مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)13%

مقتل الامام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-8163-70-7
الصفحات: 437

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243939 / تحميل: 10025
الحجم الحجم الحجم
مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٨١٦٣-٧٠-٧
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

البتول شبيهة أمّي، ويُلحد فيها، طينة أطيب من المِسك؛ لأنّها طينة الفرْخ المستشهَد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، فهذه الظباء تكلّمني وتقول إنّها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرْخ المبارك، وزَعمت أنّها آمنة في هذه الأرض، ثمّ ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمّها وقال: هذه بعْر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها، اللّهمّ فأبقِها أبداً حتّى يشمّها أبوه فيكون له عزاء وسلوة...) (١) .

مصاب الحسينعليه‌السلام في حياة أنبياء اللهعليهم‌السلام وأُممهم

١) - ونقل العلاّمة المجلسي (ره) عن كتاب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى:( فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ... ) ، أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ والأئمةعليهم‌السلام ، فلقّنه جبرئيل:(قل: يا حميد بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ عليّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن والحسين ومنك الإحسان، فلمّا ذُكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال:يا أخي جبرئيل، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عَبرتي؟

قال جبرئيل:ولدك هذا يُصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب.

فقال:يا أخي، وما هي؟

قال:يُقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً، ليس له ناصرٌ ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: واعطشاه! واقلّة ناصراه! حتى يحُول العطش بينه وبين السماء كالدخان، فلم يُجِبه أحدٌ إلاّ بالسيوف وشرب الحتوف! فيُذبح ذبح الشاة من قَفاه! ويَنهب رَحلَه أعداؤه! وتُشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٤٧٨ - ٤٨٠ المجلس ٨٧ رقم ٥، وكمال الدين: ٢: ٥٣٢ - ٥٣٥، باب ٤٨، رقم١.

(٢) البقرة: ٣٧.

٤١

المنّان)، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى)(١) .

٢) - روى الشيخ الصدوق (ره) بسند عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضاعليه‌السلام يقول:(لمّا أمر الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه‌السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبْش الذي أنزله عليه، تمنّى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل عليه‌السلام بيده، وأنّه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه؛ ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ وِلده بيده، فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب!

فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: يا إبراهيم، مَن أحبّ خلقي إليك؟

فقال: يا ربّ، ما خلقتَ خلقاً هو أحبّ إليَّ من حبيبك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: يا إبراهيم، أفهو أحبّ إليك أو نفسك؟

قال: بل هو أحبُّ إليَّ من نفسي.

قال: فولدهُ أحبّ إليك أو ولدك؟

قال: بل ولده.

قال: فَذبحُ ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك، أو ذبح وَلدكَ بيدك في طاعتي؟

قال: يا ربّ، بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي.

قال: يا إبراهيم، فإنّ طائفة تزعم أنّها من أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستقتل الحسينعليه‌السلام ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يُذبح الكبش، فيستوجبون بذلك سخطي.

فجزع إبراهيمعليه‌السلام لذلك وتوجّع قلبه، وأقبلَ يبكي!

فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: يا إبراهيم، قد فديتُ جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسينعليه‌السلام وقتله، وأوجبتُ لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب!

____________________

(١) البحار: ٤٤، باب ٣٠، حديث رقم ٤٤.

٤٢

فذلك قول الله عزّ وجلّ: ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) ، ولا حول ولا قوّة لاّ بالله العليّ العظيم) (١) .

٣) - ونقل الشيخ قطب الدين الراوندي عن تاريخ محمّد النجّار، شيخ المحدّثين بالمدرسة المستنصرية بإسناد مرفوع إلى أنس بن مالك، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:(لمّا أراد الله أن يهلك قوم نوح أوحى إليه أن شُقَّ ألواح الساج، فلمّا شقّها لم يدرِ ما يصنع بها، فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت بها مئة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار، فسمّر بالمسامير كلّها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير، فضرب بيده إلى مسمار فأشرق بيده وأضاء كما يُضيء الكوكب في أُفق السماء فتحيّر نوح، فأنطقَ الله المسمار بلسان طلِق ذلِق: أنا على اسم خير الأنبياء محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فهبط جبرئيل، فقال له: يا جبرئيل، ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله؟

فقال: هذا باسم سيّد الأنبياء محمّد بن عبد الله، أَسْمِرْهُ على جانب السفينة الأيمن.

ثمّ ضرب بيده على مسمار ثانٍ فأشرقَ وأنار!

فقال نوح: وما هذا المسمار؟

فقال: هذا مسمار أخيه وابن عمّه سيّد الأوصياء عليّ بن أبي طالب، فأسْمِرْهُ على جانب السفينة الأيسر في أوّلها.

ثمّ ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرقَ وأنار!

____________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ١: ٢٠٩، باب ١٧ حديث رقم ١ / وعنه البحار: ٤٤: ٢٢٥، باب ٣٠، حديث رقم ٦ (وعن أمالي الصدوق أيضاً)، وقال العلاّمة المجلسي (ره) في ذيل هذا الخبر: (وأقول: ليس في الخبر أنّه فدى إسماعيل بالحسين، بل فيه أنّه فدى جزع إبراهيم على إسماعيل بجزعه على الحسينعليه‌السلام ، وظاهرٌ أنّ الفداء على هذا ليس على معناه، بل المراد التعويض، ولما كان أسفهُ على ما فات منه من ثواب الجزع على ابنه، عوّضه الله بما هو أجلّ وأشرف وأكثر ثواباً، وهو الجزع على الحسينعليه‌السلام ).

٤٣

فقال جبرئيل: هذا مسمار فاطمة فأسمِره إلى جانب مسمار أبيها.

ثمّ ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار!

فقال جبرئيل: هذا مسمار الحسن فأسمِره إلى جانب مسمار أبيه، ثمّ ضرب إلى مسمار خامس فزهر وأنار وأظهر النداوة!

فقال جبرئيل: هذا مسمار الحسين فأسمِره إلى جانب مسمار أبيه.

فقال نوح: يا جبرئيل، ما هذه النداوة؟

فقال: هذا الدم.

فذكر قصّة الحسين عليه‌السلام وما تعمل الأمّة به، فلعن الله قاتله وظالمه وخاذله) (١) .

٤) - وروى الشيخ الصدوق (ره) بإسنادٍ إلى الإمام الرضاعليه‌السلام قال:(قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنَّ موسى بن عمران سأل ربّه عزّ وجلّ فقال: يا ربّ، إنّ أخي هارون مات فاغفر له، فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى، لو سألتني في الأوّلين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإنّي أنتقم له من قاتله) (٢) .

٥) - وروى الشيخ الصدوق (ره) في علل الشرائع بسندٍ إلى الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:(إنّ إسماعيل الذي قال الله عزّ وجلّ في كتابه: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ) ،لم يكن إسماعيل بن إبراهيم، بل كان نبيّاً من الأنبياء بعثه الله عزّ وجلّ إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه مَلَك فقال:

____________________

(١) البحار: ٤٤: ٢٣٠، باب ٣٠، حديث رقم ١٢ عن الخرايج والجرايح، ولم نجده في الخرايج والجرايح المطبوع.

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ٢: ٤٧، باب ٣١، حديث رقم ١٧٩ / والظاهر أنّ المراد بقاتل الحسينعليه‌السلام أعمّ وأوسع ممّن باشر قتله بذبحه، إذ يدخل في هذا العنوان الممهدِّون لقتله والآمرون بذلك، والذين اشتركوا في مواجهته وحصره وقتاله، ومَن أعان على ذلك، الراضون بذلك إلى قيام يوم الدين، هذا ما تؤكّده نصوص كثيرة متضافرة مأثورة عن أهل البيتعليهم‌السلام .

٤٤

إنّ الله جلّ جلاله بعثني إليك فمُري بما شئت، فقال: لي أُسوة بما يُصنع بالحسين عليه‌السلام ) (١) .

ورواه الشيخ الصدوق (ره) أيضاً بتفاوت وبسند آخر إلى الإمام الصادقعليه‌السلام (٢) .

وروى ابن قولويه (ره) بسندٍ عن بُرير بن معاوية العجليِّ قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : يا بن رسول الله، أخبِرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ) ، أكان إسماعيل بن إبراهيمعليهما‌السلام ؟ فإنَّ الناس يزعمون أنّه إسماعيل بن إبراهيم!

فقالعليه‌السلام :إنّ إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإنَّ إبراهيم كان حجّة لله قائماً، صاحب شريعة، فإلى مَن أُرسل إسماعيل إذاً؟

قلت: فمَن كان جُعلتُ فداك؟

قالعليه‌السلام :ذاك إسماعيل بن حزقيل النبيّ، بعثه الله إلى قومه فكذّبوه وقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب الله له عليهم، فوجّه إليه سطاطائيل مَلك العذاب، فقال له: يا إسماعيل، أنا سطاطائيل مَلَك العذاب، وجّهني إليك ربّ العزّ؛ لأُعذّب قومك بأنواع العذاب إن شئتَ، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك، فأوحى الله إليه: فما حاجتك يا إسماعيل؟ فقال: يا ربّ إنّك أخذتَ الميثاق لنفسك بالربوبيّة، ولمحمّد بالنبوّة، ولأوصيائه بالولاية، وأخبرتَ خير خلقك بما تفعل أمّته بالحسين بن علي عليهما‌السلام من بعد نبيّها، وإنّك وعدتَ الحسين عليه‌السلام أنْ تُكِرَّهُ إلى الدنيا حتّى ينتقم بنفسه ممّن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا ربّ أن تكِرَّني إلى الدنيا

____________________

(١) علل الشرائع: ٧٧، باب ٦٧، حديث رقم ٢، ورواه ابن قولويه (ره) مسنداً في كامل الزيارات: ٦٢ - ٦٣، باب ١٩، حديث رقم ١.

(٢) علل الشرائع: ٧٨، باب ٦٧، حديث رقم ٣. ورواه ابن قولويه (ره) مسنداً في كامل الزيارات: ٦٣، باب ١٩، حديث رقم ٢.

٤٥

حتى أنتقم ممّن فعل ذلك بي، كما تُكِرُّ الحسين عليه‌السلام ، فوعدَ الله إسماعيل بن حزقيل ذلك فهو يُكَرّ مع الحسين عليه‌السلام ) (١) .

٦) - وروى الشيخ الصدوق في أماليه بسندّ إلى سالم بن أبي جعدة قال: سمعت كعب الأحبار يقول: إنّ في كتابنا أنّ رجلاً من وِلْد محمّد رسول الله يُقتل، ولا يجفّ عرَق دوابّ أصحابه، حتّى يدخلوا الجنّة فيعانقوا الحور العِين.

فمرَّ بنا الحسنعليه‌السلام ، فقلنا: هو هذا؟

قال:(لا.

فمرَّ بنا الحسينعليه‌السلام فقلنا: هو هذا؟

قال:نعم) (٢) .

٧) - وروى الشيخ الصدوق (ره) أيضاً بسندٍ إلى يحيى بن يمان، عن إمامٍ لبني سليم، عن أشياخ لهم قالوا: غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم فوجدنا فيها مكتوباً:

أيرجو معشرٌ قتلوا حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب

قالوا: فسألنا: منذ كم هذا في كنيستكم؟

فقالوا: قبل أن يُبعث نبيّكم بثلاثمئة عام)(٣) .

وقال الشيخ ابن نما (ره): (وحدّث عبد الرحمان بن مسلم، عن أبيه أنّه قال: غزونا بلاد الروم فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينية وعليها شيء

____________________

(١) كامل الزيارات: ٦٣ - ٦٤، باب ١٩، حديث رقم ٣.

