مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)13%

مقتل الامام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-8163-70-7
الصفحات: 437

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243953 / تحميل: 10027
الحجم الحجم الحجم
مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٨١٦٣-٧٠-٧
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ما عليهن من أخمرة وأسورة، ولمّا بصر بها قصدها، ففرّت منه، فأتبعها رمحه فسقطت لوجهها مغشيّاً عليها، ولما أفاقت رأت عمّتها اُمّ كلثوم عند رأسها تبكي(١) .

أزعِـجَت مـن خدرها حاسرة

كـالقطا روّع مـن بعد هجود

تـندب الصون الذي قد فقدت

صـبرها فـيه إلى خير فقيد

فـقدت خـير عـماد فـدعت

من بني عمرو العلى كل عميد

لـبـدورٍ بـدمـاها شـرقت

وبـها أشـرق مـغبر الصعيد

بـين مـحزوز وريد وزّعت

جـسمه البيض ومقطوع زنود

قـد تـواروا بـقنا الخطّ فهل

قـصد الـخطيّ غـاباً للاسود

تـصدع الـظلماء اوضاحٌ لهم

كمصأبيح على الترب ركود (٢)

ونظرت امرأة من آل بكر بن وائل كانت مع زوجها إلى بنات رسول الله بهذه الحال فصاحت: يا آل بكر بن وائل، أتُسلب بنات رسول الله! لا حكم إلاّ لله، يا لثارات رسول الله! فردّها زوجها إلى رحله(٣) .

وانتهى القوم إلى علي بن الحسينعليه‌السلام ، وهو مريض(٤) على فراشه لا يستطيع النّهوض، فقائل يقول: لا تدعوا منهم صغيراً ولا كبيراً. وآخر يقول: لا تعجلوا حتّى نستشير الأمير عمر بن سعد(٥) . وجرّد الشمر سيفه يريد قتله، فقال له حميد بن مسلم: يا سبحان الله! أتقتل الصبيان؟! إنّما هو صبي مريض(٦) . فقال: إنّ ابن زياد أمر بقتل أولاد الحسين. وبالغ ابن سعد في منعه(٧) ، خصوصاً لمّا سمع العقيلة زينب ابنة أمير المؤمنين تقول: لا يُقتل حتّى اُقتل دونه. فكفّوا عنه(٨) .

____________________________

(١) رياض المصائب / ٣٤١، وتظلّم الزهراءعليها‌السلام / ١٣٠.

(٢) للحجّة المحقّق الشيخ عبد الحسين الحلّيرحمه‌الله ، من قصيدة في مولد الحسينعليه‌السلام .

(٣) اللهوف / ٧٤، ومثير الأحزان لابن نما / ٤١.

(٤) مرض السّجادعليه‌السلام ذكره الطبري ٦ / ٢٦٠، وكامل ابن الأثير ٤ / ٣٣، والبداية لابن كثير ٨ / ١٨٨، ومرآة الجنان لليافعي ١ / ١٣٣، والإرشاد للشيخ المفيد، و مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢٢٥، وإعلام الورى للطبرسي / ١٤٨، وروضة الواعظين / ١٦٢، لمحمد بن أحمد بن علي النيسابوري، الفتال واثبات الوصية للمسعودي / ١٤٠.

(٥) تظلّم الزهراءعليها‌السلام / ١٣٢.

(٦) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٠.

(٧) نفَس المفهوم.

(٨) تاريخ القرماني / ١٠٨.

٣٠١

كـانت عـيادته مـنهم سياطهم

وفي كعوب القنا قالوا: البقاء لكا

جـرّوه فانتهبوا النطع المعد له

وأوطأوا جسمه السعدان والحسكا

وأقبل ابن سعد إلى النّساء، فلمّا رأينه بكين في وجهه، فمنع القوم عنهنّ، وقد أخذوا ما عليهنّ ولم يردّوا شيئاً(١) ، فوكّل جماعة بحفظهنّ، وعاد إلى خيمته:

وحـائراتٍ أطـار الـقوم أعينها

رعـباً غـداة عليه خدرها هجموا

كانت بحيث عليها قومها ضربت

سـرادقا ارضـه من عزّهم حرم

يـكاد مـن هيبة أن لا تطوف به

حتّى الـملائك لـولا انهم خدم

فـغودرت بي أيدي القوم حاسرة

تـسبى وليس لها من فيه تعتصم

نـعم لـوت جيدها بالعتب هاتفة

بـقومها وحـشاها مـلؤه ضـرم

عجّت بهم مذ على ابرادها اختلفت

ايـدي العدوّ ولكن من لها بهم(٢)

الخيل

ونادى ابن سعد: ألا من ينتدب إلى الحسين فيوطىء الخيل صدره وظهره. فقام عشرة(٣) .

منهم؛ إسحاق بن حوية(٤) ، والأحبش بن مرثد بن علقمة بن سلمة الحضرمي، وحكيم بن الطفيل السنبسي، وعمرو بن صبيح الصيداوي، ورجاء بن منقذ العبدي، وسالم بن خيثمة الجعفي، وصالح بن وهب الجعفي، وواخط بن

____________________________

(١) كامل ابن الأثير ٤ / ٣٢: ويحدّث مصعب الزبيري بشيء غريب، فيقول في نسب قريش / ٥٨: ابن بعض مَن كان في الجيش أخذ علي بن الحسينعليه‌السلام وغيّبه عن النّاس وكان يُكرمه ويُحسن إليه، فلمّا سمع المنادي يقول: مَن جاء بعلي بن الحسين فله ثلثمئة درهم. جاء وقيّد يدَيه إلى عنقه وأتى به إلى ابن زياد وأخذ الجائزة. وأراد ابن زياد قتله لولا أنّ عمّته زينب وقعت عليه، وقالت لابن زياد: اقتلني قبله. انتهى.

وأنت إذا عرفت أنّ زين العابدينعليه‌السلام مع ما به من المرض هو الكفيل والمحامي لحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يمكّن الله تعالى أحداً منه فيغيبه عن عياله الفواقد، كيف يكون حالهنّ إذا فقدن المحامي والمصبّر لهن؟ مع أنّ أحداً من المؤرخين لَم يذكره حتّى على الاحتمال البعيد، لكن الزبيري أراد أن يسوّد صحيفته بالمفتريات.

(٢) للسيّد حيدر الحلّي نور الله ضريحه.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ١٦١، وكامل ابن الاثير ٤ / ٣٣، ومروج الذهب ٢ / ٩١، والخطط المقريزيّة ٢ / ٢٨٨، والبداية لابن كثير ٨ / ١٨٩، وتاريخ الخميس ٣ / ٣٣٣، والإرشاد للشيخ المفيد، وإعلام الورى للطبرسي / ٨٨٨، وروضة الواعظين / ٦٦٢، و مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢٢٤.

(٤) في تاج العروس ٤ / ٣١، مادة حوز: ممَّن قاتل الحسين حويزة كجهينة.

٣٠٢

غانم، وهاني بن ثبيت الحضرمي، وأسيد بن مالك، فداسوا بخيولهم جسد ريحانة الرسول، وأقبل هؤلاء العشرة إلى ابن زياد يقدمهم اسيد بن مالك يرتجز:

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر

بكل يعبوب شديد الأسر

فأمر لهم بجائزة يسيرة(١) .

وأيّ شهيد أصلت الشمس جسمه

ومـشهدها مـن أصـله متولّد

وأيّ ذبـيح داست الخيل صدره

وفـرسانها مـن ذكـره تتجمّد

ألـم تـك تدري أن روح محمد

كـقرآنه فـي سـبطه متجسّد

فـلو علمت تلك الخيول كاهلها

بـأنّ الذي تحت السنابك احمد

لـثارت على فرسانها وتمردت

كما انّهم ثاروا بها وتمرّدوا(٢)

قال البيروني: لقد فعلوا بالحسين ما لَم يفعل في جميع الاُمم بأشرار الخلق؛ من القتل بالسّيف، والرمح، والحجارة، وإجراء الخيول(٣) ، وقد وصل بعض هذه الخيول إلى مصر، فقلعت نعالها وسمرت على أبواب الدور تبرّكاً، وجرت بذلك السنّة عنده، فصار أكثرهم يعمل نظيرها ويعلّق على أبواب الدور(٤) .

فـلـيت أكّـفاً حـاربتك تـقطّعت

وأرجــل بـغي جـاولتك جـذام

وخـيلا غـدت تردى عليك جواريا

عـقـرن فـلا يـلوى لـهنّ لـجام

ورضّت قراك الخيل من بعد ما غدت

اولـوا الخيل صرعى منك فهي رمام

اصـبت فـلا يـوم الـمسرّات نير

ولا قـمـر فـي لـيلهنّ تـمام(٥)

الرؤوس

وأمر ابن سعد بالرؤوس فقطعت واقتسمتها القبائل؛ لتتقرّب إلى ابن زياد،

____________________________

(١) اللهوف / ٧٥، ومثير الأحزان لابن نما / ٤١. وفي مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٩ زيادة بيت:

حتّى عصينا الله ربّ الأمر

بعضها مع الحسين الطهر

(٢) من قصيدة للسيّد صالح ابن العلامة السيّد مهدي آل بحر العلوم.

(٣) الآثار الباقية / ٣٢٩، طبعة ليدن، وطبعة الاوفست.

(٤) كتاب التعجّب للكراجكي / ٤٦ ملحق بكنز الفوائد.

(٥) لأبي ذيب شيخ يوسف القطيفي المتوفّى (١٢٠٠ﻫـ).

٣٠٣

فجائت كندة بثلاثة عشر وصاحبهم قيس بن الأشعث، وجاءت هوازن باثني عشر وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت تميم بسبعة عشر، وبنو أسد بستة عشر، ومذحج بسبعة، وجاء آخرون بباقي الرؤوس(١) ، ومنعت عشيرة الحر الرياحي من قطع رأسه ورضّ جسده(٢) .

وسرّح ابن سعد في اليوم العاشر رأس الحسينعليه‌السلام مع خولى بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي، وسرّح رؤوس أهل بيته وصحبه مع الشمر وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحَجّاج(٣) .

وكان منزل خولي على فرسخ من الكوفة، فأخفى الرأس عن زوجته الأنصاريّة؛ لِما يعهده من موالاتها لأهل البيتعليهم‌السلام إلاّ أنّها لمّا رأت من التنّور نوراً راعها ذلك؛ إذ لم تعهد فيه شيئاً، فلمّا قربت منه سمعت أصوات نساء يندبن الحسينعليه‌السلام بأشجى ندبة، فحدّثت زوجها وخرجت باكية(٤) ولَم تكتحل ولم تتطيّب حزناً على الحسينعليه‌السلام وكان اسمها العيوف(٥) .

وعند الصباح غدا بالرأس إلى قصر الإمارة، وقد رجع ابن زياد في ليلته من معسكره بالنّخيلة فوضع الرأس بين يدَيه وهو يقول:

إمـلأ ركابي فضّة أو ذهبا

إنّـي قتلت السيّد المحجّبا

وخيرهم من يذكرون النسبا

قـتلت خير الناس اُمّاً وأبا

فساء ابن زياد قوله أمام الجمع فقال له: إذا علمت إنّه كذلك فلِمَ قتلته؟ والله لا نلت منّي شيئاً(٦) .

____________________________

(١) اللهوف / ٨١، وعمدة القاري في شرح البخاري للعيني ٧ / ٦٥٦، وفيه كان معهم عروة بن قيس.

(٢) الكبريت الأحمر.

(٣) الإرشاد للشيخ المفيد.

(٤) روضة الشهداء، وفي البداية لابن كثير ٨ / ١٩٠: إنّ زوجته رأت النور يسطع من تحت الاجانة إلى السّماء وطيوراً بيضاً ترفرف حولها، وإنّ زوجته الاُخرى نوار بنت مالك قالت له: أتيت برأس ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! لا يجمعني وإيّاك فراش أبداً، ثمّ فارقته.

(٥) أنساب الأشراف للبلاذري ٥ / ٢٣٨.

(٦) في مرآة الجنان لليافعي ١ / ١٣٣: إنّ ابن زياد غضب عليه وقتله، ولَم يسمّ حامل الرأس، وفي العقد الفريد ٢ / ٢١٣: سمّاه خولي ابن يزيد الأصبحي، وقتله ابن زياد لذلك. واختلف المؤرّخون فيمَن جاء بالرأس وقائل الأبيات؛ فعند ابن جرير الطبري ٦ / ٢٦١، وابن الأثير ٤ / ٣٣: سنان بن أنس أنشدها على عمر بن سعد، وفي تذكرة الخواص / ١٤٤ قال له عمر: أنت مجنون لَو سمعك ابن زياد لقتلك. وفي شرح المقامات للشريثي ١ / ١٩٣: إنّه أنشدها على ابن زياد، وفي كشف الغمّة للأربلي ومقتل الخوارزمي ٢ / ٤٠: إنّ بشر بن مالك أنشدها على ابن زياد. =

٣٠٤

السّفر من كربلاء

لما سيّر ابن سعد الرؤوس إلى الكوفة، أقام مع الجيش إلى الزوال من اليوم الحادي عشر، فجمع قتلاه وصلّى عليهم ودفنهم، وترك سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة الرسول الأكرم ومَن معه من أهل بيته وصحبه بلا غسل ولا كفن ولا دفن(١) ، تسفي عليه الصبا، ويزورهم وحش الفلا.

