّهم. أقم في هذا البلد فإنّك سيّد أهل الحجاز، وأهل العراق إنْ كانوا يريدونك - كما زعموا - فلينفوا عاملهم وعدوّهم ثمّ اقدم عليهم، فإنْ أبيتَ إلاّ أنْ تخرج، فسِر إلى اليمن، فإنّ بها حصوناً وشعاباً وهي أرض عريضة طويلة، ولأبيك فيها شيعة وأنتَ عن النّاس في عزلة، فتكتب إلى النّاس وترسل وتبثّ دعاتك، فإنّي أرجو أنْ يأتيك عند ذلك الذي تحبّ في عافية.

فقال الحسينعليه‌السلام :«يابن العم، إنّي والله لأعلم أنّك ناصح مشفق، وقد أزمعتُ على المسير» .

فقال ابن عبّاس: إنْ كنتَ سائراً فلا تسِر بنسائك وصبيتك، فإنّي لخائف أنْ تُقتل وهم ينظرون إليك، فقال الحسين:«والله، لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جَوفي، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام المرأة» (١) .

توجيه لدواعي السّفر

هذه غاية ما وصل إليه إدراك من رغب في تريّث الحسينعليه‌السلام عن السّفر إلى العراق، وأبو عبد الله لَمْ تخفَ عليه نفسيّات الكوفيّين وما شيبت به من الغدر والنّفاق، ولكن ماذا يصنع بعد إظهارهم الولاء والانقياد له والطاعة لأمره؟ وهل يعذر أمام الاُمّة في ترك ما يطلبونه من الإرشاد والإنقاذ من مخالب الضلال وتوجيههم إلى الأصلح المرضي لربّ العالمين؟ مع أنّه لَمْ يظهر منهم الشقاق

____________________________

(١) كامل ابن الأثير ٤ / ١٦، وفي القاموس وتاج العروس: الفرام ككتاب دواء تضيق به المرأة المسلك او حب الزبيب تحتشي به لذلك، وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج لما شكا منه أنس بن مالك: يابن المستفرمة بعجم الزبيب. وكانت في احراح ثقيف سعة يتضيقن بعجم الزبيب.

والفرامة (ككتابة): هي الخرقة تحتشي بها المرأة عند الحيض كالفرام. وفيها يقول الشاعر:

وجدتك فيها كاُمّ الغلام   متى ما تجد فارماً تفترم

وفي مقاييس اللغة لابن فارس ٤ / ٤٩٦: أظنها غير عربية، وقال الخليل: ليست من كلام أهل البادية.

١٦٨

والخلاف، واعتذارهعليه‌السلام عن المصير إليهم بما جبلوا عليه من الخيانة كما فعلوا مع أبيه وأخيه يُسبّب إثارة اللوم من كلّ مَن يبصر ظواهر الأشياء، والإمام المقيض لهداية البشر أجلّ من أنْ يعمل عملاً يكون للاُمّة الحُجّة عليه، والبلاد التي أشار بها ابن عباس(١) وغيره لا منعة فيها، وما جرى من بسر بن أرطاة مع أهل اليمن تؤكّد وهنهم في المقاومة والضعف عن ردّ الباغي.

____________________________

(١) هذا شيء يجب أن ننبه له وهو أن ابن عباس لم يكن بالمنزلة العالية ليكون محلاً لتقي العلوم الغريبة كحبيب بن مظاهر ورشيد الهجري وعمر وبن الحمق وحجر بن عدي وكميل بن زياد وميثم التمار، فانهم كانوا على جانب كبير من التبصر في الامور ووصلوا الى حق اليقين، فلم يعبأوا بكل ما يجري عليهم من الفوادح والتنكيل لذلك لم يعدموا من امير المؤمنينعليه‌السلام الحبوة بايقافهم على الحوادث والملاحم وما تملكه الجبابرة والعلوم الغريبة!! نلمس ذلك من المحاورة الدائرة بين حبيب بن مظاهر وميثم التمار من اخبار كل منهما الآخر بما يجري عليه من القتل ونصرة أهل البيتعليهم‌السلام ، فكذبهما من لم يفقه الأسرار الالهية من بني اسد ولما جاء رشيد الهجري يسأل عنهما قيل له افترقا وكان من امرهما كذا وكذا فقال رحم الله ميثما لقد نسي انه يزداد في عطاء الذي يأتي برأس حبيب مئة درهم ثم ادبر! فقال القوم هذا والله اكذبهم، ولم تذهب الأيام حتى وقع كل ذلك! صلب ميثم بالقرب من دار عمرو بن حريث وقتل حبيب مع الحسينعليه‌السلام وقطع ابن زياد يدي رشيد الهجري ورجليه ولسانه كما أخبره أمير المؤمنينعليه‌السلام (راجع رجال الكشتئـ ص٥١ وما بعدها طبع الهند). وعلى هذا فابن عباس وغيره أقل رتبة من هؤلاء الافذاذ ومن شهداء الطف، مهما نعترف له بالموالاة الصادقة لأمير المؤمنين وولده الاطهار. فان حديثه مع ميثم التمار يرشدنا الى عدم بلوغه تلكم المنازل العالية التي حواها ميثم وأمثاله... ففي رجال الكشي ص ٥٤أن ابن عباس اجتمع مع ميثم بالمدنية، فقال ميثم سل يا ابن عباس ما شئت من تفسير القرآن فلقد قرأت تنزيله على امير المؤمنينعليه‌السلام فعلمني تأويله، فاخذ ابن عباس القرطاس ليكتب فقال له ميثم كيف بك لو رأيتني مصلوباً على خشبة تاسع تسعة أقربهم من المطهرة فتعجب ابن عباس من هذا العبد الاسدود المخبر عن الغيب، فرمى القرطاس وقال انك تكهن عليّ، فقال ميثم يا ابن عباس احتفظ بما سمعت مني فان يكن حقاً امسكته وان يكن باطلاً خرقته فكتب ابن عباس عن ميثم ما وعاه عن أمير المؤمنين من تفسير القرآن.