(٢) أمالي الصدوق: ١٢١ المجلس ٢٩، حديث رقم ٤.

(٣) أمالي الصدوق: ١١٣، المجلس ٢٧، حديث رقم ٦.

٤٦

مكتوب، فسألنا أُناساً من أهل الشام يقرأون بالرومية، فإذا هو مكتوب هذا البيت [ الشعر ].

وذكر أبو عمرو الزاهد في كتاب الياقوت قال: قال عبد الله بن الصفّار صاحب أبي حمزة الصوفي: غزونا غزاة وسبَينا سبياً، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى، فأكرمناه وأحسنّا إليه، فقال لنا: أخبَرَني أبي عن آبائه، أنّهم حضروا في بلاد الروم حضراً قبل أن يُبعث النبيّ العربي بثلاثمئة سنة، فأصابوا حجراً عليه مكتوب بالمسند هذا البيت من الشعر:

أترجو عُصبة قَتَلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب

والمسند كلام أولاد شيث)(١) .

الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ومصاب الحسينعليه‌السلام

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما ذكر ما يجري على الإمام الحسينعليه‌السلام من المصائب الفادحة، حزن واغتمّ وبكى وأبكى مَن حوله، منذ أن بشّرته الملائكة

____________________

(١) مثير الأحزان: ٩٦ - ٩٧ / وقال الشيخ ابن نما (ره) أيضاً: فروى النطنزي، عن جماعة، عن سليمان بن مهران الأعمش قال: بينما أنا في الطواف أيّام الموسم إذا رجل يقول: اللّهم اغفر لي وأنا أعلم أنّك لا تغفر، فسألته عن السبب فقال: كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين إلى يزيد على طريق الشام، فنزلنا أوّل مرحلة رَحَلنا من كربلا على دير للنصارى، والرأس مركوز على رمح، فوضعنا الطعام ونحن نأكل إذا بكفّ على حائط الدير يكتب عليه بقلم حديد سطراً بدم:

أترجو أمّة قَتلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب

فجزعنا جزعاً شديداً وأهوى بعضنا إلى الكفّ فغاب، فعاد أصحابي.

٤٧

بالحسينعليه‌السلام ، ثمّ منذ اليوم الأوّل من حياة الإمام الحسينعليه‌السلام إلى آخر أيّامهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمأثور المرويّ في هذا الصدد كثير متنوّع، انتقينا منه نماذج على سبيل المثال تبرّكاً، هي:

١) - روى ابن قولويه (ره) بسندٍ عن الإمام أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال:(أتى جبرئيل رسول الله فقال له: السلام عليك يا محمّد، ألا أُبشرّك بغلام تقتله أمّتك من بعدك؟

فقال: لا حاجة لي فيه.

قال: فانتهض إلى السماء، ثمّ عاد إليه الثانية فقال له مثل ذلك.

فقال: لا حاجة لي فيه.

فانعرج إلى السماء، ثمّ انقضّ إليه الثالثة فقال له مثل ذلك.

فقال: لا حاجة لي فيه.

فقال: إنّ ربّك جاعل الوصيّة في عَقِبه.

فقال: نعم.

ثمّ قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل على فاطمة، فقال لها: إنّ جبرئيل أتاني فبشّرني بغلام تقتله أمّتي من بعدي!

فقالت: لا حاجة لي فيه.

فقال لها: إنّ ربّي جاعل الوصيّة في عقِبه.

فقالت: نعم، إذاً.

قال:فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية: ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ) لموضع إعلام جبرئيل إيّاها بقتله ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً ) بأنّه مقتول، و ( وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ) ؛ لأنّه مقتول) (١) .

____________________

(١) كامل الزيارات: ٥٤، باب ١٦، حديث رقم ٣ / وانظر: حديث رقم ٤.

٤٨

٢) - وروى ابن قولويه (ره) أيضاً بسندٍ عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:(لمّا حَملت فاطمة بالحسين عليه‌السلام جاء جبرئيل إلى رسول الله فقال: إنّ فاطمة ستلد ولداً تقتله أمّتك من بعدك، فلمّا حملت فاطمة الحسين كرهت حمْله، وحين وضعتهُ كرهَت وضْعه).

ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :(هل رأيتم في الدنيا أُمّاً تلد غُلاماً فتكرهه؟! ولكنّها كرهته؛ لأنّها عَلمت أنّه سيُقتل).

قال:وفيه نزلت هذه الآية: ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (١) )(٢) .

٣) - قال الشيخ ابن نما (ره): (وقد روي عن زوجة العبّاس بن عبد المطّلب وهي أمُّ الفضل (لبابة بنت الحارث)، قالت: رأيت في النوم قبل مولده كأنّ قطعة من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قُطعت ووضعت في حِجري، فقصصت الرؤيا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:(إن صَدَقت رؤياكِ فإنّ فاطمة ستلد غلاماً وأدفعه إليك لترضعيه (٣) .

فجرى الأمر على ذلك، فجئت به يوماً فوضعته في حِجره فبال، فقطرت منه قطرة على ثوبهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقرصتهُ فبكى.

فقال كالمغضَب:مهلاً يا أمّ الفضل، فهذا ثوبي يُغسل، وقد أوجعتِ ابني! قالت: فتركتهُ ومضيت لآتيه بماء، فجئت فوجدتهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي، فقلت: ممّن بكاؤك يا رسول الله؟ فقال:إنّ جبرئيل أتاني فأخبرني أنّ أمّتي تقتل ولدي هذا!) (٤) .

____________________

(١) سورة الأحقاف: ١٥.

(٢) كامل الزيارات: ٥٤، باب ١٦، حديث رقم ٢.

(٣) روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله:(ولم يرضع الحسين من فاطمة ولا من أُنثى، لكنّه كان يؤتى به النبيّ فيضع إبهامه في فيه فيمصُّ منها ما يكفيه اليومين والثلاثة، فنبتَ لحم الحسين عليه‌السلام من لحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودمه من دمه..) (راجع: كامل الزيارات: ٥٥، باب ١٦، حديث رقم ٤).

(٤) مثير الأحزان: ١٦ - ١٧.

٤٩

٤) - وأخرج الشيخ الطوسي (ره) بسند عن الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال:(حدّثتني أسماء بنت عميس الخثعمية قالت: قبّلتُ جدّتك فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحسن والحسين عليهما‌السلام ، قالت: فلمّا ولدت الحسن عليه‌السلام جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا أسماء، هاتي ابني، قالت: فدَفعته إليه في خِرقة صفراء، فرمى بها وقال: ألم أعهد إليكنّ ألاّ تلفّوا المولود في خرقة صفراء؟!

ودعا بخرقة بيضاء فلفّه فيها، ثمّ أذّن في أُذنه اليمنى، وأقام في أُذنه اليسرى، وقال لعليّعليه‌السلام : بمَ سمّيتَ ابنك هذا؟ قال: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله، قال: وأنا ما كنت لأسبق ربّي عزّ وجلّ.

قال:فهبط جبرئيل فقال: إنّ الله عزّ وجلّ يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا محمّد، عليٌّ منك بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدك، فسمِّ ابنك باسم ابن هارون، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل، وما اسم ابن هارون؟ قال جبرئيل: شُبّر، قال: وما شُبّر؟ قال: الحسن، قالت أسماء: فسمّاه الحسن.

قالت أسماء: فلمّا ولدت فاطمة الحسينعليهما‌السلام نفّستُها به، فجاءني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: هلمّي ابني يا أسماء، فدفعته إليه في خرقة بيضاء، ففعل به كما فعل بالحسنعليه‌السلام ، قالت: وبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال: إنّه سيكون لك حديث! اللّهمّ العن قاتله، لا تُعلمي فاطمة بذلك.

قالت: فلمّا كان يوم سابعه جاءني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: هلمّي ابني.

فأتيتهُ به، ففعل به كما فعل بالحسن عليه‌السلام ، وعقّ عنه كما عقّ عن الحسن كبشاً أملح، وأعطى القابلة رِجلاً، وحلقَ رأسه، وتصدّق بوزن الشَعر وَرِقاً (١) ،وخلّق رأسه بالخَلُوق (٢) ،

____________________

(١) الوَرِق: الفضّة.

(٢) الخَلُوق: ضرب من الطيّب، أعظم أجزائه الزعفران.

٥٠

وقال: إنّ الدّم من فعل الجاهليّة، قالت: ثمّ وضعه في حِجره، ثمّ قال: يا أبا عبد الله، عزيزٌ عليَّ، ثمّ بكى، فقلت: بأبي أنت وأمّي، فعلتَ في هذا اليوم وفي اليوم الأوّل، فما هو؟ فقال: أبكي على ابني هذا، تقتله فئة باغية كافرة من بني أميّة، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، يقتله رجل يثلم الدين ويكفر بالله العظيم، ثمّ قال: اللّهمّ إنّي أسألك فيهما ما سألك إبراهيم في ذريّته، اللّهمّ أَحبّهما، وأحبَّ مَن يُحبّهما، والعن مَن يبغضهما مِلء السماء والأرض) (١) .

٥) - وروى فرات الكوفي (ره) عن جعفر بن محمّد الفزاري معنعناً، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال:(كان الحسين مع أُمّه تحمله، فأخذه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك، وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين مَن أعان عليك.

قالت فاطمة الزهراء: يا أبتِ، أيّ شيء تقول؟

قال: يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذٍ في عصبة كأنّهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل، وكأنّي أنظر إلى معسكرهم، وإلى موضع رِحالهم وتُربتهم.

قالت: يا أبه، وأين هذا الموضع الذي تصف؟

قال: موضع يقال له كربلاء، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمّة (الأئمة) يخرج عليهم شرار أمّتي، لو أنّ أحدهم شفع له مَن في السماوات والأرضين ما شفّعوا فيه، وهم المخلّدون في النار.

قالت: يا أبه، فيُقتلُ؟!

قال: نعم يا بنتاه، وما قُتل قتْلته أحدّ كان قبله، ويبكيه السماوات والأرضون، والملائكة، والوحش، والنباتات، والبحار، والجبال، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض

____________________

(١) أمالي الطوسي: ٣٦٧ - ٣٦٨، المجلس ١٣، حديث ٧٨١ / ٣٢.

٥١

متنفّس، ويأتيه قوم من محبّينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوَم بحقّنا منهم، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم، أولئك مصابيح في ظلمات الجَور، وهم الشفعاء، وهم واردون حوضي غداً، أعرفهم إذا وردوا عليَّ بسيماهم، وكلُّ أهل دين يطلبون أئمّتهم، وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا، وهم قوّام الأرض، وبهم ينزل الغيث.

فقالت فاطمة الزهراءعليها‌السلام : يا أبة، إنّا لله، وبكت.

فقال لها: يا بنتاه، إنّ أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا؛ بذلوا أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقّاً، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها، قَتلة أهون من مِيتة، ومَن كُتب عليه القتل خرج إلى مضجعه، ومَن لم يُقتل فسوف يموت.

يا فاطمة بنت محمّد، أمَا تحبّين أن تأمرين غداً بأمر فتُطاعين في هذا الخلق عند الحساب؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حَمَلة العرش؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟

أمَا ترضين أن يكون بعلُك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض، فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه؟ أما ترضين أن يكون بعلُك قسيم النار، يأمر النار فتطيعه، يُخرج منها مَن يشاء ويترك مَن يشاء.