فإن يمسِ فوق التّرب عريان لم تقم

لـه مـأتماً تـبكيه فـيه محارمه

فـأيّ حـشا لم يمس قبراً لجسمه

وفـي أيّ قلب ما اقيمت مآتمه(٢)

وبعد الزوال ارتحل إلى الكوفة ومعه نساء الحسينعليه‌السلام وصبيته وجواريه وعيالات الأصحاب وكنَّ عشرين امرأة(٣) وسيروهنَّ على أقتاب الجمال بغير وطاء كما يساق سبي الترك والروم و هنّ ودائع خير الأنبياء ومعهنّ السّجاد علي بن الحسينعليه‌السلام وعمره ثلاث وعشرون سنة(٤) ، وهو على بعير ظالع بغير وطاء وقد أنهكته العلّة(٥) ومعه ولده الباقر عليه‌السلام (٦) وله سنتان وشهور(٧) ، ومن أولاد الإمام الحسن

____________________________

= وفي مطالب السؤول لابن طلحة / ٧٦، زاد عليهما (ومن يصلّي القبلتين في الصبا)، فغضب عليه ابن زياد وقتله. وفي رياض المصائب / ٤٣٧: إنّ الشمر قائلها.

وأنت إذا عرفت إنّ الشمر هو قاتل الحسينعليه‌السلام كما في زيارة النّاحية وعليه جماعة من المؤرّخين، تعرف أنّه المنشد لها؛ إذ من البعيد أن يقتله ويأخذ الرأس غيره فيفوته التقرّب عند ابن زياد، وإنّما ذكرنا القصّة عن خولي مماشاةً مع أهل المقاتل. وفي المعجم ممّا استعجم ٢ / ٨٦٥، ووفاء الوفاء للمسعودي ٢ / ٢٣٢، عند ذكر حمي ضريه، قال: ضريه من مياه الضباب في الجاهليّة لذي الجوشن الضبابي والد الشمر قاتل الحسين بن عليعليه‌السلام .

(١) مقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ٣٩.

(٢) للعلامة الشيخ محمّد تقي آل صاحب الجواهر.

(٣) نفس المهموم / ٢٠٤.

وفي مستدرك الوسائل للنوري ٢ / ٢٣٤ الطبعة الاُولى: روى الشيخ المفيد والسيّد ابن طاووس بالإسناد عن الصادقعليه‌السلام أنّه صلّى في القائم المائل بطريق الغري ركعتين وقال:«ههنا وضعوا رأس جدّي الحسين عليه‌السلام لمّا توجّهوا من كربلاء، ثمّ حملوه إلى عبيد الله بن زياد» . ثمّ ذكر دعاء يُدعا به بعد الصلاة، وقال:«هذا الموضع يعرف بالحنانة..

(٤) نسب قريش لمصعب الزبيري / ٥٨.

(٥) الاقبال لابن طاووس / ٥٤.

(٦) رياض الأحزان / ٤٩، وإثبات الوصيّة للمسعودي / ١٤٣.

(٧) إثبات الوصيّة / ١٤٣ طبعة النّجف. وفي تاريخ أبي الفداء ١ / ٢٠٣: له ثلاث سنين.

٣٠٥

المجتبىعليه‌السلام زيد وعمرو والحسن المثنّى، فإنّه أُخذ أسيراً بعد أنْ قَتل سبعة عشر رجلاً، وأصابته ثمان عشرة جراحة وقُطعت يده اليمنى، فانتزعه أسماء بن خارجة الفزاري؛ لأنّ اُمّ المثنّى فزاريّة، فتركه ابن سعد له(١) . وكان معهم عقبة بن سمعان مولى الرباب زوجة الحسينعليه‌السلام ، ولمّا أخبر ابن زياد بأنّه مولى للرباب خلّى سبيله، وأخبر ابن زياد بأنّ المرقع بن ثمامة الأسدي نثر نبله وقاتل، فآمنه قومه وأخذوه فأمر بنفيه إلى الزارة(٢) .

أتـرى كيف أمست الخفرات

بعد غلب دون المخيّـم ماتوا

أتـراهم لـلأسر قد أسلموها

أم عـلى الرغم فارقتها الحماة

فارقوها من بعد ما ثلم العضب

ودقّـت مـن الـطعان القناة

وبـنوا فـي دم الشهادة عرشاً

لــم قـبـلهم بـنته الـبناة

أدهشتها من بعدهم هجمة الخيـ

ل عـليها وأيـن عـنها الاباة

فـتصارخْنَ يستغثْنَ بصرعي

هـوّمت غـفوة بـهم وسباة

وتـرامت بـجنب كـلّ أبيِّ

حــرّة تـسـتثيره وفـتـاة

يـشتكين الـسياط قد ألمتهن

و هـل حفزت بصرخى شكاة

يـتساقطْنَ عـن متون المطايا

كـلّما أزعج النياق الحدادة(٣)

فقلن النّسوة: بالله عليكم إلاّ ما مررتم بنا على القتلى. ولمّا نظرن إليهم

____________________________

(١) البحار الجزء العاشر، عند ذكر أولاد الحسنعليه‌السلام ، وإسعاف الراغبين / ٢٨، على هامش نور الأبصار.

وفي اللهوف / ٨: عالجه بالكوفة، فلمّا برأ حمله إلى المدينة.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦١، وكامل ابن الاثير ٤ / ٣٣.

والزارة، كما في معجم البلدان ٤ / ٣٦٧: قرية بالبحرين، واُخرى في طرابلس الغرب، وكورة بالصعيد.

وفي المعجم ممّا استعجم للبكري ٢ / ٦٩٢: إنّها موضع بناحية البحرين جرت فيها حروب للنعمان بن المنذر المعروف بـ (الغرور) مع الأساورة، ومدينة بفارس فيها بارز البراء بن مالك مرزبانها فصرعه وقطع يده وأخذ منطقته وسواريه، وكان قيمته ثلاثين ألفاً، فأخذ خُمسه عمر، وهو أول سلب اُخذ خمسه في الإسلام.

وفي كامل ابن الاثير ٤ / ١٠: إنّ ابن زياد هدّد أهل الكوفة بالنّفي إلى عمان الزارة. وفيه ٨ / ٨٦ حوادث سنة (٣٢١ هـ): إنّ علي بن يليق أمر بلعن معاوية وابنه يزيد على المنابر ببغداد، فاضطربت العامّة، وكان يثير الفتن البربهاري من الحنابلة، فهرب منه وقبض على جماعته فأحدرهم في زورق إلى عمان. انتهى.

فيظهر من ذلك أنّ الزارة موضع في عمان.

وفي الأخبار الطوال / ٢٥٦، سيّر ابن زياد المرقع بن ثمامة الأسدي إلى الزبدة، فلم يزل بها حتّى هلك يزيد وهرب ابن زياد إلى الشام، فانصرف المرقع إلى الكوفة.

وفي نشوار المحاضرة ٨ / ٩: إنّ أبا محمّد المهلّبي أحدر محمّد بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمي إلى عمان في زورق طبقه عليه؛ لأمر نقمه عليه.

(٣) للعلامة الثقة الشيخ عبد المهدي مطر النجفي.

٣٠٦

مقطّعي الأوصال، قد طعمتهم سمر الرماح، ونهلت من دمائهم بيض الصفاح، وطحنتهم الخيل بسنابكها، صِحن ولطمن الوجوه(١) وصاحت زينب: يا محمّداه! هذا حسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذريّتك مقتّلة. فأبكت كلّ عدو وصديق(٢) حتّى جرت دموع الخيل على حوافرها(٣) ، ثمّ بسطت يدَيها تحت بدنه المقدّس ورفعته نحو السّماء، وقالت: إلهي تقبّل منّا هذا القربان(٤) . وهذا الموقف يدلّنا على تبوّئها عرش الجلالة، وقد اُخذ عليها العهد والميثاق بتلك النّهضة المقدّسة كأخيها الحسينعليه‌السلام وإنْ كان التفاوت بينهما محفوظاً، فلمّا خرج الحسينعليه‌السلام عن العهدة بإزهاق نفسه القدسيّة، نهضت العقيلة زينب بما وجب عليها، ومنه تقديم الذبيح إلى ساحة الجلال الربوي والتعريف به، ثمّ طفقت (سلام الله عليها) ببقيّة الشؤون، ولا استبعاد في ذلك بعد وحدة النّور وتفرّد العنصر.

وتـشاطرت هـي والحسين بدعوة

حـتم الـقضاء عـليهما أنْ يـندبا

هــذا بـمشتبك الـنصول وهـذه

في حيث معترك المكاره في السّبا(٥)

واعتنقت سكينة(٦) جسد أبيها الحسينعليه‌السلام فكانت تحدّث أنّها سمعته يقول:

شيعتي ما أنْ شربتم

عَذْبَ ماء فاذكروني

____________________________

(١) مثير الأحزان لابن نما / ٤١، واللهوف لابن طاووس / ٧٤، والمقتل للخوارزمي ٢ / ٣٩، والمقتل للطريحي / ٣٣٢.

(٢) الخطط المقريزيّة ٢ / ٢٨٠.

وفي مقتل الخوارزمي واللهوف: كانت الندبة أوسع.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٩، والمنتخب للطريحي / ٣٣٢.

(٤) الكبريت الأحمر ٣ / ١٣، عن الطراز المذهّب.

(٥) للعلامة ميرز محمّد علي الاوردبادي (نوّر الله ضريحه).

(٦) في تهذيب الأسماء للنووي ١ / ١٦٣، والكواكب الدرّية للمناوي ١ / ٥٨، ونور الأبصار للشبلنجي / ١٦٠، ووفيات الأعيان لابن خلّكان بترجمتها: توفّيت سكينة بنت الحسينعليه‌السلام يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الأول سنة (١١٧ هـ).

وفي المجدي لابن الحسن العمري في النّسب، وإعلام الورى للطبرسي / ١٢٧، عند ذكر أولاد الحسنعليه‌السلام ، والأغاني ١٢ / ١٦٣: إنّها تزوّجت من ابن عمّها عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب قُتل عنها يوم الطف، ولم تلد منه. انتهى.

وفي إعلام الورى: قُتل عنها قبل البناء بها، ولها يوم الطفّ أكثر من عشر سنين، وولادتها قبل وفاة عمّها الحسنعليه‌السلام وعمرها يقارب السّبع سنين، وكلمة سيّد الشهداءعليه‌السلام في حقّها:«أنّ الغالب على سكينة الاستغراق مع الله» . على ما رواه الصبان في اسعاف الرغبين يفيدنا درساً دقيقاً عن مكانة ابنته من الشريعة المقدسة - لاحظ كتابنا السيدة سكينة - الطبعة الثانية.

٣٠٧

أو سمـعتم بغريـب

او شهيد فاندبوني(١)

ولَم يستطع أحد أن ينحيها عنه حتّى اجتمع عليها عدّة وجروها بالقهر(٢) .

ومـذعورة بـاليتم قـد ربـع قلبها

كـطير عليه الصقر قد هجم الوكرا

أهابت بها من هجمة الخيل صرخة

عـلى ثكلها باليتم فاضطربت ذعرا

وفرَّت إلى الثاوي على جمرة الثرى

وقـد أرسـلت من جفنها فوقه نهرا

وأهـوت على جسم الحسين فضمّها

إلى صدره ما بين يمناه واليسرى

تـلوذ بـه حـسرى القناع مروعة

وعـزّ عـليه أن يـشاهدها حسرى

فـما تـركتها تـستجير سـياطهم

بجسم أبيها حينما انتزعت قسرى(٣)

وأمّا علي بن الحسينعليه‌السلام فإنّه لمّا نظر إلى أهله مجزّرين، وبينهم مهجة الزهراءعليها‌السلام بحالة تنفطر لها السّماوات وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا، عظم ذلك عليه واشتدّ قلقه فلمّا تبيّنت ذلك منه زينب الكبرى بن عليعليه‌السلام (٤) أهمّها أمر الإمام فأخذت تسلّيه وتصبّره وهو الذي لا توازن الجبال بصبره، وفيما قالت له:

ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي، فوالله إنّ هذا لعهد من الله إلى جدّك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق اُناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السّماوات، إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة والجسوم المضرّجة، فيوارونها وينصبون بهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يُدرس أثره ولا يُمحى رسمه على كرور الليالي والأيّام، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلال في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلاّ علوّاً(٥) .

لله صبر زينب العقيلة

كم صابرت مصائباً مهولة

____________________________

(١) مصباح الكفعمي / ٣٧٦، طبعة الهند.

