مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)9%

مقتل الامام الحسين (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-8163-70-7
الصفحات: 437

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 244290 / تحميل: 10030
الحجم الحجم الحجم
مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مقتل الامام الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
ISBN: ٩٦٤-٨١٦٣-٧٠-٧
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وظهر عليه السّرور في مجلسه، فلَم يبال بإلحاده وكفره حين تمثّل بشعر ابن الزبعري، وحتّى أنكر الوحي على رسول الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّه لمّا كثرت اللائمة عليه ووضح له الفشل والخطأ في فعلته التي لَم يرتكبها حتّى مَن لم ينتحل دين الإسلام وعرف المغزى من وصيّة معاوية إيّاه حيث قال له: إنّ أهل العراق لن يدَعوا الحسين حتّى يخرجوه، فإذا خرج عليك فاصفح عنه؛ فإنّ له رحماً ماسة وحقّاً عظيماً(١) .

وعاب عليه خاصّته وأهل بيته ونساؤه، وكان بمرأى منه ومسمع كلام الرأس الأطهر لمّا أمر بقتل رسول ملك الروم(لا حول ولا قوة إلا بالله) (٢) ولحديث الأندية عمّا ارتكبه من هذه الجريمة الشائنة والقسوة الشديدة دوي في أرجاء دمشق، لَم يجد مناصاً من القاء التبعة على عاتق ابن زياد تبعيداً للسبَّة عنه، ولكن الثابت لا يزول.

ولمّا خشى الفتنة وانقلاب الأمر عليه، عجّل بإخراج الإمام السّجادعليه‌السلام والعيال من الشام إلى وطنهم ومقرّهم، ومكَّنهم ممّا يريدون، وأمر النّعمان بن بشير وجماعة معه أنْ يسيروا معهم إلى المدينة مع الرفق(٣) .

فلمّا وصلوا العراق قالوا للدليل: مُر بنا على طريق كربلاء، فوصلوا إلى مصرع الحسينعليه‌السلام فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل رسول الله - قد وردوا لزيارة قبر الحسينعليه‌السلام - فتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم، وأقاموا في كربلاء ينوحون على الحسينعليه‌السلام (٤) ثلاثة أيّام(٥) .

ووقف جابر الأنصاري على القبر فأجهش بالبكاء وقال: يا حسين (ثلاثاً) ثم قال:

حبيب لا يجيب حبيبه! وأنّى لك بالجواب وقد شحطت أوداجك على

____________________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ١٨٠.

(٢) مقتل العوالم / ١٥٠.

(٣) إرشاد المفيد.

(٤) اللهوف / ١١٢، ومثير الاحزان لابن نما / ٧٩ الطبعة الحجريّة.

(٥) رياض الأحزان / ١٥٧.

٣٦١

أثباجك، وفرّق بين رأسك وبدنك، فأشهد أنَّك ابن خاتم النبيين، وابن سيّد المؤمنين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيّد النقباء، وابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء، وما لَك لا تكون كذلك وقد غذَّتك كفّ سيّد المرسلين، وربيت في حجر المتّقين، ورضعت من ثدى الإيمان، وفطمت بالإسلام؟! فطبت حيّاً وطبت ميّتاً غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيّبة بفراقك، ولا شاكة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريّا.

ثم أجال بصره حول القبر وقال: السّلام عليكم أيّتها الأروح التي حلّت بفناء الحسينعليه‌السلام وأناخت برحله، أشهد أنّكم أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم الملحدين، وعبدتم الله حتّى أتاكم اليقين. والذي بعث محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحقّ نبيّاً، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه. فقال له عطيّة العوفي: كيف ولَم نهبط وادياً ولَم نعلُ جبلاً ولَم نضرب بسيف، والقوم قد فُرّق بين رؤوسهم وأبدانهم واُوتمت أولادهم واُرملت الأزواج؟ فقال له: إني سمعت حبيبي رسول الله يقول:«مَن أحبّ قوماً، كان معهم. ومَن أحبّ عمل قوم اُشرك في عملهم». والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسينعليه‌السلام وأصحابه(١) .

الرأس مع الجسد

لمّا عرف زين العابدينعليه‌السلام الموافقة من يزيد، طلب منه الرؤوس كلّها ليدفنها في محلّها، فلَم يتباعد يزيد عن رغبته، فدفع اليه رأس الحسينعليه‌السلام مع رؤوس أهل بيته وصحبه، فألحقها بالأبدان.

نصّ على مجيئه بالرؤوس إلى كربلاء في حبيب السير كما في نفَس المهموم ص ٢٥٣، ورياض الأحزان ص ١٥٥.

____________________________

(١) بشارة المصطفى / ٨٩، المطبعة الحيدريّة، مؤلّفه - كما في روضات الجنّات - أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم بن محمّد بن علي الطبري الآملي، من علماء القرن الخامس، قرأ على ابن الشيخ الطوسي.

٣٦٢

وأمّا رأس الحسينعليه‌السلام ففي روضة الواعظين للفتّال ص ١٦٥، وفي مثير الأحزان لابن نما الحلي ص ٥٨: إنّه المعوّل عليه عند الإماميّة.

وفي اللهوف لابن طاووس ص ١١٢: عليه عمل الإماميّة. وفي إعلام الورى للطبرسي ص ١٥١، ومقتل العوالم ص ١٥٤، ورياض المصائب، والبحار: إنّه المشهور بين العلماء.

وقال ابن شهر آشوب في المناقب ج ٢ ص ٢٠٠: ذكر المرتضى في بعض رسائله: إنّ رأس الحسينعليه‌السلام اُعيد إلى بدنه في كربلاء. وقال الطوسي: ومنه زيارة الأربعين.

وفي البحار عن (العدد القويّة) لأخ العلاّمة الحلّي، وفي عجائب المخلوقات للقزويني ص ٦٧: في العشرين من صفر ردَّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى جثّته.

وقال الشبراوي: قيل اُعيد الرأس إلى جثّته بعد أربعين يوماً(١) .

وفي شرح همزيّة البوصيري لابن حجر اُعيد رأس الحسينعليه‌السلام بعد أربعين يوماً من قتله.

وقال سبط ابن الجوزي: الأشهر أنّه رُدَّ إلى كربلاء فدفن مع الجسد(٢) .

والمناوي في الكواكب الدريّة ج ١ ص ٥٧، نقل اتّفاق الإماميّة على أنّه اُعيد إلى كربلاء، وإنّ القرطبي رجّحه ولَم يتعقبه، بل نسب إلى بعض أهل الكشف والشهود أنّه حصل له اطّلاع على أنّه اُعيد إلى كربلاء.

وقال أبو الريحان البيروني: في العشرين من صفر ردَّ رأس الحسينعليه‌السلام إلى جثّته حتّى دُفِن مع جثته(٣) .