أمَا ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليكِ وإلى ما تأمرين به، وينظرون إلى بعْلُكِ قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله، فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعْلُك إذا أفلجت حجّته على الخلائق وأُمرت النار أن تطيعه؟

أمَا ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك، ويأسف عليه كلّ شيء؟ أما ترضين أن يكون مَن أتاه زائراً في ضمان الله، ويكون مَن أتاه: بمنزلة مَن حجّ إلى بيت الله واعتمر، ولم يخلُ من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً، وإنْ بقي لم تزَل الحَفَظة تدعوا له ما بقي،

٥٢

ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا ؟

قالت: يا أبه، سلّمتُ، ورضيتُ، وتوكّلت على الله.

فمسحَ على قلبها ومسح عينيها، وقال: إنّي وبعلُكِ وأنتِ وابنَيك في مكان تقرّ عيناك ويفرح قلبك) (١) .

٦) - وروى الشيخ ابن نما (ره) قائلاً: (وعن عبد الله بن يحيى قال: دخلنا مع عليّعليه‌السلام إلى صِفّين، فلمّا حاذى نينوى نادى:(صبراً أبا عبد الله ، فقال:دخلتُ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعيناه تفيضان!

فقلت: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، ما لعينيك تفيضان؟ أغضَبكَ أحد؟

قال: لا، بل كان عندي جبرئيل فأخبرني أنّ الحسين يُقتل بشاطئ الفرات، فقال: هل لك أن أُشمّك من تُرتبه؟ قلت: نعم، فمدَّ يده فأخذ قبضة من تراب وأعطانيها، فلم أملك عينيَّ أن فاضتا، واسم الأرض كربلاء.

فلمّا أتت عليه سنتان خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سفر، فوقف في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه، فسُئل عن ذلك.

فقال: هذا جبرئيل يخبرني عن أرضٍ بشطّ الفرات يُقال لها كربلاء يُقتل فيها وَلدي الحسين.

فقيل: ومَن يقتله؟

قال:رجل يقال له يزيد، كأنّي أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها، وكأنّي أنظر على أقتاب المطايا وقد أُهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه الله، فو الله ما ينظر أحد إلى رأس الحسين ويفرح إلاّ خالف الله بين قلبه ولسانه، وعذّبه الله عذاباً أليماً) .

____________________

(١) تفسير فرات الكوفي: ٥٥ - ٥٦، وعنه البحار: ٤٤: ٢٦٤ - ٢٦٥، رقم ٢٢ / وانظر: كامل الزيارات: ٦٧ - ٦٨، باب ٢٢، رقم ٢.

٥٣

ثمّ رجع النبيّ من سفره مغموماً مهموماً كئيباً حزيناً، فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين، وخطبَ ووعظ الناس، فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين، ورفع رأسه إلى السماء وقال:

اللّهمّ إنّ محمّداً عبدك ورسولك ونبيّك، وهذان أطائب عترتي وخيار ذرّيتي وأُرومتي، ومَن أُخلِّفهما في أمّتي، وقد أخبرني جبرئيل أنّ ولَدي هذا مقتول بالسمّ، والآخر شهيد مضرّج بالدم، اللّهمّ فبارك له في قتله، واجعله من سادات الشهداء، اللّهمّ ولا تبارك في قاتله وخاذله، واصلِهِ حرَّ نارك واحشره في أسفل درك الجحيم.

قال: فضجّ الناس بالبكاء والعويل.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتبكون ولا تنصرونه؟! اللّهمّ فكن أنت له وليّاً وناصراً.

ثمّ قال: يا قوم، إنّي مخلّف فيكم الثِقلَين: كتاب الله، وعترتي وأُرومتي ومزاج مائي، وثمرة فؤادي، ومهجتي، لن يفترقا حتّى يرِدا عليَّ الحوض، ألا وإنّي لا أسألكم في ذلك إلاّ ما أمرني ربّي أن أسألكم عنه، أسألكم عن المودّة في القُربى، واحذروا أن تلقوني غداً على الحوض وقد آذيتم عترتي وقتلتُم أهل بيتي وظلمتموهم.

ألا إنّه سيرد عليَّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمّة:

الأولى: راية سوداء مظلمة قد فزعت منها الملائكة، فتقف عليَّ فأقول لهم: مَن أنتم؟ فينسون ذكري، ويقولون: نحن أهل التوحيد من العرب، فأقول لهم: أنا أحمد نبيّ العرب والعجم، فيقولون: نحن من أمّتك، فأقول: كيف خلفتموني من بعدي في أهل بيتي وعترتي وكتاب ربّي؟ فيقولون: أمّا الكتاب فضيّعناه، وأمّا العترة فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض، فلمّا أسمع ذلك منهم أعرض عنهم وجهي، فيصدرون عطاشاً مسوّدة وجوههم.

ثمّ ترد عليَّ راية أخرى أشدّ سواداً من الأولى، فأقول لهم: كيف خلفتموني من بعدي في الثقلين: كتاب الله، وعترتي؟

٥٤

فيقولون: أمّا الأكبر فخالفناه، وأمّا الأصغر فمزّقناهم كل ممزّق! فأقول: إليكم عنّي، فيصدرون عطاشاً مسوّدة وجوههم.

ثمّ ترد عليَّ راية تلمع وجوههم نوراً فأقول لهم: مَن أنتم؟ فيقولون: نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمّة محمّد المصطفى، ونحن بقيّة أهل الحق، حملنا كتاب ربّنا، وحلّلنا حلاله، وحرّمنا حرامه، وأحببنا ذريّة نبيّنا محمّد، ونصرناهم من كلّ ما نصرنا به أنفسنا، وقاتلنا معهم مَن ناواهم، فأقول لهم: أبشروا، فأنا نبيّكم محمّد، ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم، ثمّ أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويّين مستبشرين، ثمّ يدخلون الجنّة خالدين فيها أبد الآبدين) (١) .

٧) - روى الشيخ الصدوق (ره) بسند عن ابن عباس قال: (إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسنعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال:(إلى أين يا بُنيّ؟ فما زال يُدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى.

ثمّ أقبل الحسينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال:إلى أين يا بُنيّ؟ فما زال يُدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى.

ثمَّ أقبلت فاطمةعليها‌السلام ، فلمّا رآها بكى، ثمّ قال:إليَّ إليَّ يا بُنيّة، فأجلسها بين يديه، ثمّ أقبل أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال:إليَّ يا أخي، فما زال يُدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحداً من هؤلاء إلاّ بكيت! أَوَ ما فيهم مَن تُسَرُّ برؤيته؟!

____________________

(١) راجع: مثير الأحزان: ١٨ - ٢٠، وبحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٧ - ٢٤٩، وروى بعضه ابن أبي شيبة في مصنّفه: ١٥: ٩٨ رقم ١٩٢١٤، وأحمد في مسنده: ١: ٨٥.

٥٥

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :والذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة، إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجلّ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليَّ منهم، وأمّا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ... وأمّا الحسين فإنّه منّي، وهو ابني وولدي وخير الخلق بعد أخيه، وهو إمام المسلمين، ومولى المؤمنين، وخليفة ربّ العالمين، وغياث المستغيثين، وكهف المستجيرين، وحجّة الله على خلقه أجمعين، وهو سيّد شباب أهل الجنّة، وباب نجاة الأمّة، أمْرهُ أمري، وطاعته طاعتي، مَن تبعه فإنّه منّي، ومَن عصاه فليس منّي، وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يُصنع به بعدي، كأنّي به وقد استجار بحَرَمي وقُربي فلا يُجار! فأضمّه في منامه إلى صدري، وآمرهُ بالرحلة عن دار هجرتي، وأبشّره بالشهادة فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه أرض كرب وبلاء، وقتْلٍ وفَناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمّتي يوم القيامة، كأنّي أنظر إليه وقد رُمي بسهمٍ فخرّ عن فرَسه صريعاً، ثمّ يُذبح كما يُذبح الكبش مظلوماً.

ثمّ بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبكى مَن حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثمّ قامصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول:اللّهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي)، ثمّ دخل منزله) (١) .

٨) - (وروي عن عبد الله بن عبّاس (رض) أنّه قال: لما اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الذي مات فيه، وقد ضمَّ الحسينعليه‌السلام إلى صدره، يسيل من عرَقه عليه، وهو يجود بنفسه ويقول:(ما لي وليزيد؟! لا بارك الله فيه، اللّهمَّ العن يزيد) .

ثمّ غشي عليه طويلاً، وأفاق وجعل يُقبّل الحسين وعيناه تذرفان، ويقول:(أمَا إنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزّ وجلّ) (٢) .

____________________

(١) أمالي الشيخ الصدوق: ٩٩ - ١٠١، المجلس ٢٤، رقم ٢.

(٢) مثير الأحزان: ٢٢.

٥٦

أمير المؤمنين عليٌّعليه‌السلام ومصاب الحسينعليه‌السلام

وكما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعيش مأتماً متواصلاً، ويكابد حزناً شديداً وجزعاً عظيماً ويبكي بكاءً مُرّاً، ويُبكي مَن حوله؛ لمَا سوف يُصيب الإمام الحسينعليه‌السلام من عظيم البلاء، كذلك كان أمير المؤمنينعليه‌السلام . وإنَّ المأثور عنهعليه‌السلام في ذلك لَكثير، لكنّنا لا يسعنا هنا أيضاً إلاّ أن ننتقي منه نماذج على سبيل المثال تبرّكاً:

١) - روى الشيخ الصدوق (ره) بسند عن الأصبغ بن نباتة (ره) قال: (خرج علينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ذات يوم ويده في يد ابنه الحسنعليه‌السلام وهو يقول:(خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم ويدي في يده هكذا وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا، وهو إمام كلّ مسلم، ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي.

ألا وإنّي أقول: خير الخلق بعدي، وسيّدهم ابني هذا، وهو إمام كلّ مؤمن، ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي، ألا وإنّه سيُظلَم بعدي كما ظُلمتُ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه، المقتول في أرض كربلاء، أمَا إنّه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة...) (١) .

٢) - وأخرج الشيخ الصدوق (ره) أيضاً في أماليه بسند عن جبلة المكيّة قالت: سمعت ميثم التمّار يقول: (والله، لتَقتِلنّ هذه الأمّة ابن نبيّها في المحرّم لعشرٍ مضَين منه، وليتّخذنّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وإنّ ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره، أعلم ذلك بعهد عَهدهُ إليَّ مولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ولقد أخبرني أنّه:(يبكي عليه كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار، والطير في جوّ السماء، وتبكي عليه الشمس، والقمر، والنجوم، والسماء، والأرض،

____________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة: ١: ٢٥٩، باب ٢٤، رقم ٥، وعنه الراوندي في قصص الأنبياء: ٣٦٦ - ٣٦٧، رقم ٤٣٩، والطبرسي في إعلام الورى: ٣٧٧ - ٣٧٨.

٥٧

ومؤمنو الإنس والجنّ، وجميع ملائكة السماوات ورضوان ومالك، وحَملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً، ثمّ قال:وجَبَت لعنة الله على قَتلة الحسين عليه‌السلام كما وجبَت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر، وكما وجبَت على اليهود والنصارى والمجوس) .

قالت جبلة: فقلت: يا ميثم، وكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الذي يُقتل فيه الحسين بن عليّعليهما‌السلام يوم بركة؟!.

فبكى ميثم، ثمّ قال: سيزعمون بحديث يضعونه أنّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدمعليه‌السلام ، وإنّما تاب الله على آدمعليه‌السلام في ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي قبِل الله فيه توبة داود، وإنّما قبِل الله توبته في ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وإنّما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة، ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجوديّ، وإنّما استوت على الجوديّ يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وإنّما كان ذلك في شهر ربيع الأوّل.