وعلى هذا فما يتحدث بن ابن الابار في تكملة الصلة ج٢ص٦٠٠طبع ثاني من أن ابن عباس كان يقول له فسرت (الحمد الله رب العالمين) على كنهم ما حملت ابل الأرض كتب تفسيرها لا نصيب له من الصحة وهو من موضوعات دعاة بني العباس، أرادوا به المقابلة لقول سيد الاوصياء المروي في احياء العلوم للغزالي ج١ ص ٢٦٠ (فصل القرآن الباب الرابع) في التفسير بالرأي، وعلم القلوب لابي طالب المكي ص٧٢ والاتقان للسيوطي ج٢ ص١٨٦ النوع ٢٨ فيما يرجع الى تفسير القرآن، والمحجة البيضاء للفيض الكاشاني ج١ ص٢٥١ في التفسير بالرأي: أن أمير المؤمنين قال لو شئت لا وقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب.

وفي سعد السعود لابن طاووس ص ٢٨٦ نقلا عن العلم اللدني للغزالي: انهعليه‌السلام قال: لو اذن الله لي ورسوله لشرحت ألف الفاتحة حتى يبلغ أربعين جملاً! وحكاه في البحار ج٩ ص٢٧٧ وص٤٦٣ طبع كمبني ولا غرابة ممن هو النقطة تحت باء البسملة! ففي مقدمة تفسير القرآن للشيخ محمد حسين الاصفهاني روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال: كل ما في القرآن في الحمد وكل ما في الحمد في البسملة وما في البسملة في الباء وما في الباء في النقطة، وانا النقطة تحتها.. وفي العنايات الرضوية تكلم في شرحه ص١١٩..

١٦٩

وبهذا يصرّح الشيخ الشوشتري أعلى الله مقامه فإنّه قال: كان للحسين تكليفان واقعي وظاهري:

أ - أمّا الواقعي الذي دعاه للإقدام على الموت وتعريض عياله للأسر وأطفاله للذبح مع علمه بذلك، فالوجه فيه: أنّ عتاة بني اُميّة قد اعتقدوا أنّهم على الحقّ وأنّ علياً وأولاده وشيعتهم على الباطل حتّى جعلوا سبّه من أجزاء صلاة الجمعة، وبلغ الحال ببعضهم أنّه نَسِي اللعن في خطبة الجمعة فذكره وهو في السّفر فقضاه. وبنوا مسجداً سمّوه (مسجد الذكر)، فلو بايع الحسين يزيد وسلّم الأمر إليه، لمْ يبقَ من الحقّ أثر، فإنّ كثيراً من النّاس يعتقد بأنّ المحالفة لبني اُميّة دليل استصواب رأيهم وحُسن سيرتهم، وأمّا بعد محاربة الحسين لهم وتعريض نفسه المقدّسة وعياله وأطفاله للفوادح التي جرت عليهم، فقد تبيّن لأهل زمانه والأجيال المتعاقبة أحقّيته بالأمر وضلال مَن بغى عليه.

ب - وأمّا التكليف الظاهري: فلأنّهعليه‌السلام سعى في حفظ نفسه وعياله بكلّ وجه، فلم يتيسّر له وقد ضيّقوا عليه الأقطار حتّى كتب يزيد إلى عامله على المدينة أنْ يقتله فيها، فخرج منها خائفاً يترقّب فلاذ بحرم الله الذي هو اَمنُ الخائف وكهف المستجير، فجدّوا في إلقاء القبض عليه أو قتله غيلةً ولو وُجِد متعلِّقاً بأستار الكعبة، فالتزم بأنْ يجعل احرامه عمرةً مفردةً وترك التمتّع بالحج، فتوجّه إلى الكوفة؛ لأنّهم كاتبوه وبايعوه وأكّدوا المصير إليهم؛ لإنقاذهم من شرور الاُمويّين، فألزمه التكليف بحسب ظاهر الحال إلى موافقتهم إتماماً للحُجّة عليهم؛ لئلاّ يعتذروا يوم الحساب بأنّهم لجأوا إليه واستغاثوا به من ظلم الجائرين، فاتّهمهم بالشقاق ولم يغثهم، مع أنّه لَو لَم يرجع إليهم فإلى أينَ يتوجه وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت؟ وهو معنى قولهعليه‌السلام لابن الحنفيّة:«لَو دخلتُ في جُحر هامة من هذه الهوام، لاستخرجوني حتّى يقتلوني» .

