مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)13%

مقتل الامام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-8163-70-7
الصفحات: 437

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243909 / تحميل: 10025
الحجم الحجم الحجم
مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٨١٦٣-٧٠-٧
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشّيعة وفنون الإسلام

تأليف: المرجع الدّيني الأكبر آية الله السيد حسن الصّدر

مؤلّف كتاب تأسيس الشّيعة لعلوم الإسلام

قدّم له

الدكتور سليمان دنيا

أُستاذ الفلسفة بكليّة أُصول الدين

مطبوعات النجاح بالقاهرة

١

الطبعة الرابعة

١٣٩٦ هـ. - ١٩٧٦ م

حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

مطبعة دار المعلم للطباعة

٨ شارع جنان الزهرى - المبتديان

السيدة زينب

٢

تقديم الكتاب

للدكتور سليمان دنيا

أُستاذ الفلسفة بكليّة أصول الدين

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول اللّه خير الخلق، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته أجمعين.

أمّا بعد فمنذ بضعة أعوام خلت كتبت رسالة صغيرة بعنوان ( بين الشيعة وأهل السنّة ) ضمنتها أملاً كبيراً، ورغبة ملحّة، في أن يتلاقى الشيعة وأهل السنّة، عند مبادئ الأُخوّة والمحبّة، والمودّة، والمصافاة، ونبذ ما غرسه أعداء الفريقين في النفوس من عوامل الفرقة والشقاق.

ودعوت إلى أن ينظر كل فريق إلى وجهه نظر الفريق الآخر، نظرة العالم الذي يبحث عن الحق، ويدرك أنّ الحق أحق أن يُتّبع.

وقلت: إنّه إذا كان الأثر الذي توارثناه عن سلفنا الصالح قد أكّد ضرورة الحرص على الحق أين وُجد، وأعلن أنّ الحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها التقطها ولو من فم كافر، وأوضح أنّ العاقل لا يُعرف الحق بالرجال، وإنّما يُعرف الحق بالدلائل والبراهين، فإذا عرفه عرف به أهله، فقد أصبح لزاماً علينا - نحن أبناء هذا الجيل - أن نحرص على الحق، وأن نأخذ أنفسنا للدعوة إليه، وأن نجتمع حوله، غير ناظرين إلى مَن دعانا إليه وعرّفنا به، اللّهمّ إلاّ نظرة إكبار وإعظام وإجلال.

ومن المسلّم به لديهم أيضاً ضرورة احترام كل واحد من الباحثين لوجهة نظر الآخرين في المسائل المتحملة لضروب من العراك الفكري، حتى أنّهم ليختلفون ويكونون في ذات الوقت أصدقاء وأحبّاء وأصفياء. ورحم اللّه مَن يقول:( اختلاف الرأي لا يُفسد للودّ قضيّة ) .

٤

ولقد رفع الإسلام راية السماحة عالية، فقال في كتابه الكريم:( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) .

وإذا كان الإنسان يحب لنفسه أن يستمتع بالحرية، فيقول ويعلن ما يهديه إليه بحثه وتفكيره، فلا يليق به أن ينكر على إنسان مثله حقّه في أن يقول ويعلن ما يهديه إليه بحثه وتفكيره كذلك.

وحسب المسلمين فخاراً أنّهم اجتمعوا على أصول دينهم لم يختلفوا فيها: فالإلوهية في أسمى مكان من التقديس في نفوس المسلمين.

وعقيدة البعث، والإقرار بالنبوّة، وحاجة البشر إليها، وختامها بسيد ولد آدم ( محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ).

وصدق القرآن الكريم، وما صح منه حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.

كل أُولئك يحتل من نفوس جميع المسلين مكانة لا تطاولها قداسة أيّ دين آخر في نفوس أتباعه.

قلت ذلك وأكثر من ذلك في رسالتي ( بين الشيعة وأهل السنّة ) رغم أنّي لم أقل في هذه الرسالة كل ما أُحب أن أقوله؛ نظراً لظروف الطبع وقت ذاك.

والآن يسعدني أن تتاح لي فرصة التقديم لكتاب: (الشيعة وفنون الإسلام ) الذي نحا فيه مؤلّفه السيد الشريف (الحسن أبو محمد ) منحى ربّما يبدو غريباً لدى أهل السنّة. وكنت أريد أن أدرس الكتاب دراسة موضوعية؛ لأتبيّن بالدلائل والشواهد مبلغ صدق القضية التي يعالجها الكتاب، ولكنّي رأيت الأمر فوق طاقتي؛ لأنّ المؤلّف - رضي اللّه عنه - واسع الاتباع غزير الاطلاع، يعرض لسائر العلوم الإسلامية والعربية، ويحكم عليها حكم المحيط بها، الواقف على أسرارها، العارف بعوامل نشأتها، ومراحل نموّها. ومتابعة هذه العوامل، وتلكم المراحل تتطلّب حشد

٥

المتخصّصين في هذه العلوم، ليتابع كل متخصص مادّة تخصّصه، ويوافق المؤلّف عن بينة، أو يخالفه عن بينة.

وإذا فاتني أن أخوض في هذا المجال، وإن أعرض لموضوع الكتاب عرضاً تحليلياً اتكالاً على همّة المتخصّصين الذين أطمع في أن يتناولوا الكتاب بكل ما هو جدير به منه عناية واهتمام، فما أحب أن يفوتني أن أقول كلمة ما أراها إلاّ متابعة لما جاء في رسالتي ( بين الشيعة وأهل السنّة ) تلكم هي أنّ المؤلّف - رضي اللّه عنه - يدّعي سبق الشيعة في تأسيس العلوم الدينية والعربية ويقدّم بين يدي دعواه أدلّة تبرّرها، ويدور كتابه حول بسط هذه الدعوى، وإيضاح أدلّتها.

والناس أمام هذه الدعوى فريقان:

فريق المتعلّمين: وهؤلاء لا يهتمّون بواضع العلوم ومؤسّسيها، وإنّما يهتمون بالعلوم نفسها، ويستوي لديهم أن يكون المؤسّسون لهذه العلوم هم الشيعة وحدهم أو هم أهل السنّة وحدهم، أو هؤلاء وهؤلاء.

وفريق العلماء: وهؤلاء كما يهتمون بالعلوم ذاتها، يهتمون بنشأتها ومنشئيها والأطوار التي تواردت عليها، إذ إنّ العلوم لها نشأة كنشأة عظماء الرجال؛ لهذا كان لها تاريخ كتاريخ عظماء الرجال كذلك.

ولهؤلاء أقول: إنّ كتاب ( الشيعة وفنون الإسلام ) جهد مشكور قام به صاحبه رضي الله عنه مساهمة منه في المهمّة المنوطة بأعناق علماء الإسلام تلكم هي التاريخ لعلوم الإسلام، وما تستتبعه من علوم أخرى فلا ينبغي أن يقابل هذا الجهد الجبّار بنظرة سطحيّة تعتمد على عدم المبالاة وعدم الاكتراث. لا ينبغي أن يقال مثلاً ( هذه عصبية ) أو ( هذا تحدٍّ ) أو نحو ذلك من أساليب القول التي يحتمي بها مَن لا يريد أن يجشّم نفسه مشقّة البحث والنظر. نعم، لا ينبغي أن يقال هذا ولا شيء منه؛ لأنّه لا داعي للعصبية، ولا داعي للتحدّي؛ لأنّ الشيعة كأهل السنّة مسلمون،

٦

واختلافهم مع أهل السنّة إنّما هو في مسائل لا ترتقي إلى مستوى الأصول، وإذن فهم إخوة مسلمون، وسبقهم في بعض العلوم إنّما هو كسبق الأخ لأخيه، إن أثار تنافساً، فإنّه لا يثير خصومة، ولا عداء.

وإذن فلا مناص من إحدى اثنتين:

إمّا أن نطأطئ الرأس إجلالاً واحتراماً، لما بذل المؤلّف من جهد، ولما انتهى إليه من نتائج.

وإمّا أن نقابل الجهد بجهد مثله. ونتقدّم بما نظفر به من نتائج مؤيّدة بأدلة سليمة مقبولة.

وإنّي أتوجّه إلى الله جلّت قدرته راجياً أن يطهّر النفوس ممّا علق بها من شوائب، وأن يملأها بمعاني الحب والتعاطف والتآخي، وأن يعيد للمسلمين وحدتهم، وأن يفقّههم في دينهم، ويبصّرهم بعاقبة أمرهم، ويوفّقهم للاهتداء بهدى الإسلام في سلوكهم ومعاملاتهم، ولتبليغ دعوة دينهم إلى خلق الله كافة، مبرهنين على جمالها وكمالها بالتزامهم لها ووقوفهم عند حدودها.

وفي هذا المقام يحلو لي أن أشير إلى مفخرة من مفاخر المسلمين، يحق لنا أن نعتني بها ونفاخر، تلكم هي كتب السيد (محمد باقر الصدر ) التي ما أظن أنّ الزمان قد جاء بمثلها في مثل الظروف التي وجدت فيها، لقد أنتجت عبقريته الفذة الكتب الآتية: (فلسفتنا ) و (اقتصادنا ).

تلكم الكتب التي تعرض عقيدة الإسلام، ونظم معاملاته، عرضاً تبدو إلى جانبه الآراء التي تشمخ بها أنوف الكفرة والملاحدة من الغربيين وأذنابهم ممّن ينتسبون إلى الإسلام وهو منهم براء، وكأنّها فقاقيع قد طفت على سطح الماء، ثم لم تلبث أن اختفت وكأنّها لم توجد.

٧

ألا فليقرأ هذه الكتب أولئكم الذين حشوا رؤوسهم بهراء من القول وزيف من الخيال؛ ليتطهّروا بطهور الحق من رجس الباطل، وليبصروا نور الوجود، بعدما ضلّوا في بيداء العدم، وليجدوا أنفسهم بعد أن فقدوا.

ألا فليقرأ هذه الكتب شباب الإسلام المخدوع ببريق المدينة الكاذبة، وكيف يتيسّر لهم قراءتها، وقد شغلوا بالهزل عن الجد، وبالباطل عن الحق؛ لأنّ الهزل والباطل قد اقتحما عليهم عقولهم وقلوبهم في غفلة من الجد والحق.

ألا فليتعرف على هذه الكتب المربون ليقوّموا بها نفوساً قد اعوجّت، وقلوباً قد أظلت، وعقولاً قد أقفرت وأجدبت حتى هانت الدنيا على أصحابها، فسخروا منها لأنّهم لم يحسّوا لها طعماً، ولم يعرفوا لها قدراً، فساءت أحوالهم، وانحرف بهم سلوكهم وضلّت عنهم آمالهم، وأصبحوا بحالة تستوجب أن يخلقوا خلقاً جديداً.

