مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)13%

مقتل الامام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-8163-70-7
الصفحات: 437

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243952 / تحميل: 10027
الحجم الحجم الحجم
مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٨١٦٣-٧٠-٧
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

بسببهم وحرمتهم؛ حيث إن الواحدة من العلل التي كانت تصيبه كفيلة بأن تقضي عليه.

وهكذا سار على هذه الشاكلة حتّى وافته المنية في ١٧ محرم الحرام لسنة ١٣٩١ هـ الموافق ١٥ / ٣ / ١٩٧١، فله من الله الرضوان وجزيل المثوبة.

وأطرف ما رُثِيَ بهرحمه‌الله ، قول الاستاذ الشيخ أحمد الوائلي مؤرخاً عام الوفاة:

إيـه عبد الرزّاق يا ألق الفكر

وروح الإيـمـان والأخـلاقِ

إنَّ قـبـراً حللت فيه لَروضٌ

سـوف تـبقى به ليوم التلاقي

فـاذا ما بُعثت حفَّت بك الأعـ

ـمـالُ بـيضاء حلوة الإشراقِ

فحسان الأصول والفقه والتاريـ

ـخ قـلّـدن منك بـالأعـناقِ

ومـدى الطَّف يوم سجَّلت فيه

لـحـسـيـن وآلـه والرفاقِ

صـفحات من التَّبحُّر والتمحيـ

ـص تـزري بأنفس الأَعـلاقِ

في حسين وسوف تلقى حسيناً

وترى الحوض مترعاً والساقي

هـذه عـنـدك الـشفيع وما

عـند إلهي خير وأبقى البواقي

مـسـتـميحاً عطاء ربِّك أرخ

(رحت عبد الرزّاق للرزّاق)

١٣٩١ هـ

٢١

٢٢

٢٣

٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت / ٦٩ .

( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) آل عمران / ١٦٩ و ١٧٠.

( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة / ١١١.

القرآن الكريم

٢٥

٢٦

نهضة الحسينعليه‌السلام

كان المغزى الوحيد لشهيد الدين، وحامية الإسلام الحسين بن أمير المؤمنينعليه‌السلام إبطال اُحدوثة الاُمويين، ودحض المعرات عن قدس الشريعة، ولفت الأنظار إلى براءتها وبراءة الصادع بها عمّا ألصقوه بدينه؛ من شية العار، والبدع المخزية، والفجور الظاهرة، والسياسة القاسية(١) . فنال سيد الشهداءعليه‌السلام مبتغاه بنهضته الكريمة، وأوحى إلى الملأ الديني ما هنالك من مجون فاضح، وعرّف الناس (بيزيد المخازي) ومَن لاث به من قادة الشر وجراثيم الفتن، فمجّتهم الأسماع، ولم يبقَ في المسلمين إلا من يرميهم بنظرة شزراء حتّى توقدت عليهم العزائم، واحتدمت الحمية الدينية من اُناس ونزعات من آخرين، فاستحال الجدال جلاداً، وأعقبت بلهنية عيشهم حروباً دامية أجهزت على حياتهم، ودمرت ملكهم المؤَسَّس على أنقاض الخلافة الإسلامية من دون أية حنكة أو جدارة، فأصاب هذا الفاتح الحسينعليه‌السلام شاكلة الغرض بذكره السائر، وصيته الطائر، ومجده المؤثل، وشرفه المعلّى( وَلا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللّهِ أَموَاتاً بَل أَحيَاء عندَ رَبِّهِمْ يُرزَقُونَ ) (٢) .

لا أجدك أيها القارىء وأنت تسبر التاريخ، وتتحرّى الحقائق بنظر التحليل، إلا وقد تجلّت لك نفسيّة (أبيِّ الضيم) الشريفة، ومغزاه المقدّس ونواياه الصالحة، وغاياته الكريمة في حلِّه ومرتحله، وفي إقدامه وإحجامه في دعواه ودعوته، ولا أحسبك في حاجة إلى التعريف بتفاصيل تلكم الجمل بعد أن

____________________________

(١) يتحدث الاستاذ أحمد أمين في ضحى الإسلام ١ / ٢٧، عن الحكم الاموي فيقول: الحق إنّ الحكم الاموي لم يكن حكماً إسلامياً يساوى فيه بين الناس، ويُكافئُ المحسن، عربياً كان أو مولى، ويعاقب المجرم، عربياً كان أو مولى، وإنّما الحكم فيه عربي، والحكّام خَدمة للعرب، وكانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية لا النزعة الإسلامية.

(٢) سورة آل عمران / ١٦٩.

٢٧

عرفت أن شهيد العظمة مَن هو؟ وما هي أعماله؟ وبطبع الحال تعرّف قبل كلّ شيء موقف مناوئه، وما شيبت به نفسيته من المخازي.

نحن لو تجردنا عما نرتئيه (لحسين الصلاح) من الإمامة والحق الواضح - الذي يقصر عنه في وقته أي ابن اُنثى - لم تدع لنا النصفة مساغاً لاحتمال مباراته في سيرة طاغية عصره، أو أنه ينافسه على شيء من المفاخر. فإن سيّد شباب أهل الجنّة متى كان يرى له شيئاً من الكفاءة حتّى يتنازل إلى مجاراته؟ ولقد كانعليه‌السلام يربأ بنفسه الكريمة حتّى عن مقابلة أسلافه.

أترى أن الحسينعليه‌السلام يقابل أبا سفيان بالنبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو معاوية بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، أو آكلة الأكباد بأم المؤمنين خديجة رضوان الله تعالى عليها، أو ميسون بسيّدة العالمينعليها‌السلام ، أو خلاعة الجاهلية بوحي الإسلام، أو الجهل المطبق بعلمه المتدفق، أو الشَّرَه المخزي بنزاهة نفسه المقدسة؟! إلى غيرها مما يكلُّ عنه القلم، ويضيق به الفم.

لقد كانت بين الله سبحانه وتعالى، وبين اوليائه المخلصين أسرار غامضة تنبو عنها بصائر غيرهم، وتنحسر أفكار القاصرين حتّى أعمتهم العصبية؛ فتجرؤا على قدس المنقذ الأكبر، وأبوا إلا الركون إلى التعصب الشائن، فقالوا: إن الحسين قُتل بسيف جدّه؛ لأنه خرج على إمام زمانه (يزيد) بعد أن تمت البيعة له، وكملت شروط الخلافة باجماع أهل الحلِّ والعقد، ولم يظهر منه ما يشينه ويزري به!!(١) .

____________________________

(١) عبارة أبي بكر ابن العربي الاندلسي في كتابه العواصم ص ٢٣٢، تحقيق محب الدين الخطيب، ط سنة ١٣٧١. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ستكون هنات، فمَن أراد أن يفرّق أمر هذه الاُمّة، وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً مَن كان». فما خرج عليه أحد إلا بتأويل، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا من جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله انتهى. وقال محب الدين في التعليق على هذا الحديث: ذكره مسلم في الصحيح، في كتاب الأمارة. قلت: هو في الجزء الثاني ص١٢١، كتاب الأمارة بعد الغزوات، أخرجه عن زياد بن علاقة عن عرفجة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله . (وابن علاقة) سيِّىء المذهب، منحرف عن أهل البيتعليهم‌السلام كما في تهذيب التهذيب ٢ / ٣٨١. وذكر عرفجة في ج٧ ص١٧٦، ولم ينقل له مدح أو ذم، فهو من المجهولين لا يؤبه بحديثه.

والعجب من التزامه بصحة خلافة يزيد، وهو يقرأ حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يزال أمر اُمّتي قائماً بالقسط حتّى يكون أول من يثلمه رجل من بني اُميّة، يقال له يزيد»!!رواه ابن حجر في مجمع الزوائد ٥ / ٢٤١ عن مسند أبي يعلى والبزاز. وفي الصواعق المحرقة ص ١٣٢ عن مسند الروياني عن أبي الدرداء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أول من يبدل سنتي رجل من بني اُميّة، يقال له يزيد».وفي كتاب الفتن من صحيح البخاري - باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هلاك اُمّتي على يدي اُغيلمة من اُمّتي».عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «هلكة اُمّتي على يدي غلمة من قريش».قال ابن حجر في شرح الحديث من فتح الباري ١٣ / ٧: كان أبو هريرة يمشي في السوق ويقول: اللهم، لا تدركني سنة ستين، ولا أمارة الصبيان. قال ابن حجر: أشار بذلك إلى خلافة يزيد، فإنها في سنة ستين، ولم يتعقبه.

٢٨

و قد غفل هذا القائل عن أنّ ابن ميسون لم يكن له يوم صلاح حتّى يشينه ما يبدو منه! وليس لطاماته ومخازيه قبل وبعد وقد ارتضع در ثدي (الكلبية) المزيج بالشهوات، وتربّى في حجر مَن لُعن على لسان الرسول الأقدس(١) ، وأمر الاُمّة بقتله متى شاهدته متسنماً صهوة منبره!(٢) . ولو امتثلث الاُمّة الأمر الواجب؛ لأمنت العذاب الواصب، المطلّ عليها من نافذة بدع الطاغية، ومن جرّاء قسوته المبيدة لها، لكنها كفرت بأنعم الله، فطفقت تستمرء ذلك المورد الوبيء ذعافاً ممقراً؛ فألبسها الله لباس الخوف، وتركها ترزح تحت نير الاضطهاد، وترسف في قيود الذل والاستعباد، ونصب عينها استهتار الماجنين وتهتّك المنهمكين بالشهوات! وكلما تنضح به الآنية الاموية الممقوتة شب (يزيد الاهواء) بين هاتيك النواجم من مظاهر الخلاعة.

ولقد أعرب عن كل ما أضمره من النوايا السيئة على الإسلام، والصادع به جَذِلاً بِخلاء الجوِّ له، فيقول العلامة الآلوسي:

مَن يقول إن يزيد لم يعصِ بذلك ولا يجوز لعنه، فينبغي أن ينتظم في سلسلة أنصار يزيد، وأنا أقول: إنّ الخبيث لم يكن مصدقاً برسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ مجموع ما فعله مع أهل حرم الله وأهل حرم نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي، ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر!, ولا أظن أن أمره كان خافياً على أجلّة المسلمين إذ ذاك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين، ولم يسعهم إلا الصبر. ولو سلّم أن الخبيث كان مسلماً، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط

____________________________

(١) في تاريخ الطبري ١١ / ٣٥٧ (حوادث سنة ٢٨٤)، تاريخ أبي الفداء ٢ / ٥٧ (حوادث سنة ٢٣٨)، كتاب صفين / ٢٤٧، تذكرة الخواص / ١١٥، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى أبا سفيان على جمل وابنه يزيد يقوده ومعاوية يسوقه فقال: «لعن الله الراكب والقائد والسائق».