ثمّ قال ميثم: يا جبلة، اعلَمي أنّ الحسين بن عليّ سيّد الشهداء يوم القيامة، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة، يا جبلة إذا نظرتِ إلى الشمس حمراء كأنّها دم عبيط فاعلَمي أنّ سيّدك الحسين قد قُتل.

قالت جبلة: فخرجتُ ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة! فصحتُ حينئذٍ وبكيتُ، وقلت: قد والله قُتل سيّدنا الحسين بن عليّعليه‌السلام )(١) .

٣) - وأخرج الشيخ الصدوق (ره) أيضاً في أماليه بسندٍ عن ابن عبّاس قال:

____________________

(١) أمالي الصدوق: ١١٠ - ١١١، المجلس ٢٧، رقم ١، وعلل الشرايع: ١: ٢٢٧ - ٢٢٨.

٥٨

(كنت مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في خروجه (في خرجته) إلى صِفّين، فلمّا نزل بنينوى وهو شطّ الفرات قال بأعلى صوته:(يا بن عبّاس، أتعرف هذا الموضع؟ قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين، فقالعليه‌السلام :لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي، قال: فبكى طويلاً حتّى اخضلّت لحيَته وسالت الدموع على صدره، وبكينا معاً، وهو يقول:أوه أوه! ما لي ولآل أبي سفيان؟! ما لي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر؟! صبراً يا أبا عبد الله، فقد لقيَ أبوك مثل الذي تلقى منهم!

ثمّ دعا بماءٍ فتوضّأ وضوءه للصلاة، فصلّى ما شاء الله أن يصلّي، ثمّ ذكر نحو كلامه الأوّل، إلاّ أنّه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة، ثمّ انتبه، فقال:يا بن عبّاس، فقلت: ها أنا ذا؟

فقال:ألا أُحدّثك بما رأيت في منامي آنفاً عند رَقدَتي؟

فقلت: نامت عيناك ورأيتَ خيراً يا أمير المؤمنين.

قال:رأيت كأنّي برجال قد نزلوا من السماء، معهم أعلام بيض، قد تقلّدوا سيوفهم وهي بيض تلمع، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطّة، ثمّ رأيت كأنّ هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض تضطرب بدمٍ عبيط، وكأنّي بالحسين سُخَيلي وفرْخي ومُضغتي ومخّي قد غرق فيه يستغيث فلا يُغاث، وكأنّ الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون: صبراً آلَ الرسول! فإنّكم تُقتلون على أيدي شرار الناس، وهذه الجنّة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة! ثمّ يعزّونني ويقولون: يا أبا الحسن، أبشِر فقد أقرّ الله به عينك يوم القيامة يوم يقوم النّاس لربّ العالمين، ثمّ انتبهتُ!

وهكذا والذي نفس عليٍّ بيده، لقد حدّثني الصادق المصدّق أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا، وهذه أرض كرب وبلاء، يُدفن فيها الحسين وسبعة عشر رجلاً من وِلدي ووِلد فاطمة، وإنّها لفي السماوات معروفة تُذكر أرض كرب وبلاء، كما تُذكر بقعة الحرَمَين، وبقعة بيت المقدس.

٥٩

ثمّ قال:يا بن عبّاس، اُطلب لي حولها بعْر الظباء، فو الله ما كذبتُ ولا كُذّبت، وهي مصفرّة لونها لون الزعفران!

قال ابن عباس: فطلبتها فوجدتها مجتمعة، فناديته: يا أمير المؤمنين، قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي.

فقال عليّعليه‌السلام :صدق الله ورسوله، ثمّ قامعليه‌السلام يهرول إليها، فحملها وشمّها، وقال:هي هي بعينها! أتعلُم يا بن عبّاس ما هذا الأبعار؟

هذه قد شمّها عيسى بن مريمعليه‌السلام ، وذلك أنّه مرّ بها ومعه الحواريّون فرأى هاهنا الظباء مجتمعة وهي تبكي، فجلس عيسىعليه‌السلام وجلس الحواريّون معه فبكى وبكى الحواريّون، وهم لا يدرون لِمَ جلس ولِمَ بكى!

فقالوا: يا روح الله وكلمته، ما يبكيك؟!

قال: أتعلمون أيّ أرض هذه؟

قالوا: لا.

قال: هذه أرض يُقتل فيها فرْخ الرسول أحمد، وفرخ الحرّة الطاهرة البتول شبيهة أمّي، ويُلحد فيها، طينة أطيب من المسك؛ لأنّها طينة الفرْخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، فهذه الظباء تكلّمني وتقول: إنّها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تُربة الفرخ المبارك.

وزعمت أنّها آمنة في هذه الأرض، ثمّ ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمّها وقال: هذه بعر الظباء على هذا الطيب؛ لمكان حشيشها، اللّهمَّ فأبقها أبداً حتّى يشمّها أبوه فيكون له عزاء وسلوة.

قال:فبقيَت إلى يوم الناس هذا، وقد اصفرّت لطول زمنها، وهذه أرض كرب وبلاء، ثمّ قال بأعلى صوته:يا ربّ عيسى بن مريم، لا تُبارك في قَتَلَتِه، والمُعين عليه، والخاذل له.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

روى أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام :«إنّ الحسين دخل على أخيه الحسن في مرضه الذي استشهد فيه فلمّا رأى ما به بكى، فقال له الحسن: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما صنع بك، فقال الحسن عليه‌السلام : إنّ الذي اُوتي إليَّ سمّ اُقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله وقد ازدلف إليك ثلاثون ألفاً يدَّعون أنّهم من اُمّة جدّنا محمّد وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك، فعندها تحلّ ببني اُميّة اللعنة، وتمطر السّماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار» (١) .

وكتب ابن زياد إلى ابن سعد: إنّي لَم أجعل لك علّة في كثرة الخيل والرجال، فانظر لا تمسي ولا تصبح إلاّ وخبرك عندي غدوة وعشية. وكان يستحثّه على الحرب لست خلون من المحرم(٢) .

حشدت كتائبها على ابن محمّد

بـالطَّف حيث تذكَّرت آباءها

الله أكـبر يـا رواسي هذه الأ

رض البسيطة زايلي ارجاءها

يلقى ابن منتجع الصلاح كتائباً

عقد ابن منتجع السّفاح لواءها

ما كان أوقحها صبيحة قابلت

بـالبيض جبهته تريق دماءها

المشرعة

مـا بـلَّ أوجـهها الحيا ولو أنّه

قـطع الـصفا بلَّ الحيا ملساءها

مـن أيـن تـنجل أوجـهٌ اُمويّةٌ

سـكبت بـلذّات الفجور حياءها

قهرت بني الزهراء في سلطانها

واسـتأصلت بـصفاحها امراءها

مـلكت عليها الأمر حتّى حرَّمت

في الأرض مطرح جنبها وثواءها

____________________________

(١) أمالي الصدوق / ٧١ المجلس الثلاثون، وفي مطالب السؤول: إنّهم عشرون ألفاً. وفي هامش تذكرة الخواص: أنّهم مئة ألف. وفي تحفة الأزهار لابن شدقم: ثمانون ألفاً. وفي أسرار الشهادة / ٢٣٧: سنة آلاف فارس وألف ألف راجل. ولم يذكر أبو الفدا في تأريخه ٢ / ١٩٠: غير خروج ابن سعد في أربعة آلاف والحر في ألفين. وفي عمدة القارئ للعيني ٧ / ٦٥٦: كتاب المناقب كان جيش ابن زياد ألف فارس رئيسهم الحر، وعلى مقدمتهم الحصين بن نمير.

(٢) تظلّم الزهراءعليها‌السلام / ١٠١، ومقتل محمّد بن أبي طالب.

٢٠١

ضـاقت بـها الدنيا فحيث توجَّهت

رأت الـحتوف امـامها ووراءهـا

فـاستوطأت ظـهر الحِمام وحوَّلت

لـلعزِّ عـن ظـهر الهوان وطاءها

طـلعت ثـنيّات الـحتوف بعصبة

كـان الـسيوف قضاءها ومضاءها

لـقلبوبها امـتحن الإلـه بـموقف

مـحضته فـيهِ صـبرها وبـلاءها

كـانت سـواعد آل بـيت محمّد

وسـيوف نـجدتها على من ساءها

كـره الـحمام لـقاءها فـي ضنكه

لـكـنْ أحــبَّ الله فـيه لـقاءها

فـثوت بـأفئدة صـواد لـم تـجد

ريـاً يـبلُّ سـوى الردى أحشاءها

وأراك تـنشىء يا غمام على الورى

ظـلا وتـروي مـن حياك ظماءها

وقـلـوب أبـناء الـنبي تـفطَّرت

عـطشاً بـقفر ارمـضت أشلاءها

وامضّ ما جرعت من الغصص التي

قـدحت بـجانحة الـهدى ايراءها

هـتك الـطغاة عـلى بـنات محمّد

حـجب الـنبوة خـدرها وخـباءها

فـتنازعت احـشاءها حرق الجوى

وتـجاذبت أيـدي الـعدوُّ رداءهـا

عـجـباً لـحلم الله وهـي بـعينه

بـرزت تـطيل عـويلها وبـكاءها

ويـرى مـن الـزفرات تجمع قلبها

بـيـد وتـدفع فـي يـد اعـداءها

مـا كـان اوجـعها لمهجة (أحمد)

وامـضَّ في كبد (البتولة) داءها(١)

وأنزل ابن سعد الخيل على الفرات فحموا الماء وحالوا بينه وبين سيّد الشهداء، ولَم يجد أصحاب الحسين طريقاً إلى الماء حتّى أضرّ بهم العطش، فأخذ الحسين فأساً وخطا وراء خيمة النّساء تسع عشرة خطوة نحو القبلة وحفر فنبعت له عين ماء عذب، فشربوا ثمّ غارت العين ولَم يرَ لها أثر، فأرسل ابن زياد إلى ابن سعد: بلغني أنّ الحسين يحفر الآبار ويصيب الماء فيشرب هو وأصحابه فانظر إذا ورد عليك كتابي، فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت وضيّق عليهم غاية التضيّيق. فبعث في الوقت عمرو بن الحجّاج في خمسمئة فارس ونزلوا على الشريعة(٢) ، وذلك قبل مقتل الحسين بثلاثة أيّام(٣) .

____________________________

(١) من قصيدة للسيّد حيدر الحلّي رضوان الله عليه.

(٢) نفس المهموم للمحدث القمي / ١١٦، ومقتل الخوارزمي ١ / ٢٤٤، ومقتل العوالم / ٧٨.

(٣) الطبري ٦ / ٢٣٤، وإرشاد المفيد، ومقتل الخوارزمي الجزء الأول، وكامل ابن الأثير ٤ / ٢٢.

٢٠٢

اليوم السّابع

وفي اليوم السّابع اشتدّ الحصار على سيّد الشهداء ومَن معه، وسُدّ عنهم باب الورود ونفد ما عندهم من الماء، فعاد كلّ واحد يعالج لهب العطش. وبطبع الحال كان العيال بين أنة وحنة وتضور ونشيج ومتطلّب للماء إلى متحر له بما يبلّ غلّته وكلّ ذلك بعين أبي علي والغيارى من آله والأكارم من صحبه، وماعسى أنْ يجدوا لهم شيئاً وبينهم وبين الماء رماح مشرعة وسيوف مرهفة، لكن ساقي العطاشى لَم يتطامن على تحملّ تلك الحالة.