وقالعليه‌السلام لأبي هرّة الأسدي:«إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت» (١) .

____________________________

(١) الخصائص الحسينية / ٣٢ ط تبريز.

١٧٠

ولمْ يبق بمكّة أحد إلاّ حزن لمسيره، ولمّا أكثروا القول عليه أنشد أبيات أخي الأوس لمّا حذره ابن عمّه من الجهاد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا مـا نـوى حـقاً وجاهد مسلما

وواسـى الـرجال الصالحين بنفسه

وفـارق مـثبوراً وخـالف مجرما

ثم قرأ:( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ) (١)(٢) .

وسـامته أن يـنقاد لـلسلم ضارعا

لـديها ويـأبى العّز أن يضرع الحرُّ

فـقال ردي يا نفس من سورة الرَّدى

فـعند ورود الـضَّيم يـستعذب المرُّ

وحـفت بـه مـن آلـه خـير فتية

لـها يـنتمي الـمجد المؤثل والفخر

إذا هي سارت في دجي الليل أزهرت

وباهت سواري النجم اوجهها الزهر

بـكل كـميٍّ فـوق اجـردَ سـابح

يـتيه بـه فـي مـشيه الدلُّ والكبر

إذا خـفَّ فـي الـهيجاء وقْر بمتنه

بـنجدة بـأس فـاطمأنَّ لـه ظـهر

ويـلطم خـدَّ الأرض لـكنّ وجهها

بـنضح دم الأعـداء لا اللطم يحمرُّ

هـمُ الـقوم مـن عليا لويِّ وغالب

بـهم تـكشف الجلى ويستدفع الضرُّ

يـحيون هـنديَّ الـسيوف بـاوجه

وحـدُّ الـمواضي بـاسم الغر يفتر

يـلـفون آحــاد الالـوف بـمثلها

تـهلِّل مـن لـئلاء طـلعتها البشر

بـيومٍ بـه وجـه الـمنون مُـقطَّبٌ

إذا حـل مـن مـعقود راياتها نشر

إذا اسـودَّ يـوم الـنقع اشرقنَ بابها

لـهم اوجـه والـشوس ألوانها صفر

ومـا وقـفوا في الحرب إلا ليعبروا

إلى الموت والخطيِّ من دونه جسر

يـكرون والأبـطال نكصاً تقاعست

مـن الـخوف والآسـاد شيمتها الكرُّ

الـى أن ثَـووْا تحت العجاج بمعرك

هـو الحشر لا بل دون موقفه الحشر

ومـاتوا كـراماً تـشهد الحرب انَّهم

أُبـاة إذا ألـوى بـهم حـادث نكر

عـلهيم مـن الهنديِّ بيض عصائب

تـروق ومـن وشي الدّما حلل حمر

وعـاد أبـيُّ الـضَّيم بـين عـداته

ونـاصـره الـبتّار والارن الـمهر

فـغبَّر فـي يـوم الـكفاح بـاوجه

الـكتائب والآفـاق شـاحبة غـبر

____________________________

(١) سورة الأحزاب / ٣٨

(٢) تذكرة الخواص / ١٣٧: وأنشدها لمّا حذّره الحر من مخالفة بني اُمية.