(٢) في تاريخ بغداد ١٢ / ١٨١، تهذيب التهذيب ٢ / ٤٢٨ وكذلك ٥ / ١١٠، تاريخ الطبري ١١ / ٣٥٧، كتاب صفين / ٢٤٣، ٢٤٨، شرح نهج البلاغة ١ / ٣٤٨، كنوز الدقائق (في هامش الجامع الصغير) ١ / ١٨، اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٠، ميزان الاعتدال ١ / ٢٦٨ ترجمة الحكم بن ظهير، وكذلك ٢ / ١٢٩ ترجمة عبد الرزاق بن همام، سير أعلام النبلاء ٣ / ٩٩ ترجمة معاوية، مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ١٨٥، تاريخ أبي الفداء ٢ / ٥٧ (حوادث سنة ٢٨٣) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اذا رأيتم معاوية على منبري، فاقتلوه.

٢٩

به نطاق البيان. وانا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لم يتصور أن يكون له مَثل من الفاسقين. والظاهر أنه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه. ويلحق به ابن زياد، وابن سعد وجماعة، فلعنة الله عليهم وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومَن مال إليهم إلى يوم الدين، ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

ويعجبني قول شاعر العصر، ذي الفضل الجلي، عبد الباقي افندي العمري الموصلي، وقد سئل عن لعن يزيد، فقال:

يزيد على لعني عريض جنابه

فاغدو به طول المدى العن اللعنا

ومَن يخشى القيل والقال من التصريح بلعن ذلك الضليل، فليقل: لعن الله عز وجلّ من رضي بقتل الحسينعليه‌السلام ، ومن آذى عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بغير حقٍّ، ومن غصبهم حقهم، فإنه يكون لاعناً له؛ لدخوله تحت العموم دخولاً اولياً في نفس الأمر. ولا يخالف أحداً في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها، سوى ابن العربي المار ذكره وموافقيه، فإنهم على ظاهر ما نقل عنهم، لا يجوّزون لعن مَن رضي بقتل الحسينعليه‌السلام ! وذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد!.

ثم قال: نقل البرزنجي في (الاشاعة)، والهيثمي في (الصواعق المحرقة)، أن الإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن لعن يزيد قال: كيف لا يلعن مَن لعنه الله في كتابه! فقال عبد الله: قرأت كتاب الله عز وجل فلم أجد فيه لعن يزيد! فقال الإمام: إن الله يقول: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ) (١) ، وأي فساد وقطيعة أشد مما فعله يزيد!.

وقد جزم بكفره وصرّح بلعنه جماعة من العلماء، منهم: القاضي أبو يعلى، والحافظ ابن الجوزي، وقال التفتازاني: لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أعوانه وأنصاره، وصرح بلعنه جلال الدين السيوطي.

وفي تاريخ ابن الوردي، والوافي بالوفيات: لما وردت على يزيد نساء الحسين وأطفاله، والرؤوس على الرماح، وقد أشرف على ثنية جيرون ونعب الغراب، قال:

لما بدت تلك الحمول وأشرقـت

تلك الشموس على رُبى جيرونِ

نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل

فلقد قـضيت من النبـي ديوني

____________________________

(١) سورة محمّد / ٢٢ - ٢٣.

٣٠

يعني: أنه قتل بمن قتله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر؛ كجده عتبة وخاله ولد عتبة وغيرهما، وهذا كفر صريح، فاذا صح عنه، فقد كفر به. ومثله تمثله بقول عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه بـ (ليت أشياخي ببدر...) الأبيات انتهى(١) .

إلى كثير من موبقاته وإلحاده، فاستحق بذلك اللعن من الله وملائكته وأنبيائه، ومَن دان بهم من المؤمنين إلى يوم الدين. ولم يتوقف في ذلك إلا من حُرم ريح الإيمان، وأعمته العصبية عن السلوك في جادّة الحقِّ؛ فأخذ يتردد في سيره، حيران لا يهتدي إلى طريق، ولا يخرج من مضيق.

ولم يتوقف المحققون من العلماء في كفره وزندقته، فيقول ابن خلدون: غلط القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي، إذ قال في كتابه (العواصم والقواصم): إن الحسين قُتل بسيفِ شرعه، غفلة عن اشتراط الإمام العادل في الخلافة الإسلامية! ومَن أعدل من الحسين في زمانه وإمامته وعدالته في قتال أهل الآراء!؟. وفي الصفحة نفسها ذكر الاجماع على فسق يزيد، ومعه لا يكون صالحاً للإمامة، ومن أجله كان الحسينعليه‌السلام يرى من المتعين الخروج عليه، وقعود الصحابة والتابعين عن نصرة الحسين لا لعدم تصويب فعله، بل لأنهم يرون عدم جواز اراقة الدماء، فلا يجوز نصرة يزيد بقتال الحسين، بل قتله من فعلات يزيد المؤكدة لفسقه والحسين فيها شهيد(٢) .

ويقول ابن مفلح الحنبلي: جوّز ابن عقيل وابن الجوزي الخروج على الإمام غير العادل، بدليل خروج الحسين على يزيد؛ لاقامة الحق. وذكره ابن الجوزي في كتابه (السر المصون) من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة من المنتسبين إلى السنة، إنهم قالوا: كان يزيد على الصواب، والحسين مخطئ في الخروج عليه. ولو نظروا في السِّير لعلموا كيف عُقدت البيعة له والزم الناس بها، ولقد فعل مع الناس في ذلك كلَّ قبيح، ثم لو قدرنا صحة خلافته، فقد بدرت منه بوادر وظهرت منه أمور، كلٌّ منها يوجب فسخ ذلك العقد؛ من نهب المدينة، ورمي الكعبة بالمنجنيق، وقتل الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام وضربه على ثناياه بالقضيب، وحمل

____________________________

(١) تفسير روح المعاني ٢٦ / ٧٣، آية: (فهل عسيتم أن توليتم).

(٢) مقدمة ابن خلدون / ٢٥٤- ٢٥٥ عند ذكر ولاية العهد.

٣١

رأسه على خشبة، وإنما يميل إلى هذا جاهل بالسيرة، عامّي المذهب، يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة(١) .

وقال التفتازاني: الحقُّ إن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره به، واهانته أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مما تواتر معناه وان كان تفاصيله آحاد. فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه(٢) .

وقال ابن حزم: قيام يزيد بن معاوية؛ لغرض دنيا فقط، فلا تاويل له. وهو بغي مجرد(٣) . ويقول الشوكاني: لقد أفرط بعض أهل العلم فحكموا: بأن الحسين السبطرضي‌الله‌عنه وأرضاه، باغ على الخِمّير السكّير، الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية! لعنهم الله. فيا للعجب من مقالات تقشعر منها الجلود، ويتصدع من سماعها كل جلمود!!(٤) .

وقال الجاحظ: المنكرات التي اقترفها يزيد؛ من قتل الحسين، وحمله بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا، وقرعه ثنايا الحسين بالعود، واخافته أهل المدينة، وهدم الكعبة، تدل على القسوة والغلظة والنصب، وسوء الرأي والحقد والبغضاء، والنفاق والخروج عن الايمان. فالفاسق ملعون، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون(٥) .

ويحدث البرهان الحلبي، إن الاستاذ الشيخ محمّد البكري تبعاً لوالده كان يلعن يزيد ويقول: زاده الله خزياً وضِعه وفي أسفل سجين وضَعه(٦) كما لعنه أبو الحسن علي بن محمّد الكياهراسي، وقال: لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي الرجل(٧) . وحكى ابن العماد عنه، أنه سئل عن يزيد بن معاوية، فقال: لم يكن من الصحابة؛ لأنه ولد أيام عمر بن الخطاب. ولأحمد فيه قولان؛ تلويح وتصريح. ولمالك قولان؛ تلويح وتصريح. ولأبي حنيفة قولان؛ تلويح وتصريح. ولنا قول واحد

____________________________

(١) الفروع ٣ / ٥٤٨ باب قتال أهل البغي- مطبعة المنار- سنة ١٣٤٥ ﻫـ.

(٢) شرح العقائد النسفية ص ١٨١ طبع الاستانة سنة ١٣١٣ هـ.

(٣) المحلّى ١١ / ٩٨.

(٤) نيل الاوطار ٧ / ١٤٧.

(٥) رسائل الجاحظ ص ٢٩٨ الرسالة الحادية عشرة في بني أمية.

(٦) السيرة الحلبية.

(٧) وفيات الاعيانلابن خلكان ترجمة علي بن محمّد بن علي الكياهراسي، ومرآة الجنان لليافعي ٣ / ١٧٩.

٣٢

تصريح دون تلويح، وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد، ومدمن الخمر، وشعره في الخمر معلوم(١) . ويقول الدكتور علي ابراهيم حسن: كان يزيد من المتّصفين بشرب الخمر واللهو والصيد(٢) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان يزيد بن معاوية ناصبياً فظاً، غليظاً جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين، وختمها بوقعة الحَرّة؛ فمقته الناس ولم يُبارك في عمره(٣) .

وقال الشيخ محمّد عبده: اذا وجدت في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع، وحكومة جائرة تعطله، وجب على كلّ مسلم نصر الاُولى. ثم قال: ومن هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على إمام الجور والبغي، الذي ولي أمر المسلمين بالقوّة والمكر، يزيد بن معاوية، خذله الله وخذل مَن انتصر له من الكرامية والنواصب(٤) . وقال ابن تغربردي الحنفي: كان يزيد فاسقاً، مدمن الخمر(٥) ، وقال: أخذت فتاوى العلماء بتعزير عمر بن عبد العزيز القزويني؛ إذ قال أمير المؤمنين يزيد، ثم اُخرج من بغداد إلى قزوين(٦) . وقال أبو شامة: دخل بغداد أحمد بن اسماعيل بن يوسف القزويني فوعظ بالنظامية، وفي يوم عاشوراء قيل له: إلعن يزيد بن معاوية. قال: ذلك إمام مجتهد. ففاجأه أحدهم فكاد يُقتل، وسقط عن المنبر. ثم أخرجوه إلى قزوين، ومات بها سنة (٥٩٠) هـ(٧) .

وقال سبط ابن الجوزي: سئل ابن الجوزي عن لعن يزيد فقال: أجاز أحمد لعنه، ونحن نقول لا نحبه؛ لما فعل بابن بنت نبينا، وحمله آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا إلى الشام على أقتاب الجمال، وتجرِّيه على آل رسول الله، فإنْ رضيتم بهذه المصالحة بقولنا لا نحبه، وإلا رجعنا إلى أصل الدعوى جواز لعنته(٨) .

____________________________

(١) شذرات الذهب لابن العماد ٣ / ١٧٩ سنة ٥٠٤هـ.

(٢) تاريخ الإسلام العام / ٢٧٠، الطبعة الثالثة.

(٣) نقله عنه في الروض الباسم للوزير اليماني ٢ / ٣٦.

