مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)9%

مقتل الامام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-8163-70-7
الصفحات: 437

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243908 / تحميل: 10025
الحجم الحجم الحجم
مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٨١٦٣-٧٠-٧
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وأمرهم أنْ يحفروا حفرتين، ووضع في الاُولى بني هاشم، وفي الثانية الأصحاب(١) .

وأمّا الحر الرياحي فأبعدته عشيرته إلى حيث مرقده الآن وقيل: أنّ اُمّه كانت حاضرة فلمّا رأت ما يُصنع بالأجساد، حملت الحر إلى هذا المكان(٢) .

وكان أقرب الشهداء إلى الحسين ولده الأكبرعليه‌السلام ، وفي ذلك يقول الإمام الصادقعليه‌السلام لحمّاد البصري:«قُتل أبو عبد الله غريباً بأرض غربة، يبكيه مَن زاره، ويحزن له مَن لم يزره، ويحترق له مَن لَم يشهده، ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجلَيه في أرض فلاة ولا حميم قربه، ثمّ منع الحقّ وتوازر عليه أهل الردّة حتّى قتلوه وضيّعوه وعرضوه للسّباع ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب وضيّعوا حقّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّته به وبأهل بيته، فأمسى مجفواً في حفرته صريعاً بين قرابته وشيعته، قد اوحش قربه في الوحدة والبعد عن جدّه والمنزل الذي لا يأتيه إلاّ مَن امتحن الله قلبه للإيمان وعرف حقنا».

ولقد حدّثني أبي: أنّه لَم يخل مكانه منذ قُتل من مصلّ عليه من الملائكة أو من الجنّ والإنس أو من الوحش، وما من أحد إلاّ ويغبط زائره ويتمسّح ويرجو في النّظر إليه الخير لنظره إلى قبره.

وإنّ الله تعالى لَيباهي الملائكة بزائريه.

وأمّا ما له عندنا فالترحّم عليه كلّ صباح ومساء.

ولقد بلغني أنّ قوماً من أهل الكوفة وناساً غيرهم من نواحيها يأتونه في

____________________________

(١) الكبريت الأحمر، وأسرار الشهادة، والإيقاد.

(٢) الكبريت الأحمر، ونقل السيّد الجزائري في الأنوار النّعمانية / ٣٤٤ ما يشهد بذلك، فإنّه نقل: أنّ إسماعيل الصفوي نبش الموضع، فظهر له رجل كهيئته لمّا قُتل، وعلى رأسه عصابة، فلمّا حلّها انبعث الدم ولَم ينقطع إلاّ بشدّها، فبنى على القبر قبّة، وعيّن له خادماً.

وعليه فإنكار النّوري في اللؤلؤ والمرجان دفنَه هنا لَم يُدعم بقرينة.

وفي تحفة العالم للسيّد جعفر بحر العلوم ١ / ٣٧: إنّ حمد الله المستوفي ذكر في نزهة القلوب: إنّ في ظاهر كربلاء قبر الحر تزوره النّاس وهو جدّه الثامن عشر. وكان أحدهم يقول:

أشِرْ للحرِّ من قرب وبعد

فإنَّ الحرَّ تكفيه الاشاره

فردّ عليه الحجّة السيد محمّد القزويني:

زر الحرَّ الشهيد ولا تؤخر

زيـارته على الشهداء قدم

ولا تسمع مقالة من ينادي

أشـر للحر من بعد وسلم

٣٢١

النّصف من شعبان، فبين قارئ يقرأ وقاصًّ يقصّ ونادب يندب، ونساء يندبنه، وقائل يقول المراثي! فقال حمّاد: قد شهدت بعض ما تصف.

قالعليه‌السلام :«الحمد لله الذي جعل في النّاس مَن يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدوّنا مَن يطعن عليهم ويهدّدونهم ويقبّح ما يصنعون» (١) .

ثـوى اليوم احماها عن الضّيم جانباً

واصـدقها عـند الـحفيظة مخبرا

واطـعمها لـلوحش من جثث العدى

واخـضبها لـلطير ظـفرا ومنسرا

قـضى بعد ما ردّ السّيوف على القنا

ومـرهفه فـيها وفـي الموت اثَّرا

ومـات كـريم الـعهد عند شبا القنا

يـواريه مـنها مـا عـليه تـكسّرا

فـإنْ يـمس مُـغبرّ الجبين فطالما

ضحى الحرب في وجه الكتيبة غبَّرا

وإن يـقض ظـمآناً تـفطّر قـلبه

فـقد راع قـلب الموت حتّى تفطَّرا

وألـقحها شـعواء تشقى بها العدى

ولـود الـمنايا ترضع الحتف ممقّرا

فـظاهر فـيها بـين درعـين نثرة

وصبر ودرع الصبر اقواهما عرى

سـطا وهو أحمى مَن يصون كريمة

وأشـجع مَـن يقتاد للحرب عسكرا

فـرافده في حرمة الضرب مرهف

عـلى قـلّة الأنـصار فـيه تكثّرا

تـعثَّر حتّى مـات فـي إلهام حدّه

وقـائـمه فـي كـفّه مـا تـعثَّرا

كـأنّ أخـاه الـسّيف اُعطي صبره

فـلم يـبرح الـهيجاء حتّى تكسَّرا

لـه الله مـفطوراً مـن الصّبر قلبُه

ولـَو كـان مـن صمّ الصفا لتفطَّرا

ومـنعطف أهـوى لـتقبيل طـفله

فـقبّل مـنه قـلبه الـسّهم مـنحرا

لـقد ولـدا فـي ساعةٍ هو والردى

ومـن قـبله فـي نحره السّهم كبَّرا

وفي السَّبى ممّا يصطفي الخدّ نسوة

يـعـزّ عـلى فـتيانها أن تـسيَّرا

حـمت خدرها تقضي وودّت بنومها

تـردّ عـليها جفنها لا على الكرى

مشى الدهر يوم الطّف أعمى فلَم يدع

عـمـاداً لـهـا إلاّ وفـيه تـعثّرا

وجـشّمها الـمسرى بـبيداء فـقرة

ولَم تدرِ قبل الطّف ما البيد والسرّى

ولَـم تـرَ حتّى عينها ظلّ شخصها

إلى أنْ بدت في الغاضريّة حسرّا(٢)

____________________________

(١) كامل الزيارات / ٣٢٥، وعنه في مزار البحار / ١٢٤.

(٢) للسيّد حيدر الحلّي (نوّر الله ضريحه).

٣٢٢

في قصر الإمارة(١)

لمّا رجع ابن زياد من معسكره بالنّخيلة ودخل قصر الإمارة(٢) ووضع أمامه الرأس المقدّس، سالت الحيطان دماً(٣) وخرجت نار من بعض نواحي القصر وقصدت سرير ابن زياد(٤) فولّى هارباً منها ودخل بعض بيوت القصر فتكلّم الرأس الأزهر بصوت جهوري - سمعه ابن زيد وبعض مَن حضر -:«إلى أين تهرب فإنْ لَم تنلك في الدنيا فهي في الآخرة مثواك» ، ولَم يسكت حتّى ذهبت النّار. واُدهش مَن في القصر لهذا الحادث الذي لَم يشاهد مثله(٥) ولَم يرتدع ابن زياد لهذا الحادث بل أذِن للنّاس إذناً عامّاً، وأمر بإدخال السّبايا مجلسه، فاُدخلت عليه حرم رسول الله بحالة تقشعّر لها الجلود(٦) .

أبـرزت حـاسرة لـكن على

حـالة لَـم تبقَ للجلد اصطبارا

لا خـمار يـستر الـوجه وهل

لـكريمات الـهدى أبقَوا خمارا

لا مــن ألـبسها مـن نـوره

أزراً مـذ سـلبوا عنها الازارا

لـم تُـدع يا شلّتِ الأيدي لها

من حجاب فيه عنهم تتوارى(٧)

ووضع رأس الحسينعليه‌السلام بين يدَيه، وجعل ينكت بالقضيب ثناياه

____________________________

(١) في كتاب صفّين لنصر بن مزاحم / ٨، طبعة مصر: لمّا دخل عليعليه‌السلام الكوفة، قيل: أي القصرين ننزلك؟ قال:«قصر الخبال لا تنزلونيه» . فنزل على جعدة بن هبيرة المخزومي. والخبال كما في الفائق للزمخشري والنّهاية لابن الأثير ومقاييس اللغة لابن فارس: مادة (خبل)، الخبل: الفساد، وحراقة صديد أهل النّار، والمراد هنا منزل أهل الجَور والفساد.

(٢) في لطائف المعارف للثعالبي / ١٤٢، الباب التاسع: روى عبد الملك بن عمير اللخمي قال: رأيت في قصر الإمارة رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عند عبيد الله بن زياد على ترس، ورأيت رأس عبيد الله بن زياد عند المختار على ترس، ورأيت رأس المختار عند مصعب بن الزبير على ترس، ورأيت رأس مصعب بين يدَي عبد الملك بن مروان على ترس، ولمّا حدّثت بذلك عبد الملك تطيّر منه وفارق مكانه. ورواه السّيوطي في تاريخ الخلفاء / ١٣٩، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / ١٤٨، طبعة ايران.

(٣) تاريخ ابن عساكر ٤ / ٣٣٩، والصواعق المحرقة / ١١٦، وذخائر العقبى / ١٤٥، وابن طاووس في الملاحم / ١٢٨ الطبعة الاُولى.

(٤) كامل ابن الأثير ٤ / ١٠٣، ومجمع الزوائد لابن حجر ٩ / ١٩٦، والمقتل للخوارزمي ٢ / ٨٧، والمنتخب للطريحي / ٣٣٩، المطبعة الحيدريّة، والبداية لابن كثير ٨ / ٢٨٦.

(٥) شرح قصيدة أبي فراس / ١٤٩.

(٦) أخبار الدول ١ / ٨، لأبي العبّاس أحمد بن يوسف بن أحمد القرماني.

(٧) من قصيدة للسيّد عبد المطّلب الحلّي ذكرت في شعراء الحلّة ٣ / ٢١٨.

٣٢٣

ساعة، فقال له زيد بن أرقم: ارفع القضيب عن هاتين الشفتين؛ فوالله الذي لا إله إلاّ هو لقد رأيت شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبّلهما. ثمّ بكى، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، فوالله لَولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. فخرج زيد من المجلس وهو يقول: ملك عبد عُبُداً فاتخذهم تلداً، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، وأمّرتم ابن مرجانة، يقتل خياركم ويستعبد شراركم، فرضيتم بالذلّ فبُعداً لمَن رضي بالذلّ(١) .

وانحازت زينب ابنة أمير المؤمنينعليه‌السلام عن النّساء وهي متنكّرة، لكن جلال النبوّة وبهاء الإمامة المنسدل عليها استلفت نظر ابن زياد فقال: من هذه المتنكّرة؟

قيل له: ابنة أمير المؤمنين زينب العقيلة.

فأراد أنْ يحرق قلبها بأكثر ممّا جاء إليهم فقال متشمّتاً: الحمد لله الذي فضحكم، وقتلكم وأكذب اُحدوثتكم.

فقالتعليها‌السلام : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّد وطهّرنا من الرجس تطهيراً، إنّما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا.

قال ابن زياد: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟

قالتعليها‌السلام : ما رأيت إلاّ جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجَّ وتُخاصم(٢) فانظر لمَن الفلج يومئذ، ثكلتك اُمّك يابن مرجانة(٣) .

فغضب ابن زياد، واستشاط من كلامها معه في ذلك المحتشد وهمَّ بها.

فقال له عمرو بن حريث: إنّها امرأة، وهل تؤاخذ بشيء من منطقها، ولا تلام على خطل.

____________________________

(١) الصواعق المحرقة / ١١٨، وفي تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٢ والبداية والنهاية لابن كثير ٨ / ١٩٠، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٥، وتاريخ ابن عساكر ٤ / ٣٤٠، ذكروا وانكاره عليه ولا ينافي كونه أعمى على تقدير صحته؛ لجواز أنّه سمع بذلك فأنكر عليه. وعبارة ابن عساكر (كان زيد حاضراً) تؤيّده.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٢.

(٣) اللهوف / ٩٠.

٣٢٤

فالتفت إليها ابن زياد وقال: لقد شفى الله قلبي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك!.

فرقّت العقيلة وقالت: لَعمري لقد قتلت كهلي، وابرزت أهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإنْ يشفك هذا فقد اشتفيت(١) .

والتفت إلى علي بن الحسينعليه‌السلام وقال له: ما اسمك؟ قال:«أنا علي بن الحسين». فقال له: أوَلَم يقتل الله علياً؟

فقال السّجادعليه‌السلام :«كان لي أخ أكبر منّي (٢) يُسمّى علياً قتله النّاس». فردَّ عليه ابن زياد بأنّ الله قتله.

قال السّجادعليه‌السلام :«الله يتوفّى الأنفس حين موتها، وما كان لنفس أنْ تموت إلاّ بإذن الله» .

فكبر على ابن زياد أنْ يرد عليه، فأمر أنْ تضرب عنقه.

لكن عمتّه العقيلة اعتنقته وقالت: حسبك يابن زياد من دمائنا ما سفكت، وهل أبقيت أحداً(٣) غير هذا؟ فإنْ أردت قتله، فاقتلني معه.

فقال السّجادعليه‌السلام :«أما علمتَ أنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة؟!» (٤) فنظر ابن زياد إليهما وقال: دعوه لها، عجباً للرحم! ودَّت أنّها تُقتل معه(٥) .

وأخذت الرباب زوجة الحسينعليه‌السلام الرأس ووضعته في حجرها وقبّلته وقالت:

____________________________

(١) كامل ابن الأثير ٤ / ٣٣، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٤٢، وتاريخ الطبري ٦ / ٢٦٣، وإرشاد المفيد، وإعلام الورى للطبرسي / ١٤١.

وفي كامل المبرّد ٣ / ١٤٥ طبعة سنة (١٣٤٧): لقد أفصحت زينب بنت علي وهي أسنّ مَن حمل إلى ابن زياد وأبلغت وأخذت من الحجّة حاجتها فقال ابن زياد لها: إنْ تكوني بلغت من الحجّة حاجتك فقد كان أبوكِ خطيباً شاعراً. فقالت: ما للنّساء والشعر. وكان ابن زياد ألكناً يرتضخ الفارسيّة اهـ.