١٧١

إذا نـظـمت حَــبَّ الـقـلوب قـناتهُ

فـلـلسيف فـي أعـناق أعـدائه نـثر

فـلا الـوتر وتـر حـين تقترع الظبى

ولا الـشفع شـفع حـين تـشتبك السمر

ولـو شـاء أن يـفني الاعـادي لزلزل

الـوجـود بـهم لـكنما قـضي الأمـر

وآثـر أن يـسعى إلى الـموت صابرا

ونـفس أبـيِّ الـضيم شـيمتها الـصبر

فـأضحى عـلى الرمضاء شلواً تناهبت

حـشـاه الـعـوالي والـمـهندة الـبتر

قـضى بـين أطـراف الأسَّـنة ظـامياً

بِـحَرِّ حـشى مـن دون غـلتها الـجمر

فـلـهفي عـليه فـوق صـالية الـثرى

عـلى جـسمه تـجري المسومة الضمر

أبــا حـسـن شـكوى الـيك وانـها

لـواعجُ أشـجان يـجيش بـها الـصدر

أتـدري بـما لاقـت مـن الكرب والبلا

ومـا واجـهت بـالطفَّ أبـناؤك الـغر

أُعـزيـك فـيـهم انـهم وردوا الـردى

بـأفـئدة مــا بــل غـلَّـتها قـطر

وثـاويـنَ فـي حـر الـهجيرة بـالعرا

عـليهم سـوافي الـريح بـالترب تنجرُّ

مـتـى أيـها الـموتور تـبعث غـارة

تـعيد الـعدى والـبر مـن دمـهم بحر

أتـغضي وأنـت الـمدرك الثار عن دم

بـرغم الـهدى أضـحى ولـيس له وتر

وتـلـك بـجنب الـطَّف فـتيان هـاشم

ثَـوَتْ تـحت أطـراف الـقنا دمها هدر

فــلا صـبر حتّى تـرفعوها ذوابـلا

مـن الـخطِّ لا يـلوي بـخرصانها كسر

وتـقـتـدحوها بـالـصوارم جــذوة

من الحرب يصلى جمرها الجحفحل المجر

وتـبـتعثوها فــي الـمغار صـوأهلا

مـن الـخيل مـقروناً بـأعرافها النصر

فـكـم نـكـأت مـنـكم أمـية قـرحة

إلى الـحشر لا يأتي على جرحها السبر

فـمِـنْ صـبـية قـد ارضـعتها أمـية

ضــروع الـمـنايا والـدماء لـها درُّ

فـها هـي صـرعى والـسهام عواطف

حـنـواً عـليها والـرمال لـها حـجر

ومـن حُـرَّة بـعد الـمقاصير أصبحت

بـمـقفرة كـالـجمر يـوقـدها الـحرُّ

وزاكـية لـم تـلف فـي الـنوح مسعداً

سـوى انـها بـالسوط يـزجرها زجـر

ومـذعـورة أضـحـت وخـفاق قـلبها

تـكـاد شـظـاياه يـطير بـها الـذعر

ومـذهولة مـن دهـشة الـخيل ابرزت

عـشـيَّة لا كـهـف لـديها ولا خـدر

تـجـاذبها أيــدي الـعـدو خـمارها

فـتـستر بـالايـدي اذا أعـوز الـسِّتر

ســرت تـتـراماها الـعداة سـوافراً

يـروح بـها مـصر ويـغدو بها مصر

ربـيـبات خـدر أيـن مـنهنَّ خـطّة

الـموامي ولا يـدرينَ ما السهل والوعر

١٧٢

تـطوف بـها الأعـداء فـي كـل مَهمَهٍ

فـيـجذبها قـفـر ويـقـذفها قـفر(١)

التنعيم

وسار الحسين من مكّة ومرّ بالتنعيم(٢) ، فلقى عيراً عليها وَرَس وحلل أرسلها إلى يزيد بن معاوية واليه على اليمن، بحير بن يسار الحميري، فأخذها الحسينعليه‌السلام وقال لأصحاب الإبل:«مَن أحبّ منكم أنْ ينصرف معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنّا صحبته، ومَن أحبّ المفارقة أعطيناه من الكراء على ما قطع من الأرض»، ففارقه بعضهم ومضى مَن أحبّ صحبته(٣) .

وكان الحسينعليه‌السلام يرى أنّ هذا ماله الذي جعله الله تعالى له يتصرّف فيه كيف شاء؛ لأنّه إمام على الاُمّة منصوب من المهيمن سبحانه، وقد اغتصب يزيد وأبوه حقّه وحقّ المسلمين، فكان من الواجب عليه أنْ يحتوي على فَيء المسلمين لينعش المحاويج منهم، وقد أفاض على الأعراب الذين صحبوه في الطريق ورفعوا إليه ما مسّهم من مضض الفقر، غير أنّ محتوم القضاء لَم يمكّن سيّد شباب أهل الجنّة من استرداد ما اغتصبه الجائرون من أموال اُمّة النّبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنْ ارتفعت بتضحيته المقدّسة عن البصائر حجب التمويه، وعرفوا ضلال المستعدين على الخلافة الإلهيّة.

____________________________

(١) للحجة السيد محمّد حسين الكيشوان، طبِعت في مثير الأحزان للعلامة الشيخ شريف الجواهري.

(٢) في معجم البلدان ٢ / ٤١٦: التنعيم (بالفتح ثم السكون وكسر العين المهملة وياء ساكنة وميم موضع): بمكة في الحل على فرسخين من مكة؛ وسمى به لأنّ عن يمينه جبل اسمه نعيم، وآخر عن شماله اسمه ناعم، والوادي نعيمان وبه مساجد.

وفي العقد الثمين في فضائل البلد الأمين لأحمد بن محمّد الخضراوي /٦٠، الفصل الثالث، الطبعة الثانية: التنعيم يبعد عن مكة ثلاثة أو أربعة أميال.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٨، ومقتل الخوارزمي ١ / ٢٢٠، والبداية ٨ / ١٦٦، والارشاد للشيخ المفيد، ومثير الاحزان لابن نما / ٢١.

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ / ٣٢٧ الطبعة الاُولى بمصر: وإنّ هذا المال الذي أخذه الحسين حمل إلى معاوية بن أبي سفيان وإنّ الحسين كتب إلى معاوية:«أنّ عيراً مرّت بنا من اليمن تحمل مالاً وحللاً وعنبراً إليك لتودعه في خزائن دمشق وتعل بها بعد النهل بني أبيك، وإنّي احتجت إليها فأخذتها» . فكتب إليه معاوية وفيه: إنّك أخذت المال ولَم تكن جديراً به بعد أن نسبته إليّ؛ لأنّ الوالي أحق بالمال، ثمّ عليه الخرج. وأيم الله لو ترك ذلك حتّى صار إليّ لم أبخسك حظّك منه، ولكن في رأسك نزوة، وبودّي أن يكون ذلك في زماني فأعرف قدرك وأتجاوز عنك، ولكنّي والله لأتخوّف أن تبلى بمن لا ينظرك فواق ناقة.