(٤) تفسير المنار١ / ٣٦٧ في سورة المائدة: آية ٣٧ و ج ١٢ ص ١٨٣و ١٨٥.

(٥) النجوم الزاهرة ١/ ١٦٣.

(٦) النجوم الزاهرة ٦ / ١٣٤ سنة ٥٩٠ هـ.

(٧) رجال القرنين لأبي شامة / ٦، ومضمار الحقائق لتقي الدين عمر ابن شاهنشاه الايوبي، المتوفى سنة ٦١٧ ﻫـ- تحقيق الدكتور حسن حبشي ص١٢٠- حوادث سنة ٥٧٩ﻫـ.

(٨) مرآة الزمان ٨ / ٤٩٦ طـ حيدراباد.

٣٣

وذكر أبو القاسم الزجاجي باسناده عن عمر بن الضحّاك، قال: كان يزيد بن معاوية ينادم (قرداً)، فأخذه يوماً وحمله على إتان وحشي وشد عليها رباطاً، وأرسل الخيل في أثرها حتّى حسرتها الخيل فماتت الأتان، فقال يزيد بن معاوية:

تمسك أبا قيس بفضل عنانـه

فليس علينا أن هلكت ضمان

كما فعل الشيخ الذي سبقت به

زياداً أمير المؤمنين إتان(١)

وما ذكره ابن الأثير عن أبي يعلى حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنه قال: أنا لا اكفّر يزيد؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :«سألت الله تعالى أن لا يسلط على بنيَّ من غيرهم، فأعطاني ذلك» (٢) . لا يتابع عليه؛ لأن شرف أبي يعلى وجلالته وثقته، تبعد صدور هذه الكلمة الجافّة عنه، وإن سبقه إليها الرافعي في التدوين في علماء قزوين(٣) . وعلى فرض صدورها منه، فمن المقطوع به صدورها منه تقية. وقد بالغ الميرزا عبد الله افندي تلميذ المجلسي في إنكارها(٤) ؛ لأن كل من ترجم له من علماء الرجال مدحه واطراه بالجميل، ولم يذكر ذلك عنه، ولو كان لصدورها عنه عين أو أثر لمقتوه من أجلها. وقد ترحّم عليه الشيخ الصدوق في كتبه وترضّى عنه؛ لأنه من مشائخه.

وفي عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ص ٤٩٣ باب ٣٩ حدّثه بقم سنة (٣٣٩) هـ عمّا كتبه إليه علي بن إبراهيم بن هاشم سنة (٣٠٩) هـ، عن ياسر الخادم عن الرضاعليه‌السلام الخ حتّى أن الخطيب البغدادي مع تعصبه ترجم له، ولم يذكر عنه هذه الكلمة النابية(٥) ، فهذه الكلمة من زيادات الرافعي وابن الأثير، الغير المقرونة بأصل وثيق.

وبعد مقت أعلام الاُمّة ليزيد، نحاسب عبد المغيث بن زهير بن علوي الحربي عن الاُصول الصحيحة التي استقى منها كتابه، الذي صنّفه في فضائل يزيد(٦) ! وأي مأثرة صحيحة وجدها له حتّى سجّلها في كتابه؟! وهل حياته كلّها إلا مخازٍ وتهجمات على قدس الشريعة؟؛ لذلك لم يعبأ العلماء بهذا الكتاب. فيقول:

____________________________

(١) أمالي الزجاجي ص ٤٥ طـ المكتبة المحمودية - مصر.

(٢) كامل ابن الاثير ٤ / ٥١ (حوادث سنة ٦٤ ﻫـ) عليه مروج الذهب.

(٣) التدوين في علماء قزوين ٢ / ١٨٤ تصوير في مكتبة السيد الحكيم.

(٤) رياض العلماء (بترجمته)، مخطوط في مكتبة السيد الحكيم.

(٥) تاريخ بغداد ٨ / ١٨٤ طبع أول.

(٦) طبقات الحنابلة ١ / ٣٥٦.

٣٤

ابن العماد في شذرات الذهب ج٤ ص ٢٧٥ حوادث السنة ٥٨٣ هـ أتى فيه بالموضوعات وفي البداية لابن كثير ج١٢ ص ٣٢٨ ردّ عليه ابن الجوزي فأجاد وأصاب وفي كامل ابن الأثير ج ١١ ص ٢١٣ عليه مروج الذهب أتى فيه بالعجائب وفي طبقات الحنابلة لابن رجب ج ١ ص ٣٥٦ صنّف ابن الجوزي في الردّ عليه سماه الردّ على المتعصب العنيد، المانع من لعن يزيد.

ومن الغريب ما أفتى به عبد الغني المقدسي، حين سئل عن يزيد فقال: خلافته صحيحة؛ لأن ستّين صحابياً بايعه، منهم: ابن عمر. ومن لم يحبه لا ينكر عليه؛ لأنه ليس من الصحابة، وإنما يمنع من لعنه؛ خوفاً من التسلق إلى أبيه، وسداً لباب الفتنة(١) !!. وأغرب من هذا، إنكار ابن حجر الهيثمي رضا يزيد بقتل الحسينعليه‌السلام ، أو أنه أمر به(٢) مع تواتر الخبر برضاه، ولم ينكره إلا من أنكر ضوء الشمس!!.

قال ابن جرير والسيوطي: لما قُتل الحسين سُرَّ يزيد بمقتله، وحسنت حال ابن زياد عنده، ثم بعد ذلك ندم(٣) . وقال الخوارزمي: قال يزيد للنعمان بن بشير: الحمد لله الذي قتل الحسين(٤) . وقد احتفظوا بمنكراته كاحتفاظهم ببغي أبيه معاوية، ومعاندته لقوانين صاحب الدعوة الإلهية، أليس هو القائل لأبيه صخر لما أظهر الإسلام فرقاً من بوارق المسلمين؟

يـا صـخر لا تسلمن طوعاً فتفضحنا

بـعـد الـذيـن ببدر أصبحوا مزقا

لا تـركـنن إلــى أمـر تـقلِّدنا

والـراقـصاتِ بنعمان به الحرقا(٥)

فـالـمـوت أهون من قيل الصباة لنا

خـيـل ابن هند عن العزّى كذا فرقا

فـان أبـيـت أبـيـنـا ما تريد ولا

تدع عن اللات والعزّى اذا اعتنقا (٦)

ويقول ابن أبي الحديد: طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية، وقالوا: إنه كان ملحداً لا يعتقد بالنبوة. ونقلوا عنه في فلتات كلامه ما يدل عليه(٧) .

____________________________

(١) طبقات الحنابلة لابن رجب ٢ / ٣٤.

(٢) الفتاوى الحديثية ص ١٩٣.

(٣) تاريخ الطبري٧ / ١٩ طبعة أولى و تاريخ الخلفاء ١ / ١٣٩ (عند أحوال يزيد).

(٤) مقتل الحسين للخوارزمي٢ / ٥٩.

(٥) تذكرة الخواص / ١١٥ طـ ابران.

(٦) التعجب للكراجكي ص ٣٩، ملحق بكنز الفوائد.

(٧) شرح نهج البلاغة ١ / ٤٦٣ طـ اول -  مصر.

٣٥

وجدّه صخر، هو القائل للعبّاس يوم الفتح: إن هذه ملوكية. فقال العبّاس: ويلك إنها نبوة(١) . وفي معاوية، يقول أحمد بن الحسين البيهقي: خرج معاوية من الكفر إلى النفاق في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعده رجع إلى كفره الأصلي(٢) .

فابن ميسون عصارة تلكم المنكرات، فمتى كان يصلح لشيء من الملك فضلاً عن الخلافة الإلهية، وفي الاُمّة ريحانة الرسول وسيد شباب أهل الجنة؟!. أبوه من قام الدين بجهاده، واُمّه سيدة نساء العالمين، وهو الخامس لأصحاب الكساء، وعدل الكتاب المجيد في (حديث الثقلين)، يتفجر العلم من جوانبه، ويزدهي الخُلق العظيم معه أينما يتوجه، وعبق النبوة بين أعطافه، وألق الإمامة في أسارير وجهه. والى هذا يشيرعليه‌السلام لمّا عرض الوليد البيعة، فقال:«أيها الأمير، إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم. ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق. ومثلي لا يبايع مثله» (٣) .

وبعد هذا، فلنسأل هذا المتحذلق عن قوله: (خرج الحسين بعد انعقاد البيعة ليزيد)، متى انعقدت هاتيك البيعة الغاشمة؟ ومتى اجتمع عليها أهل الحل والعقد؟ أيوم كان يأخذها أبوه تحت بوارق الإرهاب؟! أم يوم إسعاف الصِلات لرواد الشره رضيخة يتلمظون بها؟!(٤) أم يوم عرضها عمال يزيد على الناس، فتسلل عنها ابن الرسول ومعه الهاشميون، وفر ابن الزبير إلى مكّة وتخفى ابن عمر في بيته؟(٥) . وكان عبد الرحمن ابن أبي بكر يجاهر بأنها هرقلية؛ كلما مات هرقل قام هرقل مكانه(٦) ، وكان يقول: إنّها بيعة قوقية، وقوق هو اسم قيصر(٧) فأرسل له معاوية مئة ألف درهم يستعطفه بها، فردها وقال: لا أبيع ديني بدنياي(٨) ، وقال

____________________________

(١) كامل بن الاثير ٢ / ٩٣ عليه مروج الذهب و تاريخ الطبري ٣ / ١١٧ طبعة أولى.

(٢) هدية الأحباب / ١١١ بترجمة البيهقي.

(٣) الملهوف على قتلى الطفوف ص ٩٨.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ١٣٥، وابن خلكان بترجمة الأحنف.

(٥) تاريخ الطبري ٦ / ١٧٠.

(٦) الكامل في التاريخ ٣ / ١٩٩، مجالس ثعلب / ٥١٩، الفائق للزمخشري٢ / ٢٠٣ طبع مصر.

(٧) سلس الغانيات- نعمان خيري الآلوسي / ٤١.

(٨) تهذيب الأسماء ١ / ٢٩٤.

٣٦

عبد الله بن عمرو بن العاص لعابس بن سعيد، الذي حثّه على البيعة ليزيد: أنا أعرف به منك، وقد بعتَ دينك بدنياك(١) . وقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي للشامي الذي أرسله مروان بن الحكم ليبايع ليزيد: يأمرني مروان أن أبايع لقوم ضربتهم بسيفي حتّى أسلموا! والله ما أسلموا ولكن استسلموا(٢) .

وقال زياد بن أبيه لعبيد بن كعب النميري: كتب إليّ معاوية في البيعة ليزيد، وضمان أمر الإسلام عظيم؛ إنَّ يزيد صاحب رسلة وتهاون مع ما اولع به من الصيد، فأخبر معاوية عني، وأخبره عن تهاون يزيد بأمر الدين وفعلاته المنكرة(٣) .