أو تشتكي العطش الفواطم عنده

وبـصدر صعدته الفرات المفعم

ولَـو استقى نهر المجرّة لارتقى

وطـويـل ذابـله إلـيها سُـلَّم

لَـو سدَّ ذو القرنين دون وروده

نـسَفَته هـمَّته بـما هو أعظم

فـي كـفِّه اليسرى السّقاء يقلّه

وبـكفّه الـيُمنى الحسام المخذم

مـثل الـسّحابة للفواطم صوبه

فيصيب حاصبه العدو فيرجم(١)

هنا قيض أخاه العبّاس لهذه المهمّة، في حين أنّ نفسه الكريمة تنازعه إليه قبل المطلب، فأمره أنْ يستقي للحرائر والصبية، وضمّ إليه عشرين راجلاً مع عشرين قربة، وقصدوا الفرات بالليل غير مبالين بمَن وُكِّل بحفظ الشريعة؛ لأنّهم محتفون بأسد آل محمّد وتقدّم نافع بن هلال الجملي باللواء، فصاح عمرو بن الحَجّاج: مَن الرجل؟ قال: جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه. فقال: اشرب هنيئاً ولا تحمل إلى الحسين منه. قال نافع: لا والله، لا أشرب منه قطرة والحسين ومَن معه من آله وصحبه عطاشى.

وصاح نافع بأصحابه: املأوا أسقيتكم. فشدّ عليهم أصحاب ابن الحَجّاج فكان بعض القوم يملأ القرب وبعض يقاتل وحاميهم ابن بجدتها المتربّي في حجر البسالة الحيدريّة أبو الفضل، فجاؤا بالماء. وليس في أعدائهم من تحدثه

____________________________

(١) من قصيدة للسيّد جعفر الحلّي نوّر الله ضريحه.

٢٠٣

نفسه بالدنوّ منهم فرقاً من ذلك البطل المغوار، فبلت غلة الحرائر والصبية الطيّبة من ذلك الماء(١) .

ولكن لا يفوتنا أنّ تلك الكميّة القليلة من الماء ما عسى أن تجدي اُولئك الجمع الذي هو أكثر من مئة وخمسين رجالاً ونساءً وأطفالاً أو أنّهم ينيفون على المئتين، ومن المقطوع به أنّه لَم ترو أكبادهم إلاّ مرّة واحدة فسرعان أنْ عاد إليهم الظما، وإلى الله ورسوله المشتكى.

إذا كان ساقي الحوض في الحشر حيدر

فـساقي عـطاشي كربلاء أبو الفضل

عـلى أنّ الـناس فـي الـحشر قلبه

مـريع وهـذا بـالظلما قـلبه يـغلي

وقـفتُ عـلى مـاء الفرات ولَم أزل

أقـول لـه والـقول يـحسنه مـثلي

عـلامك تـجري لا جـريت لـوارد

وأدركـت يـوماً بعض عارك بالغسل

أمــا نـشـفت أكـبـاد آل محمّد

لـهـيباً ولا ابـتلَّت بـعلٍّ ولا نـهل

مـن الـحقّ أنْ تـذوي غصونك ذبّلا

أسـىً وحـياء مـن شـفاههِمُ الـذُبل

فـقال اسـتمع للقول إنْ كنت سامعاً

وكـنْ قـابلا عذري ولا تكثرنْ عذلي

ألا إنّ ذا دمـعي الـذي أنـت نـاظر

غـداى جـعلت الـنوح بعدهُمُ شغلي

بـرغـمي أرى مـائي يـلذ سـواهمُ

بـه وهـم صرعي على عطش حولي

جـزى الله عـنهم في المواساة عمَّهم

أبـا الفضل خيراً لو شهدت أبا الفضل

لـقـد كـان سـيفاً صـاغه بـيمينه

عـليّ فـلم يـحتج شباه إلى الصقل

إذا عــدَّ ابـنـاء الـنـبيِّ محـمّد

رآه أخـاهـم مـن رآه بـلا فـضل

ولـم أرَ ظـامٍ(٢) حـوله الـماء قبله

ولَـم يـرو مـنه وهو ذو مهجة تغلي

ومـا خـطبه إلاّ الـوفاء وقـلَّ مـا

يـرى هـكذا خـلا وفـيّاً مـع الخلِّ

يـمـيناً بـيـمناك الـقطيعة والـتي

تـسمى شـمالاً وهـي جامعة الشمل

بـصبرك دون ابـن الـنبيِّ بـكربلا

عـلى الـهَول امر لا يحيط به عقلي

و وافــاك لا يـدري افـقدك راعـه

أم الـعرش غـالته الـمقادير بـالثل

____________________________

(١) مقتل محمّد بن أبي طالب. وعلى هذه الرواية يكون طلبهم للماء في السابع، ولعلّه هو المنشأ في تخصيص ذكر العبّاس بيوم السابع. وفي أمالي الصدوق / ٩٥، المجلس الثالث: أرسل الحسين بن علي ولده علياً الأكبر في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ليستقوا الماء.

(٢) كذا ورد في ديوان الشاعر أبي الحب.

٢٠٤

أخي كنتَ لي درعاً ونصلا كلاهما

فقدتُ فلا درعي لديَّ ولا نصلي(١)

غرور ابن سعد

وأرسل الحسين عمرو بن قرظة الأنصاري إلى ابن سعد يطلب الاجتماع معه ليلاً بين المعسكرين، فخرج كلّ منهما في عشرين فارساً، وأمر الحسين مَن معه أنْ يتأخّر إلاّ العبّاس وابنه علياً الأكبر، وفعل ابن سعد كذلك وبقي معه ابنه حفص وغلامه.

فقال الحسين:«يابن سعد أتقاتلني؟ أما تتقي الله الذي إليه معادك؟! فأنا ابن مَن قد علمتَ! ألا تكون معي وتدع هؤلاء فإنّه أقرب إلى الله تعالى؟» قال عمر: أخاف أنْ تهدم داري. قال الحسين:«أنا أبنيها لك». فقال: أخاف أنْ تؤخذ ضيعتي. قالعليه‌السلام :«أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز» (٢) ، ويروى أنّه قال لعمر:«أعطيك البغيبغة» ، وكانت عظيمة فيها نخل وزرع كثير، دفع معاوية فيها ألف ألف دينار فلَم يبعها منه(٣) . فقال ابن سعد: إنّ لي بالكوفة عيالاً وأخاف عليهم من ابن زياد القتل. ولما أيس منه الحسين قام وهو يقول:«مالك، ذبحك الله على فراشك عاجلاً، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إنّي لأرجو أنْ لا تأكل من بَرّ العراق إلا يسيراً». قال ابن سعد مستهزءاً: في الشعير كفاية(٤) .

وأول ما شاهده من غضب الله عليه ذهاب ولاية الري، فإنّه لمّا رجع من كربلاء طالبه ابن زياد بالكتاب الذي كتبه بولاية الري، فادّعى ابن سعد ضياعه، فشدّد عليه باحضاره، فقال له ابن سعد: تركته يقرأ على عجائز قريش اعتذاراً منهن، أما والله لقد نصحتك بالحسين نصيحة لَو نصحتها أبي سعداً كنت قد أديت حقّه. فقال عثمان بن زياد أخو عبيد الله: صدق، وددتُ أنّ في أنف كلّ

____________________________

(١) للشيخ محسن أبو الحب الحائريرحمه‌الله .

(٢) مقتل العوالم / ٧٨.

(٣) تظلّم الزهراءعليها‌السلام / ١٠٣.

(٤) تظلّم الزهراءعليها‌السلام / ١٠٣، ومقتل الخوارزمي ١ / ٢٤٥.

٢٠٥

رجل من بني زياد خزامة إلى يوم القيامة وإنّ الحسين لَم يُقتل(١) .

وكان من صنع المختار معه أنّه لمّا أعطاه الأمان، استأجر نساء يبكين على الحسين ويجلسن على باب دار عمر بن سعد، وكان هذا الفعل يلفت نظر المارّة إلى أنّ صاحب هذا الدار قاتل سيّد شباب أهل الجنّة، فضجر ابن سعد من ذلك وكلّم المختار في رفعهن عن باب داره، فقال المختار: ألا يستحقّ الحسين البكاء عليه(٢) .

ولمّا أراد أهل الكوفة أنْ يؤمّروا عليهم عمر بن سعد بعد موت يزيد بن معاوية؛ لينظروا في أمرهم، جاءت نساء همدان وربيعة، إلى الجامع الأعظم صارخات يقلن: ما رضي ابن سعد بقتل الحسين حتّى أراد أنْ يتأمّر. فبكى النّاس وأعرضوا عنه(٣) .

افتراء ابن سعد

وافتعل ابن سعد علي أبي الضيم ما لَم يقله، وكتب إلى ابن زياد زعماً منه أنّ فيه صلاح الاُمّة وجمال النظام فقال في كتابه:

أمّا بعد فإنّ الله أطفأ النّائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الاُمّة، وهذا حسين أعطاني أنْ يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أنْ يسير إلى ثغر من الثغور، فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أنْ يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا رضىً لكم وللاُمّة صلاح(٤) .

وهيهات أنْ يكون ذلك الأبي ومَن علَّم النّاس الصبر على المكاره وملاقاة الحتوف - طوع ابن مرجانة ومنقاداً لابن آكلة الأكباد! أليس هو القائل لأخيه الأطرف:«والله لا أعطي الدنيّة من نفسي» . ويقول لابن الحنفيّة:«لَو لَم يكن ملجأ لما بايعت يزيد» . وقال لزرارة بن صالح:«إنّي أعلم علماً يقيناً أنّ هناك مصرعي ومصارع أصحابي، ولا ينجو منهم إلاّ ولدي علي». وقال لجعفر بن

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٨.

(٢) العقد الفريد، باب نهضة المختار.

(٣) مروج الذهب ٢ / ١٠٥، في أخبار يزيد.

(٤) الاتحاف بحبّ الأشراف / ١٥، وتهذيب التهذيب ٢ / ٢٥٣.

٢٠٦

سليمان الضبعي:«إنّهم لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي» .

وآخر قوله يوم الطف:«ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة، يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت واُنوف حميّة ونفوس أبيّة من أنْ تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام».

وإنّ حديث عقبة بن سمعان يفسّر الحال التي كان عليها أبو عبد اللهعليه‌السلام ، قال: صحبت الحسين من المدينة إلى مكّة ومنها إلى مكّة ومنها إلى العراق ولَم اُفارقه حتّى قُتل، وقد سمعت جميع كلامه فما سمعتُ منه ما يتذاكر فيه النّاس من أنْ يضع يده في يد يزيد ولا أنْ يسيره إلى ثغر من الثغور لا في المدينة ولا في مكّة ولا في الطريق ولا في العراق ولا في عسكره إلى حين قتله، نعم سمعته يقول:«دعوني أذهب إلى هذه الأرض العريضة» (١) .

طغيان الشمر

ولمّا قرأ ابن زياد كتاب ابن سعد قال: هذا كتاب ناصح مشفق على قومه. وأراد أن يجيبه، فقام الشمر(٢) ، وقال: أتقبل هذا منه بعد أنْ نزل بأرضك؟ والله،

____________________________

(١) الطبري ٦ / ٢٣٥.