وعلى هذا فلا يعبأ بكلّ ما ورد بخلافه، والحديث بأنّه عند قبر أبيه بمرأى من هؤلاء الأعلام، فإعراضهم عنه يدلّنا على عدم وثوقهم به؛ لأنّ إسناده لَم يتم ورجاله غير معروفين.

وقال أبو بكر الآلوسي - وقد سئل عن موضع رأس الحسينعليه‌السلام -:

لا تطلبوا رأس الحسين

بشرق أرض أو بغرب

ودَعوا الجميع وعرّجوا

نحوي فمشهده بقلبي(٤)

____________________________

(١) الاتحاف بحبّ الأشراف / ١٢.

(٢) تذكرة الخواص / ١٥٠.

(٣) الآثار الباقية ١ / ٣٣١.

(٤) في البابليّات ٣ / ١٢٨: ذكرهما سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص. أقول: وعبارته في التذكرة / ١٥٩، الطبعة الحجريّة: (وأنشد بعض أشياخنا: لا تطلبوا رأس الحسين...).

٣٦٣

وقال الحاج مهدي الفلّوجي الحلّي(١) :

لا تطلبوا رأس الحسين فإنّه

لا في حمىً ثاوٍ ولا في واد

لـكنّما صـفّو الولاء يدلّكم

في أنّه المقبور وسْط فؤادي

يوم الأربعين

من النّواميس المطّردة الاعتناء بالفقيد بعد أربعين يوماً مضَين من وفاته بإسداء البرّ إليه وتأبينه، وعدّ مزاياه في حفلات تُعقد وذكريات تدوّن، تخليداً لذكره على حين إن الخواطر تكاد تنساه والأفئدة أوشكت أنْ تهمله، فبذلك تعاد إلى ذكره البائد صورة خالدة، بشعر رائق تتناقله الألسن، ويستطيع في القلوب، فتمرّ الحقب والأعوام وهو على جِدته. أو خطاب بليغ تتضمّنه الكتب والمدوّنات حتّى يعود من أجزاء التاريح التي لا يبليها الملوان، فالفقيد يكون حيّاً كلّما تُليت هاتيك النتف من الشعر أو وقف الباحث على ما اُلقيت فيه من كلمات تأبينيّة بين طيّات الكتب، فيقتصّ أثره في فضائله وفواضله، وهذه السُنّة الحسنة تزداد أهميّةً كلّما ازداد الفقيد عظمة وكثرت فضائله، وإنّها في رجالات الإصلاح، والمقتدى بهم من الشرائع أهمّ وآكد؛ لأنّ نشر مزاياهم وتعاليمهم يحدو إلى اتّباعهم واحتذاء مثالهم في الإصلاح و تهذيب النّفوس.

وما ورد عن أبي ذر الغفاري وابن عبّاس عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :«إنّ الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحاً» (٢) ، وعن زرارة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :«إنّ السّماء بكت على الحسين عليه‌السلام أربعين صباحاً بالدم، والأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسّواد، والشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه أربعين صباحاً، وما اختضبت امرأة منّا ولا أدهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتّى أتانا رأس عبيد الله بن زياد، وما زلنا في عبرة من بعده» (٣) .

____________________________

(١) شعراء الحلّة ٥ / ٣٧١، إنّها للحاج مهدي الفلّوجي.

(٢) مجموعة الشيخ ورام ٢ / ٢٧٦، والبحار ٢ / ٦٧٩، باب شهادة الإمام عليعليه‌السلام عن مناقب ابن شهر آشوب.

(٣) مستدرك الوسائل للنوري / ٢١٥، الباب الرابع والتسعون.

٣٦٤

يؤكّد هذه الطريقة المألوفة والعادة المستمرّة بين النّاس من الحداد على الميّت أربعين يوماً، فإذا كان يوم الأربعين اُقيم على قبره الاحتفال بتأبينه يحضره أقاربه وخاصّته وأصدقاؤه، وهذه العادة لَم يختصّ بها المسلمون، فإنّ النّصارى يقيمون حفلة تأبينيّة يوم الأربعين من وفاة فقيدهم يجتمعون في الكنيسة ويعيدون الصلاة عليه المسمّاة عندهم بصلاة الجنازة ويفعلون ذلك في نصف السّنة وعند تمامها، واليهود يعيدون الحداد على فقيدهم بعد مرور ثلاثين يوماً وبمرور تسعة أشهُر وعند تمام السّنة(١) ، كلّ ذلك إعادةً لذكراه، وتنويهاً به وبآثاره وأعماله إنْ كان من العظماء ذوي الآثار والمآثر.

وعلى كلّ حال، فإنّ المنقّب لا يجد في الفئة الموصوفة بالإصلاح رجلاً اكتنفته المآثر بكلّ معانيها، وكانت حياته وحديث نهضته وكارثة قتله دعوةً إلهيّة، ودروساً إصلاحيّة، وأنظمة اجتماعيّة، وتعاليم أخلاقيّة، ومواعظ دينيّة، إلاّ سيّد شباب أهل الجنّة شهيد الدِّين، شهيد السّلام والوئام، شهيد الأخلاق والتهذيب الحسينعليه‌السلام ، فهو أولى من كلّ أحد بأنْ تُقام له الذكريات في كلّ مكان، وتشدّ الرحال للمثول حول مرقده الأقدس في يوم الأربعين من قتله؛ حصولاً على تلكم الغايات الكريمة.

وإنّما قصروا الحفلات الأربعينيّة الأول في سائر النّاس من جهة كون مزايا اُولئك الرجال محدودة منقطعة الآخر، بخلاف سيّد الشهداء، فإنّ مزاياه لا تُحَدّ، وفواضله لا تُعَدّ، ودرس أحواله جديد كلما ذُكر، واقتصاص أثره يحتاجه كلّ جيل، فإقامة المآتم عند قبره في الأربعين من كلّ سنة إحياءٌ لنهضته وتعريفٌ بالقساوة التي ارتكبها الاُمويّون ولفيفهم، ومهما أمعن الخطيب أو الشاعر في قضيّته تفتح له أبواب من الفضيلة كانت موصدة عليه قبل ذلك؛ ولهذا اطّردت عادة الشيعة على تجديد العهد بتلكم الأحوال يوم الأربعين من كلّ سنة، ولعلّ رواية أبي جعفر الباقرعليه‌السلام :«إنّ السّماء بكت على الحسين أربعين صباحاً تطلع حمراء وتغرب حمراء» (٢) تلميح إلى هذه العادة المألوفة بين النّاس.

____________________________

(١) نهر الذهب في تاريخ حلب ١ / ٦٣: ٢٦٧.

(٢) كامل الزيارات / ٩٠ الباب الثامن والعشورن.