(٢) نصّ عيه ابن جرير الطبري في المنتخب من الذيل / ٨٩، ملحق بالتاريخ / ١٢، وأبو الفرج في المقاتل / ٤٩ طبعة ايران، والدميري في حياة الحيوان بمادّة (بغل)، والمنتخب للطريحي / ٢٣٨ المطبعة الحيدريّة ونسب قريش لمصعب الزبيري / ٥٨، وذكرنا في رسالة (علي الأكبر) / ١٧، نصوص المؤرخين: على أنّ المقتول هو الأكبر.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٣.

(٤) اللهوف / ٩١، ومقتل الخوارزمي ٢ / ١٣.

(٥) ابن الأثير ٤ / ٣٤.

٣٢٥

وا حـسيناً فـلا نسيت حسيناً

اقـصـدته أسـنَّة الاعـداء

غـادروه بـكربلاء صريعاً

لا سقى الله جانبي كربلاء(١)

ولما وضح لابن زياد ولولة النّاس ولغط أهل المجلس خصوصاً لمّا تكلّمت معه زينب العقيلة خاف هياج النّاس فأمر الشرطة بحبس الاُسارى في دار إلى جنب المسجد الأعظم(٢) قال حاجب ابن زياد: كنت معهم حين أمر بهم إلى السّجن فرأيت الرجال والنّساء مجتمعين يبكون ويلطمون وجوههم(٣) . فصاحت زينب بالنّاس: لا تدخل علينا إلاّ مملوكة أو اُمّ ولد؛ فإنّهنّ سُبين كما سُبينا(٤) .

تشير الحوراء العقيلة إلى أنّ المسبيّة تعرف مضض عناء الذلّ فلا يصدر منها غير المحمود من شماتة وغيرها، وهذا شيء معروف لا ينكر، فقد ورد أنّ جسّاس بن مرّة لمّا قَتل كليب بن ربيعة، وكانت اُخت جسّاس زوجة كليب، واجتمع نساء الحي للمأتم على كليب، قلن لأخت كليب: رحّلي جليلة عن مأتمك؛ فإنّ قيامها فيه شماتة وعار علينا عند العرب فإنّك اُخت واترنا وقاتلنا، فخرجت وهي تجرّ أذيالها ولمّا رحلت قالت اُخت كليب: رحلة المعتدي وفراق الشامت(٥) .

ودعا بهم ابن زياد مرّة اُخرى فلمّا اُدخلوا عليه، رأين النّسوة رأس الحسينعليه‌السلام بين يدَيه والأنوار الإلهيّة تتصاعد من أساريره إلى عنان السّماء، فلم تتمالك الرباب زوجة الحسينعليه‌السلام دون أنْ وقعت عليه تقبّله، وقالت:

إنَّ الذي كان نوراً يستضاء به

بـكربلاء قـتيل غير مدفون

سبط النبيّ جزاك الله صالحة

عنّا وجنبت خسران الموازين

قد كنتَ لي جبلاً صعبا ألوذ به

وكنتَ تصحبنا بالرحم والدِّين

مَن لليتامى ومَن للسائلين ومَن

يـعنى ويأوى إليه كلّ مسكين

____________________________

(١) تذكرة الخواص / ١٤٨: ومن الاشتباه وعدم التدبّر ما جاء في الحماسة البصريّة ١ / ٢١٤، رقم ١٨، باب المراثي، نسبة هذين البيتين إلى عاتكة بنت نفيل زوجة الحسينعليه‌السلام فإنّه لَم يذكر الثقات من المؤرّخين تزويج الحسينعليه‌السلام منها.

(٢) اللهوف / ٩١، و المقتل الخوارزمي ٢ / ٤٣.

(٣) روضة الواعظين / ١٦٣.

(٤) اللهوف / ٩٢، ومقتل العوالم / ١٣٠.

(٥) الأغاني ٤ / ١٥٠.

٣٢٦

والله لا ابتغي صهراً بصهركُمُ

حتّى أغَيَّبَ بين الماء والطين(١)

ابن عفيف

قال حميد بن مسلم: أمر ابن زياد أنْ ينادى الصلاة جامعة، فاجتمعوا في الجامع الأعظم، ورقى ابن زياد المنبر فقال: الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب الحسين بن علي وشيعته(٢) .

فلم ينكر عليه أحد من اُولئك الجمع الذي غمره الضلال إلاّ عبد الله بن عفيف الأزدي ثمّ الغامدي أحد بني والبة فإنّه قام إليه وقال:

يا ابن مرجانة، الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك والذي ولاّك وأبوه، يابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيّين وتتكلّمون بكلام الصدّيقين؟!(٣) فقال ابن زياد: مَن هذا المتكلّم؟

قال ابن عفيف: أنا المتكلّم يا عدوّ الله! تقتلون الذريّة الطاهرة التي أذهب الله عنهم الرجس، وتزعم أنّك على دين الإسلام؟! وا غوثاه! أين أولاد المهاجرين والأنصار لينتقموا من طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمّد رسول ربّ العالمين.

فازداد غضب ابن زياد وقال: عليّ به. فقامت إليه(٤) الشرطة.

فنادى ابن عفيف بشعار الازد: (يا مبرور). فوثب إليه عدد كثير ممَّن حضر من الأزد وانتزعوه وأتَوا به أهله.

وقال له عبد الرحمن بن مخنف الأزدي: ويح غيرك لقد أهلكت نفسك وعشيرتك(٥) .

____________________________

(١) الأغاني ١٤ / ١٥٨، طبعة ساسي.

(٢) ابن الأثير ١ / ٣٤.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٣.

(٤) اللهوف.

(٥) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٣.

٣٢٧

ثمّ أمر ابن زياد بحبس جماعة من الأزد، فيهم عبد الرحمن بن مخنف الأزدي(١) وفي الليل ذهب جماعة من قِبل ابن زياد إلى منزله؛ ليأتوه به، فلمّا بلغ الأزد ذلك تجمَّعوا وانضمَّ إليهم أحلافهم من اليمن، وبلغ ابن زياد تجمّعهم فأرسل مضر مع محمّد بن الأشعث(٢) ، فاقتتلوا أشدّ قتال وقُتل من الفريقَين جماعة، ووصل ابن الأشعث إلى دار ابن عفيف واقتحموا الدار، فصاحت ابنته: أتاك القوم.

قال لها: لا عليك، ناوليني سيفي. فجعل يذبّ به عن نفسه، ويقول:

إنّ ابن ذي الفضل العفيف الطّاهر

عـفيف شـيخي وابـن اُمّ عامر

كـم دارعٍ مـن جـمعكم وحاسر

وبــطـل جـدّلـته مـغـادر

وابنته تقول له: ليتني كنت رجلاً، أذبّ بَين يدَيك هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة.

ولَم يقدر أحد منهم أنْ يدنو منه فإنّ ابنته تقول له: أتاك القوم من جهة كذا. ولما أحاطوا به صاحت: وا ذلاّه! يُحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به. وهو يدور بسيفه ويقول:

أقسمُ لو يفسح لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري

وبعد أنْ تكاثروا عليه، أخذوه وأتوا به إلى ابن زياد فقال له: الحمد لله الذي أخزاك.

قال ابن عفيف: وبماذا أخزاني؟

والله لو فرج لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري

قال ابن زياد: يا عدوّ الله ما تقول في عثمان.

فشتمه ابن عفيف وقال: ما أنت وعثمان؟ أساء أم أحسن، أصلح أم أفسد، وإنّ الله تبارك وتعالى وليُّ خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحقّ، ولكن سلني

____________________________

(١) رياض الأحزان / ٥٧، عن روضة الصفا.

(٢) في مثير الأحزان لابن نما الحلّي: أرسل ابن زياد محمّد بن الأشعث، وحيث إنّه قُتل يوم عاشوراء بدعاء الحسينعليه‌السلام أصابته عقرب فمات منها، فيكون المرسَل هذا أحد بني الأشعث.

٣٢٨

عن أبيك وعنك وعن يزيد وأبيه.

فقال ابن زياد: لا سألتك عن شيء ولتذوق الموت غصّة بعد غصّة.

قال ابن عفيف: الحمد لله ربّ العالمين أمّا إنّي كنت أسأل ربّي أنْ يرزقني الشهادة من قبل أنْ تلدك اُمّك، وسألت الله أنْ يجعلها على يدَي العن خلقه وأبغضهم إليه ولمّا كفّ بصري يئست من الشهادة، أمّا الآن والحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منه، وعرّفني الإجابة في قديم دعائي. فأمر ابن زياد بضرب عنقه، وصلبه في السّبخة(١) .

ودعا ابن زياد بجندب بن عبد الله الأزدي، وكان شيخاً كبيراً، فقال له: يا عدوّ الله ألست صاحب أبي تراب في صفّين؟ قال: نعم، وإنّي لاُحبّه وأفتخر به، وأمقتك وأباك سيّما الآن، وقد قتلت سبط الرسول وصحبه وأهله، ولَم تخف من العزيز الجبّار المنتقم. فقال ابن زياد: إنّك لأقلّ حياءً من ذلك الأعمى وإنّي ما أراني إلاّ متقرّباً إلى الله بدمك. فقال ابن جندب: إذاً لا يقرّبك الله. وخاف ابن زياد من نهوض عشيرته فتركه وقال: إنّه شيخ ذهب عقله وخرف. وخلي سبيله(٢) .

المختار الثقفي

لمّا أحضر ابن زياد السّبايا في مجلسه، أمر بإحضار المختار، وكان محبوساً عنده من يوم قَتْل مسلم بن عقيل، فلمّا رأى المختار هيئة منكرة زفر زفرة شديدة وجرى بينه وبين ابن زياد كلام أغلظ فيه المختار فغضب ابن زياد وارجعه إلى الحبس(٣) ويقال ضربه بالسّوط على عينه فذهبت(٤) .

وبعد قَتْل ابن عفيف كان المختار بن أبي عبيد الثقفي مطلق السراح بشفاعة عبد الله بن عمر بن الخطاب عند يزيد؛ فإنّه زوج اُخته صفيّة بنت أبي

____________________________

(١) مثير الأحزان لابن نما الحلّي / ٥٠، واللهوف لابن طاووس / ٩٢، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٥٣. واختصر قصّته في تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٣، والمحبر لابن حبيب / ٤٨٠، والإرشاد للشيخ المفيد، والكل اتّفقوا على صلبه في الكناسة، وذكره الأربلي في كشف الغمّة / ١١٦.

(٢) مثير الأحزان / ٥١، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٥٥، ورياض الأحزان / ٥٨.

(٣) رياض الأحزان / ٥٢.

(٤) الأعلاق النفسيّة لابن رسته / ٢٢٤.

٣٢٩

عبيد الثقفي، ولكن ابن زياد أجّله في الكوفة ثلاثاً، ولمّا خطب ابن زياد بعد قَتْل ابن عفيف ونال من أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثار المختار في وجهه وشتمه وقال: كذبت يا عدوّ الله وعدوّ رسوله، بل الحمد لله الذي أعزَّ الحسينعليه‌السلام وجيشه بالجنّة والمغفرة وأذلَّك وأذلَّ يزيد وجيشه بالنّار والخزي. فحذفه ابن زياد بعمود حديد فكسر جبهته، وأمر به إلى السّجن ولكن النّاس عرّفوه بأنّ عمر بن سعد صهره على اُخته وصهره الآخر عبد الله بن عمر وذكروا ارتفاع نسبه، فعدل عن قتله وأبقاه في السّجن. ثمّ تشفّع فيه ثانياً عبد الله بن عمر عند يزيد، فكتب إلى عبيد الله بن زياد بإطلاقه(١) .

ثمّ أخذ المختار يخبر الشيعة بما علمه من خواص أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام من نهضته بثأر الحسينعليه‌السلام وقتله ابن زياد والذين تألبوا على الحسينعليه‌السلام (٢) .

ومن ذلك إنّه كان في حبس ابن زياد، ومعه عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، وميثم التمّار. فطلب عبد الله بن الحارث حديدة يزيل بها شعر بدنه وقال: لا آمن من ابن زياد القتل فأكون قد ألقيت ما على بدني من الشعر، فقال له المختار: والله لا يقتلك ولا يقتلني ولا يأتي عليك إلاّ القليل حتّى تلي البصرة، وميثم يسمع كلامهما فقال للمختار: وأنت تخرج ثائراً بدم الحسينعليه‌السلام وتقتل هذا الذي يريد قتلنا وتطأ بقدميك على وجنتيه(٣) . فكان الأمر كما قالا.

خرج عبد الله بن الحارث بالبصرة بعد هلاك يزيد، وأمّره أهل البصرة، وبقي على هذا سنة، وخرج المختار طالباً بدم الحسينعليه‌السلام فقتل ابن زياد، وحرملة بن كاهل، وشمر بن ذي الجوشن إلى العدد الكثير من أهل الكوفة الخارجين على الحسينعليه‌السلام ، فبلغ من قتلهم ثمانية عشر ألفاً - كما يحدّث به ابن نما الحلّي - وهرب منهم إلى مصعب الزبيري زهاء عشرة آلاف(٤) فيهم شبث بن ربعي جاء راكباً بغلة قد قطع اُذنها وذنبها في قباء مشقوق وهو ينادي: وا غوثاه! سِر بنا إلى محاربة هذا الفاسق الذي هدم دورنا وقتل أشرافنا(٥) .

____________________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ١٧٨ - ١٧٩، واختصره في رياض الأحزان / ٥٨.

(٢) البحار ١٠ / ٢٨٤، عن أخذ الثأر لابن نما.

(٣) شرح النّهج لابن أبي الحديد ١ / ٢١٠ طبعة مصر، والبحار ١٠ / ٢٨٤، والإرشاد للمفيد.

(٤) الأخبار الطوال / ٢٩٥.

(٥) تاريخ الطبري ٧ / ١٤٦.

٣٣٠

كلام الرأس المقدّس

لهفي لرأسك فوق مسلوب القنا

يـكسوه مـن أنـواره جلبابا

يتلو الكتاب على السّنان وإنّما

رفعوا به فوق السّنان كتابا(١)

لَم يزل السّبط الشهيد حليف القرآن منذ أنشأ كيانه؛ لأنّهما ثقلا رسول الله وخليفتاه على اُمّته. وقد نصّ الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض، فبذلك كان الحسينعليه‌السلام غير مبارح تلاوته طيلة حياته في تهذيبه وإرشاده وتبليغه في حلّه ومرتحله حتّى في موقفه يوم الطفّ بين ظهراني اُولئك المتجمهرين عليه ليتمّ عليهم الحجّة ويوضح لهم المحَجّة. هكذا كان ابن رسول الله يسير إلى غايته المقدّسة سيراً حثيثاً حتّى طفق يتلو القرآن رأسه المطهّر فوق عامل السنان؛ عسى أن يحصل في القوم من يكهربه نور الحقّ، غير أنّ داعية الهدى لَم يصادف إلاّ قصوراً في الإدراك وطبعاً في القلوب وصمما في الآذان( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ) (٢) .