١٧٣

الصفاح

وفي الصفاح لَقِي الحسينعليه‌السلام الفرزدق بن غالب الشاعر، فسأله عن خبر النّاس خلفه، فقال الفرزدق: قلوبهم معك والسيوف مع بني اُميّة، والقضاء ينزل من السماء. فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :«صدقت لله الأمر، والله يفعل ما يشاء، وكلّ يوم ربّنا في شأن، إنْ نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر، وان حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد مَن كان الحقّ نيّته والتقوى سريرته» ، ثمّ سأله الفرزدق عن نذور ومناسك، وافترقا(١) .

ويروى عن الفرزدق أنّه قال: خرجت من البصرة اُريد العمرة فرأيتُ عسكراً في البرية، فقلتُ: عسكر من؟ قالوا عسكر حسين بن علي، فقلتُ: لأقضينّ حقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأتيته وسلّمت عليه، فقال:«مَن الرجل؟» قلت: الفرزدق بن غالب، فقال: هذا نسب قصير، قلت: أنت أقصر منّي نسباً أنت ابن بنت رسول الله(٢) .

ذات عرق

وسار أبو عبد اللهعليه‌السلام لا يلوي على أحد، فلقي في ذات عرق(٣) بُشْرَ

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٨، وكامل ابن الأثير ٤ / ١٦، والارشاد للمفيد.

وفي تذكرة الحفاظ للذهبي ١ / ٣٣٨: كانت ملاقاة الفرزدق معه بذات عرق.

وفي معجم البلدان: الصفاح: بين حنين وانصاب الحرم بسرة الداخل إلى مكة.

(٢) أنوار الربيع للسيد علي خان، باب التكرار / ٧٠٣.

(٣) في البحر الرائق لابن نجيم الحنفي ٢ / ٣١٧: بين ذات عرق ومكة مرحلتان.

وفي الفروع لابن مفلح ٢ / ٢١٦: بينهما ليلتان، وسمي بجبل صغير فيه، كما في تاج العروس ٧ / ٨، وذات عرق عند أهل السنة ميقات أهل الشرق ومنه العراق وخراسان، و روايات الإمامية تحكي توقيت رسول الله للعراقيين العقيق، واستحسنه الشافعي في الام ٢ / ١١٨؛ لاعتقاده أنّ ذات عرق غير منصوص عليه، وإنّما وقّته عمر، كما في البخاري عن ابن عمر، وفي المغني لابن قدامة ٣ / ٢٥٧: عن ابن عبد البر الاحرام من العقيق أولى، وإنْ كان ذات عرق ميقات أهل الشرق أجمع، وفي فتح الباري ٣ / ٢٥٠: قطع الغزالي والرافعي والنووي والمدونة لمالك: أنّ ذات عرق غير منصوص، وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية أنّه منصوص.

وفي معجم البلدان ٦ / ١٩٩: يقع العقيق ببطن وادي ذي الحليفة، وهو أقرب منها إلى مكّة، واحتاط فقهاء الإماميّة بترك الاحرام من ذات عرق، وهو آخر العقيق.

١٧٤

ابن غالب وسأله عن أهل الكوفة قال: السيوف مع بني اُميّة والقلوب معك قالعليه‌السلام :«صدقت» (١) .

وحدّث الرياشي عمَّن اجتمع مع الحسينعليه‌السلام في أثناء الطريق إلى الكوفة يقول الراوي: بعد أنْ حججتُ انطلقتُ أتعسّف الطريق وحدي، فبينا أسير إذ رفعتُ طرفي إلى أخبية وفساطيط فانطلقتُ نحوها فقلتُ: لِمَن هذه الأخبية؟ قالوا: للحسين بن علي، وابن فاطمةعليهم‌السلام وانطلقتُ نحوه فإذا هو متّكئ على باب الفسطاط يقرأ كتاباً بين يدَيه فقلتُ: يابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأبي أنت واُمّي، ما أنزلك في هذه الأرض القفراء التي ليس فيها ريف ولا منعة؟ قالعليه‌السلام :«إنّ هؤلاء أخافوني، وهذه كتب أهل الكوفة وهم قاتلي، فإذا فعلوا ذلك ولَم يدعوا لله محرماً إلاّ انتهكوه، بعث الله إليهم من يقتلهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام الأمة» (٢) .

الحاجر

ولما بلغ الحاجر(٣) من بطن الرمة كتب إلى أهل الكوفة جواب كتاب مسلم ابن عقيل وبعثه مع قيس بن مسهّر الصيداوي(٤) وفيه:«أمّا بعد، فقد ورد عليَّ

____________________________

(١) مثير الأحزان لابن نما / ٢١.

(٢) وفي البداية ٨ / ١٦٩:«حتّى يكونوا أذلّ من قرم الأمة» وفسّر القرم بالمقنعة، ولم أجد هذا التفسير في اللغة، والصحيح كما تقدّم (فرام الأمة) بالفاء الموحّدة: وهو عجم الزبيب، تضيّق به المرآة مسلكها.