٣٦٥

وحديث الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام :«علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والتختّم في اليمين، وتعفير الجبين» (١) ، يرشدنا إلى تلك العادة المطّردة المألوفة، فإنّ تأبين سيّد الشهداء وعقد الاحتفالات لذكره في هذا اليوم إنّما يكون ممَّن يمتّ به بالولاء والمشايعة، ولا ريب في أنّ الذين يمتّون به بالمشايعة هم المؤمنون المعترفون بإمامته، إذاً فمن علامة إيمانهم وولائهم لسيّد شباب أهل الجنّة المنحور في سبيل الدعوة الإلهيّة المثول في يوم الأربعين من شهادته عند قبره الأطهر لإقامة المأتم، وتجديد العهد بما جرى عليه وعلى صحبه وأهل بيته من الفوادح.

والتصرّف في هذه الجملة (زيارة الأربعين) - بالحمل على زيارة أربعين مؤمناً - التواء في فهم الحديث وتمحّل في الاستنتاج يأباه الذوق السّليم، مع خلوّه عن القرينة الدالّة عليه، ولَو كان الغرض هو الإرشاد إلى زيارة أربعين مؤمناً لقالعليه‌السلام (زيارة أربعين)، فالإتيان بالألف واللام العهديّة للتنبيه على أنّ زيارة الأربعين من سنخ الأمثلة التي نصّ عليها الحديث بأنّها من علائم الإيمان والموالاة للأئمّة الاثني عشر.

ثمّ إنّ الأئمّة من آل الرسولعليهم‌السلام وإنْ كانوا أبواب النّجاة وسفن الرحمة وبولائهم يُعرف المؤمن من غيره، وقد خرجوا من الدنيا مقتولين في سبيل الدعوة الإلهيّة موطّنين أنفسهم على القتل؛ امتثالاً لأمر بارئهم جلّ شأنه الموحى به إلى جدّهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أشار إليه أبو محمّد الحسن ابن أمير المؤمنينعليهما‌السلام بقوله:«إنّ هذا الأمر يملكه منّا اثنى عشر إماماً، ما منهم إلاّ مقتول أو مسموم».

فالواجب إقامة المأتم في يوم الأربعين من شهادة كلّ واحد منهم. وحديث الإمام العسكري لَم يشتمل على قرينة لفظيّة تصرف هذه الجملة (زيارة الأربعين) إلى خصوص الحسينعليه‌السلام إلاّ أنّ القرينة الحاليّة أوجبت فهم العلماء الأعلام من هذه الجملة خصوص زيارة الحسينعليه‌السلام ؛ لأنّ قضيّة سيّد الشهداء هي

____________________________

(١) رواه الشيخ الطوسي في التهذيب ٣ / ١٧، في باب فضل زيارة الحسينعليه‌السلام عن أبي محمّد العسكريعليه‌السلام . ورواه في مصباح المتهجد / ٥٥١ طبعة الهند.

٣٦٦

التي ميّزت بين دعوة الحقّ والباطل؛ ولذا قيل: الإسلام بدؤه محمّدي وبقاؤه حسيني. وحديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :«حسين منّي وأنا من حسين» يشير إليه؛ لأنّ ما قاساه سيّد الشهداء إنّما هو لتوطيد اُسس الإسلام واكتساح أشواك الباطل عن صراط الشريعة، وتنبيه الأجيال على جرائم أهل الضلال، هو عين ما نهض به نبيّ الإسلام لنشر الدعوة الإلهيّة.

فمن أجل هذا كلّه لَم يجد أئمّة الدِّين من آل الرسول ندحة إلاّ لفت الأنظار إلى هذه النّهضة الكريمة؛ لأنّها اشتملت على فجائع تفطّر الصخر الأصمّ، وعلموا أنّ المواظبة على إظهار مظلوميّة الحسينعليه‌السلام تستفزّ العواطف وتوجب استمالة الأفئدة نحوهم فالسّامع لتلكم الفظائع يعلم أنّ الحسينعليه‌السلام إمام عدل لَم يرضخ للدنايا، وإنّ إمامته موروثة له من جدّه وأبيه الوصي، ومَن ناوأه خارج عن العدل، وإذا عرف السّامع أنّ الحقّ في جانب الحسينعليه‌السلام وأبنائه المعصومين، كان معتنقاً طريقتهم وسالكاً سبيلهم.

ومن هنا لَم يرد التحريض من الأئمّة على إقامة المأتم في يوم الأربعين من شهادة كلّ واحد منهم حتّى نبيّ الإسلام؛ لكون تذكار كارثته عاملاً قويّاً في إبقاء الرابطة الدينيّة وإنّ لفت الأنظار نحوها أمسّ في إحياء أمر المعصومين المحبوب لديهم التحدّث به«أحيوا أمرنا وتذاكروا في أمرنا».

وعلى كلٍّ، فالقارىء الكريم يتجلّى له اختصاص زيارة الأربعين بالمؤمن حينما يعرف نظائرها التي نصّ عليها الحديث.

فإنّ الأول منها وهو (صلاة إحدى وخمسين ركعة) التي شُرّعت ليلة المعراج، وبشفاعة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اقتصر فيها على خمس فرائض في اليوم والليلة، عبارة عن: سبع عشرة ركعة للصبح والظهرين والعشائين والنّوافل الموقّتة لها مع نافلة الليل أربع وثلاثون؛ ثمان للظهر قبلها، وثمان للعصر قبلها، وأربع بعد المغرب، واثنان بعد العشاء تعدّان بواحدة، واثنان قبل الصبح، وإحدى عشرة ركعة نافلة الليل مع الشفع والوتر وبإضافتها إلى الفرائض يكون المجموع إحدى وخمسين ركعة، وهذا ممّا اختصّ به الإماميّة، فإنّ أهل السُنّة وإنْ وافقوهم على عدد الفرائض إلاّ أنّهم افترقوا في النّوافل، ففي فتح القدير لابن همام الحنفي ج ١ ص ٣١٤: إنّها ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، واثنان بعدها، واربع قبل العصر، وإنْ شاء

٣٦٧

ركعتين، وركعتان بعد المغرب، وأربع بعدها، وإنْ شاء ركعتين. فهذه ثلاث وعشرون ركعة، واختلفوا في نافلة الليل أنّها ثمان ركعات أو ركعتان أو ثلاث عشر أو أكثر، وحينئذ فالمجموع من نوافل الليل والنّهار مع الفرئض لا يكون إحدى وخمسين فإذاً تكون (إحدى وخمسون) من مختصّات الإماميّة.