ولا يستغرب هذا مَن يفقه الأسرار الالهيّة، فإنّ المولى سبحانه بعد أنْ أوجب على سيّد الشهداء النّهضة لسدّ أبواب الضلال بذلك الشكل المحدّد الظرف والمكان والكيفيّة لمصالح أدركها الجليل جلّ شأنه، فأوحى إلى نبيّه الأقدس أنْ يقرأ هذه الصفحة الخالصة على ولده الحسينعليه‌السلام ، فلا سبيل إلاّ التسليم والخضوع للأصلح المرضي لربّ العالمين( لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) (٣) . وحيث أراد المهيمن تعالى بهذه النّهضة المقدّسة تعريف الاُمّة الحاضرة والأجيال المتعاقبة ضلال الملتوين عن الصراط السّوي العابثين بقداسة الشريعة، أحبّ الإتيان بكلّ ما فيه توطيد اُسس هذه الشهادة التي كتبت بدمها الطاهر صحائف نيّرة من أعمال الثائرين في وجه المنكر، فكانت هذه محفوفة بغرائب لا تصل إليها الأفهام، ومنها استشهاد الرأس المعظّم بالآيات الكريمة، والكلام من رأس مقطوع أبلغ في إتمام الحجّة على مَن أعمته الشهوات عن إبصار الحقائق، وفيه تركيز العقائد على أحقيّة دعوته التي لَم يقصد بها إلاّ الطاعة لربّ العالمين ووخامة عاقبة مَن مدّ عليه يد السّوء والعدوان، كما نبّه الاُمّة على ضلال مَن جرّأهم على

____________________________

(١) في الدرّ النّضيد / ٣٦، للسيد محسن الأمين، أنّهما للسيد رضا الهندي.

(٢) سورة البقرة / ٧.

(٣) سورة الأنبياء / ٢٣.

٣٣١

الطغيان.

ولا بدع القدرة الإلهيّة إذا مكّنت رأس الحسينعليه‌السلام من الكلام للمصالح التي نقصر عن الوصول إلى كنهها بعد أن اُودعت في الشجرة(١) قوّة الكلام مع نبي الله موسى بن عمرانعليه‌السلام عند المناجاة، وهل تقاس الشجرة برأس المنحور في طاعة الرحمن سبحانه؟... كلاّ.

قال زيد بن أرقم: كنت في غرفة لي فمرّوا عليَّ بالرأس وهو يقرأ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) (٢) فوقف شعري وقلت: والله يابن رسول الله رأسك أعجب وأعجب(٣) . ولما نُصب الرأس الأقدس في موضع الصيارفة وهناك لغط المارّة وضوضاء المتعاملين، فأراد سيّد الشهداء توجيه النّفوس نحوه ليسمعوا بليغ عظاته، فتنحنح الرأس تنحنحاً عالياً فاتّجهت إليه النّاس واعترتهم الدهشة؛ حيث لَم يسمعوا رأساً مقطوعاً يتنحنح قبل يوم الحسينعليه‌السلام ، فعندها قرأ سورة الكهف إلى قوله تعالى: ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) (٤) . وصُلب على شجرة فاجتمع النّاس حولها ينظرون إلى النّور السّاطع، فأخذ يقرأ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٥) (٦) . قال هلال بن معاوية: رأيت رجلا يحمل رأس الحسينعليه‌السلام والرأس يخاطبه: فرَّقت بين رأسي وبدني فرق الله بين لحمك وعظمك وجعلك آية ونكالا للعالمين فرفع السوط واخذ يضرب الرأس حتّى سكت(٧) . وسمع سليمة بن كهيل الرأس يقرأ وهو على القناة( فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٨) (٩) .

____________________________

(١) الدر المنثور ٢ / ١١٩: آية( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) . والبحار ٥ / ٢٧٨: نقلاً عن المهج. وفي قصص الأنبياء للثعالبي / ١٢٠ الباب الثامن: خروج موسى من مدين.

(٢) سورة الكهف / ٩.

(٣) إرشاد المفيد، والخصائص الكبرى ٢ / ١٢٥.

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ / ٣٦٢: كان زيد بن أرقم من المنحرفين عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام فإنّه كتم الشهادة لأمير المؤمنين بالولاية يوم الغدير، فدعا عليه بالعمى؛ فكفّ بصره إلى أنْ مات.

وفي كامل ابن الأثير ٤ / ٢٤: أمر ابن زياد، فطيف برأس الحسينعليه‌السلام في الكوفة. ومثله في البداية لابن كثير ٨ / ١٩١، والخطط المقريزيّة ٢ / ٢٨٨.

(٤) سورة الكهف / ١٣.

(٥) سورة الشعراء / ٢٢٧.

(٦) ابن شهر آشوب ٢ / ١٨٨.

(٧) شرح قصيدة أبي فراس / ١٤٨.

(٨) سورة البقرة / ١٣٧.

(٩) أسرار الشهادة / ٤٨٨.

٣٣٢

ويحدّث ابن وكيدة أنّه سمع الرأس يقرأ سورة الكهف، فشكّ في أنّه صوته أو غيره فتركعليه‌السلام القراءة والتفت إليه يخاطبه:«يابن وكيدة أما علمت أنّا معشر الأئمّة أحياء عند ربهم يرزقون؟» .

فعزم على أنْ يسرق الرأس ويدفنه.

وإذا الخطاب من الرأس الأزهر:«يابن وكيدة، ليس إلى ذلك من سبيل، إنّ سفكهم دمي أعظم عند الله من تسييري على الرمح، فذرهم فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسّلاسل يسحبون» (١) .

قال المنهال بن عمرو: رأيت رأس الحسينعليه‌السلام بدمشق على رمح وأمامه رجل يقرأ سورة الكهف حتّى إذا بلغ إلى قوله تعالى:( أَمْ حَسِبْتَ أَنّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ) (٢) نطق الرأس بلسان فصيح:«أعجب من أصحاب الكهف، قتلي وحَملي» (٣) .

ولما أمر يزيد بقتل رسول ملك الروم حيث أنكر عليه فعلته نطق الرأس بصوت رفيع:«لا حول ولا قوّة إلاّ بالله» (٤) .

أروحـك ام روح الـنبوّة تـصعد

من الأرض للفردوس والحور سجَّد

ورأسك أم رأس الرسول على القنا

بـآيه أهـل الـكهف راح يـردّد

وصـدرك أم مستودع العلم والحجى

لـتحطيمه جـيش من الجهل يعمد

واُمّــك أم اُمّ الـكتاب تـنهَّدت

فــذاب نـشيجاً قـلبها الـمتنهّد

وشـاطرت الأرضُ السّماءَ بشجوها

فـواحـدة تـنعى واُخـرى تـعدّد

وقـد نـصب الوحي العزاء ببيته

عـليك حـداداً والـمعزّى محمَّد

يـلوح لـه الـثقلان ثقل ممزّق

بـسـهم وثـقل بـالسّيوف مـقدَّد

فـعترته بـالسّيف والـسّهم بعضها

شـهـيد وبـعض بـالفلاة مـشرَّد

وأيّ شـهيد أصـلت الشمس جسمه

ومـشـهدها مـن أصـله مـتولَّد

وأيّ ذبـيح داسـت الـخيل صدره

وفـرسـانها مـن ذكـره تـتجمَّد

____________________________

(١) شرح قصيدة أبي فراس / ١٤٨.

(٢) سورة الكهف / ١٠.

(٣) الخصائص للسيوطي ٢ / ١٢٧.

(٤) مقتل العوالم / ١٥١.

٣٣٣

ألـم تـك تـدري أنَّ روح محمَّد

كـقرآنه فـي سـبطه مـتجسَّد

فـلو عـلمت تـلك الخيلول كاهلها

بـأنَّ الـذي تحت السنابك أحمد

لـثارت عـلى فـرسانها وتمرَّدت

عـليهم كـما ثـاروا بها وتمرَّدوا

فـرى الغيّ نحراً يغبط البدر نوره

وفـي كـل عـرق منه للحق فرقد

وهـشَّم أضلاعاً بها العطف مودع

وقـطَّع أنـفاساًبها الـلطف موجد

وأعـظم مـا يشجي النّفوس حرائر

تـضام وحـاميها الـوحيد مقيَّد

فـمن مـوثَق يـشكو التشدّد من يد

ومـوثـقة تـبكي فـتلطمها الـيد

كـأنَّ رسـول الله قـال لـقومه

خذوا وتركم من عترتي وتشدَّدوا(١)

طغيان الأشدق

قال ابن جرير: أرسل ابن زياد عبد الملك بن الحارث السّلمي إلى المدينة ليبشّر عمرو بن سعيد الأشدق(٢) بقتل الحسين، فاعتذر بالمرض، فلم يقبل منه، وكان ابن زياد شديد الوطأة لا يصطلى بناره، وأمره أن يجدَّ السّير، فإن قامت به الراحلة يشتري غيرها، ولا يسبقه الخبر من غيره، فسار مجدَّاً حتّى إذا وصل المدينة لقيه رجل من قريش وسأله عمّا عنده فقال له: الخبر عند الأمير. ولمّا أعلم ابن سعيد بقتل الحسين، فرح واهتزّ بشراً وشماتة.

وأمر المنادي أن يعلن بقتله في أزقّة المدينة، فلم يسمع ذلك اليوم واعية مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على سيّد شباب أهل الجنّة واتّصلت الصيحة بدار الأشدق فضحك وتمثّل بقول عمرو بن معد يكرب:

عجَّت نساء بني زياد عجَّة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

ثمّ قال: واعية بواعية عثمان(٣) .

____________________________

(١) من قصيدة للسيد صالح ابن العلامة السيّد مهدي بحر العلوم.

(٢) في مجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي ٥ / ٢٤٠، وتطهير الجنان على هامش الصواعق المحرقة / ١٤١: عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:«ليرعفنّ على منبري جبّار من جبابرة بني اُميّة فيسيل رعافه» وقد رعف عمرو بن سعيد وهو على منبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى سال رعافه.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٨.

٣٣٤

والتفت إلى قبر رسول الله وقال: يوم بيوم بدر يا رسول الله. فأنكر عليه قوم من الأنصار(١) .

ثمّ رقى المنبر وقال: أيّها النّاس، إنّها لدمة بلدمة وصدمة بصدمة، كم خطبة بعد خطبة حكمة بالغة فما تغني النّذر، لقد كان يسبّنا ونمدحه، ويقطعنا ونصله، كعادتنا وعادته، ولكن كيف نصنع بمَن سلَّ سيفه علينا يريد قتلنا إلاّ أنْ ندفعه عن أنفسنا.

فقام إليه عبد الله بن السائب وقال: لَو كانت فاطمة حيَّة ورأت رأس الحسين لبكت عليه.

فزجره عمرو بن سعيد وقال: نحن أحقّ بفاطمة منك؛ أبوها عمّنا وزوجها أخونا واُمّها ابنتنا، ولَو كانت فاطمة حيَّة لبكت عينها وما لامت من قتله ودفعه عن نفسه(٢) .

وكان عمرو فظّا غليظاً قاسياً، أمر صاحب شرطته على المدينة عمرو بن الزبير بن العوام(٣) بعد قتل الحسينعليه‌السلام أنْ يهدم دور بني هاشم، ففعل وبلغ منهم كلّ مبلغ وهدم دار ابن مطيع، وضرب النّاس ضرباً شديداً، فهربوا منه إلى ابن الزبير(٤) .

وسمّي بالأشدق؛ لأنّه أصابه اعوجاج في حلقه إلى الجانب الآخر؛ لإغراقه في شتم علي بن أبي طالبعليه‌السلام (٥) ، وعاقبه الله شرّ عقوبة حيث حُمل إلى عبد الملك بن مروان مقيّداً بالحديد، وبعد أنْ أكثر من عتابه أمر به فقُتل(٦) .

وخرجت بنت عقيل بن أبي طالب في جماعة من نساء قومها حتّى انتهت إلى قبر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلاذت به وشهقت عنده، ثمّ التفتت إلى المهاجرين والأنصار تقول:

____________________________

(١) نفس المهموم / ٢٢٢، وشرح النّهج لابن أبي الحديد ١ / ٣٦١.

(٢) مقتل العوالم / ١٣١.

(٣) في أنساب الأشراف للبلاذري ٤ / ٢٣: كانت اُمّ عمرو بن الزبير أمة بنت خالد بن سعد بن العاص، وكان على جيش أرسله عمرو بن سعد الأشدق إلى محاربة عبد الله بن الزبير بمكّة، فقبض جيش عبد الله على عمرو بن الزبير، فأمر عبد الله أنْ يضربه بالسّياط كلّ من له مظلمة عنده فمات من ذلك.

(٤) الأغاني ٤ / ١٥٥.

(٥) معجم الشعراء للمرزباني / ٢٣١.

(٦) (جمهرة الأمثال) لأبي هلال العسكري / ٩، طبعة الهند، مادة: أمكراً وأنت في الحديد.

٣٣٥

مـاذا تـقولون إنْ قال النّبي لكم

يوم الحساب وصدق القول مسموع

خـذلتموا عـترتي أو كـنتم غيبا

والـحقّ عـند وليّ الأمر مجموع

اسـلمتموهم بـأيدي الظالمين فما

مـنكم لـه اليوم عند الله مشفوع

ما كان عند غداة الطَّف إذ حضروا

تـلك الـمنايا ولا عـنهنَّ مدفوع

فأبكت مَن حضر، ولَم يرَ باكٍ وباكية أكثر من ذلك اليوم(١) . وكانت اُختها زينب تندب الحسينعليه‌السلام بأشجى ندبة وتقول:

مـاذا تـقولون إذ قـال النّبي لكم

مـاذا فـعلتم وأنـتم آخـر الاُمم

بـعترتي وبـأهلي بـعد مفتقدي

مـنهم اُسارى ومنهم ضرَّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي(٢)

اُمّ البنين

لَم أعثر على نصّ، يوثق به يدلّ على حياة اُمّ البنين يوم الطفّ، وما

____________________________

(١) أمالي ابن الشيخ الطوسي / ٥٥، وسمّاها ابن شهر آشوب في المناقب ٢ / ٢٢٧ أسماء.