وأنّه لا يسعني في ختام هذه الكلمة إلاّ أن أشكر الأخ الفاضل السيد ( مرتضى الرضوي ) صاحب مكتبة النجاح، بالنجف الأشرف، بالجمهورية العراقية، على جهوده الموفّقة المشكورة في نشر العلم، والتعريف بكنوزه الدفينة، وعلى ما أتاح لي من فرصة الاطلاع على هذا السِّفْر القيّم (الشيعة وفنون الإسلام ) ويقيني أنّ هذا الكتاب سوف يكون موضوع دراسة هامّة من أهل العلم، حينما تصل إلى أيديهم طبعته الجديدة إن شاء الله.

كتبه

سليمان دنيا

أوّل يناير ١٩٦٧

٨

حياة المؤلّف

بقلم:

صاحب السماحة آية الله الشيخ مرتضى آل يس

رئيس جماعة العلماء في النجف الأشرف

٩

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمة المؤلّف

ولادته:

تولّد - دام ظلّه - في بلد الكاظمية عند الزوال من يوم الجمعة، الموافق ليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك من سنة ١٢٧٢ هجرية.

اسمه ونسبه:

هو الحسن أبو محمد الشهير بالسيد حسن صدر الدين ابن السيد هادي ابن السيد محمد علي ابن السيد صالح ابن السيد محمد ابن السيد زين العابدين ابن السيد نور الدين ابن السيد علي ابن السيد حسين ابن السيد علي ابن السيد محمد أبي الحسن عباس بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن حمزة الأصغر بن سعد الله بن حمزة الأكبر بن محمد أبي السعادات ابن أبي الحرث محمد ابن أبي الحسن علي ابن أبي طاهر عبد الله ابن أبي الحسن محمد المحدث ابن أبي الطيب طاهر بن الحسين القطعي ابن موسى أبي سبحة ابن إبراهيم الأصغر ابن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه وعليهم الصلاة والسلام.

نشأته:

نشأ - أيّده الله - منشأً راقياً قلّما رقته قدم الاجتهاد، ولو لم يكن ذلك باقتضاء من فطرته السامية فقط؛ إذ إنّ الفطرة بمفردها لا تساعد إلاّ حيث تصادف محيطاً مناسباً وإلاّ فإنّها قد تفسد بالعرض، في حين أنّها صالحة بالذات.

كان ذلك باقتضاء منها، ومساعدة من حجر أبيه السيد العلاّمة معاً، ذلك الحجر المدرسي الذي شذّ ما وجد في الآباء نظيره، وحسبه فضلاً أن نجد مثل السيد

١١

المؤلّف خريجاً لتلك المدرسة الراقية، التي جعلته مثالاً لتربيتها الصحيحة، ونموذجاً لتهذيبها المتين.

وهكذا تتلمذ السيد المؤلّف على السيد العلاّمة أبيه، حتى شبّ وترعرع وبلغ من العمر مبلغ الفتى الصغير، وعند ذاك نزعت نفسه الشريفة إلى طلاّب العلم وتحصيل الفضل، وكذلك النفوس الكبيرة فإنّها تنزع العمل بلا باعث، كما أنّها تنتقي بذاتها أحسن العمل، ومن حينه لبّى دعوتها بالارتياح وأنعمها جواباً بالقول الصراح، ثم أكبّ على العلم مجتهداً في التحصيل والاشتغال، حتى كان من أمره اليوم أنّه أمسى فاقد الندّ وعديم المثال.

اجتهاده في التحصيل:

ليس الاجتهاد ممّا يفهمه الكثيرون، بل لم يكن هو في حين من الدهر مفهوماً واضحاً لكل أحد، بل إنّ ما يزعمه الكثيرون اجتهاداً ليس من الاجتهاد في شيء، وهذا الزعم هو الذي ذهب بفضل المجتهد الصادق، وجعل الأمر ممّا يشكل بينه وبين المجتهد الكاذب، حتى صار لقب المجتهد ممّا يكال كيل المتاع بكل لسان، لكل إنسان.

أجل إنّ الاجتهاد الصحيح ممّا يعسر فهمه على النفوس الصغيرة، فأحرى بها ألاّ تستطيع إلى اتخاذه سبيلاً، فعبثاً أن تنتحل لقب المجتهد لأنفسها باطلاً، ما دامت تنظر إلى ما حولها، فتجد هناك رجال الجد والعمل، كيف يجدون ويجتهدون؟

بل إنّهم كيف يلقون إليها دروساً من العمل الصادق، ما لو أنّها كانت تقتنع، لأقنعتها هي ببطلان ذلك الزعم الفاسد منذ زمن بعيد.

تلك هي النفوس الكبيرة، بل أُولئك هم رجال الجد والاجتهاد، ومن تلك النفوس نفس سيّدنا المؤلّف الكبير، الذي أصبح مصداقاً واضحاً لذلك المفهوم المشكل، لقد كنت أسمع من السيد المؤلّف زمان كان شاباً قويّ العضلات أنّه كان لا يكاد ينام الليل في سبيل تحصيله، كما أنّه لا يعرف القيلولة في النهار.

١٢

ولكنّي بدل أن أسمع ذلك عنه في زمن شبيبته، فقد شاهدت ذلك منه بأُمّ عيني في زمن شيخوخته، وإنّ مكتبته التي يأوي إليها الليل والنهار، ويجلس هناك بيمناه القلم وبيسراه القرطاس؛ لهي الشاهد الفذ بأنّ عيني صاحبها المفتوحتين في الليل لا يطبق أجفانها الكرى في النهار، ولئن جاءها الكرى فإنّما يجيئها حثاثاً لا يكاد يلبث حتى يزول.

حقّاً أقول: إنّ السيد المؤلّف قد نام ربعاً من عمره الشريف، وسهر الباقي، ولكنّ الكثير الأكثر من الناس قد سهروا الربع وناموا الباقي.

علومه ومعارفه:

قلّ ما يوجد في علماء الدين رجل متفنّن، يجمع بين علم الأحكام وغيره، وإنّي لا أعرف لذلك سبباً مقبولاً، يصلح لأن يكون عاذراً لجميعهم عند المعترض؛ لأنّ علم الأحكام، وإن كان عميق الغور، بعيداً ما بين طرفيه، بيد أنّ ذلك لا يكاد يعترض طريق الهمام، فإنّ الصعاب مهما كبرت لا تكون إلاّ مسترذلة عند كبار النفوس، ولعلّ المستقبل يكفينا مؤنة الدعوة والاستنهاض، فيضطرّهم يوماً ما إلى التفنّن في معارفهم بالرغم من إرجاف المتساهلين، فتصبح أفواههم عند ذلك تتدفّق عسلاً ولبناً.

على أنّ الواجب الديني اليوم هو الذي يدعوهم إلى التوسّع في المعلومات، فإنّ العلم الواحد لا يصلح أن يكون مروّجاً للديانة أبداً، في حين أنّ الظروف لا تكاد تكون واحدة، فكما تتفاوت الظروف يجب أن تتفاوت رجال العلم في العلوم، وليس علم الأحكام اليوم ممّا يقوم بمفرده في ترويج الديانة ترويجاً معجباً، ما لم يصافح قسماً من الفنون الضرورية، فإنّ الحالة الدينية اليوم غير الحالة الدينية بالأمس، كما قد علم ذلك بسطاء العامّة، فضلاً عن المفكّرين من الخاصة.

فعسى أنّ جماعة العلماء يلفتون إلى ذلك بعض النظر، كما التفت إليه قبل اليوم

١٣

شرذمة منهم يسيرة لا تبلغ عدد الآحاد، نهضت بأعباء الدين، وقامت بواجب الإسلام والمسلمين.

وكان من تلك الشرذمة المباركة حضرة سيّدنا المؤلّف الكبير - أيّده الله - فإنّه لم يقصر همّه على تحصيل علم الأحكام فقط، بل قد ضمّ إليه كثيراً من العلوم المتنوّعة، اللاتي يستغربها غيره من العلماء الدينيين، فكان ما حصل عليه من العلوم: النحو، والصرف، والمنطق، والمعاني، والبيان، والبديع، والهيئة، والحساب، والتفسير، والرجال، والتأريخ، والحكمة، والكلام، والأخلاق، والحديث، والفقه، وأُصول الفقه.

أساتذته في القراءة:

أوّل مَن قرأ عليه النحو والصرف هو: الشيخ الثقة الشيخ باقر(١) ابن حجّة الإسلام الشيخ محمد حسن آل يس، ثم قرأهما على السيد الفاضل السيد باقر(٢) ابن السيد حيدر.

وقرا: ( علم المعاني والبيان والبديع ) على الشيخ أحمد العطار(٣) .

( والمنطق ) على الشيخ محمد(٤) ابن الحاج كاظم، وعلى الميرزا باقر(٥) السلماسي.

وفرغ من هذه العلوم وهو في الرابعة عشرة من سني عمره، وبعد أن فرغ منها طفق يقرأ متون الفقه، وعلم ( أصول الفقه )؛ وكان يومئذ بعد لم يرتحل عن مسقط رأسه ( الكاظمية ) فقرأهما على علمائها حتى فرغ من قراءة ( الشرائع )،

____________________

(١) توفّي عام ١٢٩٠ هـ.

(٢) توفّي عام ١٢٩٧ هـ.

(٣) توفّي عام ١٢٩٩ هـ.

(٤) توفّي عام ١٣١٤ هـ.

(٥) توفّي عام ١٣٠١ هـ.

١٤

و( الروضة ) في الفقه والمعالم ( والقوانين ) في الأصول، وهو إذ ذاك ابن ثماني عشرة سنة، وعندئذ تاقت نفسه إلى ( النجف الأشرف ) فزمّ إليها ركائبه، وهناك قرأ ( الحكمة والكلام ) على الفاضل الشكي(١) ، والمولى الشيخ محمد تقي الكلبايكاني(٢) ، وقرأ خارج الفقه على فقهاء النجف من تلامذة الشيخ محمد حسن صاحب ( الجواهر )(٣) ، وخارج الأصول على أفاضل تلامذة الشيخ مرتضى الأنصاري(٤) ، وقرأ علم الحديث على جملة من علماء الحديث في النجف.

ثم ما زال في النجف عاكفاً على الاشتغال، ومكبّاً على التحصيل يرتضع ثدي العلم ويستدرّ ضروع الفضل، حتى سنة سبع وتسعين ومئتين بعد الألف هجرية، فهاجر من النجف إلى سامراء حيث يقيم هناك في ربوعها أكبر أساتذته العظام الذي عليهم تتلمذ، ومنه أخذ حجّة الإسلام الشيرازي الميرزا محمد حسن المتوفّى سنة ١٣١٢ هـ.