(٣) في معجم البلدان: الحاجز ما يمسك الماء من شفة الوادي وفيه ٤ / ٢٩٠: بطن الرمة منزل لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة، وفيه تجتمع أهل الكوفة والبصرة، وفي تاج العروس ٣ / ١٣٦: الحاجر مكان بطريق مكّة، وفي تاريخ الأدب العربي لعمر فروخ ١ / ١٩٥، بترجمة زهير بن أبي سلمى قال: الحاجر جنوب الرياض اليوم من أرض نجد. وفي معجم البلدان ٢ / ٢١٩: بطن الرمة (بتشديد الميم والراء) وادٍ معروف بعالية نجد. ونقل رضا كحالة في هامش كتاب جغرافية شبه جزيرة العرب ص٢٧٤ عن ابن دريد ان الرمة قاع عظيم بنجد تنصب فيه أوديه وعن ابن الاعرابي: الرمة طويلة عريضة تكون مسيرة يوم تنزل أعاليها بنو كلاب ثم تنحدر فتنزل عبس وغيرهم من غطفان ثم تنحدر فتنزل بنو اسد. وقال الاصمعي بطن الرمة واد عظيم يدفع عن يمين فلجع والدثينة حتى يمر بين أبانين الابيض والاسود وبينهما ثلاثة أميال ثم قال: الرمة تحييء من الغور والحجاز فأعلى الرمة لاهل المدينة وبني سليم ووسطها لبني كلاب وغطفان واسفلها لبني أسد وعبس ثم يقع في رمل العيون..

(٤) في روضة الواعظين لعلي بن محمّد الفتال النيسابوري / ١٥٢: يقال بعثه مع عبد الله بن يقطر، ويجوز أنّه أرسل اليهم كتابين أحدهما مع عبد الله بن يقطر والآخر مع قيس بن مسهر. وفي الاصابة ٣ / ٤٩٢ بعد أنْ ذكر نسب قيس قال: وكان مع الحسين لمّا قتل بالطف، وهو اشتباه؛ فإنّ ابن زياد قتله بالكوفة.

١٧٥

كتاب مسلم بن عقيل يخبرني باجتماعكم على نصرنا والطلب بحقّنا، فسألتُ الله أنْ يُحسن لنا الصنع ويثيبكم على ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحِجّة، فإذا قدم عليكم رسولي، فانكمشوا في أمركم، فإنّي قادم في أيّامي هذه».

بعض العيون

وسار من الحاجر، وكان لا يمرّ بماء من مياه العرب إلاّ اتبعوه(١) ، فانتهى إلى ماء من مياه العرب عليه عبد الله بن مطيع العدوي، ولمّا عرف أنّ الحسين قاصد للعراق قال له: اُذكّرك الله يابن رسول الله وحرمة الإسلام أنْ تنتهك، اُنشدك الله في حرمة العرب، فوالله لئن طلبتَ ما في أيدي بني اُميّة ليقتلوك، ولئن قتلوك لا يهابوا أحداً بعدك. فأبى الحسين إلاّ أنْ يمضي(٢) .

الخزيمية

وأقامعليه‌السلام في الخزيمية(٣) يوماً وليلة فلمّا أصبح أقبلتْ إليه اُخته زينبعليها‌السلام وقالت: إنّي سمعتُ هاتفاً يقول:

ألا يـا عـينُ فاحتفلي بجهد

فمن يبكي على الشهداء بعدي

عـلى قـوم تـسوقهُمُ المنايا

بـمقدارٍ إلى انـجاز وعدِ

____________________________

(١) البداية لابن كثير ج٨ ص١٦٨.

(٢) ارشاد المفيد.

(٣) بضم اوله وفتح ثانيه نسبة إلى خزيمة بن حازم تقع بعد زرود للذاهب من الكوفة إلى مكة وما نذكره من ترتيب المنازل اخذناه من «معجم البلدان».

(٤) ابن نما ص٢٣.

١٧٦

زرود

ولما نزل الحسين في زرود(١) نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي(٢) ، وكان غير مشايع له، ويكره النّزول معه، لكنّ الماء جمعهم في المكان. وبينا زهير وجماعة على طعام صنع لهم إذ أقبل رسول الحسين يدعو زهيراً إلى سيّده أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فتوقّف زهير عن الإجابة غير أنّ امرأته دلهم بنت عمرو حثّته على المسير إليه وسماع كلامه(٣) .

فمشى زهير إلى الحسينعليه‌السلام ، وما أسرع أن عاد إلى أصحابه فرحاً قد أسفر وجهه وأمر بفسطاطه وثقله فحوِّل إلى جهة سيّد شباب أهل الجنّة، وقال لامرأته: الحقي بأهلك، فإنّي لا اُحبّ أنْ يصيبك بسببي إلاّ خير. ثمّ قال لمَن معه: مَن أحبّ منكم نصرة ابن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وإلاّ فهو آخر العهد.

ثمّ حدّثهم بما أوعز به سلمان الفارسي من هذه الواقعة فقال: غزونا بَلَنجَر(٤) ففتحنا وأصبنا الغنائم، وفرحنا بذلك، ولمّا رأى سلمان الفارسي(٥) ما نحن فيه من السرور قال: إذا أدركتم سيّد شباب آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكونوا

____________________________

(١) في المعجم ممّا استعجم ٢ / ٦٩٦: (بفتح أوله وبالدال المهملة في آخره) وفي معجم البلدان ٤ / ٣٢٧: إنها رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج من الكوفة، وهي دون الخزيمية بميل وفيها بركة وحوض، وفيها وقعة يقال لها يوم زرود.