(٢) الأبيات بهذا اللفظ في مثير الاحزان لابن نماص ٥١ واللهوف لابن طاووس ص ٩٦ والكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٦ وعنده انها لبنت عقيل بن أبي طالب ومثله أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية ص ٣٢٩. وابن جرير في التاريخ ج ٦ ص ٢٦٨ الا انه ذكر الأول والثاني وفي رواية ابن قتيبة في عيون الاخبار ج ١ ص ٢١٢ للابيات خلاف، وفي مقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٧٦: ان زينب بنت عقيل بن أبي طالب قالت البيتين الأولين، وفي رواية اخرى ان بنت عقيل بن أبي طالب قالت وذكر أربعة أبيات والرابع منهما:

ضيعتم حقـنا والله أوجـبه

وقد رعى الفيل حق البيت والحرم

ونسب ابن شهر اشوب في المناقب الى زينب بنت امير المؤمنينعليه‌السلام انها انشأت الابيات الثلاثة بعد خطبتها بالكوفة. وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص ١٥١: ان زينب بنت عقيل بن أبي طالب قالت قالت، وذكر اربعة ابيات وكان الرابع في روايته

ذريـتي وبنـو عمي بمضيعة

منهم اسارى وقتلى ضرجوا بدم

ونسب ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٠٠ الأبيات الثلاثة الى زينب بنت عقيل بن أبي طالب ثم قال وقال أبو الاسود الدؤلي

أقول وزادني حنقاً وغيظاً

ازال الله ملك بني زياد

وأبعدهم كما بعدوا وخانوا

كما بعدت ثمود وقوم عاد

ولا رجعت ركائبهم إليهم

اذا وقفت الى يوم التناد

وفي الارشاد للشيخ المفيد، لما سمعت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب نعي الحسين خرجت تنعاه ومعها من اخواتها أم هاني واسماء ورملة وزينب وذكر الأبيات الثلاث.

٣٣٦

يذكر لحياتها في ذلك اليوم مردّه أقوال ثلاثة:

الأول: قول العلامة محمّد حسن القزويني في رياض الأحزان ص ٦٠: اُقيم العزاء والمصيبة في دار اُمّ البنين زوجة أمير المؤمنين واُمّ العبّاس وإخوته.

الثاني: قول السّماوي في إبصار العين ص ٣١ الطبعة الأولى: وأنا أسترقّ جدّاً من رثاء اُمّه فاطمة اُمّ البنين الذي أنشده أبو الحسن الأخفش في شرح الكامل، وقد كانت تخرج إلى البقيع كلّ يوم ترثيه وتحمل ولده عبد الله، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة، وفيهم مروان بن الحكم فيبكون لشجّي الندبة (ا هـ).

الثالث: رواية أبي الفرج في مقاتل الطالبيين في مقتل العبّاس: عن محمّد بن علي بن حمزة عن النوفلي عن حمّاد بن عيسى الجهني عن معاوية بن عمّار عن جعفر: أنّ اُمّ البنين - اُمّ الإخوة الأربعة القتلى - تخرج إلى البقيع تندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها، فيجتمع النّاس إليها ليسمعوا منها، وكان مروان يجيء فيمَن يجيء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها (ا هـ).

هذا كلّ ما وجدناه ممّا يمكن أن يكون مصدراً لحياتها يوم الطفّ، فالأول لا دلالة فيه فإنّ غايته أنّ العزاء اُقيم في دار اُمّ البنين، وأمّا كونها موجودة، فلا صراحة فيه على أنّه لا يعدو الحكاية التي سجّلها أبو الفرج وأخذها قليل التفكير في التنقيب. والثاني: واضح الدلالة على استقائه من أبي الفرج فإنّ نصّ (إبصار العين للسماوي) مثل ما في مقاتل الطالبيين، واذاً فلا يعد رأياً ثانياً...

وشرح الكامل المنسوب للأخفش لَم أجد واحداً من أرباب التراجم ناصّاً عليه مع فحصي الكثير لتراجم كلّ مَن سُمّي بالأخفش. وأمّا الشيخ السّماوي فكثيراً ما سألته عن مصدر هذا الشرح فلَم أجد منه إلاّ السّكوت، وقد صارحته بمعتقدي في كَون (الأبيات) له وأراد تمشية الكلام بهذا البيان، فعلى المولى سبحانه أجره...!

ومثله المجلسي في البحار ج ١٠ ص ٢٠١، حاكياً عن أبي الفرج، وحديث أبي الفرج في هذه القصّة فيه اُمور:

٣٣٧

١- إنّ رجال إسناده لا يعبأ بهم، فإنّ النّوفلي وهو يزيد بن المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطّلب بن هاشم ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ١١ ص ٣٤٧، وحكي عن أحمد: إنّ عنده مناكير، وعند أبي زرعة، ضعيف الحديث، وعامّة ما يرويه غير محفوظ، وقال أبو حاتم: منكر الحديث جداً، وقال النّسائي: متروك الحديث...

ومعاوية بن عمار بن أبي معاوية في تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٢١٤، قال أبو حاتم: لا يحتجّ بحديثه، وإنْ اُريد غير هذا فمجهول.

٢- إنّ اُمّ البنين اقتبست من سيّد الأوصياء ومن سيّدَي شباب أهل الجنّة المعارف الإلهيّة والآداب المحمّديّة ما يأخذ بها إلى أسمى درجة من اليقين، فلا يصدر منها ما لا يتّفق مع قانون الشريعة النّاهي عن تعرّض المرأة للأجانب تحريماً أو تنزيهاً، إذا لَم تكن ضرورة هناك، ومن البديهي أنّ اللازم للمرأة عند ندبة فقيدها الجلوس في بيتها والتحصّن به عن رؤية الأجانب لها، وسماع صوتها الذي لَم تدع الضرورة إليه، وإذا كان السجّادعليه‌السلام يقول لأبي خالد الكابلي - حينما تعجّب من فتح باب الدار -:«يا أبا خالد، إنّ جارة لنا خرجت ولا علم لها بالتواء الباب، ولا يجوز لبنات رسول الله أن يخرجن فيصفقن الباب» (١) .

وإذاً من تربّى في بيتهم وتأدّب بآدابهم لا يمرق عن طريقتهم. ولا يمكن التشكيك في تجاوز اُمّ البنين الحدود الالهيّة التي وضعتها الشريعة في أعناق النّساء.

وأمّا الصدّيقة الزهراءعليها‌السلام فقد ألجأها شيوخ المدينة على الخروج إلى البقيع لندبة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله فصنع لها أميرالمؤمنين بيتاً من جريد النّخل تتحصّن به من الأجانب سمّاه (بيت الأحزان)(٢) ، ولَم ينقل المؤرخون إنّ النّاس يحضرون

____________________________

(١) مدينة المعاجز للسيّد هاشم البحراني / ٣١٨، الحيدث السّادس والثمانون.

(٢) في الإشارات لمعرفة الزيارات لأبي محسن علي بن أبي بكر الهروي / ٩٣: بيت الأحزان في البقيع لفاطمةعليها‌السلام .

وفي وفاء الوفاء للسمهودي ٢ / ١٠٣، طبعة مصر (سنة ١٣١٦ﻫـ): عن ابن جبير: بالقرب من قبّة العبّاس بيت الحزن الذي تأوي إليه فاطمة عند وفاة أبيها والتزمت الحزن فيه.

وفي المختار من نوادر الأخبار لأبي عبد الله محمّد بن أحمد المقري الأنباري على هامش العلوم لأبي بكر الخوارزمي / ١٩١ الطبعة الاُولى (سنة ١٣١٠ﻫـ): إنّ علياًعليه‌السلام صنع للزهراء بيتاً من جريد النّخل بظاهر المدينة تبكي فيه على أبيها.

وفي فتح القدير لابن همام الحنفي ٢ / ٣٢٨: يصلّي في مسجد فاطمة بنت رسول الله بالبقيع وهو المعروف بـ (بيت الأحزان).

٣٣٨

لسماع ندبتها، فيبكون على اُفول شمس النبوّة وانقطاع وحي السّماء، وطموس النصائح الالهيّة.

٣- إنّ المرأة إنّما تبكي فقيدها في الجبانة إذا كان مقبوراً هناك. ولَم ينقل أحد خروج المرأة إلى المقبرة على حميمها وهو مدفون في غيرها والعادة متساوية في جميع العصور... ونسبة (أبي الفرج) خروج اُمّ البنين إلى البقيع فرية واضحة؛ إذ لا شاهد عليها، وغايته التعريف بأنّ مروان بن الحكم رقيق القلب، فاستدرار الدمعة إنّما يتسبّب من انفعال النّفس بتصوّر العدوان الوارد على مَن يمتّ بحميمه بنحو من أسباب الصلة فيحتدم القلب وتهيج العاطفة فسريع الدمعة تهمل عينه وعصيّها تجيش نفسه بالبكاء، ومروان بن الحكم هو المتشفّي بقتل الحسينعليه‌السلام وقد أظهر الفرح والشماتة بقوله لمّا نظر إلى رأس الحسينعليه‌السلام :

يـا حبّذا بردك في اليدين

ولـونك الأحمر في الخدّين

كـأنـّه بـات بـعسجدين

شفيت نفسي من دم الحسين

٤- إنّ أبا الفرج في (المقاتل) ناقض نفسه حيث قال في مقتل العبّاسعليه‌السلام : وكان آخر من قُتل من إخوته من اُمّه وأبيه فحاز مواريثهم (ا هـ). وروايته هذه توافق النصّ الذي سجّله مصعب الزبيري في نسب قريش ص ٤٣ فإنّه قال: ورث العبّاس إخوته إذ لَم يكن لهم ولد، وورث العبّاس ابنه عبيد الله، وكان محمّد وعمر حيَّين فسلّم محمّد لعبيد الله ميراث عمومته وامتنع عمر حتّى صولح ورضي من حقه (ا هـ).

وقال أبو نصر البخاري في سرّ السلسلة العلويّة ص ٨٩ المطبعة الحيدريّة بالنّجف: لمّا كان يوم الطفّ قدّم الحسينعليه‌السلام إخوة العبّاس جعفراً وعثمان وعبد الله فقُتلوا جميعاً، فورثهم العبّاس، ثمّ قُتل العبّاس فورثهم جميعاً ابنه عبيد الله بن العبّاس، وهذا يفيدنا وثوقاً بوفاة اُمّ البنين يوم الطفّ فإنّها لَو كانت موجودة لكان ميراث إخوة العبّاس مختصّاً بها؛ لكونها اُمّهم، ولا يرثهم العبّاس حتّى ينتقل إلى ولده عبيد الله وعدم منازعة (محمّد بن الحنفيّة) لعبيد الله في ميراث عمومته على وفق الشريعة؛ لأنّ العبّاس يتّصل بإخوته الشهداء بسببين: الأب والاُمّ، ومحمّد يتصل بهم من جهة الأب، وذو السّببين يقدّم في الميراث، ولَم يفقه عمر الأطرف وجه المسألة، وهو ابن علي باب مدينة العلم، وكان عليه أنْ يراجع إمام الاُمّة زين العابدينعليه‌السلام كَي لا يقع في

٣٣٩

الهلكة، إنْ كان ما ينسب إليه من المنازعة صحيحاً ولعلّ ما يذكر في عمدة الطالب طبعة النّجف يؤيّد هذه النّسبة وذلك: إنّه خرج إلى النّاس في ثياب معصفرة يقول: أنا الرجل الحازم، حيث لَم أخرج فاقتل.

وقد وضح التناقض في كلام أبي الفرج فإنّ تسجيل خروج (اُمّ البنين) إلى البقيع وندبتها أولادها يدلّ على حياتها يوم الطفّ، ثمّ نصّه على ميراث العبّاس لإخوته يشهد بوفاتها ذلك اليوم... وكم له من هفوات!

عبد الله بن جعفر

قال ابن جرير: لما ورد نعي الحسينعليه‌السلام جلس عبد الله بن جعفر للعزاء، وأقبل النّاس يعزّونه فقال مولاه (أبو اللسلاس)(١) : هذا ما لقيناه من الحسين.

فحذفه بنعله وقال: يابن اللخناء أللحسين تقول ذلك؟! والله لو شهدته لأحببت أنْ لا اُفارقه حتّى اُقتل معه، والله إنّه لمِّما يسخى بنفسه عن ولديّ ويهون عليّ المصاب بهما أنّهما أصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيَين له صابرَين معه. ثمّ أقبل على جلسائه وقال: الحمد لله لقد عزّ عليَّ المصاب بمصرع الحسينعليه‌السلام أنْ لا أكون واسيته بنفسي، فلقد واساه ولداي(٢) ...

ومن عجب التاريخ حديث البلاذري(٣) والمحسن التنوخي(٤) وفود عبد الله بن جعفر على (يزيد) وإكرامه إيّاه بأكثر ممّا يكرمه أبوه معاوية.

إنّ مَن يدرس نفسيّة ابن جعفر يتجلّى له كذب القصّة التي أرسلها المدائني واستند إليها البلاذري والتنوخي. فإنّ الواقف على الرجال الموتورين لا يعدّون الجزم بالتهاب قلوبهم ناراً على واترهم ويترقّبون الفرص للأخذ بالثأر. يشهد له حديث عبد الله بن اُبَي بن سلول مع النّبي، وذلك إنّ اُبياً لما صدر منه ما حكاه الكتاب العزيز( لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ) (٥) فجاء عبد الله إلى نبيّ الإسلام وقال: لقد بلغتك هذه الكلمة من أبي؟

____________________________

(١) في الإرشاد للشيخ المفيد، وكشف الغمّة للأربلي / ١٩٤: أبو السلاسل.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢١٨.

(٣) أنساب الأشراف ٤ / ٣.

(٤) المستجاد من فعلات الأجواد / ٢٢.

(٥) سورة المنافقين / ٨.

٣٤٠

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :«نعم» فقال: إنّك تعلم ما أحد بارّ بأبيه مثلي، فإنْ أردت قتله فأمرني به؛ لأنّي أخاف أنْ تأمر غيري ولا اُحبّ أنْ أنظر إلى قاتل أبي فأعدو عليه فأقتله وأكون في النّار(١) ... وهذه القصّة تعطينا صورة نيّرة عمّا عليه البشر من احتدام أولياء المقتول على القاتل وتربّصهم الفرص للأخذ بالثأر منه، ولَو كان القتل من جهة الشرك...