وما فتئ منذ ألقى لديها عصا السير مجدّاً ومجتهداً، ومدرّساً ومؤلّفاً حتى سنة ١٣١٤ هـ، أي إلى ما بعد وفاة أُستاذه السيد الشيرازي بعامين، وعندها قفل راجعاً إلى ( الكاظمية ) مسقط رأسه، فأقام بها إلى اليوم، غرّة لجبينها، وقرّة لعيونها، ملاذاً للمسلمين، ومفزعاً للمؤمنين في أُمور الدنيا والدين.

مشايخه في الرواية:

مشايخه في الرواية على صنفين: منهم مَن يروي عنهم بطريق السماع والقراءة فقط دون الإجازة، ومنهم مَن يروي عنهم بطريق الإجازة العامّة.

أمّا مشايخه من الصنف الأوّل فمنهم - وهو أجلّ مَن يروي عنه - حجّة

____________________

(١) توفّي عام ١٢٩٠ هـ.

(٢) توفّي عام ١٢٩٣ هـ.

(٣) توفّي عام ١٢٦٦ هـ.

(٤) توفّي عام ١٢٨١ هـ.

١٥

الإسلام الميرزا محمد حسن الشيرازي الغروي العسكري المتوفّي سنة ١٣١٢ هـ، ومنهم الشيخ المحقّق المؤسّس الحاج ميرزا حبيب الله الرشتي الغروي صاحب كتاب ( بدائع الأُصول ) المتوفّى ١٣١٣ هـ، ومنهم الشيخ محمد حسين بن هاشم الكاظمي النجفي شارح ( كتاب الشرايع ) المتوفّى سنة ١٣٠٨ هـ، ومنهم الفاضل المتبحّر المولى محمد الأيرواني النجفي المتوفّى بعد المئة الثالثة عشرة، ومنهم شيخ الإسلام الشيخ محمد حسن آل يس الكاظمي صاحب كتاب ( أسرار الفقاهة ) المتوفّى سنة ١٣٠٨ هـ، ومنهم والده السيد الشريف السيد هادي المتوفّى ١٣١٨ هـ.

وأمّا مشايخه من الصنف الثاني فهم جماعة من العلماء منهم: المولى الفقيه علي الميرزا خليل الرازي الغروي - المتوفّى سنة ١٢٩٧ هـ، ومنهم السيد المتبحّر المهدي القزويني الحلّي الغروي - المصنّف المكثر - المتوفّى سنة ثلاثمئة بعد الألف، ومنهم المولى المحقّق المتبحّر الميرزا محمد هاشم بن زين العابدين الأصفهاني المتوفّى في النجف سنة ١٣١٨ هـ.

وقد ذكر تراجمهم على طرز مبسوط في إجازاته المطوّلات، واستقصى فيها جميع مشايخه بما لا مزيد عليه.

مصنّفاته ومؤلّفاته

يندر في العلماء المصنّفون، كما يندر المصنّفون من العلماء، فهم: إمّا عالم غير مصنّف، أو مصنّف غير عالم، أمّا العالم والمصنّف معاً، فقليل ما هو، وليس هو إلاّ مَن جمع بين فضيلتي العلم والقلم، وحيث خسر أحدهما كان واحداً من الاثنين، ولا مراء أنّ خسران أحدهما لا يكون طبيعياً إلاّ في نادر منهم ممّن لا تساعدهم الفطرة، كما لا يستطيعون مقاومتها، بل الحق أنّ جلّ السبب في جلّهم هو التساهل، وعدم الاهتمام بكلتا الفضيلتين معاً، في حين أنّه ليس هناك مانع فطري، أو رادع طبعي، وليس العلم النافع على ما أعتقد إلاّ ما حوته السطور لا ما حفظته الصدور، وما هو في الصدور إلاّ كمعاني مجرّدة بعد لم تفرغ في قوالب الألفاظ.

١٦

نعم إنّ العلم المدوّن هو الذي يحفظ لصاحبه ذكره، ويخلّد له بعد موته أمره، فكم من علماء أحياء ظلّوا كأنّهم قوم ميّتون، وكم من علماء أموات ظلّوا كأنّهم أحياء يُرزقون.

على أنّي لا أعرف من أُولئك كثيرين ممّن حازوا الفضيلتين، وبرعوا في الصناعتين، ولكنّهم مع هذا كلّه لم يشئوا أن يعملوا أحديهما بالأُخرى، بل إنّك لتجدنّهم ممّن يفضلون الإهمال على الإعمال، وهم يعتمدون فيما يعتقدون على أوهام لا ظل لها من الصواب، بل هي محض خيالات ليس إلاّ.

ولهذا السبب ولتلك الأسباب قلّ في العلماء المصنّفون، كما قلّ المصنّفون من العلماء، حتى أصبح المصنّف العالم، أو العالم المصنّف - وبالأخص المكثر - واحداً من خوارق العادة أو ما وراء الطبيعة، وما سيّدنا المؤلّف اليوم إلاّ واحد من تلك الخوارق التي أصبحت أعجوبة القرن الرابع عشر، ولاغرو فإنّه ربّ العلم والصناعة، وسلطان القلم واليراعة.

وإليك ما صدر من نفثات قلمه إلى اليوم فإنّك تجدها تناهز الخمسين مصنّفاً ما بين ضخم كبير، وآخر مختصر صغير ودونك هي نصّاً:

في الفقه:

سبيل الرشاد في شرح نجاة العباد، بطريق البسط.

سبيل النجاة في فقه المعاملات، بطريق المتن والتفريع لعمل المقلّدين.

تبيين مدارك السداد للحواشي والمتن من نجاة العباد، خرج منه كتاب الطهارة، والصلاة، والمراد من الحواشي خصوص حواشي الشيخ المرتضى، وأُستاذه السيد الشيرازي.

الدر النظيم في مسألة التتميم. أي تتميم ماء الكر بالماء النجس.

رسالة تبيين الإباحة في مشكوك ما لا يؤكل لحمه للمصلّين.

رسالة إبانة الصدور في موقوفة ابن أُذينة المأثورة في مسألة إرث ذات الولد من الرباع.

١٧

رسالة لزوم صوم ما فات في سنة الفوات.

رسالة كشف الالتباس عن قاعدة الناس. يعني قاعدة الناس مسلّطون على أموالهم.

رسالة الغرر في قاعدة نفي الضرر.

رسالة تبيين الرشاد في لبس السواد على الأئمّة الأمجاد ( رسالة فارسية ).

الغالية لأهل الأنظار العالية في تحريم حلق اللحية ( رسالة فارسية ).

رسالة في حكم الشكوك غير المنصوصة.

رسالة في حكم الشك في الأفعال.

ويوجد للسيد المؤلّف غير ذلك من الرسائل ممّا كتبت في أجوبة بعض المسائل.

في أُصول الفقه:

رسالة في تعارض الاستصحابين.

اللباب في شرح رسالة الاستصحاب للشيخ العلاّمة المرتضى رحمه الله.

كتاب الحواشي على فرائد الأُصول للشيخ المرتضى رحمه الله.

حدائق الوصول إلى علم الأُصول. لم يتم بعد.

في الأُصول الدينية:

الدرر الموسوية في شرح العقائد الجعفرية. ضمّنها جميع أُصول الدين.

في التاريخ:

تأسيس الشيعة الكرام لسائر فنون الإسلام.

الشيعة وفنون الإسلام ( مختصر من الأوّل ) وهو هذا الكتاب.

في علم الرجال:

كتاب مختلف الرجال، وهو كتاب جليل، دوّن فيه علم الرجال على نحو سائر العلوم المدوّنة: من ذكر التعريف، والموضوع، والغاية، والمبادئ التصوّرية، والمبادئ التصديقية، والمطالب، والحواشي الرجالية على منتهى المقال في أحوال الرجال.

١٨

الحواشي على تلخيص الرجال

الإبانة عن كتاب الخزانة.

الحواشي على أمل الآمل.

نكث الرجال.

حاشية على رجال أبي علي الحايري.

بغية الوعاة في طبقات مشايخ الإجازات.

رسالة في النصوص المأثورة في الحجّة صاحب الزمان عليه السلام.

انتخاب القريب من التقريب لابن حجر.

ذكرى المحسنين.

رسالة في أحوال السيد المحقّق السيد محسن الأعرجي المقدّس البغدادي صاحب ( المحصول وشرح الوافية في الأُصول ).

في علم الأخلاق:

إحياء النفوس بآداب السيد ابن طاووس.

سبيل الصالحين في السلوك وبيان طريق العبودية ( مختصر ).

متفرقات في الحديث:

نهاية الدراية في أُصول علم الحديث وآدابه.

رسالة في إثبات الجمع بين الصلاتين في الحضر من طريق أصحاب الصحاح الستّة.

رسالة في مناقب آل الرسول، من طريق الجمهور.

رسالة أُخرى في المناقب أيضاً على ترتيب الحروف، مستخرجة من الجامع الصغير.

مجالس المؤمنين في وفيات الأئمّة المعصومين عليهم السلام.

١٩

تعريف الجنان في حقوق الإخوان.

نزهة أهل الحرمين في تواريخ تعميرات المشهدين - أي النجف وكربلاء.

فصل القضا في الكتاب المشتهر بفقه الرضا. كشف فيه حال هذا الكتاب بما لا مزيد عليه، وأثبت أنّه كتاب التكليف المعروف للشلمغاني، وأوضح في ذلك وجه الاشتباه بما لم يسبقه إليه أحد سواه.

قاطعة اللجاج في إبطال طريقة أهل الاعوجاج - يعني بهم الإخبارية المنكرين للاجتهاد والتقليد في الفروع.

وللسيّد المؤلّف أيضاً كتاب ضخم في بيان ما انفرد به أحمد بن تيمية عن علماء الإسلام.

وآخر اسمه مفتاح السعادة في المهم من أدعية اليوم والليلة والشهر والسنة وعمل المشاهد المشرّفة.

أخلاقه الفاضلة ونعوته الممتازة:

الخلق الفاضل سجيّة كريمة، وهو كما يكون طبيعياً في بعض، يكون اصطناعياً في آخرين، وشتّان بين الخلقين، وما مثل مصطنعه إلاّ كشارب الدواء وهو مريض، يكرهه في حين أنّه يصلحه، وليس ذلك إلاّ لأنّه ليس جبلياً له بالذات، بل إنّه ليتكلّفه بالعرض، والتكلّف على النفس ثقيل عبثه، فربما أجهد به صاحبه فرمى به إلى حيث لا يعود إلى حمله.

لا ضير فإنّه عرض يتخلّف عن الذات، ولكن ما بالذات يتخلّف عن الذات، ولكن ما بالذات يتخلّف عنها.