(٢) تظلّم الزهراءعليها‌السلام / ١٣٥.

(٣) من قصيدة للعلامة الشيخ عبد المنعم الفرطوسي.

(٤) زينب الملقبة الكبرى، هي ابنة فاطمة الزهراءعليه‌السلام ، وقد وصفها بذلك الطبري في تاريخه ٦ / ٨٩، وابن الأثير في الكامل ٣ / ١٥٨.

وفي المعارف لابن قتيبة: فأمّا زينب الكبرى بنت فاطمة كانت عند عبد الله بن جعفر، فولدت له أولاد.

(٥) كامل الزيارات / ٢٦١ الباب الثامن والثمانون، فضل كربلاء وزيارة الحسينعليه‌السلام .

٣٠٨

رأت من الخطوب والرزايا

أمـراً تـهون دونـه المنايا

رأت كـرام قـومها الأماجد

مـجزّرين في صعيد واحد

تسفي على جسومها الرياح

وهـي لـذؤبان الـفلا تباح

رأت عـزيز قومها صريعاً

قـد وزّعوه بالظبى توزيعاً

رأت رؤوسـاً بـالقنا تشال

وجـثـثاً أكـفانها الـرمال

رأت رضـيعاً بالسّهام يفطم

وصـبية بـعد أبيهم أيتموا

رأت شـماتة الـعدوّ فـيها

وصنعه ما شاء في أخيها(١)

وأتاهن زجر بن قيس وصاح بهن فلَم يقمن، فأخذ يضربهنّ بالسّوط واجتمع عليهن النّاس حتّى أركبوهنّ على الجمال(٢) .

وركبت العقيلة زينب ناقتها، فتذكّرت ذلك العزّ الشامخ والحرم المنيع الذي تحوطه الليوث الضواري الاُباة من آل عبد المطّلب وتحفّه السّيوف المرهفة والرماح المثقفة، والأملاك تخدمها فيه، فلا يدخلون إلاّ مستأذنين:

فـلا مثل عزًّ كان في الصبح عزّها

ولا مـثل حال كان في العصر حالها

إلـى أيـن مـسراها وأين مصيرها

ومـَن هـو مـأواها ومَـن ذا مآلها

ومَـن ذا ثمال الظعن إنْ هي سيّرت

يـضيق فـمي إنّ ابـن سعد ثمالها

عـلى أيّ كـتف تـتكي حين ركِبت

وجـمـالها زجـر وشـمر جـمّالها

أمخمد ضوء البيت عن شخص زينب

لـكيلا يـرى فـي الليل حتّى خيالها

تـمنّيت يـوم الطّف عينك أبصرت

بـناتك حـين ابـتزّ مـنها حجالها

قـرومـاً تـراها جـزّراً وأرامـلا

تـحـنّ كـنيبٍ فـارقتها فـصالها

لـه الله مـن ثـكل وقـد مات بغتة

لـدى بـعض يـومٍ عزّها ورجالها

ومـا هـان ثـكل عـندها غير انّه

أمـضّ مـصاباً هـتكها وابـتذالها

وأمـسـين فـي أمـر يـهدّد غـبّه

تـقف إهـاباً حـين يطريه بالها(٣)

في الكوفة

ولما اُدخلت بنات أمير المؤمنين إلى الكوفة، اجتمع أهلها للنظر إليهم

____________________________

(١) المقبولة الحسينية / ٦١، للحجّة آية الله الشيخ هادي كاشف الغطاءقدس‌سره .

(٢) تظلّم الزهراءعليها‌السلام / ١٧٧.

(٣) للعلامة الثقة الشيخ محمّد طاهر آل فقيه الطائفة الشيخ راضيقدس‌سره .

٣٠٩

فصاحت اُمّ كلثوم: يا أهل الكوفة، أما تستحون من الله ورسوله أنْ تنظروا إلى حرم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟(١) .

وأشرفت عليهنّ امرأة من الكوفيّات ورأتهن على تلك الحال التي تشجي العدوّ الألد فقالت: من أي الاُسارى أنتم؟ قلن: نحن اُسارى آل محمد(٢) .

وأخذ أهل الكوفة يناولون الأطفال التمر والجوز والخبز، فصاحت اُمّ كلثوم وهي زينب الكبرى: إنّ الصّدقة علينا حرام. ثمّ رمت به إلى الأرض(٣) .

أبـا حـسن تـغضي وتلتذّ بالكرى

وبـالكفّ أمست تستر الوجه زينب

أبـا حسن ترضى صفاياك في السّبا

ونـسوة حـرب بالمقاصير تحجب

وتـلوي لـلين الـفرش جنباً وهذه

بـناتك فـوق الـعيس للشام تجلب

ويـهنيك عـيش والـعقائل حـسّر

إذا مـا بـكت بـالأصبحية تضرب

تـشرّق فـيها تـارة عـصب الخنا

وطـوراً بـها نـحو الشئام تغرّب

بـلا كـافل تـطوي الـمهامه لغباً

ويـسمعها مـا يـشعب القب غيهب

فـأصواتها بـحّت و ذابـت قلوبها

وأنـفاسها كـادت من الحزن تذهب

عـجبت ومن في الدهر سرّح طرفه

وفـكّـر فـيه لـم يـزل يـتعجّب

يـزيد الـخنا فـي دسـته مـتقلّب

ويـمسي حـسين في الثرى يتقلّب

و يحمل منه الرأس في الرمح جهرة

وفي التاج رأس ابن الدعيّة يعصب

ويـبـقى ثـلاثاً عـارياً ويـزيدها

على جسمه يغدر الدمقس المذهّب(٤)

خطبة زينب

ولقد أوضحت ابنة أمير المؤمنينعليه‌السلام للنّاس خُبث ابن زياد ولؤمه في خطبتها بعد أنْ أومأت إلى ذلك الجمع المتراكم، فهدأوا حتّى كأنَّ على رؤوسهم

____________________________

(١) الدمعة الساكبة / ٣٦٤.

(٢) ابن نما / ٨٤، واللهوف / ٨١.

(٣) أسرار الشهادة / ٤٧٧، وتظلّم الزهراءعليها‌السلام / ١٥٠.

(٤) من قصيدة في الحسينعليه‌السلام للشيخ حسّون الحلي المتوفى سنة (١٣٠٥ هـ)، شعراء الحلّة ٢ / ١٥٥.

٣١٠

الطير. وليس في وسع العدد الكثير أنْ يسكن ذلك اللغط أو يردّ تلك الضوضاء لولا الهيبة الإلهيّة والبهاء المحمّدي الذي جلّل عقيلة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فيقول الراوي: لمّا أومأت زينب ابنة عليعليه‌السلام إلى النّاس، فسكنت الأنفاس والأجراس، فعندها اندفعت بخطابها مع طمأنينة نفس وثبات جأش، وشجاعة حيدريّة، فقالت (صلوات الله عليها): الحمد لله والصلاة على أبي محمّد وآله الطيّبين الأخيار.

أمّا بعد، يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة، إنّما مثَلكم كمثَل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلاّ الصلف النطف(١) والعجب والكذب والشنف(٢) وملق الإماء(٣) ، وغمز الأعداء(٤) ؟! أو كمرعى على دمنة(٥) أو كقصّة على ملحودة(٦) ، ألا بئس ما قدّمتْ لكم أنفسكم أنْ سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون.

____________________________

(١) الصلف (بفتحتين): الذي يتمدح بما ليس عنده. والنطف: القذف بالفجور.

(٢) الشنف: المبغض بغير حق.

(٣) الملق: التذلل.

(٤) الغمز: الطعن بالشر.

(٥) الغرض التعريف، بأنّ الدمنة وإنْ زها ظاهرها بالنبت، إلاّ أنّه لا يفيد الحيوان قوّة؛ لأنّها مجمع الأوساخ والكثافات السّامة القاتلة، فنتاج الدمنة لا يكون طيّبا. وأهل الكوفة وإنْ زها ظاهرهم بالإسلام إلاّ أنّ الصدور انطوت على قلوب مظلمة، لا يصدر منها إلاّ بما يقوم به أهل الجأهليّة والإلحاد.

(٦) في رواية اللهوف وابن نما (فضة) بالفاء الموحدة والضاد المعجمة ولم يتضح المراد منه بعد عدم الترجيح على الذهب وغيره، نعم رواية ابن شهر اشوب في المناقب (قصة) بالقاف المثناة والصاد المهملة وهي الجص تتناسب مع الملحودة التي هي القبر ولم ينكر أهل اللغة هذا المعنى ففي الصحاح للجوهري قصص داره أي جصصها وفي تاج العروس ج ٤ ص ٤٢٣ تقصيص الدار تجصيصها وكذلك قبر مقصص ومنه الحديث نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تقصيص القبور وهو بناؤها بالقصة وفيه ص ٤٢٢ قال القصة هي الجص بلغة الحجاز أو الحجارة من الجص وعن ابن دريد ان ابا سعيد السيرافي يقول بكسر القاف وعند غيره بفتحها وفي الفائق للزمخشري ج ٢ ص ١٧٣ روى ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن تطيين القبور وتقصيصها اي تجصيصها فان القصة هي الجصة وفي غريب الحديث لأبي عبيد ج ١ ص ٢٧٧ حيدر آباد التقصيص الجص يقال قصصت القبور والبيوت اذا جصصتها وفي (لحن العوام) ص ١٤٥ للزبيدي تقصيص القبور تبييضها بالجص وفي نيل الأوطار للشوكاني ج ٤ ص ٧٣ القصة بفتح القاف وتشديد الصاد لمهملة هي الجص وفي مسند احمد ج ٢ صفحة ١٣٧ عن عبد الله بن عمر ان عثمان بنى جدار مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحجارة المنقوشة والقصة وفي تاريخ المدينة للمسعودي ج ٢ صفحة ١٠٥ كان قبر حمزة مبنياً بالقصة أي مجصص لا خشب عليه وفي البحار ج ١٨ ص ٣٧٤ باب الدفن عن معاني الاخبار قال: تقصيص القبور تجصيصها لان الجص يقال له القصة وفي النهاية لابن الأثير مادة قصص في حديث زينب يا قصة على ملحودة شبهت اجسامهم بالقبور المتخذة من الجص وانفسهم بجيف الموتى التي تشتمل عليها القبور، =

٣١١

أتبكون وتنتحبون؟! إي والله فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً؛ فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنّى ترحضون قتْل سليل خاتم النبوّة ومعدن الرسالة، ومدرة حجّتكم ومنارمحَجّتكم، وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم، وسيّد شباب أهل الجنّة، ألا ساء ما تزرون.

فتعساً و نكساً وبُعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السّعي وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله ورسوله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة.

ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم؟ وأيّ كريمة له أبرزتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ وأيّ حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئاً إدّاً، تكاد السّموات يتفطّرن منه، وتنشقّ الأرض، وتخرّ الجبال هدّاً. ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض(١) وملء السّماء.

أفعجبتم أنْ مطرت السّماء دماً ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا يُنصرون، فلا يستخفنّكم المهل، فإنّه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وإنّ ربّكم لَبِالمرصاد(٢) .

____________________________

= والذي أراه ان النكتة في هذه الاستعارة ان القصة بلغة الحجاز الجص والملحودة القبر لكونه ذا لحد فكأن القبر يتزين ظاهره ببياض الجص ولكن داخله جيفة قذرة وأهل الكوفة وان تزين ظاهرهم بالاسلام الا ان قلوبهم كجيف الموتى بسبب قيامهم باعمال الجاهلية الوخيمة العاقبة من الغدر وعدم الثبات على المبادي الصحيحة وقد انفردت (متممة الدعوة الحسينية) بهذه النكات البديعة التي لم يسبقها مهرة البلغاء اليها لانها ارتضعت در (الصديقة الكبرى) التي اخرست الفصحاء بخطابها المرتجل يوم أجمع القوم على غصبها حقها مع ما اكتنفها من فوادح تبلبل فكر البليغ فعرفت الحاضرين ومن يأت من الاجيال عظيم الجناية وخسران الرضوان الاكبر كما ان سيد الاوصياء نسه عرف اولئك المتجمهرين على غصب حقه المجعول له من الله سبحانه يوم الغدير ويوم المنزلة ويوم الاعلان بالثقلين في خطبته المعروفة بالوسيلة التي خطبها في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبعة أيام وقد فرغ من جمع القرآن كما نص عليه الكليني في روضة الكافي.

(١) في تهذيب اللغة ٣ / ١٧١، ومقاييس اللغة ٣ / ٤١٩، والمغرب للمطرزي ٢ / ١٧، والفايق ١ / ١٢٥، والنّهاية، واللسان، وتاج العروس كلّهم مادّة (طلع).

وذكر في اللسان حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : رأى رجلاً به بذاذة تعلو عنه العين، فقال:«هذا خير من طلاع الأرض ذهباً» . إنّ طلاع الأرض ملؤها حتّى يسيل.