ولهذه الغريزة المطبوعة عليها جبلة النّاس كان عمر بن الخطاب يقول لسعيد بن العاص وقد اجتمع عنده في بعض الليالي هو وعثمان وعلي وابن عبّاس: ما لك معرضاً عنّي كأنّي قتلت أباك! إنّي لم أقتله ولكن أبا حسن قتله، فقال أمير المؤمنين:«اللهمّ غفراً ذهب الشرك بما فيه، ومحا الإسلام ما قبله، فلماذا تهيّج القلوب يا عمر؟» فقال سعيد: لقد قتله كفؤ كريم، وهو أحبّ إليَّ من أن يقتله مَن ليس من عبد مناف(٢) .

لم يكن من الهيّن على سعيد قتْل أبيه وإنْ كان كافراً وقُتل بسيف الدعوة المحمّديّة، والقاتل شريف جم المناقب ولم يحفّزه على إراقة دمه إلاّ نداء الربّ جلّ وعلا الموحى به إلى رسول السّماء، غير أنّ الخوف من صارم العدل حتم عليه التظاهر بالرضا مع انحناء أضالعه على أحرّ من جمر الغضا مرتقباً الفرصة في الأخذ بثاره، وقد ظهرت نار البغض على لسان ولده عمرو بن سعيد الأشدق يوم تولّى المدينة من قِبَل يزيد فلقد واجه ضريح النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بلسان طويل مجاهر بقوله: يوم بيوم بدر يا رسول الله. ولما سمع صراخ نساء بني هاشم على سيّد شباب أهل الجنّة قال: واعية بواعية عثمان(٣) .

فعبد الله بن جعفر يتّقد قلبه ناراً على ابن ميسون ويوّد لَو تمكّنه الفرصة وتأخذ المقادير إلى تدميره والقضاء عليه وعلى أهله وذويه، ومهما يكن ناسياً للأشياء فلا ينسى قتله أبي الضيم ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب والبهاليل من صحبه، ثمّ نكْته بالقضيب ثنايا ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهل يستطيع ابن جعفر والحالة هذه أن يبصر يزيد وسيفه يقطر من دمائهم وقد صكّ سمعه إظهاره الشماتة بنبيّ الإسلام:

____________________________

(١) اُسد الغابة ٣ / ٩٧.

(٢) شرح النّهج لابن أبي الحديد ٣ / ٣٣٥، الطبعة الاُولى المصريّة، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٦ / ١٣٤ ترجمة سعيد بن العاص.

(٣) راجع ما تقدّم بعنوان (عمرو الأشدق) من كتابنا هذا.

٣٤١

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

ثمّ إلى إنكاره الرسالة:

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

وهل ينسى ابن جعفر ليله ونهاره وقوف حرائر النبوّة بحالة يتصفّح وجوهها القريب والبعيد وأهل المنأهل والمعاقل.. والذي يهون الأمر أنّ المرسل للحديث هو المدائني الاُمويّ النّزعة والولاء، وكتابه مملوء بالأحاديث الرافعة للبيت الاُموي والواضعة من كرامة البيت العلوي، لا يلتفت إليها إلاّ العارف بأخبار الرجال وشخصيّات الرواة.

عبد الله بن عباس

لمّا بلغ يزيد امتناع عبد الله بن عبّاس عن البيعة لابن الزبير، كتب إليه: أمّا بعد، فقد بلغني أنّ الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته والدخول في طاعته لتكون على الباطل ظهيراً وفي المآثم شريكاً، فامتنعتَ عليه وانقبضتَ عنه؛ لما عرّفك الله في نفسك من حقّنا أهل البيت، فجزاك أفضل ما جزى الواصلين عن أرحامهم الموفين بعهودهم، ومهما أنسى من الأشياء فلا أنسى وصلك وحُسن جائزتك التي أنت أهلها في الطاعة والشرف والقرابة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانظر مَن قبلك من قومك، ومَن يطرأ عليك من أهل الآفاق ممَّن يسحره ابن الزبير بلسانه وزخرف قوله، فاجذبهم عنه فإنّهم لك أطوع ومنك أسمع منهم للملحد المارق، والسّلام.

فكتب إليه ابن عبّاس: أمّا بعد، فقد جاء في كتابك تذكر فيه دعاء ابن الزبير إيّاي إلى بيعته وأنّي امتنعت عليه معرفةً لحقّك، فإن يكن ذلك كذلك فلستُ أرجو بذلك برّك، ولكنّ الله بما أنوي عليم. وكتبتَ إليَّ أنّه أحثّ النّاس عليك وأخذلهم عن ابن الزبير، فلا ولا سرور ولا حبور، بفيك الكثكث ولك الأثلب وإنّك العازب الرأي أنْ منّتك نفسك وإنّك لأنت المنقود المثبور. وكتبت إليَّ بتعجيل برّي وصِلتي، فاحبس أيّها الإنسان برّك، فإنّي حابس عنك ودّي ونصرتي، ولَعمري ما تعطينا ممّا في يدك لنا إلاّ القليل، وتحبس منه الطويل العريض، لا أباً لك! أتراني أنسى قتلك حسيناً وفتيان بني عبد المطّلب ومصأبيح الدجى

٣٤٢

ونجوم الهدى وأعلام التقى، وغادرتْهم خيولك بأمرك فأصبحوا مصرّعين في صعيد واحد، مزمّلين بالدماء مسلوبين بالعراء، لا مكفّنين ولا موسّدين، تسفي عليهم الرياح، وتغزوهم الذئاب وتنتابهم عوج الضباع حتّى أتاح الله لهم قوماً لَم يشركوا في دمائهم، فكفّنوهم وأجنّوهم، وبهم والله وبي من الله عليك العذاب.! ومهما أنسى من الأشياء فلستُ أنسى تسليطك عليهم الدعيّ بن الدعيّ الذي كان للعاهرة الفاجرة البعيد رحماً، اللئيم أباً واُمّاً، الذي اكتسب أبوك في ادّعائه العار والمأثم والمذلّة والخزي في الدنيا والآخرة؛ لأنّ رسول الله قال:«الولد للفراش، وللعاهر الحجر». وإنّ أباك يزعم أنّ الولد لغير الفراش، ولا يضير العاهر، ويلحق به ولده كما يلحق به الولد الرشيد. ولقد أمات أبوك السُنّة جهلاً، وأحيا الأحداث المضلّة عمداً.

ومهما أنسى من الأشياء، فلستُ أنسى تسييرك حسيناً من حرم رسول الله إلى حرم الله تعالى، وتسييرك إليه الرجال وإدساسك إليهم أنْ يقتلوه، فما زلت بذلك وكذلك حتّى أخرجته من مكّة إلى أرض الكوفة تزأر به خيلك وجنودك زئير الأسد عداوةً منك لله ولرسوله ولأهل بيته. ثمّ كتبتَ إلى ابن مرجانة أنْ يستقبله بالخيل والرجال والأسنّة والسّيوف، وكتبت إليه بمعاجلته وترك مطاولته حتّى قتلته ومَن معه من فتيان بني عبد المطّلب أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ونحن كذلك لا كآبائك الجفاة أكباد الحمير ولقد علمت أنّه كان أعزّ أهل البطحاء قديماً وأعزَّه بها حديثاً، لَو ثوى بالحرمين مقاماً واستحلَّ بها قتلاً، ولكنّه كره أنْ يكون هو الذي يستحلّ به حرم الله وحرم الرسول وحرمة البيت الحرام، فطلب الموادعة وسألكم الرجعة فطلبتم قلَّة أنصاره واستئصال أهل بيته كأنّكم تقتلون أهل بيت من الترك أو كابل.

وكيف تجدني على ودّك وتطلب نصري فقد قتلتَ بني أبي، وسيفك يقطر من دمي وأنت طلبة ثأري؟! فإنْ شاء الله لا يطل إليك دمي، ولا تسبقني بثأري وإنْ تسبقنا فقتلتنا ما قتلت به النبيون فطلب دمائهم في الدماء، وكان الموعد الله وكفى بالله للمظلومين ناصراً، ومن الظالمين منتقماً.

والعجب كلّ العجب ما عشت يريك الدهر عجباً، حملك بنات عبد المطّلب وأبناءهم اُغيلمةً صغاراً إليك بالشام! ترى أنّك قهرتنا وأنّك تذلّنا وبهم والله وبي مَنَّ الله عليك وعلى أبيك واُمّك من السّباء.

وأيم الله إنّك لتصبح وتمسي آمناً

٣٤٣

لجراح يدي وليعظمنَّ جرحك بلساني ونقضي وإبرامي، لا يستفزنَّك الجدل فلن يمهلك الله بعد قتْل عترة رسول الله إلاّ قليلاً حتّى يأخذك الله أخذاً عزيزاً ويخرجك من الدنيا آثماً مذموماً، فعش لا أباً لك ما شئت ولقد أرداك عند الله ما اقترفت(١) .

السّبايا إلى الشام

وبعث ابن زياد رسولاً إلى يزيد يخبره بقتْل الحسينعليه‌السلام ومَن معه وأنّ عياله في الكوفة وينتظر أمره فيهم، فعاد الجواب بحملهم والرؤوس معهم(٢) .

وكتب رقعةً ربط فيها حجراً ورماه في السّجن المحبوس فيه آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيها: خرج البريد إلى يزيد بأمركم في يوم كذا، ويعود في كذا، فإذا سمعتم التكبير فأوصلوا وإلاّ فهو الأمان.

ورجع البريد من الشام يخبر بأنْ يسرّح آل الحسين إلى الشام(٣) .

فأمر ابن زياد زجر بن قيس وأبا بردة بن عوف الأزدي وطارق بن ظبيان في جماعة من الكوفة أنْ يحملوا رأس الحسين ورؤوس مَن قُتل معه إلى يزيد(٤) .

وقيل ذهب برأس الحسينعليه‌السلام مجبر بن مرّة بن خالد بن قناب بن عمر بن قيس بن الحرث بن مالك بن عبيد الله بن خزيمة بن لؤي(٥) .

وسرّح في أثرهم علي بن الحسين مغلولة يدَيه إلى عنقه وعياله معه(٦) على

____________________________

(١) رتّبنا الكتاب من مجمع الزوائد لأبي بكر الهيثمي ٧ / ٢٥٠، وأنساب الأشراف للبلاذري ٤ / ١٨ الطبعة الاُولى، ومقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ٧٧، وكامل ابن الأثير ٤ / ٥٠ (سنة ٦٤)، وعليه مروج الذهب للمسعودي.

(٢) اللهوف / ٩٥ و٩٧.

(٣) الطبري ٦ / ٢٦٦، وفي صفحة ٩٦ ذكر: إنّ أبا بكرة أجّله بسر بن أرطاة اُسبوعاً على أنْ يذهب إلى معاوية، فرجع من الشام في اليوم السّابع.

وفي مثير الأحزان لابن نما / ٧٤: إنّ عميرة أرسله عبد الله بن عمر إلى يزيد ومعه كتاب إلى ابن زياد ليطلق سراح المختار الثقفي، فكتب يزيد بذلك إلى عبيد الله بن زياد، فجاء عميرة بالكتاب إلى الكوفة وقد قطع المسافة بين الشام والكوفة بأحد عشر يوماً.

(٤) الطبري ٦ / ٢٦٤، وابن الأثير ٤ / ٣٤، والبداية ٨ / ١٩١، والخوارزمي، وإرشاد المفيد، وإعلام الورى / ١٤٩، واللهوف / ٩٧.

(٥) الإصابة ٣ / ٤٨٩، بترجمة مرّة.

(٦) تاريخ الطبري ٦ / ٢٥٤، والخطط المقريزيّة ٢ / ٢٨٨.

٣٤٤

حال تقشعّر منها الأبدان(١) .

وكان معهم شمر بن ذي الجوشن، ومجفر بن ثعلبة العائدي(٢) ، وشبث بن ربعي، وعمرو بن الحَجّاج، وجماعة، وأمرهم أنْ يلحقوا الرؤوس ويشهّروهم في كلّ بلد يأتونها(٣) فجدّوا السّير حتّى لحقوا بهم في بعض المنازل(٤) .

وحدّث ابن لهيعة: إنّه رأى رجلاً متعلّقاً بأستار الكعبة يستغيث بربّه، ثمّ يقول: ولا أراك فاعلاً. فأخذتُه ناحيةً وقلت: إنّك لمجنون فإنّ الله غفور رحيم، ولَو كانت ذنوبك عدد القطر لغفرها لك. قال لي: اعلم كنتُ ممَّن سار برأس الحسين إلى الشام، فإذا أمسينا وضعنا الرأس وشربنا حوله، وفي ليلة كنت أحرسه، وأصحابي رقود، فرأيت برقاً وخلقاً أطافوا بالرأس، ففزعت واُدهشت ولزمت السّكوت، فسمعتُ بكاءاً وعويلاً وقائلاً يقول: يا محمّد إنّ الله أمرني أنْ اُطيعك، فلَو أمرتني أنْ اُزلزل بهؤلاء الأرض كما فعلت بقوم لوط، فقال لهصلى‌الله‌عليه‌وآله :«يا جبرئيل، إنّ لي موقفاً معهم يوم القيامة بين يدَي ربّي سبحانه».

فصحت: يا رسول الله الأمان! فقال لي:«اذهب فلا غفر الله لك» . فهل ترى الله يغفر لي؟(٥) .

وفي بعض المنازل وضعوا الرأس المطهّر فلم يشعر القوم إلاّ وقد ظهر قلم حديد من الحائط وكتب بالدم(٦) .

____________________________

(١) تاريخ القرماني / ١٠٨.

وفي مرآة الجنان لليافعي ١ / ١٣٤: سيقت بنات الحسين بن علي ومعهم زين العابدينعليه‌السلام وهو مريض كما تساق الاُسارى (قاتل الله فاعل ذلك). وخالف ابن تيمية ضرورة التاريخ، فقال كما في المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي / ٢٨٨: سيّر ابن زياد حرم الحسين بعد قتله إلى المدينة.

(٢) في جمهرة أنساب العرب لابن حزم / ١٦٥ قال: بنو عائدة منهم مجفر بن مرّة بن خالد بن عامر بن قبان بن عمرو بن قيس بن الحارث بن مالك بن عبيد بن خزيمة بن لؤي، وهو الذي حمل رأس الحسين بن عليرضي‌الله‌عنهما إلى الشام.

(٣) المنتخب للطريحي / ٣٣٩، الطبعة الثانية.

(٤) الإرشاد للمفيد.

(٥) اللهوف / ٩٨.