(٢) في البداية لابن كثير ج ٨ ص ١٨٨ كان الحسين يحدث أصحابه في كربلا بما قاله جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كأني انظر إلى كلب ابقع يلغ في دماء أهل بيتي ولما رأى الشمر ابرص قال هو الذي يتولى قتلي! وفي الاعلاق النفيسة لابن رسته ص ٢٢٢ كان الشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين ابرص. وفي ميزان الاعتدال للذهبي ج ١ ص ٤٤٩ كان شمر بن ذي الجوشن احد قتلة الحسينعليه‌السلام فليس للرواية بأصل ولما قيل له كيف اعنت على ابن فاطمة قال: ان امراءنا امرونا فلو خالفناهم كنا أشد من الحمر الشقاء قال الذهبي وهذا عذر قبيح فانما الطاعة في المعروف. وفي كتاب صفين لنصر بن مزاحم ص ٣٠٣ وما بعدها. طبع مصر: كان شمر بن ذي الجوشن مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في صفين، وخرج من أصحاب معاوية (أدهم بن محرز) يطلب المبارزة فخرج اليه شمر بن ذي الجوشن واختلفا بضربتين، ضربه أدهم على جبينه فاسرع السيف حتى خالط العظم وضربه شمر فلم يصنع فيه شيئاً، فرجع الشمر الى عسكره يشرب الماء واخذ رمحاً وقال:

(إني زعيم لاخي بأهلة

بطعنة ان لم امت عاجلة

وضربة تحت الوغى فاصلة

شبيهة بالقتل أو قاتله)

فحمل على أدهم وهو ثابت فطعنه فوقع عن فرسه وحمله أصحابه فانصرف شمر...

وفي نفح الطيب للمقريزي ج ٢ ص ١٤٣ مطبعة ١ عيسى البابي مطبوعات دار المأمون ان الصميل بن حاتم بن الشمر بن ذي الجوشن كان رأس المضرية متحاملاً على اليمانية (وهذه العبارة واردة في طبعة بيروت ج ١ ص ٢٢٢ تحقيق محمد محيي الدين).

٢٠٧

لئن رحل من بلادك ولَم يضع يده في يدك ليكونّن أولى بالقوّة وتكون أولى بالضعف والوهن، فاستصوب رأيه وكتب إلى ابن سعد: أمّا بعد، إنّي لَم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السّلامة ولا لتكون له عندي شفيعاً، اُنظر فإنْ نزل حسين وأصحابه على حكمي، فابعث بهم إليَّ سِلماً. وإنْ أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم؛ فإنّهم لذلك مستحقّون، فإنْ قُتل حسين فاوطىء الخيل صدره وظهره، ولستُ أرى أنّه يُضرّ بعد الموت، ولكن على قول قلته: لَو قتلتُه لفعلتُ هذا به. فإنْ أنت مضيتَ لأمرنا فيه جزيناك جزاء السّامع المطيع، وإنْ أبيتَ فاعتزل عملنا وجندنا وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنّا قد أمرناه بذلك(١) .

فلمّا جاء الشمر بالكتاب، قال له ابن سعد: ويلك لا قرب الله دارك، وقبّح الله ما جئت به، وإنّي لأظنّ أنّك الذي نهيته وافسدت علينا أمراً رجونا أنْ يصلح، والله لا يستسلم حسين فانّ نفس أبيه بين جنبَيه.

فقال الشمر: أخبرني ما أنت صانع، أتمضي لأمر أميرك؟ وإلاّ فخلّ بيني وبين العسكر. قال له عمر: أنا أتولّي ذلك، ولا كرامة لك، ولكن كن أنت على الرجّالة(٢) .

____________________________

= وفي حاشية الكتاب، كان حاتم بن الشمر مع أبيه في الكوفة ولما قتل المختار شمر بن ذي الجوشن هرب ابنه الى قنسرين. وفي ص ١٤٥ ذكر ان الصميل كان والياً على سر قسطة ثم فارقها وتولى على طليطلة. وفي كتاب الحلة السيراء لابن الأبار ج ١ ص ٦٧ لما ظهر المختار بالكوفة فر الشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين بن علي الى الشام بأهله وولده، فاقام بها في عز ومنعة، وقيل قتله المختار وفر ولده إلى ان خرج كلثوم بن عياض القشيري غازياً الى المغرب، فكان الصميل ممن ضرب عليه البعث في اشراف أهل الشام ودخل الأندلس في طاعة بلج بن بشر وهو الذي قام بأمر المضرية في الاندلس عندما أظهر أبو الخطار الحسام بن ضرار الكلبي العصبية لليمانية ومات الصميل في سجن عبد الرحمن بن معاوية سنة ١٤٢ وكان شاعراً. وفي تاريخ علماء الاندلس لابن الفوطي ج ١ ص ٢٣٤ باب الشين، شمر بن ذي الجوشن الكلاعي من أهل الكوفة هو الذي قدم برأس الحسينعليه‌السلام على يزيد بن معاوية ولما ظهر المختار هرب بعياله منه ثم خرج كلثوم بن عياض غازياً المغرب ودخل الى الاندلس في طالعة بلج، وهو جد الصميل بن حاتم بن شمر القيسي صاحب الفهرى ا هـ والاصح ما ذكره الدينوري في الأخبار الطوال ٢٩٦ ان شمر بن ذي الجوشن قتله أصحاب المختار بالمذار وبعث برأسه الى محمد ابن الحنفية وفي الاعلاق النفيسة لابن رسته ص ٢٢٢ كان الشمر بن ذي الجوشن ابرص وفي تاريخ الطبري ج ٧ ص ١٢٢ وكامل ابن الاثير ج ٤ ص ٩٢ حوادث سنة ٦٥ كان الشمر ابرص يرى بياض برصه على كشحه.

(١) ابن الأثير ٤ / ٢٣.

(٢) الطبري ٦ / ٢٣٦.

٢٠٨

الأمان

وصاح الشمر بأعلى صوته: أين بنو اُختنا(١) ؟ أين العبّاس وإخوته؟، فأعرضوا عنه، فقال الحسين:«أجيبوه ولَو كان فاسقاً» ، قالوا: ما شأنك وما تريد؟ قال: يا بني اُختي أنتم آمنون، لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد. فقال العبّاس: لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له(٢) ، وتأمرنا أنْ ندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء(٣) .

أيظنّ هذا الجلف الجافي أن يستهوي رجل الغيرة والحميّة إلى الخسف والهوان، فيستبدل أبو الفضل الظلمة بالنور، ويدع عَلَم النبوّة وينضوي إلى راية ابن ميسون؟! كلاّ.

ولمّا رجع العبّاس، قام إليه زهير بن القين وقال: اُحدّثك بحديث وعيته؟ قال: بلى، فقال: لمّا أراد أبوك أن يتزوّج، طلب من أخيه عقيل - وكان عارفاً بأنساب العرب - أنْ يختار له امرأةً ولدتها الفحولة من العرب؛ ليتزوّجها فتلد غلاماً شجاعاً ينصر الحسين بكربلاء، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم، فلا تقصّر عن نصرة أخيك وحماية أخواتك. فقال العبّاس: أتشجّعني يا زهير في مثل هذا اليوم؟! والله لأرينّك شيئاً ما رأيتَه(٤) ، فجدّل أبطالاً ونكس رايات في حالة لَم يكن من همّه القتال ولا مجالدة الأبطال، بل همّه إيصال الماء إلى عيال أخيه.

____________________________

(١) في جمهرة أنساب العرب لابن حزم / ٢٦١ و ٢٦٥ قال: أولاد كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان بن مضر، أحد عشر ولداً منهم؛ كعب، والضباب. فمن ولد كعب بنو الوحيد الذين منهم اُمّ البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد كانت تحت علي بن أبي طالب فولدت له محمداً الأصغر وعثمان وجعفر والعبّاس، وفي صفحة٢٧٠ ذكر بني الضباب فقال: منهم الشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين واسم ذي الجوشن جميل بن الأعور عمرو بن معاوية وهو الضاب. ومن ولده الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن ساد بالاندس وله بها عقب ونزالتهم بالخشيل من شوذر من عمل جيّان.

وفي العقد الفريد ٢ / ٨٣ عند ذكر مذحج قال: الضباب في بني الحارث بن كعب مفتوحة الضاد وفي بني عامر بن صعصعة مسكورة وحيث أنّ الشمر من بني عامر بن صعصعة يكون الضباب بكسر الضاد.

(٢) تذكرة الخواص / ١٤٢: حكاه عن جده أبي الفرج في المنتظم وإعلام الورى / ٢٨.

(٣) ابن نما / ٢٨.

(٤) أسرار الشهادة / ٣٨٧.

٢٠٩

يـمثل الـكرّار فـي كـرّاته

بل في المعاني الغرّ من صفاته

لـيس يـد الله سـوى أبـيه

وقــدرة الله تـجـلَّت فـيه

فـهو يـد الله وهـذا سـاعده

تـغنيك عـن إثـباته مشاهده

صـولته عـند النزال صولته

لولا الغلوُّ قلت جلت قدرته(١)

بنو أسد

واستأذن حبيب بن مظاهر من الحسين أنْ يأتي بني أسد وكانوا نزولاً بالقرب منهم فأذِن له، ولمّا أتاهم وانتسب لهم عرفوه، فطلب منهم نصرة ابن بنت رسول الله فإنّ معه شرف الدنيا والآخرة، فأجابه تسعون رجلاً، وخرج من الحي رجل أخبر ابن سعد بما صاروا إليه، فضمّ إلى الأزرق أربعمئة رجل وعارضوا النّفر في الطريق واقتتلوا، فقُتل جماعة من بني أسد وفرّ مَن سلِم منهم إلى الحي فارتحلوا جميعاً في جَوف الليل خوفاً من ابن سعد أنْ يبغتهم، ورجع حبيب إلى الحسين وأخبره، فقال:«لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العظيم» (٢) .

اليوم التاسع

ونهض ابن سعد عشيّة الخميس لتسع خلون من المحرّم، ونادى في عسكره بالزحف نحو الحسين، وكانعليه‌السلام جالساً أمام بيته محتبياً بسيفه، وخفق برأسه فرأى رسول الله يقول: انّك صائر إلينا عن قريب. وسمعت زينب أصوات الرجال وقالت لأخيها: قد اقترب العدوّ منّا.

فقال لأخيه العبّاس:«اركب بنفسي أنت (٣) حتّى تلقاهم، واسألهم عمّا

____________________________

(١) للحجّة آية الله الشيخ محمّد حسين الاصفهانيقدس‌سره .

(٢) البحار عن مقتل محمّد بن أبي طالب الحائري، ومقتل الخوارزمي ١ / ٢٤٣.

(٣) الطبري ٦ / ١٣٧، وروضة الواعظين / ١٥٧، والارشاد للمفيد، والبداية لابن كثير ٨ / ١٧٦.

غير خاف ما في هذه الكلمة الذهبية من مغزى دقيق، ترى الفكر يسف عن مداه وأنّى له أن يحلق إلى ذروة الحقيقة من ذات طاهرة تُفتدى بنفس الإمام علّة الكائنات والفيض الأقدس للممكنات. نعم، عرفها البصير الناقد بعد أنْ جربها بمحك النزاهة فوجدها مشبوبة بجنسها ثمّ أطلق عليها تلك الكلمة الغالية، ولا يعرف الفضل إلاّ أهله. ولا يذهب بك الوهم أيّها القارئ إلى القول بعدم الأهميّة في هذه الكلمة بعد قول الإمامعليه‌السلام في زيارة الشهداء من زيارة وارث: «بأبي أنتم واُمّي، طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم»؛ لأنّ الإمامعليه‌السلام في هذه الزيارة لَم يكن هو المخاطب لهم وانّما هوعليه‌السلام في مقام تعليم صفوان الجمّال عند زيارتهم أنْ يخاطبهم بذلك، فإنّ الرواية تنصّ كما في مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي أنّ صفوان استأذن الصادق في زيارة الحسين وأنْ يعرّفه ما يقوله ويعمل عليه فقال له: «يا صفوان، صم قبل خروجك ثلاثة أيّام - إلى أنْ قال -: ثمّ إذا أتيت الحائر فقُل: الله أكبر - ثمّ ساق الزيارة إلى أنْ قال -: ثمّ اخرج من الباب الذي يلي رجلَي علي بن الحسين وتوجّه إلى الشهداء وقُل: السّلام عليكم يا أولياء الله...» إلى آخرها. فالإمام الصادقعليه‌السلام في مقام تعليم صفوان أنْ يقول في السّلام على الشهداء ذلك، وليس في الرواية ما يدلّ على أنّهعليه‌السلام كيف يقول لو أراد السّلام على الشهداء.