وفي حديث عمر بن الخطّاب عند موته: لو أنّ لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من هَول المطلع. وهو يملؤها حتّى يطلع عنها ويسيل.

وفي الفايق عن الحسن البصري قال: لئن أعلم أنّي بريء من النّفاق أحبّ إليّ من طلاع الأرض ذهباً، وهو ملؤها.

(٢) رتّبنا الخطبة من أمالي الشيخ الطوسي، وأمالي ابنه، واللهوف، وابن نما، وابن شهر آشوب، واحتجاج الطبرسي.

٣١٢

فقال لها الإمام السّجادعليه‌السلام :«اسكتي يا عمّة، فأنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة، وفهِمة غير مفهَّمة» (١) .

فقطعت العقيلة الكلام، وأدهشت ذلك الجمع المغمور بالتمويهات والمطامع، وأحدث كلامها إيقاظاً في الأفئدة ولفتة في البصائر، وأخذت خطبتها من القلوب مأخذاً عظيماً، وعرفوا عظيم الجناية، فلا يدرون ما يصنعون.

فـعن الـوصي بلاغة خُصّت بها

أعـيت بـرونقها البليغ الاخطبا

مـا اسـترسلت إلاّ وتحسب أنّها

تـستلّ من غرر الخطابة مقضباً

أو أنّـها الـيزنيّ فـي يد باسل

أخـلى بـه ظـهراً وأوهى منكبا

أو أنّـهـا تـقـتاد مـنها فـيلقاً

وتـسوق من زمر الحقائق موكبا

أو أنّ فـي غـاب الإمـامة لبوة

لـزئيرها عـنت الـوجوه تهيّبا

أو أنّـها الـبحر الخضمّ تلاطمت

أمـواجه عـلماً حـجى بأساً إبا

أو أنّ مـن غضب الإله صواعقاً

لَـم تـلف عنها آل حرب مهربا

أو أنّ حـيدرة عـلى صـهواتها

يـفني كـراديس الضّلال ثباً ثبا

أو أنّــه ضـمـته ذروة مـنبر

فـأنار نـهجاً لـلشريعة ألـحبا

أو أنّ فـي الـلأوى عقيلة هاشم

قد فرّقت شمل العمى ايدي سبا(٢)

خطبة فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام

وخطبت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام (٣) فقالت:

____________________________

(١) احتجاج الطبري / ١٦٦ طبعة النّجف.

(٢) من قصيدة للعلامة ميرز محمّد علي الاوردبادي في العقيلة زينبعليها‌السلام .

(٣) كانت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام جليلة القدر عظيمة المنزلة وكانت لها المكانة العالية من الدين وقد شهد بذلك أبوها سيد الشهداء لما جاء اليه الحسن المثنى يخطب احدى ابنتيه فقالعليه‌السلام كما في اسعاف الراغبين بهامش نور الابصار ص ٢٠٢: إني اختار لك فاطمة فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار وفي الجمال تشبه الحور العين.

وفي تهذيب التهذيب لابن حجر ج ١٢ ص ٤٤٢ روت الحديث عن أبيها وأخيها زين العابدين وعمتها زينب وابن عباس وأسماء بنت عميس وروى عنها أولادها عبد الله وابراهيم وحسين وام جعفر بنو الحسن المثنى وروى عنها ابو المقدام بوساطة امه وروى عنها زهير بن معاوية بوساطة أمه وفي خلاصة تذهيب الكمال ص ٤٢٥ خرج أصحاب السنن أحاديثها منهم: الترمذي وأبو داود والنسائي في مسند علي وابن ماجة القزويني وقال ابن حجر العسقلاني وقع ذكرها في كتاب الجنائز من صحيح البخاري ووثقها ابن حبان. ونص على وفاتها في سنة ١١٠ واليافعي في مرآة الجنان ج ١ ص ٢٣٤ وابن العماد في شذرات ج ١ ص ١٣٩ =

٣١٣

الحمدلله عدد الرمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده واُؤمن به وأتوكّل عليه، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ أولاده ذُبحوا بشطّ الفرات، من غير ذحل ولا ترات.

اللهمّ إنّي أعوذ بك أنْ أفتري عليك، وأنْ أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود والوصيّة لعلي بن أبي طالب المغلوب حقّه، المقتول من غير ذنب كما قُتل ولده بالأمس، في بيت من بيوت الله تعالى، فيه معشر مسلمة بألسنتهم، تعساً لرؤوسهم ما دفعت عنه ضيماً في حياته ولا عند مماته، حتّى قبضه الله تعالى إليه محمود النّقيبة طيّب العريكة، معروف المناقب مشهور المذاهب، لَم تأخذه في الله سبحانه لَومة لائم ولا عذل عاذل، هديته اللهمّ للإسلام صغيراً، وحمدت مناقبه كبيراً، ولَم يزل ناصحاً لك ولرسولك، زاهداً في الدنيا غير حريص عليها، راغباً في الآخرة، مجاهداً لك في سبيلك، رضيته فاخترته وهديته إلى صراط مستقيم.

أمّا بعد يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا. فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا وفهمه لدنيا، فنحن عَيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجّته على الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضّلنا بنبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله على كثير ممَّن خلق الله تفضيلاً، فكذّبتمونا وكفّرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً، وأموالنا نهباً، كأنّنا أولاد ترك أو كابل، كما قتلتم جدّنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدّم، قرّت لذلك عيونكم، وفرحت قلبوكم افتراءً على الله ومكراً مكرتم

____________________________

= وبناء على ما يقوله ابن حجر في تهذيب التهذيب انها قاربت التسعين تكون ولادتها سنة ٣٠ تقريباً ولها يوم الطف ما يقرب من ذلك وتوفيت قبل اختها (سكينة) بسبع سنين وفي كامل ابن الأثير ج ٤ ص ٣٥ وتاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٦٧ كانت فاطمة اكبر من اختها سكينة وفي كتاب (تحقيق النصرة الى معالم دار الهجرة) ص ١٨ تأليف أبي بكر بن الحسين بن عمر المراغي المتوفى سنة ٨١٦ من كرامات فاطمة بنت الحسين ان الوليد بن عبد الملك لما أمر بادخال الحجرات في المسجد خرجت فاطمة بنت الحسين الى الحرة وبنت داراً لها وامرت بحفر بئر فظهر فيه جبل فقيل لها فتوضأت ورشت بفاضل وضوئها عليه فلم يتصعب عليهم فكان يتبركون بمائه ويسمونه (زمزم) وفي طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٤٧٤ طبعة صادر. كانت فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام تسبّح بخيوط معقودة وفي كتابنا (نقد التاريخ المخطوط) ناقشنا المؤرخين في تزويجها من العثماني، وان محمد الديباج خلقته اقلام الزبيريين.

٣١٤

والله خير الماكرين، فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة، والرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها، إنّ ذلك على الله يسير؛ لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحبّ كلّ مختال فخور.

تبّاً لكم فانظروا اللعنة والعذاب، فكأنّ قد حلّ بكم وتواترت من السّماء نقمات، فيسحتكم بعذاب ويذيق بعضكم بأس بعض، ثمّ تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة؛ بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين.

ويلكم! أتدرون أيّة يد طاعنتنا منكم؟ وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا؟ أم بأيّة رِجل مشيتم إلينا؟ تبغون محاربتنا، قست قلوبكم وغلظت أكبادكم وطبع الله على أفئدتكم، وختم على سمعكم وبصركم وسوّل لكم الشيطان وأملى لكم، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

تبّاً لكم يا أهل الكوفة، أيّ ترات لرسول الله قِبلَكم، وذحول له لديكم؟ بما عندتم بأخيه على بن أبي الطالب جدّي وبنيه وعترته الطيّبين الأخيار، وافتخر بذلك مفتخركم.

نحن قتلنا علياً وبني علي

بـسيوف هنديّة ورماح

وسبينا نساءهم سبي ترك

ونـطحناهم فـأيّ نطاح

بفيك أيها القائل الكثكث والأثلب(١) افتخرت بقتل قوم زكّاهم الله وطهّرهم وأذهب عنهم الرجس فأكضم وأقع كما أقعى أبوك فإنّما لكلّ امرىء ما اكتسب وما قدّمت يداه.

حسدتمونا ويلاً لكم على ما فضّلنا الله تعالى، ذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء والله ذوالفضل العظيم. ومَن لَم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

فارتفعت الأصوات بالبكاء والنّحيب وقالوا: حسبكِ يا ابنة الطاهرين فقد حرقت قلوبنا وأنضجت نحورنا وأضرمت أجوافنا، فسكتت.

____________________________

(١) في تاج العروس: الأثلب (بكسر الهمزة واللام وفتحهما، والفتح أكثر): الحجَر، وقيل دقاق الحجارة. وقال شمر الأثلب (بلغة الحجاز): الحجارة. وبلغة تميم التراب وهو دعاء. وفي الحديث:«الولد للفراش وللعاهر الأثلب» .

وفيه صفحة ٦٤٠: الكثكث (كجعفر، وزبرج): دقائق التراب، ويقال: التراب عامة، يقال بفيه الكثكث: أي التراب.

٣١٥

خطبة اُمّ كلثوم(١)

وقالت اُمّ كلثوم: صه يا أهل الكوفة، تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم، فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل الخطاب.

يا أهل الكوفة، سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه وانتهبتم أمواله، وسبيتم نساءه ونكبتموه؟! فتبّاً لكم وسحقاً.

ويلكم! أتدرون أيّ دواهٍ دهتكم؟ وأيّ وزر على ظهوركم حملتم؟ وأيّ دماء سفكتم؟ وأيّ كريمة أصبتموها؟ وأيّ صبيّة أسلمتموها؟ وأيّ أموال انتهبتموها؟ قتلتم خير الرجالات بعد النّبي، ونُزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إنّ حزب الله هم المفلحون، وحزب الشيطان هم الخاسرون.

فضجّ النّاس بالبكاء، ونشرن النّساء الشعور، وخمشن الوجوه ولطمن الخدود، ودعون بالويل والثبور. فلَم يرَ ذلك اليوم أكثر باك.

خطبة السجّادعليه‌السلام

وجيء بعلي الحسينعليه‌السلام على بعير ضالع، والجامعة في عنقه، ويداه مغلولتان إلى عنقه، وأوداجه تخشب دماً فكان يقول:

يا اُميّة السّوء لا سقياً لربعكُمُ

يـا اُمـّة لَم تراع جدّنا فينا

لَـو أنّنا ورسول الله يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيّرونا على الأقتاب عارية

كـأنّنا لـم نشيّد فيكم دينا

وأومأ إلى النّاس أنْ اسكتوا، فلمّا سكتوا، حمد الله وأثنى عليه وذكر النّبي فصلّى عليه، ثمّ قال:«أيّها النّاس، مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لَم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن من انتُهكت حرمته، وسُلبت نعمته وانتهب ماله،

____________________________

(١) أشرنا في عدّة مواضع من كتابنا هذا إلى: أن زينب العقيلة هي اُمّ كلثوم وهذه الفقرات جزء من كلامها السّابق، ونذكر هذا الكلام هنا على عادة أهل المقاتل.

٣١٦

وسُبي عياله، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات، أنا ابن من قُتل صبراً، وكفى بذلك فخراً .

أيّها النّاس ناشدتكم الله هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهود والميثاق والبيعة، وقاتلتموه؟

فتّباً لكم لِما قدّمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأيّة عين تنظرون إلى رسول الله؟ إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من اُمّتي».

فارتفعت الأصوات بالبكاء وقالوا: هلكتم وما تعلمون.

ثمّ قالعليه‌السلام :«رحم الله امرءاً قبِل نصيحتي، وحفظ وصيّتي في الله وفي رسوله وأهل بيته، فإنّ لنا في رسول الله اُسوة حسنة» .

فقالوا بأجمعهم: نحن يابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فإنّا حرب لحربك، وسِلم لسلمك، نبرأ ممَّن ظلمك وظلمنا.

فقالعليه‌السلام :«هيهات هيهات أيّها الغدرة المكرة، حِيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إليَّ كما أتيتم إلى أبي من قبل؟ كلاّ وربّ الراقصات، فإنّ الجرح لمّا يندمل، قُتل أبي بالأمس وأهل بيته، ولَم ينس ثكل رسول الله وثكل أبي وبني أبي، إنّ وجده والله لبين لهاتي ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصّته تجري في فراش صدري» (١)

مـهلاً بـني حرب فما قد نالنا

فـبعين جـبّار الـسّما لم يكتم

فـكأنّني يوم الحساب بأحمد

بالرسل يقدم حاسراً عن معصم

ويـقول ويلكم هتكتم حرمتي

وتركتم الأسياف تنطف من دمي

تـدرون أيّ دم أرقـتم في الثرى

أمْ أيَّ خـود سـقتُمُ في المغنم

أمـن الـعدالة صونكم فتياتكم

وحـرائري تسبى كسبي الديلم

والـماء تـورده يـعافير الفلا

وكـبود أطـفالي ظماء تضرم

تالله لـو ظفرت سراة الكفر في

رهطي لما ارتكبوا لذاك المعظم

يـا لـيت شعر محمّد ما فاتكم

طـعن الحناجر بعد حزّ الغلصم

____________________________

(١) الخطب كلّها ذكرها السيّد ابن طاووس في اللهوف، وابن نما في مثير الأحزان.