(٦) مجمع الزوائد لابن حجر ٩ / ١٩٩، والخصائص للسيوطي ٢ / ١٢٧، وتاريخ ابن عساكر ٤ / ٣٤٢، والصواعق المحرقة / ١١٦، والكواكب الدريّة ١ / ٥٧، والاتحاف بحبّ الأشراف / ٢٣. ونسبه ابن طاووس في اللهوف / ٩٨ إلى تاريخ بغداد لابن النّجار. وفي تاريخ القرماني / ١٠٨: وصلوا إلى دَير في الطريق، فنزلوا فيه ليقيلوا به، فوجدوا مكتوباً على بعض جدرانه هذا البيت. وفي الخطط المقريزيّة ٢ / ٢٨٥: كتب هذا قديماً ولا يدرى قائله. وفي مثير الأحزان لابن نما / ٥٣: حفروا في بلاد الروم حفراً قبل أن يبعث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثمئة سنة فأصأبوا حجراً مكتوب عليه بالمسند هذا البيت، والمسند كلام أولاد شيث.

٣٤٥

أترجو اُمّة قتلت حسيناً

شفاعةَ جَدّه يومَ الحساب؟

فلم يعتبروا بهذه الآية، وأرداهم العمى إلى مهوىً سحيق، ونِعم الحكم الله تعالى.

وقبل أنْ يصلوا الموضع بفرسخ، وضعوا الرأس على صخرة هناك، فسقطت منه قطرة دم على الصخرة، فكانت تغلي كلّ سنة يوم عاشوراء، ويجتمع النّاس هناك من الأطراف فيقيمون المأتم على الحسينعليه‌السلام ويكثر العويل حولها، وبقي هذا إلى أيّام عبد الملك بن مروان، فأمر بنقل الحجر فلم يُرَ له أثر بعد ذلك، ولكنّهم بنوا في محلّ الحجر قبّة سموها النّقطة(١) .

وكان بالقرب من حماة في بساتينها مسجد يقال له مسجد الحسينعليه‌السلام ، ويحدّث القَومة: أنّ الحجر والأثر والدم موضع رأس الحسينعليه‌السلام حين ساروا به إلى دمشق(٢) .

وبالقرب من حلب مشهد يعرف بـ (مسقط السّقط)(٣) وذلك أنّ حرم

____________________________

(١) نفَس المهموم / ٢٢٨، للشيخ الجليل الشيخ عبّاس القمي.

وفي نهر الذهب في تاريخ حلب ٣ / ٢٣: لمّا جيء برأس الحسينعليه‌السلام مع السّبايا ووصلوا إلى هذا الجبل غربي حلب، قطرت من الرأس الشريف قطرة دم، وعُمّر على أثرها مشهد عرف (بمشهد النقطة). وفيه ٣ / ٢٨٠، نقل من تاريخ يحيى بن أبي طي من عمْر هذا المشهد وتوالي العمارات عليه.

وفي كتاب الإرشارات إلى معرفة الزيارات تأليف أبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي المتوفّى (سنة ٦١١ هـ) / ٦٦: في مدينة نصيبين مشهد النّقطة يقال أنّه من دم رأس الحسينعليه‌السلام . وفي سوق النشابين مشهد الرأس فإنّه علّق هناك لمّا عبروا بالسّبي إلى الشام.

(٢) قال الشيخ المحدّث الجليل الشيخ عبّاس القمي، في نفس المهموم شاهدت هذا الحجر عند سفري إلى الحج، وسمعت الخدم يتحدثون بذلك.

(٣) في معجم البلدان ٣ / ١٧٣، وخريدة العجائب / ١٢٨: يُسمّى مشهد الطرح.

وفي نهر الذهب ٢ / ٢٧٨: سمّي مشهد الدكّة، ومشهد الطرح، يقع غربي حلب.

وحكى عن تاريخ ابن أبي طي إنّ مشهد الطرح ظهرت عمارته (سنة ٣٥١ هـ) بأمر من سيف الدولة.

وذكر بعضهم: إنّ إحدى نساء الحسينعليه‌السلام أسقطت هنا لمّا جيء بسبي عيال الحسينعليه‌السلام والرؤوس وكان هنا معدن، وأهله لمّا فرحوا بالسّبي دعت عليهم زينبعليها‌السلام ففسد ذلك المعدن، فعمّره سيف الدولة، ثمّ ذكر توالي العمارات عليه.

٣٤٦

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لما وصلوا إلى هذا المكان، أسقطت زوجة الحسينعليه‌السلام سقطاً كان يُسمى (محسناً)(١) .

وفي بعض المنازل نصبوا الرأس على رمح إلى جنب صومعة راهب، وفي أثناء الليل سمع الراهب تسبيحاً وتهليلاً، ورأى نوراً ساطعاً من الرأس المطهّر وسمع قائلاً يقول: السّلام عليك يا أبا عبد الله. فتعجّب حيث لَم يعرف الحال. وعند الصباح استخبر من القوم، قالو: إنّه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب واُمّه فاطمة بن محمّد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لهم: تبّاً لكم أيّتها الجماعة، صدقت الأخبار في قولها (إذا قُتل تمطر السّماء دماً). وأراد منهم أنْ يقبّل الرأس فلَم يجيبوه إلاّ بعد أن دفع إليهم دراهم، ثمّ أظهر الشهادتين وأسلم ببركة المذبوح دون الدعوة الإلهيّة، ولمّا ارتحلوا عن هذا المكان نظروا إلى الدراهم وإذا مكتوب عليها: وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون(٢) .

أيُهدى إلى الشامات رأس ابن فاطمٍ

ويـقـرعه بـالخيزرانة كـاشحه

وتـُسبى كـريمات النبيّ حواسراً

تـغادي الجوى من ثكلها وتراوحه

يـلوح لها رأس الحسين على القنا

فـتبكي وينهاها عن الصبر لائحه

وشـيـبته مـخـضوبة بـدمائه

يـلاعبها غادي النسيم ورائحه(٣)

في الشام

ولما قربوا من دمشق، أرسلت اُمّ كلثوم إلى الشمر تسأله أنْ يدخلهم في درب قليل النظّار، ويخرجوا الرؤوس من بين المحامل؛ لكي يشتغل النّاس بالنّظر إلى

____________________________

(١) في معجم البلدان ٣ / ١٧٣، بمادة جوشن، وخريدة العجائب لابن الوردي / ١٢٨، عند ذكر جبل جوشن: إنّ بعض سبي الحسينعليه‌السلام طلب ممّن يقطن هناك من الصنّاع خبزاً وماءً، فامتنع فدعا عليهم؛ ومن ذلك لا يربح أهل ذلك الموضع.

(٢) تذكرة الخواص / ١٥٠.

(٣) للعلامة الشيخ عبد الحسين الأعسم النجفيرحمه‌الله .

٣٤٧

الرؤوس فسلك بهم على حالة تقشعّر من ذكرها الأبدان وترتعد لها فرائص كلّ إنسان. وأمر أنْ يُسلك بهم بين النظّار، وأنْ يجعلوا الرؤوس وسط المحامل(١) .

وفي أول يوم من صفر دخلوا دمشق(٢) فأوقفوهم على (باب السّاعات)(٣) وقد خرج النّاس بالدفوف والبوقات، وهم في فرح وسرور، ودنا رجل من سكينة وقال: من أيّ السّبايا أنتم؟ قالت: نحن سبايا آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

وكان يزيد جالساً في منظره على جيرون، ولما رأى السّبايا والرؤوس على أطراف الرماح، وقد أشرفوا على ثنية جيرون، نعب غراب، فأنشأ يزيد يقول:

لـمّا بـدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الرؤوس على شفا جيرون(٥)

نـعب الغراب فقلتُ قل أو لا تقل

فـقد أقتضيت من الرسول ديوني

ومن هنا حكم ابن الجوزي والقاضي أبو يعلى والتفتازاني والجلال السّيوطي بكفره ولعنه(٦) .

____________________________

(١) اللهوف / ٩٩، ومثير الأحزان لابن نما / ٥٣، ومقتل العوالم / ١٤٥.

(٢) نصّ عليه كامل البهائي، والآثار الباقية للبيروني / ٣٣١ طبعة الاُفست، والمصباح للكفعمي / ٢٦٩، وتقويم المحسنين للفيض / ١٥، وبناءً على ما في تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٦، من حبسهم في السّجن إلى أنْ يأتي البريد من الشام يخبرهم ببعد وصولهم إلى الشام في أول صفر فإنّ المسافة بعيدة تستدعي زمناً طويلاً، اللهمّ إلاّ أنْ يكون البريد من طريق الطير.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢ / ٦١ روى: إنّهم اُدخلوا مدينة دمشق من باب (توما)، وهذا الباب كما في ثمار المقاصد / ١٠٩: أحد أبواب مدينة دمشق القديمة. ويحدّث أبو عبد الله محمّد بن علي بن ابراهيم المعروف بابن شدّاد المتوفّى (سنة ٦٨٤ هـ) في أعلاق الخطيرة ٢ / ٧٢ قال: إنّما سمّي بباب السّاعات؛ لأنّه عمل هناك بنظام السّاعات، يعلم بها كلّ ساعة تمضي من النّهار عليها عصافير من نحاس وغراب وحيّة من نحاس، فإذا أتمّت السّاعة خرجت الحيّة فصفرت العصافير وصاح الغراب وسقطت حصاة في الطشت.

(٤) أمالي الصدوق / ١٠٠ المجلس الواحد والثلاثون، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٦٠.

(٥) في صورة الأرض لابن حوقل / ١٦١ طبعة الاُفست في دمشق: ليس في الإسلام أحسن منه، كان مصلّى الصابئين ثمّ صار لليونان يعظّمون فيه دينهم، ثمّ صار لليهود، وملوك عبدة الأصنام، وباب هذا المسجد يُسمّى باب جيرون، صُلب على هذا الباب رأس يحيى بن زكريا وصلب على جيرون رأس الحسين بن عليعليه‌السلام في الموضع الذي صُلب فيه رأس يحيى بن زكريا. ولمّا كان أيّام الوليد بن عبد الملك جعل وجه جدرانه رخاماً...، ويظهر إنّ هذا المسجد هو الجامع الاُموي.

(٦) روح المعاني للآلوسي ٢٦ / ٧٣، آية( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ) قال الآلوسي: أراد بقوله: (فقد اقتضيت من الرسول ديون) أنّه قتل بما قتله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر، كجدّه عتبة وخاله وغيرهما، وهذا كفر صريح، ومثله تمثله بقول ابن الزبعري قبل إسلامه (ليت أشياخي...) الأبيات.

٣٤٨

ودنا سهل بن سعد السّاعدي من سكينة بنت الحسينعليه‌السلام وقال: ألك حاجة؟ فأمرته أنْ يدفع لحامل الرأس شيئاً فيبعده عن النّساء ليشتغل النّاس بالنّظر إليه، ففعل سهل(١) .

ودنا شيخ من السّجادعليه‌السلام وقال له: الحمد الله الذي أهلككم وأمكن الأمير منكم. ها هنا أفاض الإمام من لطفه على هذا المسكين المغترّ بتلك التمويهات لتقريبه من الحقّ وإرشاده إلى السّبيل، وهكذا أهل البيتعليهم‌السلام تشرق أنوارهم على مَن يعلمون صفاء قلبه وطهارة طينته واستعداده للهداية. فقالعليه‌السلام له:«يا شيخ أقرأت القرآن؟» قال: بلى، قالعليه‌السلام :«أقرأت ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) ؟ وقرأت قوله تعالى: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى‏ حَقّهُ ) (٣) ؟ وقوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْ‏ءٍ فَأَنّ للّهِ‏ِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (٤) ؟» قال الشيخ: نعم، قرأت ذلك. فقالعليه‌السلام :«نحن والله القربى في هذه الآيات».

ثمّ قال له الإمام:«أقرأت قوله تعالى: ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٥) ؟» قال: بلى. فقالعليه‌السلام :«نحن أهل البيت الذين خصّهم الله بالتطهير» . قال الشيخ: بالله عليك أنتم هم؟ فقالعليه‌السلام :«وحقّ جدّنا رسول الله إنّا لنحن هم، من غير شكّ».

فوقع الشيخ على قدمَيه يقبّلهما ويقول: أبرأ إلى الله ممَّن قتلكم. وتاب على يد الإمام ممّا فرّط في القول معه. وبلغ يزيد فعل الشيخ وقوله، فأمر بقتله(٦) .

بـأيـّة آيــة يـأتـي يـزيـد

غـداة صـحائف الأعـمال تُتلى

وقـام رسـول ربّ الـعرش يتلو

وقد صمَّت جميع الخلق قل لا(٧)

____________________________

(١) مقتل العوالم / ١٤٥.

(٢) سورة الشورى / ٢٣.

(٣) سورة الإسراء / ٢٦.

(٤) سورة الأنفال / ٤١.

(٥) سورة الأحزاب / ٣٣.

(٦) اللهوف / ١٠٠.

وفي تفسير ابن كثير ٤ / ١١٢، وروح المعاني للآلوسي ٢٥ / ٣١، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٦١: إنّ السّجادعليه‌السلام قرأ على الشيخ آية المودّة فأذعن له.

(٧) روح المعاني للآلوسي ٢٥ / ٣١، إنّهما للسيّد عمر الهيثمي (أحد أقاربه المعاصرين) وقد استجودهما الآلوسي.

٣٤٩

وقبل أنْ يدخلوهم إلى مجلس يزيد، أتوهم بحبال فربقوهم بها، فكان الحبل في عنق زين العابدينعليه‌السلام إلى زينب اُمّ كلثوم وباقي بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلّما قصروا عن المشي ضربوهم حتّى أوقفوهم بين يدَي يزيد، وهو على سريره، فقال على بن الحسينعليه‌السلام :«ما ظنّك برسول الله لَو يرانا على هذا الحال؟» فبكى الحاضرون، وأمر يزيد بالحبال فقُطعت(١) .

واُقيموا على درج باب الجامع حيث يقام السّبي، ووُضع الرأس المقدّس بين يدَي يزيد، وجعل ينظر إليهم ويقول:

صبرنا وكان الصبر منّا عزيمةً

وأسـيافنا يقطعنَ هاماً ومعصما

نُـفلّق هـاماً مـن رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(٢)

ثمّ التفت إلى النّعمان بن بشير وقال: الحمد لله الذي قتله. فقال النّعمان: قد كان أمير المؤمنين معاوية يكره قتله. فقال يزيد: قد كان ذلك قبل أنْ يخرج، ولو خرج على أمير المؤمنين لقتله(٣) .

فليت السّما حقاً على الأرض اُطبِقَتْ

وطـاف عـن الدنيا الفناء أو النشر

بـنات عـليٍّ وهـي خير حرائر

يـباح بـأيدي الأدعـياء لها ستر

سـبايا على عَجْف المطايا حواسراً

يـودّعها مـصر ويـرقبها مـصر

فـإنْ دمـعت منهنَّ عين وقصَّرت

عـن الـمشي إعـياء مخدرة طهر

____________________________

(١) الأنوار النّعمانيّة / ٣٤١، واللهوف / ١٠١، وتذكرة الخواص / ٤٩.