وقد أنكر على معاوية سعيد بن عثمان بن عفان، وفيما كتب إليه: إن أبي خير من أب يزيد، وأمي خير من امّه، وأنا خير منه(٤) . وكان الأحنف بن قيس منكراً لها، وكتب إليه يعرفه الخطأ فيما قصده من البيعة لابنه يزيد، وتقديمه على الحسن والحسين مع ما هما عليه من الفضل والى من ينتميان، وذكّره بالشروط التي أعطاها الحسن، وكان فيها أن لا يقدم عليه أحداً، وإن أهل العراق لم يبغضوا الحسنين منذ أحبوهما، والقلوب التي أبغضوه بها بين جوانحهم(٥) .

وحرص أبيُّ الضيم سيد الشهداء على نصح معاوية وارشاده إلى لاحب الطريق، وتعريفه منكرات يزيد، وإن له الفضل عليه بكل جهاته، وفيما قال له:«إنّ اُمّي خير من اُمّه، وأبي خير من أبيه» . فقال معاوية: أمّا امّك، فهي ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهي خير من امرأة من كلب. وأمّا حبي يزيد، فلو اُعطيت به ملء الغوطة لما رضيت. وأمّا أبوك وأبوه، فقد تحاكما إلى الله تعالى فحكم لأبيه على أبيك(٦) .

إلى هنا سكت أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ؛ لأنه عرف ألا مقنع لابن آكلة الأكباد بالحقيقة، وإنما لم يقل معاوية (إنّ أباه أفضل من أبيك)؛ لعلمه بعدم سماع أحد منه ذلك، ولشهرة سبق عليعليه‌السلام إلى الإسلام واجتماع المحامد

____________________________

(١) القضاة للكندي / ٣١٠ اوفست.

(٢) تهذيب تاريخ ابن عساكر ٦ / ١٢٨.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ١٦٩ (حوادث سنة ٥٦).

(٤) نوادر المخطوطات- الرسالة السادسة / ١٦٥ في المغتالين لمحمد بن حبيب.

(٥) الإمامة والسياسة ١ / ١٤١، مطبعة الاُمّة- مصر / ١٣٢٨ ﻫـ.

(٦) المثل السائر لابن الاثير ١ / ٧١ باب الاستدراج- طبع مصر / ١٣٥٨ ﻫـ.

٣٧

فيه، وتقدّمه على غيره في الفضائل جمعاء؛ لذلك عدل معاوية إلى الإيهام بايجاد شبهة المنافرة والمحاكمة، وهذا ما يسمّيه علماء البلاغة بالاستدراج.

ومرّة اُخرى، قال له سيد الشهداء أبو عبد اللهعليه‌السلام :«لقد فهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله سياسته لاُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تريد أن توهم على الناس كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عمّا احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد من استقرائه الكلاب المهارسة (١) ، والحمام السبق، والقَينات ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده ناصراً، ودع ما تحاول فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت فيه، فوالله ما برحت تقدم باطلاً في جور، وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية، وما بينك وبين الموت إلا غمضة، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص» (٢) .

وكتبعليه‌السلام إليه مرّة ثالثة:«إعلم إن لله عز وجل كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها، وليس الله تعالى بناسٍ أخذك بالظنة، وقتلك اولياءه على التُّهم، ونفيك لهم عن دورهم إلى دار الغربة. أولست قاتل حجر أخي كندة والمصلين العابدين؛ الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله تعالى لومة لائم؟ أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، العبد الصالح الذي أبلته العبادة؛ فنحل جسمه، واصفرّ لونه بعدما آمنته وأعطيته من عهود الله عز وجل، ولو أعطيته طائراً لنزل إليك من رأس جبل؛ جرأة منك على ربك، واستخفافاً بذلك العهد؟ أولست المدّعي (ابن سمية) المولود على فراش عبيد ثقيف، فزعمت أنه من أبيك وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الولد للفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعمداً، واتبعت هواك بغير هدى من الله تعالى، ثم سلطته على العراقين يقطع أيدي المسلمين، ويُسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل. كأنك لست من هذه الاُمّة وليسوا منك!؟ أولست الكاتب لزياد أن يقتل كلَّ مَن كان على دين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ فقتلهم ومثّل بهم بأمرك. ودين علي عليه‌السلام هو دين الله عز وجل الذي به ضرب أباك وضربك، وبه جلست مجلسك الذي جلست؟

____________________________

(١) في الآداب السلطانية لابن الطقطقي / الفصل الأول صفحة ٣٨: كان يزيد بن معاوية يلبس كلاب الصيد اساور الذهب، والجلاجل المنسوجة منه، ويهب لكل كلب عبداً يخدمه.

(٢) الإمامة والسياسة ١ / ١٥٤.

٣٨

وإنّ أخذك الناس ببيعة ابنك يزيد، وهو غلام حدث يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب؛ فقد خسرت نفسك، وبترت دينك وأخرجت أمانتك» (١) .

وكتب إليه مرة رابعة يعدد عليه بوائقه؛ وذلك لما قتل زياد ابن أبيه مسلم بن زيمر، وعبد الله بن نجي الحضرميَّين، وصلبهما على أبواب دورهما بالكوفة أياماً، وكانا من شيعة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام . وفيما كتب إليه:«ألست صاحب حِجر والحضرميَّين اللذين كتب إليك ابن سمية أنهما على دين علي عليه‌السلام ورأيه. فكتبت إليه: مَن كان على دين علي ورأيه فاقتله وامثل به، فقتلهما ومثل بامرك بهما؟ ودينُ علي وابن عم علي الذي كان يضرب عليه أباك، ويضربه عليه أبوك، جلست مجلسك الذي أنت فيه. ولولا ذلك، كان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشم الرحلتين اللتين بنا منَّ الله عليك بوضعها عنكم.....» في كلام طويل يوبّخه فيه بادّعائه زياداً، وتوليته على العراقين(٢) .

ولم تُجدِ هذه النصائح من ابن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في دحض باطل معاوية، بعد أن سدّت بوارق الإرهاب، وبواعثُ الطمع طريق الحقّ. لكن معاوية بدهائه المعلوم لم يرقه أن يمس الحسينَعليه‌السلام سوءٌ؛ خشية سوء الفتنة وانتكاث الأمر، لما يعلمه أن (أبيَّ الضيم) لا يتنازل إلى الدنية إلى نفس يلفظه، وأن شيعته يومئذ غيرهم بالأمس على عهد أخيه الإمام المجتبى، فإنهم ما زالوا يتذمرون من عمّال معاوية؛ للتنكيل الذريع بهم حتّى بلغ الحال، أن الرجل منهم يستهين أن يقال له: زنديق، ولا يقال له (ترابي)!.

وكم من مرة واجهوا الإمام المجتبىعليه‌السلام بكلام أمرّ من الحنظل مع اعترافهم له بالإمامة، وإذعانهم بأن ما صدر منه عن صلاح إلهي، وأمر ربوبي. وحتى أنهم استنهضوا الحسينعليه‌السلام غير مرّة فلم ينهض معهم؛ رعاية للميثاق، وإرجاء الأمر إلى وقته المعلوم لديه من جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبيه الوصيعليه‌السلام .

فمعاوية يعلم أنه لو اُصيب الحسينعليه‌السلام بسوء - والحالة هذه - تلتف الشيعة حوله؛ فيستفحل الخطب بينه وبين معاوية.

____________________________

(١) رجال الكشي / ٣٢ طـ الهند، ترجمة عمرو بن الحمق، الدرجات الرفيعة /٤٣٤ طـ النجف.

(٢) المحبر لابن حبيب / ٤٧٩ طـ حيدر آباد.

٣٩

وللعلة هذه بعينها؛ أوصى ولده يزيد بالمسالمة مع الحسين إن استبد بالأمر، ومهما يجد من أبيِّ الضيم مخاشنة وشدة. فقال له: إنّ أهل العراق لن يدعوا الحسين حتّى يخرجوه، فإن خرج عليك وظفرت به، فاصفح عنه، فإنّ له رحماً ماسة، وحقاً عظيماً(١) . لكن (يزيد الجهل)؛ لغروره المُردي لم يكترث بتلك الوصيّة، فتعاورت عليه بوادره، وانتكث فتله. ولئن سرَّ (يزيد الخزاية) الفتحُ العاجل، فقد أعقب فشلاً قريباً، وكاشفه الناس بالسباب المقذع، وأكثروا باللائمة عليه حتّى ممّن لم ينتحل دين الإسلام.

وحديث رسول ملك الروم مع يزيد في المجلس، حين شاهد الرأس الأزهر بين يديه يقرعه بالعود! أحدث هزّة في المجلس، وعرف يزيد أنه لم تُجدِ فيهم التمويهات. وكيف تجدي وقد سمع من حضر المجلس صوتاً عالياً من الرأس المقدس، لمّا أمر يزيد بقتل ذلك الرسول«لا حول ولا قوة إلا بالله» (٢) ؟ وأي أحد رأى أو سمع قبل يوم الحسينعليه‌السلام رأساً مفصولاً عن الجسد ينطق بالكلام الفصيح؟ وهل يقدر ابن ميسون أن يقاوم أسرار الله، أو يطفئ نوره الأقدس؟... كلا.

ولقد فشا الإنكار عليه من حريمه وحامته حتّى أن زوجته هند(٣) لما أبصرت

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ١٧٩.

(٢) عوالم الامام الحسين / ١٥٠ للمحدث عبد الله البحراني، ترجمته في روضات الجنات / ٣٧٠ آخر ترجمة الشيخ عبد الله ابن الحاج صالح السماهيجي جامع الصحيفة العلوية.

(٣) قصة تزويج هند زوجة عبد الله بن عامر بن كريز من يزيد، واجبار زوجها على الطلاق، من الأساطير التي أراد واضعها الحطَّ من كرامة سيدي شباب أهل الجنة؛ الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فرويت بصور مختلفة.

(الصورة الاولى) في مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ١٥١ طـ النجف، بالاسناد إلى يحيى بن عبد الله بن بشير الباهلي، قال: كانت هند بنت سهيل بن عمرو عند عبد الله بن عامر بن كريز، وكان عامل معاوية على البصرة. فاقطعه خراج البصرة على أن يتنازل عن زوجته هند؛ لرغبة يزيد فيها. وبعد انتهاء العدّة أرسل معاوية أبا هريرة ومعه ألف دينار مهراً لها، وفي المدينة ذكر أبو هريرة القصة للحسين بن عليعليه‌السلام ، فقال:«اذكرني لهند» . ففعل أبو هريرة، واختارت الحسين فتزوجها، ولمّا بلغه رغبة عبد الله بن عامر فيها، طلّقها وقال له:«نِعم المُحلل كنت لكما» . وفي اسناده يحيى بن عبد الله بن بشير الباهلي عن ابن المبارك وهو مجهول عند علماء الرجال.