كلا.. تلك لهي شيمة العظماء والكبار، شيمة الأتقياء والأبرار، تلك هي الشيمة التي نجدها مجسّمة في شخص سيّدنا المؤلّف الكبير، ذلك العظيم الذي ما رأيناه منذ يوم رأيناه إلاّ رجلاً عظيم الخلق، كريم الطبع، طلق المحيّا، باسم الثغر، غضوباً في الله، في حين أنّه حليم في نفسه، رؤوف بالصغير، عطوف على الكبير، سيّان عنده الغني والفقير، وهو مع ذلك صبيح الوجه، مهيب المنظر، قوي الحجّة في مناظراته، شديد اللهجة في محاوراته، امتاز بكثرة الحفظ، واتقاد

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الدِّين وأنت تقيم عليه؟! ستعلمون إذا فارقت أرواحنا أجسادنا مَن أولى بصليّ النّار» (١) .

مسلم بن عوسجة

ثمّ حمل عمرو بن الحَجّاج من نحو الفرات فاقتتلوا ساعة، وفيها قاتل مسلم بن عوسجة، فشدّ عليه مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة البجلي، وثارت لشدّة الجلاد غبرة شديدة وما انجلت الغبرة إلاّ ومسلم صريع وبه رمق. فمشى إليه الحسينعليه‌السلام ومعه حبيب بن مظاهر فقال له الحسينعليه‌السلام :«رحمك الله يا مسلم! ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (٢) » . ودنا منه حبيب وقال: عزّ عليّ مصرعك يا مسلم، أبشِر بالجنّة. فقال بصوت ضعيف: بشّرك الله بخير. قال حبيب: لَو لَم أعلم أنّي في الأثر لأحببت أنْ توصي إليَّ بما أهمّك. فقال مسلم: اُوصيك بهذا وأشار إلى الحسينعليه‌السلام أنْ تموت دونه. قال: أفعل وربِّ الكعبة. وفاضت روحه بينهما. وصاحت جارية له: وآ مسلماه! يا سيّداه! يابن عوسجتاه! فتنادى أصحاب ابن الحجاج: قتلنا مسلماً.

فقال شبث بن ربعي لمَن حوله: ثكلتكم اُمّهاتكم! أيقتل مثل مسلم وتفرحون! لَربَّ موقف له كريم في المسلمين رأيته يوم آذربيجان، وقد قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين(٣) .

الميسرة

وحمل الشمر في جماعة من أصحابه على ميسرة الحسينعليه‌السلام فثبتوا لهم حتّى كشفوهم، وفيها قاتل عبد الله بن عمير الكلبي فقتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، وشدّ عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فقطع يده اليمنى(٤) ، وقطع بكر بن حي ساقه.

____________________________

(١) البداية لابن كثير ٨ / ١٨٢.

(٢) سورة الأحزاب / ٢٣.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٩.

(٤) مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢١٧.

٢٤١

فاُخذ أسيراً وقُتل صبراً(١) ، فمشت إليه زوجته اُمّ وهب وجلست عند رأسه تمسح الدم عنه وتقول: هنيئاً لك الجنّة أسأل الله الذي رزقك الجنّة أنْ يصحبني معك. فقال الشمر لغلامه رستم: اضرب رأسها بالعمود، فشدخه وماتت مكانها، وهي أول امرأة قُتلت من أصحاب الحسين عليه‌السلام (٢) .

وقطع رأسه ورمى به إلى جهة الحسين فأخذته اُمّه ومسحت الدم عنه، ثمّ أخذت عمود خيمة وبرزت إلى الأعداء فردّها الحسينعليه‌السلام وقال:«ارجعي رحمك الله فقد وضِع عنك الجهاد». فرجعت وهي تقول: اللهمّ، لا تقطع رجائي. فقال الحسينعليه‌السلام :«لا يقطع الله رجاءك» (٣) .

وحمل الشمر حتّى طعن فسطاط الحسينعليه‌السلام بالرمح وقال: عليَّ بالنّار لاُحرقه على أهله. فتصايحت النّساء وخرجن من الفسطاط، وناداه الحسينعليه‌السلام :«يابن ذي الجوشن، أنت تدعو بالنّار لتحرق بيتي على أهلي؟! أحرقك الله بالنّار». وقال له شبث بن ربعي: أمرعباً للنّساء صرت؟ ما رأيت مقالاً أسوأ من مقالك، وموقفاً أقبح من موقفك. فاستحى وانصرف. وحمل على جماعته زهير بن القين في عشرة من أصحابه حتّى كشفوهم عن البيوت(٤) .

عزرة يستمد الرجال

ولمّا رأى عزرة بن قيس - وهو على الخيل - الوهن في أصحابه والفشل كلّما يحملون، بعث إلى عمر بن سعد يستمدّه الرجال، فقال ابن سعد لشبث بن ربعي: ألا تقدم إليهم؟ قال: يا سبحان الله! تكلّف شيخ المصر، وعندك مَن يجزي عنه. ولَم يزل شبث بن ربعي كارهاً لقتال الحسين، وقد سُمع يقول: قاتلنا مع علي بن

____________________________

(١) حكى هذا ابن الأثير، وفي مقتل الخوارزمي ٢ / ١٣: إنّ شماله قُطعت بعد أن قُطعت يمينه.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥١، وفي مسند أحمد ٢ / ١٠٠، الطبعة الاُولى عن أبي عمر: مرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزاة غزاها بامرأة مقتولة، فنهى عن قتل النّساء والصبيان.

(٣) تظلّم الزهراءعليها‌السلام / ١١٣.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥١، واختصره الخوارزمي في المقتل ٢ / ١٦.

٢٤٢

أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين، ثمّ عدونا على ولده وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سميّة الزانية، ضلال يا لك من ضلال! والله لا يعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً، ولا يسدّدهم لرشد(١) .

فمدّه بالحصين بن نُمير في خمسمئة من الرماة، واشتدّ القتال، وأكثر أصحاب الحسينعليه‌السلام فيهم الجراح حتّى عقروا خيولهم وأرجلوهم(٢) ، ولَم يقدروا أنْ يأتوهم من وجه واحد؛ لتقارب أبنيتهم. فأرسل ابن سعد الرجال ليقوضوها عن أيمانهم وعن شمائلهم؛ ليحيطوا بهم. فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسينعليه‌السلام يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرجل وهو ينهب فيقتلونه ويرمونه من قريب فيعقرونه.

فقال ابن سعد: احرقوها بالنّار فأضرموا فيها النّار. فصاحت النّساء ودُهشت الأطفال، فقال الحسينعليه‌السلام :«دعوهم يحرقونها، فإنّهم إذا فعلوا ذلك لَم يجوزوا إليكم». فكان كما قال(٣) .

أبو الشعثاء

وكان أبو الشعثاء الكندي - وهو يزيد بن زياد - مع ابن سعد، فلمّا ردّوا الشروط على الحسينعليه‌السلام صار معه، وكان رامياً فجثا على ركبتَيه بين يدَي الحسين ورمى بمئة سهم و الحسينعليه‌السلام يقول:«اللهمّ سدّد رميته، واجعل ثوابه الجنّة». فلمّا نفدت سهامه قام وهو يقول: لقد تبيّن لي أنّي قتلت منهم خمسة(٥) . ثمّ حمل على القوم فقتل تسعة نفر وقُتل(٤) .

الزوال

والتفت أبو ثمامة الصائدي(٦) إلى الشمس قد زالت، فقال للحسينعليه‌السلام : نفسي

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥١.

(٢) إعلام الورى / ١٤٥، وابن الأثير ٤ / ٢٨.

(٣) ابن الأثير ٤ / ٢٨، ومقتل الخوارزمي ٢ / ١٦.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٥.

(٥) أمالي الصدوق / ١٧ المجلس الثلاثون، وفي ذخيرة الدارين: قتل تسعة عشر رجلاً.

(٦) في جمهرة أنساب العرب لابن حزم / ٣٧٣، والإكليل للهمداني ١٠ / ٩٧: أبو ثمامة: هو زياد بن عمرو بن عريب بن حنظلة بن دارم الصائدي، قُتل مع الحسين.

وفي تاريخ الطبري ٦ / ١٥١، وزيارة النّاحية المقدسة أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي.

وفي اللباب لابن الأثير ٢ / ٤٦: الصائدي: نسبةً إلى صائد، بطن من همدان، واسم صايد كعب بن شرحبيل... الخ.

٢٤٣

لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، لا و الله لا تُقتل حتّى اُقتل دونك، و اُحبّ أنْ ألقى الله وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه إلى السّماء وقال:«ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلّين الذاكرين، نعم هذا أول وقتها، سلوهم أنْ يكفّوا عنّا حتّى نصلّي». فقال الحصين: إنّها لا تُقبل(١) .

حبيب بن مظاهر

فقال حبيب بن مظاهر: زعمت أنّها لا تُقبل من آل الرسول وتُقبل منك يا حمار؟! فحمل عليه الحصين فضرب حبيبُ وجه فرسه بالسّيف، فشبّت به ووقع عنه واستنقذه أصحابه فحملوه(٢) ، وقاتلهم حبيب قتالاً شديداً، فقتل على كبره اثنين وستّين رجلاً، وحمل عليه بديل بن صريم فضربه بسيفه، وطعنه آخر من تميم برمحه فسقط إلى الأرض، فذهب ليقوم وإذا الحصين يضربه بالسّيف على رأسه فسقط لوجهه، ونزل إليه التميمي واحتزّ رأسه فهدّ مقتلُه الحسينعليه‌السلام فقال:«عند الله احتسب نفسي وحماة أصحابي» (٣) ، واسترجع كثيراً.

الحرّ الرياحي

وخرج من بعده الحرّ بن يزيد الرياحي ومعه زهير بن القين - يحمي ظهره - فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شدّ الآخر واستنقذه، ففعلا ساعة(٤) وإنّ فرس الحرّ لمضروب على اُذنَيه وحاجبَيه و الدماء تسيل منه، وهو يتمثّل بقول عنترة:

____________________________

(١) في الوسائل ١ / ٢٤٧، الباب الواحد والأربعون، في مواقيت الصلاة، طبعة عين الدولة: كان أمير المؤمنينعليه‌السلام مشتغلاً بالحرب ويراقب وقت الصلاة، فقال له ابن عبّاس ما هذا الفعل يا أمير المؤمنين قال:«اُراقب الشمس» . فقال له: إنّ عندنا لشغلاً بالقتال عن الصلاة. فقالعليه‌السلام :«إنّما قاتلناهم على الصلاة». ولَم يترك صلاة الليل حتّى ليلة الهرير.

(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ١٧.