(٢) مرآة الجنان لليافعي ١ / ١٣٥.

وفي كامل ابن الأثير ٤ / ٣٥، وعليه مروج الذهب: لما اُدخل الرأس عليه، جعل ينكته بقضيب ويتمثّل بقول الحصين بن حمام.

أبى قومنا أن ينصفونا فانصفت

قواضب في أيماننا تقطر الدما

نفلق هاماً من رجـال أعـزة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما

وفي العقد الفريد ٢ / ٣١٣، في خلافة يزيد قال: لمّا وُضع الرأس بين يدَيه تمثّل يزيد بقول الحصين بن الحمام المزني وذكر البيت الثاني، واقتصر ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٩٨ على البيت الثاني، واقتصر الخوارزمي في المقتل ٢ / ٦١ على وقوفهم على درج باب الجامع، وهذان البيتان للحصين بن الحمام ذكرهما في المؤتلف والمختلف للآمدي / ٩١، قال: إنّ الحصين بن حمام بن ربيعة (إلى آخر نسبه) قال من قصيدة طويلة وذكر ثلاثة أبيات فيها البيتان.

وفي الشعر والشعراء / ١٥١، ذكر ثلاثة أبيات فيها البيت الثاني.

وفي الأشباه والنظائر / ٤ من أشعار المتقدّمين والجاهلين للخالديين اقتصر على البيت الثاني.

وفي الأغاني ١٢ / ١٢٠، طبعة ساسي ذكر ثلاثة عشر بيتاً فيها البيتان.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢ / ٥٩.

٣٥٠

أهـاب بـها شـمر الخنا بقساوة

وآمـلها فـي سوطه نقمة زجر

ولـيس لـديها كـافل غير مدنف

أضرَّت به البلوى وقد مسَّه الضر

عليل يعاني القيد والغلَّ في السرى

ويـبدو عـلى سيمائه الذلّ والاسر

سـروا فـيه مـغلول اليدين مقيَّدا

إلى بطن حرف لم يوطَّأ لها ظهر

وقـد أكـل الـلحم الـحديد بجيده

واثَّـر حتّى فاض في دمه النحر

يـلاحظ أطـفالاً تـصيح ونـسوة

تـعجُّ واكـباداً يـطير بها الذعر

ورأس أبـيه وهـو سـبط محمد

أمـامَ الـسبايا تـستطيل به السمر

وقـد أدخـلوه الـشام لا مرحباً به

وأفـراحه تـطغى بعيدٍ هو النصر

الـى مـجلس فيه ابن هند بنصره

قـرير ومـروان يـطير به البشر

ورأس أبيه السّبط في طست عسجد

أمـام دعـيًّ غـرَّه الزهو والكبر

وقـد كـان يخفي الكفر لكن بذكره

لا شياخه في بدر قد ظهر الكفر(١)

يزيد مع السجاد

والتفت يزيد إلى السّجادعليه‌السلام وقال: كيف رأيت صنع الله يا علي بأبيك الحسين؟ قال:«رأيت ما قضاه الله عزّ وجلّ قبل أن يخلق السّموات والأرض». وشاور يزيد من كان حاضراً عنده في أمره، فأشاروا عليه بقتله. فقال زين العابدينعليه‌السلام :«يا يزيد، لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار به جلساء فرعون عليه حين شاورهم في موسى وهارون فإنّهم قالوا له: ( أَرْجِهِ وَأَخَاهُ ) ولا يقتل الأدعياء أولاد الأنبياء وأبناءهم» . فأمسك يزيد مطرقاً(٢) .

وممّا دار بينهما من الكلام أنْ قال يزيد لعلي بن الحسينعليه‌السلام :( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) (٣) ، قال علي بن الحسينعليه‌السلام :«ما هذه فينا نزلت، إنّما نزل فينا ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) (٤) (٥) فنحن لا

____________________________

(١) من قصيدة للعلامة الشيخ عبد المنعم الفرطوسي.

(٢) اثبات الوصية صفحة ١٤٣ ط نجف.

(٣) سورة الشورى / ٣٠.

(٤) العقد الفريد ٢ / ٣١٣، وتاريخ الطبري ٦ / ٢٦٧.

(٥) سورة الحديد / ٢٢ - ٢٣.

٣٥١

نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما آتانا» (١) فأنشد يزيد قول الفضل بن العبّاس بن عتبة:

مهلاً بني عمَّنا مهلاً موالينا

لا تنبشوا بيننا ما كان مدفوناً(٢)

ثمّ استأذنهعليه‌السلام في أنْ يتكلّم، فقال يزيد: نعم على أنْ لا تقل هجراً. قالعليه‌السلام : لقد«وقفت موقفاً لا ينبغي لمثلي أنْ يقول الهجر، ما ظنّك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لَو يراني على هذه الحال؟» فأمر يزيد بأن يفكّ الغل منه(٣) .

وأمر يزيد الخطيب أن يثني على معاوية وينال من الحسين وآله، فأكثر الخطيب من الوقيعة في علي والحسينعليهما‌السلام فصاح به السّجادعليه‌السلام :«لقد اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النّار» (٤) :

أعلى المنابر تعلنون بسبّه

وبسيفه نُصِبَتْ لكم أعوادها

وقال ليزيد:«أتأذن لي أن أرقى هذه الأعواد، فأتكلّم بكلام لله تعالى رضىً ولهؤلاء أجر وثواب؟» فأبى يزيد، وألحّ النّاس عليه فلَم يقبل، فقال ابنه معاوية: إئذن له، ما قدر أنْ يأتي به؟ فقال يزيد: إنّ هؤلاء ورثوا العلم والفصاحة(٥) وزقّوا العلم زقّاً(٦) . وما زالوا به حتّى أذِن له.

فقالعليه‌السلام :«الحمد لله الذي لا بداية له، والدائم الذي لا نفاد له، والأول الذي لا أوليّة له، والآخر الذي لا آخريّة له، والباقي بعد فناء الخلق، قدّر الليالي والأيّام، وقسّم فيما بينهم الأقسام، فتبارك الله الملك العلاّم، إلى أنْ قال:أيّها النّاس اُعطينا ستّاً وفضّلنا بسبع، اُعطينا؛ العلم والحلم والسّماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين، وفُضلنا؛ بأنَّ منّا النّبي والصدّيق والطيّار وأسد الله وأسد رسوله وسبطا هذه الاُمّة. أيّها النّاس مَن عرفني فقد

____________________________

(١) العقد الفريد ٢ / ٣١٣، وتاريخ الطبري ٦ / ٢٦٧، تفسير علي بن إبراهيم / ٦٠٣، في الشورى.

(٢) المحاضرات للراغب الاصفهاني ١ / ٧٧٥، باب مَن يبجح بمعادات ذويه، وهذا البيت من أبيات خمسة للفضل بن العبّاس بن عتبة بن أبي لهب ذكرها أبو تمام في الحماسة راجع (شرح التبريزي ١ / ٢٢٣).

(٣) مثير الأحزان لابن نما / ٥٤، وغيره.

(٤) نفَس المهموم / ٢٤٢.

(٥) كامل البهائي.

(٦) رياض الأحزان / ١٤٨.

٣٥٢

عرفني، ومَن لَم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي، أيّها النّاس أنا ابن مكّة ومِنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن مَن حمل الركن بأطراف الردا، أنا ابن خير مَن ائتزر وارتدى وخير مَن طاف وسعى، وحجّ ولبّى، أنا ابن مَن حُمِل على البراق وبلغ به جبرئيل سدرة المنتهى، فكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن مَن صلّى بملائكة السّماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن مَن ضرب بين يدَي رسول الله ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيّين، ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ومفرّق الأحزاب، أربطهم جأشاً، وأمضاهم عزيمةً ذاك أبو السّبطين الحسن والحسين، علي بن أبي طالب. أنا ابن فاطمة الزهراء، وسيّدة النّساء، وابن خديجة الكبرى. أنا ابن المرمّل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء، أنا ابن مَن بكى عليه الجنّ في الظلماء، وناحت الطير في الهواء». فلمّا بلغ إلى هذا الموضع، ضجّ النّاس بالبكاء، وخشي يزيد الفتنة، فأمر المؤذّن أن يُؤذِّن للصلاة.

فقال المؤذِّن: الله أكبر. قال الإمامعليه‌السلام :«الله أكبر وأجلّ وأعلى وأكرم ممّا أخاف وأحذر». فلمّا قال المؤذِّن: أشهد أنْ لا إله إلاّ الله، قالعليه‌السلام :«نعم، أشهد مع كلّ شاهد أنْ لا إله غيره ولا ربّ سواه». فلمّا قال المؤذِّن: أشهد أنّ محمّداً رسول الله قال الإمامعليه‌السلام للمؤذِّن:«أسألك بحقّ محمّد أنْ تسكت حتّى اُكلّم هذا، والتفت إلى يزيد وقال:هذا الرسول العزيز الكريم جدّك أم جدّي؟ فإنْ قلتَ جدّك علم الحاضرون والنّاس كلّهم إنّك كاذب، وإنْ قلتَ جدّي فلِمَ قتلتَ أبي ظلماً وعدواناً وانتهبت ماله وسبَيت نساءه، فويلٌ لك يوم القيامة إذا كان جدّي خصمك».

فصاح يزيد بالمؤذِّن: أقم للصلاة. فوقع بين النّاس همهمة وصلّى بعضهم، وتفرّق الآخر(١) .

____________________________

(١) نفَس المفهوم / ٢٤٢، والخطبة طويلة في مقتل الخوارزمي ٢ / ٦٩.

٣٥٣

الرأس الأطهر

ودعا يزيد برأس الحسينعليه‌السلام ووضعه أمامه في طست من ذهب(١) ، وكان النّساء خلفه، فقامت سكينة وفاطمة يتطاولان للنّظر إليه، ويزيد يستره عنهما، فلمّا رأينه صرخن بالبكاء(٢) .

ثمّ أذِن للنّاس أنْ يدخلوا(٣) . وأخذ يزيد القضيب وجعل ينكت ثغر الحسين(٤) ويقول: يوم بيوم بدر(٥) . وأنشد قول الحصين بن الحمام:

أبى قومنا أنْ ينصفونا فأنصفت

قـواضب في أيماننا تقطر الدما

نُـفلِّق هـاماً مـن رجال أعزَّة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(٦)

فقال يحيى بن الحكم بن أبي العاص، أخو مروان، وكان جالساً عنده:

لَهامٍ بجنب الطفِّ أدنى قرابة من ابن

زيـاد الـعبد ذي الـحسب والوغل

سـميّة أمـسى نسلها عدد الحصى

وليس لآل المصطفى اليوم من نسل

____________________________

(١) مرآة الجنان لليافعي ١ / ١٣٥.

(٢) كامل ابن الأثير ٤ / ٣٥، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٥، والفصول المهمّة لابن الصباغ / ٢٠٥.

(٣) كامل ابن الأثير ٤ / ٣٥.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٧، وكامل ابن الأثير ٤ / ٣٥، وتذكرة الخواص / ١٤٨، والصواعق المحرقة / ١١٦، والفروع لابن مفلح الحنبلي في فقه الحنابلة ٣ / ٥٤٩، ومجمع الزوائد لابن حجر ٩ / ١٩٥، والفصول المهمّة لابن الصباغ / ٢٠٥، والخطط المقريزية ٣ / ٢٨٩، والبداية لابن كثير ٨ / ١٩٢، وشرح مقامات الحريري للشريشي ١ / ١٩٣، آخر المقامة العاشرة، وأيّام العرب في الإسلام / ٤٣٥، تأليف محمّد أبي الفضل وعلي محمّد البجاوي و مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢٢٥.

وفي الاتحاف بحبّ الأشراف / ٢٣: صار يزيد يضرب ثناياه بالقضيب. وكذ في الآثار الباقية للبيروني / ٣٣١، طبعة الاُوفست: (والنكت) كما في صحاح الجوهري: الضرب.

وفي المغرب للمطرزي ٢ / ٢٢٧: نكتت خدّها بإصابعها: أي نقرته وضربته.

وفي مقاييس اللغة لابن فارس ٥ / ٤٧٥: نكت في الأرض بقضيبه، ينكت: إذا أثّر فيها.

(٥) مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢٢٦.

(٦) كامل ابن الأثير ٤ / ٣٥، والفصول المهمّة لابن الصباغ / ٢٠٥: والبيت الأول عند اليافعي في مرآة الجنان ١ / ١٣٥.

صبرنا فكان الصبر منّا عزيمةً

وأسيافنا يقطعن كفّا ومعصما

ورواه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / ١٤٨، مع تغيير في بعض ألفاظه.

وجماعة من المؤرخين اقتصروا على البيت الثاني، منهم الشريشي في شرح مقامات الحريري ١ / ١٩٣، والأندلسي في العقد الفريد ٢ / ٣١٣ وابن كثير في البداية ٨ / ١٩٧، والشيخ المفيد في الإرشاد، وابن جرير الطبري في التاريخ ٦ ص٢٦٧، وقال: البيت للحصين بن الحمام المري.

٣٥٤

فضربه يزيد على صدره وقال: اسكت لا اُمّ لك(١) .

وقال أبو برزة الأسلمي: أشهد لقد رأيت النّبي يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسنعليه‌السلام ويقول:«أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة، قَتل الله قاتلكما، ولعنه وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً» . فغضب يزيد منه وأمر به فاُخرج سحباً(٢) .

والتفت رسول قيصر إلى يزيد وقال: إنّ عندنا في بعض الجزائر حافر حمار عيسى، ونحن نحجّ إليه في كلّ عام من الأقطار ونهدي إليه النّذور ونعظّمه كما تعظّمون كتبكم، فأشهد إنّكم على باطل(٣) . فأغضب يزيد هذا القول وأمر بقتله، فقام إلى الرأس وقبَّله، وتشهّد الشهادتين، وعند قتله سمع أهل المجلس من الرأس الشريف صوتاً عالياً فصيحاً«لا حول ولا قوّة إلاّ بالله» (٤) .