٢١٠

جاءهم وما الذي يريدون؟» ، فركب العبّاس في عشرين فارساً فيهم زهير وحبيب، وسألهم عن ذلك قالوا: جاء أمر الأمير أنْ نعرض عليكم النّزول على حكمه، أو ننازلكم الحرب.

فانصرف العبّاسعليه‌السلام يُخبر الحسين بذلك، ووقف أصحابه يعظون القوم. فقال لهم حبيب بن مظاهر: أما والله لبئس القوم عند الله غداً، قوم يقدمون عليه وقد قتلوا ذريّة نبيّه وعترته وأهل بيته وعبّاد أهل هذا المصر المتهجدين بالأسحار الذاكرين الله كثيراً. فقال له عزرة بن قيس: إنّك لتزكّي نفسك ما استطعت. فقال زهير: يا عزرة، إنّ الله قد زكّاها وهداها فاتّق الله يا عزرة، فإنّي لك من النّاصحين، اُنشدك الله يا عزرة أنْ لا تكون ممَّن يعين أهل الضلالة على قتل النّفوس الزكيّة. ثمّ قال عزرة: يا زهير ما كنتَ عندنا من شيعة أهل هذا البيت، إنّما كنتَ على غير رأيهم. قال زهير: أفلستَ تستدلّ بموقفي هذا أنّي منهم، أما والله ما كتبتُ إليه كتاباً قطّ، ولا أرسلت إليه رسولاً، ولا وعدته نصرتي ولكنّ الطريق جمع بيني وبينه، فلمّا رأيته ذكرتُ به رسول الله ومكانه منه، وعرفتُ ما يقدم عليه عدوّه، فرأيت أنْ أنصره وأن أكون من حزبه وأجعل نفسي دون نفسه؛ لما ضيّعتم من حقّ رسوله.

وأعلم العبّاس أخاه أباعبد الله بما عليه القوم فقالعليه‌السلام :«ارجع إليهم، واستمهلهم هذه العشيّة إلى غد، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو

٢١١

يعلم أنّي اُحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار».

فرجع العبّاس واستمهلهم العشيّة. فتوقّف ابن سعد وسأل من النّاس فقال عمرو بن الحَجّاج: سبحان الله! لو كانوا من الديلم وسألوك هذا لكان ينبغي لك أنْ تجيبهم إليه. وقال قيس بن الأشعث: أجبهم إلى ما سألوك، فلَعمري ليستقبلك بالقتال غدوة. فقال ابن سعد: والله لو أعلم أنّه يفعل ما أخّرتهم العشية. ثمّ بعث إلى الحسين: إنّا أجّلناكم إلى غد، فإنْ استسلمتم سرحنا بكم إلى الأمير ابن زياد، وإنْ أبيتم فلسنا تاركيكم(١) .

ضـلّـت اُمـيّـة مـاتر

يـد غـداة مقترع النصول

رامـت تـسوق المصعب

الـهـدار مـستاق الـذليل

ويــروح طـوع يـمينها

قـود الـجنيب أبو الشبول

رامـت لـعمرو ابْن النبي

الـطُّهر مـمتنع الحصول

وتـيمَّمت قـصد الـمحال

فـما رعـت غير المحول

ورنـت على السغب السرا

ب بـأعين في المجد حول

وغـوى بـها جـهل بـها

والبغي من خلق الجهول(٢)

الضمائر الحرّة

وجمع الحسين أصحابه قرب المساء قبل مقتله بليلة(٣) فقال:«اُثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللهمّ إنّي أحمدك على أنْ أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً، ولَم تجعلنا من المشركين. أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعاً (٤) .

____________________________

(١) الطبري ٦ / ٣٣٧.

(٢) للكعبيرحمه‌الله .

(٣) اثبات الرجعة للفضل بن شاذان، هكذا عرفه وهو بالغيبة أنسب فانّه لو يوجد فيه من أخبار الرجعة إلا حديث واحد.

(٤) الطبري ٦ / ٢٣٨ - ٢٣٩، وكامل ابن الأثير ٤ / ٣٤.

٢١٢

وقد أخبرني جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّي ساُساق إلى العراق فأنزلُ أرضاً يقال لها عمورا وكربلاء، وفيها اُستشهد. وقد قرب الموعد.

ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً. وإنّي قد أذِنت لكم فأنطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام. وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً! وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم، فإنّ القوم إنّما يطلبونني، ولَو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري» (١) .

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر: لِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول العبّاس بن علي وتابعه الهاشميّون.

والتفت الحسين إلى بني عقيل وقال:«حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذِنت لكم» . فقالوا: إذاً ما يقول النّاس، وما نقول لهم؟ أنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام؟! ولَمْ نرمِ معهم بسهم ولَمْ نطعن برمح ولَمْ نضرب بسيف، ولا ندري ما صنعوا؟! لا والله لا نفعل، ولكن نفيدك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، نقاتل معك حتّى نرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك(٢) .

نـفوس أبـت إلاّ تراب أبيهم

فـهم بـين موتور لذاك وواتر

لقد ألفت أرواحهم حومة الوغى

كما أنست أقدامهم بالمنابر(٣)

وقال مسلم بن عوسجة: أنحن نخلّي عنك؟ وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟ أما والله، لا اُفارقك حتّى أطعن في صدورهم برمحي وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لَمْ يكن معي سلاح اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتّى أموت معك.

وقال سعيد بن عبدالله الحنفي: والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد

____________________________

(١) إثبات الرجعة.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٣٨، والكامل ٤ / ٢٤، والإرشاد للمفيد، وإعلام الورى / ١٤١، وسِير أعلام النبلاء للذهبي ٣ / ٢٠٢.

(٣) مثير الأحزان لابن نما / ١٧.

٢١٣

حفظنا غيبة رسوله فيك، أما و الله لو علمتُ أنّي اُقتل ثمّ اُحيا ثمّ اُحرق حيّاً ثمّ اُذرّى، يُفعل بي ذلك سبعين مرّة، لَما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟!

وقال زهير بن القين: و الله وددتُ أنّي قُتلتُ ثمّ قُتلت حتّى اُقتل كذا ألف مرّة، و إنّ الله عزّ وجلّ يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.

وتكلّم باقي الأصحاب بما يشبه بعضه بعضاً فجزّاهم الحسين خيراً(١) .

وفي هذا الحال قيل لمحمد بن بشير الحضرمي قد اُسِر ابنك بثغر الري فقال: ما اُحبّ أنْ يؤسر و أنا أبقى بعده حيّاً فقال له الحسين:«أنت في حلّ من بيعتي، فاعمل في فكاك ولدك»، قال: لا والله لا أفعل ذلك، أكلتني السّباع حيّاً إنْ فارقتك. فقالعليه‌السلام :«إذاً اعط ابنك هذه الأثواب الخمسة ليعمل في فكاك أخيه» - وكان قيمتها ألف دينارـ(٢) .

وتـناديت لـلذبّ عنه عصبة

ورثـوا الـمعالي اشيباً وشبابا

مـن يـنتدبهم للكريهة ينتدب

مـنهم ضراغمة الاسود غضابا

خفّوا لداعي الحرب حين دعاهم

ورسوا بعرصة كربلاء هضابا

اسـد قد اتخذوا الصوارم حلية

وتـسربلوا حـلق الدروع ثيابا

تـخذت عيونهم القساطل كحلها

واكـفُّهم فـيض النجيع خضابا

يـتمايلون كـأنّما غـنى لـهم

وقـع الـظّبي وسـقاهم اكوابا

برقت سيوفهم فأمطرت الطّلي

بـدمائها والـنقع ثـار سحابا

وكـأنّهم مـستقبلون كـواعباً

مـسـتقبلين أسـنّـة وكـعابا

وجدوا الردى من دون آل محمّد

عـذباً وبعدهم الحياة عذابا(٣)

ولما عرف الحسين منهم صدق النيّة والإخلاص في المفاداة دونه، أوقفهم على غامض القضاء فقال:«إنّي غداً اُقتل وكلّكم تقتلون معي ولا يبقى منكم أحد (٤)

____________________________

(١) إرشاد المفيد وتاريخ الطبري ج٦ ص٢٣٩.

(٢) اللهوف ص٥٣.

(٣) للعلامة السيد رضا الهنديرحمه‌الله .

(٤) نفس المهموم ص١٢٢.

٢١٤

حتّى القاسم وعبد الله الرضيع، إلاّ ولدي علياً زين العابدين؛ لأنّ الله لَمْ يقطع نسلي منه وهو أبو أئمّة ثمانية» (١) .

فقالوا بأجمعهم الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرّفنا بالقتل معك، أولا نرضى أنْ نكون معك في درجتك يابن رسول الله؟، فدعا لهم بالخير(٢) ، وكشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنان وعرّفهم منازلهم فيها(٣) ، وليس ذلك في القدرة الإلهيّة بعزيز، ولا في تصرّفات الإمام بغريب، فإنّ سحرة فرعون لمّا آمنوا بموسىعليه‌السلام وأراد فرعون قتلهم أراهم النّبي موسى منازلهم في الجنّة(٤) .

وفي حديث أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال لأصحابه:«أبشروا بالجنّة، فوالله إنّا نمكث ماشاء الله بعد ما يجري علينا ثمّ يخرجنا الله وإيّاكم حتّى يظهر قائمنا فينتقم من الظالمين، وأنا وأنتم نشاهدهم في السّلاسل والأغلال وأنواع العذاب» فقيل له: من قائمكم يابن رسول الله؟ قال:«السّابع من ولد ابني محمّد بن علي الباقر وهو الحُجّة ابن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي، ابني وهو الذي يغيب مدّة طويلة ثمّ يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً» (٥) .

ليلة عاشوراء

كانت ليلة عاشوراء أشدّ ليلة مرّت على أهل بيت الرسالة، حُفّت بالمكاره والمحن وأعقبت الشرّ وآذنت بالخطر وقد قطعت عنهم الحالة القاسية من بني اُميّة وأتباعهم كلّ الوسائل الحيويّة وهناك ولولة النساء وصارخ الاطفال من العطش المبرح والهم المدلهم.

إذاً فما حال رجال المجد من الأصحاب وسروات الشرف من بني هاشم

____________________________

(١) أسرار الشهادة.

(٢) نفس المهموم / ١٢٢.

(٣) الخرايج للراوندي.

(٤) أخبار الزمان للمسعودي / ٢٤٧.

(٥) إثبات الرجعة.

٢١٥

بين هذه الكوارث، فهل أبقت لهم مهجة ينهضون بها أو أنفساً تعالج الحياة والحرب في غد؟!

نعم كانت ضراغمة آل عبد المطّلب والصفوة من الأصحاب عندئذ في أبهج حالة وأثبت جأش، فرحين بما يلاقونه من نعيم وحبور، وكلّما اشتدّ المأزق الحرج أعقب فيهم انشراحاً بين ابتسامة ومداعبة إلى فرح ونشاط.

ومذ أخذت في نينوى منهم النوى

ولاح بـها لـلغدر بعض العلائم

غـدا ضـاحكا هذا وذا متبسّماً

سـروراً وما ثغر المنون بباسم

هازل برير عبد الرحمن الأنصاري، فقال له عبد الرحمن: ما هذه ساعة باطل؟ فقال برير: لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً، ولكنّي مستبشر بما نحن لا قون، والله ما بيننا وبين الحور العين إلاّ أنْ يميل علينا هؤلاء بأسيافهم، ولوددتُ أنّهم مالوا علينا السّاعة(١) .