٣١٧

هـذا جـزائي منكُمُ فلقرب ما

ضيعتموا عهدي ببنتي وابنم(١)

الدفن

ذكر أهل التاريخ أنّ سيّد الشهداءعليه‌السلام أفرد خيمة في حومة الميدان(٢) ، وكان يأمر بحمل مَن قُتل من صحبه وأهل بيته إليها، وكلّما يؤتى بشهيد يقولعليه‌السلام :«قتلة مثل قتلة النبيّين وآل النبيّين» (٣) . إلاّ أخاه أبا الفضل العبّاسعليه‌السلام تركه في محلّ سقوطه قريباًً من شطّ الفرات(٤) .

ولمّا ارتحل عمر بن سعد بحرم الرسالة إلى الكوفة ترك اُولئك الذين وصفهم أمير المؤمنينعليه‌السلام بأنّهم سادة الشهداء في الدنيا والآخرة، لَم يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق(٥) على وجه الصعيد تصهرهم الشمس ويزورهم وحش الفلا.

قد غيّر الطّعن منهم كل جارحة

إلا المكارم في أمنٍ من الغير

وبينهم سيّد شباب أهل الجنّة بحالة تفطّر الصخر الأصم، غير أنّ الأنوار الإلهيّة تسطع من جوانبه، والأرواح العطرة تفوح من نواحيه.

ومـجرح مـا غـيّرت منه القنا

حـسناً ولا أخـلقْنَ مـنه جـديدا

قد كان بدراً فاغتدى شمس الضحى

مـذ ألـبسته يـد الـدماء لـبودا

تـحمي اشـعّته الـعيون فـكلّما

حـاولنَ نـهجاً خـلنه مـسدودا

وتـظلُّه شـجر الـقنا حتّى أبت

ارسـال هـاجرة الـيه بريدا(٦)

وحدّث رجل من بني أسد: أنّه أتى المعركة بعد ارتحال العسكر، فشاهد من

____________________________

(١) للحاج محمّد رضا الأزري رياض المدح والرثاء / ٤٤٥، مطبعة الآداب، النجف.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٦، وكامل ابن الأثير ٤ / ٣٠، وإرشاد الشيخ المفيد.

(٣) حكاه في البحار ١٠ / ٢١١، و ١٣ / ١٢٥، عن غيبة النعماني.

(٤) نصّ عليه جماعة من المؤرّخين. انظر كتابنا (قمر بني هاشم) صفحة ١١٥، المطبعة الحيدريّة في النّجف.

(٥) كامل الزيارات / ٢١٩.

(٦) للحاج هاشم الكعبي.

٣١٨

تلك الجسوم المضرّجة أنواراً ساطعة، وأرواحاً طيّبة، ورأى أسداً هائل المنظر يتخطّى تلك الأشلاء المقطّعة حتّى إذا وصل إلى هيكل القداسة وقربان الهداية، تمرّغ بدمه ولاذ بجسده، وله همهمة وصياح، فأدهشه الحال إذ لم يعهد مثل الحيوان المفترس يترك ما هو طعمة أمثاله فاختفى في بعض الأكم؛ لينظر ما يصنع فلم يظهر له غير ذلك الحال:

وممّا زاد في بعض تحيّره وتعجّبه أنّه عند انتصاف الليل رأى شموعاً مسرجة ملأت الأرض بكاءاً وعويلاً مفجعاً(١) .

وفي اليوم الثالث عشر من المحرّم أقبل زين العابدينعليه‌السلام لدفن أبيه الشهيدعليه‌السلام ؛ لأنّ الإمام لا يلي أمره إلاّ إمام مثله(٢) .

يشهد له مناظرة الرضاعليه‌السلام مع علي بن أبي حمزة فإنّ أبا الحسنعليه‌السلام قال له:«اخبرني عن الحسين بن علي كان إماماً؟» قال: بلى، فقال الرضاعليه‌السلام :«فمَن ولي أمره؟» قال ابن أبي حمزة: تولاّه علي بن الحسين السّجاد. فقال الرضاعليه‌السلام :«فأين كان علي بن الحسين؟» قال ابن أبي حمزة: كان محبوساً بالكوفة عند ابن زياد، ولكنّه خرج وهم لا يعلمون به حتّى ولي أمر أبيه، ثمّ انصرف إلى السّجن.

فقال الرضاعليه‌السلام :«إنّ مَن مكّن علي بن الحسين أنْ يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه ثمّ ينصرف، يمكّن صاحب هذا الأمر أنْ ياتي بغداد فيلي أمر أبيه وليس هو في حبس ولا إسار» .

____________________________

(١) مدينة المعاجز / ٢٦٣، باب ١٢٧.

(٢) اثبات الوصية للمسعودي ص ١٧٣، وقد ذكرنا في كتاب (زين العابدين) ص ٤٠٢ الاحاديث الدالة على ان الامام لا يلي أمره إلا امام مثله.

لم تكشف الاحاديث هذا السر المصون، ولعل النكتة فيه ان جثمان المعصوم عند سيره الى المبدإ الأعلى بانتهاء امد الفيض الالهي يختص بآثار منها: ان لا يقرب منه من لم يكن من أهل هذه المرتبة اذ هو مقام قاب قوسين او أدنى، ذلك المقام الذي تقهقر عنه الروح الامين وعام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحده في سبحات الملكوت وليست هذه الدعوى في الأئمة بغريبة بعد ان تكوّنوا من الحقيقة المحمدية وشاركوا جدهم في المآثر كلها إلا النبوة والأزواج كما في المحتضر للحسن بن سليمان الحلي ص ٢٢ طبع النجف وهذه اسرار لا تصل اليها افكار البشر ولا سبيل لنا الى الانكار بمجرد بعدنا عن ادراكها ما لم تبلغ حد الاستحالة وقد نطقت الآثار الصحيحة بأن للأئمة احوالا غريبة ليس لسائر الخلق الشركة معهم كإحيائهم الأموات بالأجساد الأصلية ورؤية بعضهم بعضاً وصعود أجسادهم الى السماء وسماعهم سلام الزائرين لهم وقد صادق على ذلك شيخنا المفيد في المقالات ص ٨٤ ط طهران والكراجكي في كنز الفوائد والمجلسي في مرآة العقول ج ١ ص ٣٧٣ وكاشف الغطاء في منهج الرشاد ص ٥١، والنوري في دار السلام ج ١ ص ٢٨٩.

٣١٩

ولما أقبل السّجادعليه‌السلام وجد بني أسد مجتمعين عند القتلى، متحيّرين لا يدرون ما يصنعون، ولَم يهتدوا إلى معرفتهم؛ وقد فرّق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم و ربّما يسألون من أهلهم وعشيرتهم!!.

فأخبرهمعليه‌السلام عمّا جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة، و أوقفهم على أسمائهم، كما عرّفهم بالهاشميّين من الأصحاب، فارتفع البكاء والعويل، وسالت الدموع منهم كلّ مسيل، ونشرت الأسديّات الشعور ولطمن الخدود.

ثمّ مشى الإمام زين العابدينعليه‌السلام إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاءاً عالياً، وأتى إلى موضع القبر، ورفع قليلاً من التراب فبان قبر محفور وضريح مشقوق، فبسط كفيه تحت ظهره وقال:«بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، صدق الله ورسوله، ما شاء الله، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العظيم» .

وأنزله وحده، لَم يشاركه بنو أسد فيه، وقالعليه‌السلام لهم:«إنّ معي مَن يعينني». ولمّا أقرّه في لحده، وضع خدّه على منحره الشريف قائلاً:

«طوبى لأرض تضمّنت جسدك الطاهر، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة والآخرة بنورك مشرقة، أمّا الليل فمسّهد والحزن سرمد، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم، و عليك منّي السّلام يابن رسول الله و رحمة الله وبركاته» .

وكتب على القبر:«هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشاناً غريباً» .

ثمّ مشى إلى عمّه العبّاسعليه‌السلام فرآه بتلك الحالة التي أدهشت الملائكة بين أطباق السّماء وأبكت الحور في غرف الجنان ووقع عليه يلثم نحره المقدّس قائلاً:«على الدنيا بعدك العفا يا قمر هاشم، وعليك منّي السّلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته».

وشقّ له ضريحاً وأنزله وحده كما فعل بأبيه الشهيد، وقال لبني أسد:«إنّ معي مَن يعينني».

نعم، ترك مساغاً لبني أسد بمشاركته في مواراة الشهداء، وعيّن لهم موضعين

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

أسماءٌ أخرى وملاحظات:

١ - مالك بن دودان:

قال ابن شهرآشوب السروي: « ثمّ برزَ مالك بن دودان وأنشأ يقول:

إليكم من مالك الضرغام

ضَرب فتىً يحمي عن الكرام

يرجو ثواب الله ذي الإنعام ».(١)

٢ - أنيس بن معقل الأصبحي:

وقال أيضاً: « ثمّ برزَ أنيس بن معقل الأصبحي وهو يقول:

أنـا أنـيس وأنـا ابن معقل

وفي يميني نصل سيف مصقل

أعلو بها الهامات وسط القسطل

عـن الحسين الماجد المفضّل

ابن رسول الله خير مُرسل ».

فقتلَ نيّفاً وعشرين رجلاً »(٢) .

٣ - ربيعة بن خوط:

قال الحائري في ذخيرة الدارين: (نزلَ الكوفة، وكان بها إلى أن جاء الحسينعليه‌السلام من مكّة إلى العراق حتّى نزل بكربلاء، ثمّ خرج ربيعة بن خوط من الكوفة وجاء إلى الحسينعليه‌السلام مع ابن عمّه حبيب، وكان حبيب معه إلى أن قُتل بين

____________________

(١) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٤.

(٢) نفس المصدر: ٤ : ١٠٣، وذكرهُ ابن أعثم الكوفي في الفتوح: ٥: ١٩٨، والخوارزمي في المقتل ٢: ٢٣ بتفاوت في بعض أبيات الرَجَز.

وقد مرّ بنا في مقتل يزيد بن مغفل الجعفي (رض): أنّ أنيس بن معقل ربما كان تصحيفاً له؛ لأنّ أبيات الرَجَز المنسوبة إلى كلّ منهما واحدة أو متماثلة جدّاً، مع اتحاد معقل مع مغفل من حيث وتفاوتهما في النقاط فقط.

٣٤١

يديه في الحملة الأولى مع مَن قُتل من أصحاب الحسينعليه‌السلام )(١) .

٤ - زيد بن معقل:

عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام (٢) ، وذكره ابن شهرآشوب السروي في المناقب(٣) ، وقد وردعليه‌السلام في زيارة الناحية المقدّسة(٤) .

٥ - هلال بن الحجّاج:

ذكره الشيخ الصدوق قائلاً: (ثمّ برزَ من بعده - أي من بعد وهب بن وهب النصراني (رض) - هلال بن الحجّاج وهو يقول:

أرمي بها معلّمة أفواقها (أفواهها)

والـنـفس لا يـنـفعها إشـفاقها

فقتلَ منهم ثلاثة عشر رجلاً ثمّ قُتل)(٥) .

____________________

(١) ذخيرة الدارين: ١٨٨، وذكر السماوي (ره): أنّ حبيب بن مظهّر كان ابن عمّ ربيعة بن حوط بن رئاب المكنّى أبا ثور الشاعر الفارس. (راجع: إبصار العين: ١٠٠).

وقال ابن عساكر: أدركَ حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . (راجع: الإصابة في معرفة الصحابة: ١: ٥٢٧).

(٢) رجال الشيخ الطوسي: ١٠٠ رقم ٩٨١.

(٣) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ٧٨.

(٤)(السلام على زيد بن معقل الجعفي) (راجع البحار: ٤٥: ٧٢)، وفي البحار: ١٠١: ٢٧٣:(السلام على بدر بن معقل الجعفي) ، والظاهر أنّ كليهما تصحيف ليزيد بن مغفل الجعفي (رض).

(٥) أمالي الشيخ الصدوق: ١٣٧ المجلس ٣٠ حديث رقم ١، ومن المعلوم أنّ هذه الأبيات منسوبة أيضاً في المقاتل المشهورة الأخرى إلى نافع بن هلال الجملي (راجع: تاريخ الطبري ٣: ٣٢٤، والإرشاد: ٢: ١٠٣، وإعلام الورى ٢: ٤٦٢ وغيرها)، فالظاهر أنّه تصحيف لنافع بن هلال الذي تذكره بعض المصادر باسم (هلال بن نافع)، والله العالم.