ثمّ اُخرج الرأس من المجلس وصُلب على باب القصر ثلاثة أيّام(٥) ، فلمّا رأت هند بنت عمرو بن سهيل، زوجة يزيد، الرأس على باب دارها(٦) والنّور الإلهي يسطع منه ودمه طري لَم يجفّ ويُشمّ منه رائحةً طيّبةً(٧) دخلت المجلس مهتوكة الحجاب وهي تقول: رأس ابن بنت رسول الله على باب دارنا؟! فقام إليها

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٥، وكامل ابن الأثير ٤ / ٣٧. وعجز البيت الثاني في مجمع الزوائد لابن حجر ٩ / ١٩٨، و مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢٢٦: (وبنت رسول الله ليس لها نسل) وفي البداية لابن كثير ٨ / ١٩٣: كان الحصين ينشد وذكر البيت الثاني موافقاً لمجمع الزوائد.

وفي مثير الأحزان لابن نما / ٥٤: روى أنّ الحسن بن الحسن - وهو المثنّى - لمّا رأى يزيد يضرب رأس الحسين عليه‌السلام بالقضيب قال واذلاّه!

سـميّة أمـسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل

وفي تذكرة الخواص / ١٤٩: لمّا بلغ الحسن البصري فعلة يزيد بالرأس، تمثّل بالبيت الثاني.

وفي الأغاني ١٢ / ٧١: نسبهما إلى عبد الرحمن بن الحكم مع بيت ثالث.

وفي مقتل الخوارزمي ٢ / ٥٦: نسبهما إلى عبد الرحمن ابن الحكم أخي مروان.

(٢) اللهوف / ١٠٢، واختصر الحديث في الفصول المهمّة / ٢٠٥، وتاريخ الطبري ٦ / ٢٦٧، و مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢٦.

(٣) الصواعق المحرقة / ١١٩.

(٤) مقتل العوالم / ١٥١، ومثير الأحزان لابن نما.

وفي مقتل الخوارزمي ٢ / ٧٢، ذكر محاورة النّصراني مع يزيد وقتْله ولَم يذكر كلام الرأس الأطهر.

(٥) الخطط المقريزيّة ٢ / ٢٨٩، والاتحاف بحبّ الأشراف / ٢٣، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٧٥، والبداية لابن كثير ٨ / ٢٠٤، وسِيَر أعلام النّبلاء ٣ / ٢١٦.

(٦) مقتل العوالم / ١٥١، وتقدّم في المقدّمة من هذا الكتاب تعريف أبيها وعند مَن كانت.

(٧) الخطط المقريزيّة ٢ / ٢٨٤.

٣٥٥

يزيد وغطّاها وقال لها: اعولي عليه يا هند، فإنّه صريخة بني هاشم عجّل عليه ابن زياد(١) .

وأمر يزيد بالرؤوس أنْ تُصلب على أبواب البلد والجامع الاُموي، ففعلوا بها ذلك(٢) .

وفرح مروان بقتل الحسينعليه‌السلام فقال:

ضربت دوسر فيهم ضربة

أثبتت أوتاد مُلكٍ فاستقر

ثمّ جعل ينكت بالقضيب في وجهه ويقول:

يـا حبّذا بردك في اليدَين

ولونك الأحمر في الخدَّين

كـأنَّـه بـات بـعسجدين

شفيت منك النّفس يا حسين(٣)

الشامي مع فاطمة

قال الرواة: نظر رجال شامي إلى فاطمة بنت علي(٤) فطلب من يزيد أنْ يهبها له لتخدمه، ففزعت ابنة أمير المؤمنين وتعلّقت باُختها العقيلة زينب وقالت: كيف

____________________________

(١) المقتل للخوارزمي ٢ / ٧٤.

(٢) نفَس المهموم ص ٢٤٧.

(٣) رياض الاحزان ص ٥٩ ومثير الاحزان لابن نما ص ٥ واقتصر سبط ابن الجوزي على البيت الاول ويروي ابن ابي الحديد في شرح النهج ج ١ ص ٣٦١ مصر ان مروان كان امير المدينة فلمّا وصل اليه الرأس قال:

يـا حبّذا بردك في اليدَين

وحمرة تجري على خدين

كأنما بات بعسجدين

ثم رمى بالرأس نحو القبر وقال يا محمد يوم بيوم بدر والخبر مشهور والصحيح ان مروان لم يكن امير المدينة. وفي اقرب الموارد مادة (برد) البرد حب الغمام ويستعمل للاسنان الشديدة البياض، وفي آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ج ١ ص ٢٨٢ من شعر يزيد بن الطثرية قوله:

بنفسي من لو مر بنانه

على كبدي كانت شفاء أنامله

والبرد كما في تاج العروس ج ٢ ص ٢٩٨ السكون والفتور فكأنه أراد أن يكون قتله واسكاته عن الحركة بيده وانه الذي يضرج خديه بحمرة الدم، واستبعاد حضور مروان في الشام حينذاك يرده نص ابن جرير الطبري في التاريخ ج ٦ ص ٢٦٧ وابن كثير في البداية ج ٨ ص ١٩٦ كان مروان بن الحكم يسأل الجماعة الذين وردوا الشام مع العيال عما فعلوه بالحسينعليه‌السلام .

(٤) تاريخ الطبري ج ٦، والبداية لابن كثير ٨ / ١٩٤، وأمالي الشيخ الصدوق ص ١٠٠ المجلس الواحد والثلاثون. ويروي ابن نما في مثير الأحزان ص ٥٤، والخوارزمي في المقتل ٢ / ٦٢: إنّها فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام .

٣٥٦

أخدم؟ قالت العقيلة لا عليكِ إنّه لَن يكون أبداً. فقال يزيد: لَو أردتُ لفعلتُ. فقالت له: إلاّ أنْ تخرج عن ديننا. فردّ عليها: إنّما خرج عن الدِّين أبوكِ وأخوكِ. قالت زينب: بدين الله ودين جدّي وأبي وأخي اهتديت أنت وأبوك إنْ كنت مسلماً. قال: كذبتِ يا عدوّة الله. فرقّتعليها‌السلام وقالت: أنت أمير مسلّط تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك(١) . وعاود الشامي الطلب، فزبره يزيد ونهره وقال له: وهب الله لك حتفاً قاضياً(٢) .

خطبة زينبعليها‌السلام

قال ابن نما وابن طاووس(٣) : لمّا سمعت زينب بنت عليعليهما‌السلام (٤) يزيد يتمثّل بأبيات ابن الزبعري(٥) .

لـيت أشـياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهـلّـوا واسـتهلّوا فـرحاً

ثـمّ قـالوا يا يزيد لا تشل

قـد قـتلنا القرم من ساداتهم

وعـدلـناه بـبدرٍ فـاعتدل

لـعبت هـاشم بـالملك فلا

خـبر جـاء ولا وحي نزل

لـستُ من خندف إنْ لَم أنتقم

مـن بـني أحمد ما كان فعل

قالتعليها‌السلام : الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله

____________________________

(١) ابن الاثير ٤ / ٣٥.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٥.

(٣) ذُكرت هذه الخطبة في (بلاغات النّساء / ٢١ طبعة النّجف)، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٦٤.

(٤) عرفها الخوارزمي في مقتل الحسينعليه‌السلام : أنّ اُمّها فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٥) هذه الأبيات نسبها السيّد ابن طاووس في اللهوف / ١٠٢ طبعة صيدا: إلى ابن الزبعري وليست كلّها له، فإنّ الخوارزمي في مقتل الحسينعليه‌السلام ٢ / ٦٦، وابن أبي الحديد في شرح النّهج ٣ / ٣٨٣ الطبعة المصرية الاُولى، وابن هشام في السّيرة في واقعة اُحد: ذكروا ستّة عشر بيتاً وليس فيها ممّا ذكره ابن طاووس إلاّ الأول والثالث، وكان عجز الثالث في روايتهم (وعدلنا مَيل بدرٍ فاعتدل). وفي رواية أبي علي القالي في الأمالي ١ / ١٤٢، والبكري في شرحه ١ / ٣٧٨: (وأقمنا مَيل بدرٍ فاعتدل). وفي رسالة الجاحظ في بني اُميّة ضمن مجموعة رسائله: ابن الزبعري قال: لَيت أشياخي إلى آخر ثلاثة أبيات كما في اللهوف مع تغيير يسير. وذكرها البيروني في الآثار الباقية / ٣٣١ طبعة الاُوفست: عدا البيت الرابع.

٣٥٧

سبحانه حيث يقول:( ثُمّ كَانَ عَاقِبَةَ الّذِينَ أَسَاءُوا السّوءى‏ أَن كَذّبُوا بِآيَاتِ اللّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) (١) . أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض، وآفاق السّماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الاُسارى أنّ بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة، وإنّ ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، نظرت في عطفك، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والاُمور متّسقة، وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى:( وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (٢) ؟!

أمن العدل يابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسَوقك بنات رسول الله سبايا، قد هُتكت ستورهنَّ، واُبديت وجوههنَّ، تحدو بهنَّ الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهنَّ أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههنَّ القريب والبعيد والدني والشريف، ليس معهنَّ من حماتهنَّ حمي ولا من رجالهنَّ ولي، وكيف يرتجي مراقبة مَن لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء؟! وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت مَن نظر إلينا بالشنف والشنآن، والاحن والاضغان؟! ثمّ تقول غير متأثم ولا مستعظم:

لأهلّوا واستهلَّوا فرحاً

ثمّ قالوا يا يزيد لا تُشل

منحياً على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذريّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب، وتهتف بأشياخك زعمت أنّك تناديهم فلتردنّ وشيكاً مَوردهم، ولتودنّ أنّك شللت وبكمت ولَم تكن قلتَ ما قلت وفعلتَ ما فعلت.

اللهمّ خُذ لنا بحقّنا، وأنتقم ممَّن ظلمنا، واحلل غضبك بمَن سفك دماءنا وقتل حماتنا.

فوالله ما فريتَ إلاّ جلدك، ولا حززت إلاّ لحمك، ولتردنّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحمّلت من سفك دماء ذريّته، وانتهكتَ من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلمّ شعثهم، ويأخذ بحقّهم،( وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٣) .

____________________________

(١) سورة الروم / ١٠.

(٢) سورة آل عمران / ١٧٨.

(٣) سورة آل عمران / ١٦٩.

٣٥٨

وحسبك بالله حاكماً، وبمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله خصيماً، وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم مَن سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلاً! وأيّكم شرٌّ مكاناً وأضعف جنداً.

ولئن جرّت عليَّ الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرّى.

ألا فالعجب كلّ العجب، لقتل حزب الله النّجباء، بحزب الشيطان الطلقاء! فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلّب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفّرها اُمّهات الفراعل، ولئن اتخذتنا مغنماً، لتجدنا وشيكاً مغرما، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك، وما ربّك بظلّام للعبيد، وإلى الله المشتكى وعليه المعوّل.

فكد كيدك، واسع سعيك، وناصبْ جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلاّ فند وأيّامك إلاّ عدد، وجمعك الا بدد؟ يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين.

والحمد لله ربّ العالمين، الذي ختم لأولنا بالسّعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد ويُحسن علينا الخلافة، إنّه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

فقال يزيد:

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون النّوح على النوائح

ومن جهْل يزيد وغيِّه وضلاله قوله بملء فمه غير متأثّم ولا مستعظم يُخاطب مَن حضر عنده من ذؤبان أهل الشام: أتدرون من أين أتى ابن فاطمة، وما الحامل له على ما فعل، والذي أوقعه فيما وقع؟ قالوا: لا، قال: يزعم أنّ أباه خير من أبي، واُمَّه فاطمة بنت رسول الله خير من اُميِّ، وجدَّه خيرٌ من جَدِّي، وإنّه خيرٌ منِّي وأحقّ بهذا الأمر منِّي، فأمّا قوله أبوه خيرٌ من أبي فقد حاجَّ أبي أباه إلى الله عزَّ وجلَّ وعلم النّاس أيّهما حكم له، وأمّا قوله اُمّه خيرٌ من اُمّي فلَعمري إنّ فاطمة بنت رسول الله خيرٌ من اُمِّي، وأمّا قوله جدّه خيرٌ من جدِّي، فلَعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر وهو يرى أنّ لرسول الله فينا عدلاً ولا نِدّاً، ولكنّه

٣٥٩

إنّما اُتي من قلَّة فقهه ولَم يقرأ:( قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ) (١) وقوله تعالى:( ... وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ... ) (٢)(٣) .

الخربة

ولقد أحدثت هذه الخطبة هزّة في مجلس يزيد، وراح الرجل يحدّث جليسه بالضلال الذي غمرهم وإنّهم في أي وادٍ يعمهون، فلم يرَ يزيد مناصاً إلاّ أن يُخرج الحرم من المجلس إلى خربة لا تكنّهم من حرٍّ ولا برد، فأقاموا فيها ينوحون على الحسينعليه‌السلام (٤) ثلاثة أيّام(٥) . وفي بعض الأيّام خرج الإمام السّجادعليه‌السلام منها يتروّح، فلقيه المنهال بن عمر وقال له: كيف أمسيت يابن رسول الله؟ قالعليه‌السلام :«أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون، يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّداً منها، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّداً منها، وأمسينا معشر أهل بيته مقتولين مشرّدين، فإنّا لله وإنّا اليه راجعون» (٦) . قال المنهال: وبينا يكلّمني إذ امرأة خرجت خلفه تقول له: إلى أين يا نِعم الخلَف؟ فتركني وأسرع إليها، فسألتُ عنها قيل: هذه عمّته زينب(٧) .

إلى المدينة

لقد سرَّ يزيدَ قتلُ الحسينعليه‌السلام ومَن معه وسَبي حريم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٨)

____________________________

(١) سورة آل عمران / ٢٦.

(٢) سورة البقرة / ٢٤٧.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٢٦٦، والبداية لابن كثير ٨ / ١٩٥.

(٤) اللهوف / ٢٠٧، وأمالي الصدوق / ١٠١ المجلس الواحد والثلاثون.

(٥) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٤. وهذه الخربة - أو فقل المحبس - كما جاء في ذيل مرآة الزمان لليونيني ٤ / ١٤٦، حوادث (سنة ٦٨١ﻫـ) قال: في ليلة الأحد، عاشر شهر رمضان، احترقت سوق اللبادين بدمشق بكمالها وجسر الكتبيين، والفوارة وسوق القماش المعروف بسوق عسا الله وسقاية جيرون، ووصلت النّار إلى درب العجم وسط جيرون وجدار المسجد العمري الذي على درج بدرب الجامع الملاصق لسجن زين العابدين....

(٦) مثير الأحزان لابن نما / ٥٨، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٧٢.

(٧) الأنوار النّعمانيّة / ٣٤٠.

(٨) تاريخ الخلفاء للسيوطي / ١٣٩.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437