(الصورة الثانية) في المصدر نفسه / ١٥٠ مسنداً عن الهذلي عن ابن سيرين: إن عبد الرحمن بن عناب بن اُسيد كان أبا عذرتها، طلقها وتزوجها عبد الله بن عامر بن كريز. وذكر كما في الصورة الاولى، إلا أنه أبدل الحسين بالحسنعليه‌السلام ، وأنه قال لعبد الله بن عامر بعد أن طلقها: «لا تجد مُحلّلاً خيراً لكما مني». وكانت هند تقول: سيدهم حسن. واسخاهم عبد الله. وأحبهم إليَّ عبد الرحمن. وفي تهذيب التهذيب ٢ / ٤٥: إن الهذلي هو أبو بكر، كذّاب عند ابن معين، ضعيف عند أبي زرعة، متروك الحديث عند النسائي. =

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

أسماءٌ أخرى وملاحظات:

١ - مالك بن دودان:

قال ابن شهرآشوب السروي: « ثمّ برزَ مالك بن دودان وأنشأ يقول:

إليكم من مالك الضرغام

ضَرب فتىً يحمي عن الكرام

يرجو ثواب الله ذي الإنعام ».(١)

٢ - أنيس بن معقل الأصبحي:

وقال أيضاً: « ثمّ برزَ أنيس بن معقل الأصبحي وهو يقول:

أنـا أنـيس وأنـا ابن معقل

وفي يميني نصل سيف مصقل

أعلو بها الهامات وسط القسطل

عـن الحسين الماجد المفضّل

ابن رسول الله خير مُرسل ».

فقتلَ نيّفاً وعشرين رجلاً »(٢) .

٣ - ربيعة بن خوط:

قال الحائري في ذخيرة الدارين: (نزلَ الكوفة، وكان بها إلى أن جاء الحسينعليه‌السلام من مكّة إلى العراق حتّى نزل بكربلاء، ثمّ خرج ربيعة بن خوط من الكوفة وجاء إلى الحسينعليه‌السلام مع ابن عمّه حبيب، وكان حبيب معه إلى أن قُتل بين

____________________

(١) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٤.

(٢) نفس المصدر: ٤ : ١٠٣، وذكرهُ ابن أعثم الكوفي في الفتوح: ٥: ١٩٨، والخوارزمي في المقتل ٢: ٢٣ بتفاوت في بعض أبيات الرَجَز.

وقد مرّ بنا في مقتل يزيد بن مغفل الجعفي (رض): أنّ أنيس بن معقل ربما كان تصحيفاً له؛ لأنّ أبيات الرَجَز المنسوبة إلى كلّ منهما واحدة أو متماثلة جدّاً، مع اتحاد معقل مع مغفل من حيث وتفاوتهما في النقاط فقط.

٣٤١

يديه في الحملة الأولى مع مَن قُتل من أصحاب الحسينعليه‌السلام )(١) .

٤ - زيد بن معقل:

عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام (٢) ، وذكره ابن شهرآشوب السروي في المناقب(٣) ، وقد وردعليه‌السلام في زيارة الناحية المقدّسة(٤) .

٥ - هلال بن الحجّاج:

ذكره الشيخ الصدوق قائلاً: (ثمّ برزَ من بعده - أي من بعد وهب بن وهب النصراني (رض) - هلال بن الحجّاج وهو يقول:

أرمي بها معلّمة أفواقها (أفواهها)

والـنـفس لا يـنـفعها إشـفاقها

فقتلَ منهم ثلاثة عشر رجلاً ثمّ قُتل)(٥) .

____________________

(١) ذخيرة الدارين: ١٨٨، وذكر السماوي (ره): أنّ حبيب بن مظهّر كان ابن عمّ ربيعة بن حوط بن رئاب المكنّى أبا ثور الشاعر الفارس. (راجع: إبصار العين: ١٠٠).

وقال ابن عساكر: أدركَ حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . (راجع: الإصابة في معرفة الصحابة: ١: ٥٢٧).

(٢) رجال الشيخ الطوسي: ١٠٠ رقم ٩٨١.

(٣) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ٧٨.

(٤)(السلام على زيد بن معقل الجعفي) (راجع البحار: ٤٥: ٧٢)، وفي البحار: ١٠١: ٢٧٣:(السلام على بدر بن معقل الجعفي) ، والظاهر أنّ كليهما تصحيف ليزيد بن مغفل الجعفي (رض).

(٥) أمالي الشيخ الصدوق: ١٣٧ المجلس ٣٠ حديث رقم ١، ومن المعلوم أنّ هذه الأبيات منسوبة أيضاً في المقاتل المشهورة الأخرى إلى نافع بن هلال الجملي (راجع: تاريخ الطبري ٣: ٣٢٤، والإرشاد: ٢: ١٠٣، وإعلام الورى ٢: ٤٦٢ وغيرها)، فالظاهر أنّه تصحيف لنافع بن هلال الذي تذكره بعض المصادر باسم (هلال بن نافع)، والله العالم.

٣٤٢

٦ - بدر بن رقيط وابنيه

ورد في الزيارة الرجبية والشعبانية التي رواها السيّد طاووس (ره) هكذا:(السلام على بدر بن رقيط وابنيه عبد الله وعبيد الله) (١) .

أمّا في زيارة الناحية المقدّسة فقد ورد السلام هكذا:(السلام على زيد بن ثبيت القيسي، السلام على عبد الله وعبيد الله ابني يزيد بن ثبيت القيسي) (٢) .

ومن الواضح أنّ هذا ناشئ عن تصحيف النُسّاخ، إذ لم يُعرف أحدٌ من أنصار الإمامعليه‌السلام من شهداء الطفّ مع ابنين له بهذين الاسمين: عبد الله، وعبيد الله غير يزيد بن ثبيط العبدي (القيسي) البصري (رض)، كما ضبطَ اسمه المحقّق السماوي (ره).

٧ - خالد بن عمرو بن خالد الأزدي:

وقد ذكره ابن شهرآشوب السروي قائلاً: (ثمّ برزَ ابنه خالد - أي ابن عمرو بن خالد الأزدي - وهو يقول:

صبراً على الموت بني قحطان

كي ما تكونوا في رضا الرحمن

ذي المجد والعزّة والبرهان

وذو العُلى والطَول والإحسان

يا أبتا قد صرتُ في الجنان

في قصر درٍّ حَسَن البنيان(٣)

وعمرو بن خالد - وهو من شهداء الطفّ ويُكنّى بأبي خالد(٤) - ليس من الأزد، بل هو أسدي صيداوي، ولم يذكر المؤرّخون والرجاليون الذين ترجموا له بأنّ

____________________

(١) راجع: البحار: ١٠١: ٣٤٠.

(٢) راع: البحار: ٤٥: ٧٢ و١٠١: ٢٧٣.

(٣) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠١، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ١٧ بتفاوت في الشعر.

(٤) راجع: إبصار العين: ١١٤.

٣٤٣

خالداً ابنه كان معه في شهداء الطفّ.

٨ - جابر بن عروة الغفاري:

قال النمازي: (لم يذكروه، وهو من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهدَ بدراً وغيرها، وكان شيخاً كبيراً تعصّب بعصابة ترفع حاجيبه عن عينيه، فلمّا رأى غربة مولانا الحسين صلوات الله عليه استأذن، فقال له الحسين:(شكرَ الله سعيك يا شيخ) ، فقاتل وقَتل جمعاً حتّى استشهد بين يديه، نقلَ ذلك كلّه في الناسخ عن أبي مخنف، وكذا في فرسان الهَيجا، وعطيّة الذرّة)(١) .

ولا يخفى على المتتبّع أنّ هذه الترجمة منسوبة في المصادر الأخرى إلى الصحابي الجليل أنس بن الحارث الأسدي الكاهلي (رض)(٢) .

٩ - عمرو بن جندب الحضرمي:

قال النمازي: (من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وشهد في الجَمل وصِفّين معه، ووفِّق للشهادة يوم الطفّ، وتشرّف بسلام الناحية المقدّسة)(٣) .

١٠ - شبيب بن جراد الكلابي الوحيدي:

قال النمازي: (من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، من شجعان الشيعة في الكوفة، وله ذكر في المغازي والحروب سيّما في صفّين، وبايعَ مسلماً، وكان يأخذ البيعة

____________________

(١) مستدركات علم رجال الحديث ٢: ١٠٣، رقم ٣٤٠١.

(٢) راجع ذخيرة الدارين: ٢٠٨، وإبصار العين: ٩٩، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٥.

(٣) مستدركات علم رجال الحديث ٦: ٣١، رقم ١٠٧٥٥، وورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة هكذا:(السلام على عمر بن جندب الحضرمي) (راجع: البحار: ٤٥: ٧٣)، وفي البحار: ١٠١: ٢٧٣:(السلام على عمر بن الأحدوث الحضرمي) .

٣٤٤

له حتّى إذا رأى الخذلان انحرف وخرجَ مع عمر بن سعد إلى كربلاء، فلمّا جاء الشمر بكتاب ابن زياد وأيقنَ بالحرب لحقَ بالحسينعليه‌السلام ليلة عاشوراء، وانضمّ إلى أبي الفضل العبّاس لكونه من قبيلته(١) ، واستشهدَ يوم عاشوراء بين يدي الحسينعليه‌السلام ).

١١ - جعبة بن قيس بن مسلمة:

قال ابن حجر في الإصابة: (جعبة بن قيس بن مسلمة بن طريف، قُتل مع الحسين بن علي، قاله الكلبي)(٢) .

١٢ - أبو الهياج:

وقال ابن حجر أيضاً: (أبو الهياج قُتل مع الحسين، قال: ذكر الواقدي في مقتل الحسين أنّ أبا الهياج قُتل معه)(٣) .

١٣ - يزيد بن حُصين الهمداني المشرقيّ:

يرد ذكره في بعض كتب التاريخ والتراجم(٤) ، وينسب إليه كلّ ما تنسبه كتب التاريخ والتراجم الأخرى لبرير بن خضير الهمداني المشرقيّ (رض)، وهو تصحيف ظاهر لبرير بن خضير، وهذا ممّا لا يخفى على المتأمّل بدقّة، وذهب إلى ما قلناه أيضاً الشيخ التستري (ره) في قاموس الرجال(٥) .

____________________

(١) أي: من قبيلة أمّه؛ لأنّ أمّ العباسعليهما‌السلام كلابيّة.

(٢) الإصابة ٣: ٢٨٥، رقم ٤٢٣٦.

(٣) الإصابة: ٤: ٨٠.

(٤) راجع: كشف الغمّة: ٢: ٢٩٥، ورجال الشيخ الطوسي: ١٠٦، وتنقيح المقال: ٣: ٣٢٥، وذخيرة الدارين: ١٧٩.

(٥) راجع: قاموس الرجال: ٢: ٢٩٤ - ٢٩٦، رقم ١٠٧٧.