الثاني: مما تعرّض له الحديث (الجهر بالبسملة) فإنّ الإماميّة تدينوا إلى الله تعالى به وجوباً في الصلاة الجهريّة واستحباباً في الصلاة الاخفاتية، تمسّكاً بأحاديث أئمّتهمعليهم‌السلام ، وفي ذلك يقول الفخر الرازي: ذهبت الشيعة أنّ من السُنّة الجهر بالتسمية في الصلاة الجهريّة والاخفاتيّة، وجمهور الفقهاء يخالفون، وقد ثبت بالتواتر أنّ علي بن أبي طالب كان يجهر بالتسمية ومّن اقتدى في دينه بعلي فقد اهتدى والدليل عليه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :«اللهمّ، أدر الحقّ مع علي حيث دار» (١) . وكلمة الرازي لَم يهضمها أبو الثناء الآلوسي، فتعقّبها بقوله: لَو عمل أحد بجميع ما يزعمون تواتره عن الأمير كفر، فليس إلاّ الإيمان ببعض والكفر ببعض. وما ذكره من أنّ مَن اقتدى في دينه بعلي فقد اهتدى مسلم، لكن إنْ سلم لنا خبر ما كان عليه عليعليه‌السلام ودونه مهامه فيح(٢) .

ولا يضرّ الشيعة تهجّم الآلوسي وغيره بعد أنْ رسخت أقدامهم على الولاء لسيّد الأوصياءعليه‌السلام الذي يقول له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :«يا علي، ما عرف الله تعالى إلاّ أنا وأنت، وما عرفني إلاّ الله وأنت، وما عرفك إلاّ الله وأنا» (٣) .

إنْ كنت ويحك لَم تسمع مناقبه   فاسمعه مِنْ هل أتى يا ذا الغبا وكفى(٤)

وخالف أهل السُنّة في مسألة الجهر، ففي المغني لابن قدامة ج ١ ص ٤٧٨، وبدايع الصنايع للكاساني ج ١ ص ٢٠٤، وشرح الزرقاني على مختصر أبي الضياء في فقه مالك ج ١ ص ٢١٦: إنّ الجهر غير مسنون في الصلاة.

الثالث: ممّا تعرّض له الحديث (التختّم باليمين) وقد التزم به الإماميّة تديّناً

____________________________

(١) مفاتيح الغيب ١ / ١٠٧.

(٢) روح المعاني ١ / ٤٧.

(٣) المحتضر / ١٦٥.

(٤) في شذرات الذهب لابن العماد ٤ / ١٤٠: كان بعض الحنابلة ينشدهما على المنبر ببغداد.

٣٦٨

بروايات أئمتهمعليهم‌السلام وخالفهم جماعة من السُنّة، قال ابن الحَجّاج المالكي: إنّ السُنّة أوردت كلّ مستقذر يتناول بالشمال، وكلّ طاهر يتناول باليمين؛ ولأجل هذا المعنى كان المستحبّ في التختّم أنْ يكون التختّم بالشمال، فإنّه يأخذ الخاتم بيمينه ويجعله في شماله(١) .

ويحكي ابن حجر إنّ مالكاً يكره التختّم باليمين وإنّما يكون باليسار، وبالغ الباجي من المالكية بترجيح ما عليه مالك من التختّم باليسار(٢) .

وقال الشيخ إسماعيل البروسوي ذكر في عقد الدرر: إنّ السُنّة في الأصل التختّم في اليمين، ولمّا كان ذلك شعار أهل البدعة والظلمة، صارت السُنّة أنْ يُجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا(٣) .

الرابع: ما ذكره الحديث (التعفير)، والتعفير في اللغة: وضع الشيء على العفر، وهو التراب. والجبين في هذا الحديث الشريف إنْ اُريد منه الجبهة كما استظهره الشيخ يوسف البحراني في الحدائق مدّعياً كثرة الاستعمال بذلك في لسان أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد ورد في التيمّم، فيكون الغرض بيان أنّ الجبهة في السّجود لا بدّ أنْ تكون على الأرض؛ لأنّ أهل السُنّة لَم يلتزموا بوضعها على الأرض، فإنّ أبا حنيفة ومالكاً وأحمد - في إحدى الروايتين عنه - جوّزوا السّجود على كور العمامة(٤) وفاضل الثوب(٥) والملبوس، وجوّز الحنفيّة وضعها على الكفّ مع

____________________________

(١) المدخل ١ / ٤٦، آداب الدخول في المسجد.

(٢) الفتاوى الفقهيّة الكبرى ١ / ٢٤٦، في اللباس.

(٣) حكاه الحجة الأميني في الغدير ج ١٠ ص ٢١١ عن تفسير روح البيان ج ٤ ص ١٤٢.

وليس هذا بأول مخالفة للإمامية ففي المهذب لأبي اسحاق الشيرازي ج ١ ص ١٣٧ والوجيز للغزالي ج ١ ص ٤٧ والمنهاج للنووي ص ٢٥ وشرحه تحفة المحتاج لابن حجر ج ١ ص ٥٦٠ وعمدة القاري للعيني شرح البخاري ج ٤ ص ٢٤٨ والفروع لابن مفلح ج ١ ص ٦٨١ والمغني لابن قدامة ج ٢ ص ٥٠٥ التسطيح اشبه بشعار أهل البدع وفي رحمة الأمة باختلاف الأئمة على هامش الميزان للشعراني ج ١ ص ٨٨ ان السنة تسطيح القبور ولما صار شعار الرافضة كان الأولى مخالفتهم التسنيم (ومن ذلك) الصلاة على أهل البيت مستقلا ففي الكشاف للزمخشري في الاحزاب ٥٦ (ان الله وملائكته يصلون) انه مكروه لانه يؤدي الى الاتهام بالرفض وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تقفن مواقف التهم (ومن ذلك) ما في فتح الباري لابن حجر ج ١١ ص ١٣٥ كتاب الدعوات باب هل يصلى على غير النبي قال اختلف في السلام على غير الانبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي فقيل يشرع مطلقاً وقيل تبعاً ولا يفرد لواحد لكونه صار شعاراً للرافضة ا هـ (ومن ذلك) ما في شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٣ كان بعض أهل العلم يرخي العذبة من قدام الجانب الايسر ولم ار ما يدل على تعيين الايمن الا في حديث ضعيف عند الطبراني ولما صار شعاراً للامامية ينبغي تجنبه لترك التشبه بهم ا هـ.

(٤) الميزان للشعراني ١ / ١٣٨.

(٥) الهداية لشيخ الإسلام المرغيناني ١ / ٣٣.