(٢) وفي جمهرة أنساب العرب لابن حزم / ٣٦٥، عند ذكر قبائل بجيلة قال: زهير بن القين بن الحارث بن عامر بن سعد بن مالك بن زهير بن عمرو بن يشكر بن علي بن مالك بن سعد بن تُزَين بن قسر بن عبقر بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. وفي صفحة ٣١٠ قال: سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

(٣) اللهوف / ٤٠.

(٤) في معجم البلدان والمعجم ممّا استعجم: (بالباء واللام المفتوحتين والنون الساكنة والجيم المفتوحة والراء المهملة) مدينة الخزر عند باب الأبواب فتحت سنة ٣٣ على يد سلمان بن ربيعة الباهلي، ولم أجد فيهما ولا في غيرهما مدينة اُخرى تسمّى بلنجر إلاّ أنّ ابن حجر في الاصابة ٣ / ٢٧٤، القسم الثالث، ترجمة قيس بن فروة بن زرارة بن الأرقم قال: شهد فتوح العراق واستشهد في بلنجر من أرض العراق - ثمّ ذكر ضبطها كما تقدّم - قال: وكان أمير الوقعة سلمان بن ربيعة.

(٥) نصّ عليه الشيخ المفيد في الارشاد، والفتال في روضة الواعظين / ١٥٣، وابن نما في مثير الأحزان / ٢٣، والخوارزمي في المقتل ١ / ٢٢٥ الفصل الحادي عشر، وابن الأثير في الكامل ٤ / ١٧، والبكري في المعجم ممّا استعجم ١ / ٣٧٦، ويؤيّده ما في تاريخ الطبري ٥ / ٧٧، وابن الأثير في الكامل ٣ / ٥٠ من وجود سلمان الفارسي في هذه الغزوة.

١٧٧

أشدّ فرحاً بقتالكم معه بما أصبتم من الغنائم. فأمّا أنا فأستودعكم الله(١) .

فقالت زوجته: خار الله لك وأسألك أنْ تذكرني يوم القيامة عند جدّ الحسينعليه‌السلام (٢) .

وفي زرود اُخبر بقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة، فاسترجع كثيراً وترحم عليهما مراراً(٣) وبكى، وبكى معه الهاشميّون وكثر صراخ النّساء حتّى ارتجّ الموضع لقتل مسلم بن عقيل وسالت الدموع كلّ مسيل(٤) .

فقال له عبد الله بن سليم والمنذر بن المشمعل الأسديّان: ننشدك الله يابن رسول الله ألاّ انصرفت من مكانك هذا؛ فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر.

فقام آل عقيل وقالوا: لا نبرح حتّى ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أخونا، فنظر إليهم الحسين وقال:«لا خير في العيش بعد هؤلاء» (٥) .

فـيا ابن عقيل فدتك النفو

س لـعظم رزيتك الفادحة

لِـنَبْكِ لـها بـمذاب القلو

ب فما قدر ادمعنا المالحة

وكـم طفلة لك قد اعولت

وجمرتها في الحشا قادحة

يـعززها السبط في حجره

لتغدو في قربه فارحة(٦)

تقول: مضى عمُّ مني أبي

فـمن لـيتيمته النائحة(٧)

ثـكول تبيت بليل اللسيع

تـعجُّ وعن دارها نازحة

وكـم مـن كميٍّ بأحشائه

تـركت زناد الاسى قادحه

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٤، ومقتل الخوارزمي ١ / ٢٢٢.

(٢) مثير الأحزان لابن نما / ٢٣، واللهوف / ٤٠، و ورد في تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٤ الطبعة الاُولى: إنّ زهيراً قال لزوجته: أنت طالق، ألحقي بأهلك، فإنّي لا اُحبّ أنْ يلحقك بسببي إلا خيرا هـ. ولا أعرف الغاية المقصودة له من هذا الطلاق؟ هل أراد طردها من الميراث؟ أو أنّه أباح لها التزويج بعد انتهاء ثلاثة أشهر؟ أو أنّه لا يرغب في أن تكون زوجة له في الآخرة؟ كما طلّق أمير المؤمنينعليه‌السلام بعض نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وطلّق الإمام الرضاعليه‌السلام اُم فروة: زوجة الكاظمعليه‌السلام ؟ مع إنّ هذه الحرّة لها فضل عليه بإرشاده إلى طريق السّعادة بالشهادة، والذي يهون الأمر أن مصدر الحديث (السّدي).

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٩٩٥، وفي البداية لابن كثير ٨ / ١٦٨: استرجع مراراً

(٤) اللهوف / ٤١: ولمْ أقف على مصدر وثيق ينصّ على أنّ الحسين أخذ بنت مسلم المسمّاة حميدة ومسح على رأسها فأحسّت بالشرّ، إلى آخره.

(٥) كامل ابن الأثير ٤ / ١٧، وسِيَر أعلام النبلاء للذهبي ٢ / ٢٠٨.

(٦) من أبيات للشيخ قاسم الملا الحلّي ذُكرت في كتاب الشهيد مسلم / ٢١٠.