(٣) ابن الأثير ٤ / ٢٩، وتاريخ الطبري ٦ / ٢٥١، وفي مقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ١٩: قطع التميمي رأس حبيب، ويقال بديل بن صريم، وعلّق الرأس في عنق الفرس، فلمّا دخل الكوفة رآه ابن حبيب ابن مظاهر - وهو غلام غير مراهق - فوثب عليه وقتله وأخذ رأسه.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٢، والبداية ٨ / ١٨٣.

٢٤٤

ما زلت ارميهم بثغرة نحره

ولبانه حتّى تسربل بالدم

فقال الحصين ليزيد بن سفيان: هذا الحرّ الذي كنت تتمنى قتله؟ قال: نعم. وخرج إليه يطلب المبارزة فما أسرع أنْ قتله الحرّ، ثمّ رمى أيّوب بن مشرح الخيواني فرس الحرّ بسهم فعقره، وشبّ به الفرس فوثب عنه كأنّه ليث(١) وبيده السّيف، وجعل يقاتل راجلاً حتّى قتل نيفاً وأربعين(٢) ، ثمّ شدّت عليه الرجّالة فصرعته. وحمله أصحاب الحسينعليه‌السلام ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلون دونه - وهكذا يؤتى بكلّ قتيل إلى هذا الفسطاط - و الحسينعليه‌السلام يقول:«قتلة مثل قتلة النبيين وآل النبيّين» (٣) ثمّ التفت إلى الحرّ - وكان به رمق - فقال له، وهو يمسح الدم عنه:«أنت الحرّ كما سمّتك اُمّك، وأنت الحرّ في الدنيا والآخرة» . ورثاه رجل من أصحاب الحسين، وقيل: علي بن الحسين(٤) وقيل: إنّها من إنشاء الحسين خاصّة(٥)

لَـنعم الحرُّ حرُ بني رياح

صبور عند مشتبك الرماح

ونعم الحرُّ إذ فادى حسيناً

وجاد بنفسه عند الصباح

الصلاة

وقام الحسين إلى الصلاة، فقيل إنّه صلّى بمَن بقي من أصحابه صلاة الخَوف، وتقدّم أمامه زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي في نصف من أصحابه(٦) ، ويقال إنّه صلّى، وأصحابه فرادى بالإيماء(٧) :

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٨ - ٢٥٠.

(٢) مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢١٧، طبعة ايران.

(٣) هذا في تظلّم الزهراءعليها‌السلام / ١١٨، والبحار ١٠ / ١١٧، و١٣ / ١٣٥، عن الغيبة للنعماني / ١١٣، الطبع الحجرية، باب ما يلحق الشيعة من التمحيص.

وفي تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٦، وابن الأثير ٤ / ٣٠، وإرشاد المفيد: إنّه وضع فسطاطاً في الميدان. ولَم يذكروا كلمة الحسينعليه‌السلام المعربة عن قداسة الموقف.

(٤) مقتل العوالم / ٨٥، ومقتل الخوارزمي ٢ / ١١.

(٥) روضة الواعظين / ١٦٠، وأمالي الصدوق / ٩٧، المجلس الثلاثون.

(٦) مقتل العوالم / ٨٨، ومقتل الخوارزمي ٢ / ١٧: والذي أراه صلاة الحسين كانت قصراً؛ لأنّه نزل كربلاء في الثاني من المحرم، ومن أخبار جدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضافاً إلى علمه بأنّه يُقتل يوم عاشوراء لَم يستطع أن ينوي الإقامة إذا لَم تكمل له عشرة أيّام وتخيّل مَن لا معرفة له بذلك أنّه صلّى صلاة الخوف.

(٧) مثير الأحزان لابن نما / ٤٤.

٢٤٥

وصـلاة الخوف حاشاها فما

روعت والموت منها كان قابا

مـا لواها الموقف الدّامي وما

صدَّها الجيش ابتعاداً واقترابا

زحـفت ظامئة والشمس من

حَـرَّها تلتهب الأرض التهابا

هزَّت الجيش وقد ضاقت به

عرصة الطَّف سهولا وهضابا

سـائل الـميدان عنها سترى

كـيف أرضته طعاناً وضرابا

كـيف حـامت حرم الله فما

خـدشت عزّاً ولا ولّت جنابا

كـيف دون الله راحت تَدّري

بـهواديها سـهاماً وكعابا(١)

ولما اُثخن سعيد بالجراح سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهمّ العنهم لعن عاد وثمود وابلغ نبيّك منّي السّلام وابلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإنّي أردت بذلك ثوابك في نصرة ذريّة نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، والتفت إلى الحسينعليه‌السلام قائلاً: أوفيت يابن رسول الله؟ قال:«نعم، أنت أمامي في الجنّة» (٣) ، وقضى نحبه فوُجد فيه ثلاثة عشر سهماً غير الضرب والطعن(٤) .

ولمّا فرغ الحسينعليه‌السلام من الصلاة قال لأصحابه:«يا كرام، هذه الجنّة قد فتحت أبوابها، واتصلت أنهارها، وأينعت ثمارها، وهذا رسول الله والشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله يتوقّعون قدومَكم ويتباشرون بكم، فحاموا عن دين الله ودين نبيِّه، وذبّوا عن حرم الرسول». فقالوا: نفوسنا لنفسك الفداء، ودماؤنا لدمك الوقاء فوالله لا يصل إليك وإلى حرمك سوء وفينا عرق يضرب(٥) .

الخيل تعقر

ثمّ إنّ عمر بن سعد وجّه عمرو بن سعيد في جماعة من الرماة فرموا أصحاب الحسين وعقروا خيولهم(٦) ولَم يبقَ مع الحسين فارس إلاّ الضحّاك بن

____________________________

(١) للعلامة السيّد محمّد ابن آية الله السيّد جمال الكلبايكاني.

(٢) مقتل العوالم / ٨٨.

(٣) ذخيرة الدارين / ١٧٨.

(٤) اللهوف / ٦٢.

(٥) أسرار الشهادة / ١٧٥.

(٦) مثير الأحزان لابن نما / ٣٤.

٢٤٦

عبد الله المشرقي يقول: لمّا رأيت خيل أصحابنا تُعقر أقبلتُ بفرسي وأدخلتها فسطاطاً لأصحابنا. واقتتلوا أشدّ القتال(١) . وكان كلّ مَن أراد الخروج ودّع الحسينعليه‌السلام بقوله: السّلام عليك يابن رسول الله. فيُجيبه الحسينعليه‌السلام :«وعليك السّلام، ونحن خلفك» ، ثمّ يقرأ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (٢) .

أبو ثمامة

وخرج أبو ثمامة الصائدي فقاتل حتّى اُثخن بالجراح، وكان مع عمر بن سعد ابن عمّ له، يقال له قيس بن عبد الله بينهما عداوة، فشدّ عليه وقتله.

زهير وابن مضارب

وخرج سلمان بن مضارب البجلي - وكان ابن عمّ زهير بن القين - فقاتل حتّى قُتل. وخرج بعده زهير بن القين فوضع يده على منكب الحسين وقال مستأذناً:

أقـدم هديت هادياً مهديّاً

فـاليوم القى جَدَّك النبيّا

وحـسناً والمرتضى عليّاً

وذا الجناحين الفتى الكميّا

وأسد الله الشهيد الحي

فقال الحسينعليه‌السلام :«وأنا ألقاهما على أثرك». وفي حملاته يقول:

أنا زهير وأنا ابن القين

أذودكم بالسّيف عن حسين

فقتل مئة وعشرين، ثمّ عطف عليه كثير بن عبد الله الصعبي والمهاجر بن أوس فقتلاه. فوقف الحسينعليه‌السلام وقال:«لا يبعدنّك الله يا زهير، ولعن قاتليك لعن الذين مُسخوا قردةً وخنازير» (٣) .

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٥.

(٢) مقتل العوالم / ٨٥، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٢٥.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٣، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٢٠.

٢٤٧

عمرو بن قرظة

وجاء عمرو بن قرظة الأنصاري(١) ووقف أمام الحسينعليه‌السلام يقيه من العدو ويتلقّى السّهام بصدره وجبهته فلم يصل إلى الحسينعليه‌السلام سوء، ولمّا كثر فيه الجراح التفت إلى أبي عبد الله وقال: أوفيت يابن رسول الله؟ قال:«نعم، أنت أمامي في الجنّة، فاقرأ رسول الله منّي السّلام، وأعلِمه أنّي في الأثر». وخرَّ ميّتاً(٢) .

فنادى أخوه علي وكان مع ابن سعد: يا حسين، يا كذّاب، غررت أخي حتّى قتلته؟ فقالعليه‌السلام :«إنّي لَم أغر أخاك، ولكنّ الله هداه وأضلّك» . فقال: قتلني الله إنْ لَم أقتلك. ثمّ حمل على الحسين ليطعنه، فاعترضه نافع بن هلال الجملي فطعنه حتّى صرعه، فحمله أصحابه وعالجوه وبرئ(٣) .

نافع الجملي

ورمى نافع بن هلال الجملي المذحجي بنبال مسمومة، كتب اسمه عليها(٤) وهو يقول(٥) .

أرمـي بها معلمة أفواقها

مسمومة تجري بها اخفاقها

لـيملأنَّ ارضـها رشاقها

والـنفس لا ينفعها اشفاقها

فقتل اثنى عشر رجلاً سوى من جرح، ولمّا فنيت نباله جرّد سيفه يضرب فيهم، فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتّى كسروا عضديه وأخذوه أسيراً(٦)

____________________________

(١) في جمهرة أنساب العرب لابن حزم / ٣٤٥: من ولد عمرو بن عامر بن زيد مناة بن مالك الأغر، وهو الشاعر المعروف بابن الاطنابة قرظة بن كعب بن عمرو الشاعر، له صحبة. كان لقرظة بن عمرو ابنان؛ عمرو قُتل مع الحسينعليه‌السلام ، وآخر مع ابن سعد ولَم يسمّه.

(٢) مقتل العوالم / ٨٨.

(٣) ابن الأثير ٤ / ٢٧.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٢، وكامل ابن الأثير ٤ / ٢٩، والبداية ٨ / ١٨٤.

(٥) مقتل العوالم / ٩٠، وذكر ابن كثير في البداية ٨ / ١٨٤: الشطر الأول والرابع، ومثله في رواية الصدوق في الأمالي، وسمّاه هلال بن حَجّاج.

(٦) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢١.

٢٤٨

فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه، فقال له ابن سعد: ما حملك على ما صنعت بنفسك؟ قال: إنّ ربّي يعلم ما أردتُ. فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته: أما ترى ما بك؟ فقال: والله لقد قَتلتُ منكم اثني عشر رجلاً سوى مَن جرحت، وما ألوم نفسي على الجهد، ولَو بقيت لي عضد ما أسرتموني(١) . وجرّد الشمر سيفه فقال له نافع: والله يا شمر لَو كنتَ من المسلمين لعظم عليك أنْ تلقى الله بدمائنا، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدَي شرار خلقه. ثمّ قدّمه الشمر وضرب عنقه(٢) .