٣٦٩

الكراهة(١) ، وجوّزوا السّجود على الحنطة والشعير والسّرير وظهر مصلٍّ أمامه يصلّي بمثل صلاته(٢) ، وإنْ اُريد نفسه فيكون الغرض من ذكره الإرشاد إلى أنّ الراجع في سجدة الشكر تعفير الجبين، وإنّه للتذليل والبُعد عن الكبرياء، ومن هذا الجملة في الحديث استظهر صاحب المدارك رجحان تعفير الجبينَين أيضاً، وإليه أشار السيّد بحر العلومقدس‌سره في المنظومة، قال في سجدة الشكر:

والخدُّ أوْلى وبه النصّ جلا

وفي الجبين قد أتى محتملا

وقد ورد تعفير الخدّين في سجدة الشكر(٢) وبه استحقّ موسى بن عمرانعليه‌السلام الزلفى من المناجاة(٣) ولَم يخالف الإماميّة في التعفير سواء اُريد من الجبين الجبهة أو نفسه، وأهل السُنّة لَم يلتزموا بالتعفير في الصلاة أو سجدة الشكر مع أنّ النّخعي ومالكاً وأبا حنيفة كرهوا سجدة الشكر، وإن التزم بها الحنابلة(٤) والشافعي(٥) عند حلول كلّ نعمة أو زوال نقمة.

الخلاصة في علائم المؤمن

لقد تجلّى ممّا ذكرناه في هذه الاُمور التي نصّ عليها الحديث بأنّها من علائم الإيمان أنّ المراد من (زيارة الأربعين) فيه إرشاد الموالين لأهل البيتعليهم‌السلام إلى الحضور في مشهد الغريب المظلوم سيّد الشهداءعليه‌السلام لإقامة العزاء وتجديد العهد بذكر ما جرى عليه من القساوة التي لَم يرتكبها أيّ أحد يحمل شيئاً من الإنسانيّة فضلاً عن الدِّين، والحضور عند قبر الحسينعليه‌السلام يوم الأربعين من مقتله من أظهر علائم الإيمان.

ولا ينقضي العجب ممَّن يتصرّف في هذه الجملة بالحمل على زيارة أربعين

____________________________

(١) الفقه على المذاهب الأربعة ١ / ١٨٩.

(٢) البحر الرائق لابن نجيم ١ / ٣١٩.

(٣) الكافي على هامش مرآة العقول ٣ / ١٢٩، والفقيه للصدوق / ٦٩، والتهذيب للشيخ الطوسي ١ / ٢٦٦، في التعقيب.

(٤) الفقيه للصدوق / ٦٩، في التعقيب.

(٥) المغني لابن قدامة ١ / ٦٢٦، والفروع لابن مفلح ١ / ٣٨٢.

(٦) كتاب الاُم ١ / ١١٦، ومختصر المزني على هامشه ١ / ٩٠، والوجيز للغزالي ١ / ٣٢.

٣٧٠

مؤمناً مع عدم تقدّم إشارة إليه ولا قرينة تساعد عليه ليصح الإتيان بالألف واللام للعهد، مع أنّ زيارة أربعين مؤمناً ممّا حثّ عليها الإسلام، فهي من علائمه عند الشيعة والسُنّة ولَم يخصّ بها المؤمنون ليمتازوا عن غيرهم. نعم، زيارة الحسينعليه‌السلام يوم الأربعين من قتله ممّا يدعو إليها الإيمان الخالص لأهل البيتعليهم‌السلام ويؤكّدها الشوق الحسيني، ومعلوم أنّ الذين يحضرون في الحائر الأطهر بعد مرور أربعين يوماً من مقتل سيّد شباب أهل الجنّة خصوص المشايعين له السّائرين على أثره. ويشهد له عدم تباعد العلماء الأعلام عن فهم زيارة الحسين في الأربعين من صفر من هذا الحديث المبارك، منهم أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في التهذيب ج ٢ ص ١٧ باب فضل زيارة الحسينعليه‌السلام ، فإنّه بعد أن روى الأحاديث في فضل زيارته المطلقة، ذكر المقيّد بأوقات خاصّة، ومنها يوم عاشوراء، وبعده روى هذ الحديث.

وفي مصباح المتهجّد ص ٥٥١ طبعة بمبئي، ذكر شهر صفر وما فيه من الحوادث، ثمّ قال: وفي يوم العشرين منه رجوع حرم أبي عبد اللهعليه‌السلام من الشام إلى مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وورود جابر بن عبد الله الأنصاري إلى كربلاء لزيارة أبي عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان أول من زاره من النّاس، وهي زيارة الأربعين، فروي عن أبي محمّد الحسن العسكريعليه‌السلام أنّه قال:«علامات المؤمن خمس...» .

وقال أبو الريحان البيروني: في العشرين من صفر رُدّ الرأس إلى جثّته فدفن معها. وفيه زيارة الأربعين ومجيء حرمه بعد انصرافهم من الشام(١) .

وقال العلاّمة الحلّي في المنتهى، كتاب الزيارات بعد الحج: يستحب زيارة الحسينعليه‌السلام في العشرين من صفر.

وروى الشيخ عن أبي محمّد الحسن العسكريعليه‌السلام أنّه قال:«علامات المؤمن خمس...» إلى آخر الحديث.

وفي الإقبال للسيّد رضيّ الدِّين علي بن طاووس، عند ذكر زيارة الحسينعليه‌السلام في العشرين من صفر قال: روينا بالاسناد إلى جدِّي أبي جعفر فيما رواه بالاسناد إلى مولانا الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام أنه قال:«علامات المؤمن خمس...» .

ونقل المجلسي (أعلى الله مقامه) في مزار البحار هذا الحديث عند ذكر فضل

____________________________

(٢) الآثار الباقية / ٣٣١.

٣٧١

زيارة الحسينعليه‌السلام يوم الأربعين وفي الحدائق للشيخ يوسف البحراني، في الزيارات بعد الحجّ قال: وزيارة الحسينعليه‌السلام في العشرين من صفر من علامات المؤمن. وحكى الشيخ عبّاس القمي في المفاتيح هذه الرواية عن التهذيب، ومصباح المتهجّد في الدليل على رجحان الزيارة في الأربعين، من دون تعقيب باحتمال إرادة أربعين مؤمناً.

واستبعاد بعضهم إرادة زيارة الأربعين من جهة عدم تعرّض الإمامعليه‌السلام للآثار الاُخرويّة المترتّبة على الزيارة مع أنّ أهل البيتعليهم‌السلام عند الحثّ على زيارة المظلوم وغيره من أئمّة الهدىعليهم‌السلام يذكرون ما يترتّب عليها من الثواب لا يُصغى إليه؛ فإنّ الإمام في هذا الحديث إنّما هو بصدد بيان علائم المؤمن التي يمتاز بها عن غيره، وجعل منها زيارة الأربعين على ما أوضحنا بيانه، ولَم يكن بصدد بيان ما يترتّب على الزيارة من الأثر.

واستحباب زيارتهعليه‌السلام في العشرين من صفر نصّ عليه الشيخ المفيد في (مسار الشيعة)، والعلاّمة الحلّي في (التذكرة) و (التحرير)، وملاّ محسن الفيض في (تقويم المحسنين).

وتفسير الشيخ البهائي في (توضيح المقاصد) الأربعين بالتاسع عشر من صفر، مبنيّ على حساب يوم العاشر من الأربعين، وهو خلاف المتعارف.