٣٤٥

١٤ - عمرو بن مطاع الجعفي(١)

قال ابن شهرآشوب السروي: (ثمّ برزَ عمرو بن مطاع الجعفي وقال:

اليومَ قد طاب لنــا الفراع

دون حسينِ الضرب والسطاع (٢)

ترجــو بذاك الفوزُ والدفاع

مــن حَرِّ نارٍ حين لا امتناع(٣)

وقال الخوارزمي: (ثمّ خرجَ من بعده - أي من بعد الكاهلي (رض) - عمر بن مطاع الجعفي، وهو يقول:

أنـا ابن جعفي وأبي مطاع

وفـي يميني مرهفٌ قطّاع

وأسـمـرٌ سـنـانه لـمّاعُ

يُـرى له من ضوئه شعاعُ

قد طاب لي في يومي القراع

دون حـسينٍ ولـه الـدفاع

ثمّ حملَ فقاتل حتى قُتل)(٤) .

١٥ - عبد الرحمان بن عبد الله اليزني:

قال ابن شهرآشوب السرويّ: (ثمّ برزَ عبد الرحمان بن عبد الله اليزني قائلاً:

أنـا ابـن عـبد الله من آل يزَنِ

ديـني عـلى دين حسين وحسن

أضـربكم ضـرب فتىً من اليمن

أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن(٥)

____________________

(١) من أنصار الإمامعليه‌السلام ، ومن شهداء الطفّ المعروفين (سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي)، وقد مرّ بنا مصرعه، ولا نعلم هل أنّ (عمرو بن مطاع الجعفي) هذا تصحيف لذاك الأنصاري الجليل أم هو آخر غيره؟!

(٢) الفراع: المطاولة والمنازلة، والاعتداد بالشرف والمحتد، والسطاع: رفع الرأس ومدّ العنق والانتشار.

(٣) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٢.

(٤) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٢.

(٥) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠١ - ١٠٢.

٣٤٦

وذكرهُ محمد بن أبي طالب أيضاً، وأتمّ قائلاً: (ثمّ حملَ فقاتلَ حتى قُتل)(١) .

١٦ - يحيى بن سليم المازني

ثمّ قال ابن شهرآشوب: (ثمّ برزَ يحيى بن سليم المازني وهو يقول:

لأضربنّ القوم ضرباً فيصلا

ضرباً شديداً في العدى معجّلا

لا عاجزاً فيها ولا مولولا

ولا أخاف اليوم موتاً مقبلا(٢)

وذكرهُ الخوارزمي أيضاً بتفاوت في الشعر(٣) .

١٧ - جبلّة بن عبد الله

وقد ورد السلام عليه في الزيارة الرجبية والشعبانية التي رواها السيّد ابن طاووس(٤) ، والظاهر أنّ هذا الاسم تصحيف لـ (جبلّة بن عليّ الشيباني) الذي وردَ السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة(٥) .

١٨ - سعد بن حنظلة التميمي:

قال الخوارزمي: (ثمّ خرجَ من بعده - أي من بعد خالد بن عمرو بن خالد الأزدي (وقد مرَّ ذكره) - سعد بن حنظلة التميمي، وهو يقول:

صبراً على الأسياف والأسنّة

صـبراً عليها لدخول الجنّة

وحـور عِـين ناعمات هنّة

لِـمن يريد الفوز لا بالظنّة

يـا نـفس للراحة فاطرحنّة

وفـي طلاّب الخير فاطلبنّه

____________________

(١) تسلية المجالس: ٢: ٢٩٢.

(٢) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٢.

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام للخورازمي ٢: ٢١.

(٤) راجع: الإقبال: ٧١٤، والبحار: ١٠١: ٣٤٠.

(٥) راجع: البحار: ٤٥: ٧٢.

٣٤٧

ثمّ حملَ وقاتل قتالاً شديداً فقُتل)(١) .

وذكره أيضاً ابن شهرآشوب السروي بتفاوت يسير في الشِعر(٢) .

ويُلاحظ أنّ مصادر تاريخية أخرى(٣) ذكرت نصيراً آخر غير هذا وهو (حنظلة بن أسعد الشبامي)، الذي ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة(٤) ، كما أنّ مصادر تاريخية أخرى ذكرت هذا الشعر لنصير آخر هو عبد الرحمان الأرحبي (رض)(٥) .

١٩ - عمير بن عبد الله المذحجي:

ثمّ قال الخوارزمي: (ثمّ خرجَ من بعده عمير بن عبد الله المذحجي وهو يقول:

قد عَلمتْ سعدُ وحيّ مذحجِ

أنّيَ ليث الغاب لم أهجهجِ

أعلو بسيفي هامة المدجَّجِ

وأترك القرن لدى التعرّج

فريسة الضبع الأزلّ الأعرجِ

فمَن تراه واقفاً بمنهجي

ولم يزل يقاتل قتالاً شديداً، حتّى قتلهُ مسلم الضبابي، وعبد الله البجلي، اشتركا في قتله)(٦) .

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام الخوارزمي ٢: ١٧.

(٢) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠١.

(٣) راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٩، والإرشاد ٢: ١٠٥، واللهوف: ١٦٤، وإبصار العين: ١٣٠ - ١٣١.

(٤) راجع: البحار: ٤٥: ٧٣.

(٥) راجع: إبصار العين: ١٣٢.

(٦) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ١٧.

٣٤٨

وذكره أيضاً ابن شهرآشوب السرويّ بتفاوت يسير في الشِعر(١) .

٢٠ - إبراهيم بن الحصين الأسدي:

قال ابن شهرآشوب السروي: (ثمّ برز إبراهيم بن الحصين الأسدي يرتجز:

أضربُ منكم مفصلاً وساقا

ليُهرقَ اليوم دمي إهراقا

ويُرزق الموت أبو إسحاقا

أعني بني الفاجرة الفسّاقا

فقتلَ منهم أربعة وثمانين رجلاً)(٢) .

٢١ - دارم بن عبد الله الصائدي:

ذكره أبو محمّد علي بن أحمد الأندلسي(٣) وقال: (قُتل مع الحسين)، وذكره أبو عبيد(٤) وقال أيضاً: (قُتل مع الحسين)، وذكره الشيخ الطوسي أيضاً في رجاله(٥) .

٢٢ - يحيى بن هاني بن عروة

كان يحيى بن هاني من وجوه العرب، والمعروفين بينهم، وأبوه هاني بن عروة قُتل بالكوفة، قال المزي: يحيى بن هاني بن عروة بن قعاص(٦) ، أبو داود الكوفي، وكان من أشراف العرب، وكان أبوه ممّن قتله عبيد الله بن زياد في شأن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وعن شعبة: كان سيّد أهل الكوفة، وعن أبي حاتم:

____________________

(١) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠١.

(٢) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٥.

(٣) جمهرة أنساب العرب: ٣٩٥.

(٤) النسب: ٣٣٧.

(٥) رجال الشيخ الطوسي: ١٠٤، رقم ١٠٢٩.

(٦) هو على ضبط المحقّق السماوي (ره): يحيى بن هاني بن عروة بن نمران بن عمرو بن قعاس بن... بن غطيف بن مراد بن مذحج. (راجع: إبصار العين: ١٣٩).

٣٤٩

صالح من سادات أهل الكوفة(١) .

وقال المامقاني: (يحيى بن هاني بن عروة المرادي العطيفي، نسبة إلى بني عطيف بطن من مراد، وقد ذكر أهل السيَر: أنه لمّا قُتل هاني مع مسلم بن عقيل، فرَّ ابنه يحيى واختفى عند قومه خوفاً من ابن زياد، فلمّا سمعَ بنزول الحسين بكربلاء جاء وانضمّ إليه ولزمه إلى أن شبّ القتال يوم الطفّ، فتقدّم وقتل من القوم رجالاً كثيرة ثمّ نالَ شرف الشهادة رضوان الله عليه)(٢) ، ولكنّنا لم نعثر - حسب متابعتنا - على أحد من أهل السيَر الأقدمين حكى ذلك.

ويلاحظ أيضاً أنّ الطبري في تاريخه يروي عن هشام بن محمّد، عن أبي مخنف، عن يحيى بن هاني بن عروة: أنّ نافع بن هلال كان يقاتل يومئذ وهو يقول: أنا الجملي، أنا على دين عليّ... إلى آخر قصة قتله مزاحم بن حريث(٣) .

وهذا كاشف عن أنّ يحيى بن هاني لم يكن من شهداء الطفّ يوم عاشوراء، فتأمّل.

٢٣ - الهفهاف بن المهنّد الراسبي(٤) البصري

قال الزنجاني: (ذكرَ في ذخيرة الدارين ص٢٥٧: الهفهاف بن المهنّد الراسبي البصري الذي قُتل يوم الطفّ بعد شهادة الحسين، على ما رواه حميد بن أحمد في كتاب الحدائق، قال: كان الهفهاف هذا فارساً شجاعاً بصرياً، من الشيعة ومن المخلصين في الولاء، له ذكر في المغازي والحروب، وكان من أصحاب

____________________

(١) تهذيب الكمال: ٣٢: ١٨ رقم ٦٩٣٦.

(٢) تنقيح المقال: ٣: ٣٢٢ رقم ١٣٠٨٩، وانظر: ذخيرة الدارين: ٢٥٥.

(٣) راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٤، وإبصار العين: ١٤٩.

(٤) الراسبي: نسبة إلى راسب بطن من الأزد.

٣٥٠

أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وحضرَ معه مشاهده كلّها، ولمّا عقدَ الألوية أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم صفّين ضمّ تميم البصرة إلى الأحنف بن قيس، وأمّر على حنظلة البصرة أَعيَن بن ضبعة، وعلى أزد البصرة الهفهاف بن المهنّد الراسبي الأزدي... وكان ملازماً لعليّعليه‌السلام إلى أن قُتل، فانضمّ بعده إلى ابنه الحسنعليه‌السلام ، ثمّ إلى الحسينعليه‌السلام بعد صلاة العصر(١) ، سألَ: أين الحسين؟ فدخلَ على عمر بن سعد فسأل القوم: ما الخبر أين الحسين بن علي؟ فقالوا له: مَن أنت؟

فقال: أنا الهفهاف الراسبي البصري جئت لنصر الحسينعليه‌السلام حين سمعت خروجه من مكّة إلى العراق.