واضح وأسلم

ولما صُرع واضح التركي مولى الحرث المذحجي استغاث بالحسينعليه‌السلام ، فأتاه أبو عبد الله واعتنقه، فقال: مَن مثلي وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واضع خدّه على خدّي! ثم فاضت نفسه الطاهرة(٣) .

ومشى الحسين إلى أسلم مولاه، واعتنقه وكان به رمق فتبسّم وافتخر بذلك ومات(٤) !

برير بن خضير

ونادى يزيد بن معقل(٥) : يا برير كيف ترى صنع الله بك؟ فقال: صنع الله بي خيراً، وصنع بك شرّاً. فقال يزيد: كذبت وقبل اليوم ما كنت كذّابا، أتذكر يوم كنت اُماشيك في بني لوذان(٦) وأنت تقول: كان معاوية ضالاً وإنّ إمام

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٣.

(٢) البداية لابن كثير ٨ / ٨٤، وتاريخ الطبري ٦ / ٢٥٣.

(٣) مقتل العوالم / ٩١، وأبصار العين / ٨٥. وفي مقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ٢٤: كان الغلام التركي من موالي الحسينعليه‌السلام ، قارئاً للقرآن، عارفاً بالعربية، وقد وضع الحسينعليه‌السلام خدّه على خدّه حين صُرع فتبسّم.

(٤) ذخيرة الدارين / ٣٦٦.

(٥) في تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٧: إنّه من بني عمير بن ربيعة وهو حليف لبني سليمة ابن بني عبد القيس.

(٦) في تاج العروس بمادة (لوذ)، لوذان بن عبد ودّ بن الحرث بن زيد بن جشم بن حاشد.

٢٤٩

الهدى علي بن أبي طالب؟ قال برير: بلى، أشهد إنّ هذا رأيي. فقال يزيد: وأنا أشهد إنّك من الضالّين. فدعاه برير إلى المباهلة فرفعا أيديهما إلى الله سبحانه يدعوانه أن يلعن الكاذب ويقتله، ثمّ تضاربا فضربه برير على رأسه قدّت المغفر والدماغ، فخرّ كأنّما هوى من شاهق، وسيف برير ثابت في رأسه. وبينا هو يريد أنْ يخرجه إذ حمل عليه رضي بن منقذ العبدي واعتنق بريراً واعتركا فصرعه برير وجلس على صدره، فاستغاث رضي بأصحابه، فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل على برير، فصاح به عفيف بن زهير بن أبي الأخنس: هذا برير بن خضير القارئ الذي كان يقرؤنا القرآن في جامع الكوفة، فلَم يلتفت إليه وطعن بريراً في ظهره، فبرك برير على رضي وعض وجهه وقطع طرف أنفه، وألقاه كعب برمحه عنه وضربه بسيفه فقتله.

وقام العبدي ينفض التراب عن قبائه وقال: لقد أنعمت عليَّ يا أخا الأزد نعمة لا أنساها أبداً.

ولمّا رجع كعب بن جابر إلى أهله عتبت عليه امرأته النوار وقالت: أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيّد القرّاء، لقد أتيت عظيماً من الأمر، والله لا اُكلّمك من رأسي كلمة أبداً. فقال:

سـلي تـخبري عنّي وانت ذميمة

غـداة حـسين والـرماح شوارع

ألم آت اقصى ما كرهت ولم يخل

عـليَّ غـداة الـروع ما أنا صانع

مـعي يـزني لـم تـخنه كعوبُه

وأبـيضُ مخشوب الغرارين قاطع

فـجردته فـي عصبة ليس دينهم

بـديني و إنـي بابن حرب لقانع

ولـم تـرَ عيني مثلهم في زمانهم

ولا قـبلهم فـي النّاس إذ أنا يافع

أشـدّ قراعا بالسيوف لدى الوغى

ألا كـل مـن يحمي الذمار مقارع

وقد صبروا للضرب والطعن حُسّراً

وقـد نـازلوا لـو أنَّ ذلـك نافع

فـأبـلغ عـبـيد الله أمـا لـقيته

بـأنّـي مـطيع لـلخليفة سـامع

قـتلت بـريراً ثـم حـملت نعمة

ابـا مـنقذ لـما دعـا من يماصع

فردّ عليه رضي بن منقذ العبدي بقوله:

ولـو شـاء ربي ما شهدت قتالهم

ولا جـعل النعماء عندي ابن جابر

لـقد كـان ذاك الـيوم عاراً وسبَّة

تـعـيره الابـناء بـعد الـمعاشر

٢٥٠

فـيا لـيت إنّي كنت من قبل قَتْلِه

ويوم حسين كنت في رمس قابر(١)

حنظلة الشبامي

ونادى حنظلة بن سعد الشبامي: يا قوم، إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلماً للعباد. يا قوم، إنّي أخاف عليكم يوم التناد يوم تولّون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد. يا قوم، لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى. فجزاه الحسينعليه‌السلام خيراً وقال:«رحمك الله إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق، و نهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين». قال: صدقت يابن رسول الله أفلا نروح إلى الآخرة؟ فأذن له، فسلّم على الحسينعليه‌السلام وتقدّم حتّى قُتل(٢) .

عابس

وأقبل عابس بن شبيب الشاكري على شَوذب(٣) مولى شاكر - وكان شَوذب من الرجال المخلصين وداره مألف للشيعة يتحدثون فيها فضل أهل البيت - فقال: يا شَوذب، ما في نفسك أنْ تصنع؟ قال: اُقاتل معك حتّى اُقتل. فجزاه خيراً وقال له: تقدّم بين يدَي أبي عبد اللهعليه‌السلام حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك وحتّى أحتسبك فإنّ هذا يوم نطلب فيه الأجر بكلّ ما نقدر عليه. فسلّم شَوذب على الحسين، وقاتل حتّى قُتل.

فوقف عابس أمام أبي عبد اللهعليه‌السلام وقال: ما أمسى على ظهر الأرض

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٨.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٤.

(٣) في إعلام الورى / ١٤٥: سمّاه شودان، وفي ارشاد المفيد كما هنا.

٢٥١

قريب و لا بعيد أعزّ عليَّ منك، ولَو قدرت أنْ أدفع الضيم عنك بشيء أعزّ عليَّ من نفسي لفعلت، السّلام عليك، أشهد أنّي على هداك و هدى أبيك. ومشى نحو القوم مصلتاً سيفه و به ضربة على جبينه فنادى: ألا رجل؟ فأحجموا عنه؛ لأنّهم عرفوه أشجع النّاس. فصاح عمر بن سعد: أرضخوه بالحجارة. فرُمي بها، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره وشدّ على النّاس وإنّه ليطرد أكثر من مئتين، ثمّ تعطّفوا عليه من كلّ جانب فقُتل. فتنازع ذووا عدة في رأسه، فقال ابن سعد: هذا لَم يقتله واحد. وفرّق بينهم بذلك(١) .

جون

ووقف جون(٢) مولى أبي ذرّ الغفاري أمام الحسين يستأذنه فقالعليه‌السلام :«يا جون إنّما تبعتنا طلباً للعافية، فأنت في إذن منّي» . فوقع على قدميه يقبّلهما ويقول: أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدّة أخذلكم، إنّ ريحي لنتن، وحسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفّس عليَّ بالجنّة؛ ليطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيّض لوني، لا والله لا اُفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. فأذن له الحسين(٣) ، فقَتل خمساً وعشرين وقُتل. فوقف عليه الحسينعليه‌السلام وقال:«اللهمّ بيِّض وجهه وطيِّب ريحه، واحشره مع محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعرِّف بينه وبين آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله » .

فكان مَن يمرّ بالمعركة يشمّ منه رائحةً طيّبة أذكى من المسك(٤) .

أنس الكاهلي

وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخاًً كبيراً صحابياً، رأى النبي

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٤.

(٢) في تاريخ الطبري ٦ / ٢٣٩: بالحاء المهملة وبعدها واو ثمّ الياء (حوى). وفي مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢١٨: برز جوين ابن أبي مالك مولى أبي ذر الغفاري، وفي مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ٢٣٧: جون مولى أبي ذر الغفاري، وكان عبداً أسود.

(٣) مثير الأحزان لابن نما / ٣٣، طبعة ايران. وفي اللهوف / ٦١ طبعة صيدا: أفتنفس بالجنّة أترغب أن لا أدخل الجنة؟

(٤) مقتل العوالم / ٨٨.

٢٥٢

وسمع حديثه وشهد معه بدراً وحنيناً، فاستأذن الحسينعليه‌السلام وبرز شاداً وسطه بالعمامة رافعاً حاجبيه بالعصابة، ولمّا نظر إليه الحسينعليه‌السلام بهذه الهيئة بكى وقال:«شكر الله لك يا شيخ» . فقَتل على كبره ثمانية عشر رجلاً وقُتل(١) .

عمرو بن جنادة

وجاء عمرو بن جنادة الأنصاري بعد أنْ قُتل أبوه - وهو ابن إحدى عشرة سنة - يستأذن الحسينعليه‌السلام فأبى وقال: «هذا غلام قُتل أبوه في الحملة الاُولى، ولعلّ اُمّه تكره ذلك». قال الغلام: إنّ اُمّي أمرتني. فأذن له فما أسرع أنْ قُتل ورُمي برأسه إلى جهة الحسينعليه‌السلام فأخذته اُمّه ومسحت الدم عنه، وضربت به رجلاً قريباً منها فمات(٢) وعادت إلى المخيّم فأخذت عموداً وقيل سيفاً وأنشأت:

إنّي عجوز في النّسا ضعيفة

خـاويـة بـالـية نـحيفة

أضـربكم بـضربة عنيفة

دون بـني فاطمة الشريفة

فردّها الحسينعليه‌السلام إلى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجلَين(٣) .

الحَجّاج الجعفي

وقاتل الحجاج بن مسروق الجعفي حتّى خضب بالدماء، فرجع إلى الحسينعليه‌السلام يقول:

____________________________

(١) ذخيرة الدارين / ٢٠٨. وذكر ابن نما في مثير الأحزان مبارزته ورجزه، وفي الإصابة ١ / ٦٨: له ولأبيه صحبة، وروى عنه حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :«يُقتل ولدي بأرض كربلاء، فمن شهد ذلك فلينصره» . وذكره السيوطي في الخصائص ٢ / ١٢٥، والجزري في اُسد الغابة ١ / ١٢٣، وأبو حاتم الرازي في الجرح والتعديل ١ / ٢٨٧.