وخرج حبيب بن مظاهر يضحك، فقال له يزيد بن الحصين الهمداني: ما هذه ساعة ضحك. قال حبيب: وأي موضع أحقّ بالسرور من هذا؟ ما هو إلاّ أنْ يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور(٢) .

تجري الطلاقة في بهاء وجوههم

أنْ قـطبت فـرقاً وجوه كماتها

وتـطلّعت بـدجى الـقتام أهلَّة

لـكن ظـهور الخيل من هالاتها

فتدافعت مشي النزيف إلى الردى

حتّى كـأنَّ الموت من نشواتها

وتـعانقت هي والسّيوف وبعد ذا

ملكت عناق الحور في جنّاتها(٣)

فكأنّهم نشطوا من عقال، بين مباشرة للعبادة، وتأهّب للقتال، لهم دوي كدويّ النّحل، بين قائم وقاعد وراكع وساجد.

قال الضحّاك بن عبد الله المشرقي: مرّت علينا خيل ابن سعد فسمع رجل منهم الحسينعليه‌السلام يقرأ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ ِلأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ ) (٤) .

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤١.

(٢) رجال الكشي / ٥٣، طبعة الهند.

(٣) للعلامة السيّد محمّد حسين الكيشوانرحمه‌الله .

(٤) سورة آل عمران / ١٧٨ - ١٧٩.

٢١٦

فقال الرجل نحن وربّ الكعبة الطيّبون ميّزنا منكم.

قال له برير: يا فاسق، أنت يجعلك الله في الطيّبين؟! هلمّ إلينا وتُب من ذنوبك العظام، فوالله لنحن الطيّبون وأنتم الخبيثون.

فقال الرجل مستهزئاً: وأنا على ذلك من الشاهدين(١) .

ويقال: أنّه في هذه الليلة انضاف إلى أصحاب الحسين من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً(٢) حين رأوهم متبتّلين متهجدين عليهم سيماء الطاعة والخضوع لله تعالى.

قال علي بن الحسين:«سمعتُ أبي في الليلة التي قُتل في صبيحتها يقول، وهو يصلح سيفه:

يا دهر اُفٍّ لك من خليل

كم لك بالاشراق والأصيل

مِنْ صاحب وطالب قتيل

والـدهر لا يقنع بالبديل

وانّـما الأمر إلى الجليل

وكـلّ حـيٍّ سالك سبيل

فأعادها مرّتين أو ثلاثاً، ففهمتُها وعرفتُ ما أراد وخنقتني العبرة، ولزمتُ السكوت وعلمتُ أنّ البلاء قد نزل.

وأمّا عمّتي زينب لمّا سمعتْ ذلك وثبتْ تجرّ ذيلها حتّى انتهت إليه وقالت: وآثكلاه! ليتَ الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت اُمّي فاطمة وأبي عليٌ وأخي الحسن (٣) ، يا خليفة الماضي وثمال الباقي! فعزّاها الحسين وصبَّرها وفيما قال: يا اُختاه تعزّي بعزاء الله واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأهل السّماء لا يبقون وكلّ شيء هالك إلاّ وجهه، ولي ولكلّ مسلم برسول الله اُسوة حسنة.

فقالت عليها‌السلام : افتغصب نفسك اغتصاباً، فذاك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي (٤) .

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٠، الطبعة الاُولى.

(٢) اللهوف، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٢١٧، طبعة النجف، وسير أعلام النبلاء للذهبي ٣ / ٢١٠.

(٣) تايخ الطبري ٤ / ٢٤٠، وكامل ابن الأثير ٤ / ٢٤، ومقتل الخوارزمي ١ / ٢٣٨، الفصل الحادي عشر، ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج / ٤٥، طبعة ايران.

(٤) اللهوف.

٢١٧

وبكت النّسوة معها ولطمن الخدود، وصاحت اُمّ كلثوم: وآ محمداه! وآ علياه! وآ اُمّاه! وآ حسيناه! وآ ضيعتنا بعدك!

فقال الحسين: يا اُختاه يا اُمّ كلثوم، يا فاطمة، يا رباب، انظرْنَ اذا قُتلت فلا تشققن عليَّ جيباً ولا تخمشن وجهاً ولا تقلن هجراً» (١) ثمّ إنّ الحسين أوصى اُخته زينب بأخذ الأحكام من علي بن الحسينعليه‌السلام وإلقائها إلى الشيعة ستراً عليه. وبذلك يحدِّث أحمد بن إبراهيم قال: دخلتُ على حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا، اُخت أبي الحسن العسكريعليه‌السلام سنة ٢٨٢ بالمدينة، وكلّمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها، فسمّت من تأتمّ بهم، وقالت: فلان بن الحسن. قلت: معاينةً أو خبراً؟ قالت: خبر عن أبي محمّدعليه‌السلام كتب به إلى اُمّه. قلت لها: أقتدي بمَن وصيّته إلى امرأة؟! قالت: اقتداءً بالحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام فإنّه أوصى إلى اُخته زينب في الظاهر، فكان ما يخرج من علي بن الحسينعليه‌السلام من علم ينسب إلى زينب؛ ستراً على علي بن الحسينعليه‌السلام . ثمّ قالت: إنّكم قوم أخبار، أما رويتم أنّ التاسع من ولد الحسين يقسم ميراثه في الحياة « اكمال الدين للصدوق » ص ٢٧٥ باب ٤٩ طبع حجر أول.

ثمّ إنّهعليه‌السلام أمر أصحابه أنْ يقاربوا البيوت بعضها من بعض؛ ليستقبلوا القوم من وجه واحد. وأمر بحفر خندق من وراء البيوت يوضع فيه الحطب ويلقى عليه النّار إذا قاتلهم العدو؛ كيلا تقتحمه الخيل، فيكون القتال من وجه واحد(٢) .

وخرجعليه‌السلام في جوف الليل إلى خارج الخيام يتفقّد التلاع والعقبات، فتبعه نافع بن هلال الجملي، فسأله الحسين عمّا أخرجه قال: يابن رسول الله أفزعني خروجك إلى جهة معسكر هذا الطاغي، فقال الحسين:«إنّي خرجت أتفقّد التلاع والروابي؛ مخافة أنْ تكون مكمناً لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون» . ثمّ رجععليه‌السلام وهو قابض على يد نافع ويقول:«هي هي والله، وعد لا خلف فيه».

ثمّ قال له:«ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك؟»

____________________________

(١) الإرشاد.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٠.

٢١٨

فوقع نافع على قدمَيه يقبّلهما ويقول: ثكلتني اُمّي، إنّ سيفي بألف وفرسي مثله، فوالله الذي مَنّ بك عليَّ، لا فارقتك حتّى يكلاّ عن فرّي وجرّي.

ثمّ دخل الحسينعليه‌السلام خيمة زينب، ووقف نافع بإزاء الخيمة ينتظره فسمع زينب تقول له: هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؟ فإنّي أخشى أنْ يسلّموك عند الوثبة.

فقال لها:«والله، لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلاّ الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني استيناس الطفل إلى محالب اُمّه» .

قال نافع: فلمّا سمعتُ هذا منه، بكيتُ وأتيت حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت منه ومن اُخته زينب.

قال حبيب: والله، لو لا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة. قلت: إنّي خلّفته عند اُخته وأظنّ النّساء أفقن وشاركنها في الحسرة، فهل لك أنْ تجمع أصحابك وتواجهوهنّ بكلام يطيّب قلوبهن؟ فقام حبيب ونادى: يا أصحاب الحميّة وليوث الكريهة. فتطالعوا من مضاربهم كالاُسود الضارية، فقال لبني هاشم: ارجعوا إلى مقرّكم لا سهرت عيونكم.

ثمّ التفت إلى أصحابه وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع، فقالوا بأجمعهم: والله الذي مَنّ علينا هذا الموقف، لو لا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا السّاعة، فطب نفساً وقر عيناً. فجزّاهم خيراً.

وقال هلمّوا معي لنواجه النّسوة ونطيّب خاطرهنّ، فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح: يا معشر حرائر رسول الله، هذه صوارم فتيانكم آلَوا ألاّ يغمدوها إلاّ في رقاب مَن يريد السّوء فيكم، وهذه أسنّة غلمانكم أقسَموا ألاّ يركزوها إلاّ في صدور مَن يفرّق ناديكم.

فخرجن النّساء إليهم ببكاء وعويل وقلن: أيّها الطيّبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمير المؤمنين.

فضجّ القوم بالبكاء حتّى كأنّ الأرض تميد بهم(١) .

____________________________

(١) الدمعة الساكبة / ٣٢٥، وتكرّر في كلامه (هلال بن نافع) وهو اشتباه فإنّ المضبوط (نافع بن هلال) كما في زيارة الناحية، وتاريخ الطبري، وكامل ابن الأثير.

٢١٩

وفي السّحر من هذه الليلة خفق الحسين خفقة ثمّ استيقظ وأخبر أصحابه بأنّه رأى في منامه كلاباً شدّت عليه تنهشه وأشدّها عليه كلب أبقع، وإنّ الذي يتولّى قتله من هؤلاء رجل أبرص.

وإنّه رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ذلك ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول له:«أنت شهيد هذه الاُمّة، وقد استبشر بك أهل السّماوات وأهل الصفيح الأعلى وليكن افطارك عندي الليلة عجّل ولا تؤخّر، فهذا ملك قد نزل من السّماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء» (١) .

وانـصاع حـامية الشريعة ظامئاً

مـا بـلَّ غـلَّته بـعذب فـراتها

أضـحى وقـد جـعلته آل اُمـيّة

شـبح الـسهام رمـيَّة لـرماتها

حتّى قضى عطشاً بمعترك الوغى

والـسمر تـصدر منه في نهلاتها

وجرت خيول الشرك فوق ضلوعه

عـدواً تـجول عـليه في حلباتها

ومـخدَّرات مـن عـقائل أحـمد

هـجمت عـليها الخيل في أبياتها

مـن ثـاكل حرّى الفؤاد مروعة

أضـحت تـجاذبها العدى حبراتها

ويـتمية فـزعت لـجسم كـفيلها

حـسرى القناع تعجُّ في أصواتها

أهـوت على جسم الحسين وقلبها

المصدوع كاد يذوب من حسراتها

وقـعت عـليه تشمُّ موضع نحره

وعـيونها تـنهلُّ فـي عـبراتها

تـرتاع من ضرب السّياط فتنثني

تـدعو سـرايا قـومها وحـماتها

أيـن الحفاظ وفي الطّفوف دماؤكم

سُـفكت بـسيف اُمـيّة وقـناتها

أيـن الـحفاظ وهـذه أشـلاؤكم

بـقيت ثـلاثاً فـي هجير فلاتها

أيــن الـحفاظ وهـذه أبـناؤكم

ذُبحت عطاشى في ثرى عرصاتها

أيــن الـحفاظ وهـذه فـتياتكم

حُـملت على الأقتاب بين عداتها

حـملت بـرغم الدين وهي ثواكل

عـبرى تـردّد بـالشّجى زفراتها

فـمَن الـمعزِّي بـعد أحمد فاطماً

فـي قـتل أبناها وسبي بناتها(٢)

____________________________

(١) نفس المهموم / ١٢٥، عن الصدوق.

(٢) للعلامة السيد محمّد حسين الكيشوان ترجمته في شعراء الغري ٨ / ٣.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437