١٧٨

دربت ابن عمك يوم الطفو

ف نـعاك باسرته الناصحة

تـحفُّ بـه مـنهُمُ فـتية

صـباح واحسابهم واضحة

بكاك بماضي الشّبا والوغى

وجـوه الـمنايا بها كالحة

أقـام بضرب الطلى مأتماً

عليك وبيض الظبى نائحة

ونـادى عشيرتك الاقربين

خذي الثأر يا اسرة الفاتحة

وخاض بهم في غمار الحتو

ف ولـكنَّها بالظبى طائحة

وقـال لها: يا نزار النزال

فحربك في جِدِّها مازحة(١)

الثعلبية

وفي الثعلبيّة أتاه رجل وسأله عن قوله تعالى:( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) (٢) فقالعليه‌السلام :« إمام دعا إلى هدى فأجابوا إليه، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوا إليها، هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النّار، وهو قوله تعالى: ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) (٣)(٤) ».

وفي هذا المكان اجتمع به رجل من أهل الكوفة فقال له الحسين:«أما والله، لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل في دارنا ونزوله بالوحي على جدّي. يا أخا أهل الكوفة، من عندنا مستقى العلم، أفَعَلِموا وجهلنا؟! هذا ممّا لا يكون» (٤) .

وحديث بجير من أهل الثعلبية، قال مرّ الحسين بنا وأنا غلام فقال له أخي: يابن بنت رسول الله أراك في قلّة من النّاس، فأشار بالسّوط إلى حقيبة لرجل وقال:«هذه مملوءة كتباً» (٥) .

____________________________

(١) للشيخ محمّد رضا الخزاعي، راجع كتابنا الشهيد مسلم.

(٢) سورة الاسراء / ٧١.

(٣) سورة الشورى / ٧.

(٤) أمالي الصدوق / ٩٣: الثعلبية (بفتح أوله) سمي باسم رجل اسمه ثعلبة من بني أسد نزل الموضع واستنبط عيناً، وهي بعد الشقوق للذاهب من الكوفة إلى مكة، معجم البلدان.

وفي وفاء الوفاء للسمهودي ٢ / ٣٥: حمّى فيه ماء يقال له الثعلبية. وفي البلدان لليعقوبي / ٣١١ ملحق بالاعلاق النفسيّة لابن رسته، بالافست: الثعلبية مدينة عليها سور.

(٥) بصائر الدرجات للصفار / ٣، واُصول الكافي باب مستقى العلم من بيت آل محمّد.

(٦) سِيَر أعلام النبلاء للذهبي ٣ / ٢٠٥.

١٧٩

الشقوق

وفي الشقوق(١) رأى الحسين رجلاً(٢) مقبلاً من الكوفة فسأله عن أهل العراق فأخبره أنّهم مجتمعون عليه فقالعليه‌السلام :«إنّ الأمر لله، يفعل ما يشاء، وربّنا تبارك هو كلّ يوم في شأن» ، ثمّ أنشد.

فـإنْ تـكن الـدنيا تُـعَدُّ نـفيسة

فـدار ثـواب اللـه أعـلى وانبل

وإنْ تـكن الأمـوال للترك جمعها

فـما بـال متروك به المرء يبخل

وإنْ تـكن الأرزاق قَـسْماً مـقدّراً

فقلّة حرص المرء في الكسب أجمل

وإنْ تـكن الأبـدان للموت أُنشئت

فقتل امرىء بالسيف في الله أفضل

عـليكم سـلام الله يـا آل أحـمد

فانِّي أراني عنكُمُ سوف أرحل(٣)

زُبالة

وفي زبالة اُخبر بقتل عبد الله بن يقطر الذي أرسله الحسين من الطريق إلى مسلم بن عقيل، فقبض عليه الحصين بن نمير في القادسيّة وسرّحه إلى عبيد الله بن زياد، فأمره أنْ يصعد المنبر ويلعن الكذّاب ابن الكذّاب، ولمّا أشرف على النّاس قال: أيّها النّاس أنا رسول الحسين بن فاطمة؛ لتنصروه وتؤازروه على ابن مرجانة، فأمر به عبيد الله فاُلقي من فوق القصر، فتكسّرت عظامه وبقي به رَمَق، فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه، فلمّا عيب عليه قال: إنّما أردت أنْ اُريحه، وقيل الذي ذبحه رجل طوال يشبه عبد الملك بن عمير..

فأعلم بذلك النّاس وأذِنَ لهم بالانصراف، فتفرّقوا عنه يميناً وشمالاً، وبقي في أصحابه الذين جاؤا معه من مكّة وإنّما تبعه خلق كثير من الأعراب؛ لظنّهم أنّه يأتي بلداً أطاعه أهله، فكرهعليه‌السلام أن يسيروا معه إلاّ على عِلمٍ بما يقدمون

____________________________

(١) ابن شهر آشوب ٢ / ٢١٣: الشقوق (بالضم): منزل بعد زبالة للذاهب من الكوفة إلى مكة، هو لبني أسد فيه قبر العبادي (معجم البلدان).

(٢) سمّاه الخوارزمي في المقتل ١ / ٢٣٣: الفرزدق. وهو اشتباه.

(٣) لم يذكر الخوارزمي في المقتل ١ / ٢٢٣ البيت الخامس، وجعلها من إنشائهعليه‌السلام .

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437