(٢) ابن شهر آشوب ٣ / ٢١٩، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٢٢: وليس هذا بالبعيد بعد ما يحدث الشيخ المفيد في كتاب الجمل / ١٣٧ الطبعة الثانية: إنّ حكيم بن جبلة العبدي لمّا قطعت رجله ضرب بها الرجل فصرعه. وفي تاريخ الطبري ٥ /١٨٠ وكامل ابن الأثير ٣ / ٣٥: بعد أن قتل الرجل قال:

يا فخذ لن تراعي

إن معي ذراعي

أحمي بها كراعي

وقال ابن الأثير في الكامل ٢ / ١٤٠: قطع رجل من أصحاب مسيلمة رجل ثابت بن قيس فأخذها ثابت وضرب بها الرجل فقتله.

(٣) البحار ١٠ / ١٩٨، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٢٢. وفي الإصابة ترجمة أسماء بنت يزيد بن السكن أنّها يوم اليرموك أصابت بالعمود تسعة من الروم فقتلتهم.

٢٥٣

اليوم ألقى جدّك النبيّا

ثم أباك ذا النّدى عليا

ذاك الذي نعرفه الوصيّا

فقال الحسين:«وأنا ألقاهما على أثرك» . فرجع يقاتل حتّى قُتل(١) .

سوار

وقاتل سوار بن أبي حِمير من ولد فهم بن جابر بن عبد الله بن قادم الفهمي الهمداني قتالاً شديداً حتّى ارتث بالجراح(٢) واُخذ أسيراً، فأراد ابن سعد قتله وتشفّع فيه قومه، وبقي عندهم جريحاً إلى أنْ توفّي على رأس ستّة أشهر(٣) .

وفي زيارة النّاحية المقدّسة:«السّلام على الجريح المأسور، سوار بن أبي حمير الفهمي الهمداني، وعلى المرتث معه عمر بن عبد الله الجندعي».

سويد

ولمّا اُثخن بالجراح سويد بن عمرو بن أبي المطاع سقط لوجهه، وظُنَّ أنّه قُتل، فلمّا قُتل الحسينعليه‌السلام وسمعهم يقولون: قُتل الحسين. أخرج سكّينةً كانت معه فقاتل بها، وتعطفوا عليه فقتلوه، وكان آخر مَن قُتل من الأصحاب بعد الحسينعليه‌السلام .

هم عصمة اللاجي إذا هو يختشي

وهـم ديمة الراجي اذا هو يجتدي

إذا ما خبت نار الوغى شعشعوا لها

سـيوفهم جـمرا وقـالوا توقَّدي

ثـقال الـخطا لكنَّ يخفون للوغى

سـراعا بخرصان الوشيج المسدّد

إذا أشـرعوا سمر الرماح حسبتها

كـواكب فـي ليل من النقع أسود

أو اصطدمت تحت العجاج كتائب

جـرى أصـيد منهم لها اثر أصيد

يـكرُّون والابطال طائشة الخطى

وشـخص المنايا بالعجاجة مرتدي

____________________________

(١) البحار ١٠ / ١٩٨، عن مقتل الحائري.

(٢) الاكليل للهمداني ١٠ / ١٠٣. والرتيث: من حمل من المعركة جريحاً وبه رمق.

(٣) الحدائق الوردية - مخطوط - ويوافقه ما في الاكليل أنّه مات من جراحه غير أنّه لم يذكر أسره.

٢٥٤

لـووا جـانباً عن مورد الضّيم فانثنوا

عـلى الأرض صرعى سيّداً بعد سيّد

هـووا لـلثرى نهب السّيوف جسومهم

عــوار ولـكن بـالمكارم تـرتدي

وأضـحى يـدير السبط عينيه لا يرى

سـوى جـثث منهم على الترب ركّد

أحـاطت بـه سـبعون ألـفاً فـردَّها

شــوارد امـثـال الـنّعام الـمشرد

وقـام عـديم الـنّصر بين جموعهم

وحـيداً يـحامى عـن شـريعة أحمد

إلـى أن هـوى للأرض شلْوا مبضعاً

ولَـم يـروِ من حرِّ الظما قلبه الصدي

هـوى فهوى التوحيد وانطمس الهدى

وحُـلّت عـرى الدين الحنيف المشيّد

لـه الله مـقطور الـفؤاد مـن الظما

صـريعاً عـلى وجـه الثرى المتوقّد

ثـوى فـي هجير الشمس وهو معفَّر

تـظـلله سـمـر الـقـنا الـمتقصّد

وأضحت عوادي الخيل من فوق صدره

تـروح إلى كـرّ الـطراد وتغتدي

وهـاتفة مـن جـانب الـخدر ثـاكل

بـدت وهـي حسرى تلطم الخدّ باليد

يـؤَلّـمها قــرع الـسّياط فـتنثني

تـحن فـيشجي صـوتها كـل جلمد

وسـيقت عـلى عجف المطايا أسيرة

يـطاف بـها فـي مـشهد بعد مشهد

ســرت تـتـهاداها عـلوج اُمـيّة

فـمن مـلحد تـهدى إلى شر ملحد(١)

شهادة أهل البيتعليهم‌السلام

علي الأكبر

ولما لَم يبقَ مع الحسين إلاّ أهل بيته، عزموا على ملاقاة الحتوف ببأس شديد وحفاظ مرّ ونفوس أبيّة، وأقبل بعضهم يودّع بعضاً(٢) وأول مَن تقدّم أبو الحسن(٣) علي الأكبر(٤) وعمره سبع وعشرون سنة؛ فإنّه ولد في الحادي عشر من شعبان سنة

____________________________

(١) للحجة السيد محمّد حسين الكيشوانرحمه‌الله .

(٢) مقتل لخوارزمي ٢ / ٢٦.

(٣) ذكرنا في رسالة (علي الأكبر / ١٤) الرواية عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه كان متزوّجاً من اُمّ ولد، فلعلّ الكنية بأبي الحسن من جهة ولد له منها اسمه (الحسن) كما يقتضيه التسمية باُمّ ولد مع أنّ زيارته المرويّة في كامل الزيارات / ٢٣٩ تؤكّده. قال الصادقعليه‌السلام في تعليم أبي حمزة«قُل، صلّى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك واُمّهاتك الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهراً» ، والأبناء جمع أقلّه إثنان.

(٤) في رسالتنا (علي الأكبر) ذكرنا نصوص المؤرّخين على أنّه أكبر من السّجادعليه‌السلام وسيأتي في الحوادث بعد الشهادة، اعتراف زين العابدين به في المحاورة الجارية بينه وبين ابن زياد.

٢٥٥

ثلاث وثلاثين من الهجرة(١) ، وكان مرآة الجمال النّبوي ومثال خُلُقه السّامي واُنموذجاً من منطقه البليغ، وإذا كان شاعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه:

وأحسن منك لَم ترَ قطٌّ عيني

وأجـمل منك لم تلد النّساء

خـلقت مبرَّءاً من كلِّ عيب

كـأنّـكَ قد خلقت كما تشاء

فمادح الأكبر يقول(٢) :

لم تَـر عـينٌ نـظرت مـثله

مـن مـحتفٍ يـمشي ومن ناعل

يـغلي نـهيء الـلحم حتّى اذا

انـضج لـم يـغل على الآكل(٣)

كـان اذا شـبَّـت لــه نـاره

اوقـدهـا بـالشرف الـقابل(٤)

كيـما يـراها بـائس مـرمل

او فــردُ حـيٍ لـيس بـالآهل

لا يؤثـر الـدنيا عـلى ديـنه

ولايـبـيع الـحـقُّ بـالـباطل

أَعني ابن ليلى ذا الندى والسدى

أَعني ابن بنت الحَسَب الفاضل(٥)

فعلي الأكبر هو المتفرّع من الشجرة النبويّة، الوارث للمآثر الطيّبة، وكان حريّاً بمقام الخلافة لَولا أنّها منصوصة من إله السّماء. وقد سجّل سبحانه أسماءهم في الصحيفة النازل بها جبرئيلعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ورث الصفات الغرّ وهي تراثه

مـن كل غطريف وشهم أصيد

في بأس حمزة في شجاعة حيدر

بـإبا الحسين وفي مهابةأحمد

____________________________

(١) أنيس الشيعة - مخطوط - للسيد محمّد عبد الحسين الجعفري الحائري، ألّفه باسم السّلطان فتح علي شاه.

(٢) في مقاتل الطالبيين / ٣٢: إنّها قيلت في علي الأكبر.

(٣) يغلي: الأولى بمعنى يفير. والثانية ضد يرخص والنّهيء كما في أقرب الموارد مادّة (نهيء): اللحم غير المطبوخ.

(٤) الشرف: الموضع العالي. والقابل بمعنى المقبل لعلوّه وارتفاعه، وهذه عادة العرب أنّهم يوقدون النّار في المكان المرتفع ليهتدي الركب في الليل.

(٥) في مصباح المنير مادّة ندى: إنّ ما يسقط أول الليل من البلل يقال له سدى، وما يسقط آخره يقال له الندى. وفي مراتب النحويين / ٥٣، لأبي الطيب عبد الواحد الحلبي المتوفّى ٣٥١: قال الأصمعي: إنّ أبا زيد يزعم أنّ النّدى ما كان في الأرض، والسدى ما يسقط من السّماء فقال: إذاً فما يصنع بقول الشاعر؟

ولقد أتيت البيت يخشى أهله

بعد الهدو وبعدما سقط الندى

أتراه سقط من الأرض إلى السّماء؟!

٢٥٦

وتراه في خلق وطيب خلائق

وبليغ نطق كالنبيّ محمد(١)

ولما يمّم الحرب، عزّ فراقه على مخدّرات الإمامة؛ لأنّه عماد أخبيتهن وحمى أمنهن ومعقد آمالهن بعد الحسين. فكانت هذه ترى هتاف الرسالة في وشك الانقطاع عن سمعها، وتلك تجد شمس النبوّة في شفا الكسوف، و اُخرى تشاهد الخُلق المحمدي قد آذن بالرحيل، فأحطن به و تعلّقن بأطرافه وقلن: ارحم غربتنا، لا طاقة لنا على فراقك. فلم يعبأ بهنّ؛ لأنّه يرى حجّة الوقت مكثوراً قد اجتمع أعداؤه على إراقة دمه الطاهر، فاستأذن أباه وبرز على فرس للحسين تسمّى لاحقاً(٢) .