فقالوا له: وقد قتلنا الحسين وأصحابه وأنصاره وكلّ مَن لحقَ به وانضمّ إليه، ولم يبقَ غير النساء والأطفال وابنه العليل علي بن الحسين، أمَا ترى هجوم القوم على المخيّم وسلْبهم بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا سمعَ الهفهاف بقتل الحسينعليه‌السلام وهجوم الناس، انتضى سيفه وهو يرتجز ويقول:

يا أيّها الجندَ المجنّد          أنا الهفهاف بن المهنّد       أحمي عيالات محمّد

ثمّ شدّ عليهم كليث العرين يضربهم بسيفه، فلم يزل يقتل كلَّ مَن دَنا منه من عيون الرجال، حتّى قتلَ من القوم جماعة كثيرة سوى مَن جرح، وقد كانت الرجال تشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف انكشاف المِعزى إذا شدّ فيها الذئب، وهو في ذلك يرتجز بالشِعر المتقدّم وقد أُثخن بالجراح، فصاح عمر بن سعد بقومه:

____________________

(١) قال الفضيل بن الزبير: وخرجَ الهفهاف بن المهنّد الراسبي من البصرة حين سمعَ بخروج الحسينعليه‌السلام ، فسار حتّى انتهى إلى العسكر بعد قتله، فدخلَ عسكر عمر بن سعد، ثمّ انتضى سيفه وقال: أيها الجند المجنّد، أنا الهفهاف، أبغي عيال محمّد، ثم شدّ فيهم...). (راجع: تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٦).

٣٥١

الويل لكم، احملوا عليه من كلّ جانب. ثمّ قال علي بن الحسينعليه‌السلام في ذلك اليوم:(قلّما رأى الناس منذ بعث الله محمداً فارساً بعد علي بن أبي طالب قتلَ ما قتلَ بعده كهذا الرجل) ، فتداعَوا عليه فأقبلَ خمسة عشر نفراً(١) فاحتوشوه حتّى قتلوه في حومة الحرب، بعدما عقروا فرسه رضوان الله عليه)(٢) .

٢٤ - سليمان بن سليمان الأزدي

وردَ السلام عليه في زمرة الشهداء في الزيارة الرجبية والشعبانية التي رواها السيّد ابن طاووسرحمه‌الله ، وكذلك ورد السلام فيها في زمرة الشهداء على كلّ من الأسماء التالية:

٢٥ - عامر بن مالك.

٢٦ - منيع بن زياد.

٢٧ - عامر بن جليدة.

٢٨ - حمّاد بن حمّاد الخزاعي.

٢٩ - رميث بن عمر(٣) .

٣٠ - منذر بن المفضّل الجعفي.

____________________

(١) في تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٦: (قال علي بن الحسينعليهما‌السلام :(فما رأى الناس منذ بعث الله محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله فارساً - بعد علي بن أبي طالب عليه‌السلام - قتلَ بيده ما قتل) ، فتداعوا عليه خمسة نفر، فاحتوشوه حتّى قتلوهرحمه‌الله تعالى).

(٢) وسيلة الدارين: ٢٠٣ - ٢٠٤ رقم ١٦٤، وانظر: الحدائق الوردية: ١٢٢، ومستدركات علم رجال الحديث: ٨: ١٦٢ رقم ١٥٩٤٤.

(٣) وعدّه السروي ابن شهرآشوب أيضاً في أصحاب الحسينعليه‌السلام (راجع: مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ٧٨).

٣٥٢

٣١ - حيّان بن الحارث (١) .

٣٢ - عمر بن أبي كعب.

٣٣ - سليمان بن عون الحضرمي.

٣٤ - عثمان بن فروة الغفاري.

٣٥ - غيلان بن عبد الرحمان.

٣٦ - قيس بن عبد الله الهمداني.

٣٧ - عمر بن كنّاد.

٣٨ - زائدة بن مهاجر(٢) .

٣٩ - سليمان بن كثير.

٤٠ - سويد مولى شاكر(٣) .

وقد أعرضنا عن ذكر أسماء أخرى؛ لأنّها برأينا تصحيفات ظاهرة لأسماء أنصار معروفين في كتب التواريخ والتراجم(٤) .

____________________

(١) راجع: البحار: ١١: ٣٤٠، وفي البحار: ١٠١: ٢٧٣ في زيارة الناحية المقدّسة:(السلام على حيّان بن الحارث السلماني الأزدي)، أمّا في البحار: ٤٥: ٧٢:(السلام على حباب بن الحارث السلماني الأزدي)، وراجع أيضاً الإقبال: ٥٧٦، والظاهر أنّ هذا تصحيف لجنادة بن الحارث السلماني (راجع: رجال الشيخ الطوسي: ٩٩ رقم ٩٦٨، وإبصار العين: ١٤٤).

(٢) زائدة بن مهاجر: لا يبعد أن يكون إنقاصاً بعد تصحيف لاسم النصير المعروف: يزيد بن زياد بن مهاصر (رض).

(٣) لا يبعد أن يكون تصحيفاً لاسم النصير المعروف: شوذب مولى شاكر (رض).

(٤) راجع: البحار: ١٠١: ٣٤٠ - ٣٤١.

٣٥٣

مقاتلُ ومصارع بني هاشم

وبعدما استشهدت الصفوة العظيمة من أصحاب الإمامعليه‌السلام ، هبّ أبناء الأسرة النبوية شباباً وأطفالاً للتضحية والفداء، وهم بالرغم من صغر سنّهم كانوا كالليوث لم يرهبهم الموت ولم تفزعهم الأهوال، وتسابقوا بشوق إلى ميادين الجهاد، وقد ظنَّ الإمامعليه‌السلام على بعضهم بالموت، فلم يسمح لهم بالجهاد إلاّ أنّهم أخذوا يتضرّعون إليه ويُقبّلون يديه ورجليه ليأذن لهم في الدفاع عنه.

والمنظر الرهيب الذي يذيب القلوب، ويُذهل كلّ كائن حي هو: أنّ أولئك الفتية جعلَ يودّع بعضهم بعضاً الوداع الأخير، فكان كلّ واحد منهم يوسِع أخاه وابن عمه تقبيلاً، وهم غارقون بالدموع حزناً وأسىً على ريحانة رسول الله (صلّى الله عيه وآله وسلّم)، حيث يرونهُ وحيداً غريباً قد أحاطت به جيوش الأعداء، ويرون عقائل النبوة ومخدّرات الوحي وقد تعالت أصواتهنّ بالبكاء والعويل.. وساعدَ الله الإمامعليه‌السلام على تحمّل هذه الكوارث التي تقصم الأصلاب، وتُذهل الألباب، ولا يطيقها أيّ إنسان إلاّ مَن امتحنَ الله قلبه للإيمان(١) ، بل لا يطيقها إلاّ مَن عصمهُ الله بعصمة الإمامة.

____________________

(١) راجع: حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ٣: ٢٤٣.

٣٥٤

مقتلُ عليّ الأكبرعليه‌السلام

أمّا أوّل الهاشميين(١) الذين تقدّموا إلى الشهادة بين يدي الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام فهو: ابنه عليٌّ الأكبرعليه‌السلام (٢) .

____________________

(١) هناك ثلاثة أقوال في هذا الصدد:

١ - العباس بن علي بن أبي طالب: ذهب إلى هذا القول الشعبي (راجع: تذكرة الخواص: ٢٣٠).

٢ - عبد الله بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام : ذهبَ إليه السروي في المناقب ٤: ١٠٥، والصدوق في الأمالي: ٢٢٦، وابن فتّال في روضة الواعظين ١١٨، والحائري في تسلية المجالس ٢: ٣٠٢.

٣ - عليّ الأكبرعليه‌السلام : ذهبَ إليه أكثر المؤرّخين كابن الأثير في الكامل ٣: ٢٩٣، والمفيد في الإرشاد ٢: ١٠٦، والبلاذري في أنساب الأشراف ٣: ٤٠٦، وأبي الفرج في مقاتل الطالبيين: ٨٦، والأندلسي في جمهرة أنساب العرب: ٢٦٧، والسيد في اللهوف: ١٦٦، والطبرسي في إعلام الورى ٢: ٤٦٢، والدينوري في الأخبار الطوال: ٢٥٦، وابن نما في مثير الأحزان: ٦٨، وعشرات الكتب الأخرى تركناها رعاية الاختصار.

ويؤيده: ما ورد في زيارة الناحية المقدّسة من السلام عليه:(السلام عليك يا أوّل قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل) . (راجع البحار: ٤٥: ٦٥).

٢) المصرّحون بأنّ هو الأكبر: ابن سعد في طبقاته (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله - من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد - تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي: ٧٣)، وابن فندق في لباب الأنساب ١: ٣٤٩، وابن كثير في البداية والنهاية: ٨: ١٩١، والطبري في تاريخه: ٣: ٣٣٠، وأبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين: ٨٦.

 والدينوري في الأخبار الطوال: ٢٥٦، وابن الأثير في الكامل: ٣: ٢٩٣، وابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٢٢٩، والديار بكري في تاريخ الخميس: ٢: ٢٩٨، وابن الحنبلي في شذرات الذهب: ٢: ٦١، والمجدي العلوي في المجدي: ٩١، والبلاذري في أنساب الأشراف: ٣: ٤٠٦، والأندلسي في جمهرة أنساب العرب: ٢٦٧، والفخر الرازي في الشجرة المباركة: ٧٢، والفضيل بن الزبير الكوفي الأسدي في: تسمية مَن قُتل مع الحسين: ١٥٠، والطبراني في مقتل الحسين: ٣٨، وابن شهرآشوب في المناقب: =

٣٥٥

____________________

= ٤: ١٠٩، والذهبي في سير أعلام النبلاء: ٣: ٣٢١، والمسعودي في مروج الذهب: ٣: ٦١، والذهبي أيضاً في تاريخ الإسلام (حوادث سنة ٦١، ص٢١)، والزرندي في نظم درر السمطين: ٢١٨، واليافعي في مرآة الزمان: ١: ١٣١، واليعقوبي في تاريخه: ٢: ٩٤، واليماني في النغمة العنبرية: ٤٥، والعقيقي كما في الحدائق الوردية: ١١٦، وأبو نصر في سرّ السلسلة العلوية: ٣٠، وابن إدريس في السرائر: ١: ٦٥٧، والشهيد الثاني في الدروس: ٢: ١١.

ومن الأدلّة على ذلك:

١ - أنّ عليَّ بن الحسينعليه‌السلام المقتول بكربلاء مع أبيهعليه‌السلام ، ولِد سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة النبوية على قول الواقدي (راجع: عمدة الطالب: ١٩٢ ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٥٥)، وأنّ الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليهما‌السلام ولِد سنة ثماني وثلاثين من الهجرة، وبعض النصوص تصرّح بأنّ عليّاً الشهيدعليه‌السلام ولِد في إمارة عثمان (راجع: السرائر: ١: ٦٥٤ ومقاتل الطالبيين: ٨٦).

٢ - يروي المؤرّخون أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام حينما سأله الطاغية ابن الطاغية يزيد: ما اسمك؟ قال:(علي بن الحسين، قال: أوَلم يقتل الله عليّ بن الحسين؟! قالعليه‌السلام :قد كان لي أخٌ أكبر مني يُسمّى عليّاً فقتلتموه) . (راجع: مقاتل الطالبيين: ١١٩ - ١٢٠، ونسب قريش: ٥٨).