وافـتك جـنداً يـستثير ويزأر

فـقد الـمواكب أنّها لك عسكر

لا تـسلمنَّ إلى الـدنيّة راحة

مـا كـان أسـلمها لذل حيدر

وابـعث حياة النّاهضين جديدة

فـيها الاُبـاء مـؤيَّد ومـظفَّر

وارسـم لسير الفاتحين مناهجاً

فـيها عـروش الطَّائشين تدمَّر

إنْ لَـم تـلبِّك سـاعة محمومة

ذمّـت فـقد لبَّت نداءك أعصر

قم وانظر البيت الحرام ونظرة

اُخـرى لقبرك فهو حجّ أكبر

أصبحت مفخرة الحياة وحقّ لَو

فـخرت بـه فدم الشهادة مفخر

قـدَّست مـا أعلى مقامك رفعة

أخـفيه خوف الظالمين فيظهر

شكتِ الإمارة حظَّها واستوحشت

أعـوادها مـن عابثين تأمَّروا

وتـنكرت لـلمسلمين خـلافة

فيها يصول على الصلاح المنكر

سوداء فاحمة الجبين ترعرعت

فـيها الـقرود ولـوَّثتها الأنـمر

سكبت على نغم الأذان كؤوسها

وعلى الصلاة تديرهنَّ وتعصر

٣٧٢

تـلك الـمهازل يـشتكيها مـسجد

ذهـبت بـروعته ويـبكي مـنبر

فـشكت إلـيك وما شكت إلاّ إلى

بـطل يـغار على الصلاح ويثأر

تـطوى الفضائل ما عظمن وهذه

اُمّ الـفـضائل كـلَّ عـام تـنشر

جـرداء ذابـلة الـغصون سقيتها

بـدم الـوريد فطاب غرس مثمر

وعـلى الـكريهة تـستفزُّك نخوة

حـمـراء دامـية ويـوم أحـمر

شـكت الـشريعة من حدود بُدّلَتْ

فـيـها وأحـكـام هـناك تـغيَّر

سـلبت مـحاسنها اُميّة فاغتدت

صـوراً كـما شاء الضلال تصوَّر

عـصفت بـها الأهواء فهي أسيرة

تشكو وهل غير الحسين محرِّر

وافـى بـفتيته الـصّباح فـساقهم

لـلدِّين قـربان الإلـه فـجزِّروا

أدّى الـرسالة مـا اسـتطاع وإنّما

تـبـليغها بــدم يـطلّ ويـهدر

فـبذمّة الإصـلاح جـبهة مـاجد

تـدمى ووضّـاح الـجبين يـعفَّر

لـبّيك مـنفرداً اُحيط بعالم تحصى

الـحصى عـدداً ومـا إن يحصر

لـبّيك ظـام حـلأوه عن الروى

وبـراحتيه مـن الـمكارم أبـحر

هـذي دمـوع المخلصين فروّ من

عـبـراتها كـبـداً تـكاد تـفطَّر

واعـطف على هذي القلوب فإنّها

ودَّت لَـو أنَّـك في الأضالع تقبر

يـتزاحمون على استلام مشاعر

مـن دون روعتها الصّفا والمشعر

ركـبوا لها الأخطار حتّى لَو غدت

تُـبرى الأكـفّ أو الـجماجم تنثر

وافـوك يـوم الأربـعين وليتهم

حـضروك يوم الطّف إذ تستنصر

وجـدوا سـبيلكم الـنّجاة وإنّـما

نـصبوا لـها جسر الولاء ليعبروا

وتـأمّـلوك لـسـاعةٍ مـرهوبةٍ

إمّـا الـحميم بـها وإمّـا الكوثر

وسـيعلم الخصمان إنْ وافوك مَن

يـرد المعين ومَن يذاد ويصدر(١)

في المدينة

لَم يجد السجّادعليه‌السلام بدّاً من الرحيل من كربلاء إلى المدينة بعد أنْ أقام ثلاثة أيّام؛ لأنّه رأى عمّاته ونساءه وصبيته نائحات الليل والنّهار، يقمن من قبر ويجلسن عند آخر.

____________________________

(١) للعلاّمة الشيخ عبد المهدي مطر النّجفي.

٣٧٣

تـشكو عـداها وتـنعي قومها فلها

حـال من الشجو لفّ الصبر مدرجه

فـنعيها بـشجى الـشكوى تـؤلّفه

ودمـعها بـدم الأحـشاء تـمزجه

ويدخل الشجو في الصخر الأصمِّ لها

تـزفُّر من شظايا القلب تخرجه(١)

قال بشير بن حذلم: لمّا قربنا من المدينة، نزل علي بن الحسينعليه‌السلام وحطَّ رحله وضرب فسطاطه، وأنزل نساءه وقال:«يا بشير، رحم الله أباك لقد كان شاعراً، فهل تقدر على شيء منه؟» قلت: بلى يابن رسول الله، إنّي لشاعر. فقالعليه‌السلام :«ادخل المدينة وانع أبا عبد الله عليه‌السلام » . قال بشير: فركبت فرسي حتّى دخلت المدينة فلمّا بلغت مسجد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت:

يا أهل يثربَ لا مُقَام لكم بها

قُتل الحسينُ فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرّج

والرأس منه على القناة يُدار

وقلت: هذا علي بن الحسينعليه‌السلام مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم وأنا رسوله إليكم اُعرّفكم مكانه. فخرج النّاس يهرعون ولّم تبقَ مخدَّرة إلاّ برزت، تدعو بالويل والثبور، وضجَّت المدينة بالبكاء، فلم يرَ باكٍ أكثر من ذلك اليوم، واجتمعوا على زين العابدينعليه‌السلام يعزّونه، فخرج من الفسطاط بيده خرقة يمسح بها دموعه، وخلفه مولى معه كرسي، فجلس عليه، وهو لا يتمالك من العبرة، وارتفعت الأصوات بالبكاء والحنين.

فأومأ إلى النّاس أنْ اسكتوا، فلمّا سكتت فورتهم قالعليه‌السلام :«الحمدلله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، بارئ الخلائق أجمعين، الذي بعُد فارتفع في السّماوات العلا، وقرُب فشهد النّجوى، نحمده على عظائم الاُمور، وفجائع الدهور، وألم الفجائع، ومضاضة اللواذع، وجليل الرزء، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظة الفادحة الجائحة.

أيّها القوم، إنّ الله تعالى وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الإسلام عظيمة، قُتل أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام وعترته، وسُبيت نساؤه

____________________________

(١) لحجة الإسلام الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاءقدس‌سره .

٣٧٤

وصبيته، وداروا برأسه في البلدان، من فوق عامل السّنان، وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة .

أيّها النّاس، فأيّ رجالات منكم يسرّون بعد قتله؟ أم أيّ فؤاد لا يحزن من أجله؟ أم أيّة عين منكم تحبس دمعها، وتضنُّ عن انهمالها؟ فلقد بكت السّبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها، والسّماوات بأركانها، والأرض بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والحيتان في لجج البحار، الملائكة المقرّبون، وأهل السّماوات أجمعون.

أيّها النّاس، أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟ أم أيّ سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ولا يصمّ؟

أيّها النّاس، أصبحنا مشرّدين مطرودين مذودين شاسعين عن الأمصار، كأنّنا أولاد ترك وكابل، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها. ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، إنّ هذا إلاّ اختلاق، والله لو أنّ النّبيّ تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصيّة بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها وأفجعها وأكظّها وأفظّها وأمرّها وأفدحها، فعند الله نحتسب ما أصابنا، وما بلغ بنا، فإنّه عزيز ذو انتقام».

فقام إليه صوحان بن صعصعة بن صوحان العبدي، وكان زَمِناً واعتذر بما عنده من زمانة رجلَيه.

فأجابهعليه‌السلام بقبول عذره وحُسن الظن فيه، وشكر له وترحّم على أبيه. ثمّ دخل زين العابدينعليه‌السلام المدينة بأهله وعياله(١) وجاء إليه إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقال: مَن الغالب؟ فقالعليه‌السلام :«إذا دخل وقت إلى الصلاة فأذّن وأقم، تعرف الغالب» (٢) .

فأمّا زينب اُمّ كلثوم فأنشأت تقول:

مدينة جَدّنا لا تقبلينا

فبالحسرات والأحزان جينا

____________________________

(١) اللهوف لابن طاووس / ١١٦.

(٢) أمالي الشيخ الطوسي / ٦٦، وفي المقدمة / ٥٦ ذكرنا مراده.

٣٧٥

خرجنا منك بالأهلين طرّاً

رجعنا لا رجال ولا بنينا

ثمّ أخذت زينب بنت أمير المؤمنين بعضادتي باب المسجد وصاحت: يا جَدّاه، إنّي ناعية إليك أخي الحسين.

وصاحت سكينة: ياجَدّاه! إليك المشتكى ممّا جرى علينا، فوالله ما رأيت أقسى من يزيد، ولا رأيت كافراً ولا مشركاً شرّاً منه ولا أجفى وأغلظ، فلقد كان يقرع ثغر أبي بمخصرته وهو يقول: كيف رأيت الضرب يا حسين(١) .

وأقمن حرائر الرسالة المأتم على سيّد الشهداء ولبسن المسوح والسّواد، نائحات الليل والنّهار، والإمام السجّاد يعمل لهنّ الطعام(٢) .

وفي حديث الصادقعليه‌السلام :«ما اختضبت هاشميّة ولا أدهنت ولا اُجيل مرود في عين هاشميّة خمس حجج حتّى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد» (٣) .

وأما الرباب فبكت على أبي عبد الله حتّى جفّت دموعها فأعلمتها بعض جواريها بأنّ السّويق يسيل الدمعة، فأمرت أنْ يُصنع لها السّويق لاستدرار الدموع(٤) . وكان من رثائها في أبي عبد اللهعليه‌السلام (٥) :

إنَّ الذي كان نوراً يُسْتَضاء به

بـكربلاء قـتيل غير مدفون

سبط النّبيّ جزاك الله صالحة

عنّا وجنبت خسران الموازين

قد كنتَ لي جبلاً صعباً ألوذ به

وكنتَ تصحبنا بالرحم والدّين

مَنْ لليتامى ومَنْ للسائلين ومَنْ

يـغني وياوي إليه كلّ مسكين

والله لا أبتغي صهراً بصهركمُ

حتّى اُغَّيب بين الرمل والطِّين

وأمّا علي بن الحسينعليه‌السلام فانقطع عن النّاس؛ انحيازاً عن الفتن وتفرّغاً للعبادة

____________________________

(١) رياض الأحزان / ١٦٣.

(٢) محاسن البرقي ٢ / ٤٢٠، باب الاطعام للمأتم.

(٣) مستدرك الوسائل ٢ / ٢١٥ الباب الرابع والتسعون.

(٤) البحار ١٠ / ٢٣٥ عن الكافي.

(٥) الأغاني ٢ / ١٥٨.

٣٧٦

والبكاء على أبيه، ولم يزل باكياً ليله ونهاره، فقال له بعض مواليه: إنّي أخاف عليك أنْ تكون من الهالكين. فقالعليه‌السلام :«يا هذا، إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون، إنّ يعقوب كان نبيّاً فغيّب الله عنه واحداً من أولاده وعنده اثنا عشر، وهو يعلم أنّه حيّ فبكى عليه حتّى أبيضّت عيناه من الحزن، وإنّي نظرت إلى أبي وإخوتي وعمومتي وصحبي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟! وإنّي لا أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة، وإذا نظرت إلى عمّاتي وأخواتي ذكرت فرارهنّ من خيمة إلى خيمة».

رأى اضطرام النّار في الخباء

وهـو خـباء الـعزِّ والإباء

رأى هـجوم الكفر والضلالة

عـلى بنات الوحي والرسالة

شـاهد فـي عـقائل الـنبوّة

مـا لـيس في شريعة المروَّة

مـن نـهبها وسلبها وضربها

ولا مـجير قـطّ غـير ربِّها

شاهد سَوق الخفرات الطّاهرة

سـوافر الوجوه لابن العاهرة

رأى وقوف الطّاهرات الزاكية

قـبالة الرجس يزيد الطّاغية

وهـنَّ فـي الـوثاق والحبال

في محشد الأوغاد والأنذال(١)

إليك يا رسول الله المشتكى ممّا أتت به اُمّتك مع أبنائك الأطهرين من الظلم والاضطهاد. والحمد لله ربّ العالمين.

____________________________

(١) للحجّة الشيخ محمّد حسين الاصفهاني.

٣٧٧

المراثي

إنّ قضيّة سيّد الشهداءعليه‌السلام بما اشتملت عليه من القساوة الشائنة كانت مثيرة للعواطف، مرققةِّ للأفئدة، فتذمّر منها حتّى مَن لم ينتحل دين الإسلام؛ لذلك ازدلف الشعراء قديماً وحديثاً، باللغة الفصحى والدارجة، إلى ذكرها وتعريف الأجيال المتعاقبة بما جاء الاُمويّون من استئصال شأفة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فجاؤا بما فيه نجعة المرتاد.