ومن جهة أنَّ ليلى اُمّ الأكبر بنت ميمونة ابنة أبي سفيان(٣) صاح رجل من القوم: يا علي إنّ لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد، ونريد أنْ نرعى الرحم، فإنْ شئت آمنّاك. قالعليه‌السلام : إنّ قرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحقّ أنْ تُرعى(٤) . ثمّ شدّ يرتجز معرِّفاً بنفسه القدسيّة وغايته السّامية:

أنـا علي بن الحسين بن علي

نـحن وربُّ البيت أُولى بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابن الدعي(٥)

أضرب بالسيف اُحامي عن أبي

ضرب غلام هاشميًّ قرشي(٦)

ولَم يتمالك الحسينعليه‌السلام دون أن أرخى عينيه بالدموع(٧) وصاح بعمر بن سعد:«مالك؟ قطع الله رحمك كما قطعتَ رحمي، ولَم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلّط عليك من يذبحك على فراشك» (٨) . ثمّ رفع شيبته المقدّسة نحو السّماء وقال:«اللهمّ اشهد على هؤلاء فقد برز إليهم

____________________________

(١) هذه الأبيات والتي تأتي بعدها للحجّة آية الله الشيخ عبد الحسين صادق العامليقدس‌سره .

(٢) في كتاب فضل الخيل لعبد المؤمن الدمياطي المتوفّى سنة ٨٠٥ ﻫ الصفحة ١٧٨: أحد فرسي الحسين بن علي يسمّى (لاحقاً). وفي صفحة ١٨٣ قال: كان للحسين بن عليرضي‌الله‌عنه فرس اسمه اليحموم، وله فرس اُخرى تُدعى لاحقاً حمل عليها ولده علي بن الحسين الأكبر يوم قتلا بالطف.

(٣) الإصابة لابن حجر ٤ / ١٧٨، ترجمة أبي مرة.

(٤) سرّ السلسلة لأبي نصر في النّسب، ونسب قريش / ٥٧ لمصعب الزبيدي.

(٥) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٦، وإعلام الورى للطبرسي / ١٤٥، ومثير الأحزان / ٣٥.

(٦) تمام الأبيات من رواية الشيخ المفيدقدس‌سره في الإرشاد.

(٧) مثير الأحزان لان نما / ٣٥، والإرشاد للمفيد.

(٨) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٠.

٢٥٧

أشبه النّاس برسولك محمّد خَلقاًَ وخُلُقاً ومنطقاً (١) ،وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه، اللهمّ فامنعهم بركات الأرض، وفرِّقهم تفريقاً، ومزِّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضِ الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا، ثمّ عدَوا علينا يقاتلونا»، ثمّ تلا قوله تعالى: ( إِنّ اللّهَ اصْطَفَى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢)(٣) .

ولم يزل يحمل على المَيمنة ويعيدها على المَيسرة ويغوص في الأوساط، فلَم يقابله جحفل إلاّ ردّه، ولا برز إليه شجاع إلاّ قتله:

يرمي الكتائب والفلا غصَّت بها

فـي مـثلها مـن بأسه المتوقِّد

فـيردّها قـسراً عـلى أعقابها

فـي بأس عرّيس العرينة ملبد

فقتل مئة وعشرين فارساً. وقد اشتدّ به العطش فرجع إلى أبيه يستريح ويذكر ما أجهده من العطش(٤) فبكى الحسينعليه‌السلام وقال:«وآ غوثاه! ما أسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه شربةً لا تظمأ بعدها» وأخذ لسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه ليضعه في فيه(٥) .

ويـؤوب لـلتوديع وهـو مكابد

لـظما الـفؤاد ولـلحديد المجهد

صـادي الحشا وحسامه ريّان من

مـاء الـطلا وغـليله لـم يبرد

يشكو لخير أب ظماه وما اشتكي

ظمأ الحشا إلا إلى الظامي الصدي

كـل حـشاشته كـصالية الغضا

ولـسـانه ظـمأ كـشقة مـبرد

فـانصاع يـؤثره عـليه بـريقه

لـو كـان ثَـمّة ريـقه لم يجمد

وَمُـذ انـثنى يلقى الكريهة باسماً

والـموت مـنه بـمسمع وبمشهد

____________________________

(١) مثير الأحزان لابن نما واللهوف ومقتل الخوارزمي.

(٢) سورة آل عمران / ٣٣ - ٣٤.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٠.

(٤) مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج / ٤٧ الطبعة الحجرية، ومقتل العوالم / ٩٦، وروضة الواعظين / ١٦١، ومناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢٢٢ طبعة ايران، ومثير الأحزان لابن نا / ٣٥، واللهوف / ٦٤ طبعة صيدا، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٣٠.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣١، ومقتل العوالم / ٩٥.

جاء في معاهد التنصيص للعباسي ٢ / ٥١: أنّ يزيد بن مزيد الشيباني لمّا لحق الوليد بن طريف وأجهده العطش، وضع خاتمه في فمه وتبع الوليد حتّى طعنه بالرمح. وروى الكليني في الكافي عن الصادقعليه‌السلام أنّه لا بأس للصائم أن يمصّ الخاتم، وبه أفتى العلماء بالجواز ولعلّ من أسراره أنّه يسبب عمل الغدد في الإفراز، وعليه فلا خصوصيّة للخاتم بل كلّ ما يسبب عمل الغدد في الإفراز يوضع في الفم كالحصى ونحوهما.

٢٥٨

لفَّ الوغى وأجالها جول الرحى

بـمثقَّف مـن بـأسه ومـهنَّد

يـلقى ذوابـلها بـذابل معطف

ويـشيم أنـصلها بـجيد أجيد

حتى إذا ما غاص في اوساطهم

بـمطهَّم قـبَّ الايـاطل اجرد

عـثر الزمان به فغودر جسمه

نهب القواضب والقنا المتقصّد

ورجع علي إلى الميدان مبتهجاً بالبشارة الصادرة من الإمام الحجّةعليه‌السلام بملاقاة جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فزحف فيهم زحفة العلوي السّابق، وغبَّر في وجوه القوم ولَم يشعروا أهو الأكبر يطرد الجماهير من أعدائه أم أنّ الوصيعليه‌السلام يزأر في الميدان؟ أم أنّ الصواعق تترى في بريق سيفه فأكثر القتلى في أهل الكوفة حتّى أكمل المئتين؟(١) .

فقال مرّة بن منقذ العبدي(٢) : عليَّ آثام العرب إنْ لَم أثكل أباه به(٣) . فطعنه بالرمح في ظهره(٤) وضربه بالسّيف على رأسه ففلق هامته، واعتنق فرسه فاحتمله إلى معسكر الأعداء، وأحاطوا به حتّى قطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً(٥) .

ومـحا الردى يا قاتلَ اللهُ الردى

مـنه هـلالٌّ دجـى وغرة فرقد

يـا نـجعة الحيَّيْن هاشم والندى

وحـمى الذماريْن العلى والسؤدد

كيف ارتقت همم الردى لك صعدة

مـطرورة الـكعبين لـم تـتأوَّد

أفـديـه مـن ريـحانة ريّـانة

جـفَّت بـحرّ طـما وحـرّ مهنّد

بـكر الذبول على نضارة غصنه

إن الـذبول لآفـة الغصن الندي

لله بـدرٌ مـن مـراق نـجيعه

مـزج الـحسام لـجينه بالعسجد

مـاء الـصبا ودم الوريد تجاريا

فـيه ولاهـب قـلبه لـم يخمد

لـم أنـسه مـتعمّما بـشباالظبى

بـين الـكماة بـالاسنَّة مـرتدي

خـضبت ولـكن من دمٍ و فراته

فـاخضر ريـحان العذار الأسود

____________________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣١.

(٢) كامل ابن الأثير ٤ / ٣٠، والأخبار الطوال / ٢٥٤، وإرشاد المفيد، ومثير الأحزان، واللهوف. وفي تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٥: مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي ثمّ الليثي. وفي مقاتل العوالم / ٩٥: منقذ بن مرّة.

(٣) الإرشاد للمفيد، وتاريخ الطبري ٦ / ٢٥٦.

(٤) مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢٢٢.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣١، ومقتل العوالم / ٩٥.

٢٥٩

ونادى رافعاً صوته: عليك منّي السّلام أبا عبد الله(١) ، هذا جدّي قد سقاني بكأسه شربةً لا أظمأ بعدها، وهو يقول: إنّ لك كأساً مذخورةً(٢) . فأتاه الحسينعليه‌السلام وانكبّ عليه واضعاً خدّه على خدِّه(٣) وهو يقول:«على الدنيا بعدك العفا، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول (٤) ، يعزّ على جدّك و أبيك أنْ تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك» (٥) . ثمّ أخذ بكفّه من دمه الطاهر ورمى به نحو السّماء فلَم يسقط منه قطرة - وفي هذا جاءت زيارته:«بأبي أنت واُمّي من مذبوح و مقتول من غير جرم، بأبي أنت واُمّي دمك المرتقى به إلى حبيب الله، بأبي أنت واُمّي من مقدّم بين يدَي أبيك يحتسبك و يبكي عليك محترقاً عليك قلبُه، يرفع دمك إلى عنان السّماء لا يرجع منه قطرة، ولا تسكن عليك من أبيك زفرة» (٦) -. وأمر فتيانه أنْ يحملوه إلى الخيمة، فجاؤوا به إلى الفسطاط الذي يقاتلون أمامه، وحرائر بيت الوحي ينظرن إليه محمولاً قد جللته الدماء بمطارف العزّ حمراء وقد وزع جثمانه الضرب والطعن، فاستقبلنه بصدور دامية وشعور منشورة وعولةٍ تصكُّ سمع الملكوت وأمامهنّ عقيلة بني هاشم زينب الكبرى ابنة فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) صارخةً نادبةً فألقت بنفسها عليه تضمّ إليها جمام

____________________________

(١) رياض المصائب / ٣٢١.

(٢) مقتل العوالم / ٩٥، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٣١.

(٣) اللهوف / ٦٤.

(٤) تأريخ الطبري ٦ / ٢٦٥.

(٥) مقتل العوالم / ٩٥.

(٦) كامل الزيارات / ٢٣٩: هي صحيحة السند، علّمها الصادقعليه‌السلام أبا حمزة الثمالي، وسيأتي فيما يتعلّق بالليلة الحادية عشر نصوص أهل السنّة على احتفاظ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بدم الأصحاب وأهل بيته.

(٧) الإرشاد للمفيد وتاريخ الطبري ٦ / ٢٥٦، ومقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ٣١.

(٨) في تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٦، والبداية لابن كثير ٨ / ١٨٥: قال حميد بن مسلم: لمّا قُتل علي الأكبر، رأيت امرأةً خرجت من الفسطاط تصيح: وآ ابن أخاه! فجاءت وانكبّت عليه فأخذ الحسين بيدها وردّها إلى الخيمة. فسألت عنها قيل: هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437