ولا يخفى على الباحث والمتتبع الخبير بأنّ النصوص التي تصرّح بأنّه الأكبر أضعاف النصوص التي لا تقول بذلك، فإنّ علماء النسب هم أعرف بهذه الصنعة حين قالوا بأنّه الأكبر، ولا أدري ما هذا الإصرار عند البعض بأنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام كان أكبر منه؟

يقول المرحوم ابن إدريس أعلى الله مقامه الشريف: وأي غضاضة تلحقنا وأي نقص يدخل على مذهبنا إذا كان المقتول علياً الأكبر، وكان علي الأصغر الإمام المعصوم بعد أبيه الحسينعليه‌السلام ، فإنّه كان لزين العابدينعليه‌السلام يوم الطف ثلاث وعشرون سنة، ومحمد ولده الباقرعليه‌السلام له ثلاث سنين وأشهر، ثمّ بعد ذلك كلّه فسيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان أصغر ولد أبيه سنّاً ولم ينقصه ذلك.

وقال أيضاً: والأَولَى الرجوع إلى أهل هذه الصناعة وهم النسّابون وأصحاب السيَر والأخبار والتواريخ، مثل: الزبير بن بكار في كتاب أنساب القرشيين، وأبي الفرج الأصفهاني في مقاتل =

٣٥٦

وقد لا يسع الواصف الساعي إلى وصف بما يكشف عن عِظم شأنه وعلّو منزلته وسموّ مقامه، إلاّ أن يتمسّك بالوصف الجامع المانع الذي وصفه به أبوه الحسينعليه‌السلام حين قال:(غلامٌ أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً) .

وكان عمره الشريف يومئذٍ - على أعلى الأقوال - سبعاً وعشرين سنة(١) ، وعلى أقلّها ثماني عشر سنة(٢) .

____________________

= الطالبيين، والبلاذري، والمزني صاحب كتاب لباب أخبار الخلفاء، والعمري النسّابة حقّق ذلك في كتاب المُجدي فإنّه قال: وزعم مَن لا بصيرة له أنّ علياً الأصغر هو المقتول بالطف وهذا خطأ ووهم. (المجدي: ٩١).

وإلى هذا ذهب صاحب كتاب الزواجر والمواعظ، وابن قتيبة في المعارف، وابن جرير الطبري المحقّق لهذا الشأن، وابن أبي الأزهر في تاريخه، وأبو حنيفة الدينوري في الأخبار الطوال، وصاحب كتاب الفاخر، مصنف من أصحابنا الإمامية، وأبو علي بن همام في كتاب الأنوار في تواريخ أهل البيت ومواليدهم، وهو من جملة أصحابنا المصنفين المحققين، فهؤلاء جميعاً أطبقوا على هذا القول وهم أبصر بذا النوع. (راجع: السرائر: ١: ٦٥٥ - ٦٥٦).

وعن الشهيد الأوّل في الدروس ٢: ١١: (وهو الأكبر على الأصح).

وقال البيهقي في لب الأنساب ١: ٣٤٩: (اختلف النسّابون في أنّ المقتول علي الأكبر أم الأصغر، فاتفق أكثر العلماء على أنّ المقتول بكربلاء علي الأكبر).

(١) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٥٥.

(٢) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٣٤، والإرشاد للمفيد: ٢: ١٠٦، وإعلام الورى للطبرسي: ١: ٤٦٤، وتسلية المجالس: ٢: ٣١٠، وشرح الأخبار للقاضي نعمان: ٣: ١٥٢.

نعم، هناك بعض المصادر تصرّح بأنّ عمره حينما قُتلعليه‌السلام كان سبع عشرة سنة (راجع: منتخب الطريحي: ٤٤٣) وقد تفرّد بذلك.

وقال الشيخ ابن نما (ره) في مثير الأحزان: ٦٨: (وله يومئذٍ أكثر من عشر سنين) وهو قول شاذّ كما ترى. =

٣٥٧

قال الخوارزمي يصف خروج علي الأكبرعليه‌السلام إلى قتال القوم: (فتقدّم عليّ بن الحسين، وأمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي(١) ، وهو يومئذ ابن

____________________

= وصرّح السيّد محسن الأمين العاملي بأنّ عمره كان يومذاك تسع عشرة سنة. (راجع: لواعج الأشجان: ١٥٠).

(١) قال المرحوم الشيخ القمّي: (عروة بن مسعود هو أحد السادة الأربعة في الإسلام، وأحد رجلين عظيمين في قوله تعالى حكاية عن كفّار قريش:( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) ، وهو الذي أرسلته قريش للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية، فعقدَ معه الصلح وهو كافر، أسلمَ سنة تسع من الهجرة بعد رجوع المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله من الطائف، واستأذنَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرجوع لأهله، فرجعَ ودعا قومه إلى الإسلام، فرماهُ واحد منهم بسهم وهو يؤذّن للصلاة فمات، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما بلغه ذلك:(مَثلُ عروة مثل صاحب يس دعا قومه إلى الله فقتلوه) ، كذا في شرح الشمائل المحمّديّة في شرح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(ورأيت عيسى بن مريم، فإذا أقرب مَن رأيت به شَبهاً عروة بن مسعود) . (نَفَس المهموم: ٣٠٧).

وروى الجزري في أُسد الغابة، عن ابن عبّاس قال، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(أربعة سادة في الإسلام: بشر بن هلال العبدي، وعدي بن حاتم، وسراقة بن مالك المدلجي، وعروة بن مسعود الثقفي) (أُسد الغابة: ١: ١٩١)، وذكر المحقّق القرشي نقلاً عن (نسب قريش: ٥٧): أنّ عمر بن سعد بعث رجلاً من أصحابه فنادى عليَّ الأكبرعليه‌السلام قائلاً: إنّ لك قرابة بأمير المؤمنين - يعني يزيد ونريد أن نرعى هذا الرحِم، فإن شئت آمنّاك!

فسخرَ منه عليّ بن الحسينعليه‌السلام وصاح به: لَقرابةُ رسول الله أحقّ أن تُرعى. (راجع: حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : ٣: ٢٤٤).

ولا يخفى على عارف أنّ المراد بقولهم: إنّ لك رَحماً بأمير المؤمنين يزيد لعنه الله، هو رحِم ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب، فهي أمّ ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي (راجع: تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٠، والشجرة المباركة للفخر الرازي: ٧٣، وعيون الأخبار لابن قتيبة: ٩٩، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٥٦).

وقد وردَ في بعض المصادر - خلافاً للمشهور -: أنّ اسم أمّ عليّ الأكبر آمنة، كما ورد ذلك =

٣٥٨

ثماني عشرة سنة، فلمّا رآه الحسين رفعَ شيبته نحو السماء، وقال:

(اللّهمَّ اشهد على هؤلاء القوم، فقد برزَ إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه، اللّهمّ فامنعهم بركات الأرض، وإنْ منعتهم ففرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دَعونا لينصرونا، ثمّ عَدَوا علينا يقاتلونا ويقتلونا.

ثمّ صاح الحسين بعمر بن سعد:مالكَ! قطعَ الله رَحِمك، ولا باركَ الله في أمرك، وسلّط عليك مَن يذبحك على فراشك، كما قطعتَ رحِمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ رفع صوته وقرأ:( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ).

ثمّ حملَ عليّ بن الحسين وهو يقول:

أنا عليُّ بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

أطعنكم بالرمح حتّى ينثني

أضربكم بالسيف حتّى يلتوي

ضرب غلام هاشميّ علوي

فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ أهل الكوفة لكثرة مَن قتلَ منهم، حتّى أنّه روي: أنّه على عطشه قتلَ مائة وعشرين رجلاً، ثمّ رجعَ إلى أبيه وقد أصابتهُ جراحات كثيرة، فقال:يا أبة، العطش قد قَتلني، وثِقل الحديد قد أجهَدَني، فهل إلى شربة من ماءٍ سبيل؟ أتقوّى بها على الأعداء؟

____________________

= عن ابن سعد في طبقاته (راجع: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ، ومقتله من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي: ٧٣)، كما وردَ هذا أيضاً عن عبد الله بن مصعب الزبيري في كتاب (نسب قريش: ٥٧) ولم يجزم به.

٣٥٩

فبكى الحسين وقال:(يا بُنيّ، عزّ على محمّد، وعلى عليّ، وعلى أبيك، أن تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يُغيثونك، يا بُنيّ هات لسانك.

فأخذ لسانه فمصّه، ودفعَ إليه خاتمه وقال:خُذ هذا الخاتم في فيك، وارجع إلى قتال عدوّك، فإنّي أرجو أن لا تُمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً) .

فرجعَ عليّ بن الحسين إلى القتال، وحملَ وهو يقول:

الحربُ قد بانت لها حقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله ربِّ العرش لا نفارق

جموعكم أو تُغمد البوارقُ

وجعل يُقاتل حتّى قتل تمام المئتين، ثمّ ضربهُ منقذ بن مُرّة العبدي(١) على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها(٢) ، وضربه الناس بأسيافهم، فاعتنقَ الفرَس، فحمَلهُ

____________________

(١) في كتاب ذوب النضار: ١١٩: (وبعثَ - أي المختار - إلى قاتل علي بن الحسينعليه‌السلام وهو مرّة بن منقذ العبدي، وكان شيخاً، فأحاطوا بداره، فخرجَ وبيده الرمح وهو على فرس جواد، فطعنَ عبيد الله بن ناجية الشبّامي فصرعهُ، ولم تضرّه الطعنة، وضربهُ ابن كامل بالسيف فاتّقاها بيده اليسرى، فأشرع فيها السيف، وتمطّرت به الفرس فأفلتَ، ولحقَ بمصعب بن الزبير، وشُلّت يده بعد ذلك).

(٢) في إرشاد المفيد (ره): ٢: ١٠٦: (.. فشدّ على الناس وهو يقول:

أنا عليّ بن الحسين بن علي

نحـن وبيت الله أولى بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابن الـدعيّ

أضرب بالسيف أُحامي عن أبي

ضَرب غلام هاشمي قرشي

ففعلَ ذلك مراراً، وأهل الكوفة يتّقون قتله، فبصرَ به مُرّة بن منقذ العبدي فقال: عليَّ آثام العرب إنْ مرَّ بي يفعل مثل ذلك إنْ لم أثكل أباه، فمرَّ يشتدّ على الناس كما مرَّ في الأوّل، فاعترضهُ مُرَّة بن منقذ فطعنه فصُرع واحتواه القوم فقطّعوه بأسيافهم).

وقال ابن شهرآشوب السروي في المناقب: ٤: ١٠٩: (فطعنهُ مُرَّة بن منقذ العبدي على ظهره غدراً، فضربوه بالسيف، فقال الحسينعليه‌السلام :(على الدنيا بعدك العفا) ، وضمّه إلى صدره وأتى به إلى باب الفسطاط، فصارت أمّه شهربانويه ولْهى تنظر إليه ولا تتكلّم!). =

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437