٣٤٢

٦ - بدر بن رقيط وابنيه

ورد في الزيارة الرجبية والشعبانية التي رواها السيّد طاووس (ره) هكذا:(السلام على بدر بن رقيط وابنيه عبد الله وعبيد الله) (١) .

أمّا في زيارة الناحية المقدّسة فقد ورد السلام هكذا:(السلام على زيد بن ثبيت القيسي، السلام على عبد الله وعبيد الله ابني يزيد بن ثبيت القيسي) (٢) .

ومن الواضح أنّ هذا ناشئ عن تصحيف النُسّاخ، إذ لم يُعرف أحدٌ من أنصار الإمامعليه‌السلام من شهداء الطفّ مع ابنين له بهذين الاسمين: عبد الله، وعبيد الله غير يزيد بن ثبيط العبدي (القيسي) البصري (رض)، كما ضبطَ اسمه المحقّق السماوي (ره).

٧ - خالد بن عمرو بن خالد الأزدي:

وقد ذكره ابن شهرآشوب السروي قائلاً: (ثمّ برزَ ابنه خالد - أي ابن عمرو بن خالد الأزدي - وهو يقول:

صبراً على الموت بني قحطان

كي ما تكونوا في رضا الرحمن

ذي المجد والعزّة والبرهان

وذو العُلى والطَول والإحسان

يا أبتا قد صرتُ في الجنان

في قصر درٍّ حَسَن البنيان(٣)

وعمرو بن خالد - وهو من شهداء الطفّ ويُكنّى بأبي خالد(٤) - ليس من الأزد، بل هو أسدي صيداوي، ولم يذكر المؤرّخون والرجاليون الذين ترجموا له بأنّ

____________________

(١) راجع: البحار: ١٠١: ٣٤٠.

(٢) راع: البحار: ٤٥: ٧٢ و١٠١: ٢٧٣.

(٣) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠١، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ١٧ بتفاوت في الشعر.

(٤) راجع: إبصار العين: ١١٤.

٣٤٣

خالداً ابنه كان معه في شهداء الطفّ.

٨ - جابر بن عروة الغفاري:

قال النمازي: (لم يذكروه، وهو من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهدَ بدراً وغيرها، وكان شيخاً كبيراً تعصّب بعصابة ترفع حاجيبه عن عينيه، فلمّا رأى غربة مولانا الحسين صلوات الله عليه استأذن، فقال له الحسين:(شكرَ الله سعيك يا شيخ) ، فقاتل وقَتل جمعاً حتّى استشهد بين يديه، نقلَ ذلك كلّه في الناسخ عن أبي مخنف، وكذا في فرسان الهَيجا، وعطيّة الذرّة)(١) .

ولا يخفى على المتتبّع أنّ هذه الترجمة منسوبة في المصادر الأخرى إلى الصحابي الجليل أنس بن الحارث الأسدي الكاهلي (رض)(٢) .

٩ - عمرو بن جندب الحضرمي:

قال النمازي: (من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وشهد في الجَمل وصِفّين معه، ووفِّق للشهادة يوم الطفّ، وتشرّف بسلام الناحية المقدّسة)(٣) .

١٠ - شبيب بن جراد الكلابي الوحيدي:

قال النمازي: (من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، من شجعان الشيعة في الكوفة، وله ذكر في المغازي والحروب سيّما في صفّين، وبايعَ مسلماً، وكان يأخذ البيعة

____________________

(١) مستدركات علم رجال الحديث ٢: ١٠٣، رقم ٣٤٠١.

(٢) راجع ذخيرة الدارين: ٢٠٨، وإبصار العين: ٩٩، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٥.

(٣) مستدركات علم رجال الحديث ٦: ٣١، رقم ١٠٧٥٥، وورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة هكذا:(السلام على عمر بن جندب الحضرمي) (راجع: البحار: ٤٥: ٧٣)، وفي البحار: ١٠١: ٢٧٣:(السلام على عمر بن الأحدوث الحضرمي) .

٣٤٤

له حتّى إذا رأى الخذلان انحرف وخرجَ مع عمر بن سعد إلى كربلاء، فلمّا جاء الشمر بكتاب ابن زياد وأيقنَ بالحرب لحقَ بالحسينعليه‌السلام ليلة عاشوراء، وانضمّ إلى أبي الفضل العبّاس لكونه من قبيلته(١) ، واستشهدَ يوم عاشوراء بين يدي الحسينعليه‌السلام ).

١١ - جعبة بن قيس بن مسلمة:

قال ابن حجر في الإصابة: (جعبة بن قيس بن مسلمة بن طريف، قُتل مع الحسين بن علي، قاله الكلبي)(٢) .

١٢ - أبو الهياج:

وقال ابن حجر أيضاً: (أبو الهياج قُتل مع الحسين، قال: ذكر الواقدي في مقتل الحسين أنّ أبا الهياج قُتل معه)(٣) .

١٣ - يزيد بن حُصين الهمداني المشرقيّ:

يرد ذكره في بعض كتب التاريخ والتراجم(٤) ، وينسب إليه كلّ ما تنسبه كتب التاريخ والتراجم الأخرى لبرير بن خضير الهمداني المشرقيّ (رض)، وهو تصحيف ظاهر لبرير بن خضير، وهذا ممّا لا يخفى على المتأمّل بدقّة، وذهب إلى ما قلناه أيضاً الشيخ التستري (ره) في قاموس الرجال(٥) .

____________________

(١) أي: من قبيلة أمّه؛ لأنّ أمّ العباسعليهما‌السلام كلابيّة.

(٢) الإصابة ٣: ٢٨٥، رقم ٤٢٣٦.

(٣) الإصابة: ٤: ٨٠.

(٤) راجع: كشف الغمّة: ٢: ٢٩٥، ورجال الشيخ الطوسي: ١٠٦، وتنقيح المقال: ٣: ٣٢٥، وذخيرة الدارين: ١٧٩.

(٥) راجع: قاموس الرجال: ٢: ٢٩٤ - ٢٩٦، رقم ١٠٧٧.

٣٤٥

١٤ - عمرو بن مطاع الجعفي(١)

قال ابن شهرآشوب السروي: (ثمّ برزَ عمرو بن مطاع الجعفي وقال:

اليومَ قد طاب لنــا الفراع

دون حسينِ الضرب والسطاع (٢)

ترجــو بذاك الفوزُ والدفاع

مــن حَرِّ نارٍ حين لا امتناع(٣)

وقال الخوارزمي: (ثمّ خرجَ من بعده - أي من بعد الكاهلي (رض) - عمر بن مطاع الجعفي، وهو يقول:

أنـا ابن جعفي وأبي مطاع

وفـي يميني مرهفٌ قطّاع

وأسـمـرٌ سـنـانه لـمّاعُ

يُـرى له من ضوئه شعاعُ

قد طاب لي في يومي القراع

دون حـسينٍ ولـه الـدفاع

ثمّ حملَ فقاتل حتى قُتل)(٤) .

١٥ - عبد الرحمان بن عبد الله اليزني:

قال ابن شهرآشوب السرويّ: (ثمّ برزَ عبد الرحمان بن عبد الله اليزني قائلاً:

أنـا ابـن عـبد الله من آل يزَنِ

ديـني عـلى دين حسين وحسن

أضـربكم ضـرب فتىً من اليمن

أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن(٥)

____________________

(١) من أنصار الإمامعليه‌السلام ، ومن شهداء الطفّ المعروفين (سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي)، وقد مرّ بنا مصرعه، ولا نعلم هل أنّ (عمرو بن مطاع الجعفي) هذا تصحيف لذاك الأنصاري الجليل أم هو آخر غيره؟!

(٢) الفراع: المطاولة والمنازلة، والاعتداد بالشرف والمحتد، والسطاع: رفع الرأس ومدّ العنق والانتشار.

(٣) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٢.

(٤) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٢٢.

(٥) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠١ - ١٠٢.

٣٤٦

وذكرهُ محمد بن أبي طالب أيضاً، وأتمّ قائلاً: (ثمّ حملَ فقاتلَ حتى قُتل)(١) .

١٦ - يحيى بن سليم المازني

ثمّ قال ابن شهرآشوب: (ثمّ برزَ يحيى بن سليم المازني وهو يقول:

لأضربنّ القوم ضرباً فيصلا

ضرباً شديداً في العدى معجّلا

لا عاجزاً فيها ولا مولولا

ولا أخاف اليوم موتاً مقبلا(٢)

وذكرهُ الخوارزمي أيضاً بتفاوت في الشعر(٣) .

١٧ - جبلّة بن عبد الله

وقد ورد السلام عليه في الزيارة الرجبية والشعبانية التي رواها السيّد ابن طاووس(٤) ، والظاهر أنّ هذا الاسم تصحيف لـ (جبلّة بن عليّ الشيباني) الذي وردَ السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة(٥) .

١٨ - سعد بن حنظلة التميمي:

قال الخوارزمي: (ثمّ خرجَ من بعده - أي من بعد خالد بن عمرو بن خالد الأزدي (وقد مرَّ ذكره) - سعد بن حنظلة التميمي، وهو يقول:

صبراً على الأسياف والأسنّة

صـبراً عليها لدخول الجنّة

وحـور عِـين ناعمات هنّة

لِـمن يريد الفوز لا بالظنّة

يـا نـفس للراحة فاطرحنّة

وفـي طلاّب الخير فاطلبنّه

____________________

(١) تسلية المجالس: ٢: ٢٩٢.

(٢) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٢.

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام للخورازمي ٢: ٢١.

(٤) راجع: الإقبال: ٧١٤، والبحار: ١٠١: ٣٤٠.

(٥) راجع: البحار: ٤٥: ٧٢.

٣٤٧

ثمّ حملَ وقاتل قتالاً شديداً فقُتل)(١) .

وذكره أيضاً ابن شهرآشوب السروي بتفاوت يسير في الشِعر(٢) .

ويُلاحظ أنّ مصادر تاريخية أخرى(٣) ذكرت نصيراً آخر غير هذا وهو (حنظلة بن أسعد الشبامي)، الذي ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة(٤) ، كما أنّ مصادر تاريخية أخرى ذكرت هذا الشعر لنصير آخر هو عبد الرحمان الأرحبي (رض)(٥) .

١٩ - عمير بن عبد الله المذحجي:

ثمّ قال الخوارزمي: (ثمّ خرجَ من بعده عمير بن عبد الله المذحجي وهو يقول:

قد عَلمتْ سعدُ وحيّ مذحجِ

أنّيَ ليث الغاب لم أهجهجِ

أعلو بسيفي هامة المدجَّجِ

وأترك القرن لدى التعرّج

فريسة الضبع الأزلّ الأعرجِ

فمَن تراه واقفاً بمنهجي

ولم يزل يقاتل قتالاً شديداً، حتّى قتلهُ مسلم الضبابي، وعبد الله البجلي، اشتركا في قتله)(٦) .

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام الخوارزمي ٢: ١٧.

(٢) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠١.

(٣) راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٩، والإرشاد ٢: ١٠٥، واللهوف: ١٦٤، وإبصار العين: ١٣٠ - ١٣١.

(٤) راجع: البحار: ٤٥: ٧٣.

(٥) راجع: إبصار العين: ١٣٢.

(٦) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ١٧.

٣٤٨

وذكره أيضاً ابن شهرآشوب السرويّ بتفاوت يسير في الشِعر(١) .

٢٠ - إبراهيم بن الحصين الأسدي:

قال ابن شهرآشوب السروي: (ثمّ برز إبراهيم بن الحصين الأسدي يرتجز:

أضربُ منكم مفصلاً وساقا

ليُهرقَ اليوم دمي إهراقا

ويُرزق الموت أبو إسحاقا

أعني بني الفاجرة الفسّاقا

فقتلَ منهم أربعة وثمانين رجلاً)(٢) .

٢١ - دارم بن عبد الله الصائدي:

ذكره أبو محمّد علي بن أحمد الأندلسي(٣) وقال: (قُتل مع الحسين)، وذكره أبو عبيد(٤) وقال أيضاً: (قُتل مع الحسين)، وذكره الشيخ الطوسي أيضاً في رجاله(٥) .

٢٢ - يحيى بن هاني بن عروة

كان يحيى بن هاني من وجوه العرب، والمعروفين بينهم، وأبوه هاني بن عروة قُتل بالكوفة، قال المزي: يحيى بن هاني بن عروة بن قعاص(٦) ، أبو داود الكوفي، وكان من أشراف العرب، وكان أبوه ممّن قتله عبيد الله بن زياد في شأن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وعن شعبة: كان سيّد أهل الكوفة، وعن أبي حاتم:

____________________

(١) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠١.

(٢) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ١٠٥.

(٣) جمهرة أنساب العرب: ٣٩٥.

(٤) النسب: ٣٣٧.

(٥) رجال الشيخ الطوسي: ١٠٤، رقم ١٠٢٩.

(٦) هو على ضبط المحقّق السماوي (ره): يحيى بن هاني بن عروة بن نمران بن عمرو بن قعاس بن... بن غطيف بن مراد بن مذحج. (راجع: إبصار العين: ١٣٩).

٣٤٩

صالح من سادات أهل الكوفة(١) .

وقال المامقاني: (يحيى بن هاني بن عروة المرادي العطيفي، نسبة إلى بني عطيف بطن من مراد، وقد ذكر أهل السيَر: أنه لمّا قُتل هاني مع مسلم بن عقيل، فرَّ ابنه يحيى واختفى عند قومه خوفاً من ابن زياد، فلمّا سمعَ بنزول الحسين بكربلاء جاء وانضمّ إليه ولزمه إلى أن شبّ القتال يوم الطفّ، فتقدّم وقتل من القوم رجالاً كثيرة ثمّ نالَ شرف الشهادة رضوان الله عليه)(٢) ، ولكنّنا لم نعثر - حسب متابعتنا - على أحد من أهل السيَر الأقدمين حكى ذلك.

ويلاحظ أيضاً أنّ الطبري في تاريخه يروي عن هشام بن محمّد، عن أبي مخنف، عن يحيى بن هاني بن عروة: أنّ نافع بن هلال كان يقاتل يومئذ وهو يقول: أنا الجملي، أنا على دين عليّ... إلى آخر قصة قتله مزاحم بن حريث(٣) .

وهذا كاشف عن أنّ يحيى بن هاني لم يكن من شهداء الطفّ يوم عاشوراء، فتأمّل.

٢٣ - الهفهاف بن المهنّد الراسبي(٤) البصري

قال الزنجاني: (ذكرَ في ذخيرة الدارين ص٢٥٧: الهفهاف بن المهنّد الراسبي البصري الذي قُتل يوم الطفّ بعد شهادة الحسين، على ما رواه حميد بن أحمد في كتاب الحدائق، قال: كان الهفهاف هذا فارساً شجاعاً بصرياً، من الشيعة ومن المخلصين في الولاء، له ذكر في المغازي والحروب، وكان من أصحاب

____________________

(١) تهذيب الكمال: ٣٢: ١٨ رقم ٦٩٣٦.

(٢) تنقيح المقال: ٣: ٣٢٢ رقم ١٣٠٨٩، وانظر: ذخيرة الدارين: ٢٥٥.

(٣) راجع: تاريخ الطبري: ٣: ٣٢٤، وإبصار العين: ١٤٩.

(٤) الراسبي: نسبة إلى راسب بطن من الأزد.

٣٥٠

أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وحضرَ معه مشاهده كلّها، ولمّا عقدَ الألوية أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم صفّين ضمّ تميم البصرة إلى الأحنف بن قيس، وأمّر على حنظلة البصرة أَعيَن بن ضبعة، وعلى أزد البصرة الهفهاف بن المهنّد الراسبي الأزدي... وكان ملازماً لعليّعليه‌السلام إلى أن قُتل، فانضمّ بعده إلى ابنه الحسنعليه‌السلام ، ثمّ إلى الحسينعليه‌السلام بعد صلاة العصر(١) ، سألَ: أين الحسين؟ فدخلَ على عمر بن سعد فسأل القوم: ما الخبر أين الحسين بن علي؟ فقالوا له: مَن أنت؟

فقال: أنا الهفهاف الراسبي البصري جئت لنصر الحسينعليه‌السلام حين سمعت خروجه من مكّة إلى العراق.

فقالوا له: وقد قتلنا الحسين وأصحابه وأنصاره وكلّ مَن لحقَ به وانضمّ إليه، ولم يبقَ غير النساء والأطفال وابنه العليل علي بن الحسين، أمَا ترى هجوم القوم على المخيّم وسلْبهم بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا سمعَ الهفهاف بقتل الحسينعليه‌السلام وهجوم الناس، انتضى سيفه وهو يرتجز ويقول:

يا أيّها الجندَ المجنّد          أنا الهفهاف بن المهنّد       أحمي عيالات محمّد

ثمّ شدّ عليهم كليث العرين يضربهم بسيفه، فلم يزل يقتل كلَّ مَن دَنا منه من عيون الرجال، حتّى قتلَ من القوم جماعة كثيرة سوى مَن جرح، وقد كانت الرجال تشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف انكشاف المِعزى إذا شدّ فيها الذئب، وهو في ذلك يرتجز بالشِعر المتقدّم وقد أُثخن بالجراح، فصاح عمر بن سعد بقومه:

____________________

(١) قال الفضيل بن الزبير: وخرجَ الهفهاف بن المهنّد الراسبي من البصرة حين سمعَ بخروج الحسينعليه‌السلام ، فسار حتّى انتهى إلى العسكر بعد قتله، فدخلَ عسكر عمر بن سعد، ثمّ انتضى سيفه وقال: أيها الجند المجنّد، أنا الهفهاف، أبغي عيال محمّد، ثم شدّ فيهم...). (راجع: تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٦).

٣٥١

الويل لكم، احملوا عليه من كلّ جانب. ثمّ قال علي بن الحسينعليه‌السلام في ذلك اليوم:(قلّما رأى الناس منذ بعث الله محمداً فارساً بعد علي بن أبي طالب قتلَ ما قتلَ بعده كهذا الرجل) ، فتداعَوا عليه فأقبلَ خمسة عشر نفراً(١) فاحتوشوه حتّى قتلوه في حومة الحرب، بعدما عقروا فرسه رضوان الله عليه)(٢) .

٢٤ - سليمان بن سليمان الأزدي

وردَ السلام عليه في زمرة الشهداء في الزيارة الرجبية والشعبانية التي رواها السيّد ابن طاووسرحمه‌الله ، وكذلك ورد السلام فيها في زمرة الشهداء على كلّ من الأسماء التالية:

٢٥ - عامر بن مالك.

٢٦ - منيع بن زياد.

٢٧ - عامر بن جليدة.

٢٨ - حمّاد بن حمّاد الخزاعي.

٢٩ - رميث بن عمر(٣) .

٣٠ - منذر بن المفضّل الجعفي.

____________________

(١) في تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٦: (قال علي بن الحسينعليهما‌السلام :(فما رأى الناس منذ بعث الله محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله فارساً - بعد علي بن أبي طالب عليه‌السلام - قتلَ بيده ما قتل) ، فتداعوا عليه خمسة نفر، فاحتوشوه حتّى قتلوهرحمه‌الله تعالى).

(٢) وسيلة الدارين: ٢٠٣ - ٢٠٤ رقم ١٦٤، وانظر: الحدائق الوردية: ١٢٢، ومستدركات علم رجال الحديث: ٨: ١٦٢ رقم ١٥٩٤٤.

(٣) وعدّه السروي ابن شهرآشوب أيضاً في أصحاب الحسينعليه‌السلام (راجع: مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٤: ٧٨).

٣٥٢

٣١ - حيّان بن الحارث (١) .

٣٢ - عمر بن أبي كعب.

٣٣ - سليمان بن عون الحضرمي.

٣٤ - عثمان بن فروة الغفاري.

٣٥ - غيلان بن عبد الرحمان.

٣٦ - قيس بن عبد الله الهمداني.

٣٧ - عمر بن كنّاد.

٣٨ - زائدة بن مهاجر(٢) .

٣٩ - سليمان بن كثير.

٤٠ - سويد مولى شاكر(٣) .

وقد أعرضنا عن ذكر أسماء أخرى؛ لأنّها برأينا تصحيفات ظاهرة لأسماء أنصار معروفين في كتب التواريخ والتراجم(٤) .

____________________

(١) راجع: البحار: ١١: ٣٤٠، وفي البحار: ١٠١: ٢٧٣ في زيارة الناحية المقدّسة:(السلام على حيّان بن الحارث السلماني الأزدي)، أمّا في البحار: ٤٥: ٧٢:(السلام على حباب بن الحارث السلماني الأزدي)، وراجع أيضاً الإقبال: ٥٧٦، والظاهر أنّ هذا تصحيف لجنادة بن الحارث السلماني (راجع: رجال الشيخ الطوسي: ٩٩ رقم ٩٦٨، وإبصار العين: ١٤٤).

(٢) زائدة بن مهاجر: لا يبعد أن يكون إنقاصاً بعد تصحيف لاسم النصير المعروف: يزيد بن زياد بن مهاصر (رض).

(٣) لا يبعد أن يكون تصحيفاً لاسم النصير المعروف: شوذب مولى شاكر (رض).

(٤) راجع: البحار: ١٠١: ٣٤٠ - ٣٤١.

٣٥٣

مقاتلُ ومصارع بني هاشم

وبعدما استشهدت الصفوة العظيمة من أصحاب الإمامعليه‌السلام ، هبّ أبناء الأسرة النبوية شباباً وأطفالاً للتضحية والفداء، وهم بالرغم من صغر سنّهم كانوا كالليوث لم يرهبهم الموت ولم تفزعهم الأهوال، وتسابقوا بشوق إلى ميادين الجهاد، وقد ظنَّ الإمامعليه‌السلام على بعضهم بالموت، فلم يسمح لهم بالجهاد إلاّ أنّهم أخذوا يتضرّعون إليه ويُقبّلون يديه ورجليه ليأذن لهم في الدفاع عنه.

والمنظر الرهيب الذي يذيب القلوب، ويُذهل كلّ كائن حي هو: أنّ أولئك الفتية جعلَ يودّع بعضهم بعضاً الوداع الأخير، فكان كلّ واحد منهم يوسِع أخاه وابن عمه تقبيلاً، وهم غارقون بالدموع حزناً وأسىً على ريحانة رسول الله (صلّى الله عيه وآله وسلّم)، حيث يرونهُ وحيداً غريباً قد أحاطت به جيوش الأعداء، ويرون عقائل النبوة ومخدّرات الوحي وقد تعالت أصواتهنّ بالبكاء والعويل.. وساعدَ الله الإمامعليه‌السلام على تحمّل هذه الكوارث التي تقصم الأصلاب، وتُذهل الألباب، ولا يطيقها أيّ إنسان إلاّ مَن امتحنَ الله قلبه للإيمان(١) ، بل لا يطيقها إلاّ مَن عصمهُ الله بعصمة الإمامة.

____________________

(١) راجع: حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ٣: ٢٤٣.

٣٥٤

مقتلُ عليّ الأكبرعليه‌السلام

أمّا أوّل الهاشميين(١) الذين تقدّموا إلى الشهادة بين يدي الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام فهو: ابنه عليٌّ الأكبرعليه‌السلام (٢) .

____________________

(١) هناك ثلاثة أقوال في هذا الصدد:

١ - العباس بن علي بن أبي طالب: ذهب إلى هذا القول الشعبي (راجع: تذكرة الخواص: ٢٣٠).

٢ - عبد الله بن مسلم بن عقيلعليه‌السلام : ذهبَ إليه السروي في المناقب ٤: ١٠٥، والصدوق في الأمالي: ٢٢٦، وابن فتّال في روضة الواعظين ١١٨، والحائري في تسلية المجالس ٢: ٣٠٢.

٣ - عليّ الأكبرعليه‌السلام : ذهبَ إليه أكثر المؤرّخين كابن الأثير في الكامل ٣: ٢٩٣، والمفيد في الإرشاد ٢: ١٠٦، والبلاذري في أنساب الأشراف ٣: ٤٠٦، وأبي الفرج في مقاتل الطالبيين: ٨٦، والأندلسي في جمهرة أنساب العرب: ٢٦٧، والسيد في اللهوف: ١٦٦، والطبرسي في إعلام الورى ٢: ٤٦٢، والدينوري في الأخبار الطوال: ٢٥٦، وابن نما في مثير الأحزان: ٦٨، وعشرات الكتب الأخرى تركناها رعاية الاختصار.

ويؤيده: ما ورد في زيارة الناحية المقدّسة من السلام عليه:(السلام عليك يا أوّل قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل) . (راجع البحار: ٤٥: ٦٥).

٢) المصرّحون بأنّ هو الأكبر: ابن سعد في طبقاته (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ومقتله - من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد - تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي: ٧٣)، وابن فندق في لباب الأنساب ١: ٣٤٩، وابن كثير في البداية والنهاية: ٨: ١٩١، والطبري في تاريخه: ٣: ٣٣٠، وأبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين: ٨٦.

 والدينوري في الأخبار الطوال: ٢٥٦، وابن الأثير في الكامل: ٣: ٢٩٣، وابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٢٢٩، والديار بكري في تاريخ الخميس: ٢: ٢٩٨، وابن الحنبلي في شذرات الذهب: ٢: ٦١، والمجدي العلوي في المجدي: ٩١، والبلاذري في أنساب الأشراف: ٣: ٤٠٦، والأندلسي في جمهرة أنساب العرب: ٢٦٧، والفخر الرازي في الشجرة المباركة: ٧٢، والفضيل بن الزبير الكوفي الأسدي في: تسمية مَن قُتل مع الحسين: ١٥٠، والطبراني في مقتل الحسين: ٣٨، وابن شهرآشوب في المناقب: =

٣٥٥

____________________

= ٤: ١٠٩، والذهبي في سير أعلام النبلاء: ٣: ٣٢١، والمسعودي في مروج الذهب: ٣: ٦١، والذهبي أيضاً في تاريخ الإسلام (حوادث سنة ٦١، ص٢١)، والزرندي في نظم درر السمطين: ٢١٨، واليافعي في مرآة الزمان: ١: ١٣١، واليعقوبي في تاريخه: ٢: ٩٤، واليماني في النغمة العنبرية: ٤٥، والعقيقي كما في الحدائق الوردية: ١١٦، وأبو نصر في سرّ السلسلة العلوية: ٣٠، وابن إدريس في السرائر: ١: ٦٥٧، والشهيد الثاني في الدروس: ٢: ١١.

ومن الأدلّة على ذلك:

١ - أنّ عليَّ بن الحسينعليه‌السلام المقتول بكربلاء مع أبيهعليه‌السلام ، ولِد سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة النبوية على قول الواقدي (راجع: عمدة الطالب: ١٩٢ ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٥٥)، وأنّ الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليهما‌السلام ولِد سنة ثماني وثلاثين من الهجرة، وبعض النصوص تصرّح بأنّ عليّاً الشهيدعليه‌السلام ولِد في إمارة عثمان (راجع: السرائر: ١: ٦٥٤ ومقاتل الطالبيين: ٨٦).

٢ - يروي المؤرّخون أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام حينما سأله الطاغية ابن الطاغية يزيد: ما اسمك؟ قال:(علي بن الحسين، قال: أوَلم يقتل الله عليّ بن الحسين؟! قالعليه‌السلام :قد كان لي أخٌ أكبر مني يُسمّى عليّاً فقتلتموه) . (راجع: مقاتل الطالبيين: ١١٩ - ١٢٠، ونسب قريش: ٥٨).

ولا يخفى على الباحث والمتتبع الخبير بأنّ النصوص التي تصرّح بأنّه الأكبر أضعاف النصوص التي لا تقول بذلك، فإنّ علماء النسب هم أعرف بهذه الصنعة حين قالوا بأنّه الأكبر، ولا أدري ما هذا الإصرار عند البعض بأنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام كان أكبر منه؟

يقول المرحوم ابن إدريس أعلى الله مقامه الشريف: وأي غضاضة تلحقنا وأي نقص يدخل على مذهبنا إذا كان المقتول علياً الأكبر، وكان علي الأصغر الإمام المعصوم بعد أبيه الحسينعليه‌السلام ، فإنّه كان لزين العابدينعليه‌السلام يوم الطف ثلاث وعشرون سنة، ومحمد ولده الباقرعليه‌السلام له ثلاث سنين وأشهر، ثمّ بعد ذلك كلّه فسيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان أصغر ولد أبيه سنّاً ولم ينقصه ذلك.

وقال أيضاً: والأَولَى الرجوع إلى أهل هذه الصناعة وهم النسّابون وأصحاب السيَر والأخبار والتواريخ، مثل: الزبير بن بكار في كتاب أنساب القرشيين، وأبي الفرج الأصفهاني في مقاتل =

٣٥٦

وقد لا يسع الواصف الساعي إلى وصف بما يكشف عن عِظم شأنه وعلّو منزلته وسموّ مقامه، إلاّ أن يتمسّك بالوصف الجامع المانع الذي وصفه به أبوه الحسينعليه‌السلام حين قال:(غلامٌ أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً) .

وكان عمره الشريف يومئذٍ - على أعلى الأقوال - سبعاً وعشرين سنة(١) ، وعلى أقلّها ثماني عشر سنة(٢) .

____________________

= الطالبيين، والبلاذري، والمزني صاحب كتاب لباب أخبار الخلفاء، والعمري النسّابة حقّق ذلك في كتاب المُجدي فإنّه قال: وزعم مَن لا بصيرة له أنّ علياً الأصغر هو المقتول بالطف وهذا خطأ ووهم. (المجدي: ٩١).

وإلى هذا ذهب صاحب كتاب الزواجر والمواعظ، وابن قتيبة في المعارف، وابن جرير الطبري المحقّق لهذا الشأن، وابن أبي الأزهر في تاريخه، وأبو حنيفة الدينوري في الأخبار الطوال، وصاحب كتاب الفاخر، مصنف من أصحابنا الإمامية، وأبو علي بن همام في كتاب الأنوار في تواريخ أهل البيت ومواليدهم، وهو من جملة أصحابنا المصنفين المحققين، فهؤلاء جميعاً أطبقوا على هذا القول وهم أبصر بذا النوع. (راجع: السرائر: ١: ٦٥٥ - ٦٥٦).

وعن الشهيد الأوّل في الدروس ٢: ١١: (وهو الأكبر على الأصح).

وقال البيهقي في لب الأنساب ١: ٣٤٩: (اختلف النسّابون في أنّ المقتول علي الأكبر أم الأصغر، فاتفق أكثر العلماء على أنّ المقتول بكربلاء علي الأكبر).

(١) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٥٥.

(٢) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٢: ٣٤، والإرشاد للمفيد: ٢: ١٠٦، وإعلام الورى للطبرسي: ١: ٤٦٤، وتسلية المجالس: ٢: ٣١٠، وشرح الأخبار للقاضي نعمان: ٣: ١٥٢.

نعم، هناك بعض المصادر تصرّح بأنّ عمره حينما قُتلعليه‌السلام كان سبع عشرة سنة (راجع: منتخب الطريحي: ٤٤٣) وقد تفرّد بذلك.

وقال الشيخ ابن نما (ره) في مثير الأحزان: ٦٨: (وله يومئذٍ أكثر من عشر سنين) وهو قول شاذّ كما ترى. =

٣٥٧

قال الخوارزمي يصف خروج علي الأكبرعليه‌السلام إلى قتال القوم: (فتقدّم عليّ بن الحسين، وأمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي(١) ، وهو يومئذ ابن

____________________

= وصرّح السيّد محسن الأمين العاملي بأنّ عمره كان يومذاك تسع عشرة سنة. (راجع: لواعج الأشجان: ١٥٠).

(١) قال المرحوم الشيخ القمّي: (عروة بن مسعود هو أحد السادة الأربعة في الإسلام، وأحد رجلين عظيمين في قوله تعالى حكاية عن كفّار قريش:( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) ، وهو الذي أرسلته قريش للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية، فعقدَ معه الصلح وهو كافر، أسلمَ سنة تسع من الهجرة بعد رجوع المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله من الطائف، واستأذنَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرجوع لأهله، فرجعَ ودعا قومه إلى الإسلام، فرماهُ واحد منهم بسهم وهو يؤذّن للصلاة فمات، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما بلغه ذلك:(مَثلُ عروة مثل صاحب يس دعا قومه إلى الله فقتلوه) ، كذا في شرح الشمائل المحمّديّة في شرح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(ورأيت عيسى بن مريم، فإذا أقرب مَن رأيت به شَبهاً عروة بن مسعود) . (نَفَس المهموم: ٣٠٧).

وروى الجزري في أُسد الغابة، عن ابن عبّاس قال، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(أربعة سادة في الإسلام: بشر بن هلال العبدي، وعدي بن حاتم، وسراقة بن مالك المدلجي، وعروة بن مسعود الثقفي) (أُسد الغابة: ١: ١٩١)، وذكر المحقّق القرشي نقلاً عن (نسب قريش: ٥٧): أنّ عمر بن سعد بعث رجلاً من أصحابه فنادى عليَّ الأكبرعليه‌السلام قائلاً: إنّ لك قرابة بأمير المؤمنين - يعني يزيد ونريد أن نرعى هذا الرحِم، فإن شئت آمنّاك!

فسخرَ منه عليّ بن الحسينعليه‌السلام وصاح به: لَقرابةُ رسول الله أحقّ أن تُرعى. (راجع: حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : ٣: ٢٤٤).

ولا يخفى على عارف أنّ المراد بقولهم: إنّ لك رَحماً بأمير المؤمنين يزيد لعنه الله، هو رحِم ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب، فهي أمّ ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي (راجع: تسمية مَن قُتل مع الحسينعليه‌السلام : ١٥٠، والشجرة المباركة للفخر الرازي: ٧٣، وعيون الأخبار لابن قتيبة: ٩٩، ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٥٦).

وقد وردَ في بعض المصادر - خلافاً للمشهور -: أنّ اسم أمّ عليّ الأكبر آمنة، كما ورد ذلك =

٣٥٨

ثماني عشرة سنة، فلمّا رآه الحسين رفعَ شيبته نحو السماء، وقال:

(اللّهمَّ اشهد على هؤلاء القوم، فقد برزَ إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسولك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه، اللّهمّ فامنعهم بركات الأرض، وإنْ منعتهم ففرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دَعونا لينصرونا، ثمّ عَدَوا علينا يقاتلونا ويقتلونا.

ثمّ صاح الحسين بعمر بن سعد:مالكَ! قطعَ الله رَحِمك، ولا باركَ الله في أمرك، وسلّط عليك مَن يذبحك على فراشك، كما قطعتَ رحِمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ رفع صوته وقرأ:( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ).

ثمّ حملَ عليّ بن الحسين وهو يقول:

أنا عليُّ بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

أطعنكم بالرمح حتّى ينثني

أضربكم بالسيف حتّى يلتوي

ضرب غلام هاشميّ علوي

فلم يزل يقاتل حتّى ضجّ أهل الكوفة لكثرة مَن قتلَ منهم، حتّى أنّه روي: أنّه على عطشه قتلَ مائة وعشرين رجلاً، ثمّ رجعَ إلى أبيه وقد أصابتهُ جراحات كثيرة، فقال:يا أبة، العطش قد قَتلني، وثِقل الحديد قد أجهَدَني، فهل إلى شربة من ماءٍ سبيل؟ أتقوّى بها على الأعداء؟

____________________

= عن ابن سعد في طبقاته (راجع: ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ، ومقتله من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي: ٧٣)، كما وردَ هذا أيضاً عن عبد الله بن مصعب الزبيري في كتاب (نسب قريش: ٥٧) ولم يجزم به.

٣٥٩

فبكى الحسين وقال:(يا بُنيّ، عزّ على محمّد، وعلى عليّ، وعلى أبيك، أن تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يُغيثونك، يا بُنيّ هات لسانك.

فأخذ لسانه فمصّه، ودفعَ إليه خاتمه وقال:خُذ هذا الخاتم في فيك، وارجع إلى قتال عدوّك، فإنّي أرجو أن لا تُمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً) .

فرجعَ عليّ بن الحسين إلى القتال، وحملَ وهو يقول:

الحربُ قد بانت لها حقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله ربِّ العرش لا نفارق

جموعكم أو تُغمد البوارقُ

وجعل يُقاتل حتّى قتل تمام المئتين، ثمّ ضربهُ منقذ بن مُرّة العبدي(١) على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها(٢) ، وضربه الناس بأسيافهم، فاعتنقَ الفرَس، فحمَلهُ

____________________

(١) في كتاب ذوب النضار: ١١٩: (وبعثَ - أي المختار - إلى قاتل علي بن الحسينعليه‌السلام وهو مرّة بن منقذ العبدي، وكان شيخاً، فأحاطوا بداره، فخرجَ وبيده الرمح وهو على فرس جواد، فطعنَ عبيد الله بن ناجية الشبّامي فصرعهُ، ولم تضرّه الطعنة، وضربهُ ابن كامل بالسيف فاتّقاها بيده اليسرى، فأشرع فيها السيف، وتمطّرت به الفرس فأفلتَ، ولحقَ بمصعب بن الزبير، وشُلّت يده بعد ذلك).

(٢) في إرشاد المفيد (ره): ٢: ١٠٦: (.. فشدّ على الناس وهو يقول:

أنا عليّ بن الحسين بن علي

نحـن وبيت الله أولى بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابن الـدعيّ

أضرب بالسيف أُحامي عن أبي

ضَرب غلام هاشمي قرشي

ففعلَ ذلك مراراً، وأهل الكوفة يتّقون قتله، فبصرَ به مُرّة بن منقذ العبدي فقال: عليَّ آثام العرب إنْ مرَّ بي يفعل مثل ذلك إنْ لم أثكل أباه، فمرَّ يشتدّ على الناس كما مرَّ في الأوّل، فاعترضهُ مُرَّة بن منقذ فطعنه فصُرع واحتواه القوم فقطّعوه بأسيافهم).

وقال ابن شهرآشوب السروي في المناقب: ٤: ١٠٩: (فطعنهُ مُرَّة بن منقذ العبدي على ظهره غدراً، فضربوه بالسيف، فقال الحسينعليه‌السلام :(على الدنيا بعدك العفا) ، وضمّه إلى صدره وأتى به إلى باب الفسطاط، فصارت أمّه شهربانويه ولْهى تنظر إليه ولا تتكلّم!). =

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437