ومن هؤلاء المناضلين لإحياء المذهب، الحجّة آية الله الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (نوّر الله ضريحه) فلقد جاء بمراثٍ كثيرة لها حُسن السَّبك ودقَّة المعنى وسلاسة النّظم ورقَّة الانشاء، آثرنا منها أربع قصائد ساطعة في رثاء السّبط الشهيد سيّد شباب أهل الجنّةعليه‌السلام :

١- قالرحمه‌الله :

نـفس أذابـتها أسـىً حسراتها

فـجرت بـها مـحمرَّة عبراتها

وتذكّرت عهد المحصَّب من منى

فـتوقَّدت بـضلوعها جـمراتها

سـارت وراءهـم تـرجع رنَّة

حـنَّت مـطاياهم لـها وحداتها

طـلعوا بـيوم للوداع وقد غدى

لـيلاً فـردَّت شـمسه جبهاتها

وسـروا بـكلّ فتاة خدرٍ إنْ تكن

بـدراّ فـأطراف الـقنا هالاتها

فـخذوا احمرار خدودها بدمائنا

فـجناتها دون الـورى وجناتها

واسـتعطفوا بـاللين أعطافاً لها

فـلقد أقـمنَ قـيامتي قـاماتها

وعـلى عذيب الريق بارق لؤلؤ

بـالمنحنى مـن أضلعي قبساتها

لاثـت عـلى شـهدية بخمارها

والـخمر يـشهد إنّـه لـلثَّاتها

لله يـوم تـلفَّتت لَـو أنَّـها

كـانت لـقتلى حـبّها لـفتاتها

ثـملت بـخمرة ريـقها أعطافها

وزهـت بـلؤلؤ ثـغرها لثاتها

ومـشت فخاطرت النّفوس كأنَّما

مـاست بـخطّار القنا خطراتها

ومـن الـبليّة أنّـني أشـكو لها

بـلوى الـضَّنا فتزيدني لحظاتها

وأبـيت أسـهر لـيلتي وكأنّما

قـد وفّـرت في جنحها وفراتها

ومهى قنصت لصيدهنّ فعدت في

شـرك الـغرام وأفلتت ظبياتها

عـجباً تـفاد لـي الاُسود مهابةً

وتـقودني وأنـا الأبـي مهاتها

أنـا من بعين المكرمات ضياؤها

لـكن بـعين الـحاسدين قذاتها

٣٧٨

إن أنـكرتني مـقلة عـميا فـلا

عـجب فـإنّي فـي سناني فقأتها

تعـساً لـدهر أصـبحت أيّـامه

والـغدر نـجح عـداتها وعداتها

لا غـرو أنْ تـعتد بـنوه الـغدر

فـالأبناء مـن آبـائها عـاداتها

ولـقد وجـدت ملاءة الدنيا خلت

مــن عـفّة ونـجابة فـملاتها

وأرى أخـلاّئي غـداة خـبرتهم

أعـدى عـدى شنّت بنا غاراتها

كـنت الـحماة أظـنّهم فـكشفتهم

عـن عقرب لسعت حشاي حماتها

وتـعدّهم نـفسي الـحياة لها وقد

دبّــت إلـيـها مـنهم حـيّاتها

أسـدت إلـيّ بـكلّ سـيّئة ومن

صـفحى أقـدّر أنّـها حـسناتها

ولـكم عـليها مـن يد بيضاء لي

قـد سـوّدتها الـيوم تـمويهاتها

إنْ فـصّلت لـي الغدر أنواعاً فقد

عـرفت بـخبث الجنس ماهيّاتها

لـؤمت إسـاءتها فهانت واستوى

نـبح الـكلاب عـليَّ أو أصواتها

وتـكرّماً عـنها صـددت وإنّني

لـولا خـساستها عـليّ خـساتها

ولـقد دنـت شـأناً فـلولا عفّتي

عـن وطء كـلّ دنـيّة لـوطاتها

وأنـا الـشجى في حلقها فلو أنّها

تـجد الـمساغ قـذفن بي لهواتها

وتهشّ بشراً إن حضرت فإن أغب

قـذفت بـجمرة غيظها حصياتها

كـم صانعتني بالدهاء وإنّما أدهى

الــورى شـرّاً عـليَّ دهـاتها

لـكنْ جُبِلْتُ على الوفاء فلَو جنت

يـدها عـلى عيني العمى لدراتها

وأنـا الـعصيّ من الإبا وخلائقي

فـي طـاعة الحرِّ الكريم عصاتها

عـوَّدتُ عـينيَّ الإبـاء فلم تسل

إلاّ لآل محمّدٍ عـبـراتـها

كـم غـارة لـك يا زمان شننتها

لـم أسـتطع دفـعاً لـها فشناتها

وأرى الـليالي مـنك حُلبى لَم تلد

لـلـحرِّ غـير مـلمَّة غـدراتها

تجرى لها العبرات حمراً إنْ جرت

ذكـراً عـلى أسـماعنا عـثراتها

ووددْت مـذ جـارت على أبنائها

ورمـت بـنيها بالصروف بناتها

عـدلت بـآل محمّدٍ فيما قضت

وهُــمُ أئـمّة عـدلها وقـضاتها

الـمرشدون الـمرفدون فكم هدى

ونـدىً تـميح صَلاتها وصِلاتها

والـمنعمون المطعمون إذا انبرت

نـكباء صـوَّحت الـثَّرى نكباتها

والـجامعون شـتات غـرِّ مناقب

لَــم تـجتمع بـسواهُمُ أشـتاتها

يـا غـاية تـقف الـعقول كليلة

عـنها وإنْ ذهـبت بـها غاياتها

٣٧٩

يـاجذوة الـقدس الـتي ما أشرقت

شـهب الـسّما لـو لَم تكن لمعاتها

يـاقبّة الـشرف التي لو في الثّرى

نُـصبت سـمت هام السّما شرفاتها

يـاكـعبة لله إنْ حـجَّت لـها

الأمــلاك مـنه فـعرشه مـيقاتها

يـانقطة الـباء الـتي بـاءت لها

الـكلمات وائـتلفت بـها ألـفاتها

يـا وحـدة الـحقِّ الـتي ما إنْ لها

ثـانٍ ولـكن مـا انـتهت كثراتها

يـا وجـهة الأحـديَّة الـعليا التي

بـالأحـمديَّة تـسـتنير جـهـاتها

يـا عـاقلي العشر العقول ومَن لها

الـسَّبع الـطباق تـحرّكت سكناتها

أقـسمتُ لـو سِـرَّ الحقيقة صورة

راحـت وأنـتم لـلورى مـرآتها

أنـتم مـشئته الـتي خـلقت بـها

الأشـياء بـل ذُرئـت بـها ذرَّاتها

وخـزانة الأسـرار بـل خـزَّانها

وزجـاجة الأنـوار بـل مـشكاتها

أنـا فـي الورى قال لكم إنْ لَم أقل

مـا لـم تـقله فـي المسيح غُلاتها

سـفهاً لحلمي إن تطر بثباتي السفـ

ـهـاء مـذ طـارت بـها جهلاتها

أنـا مـن شـربت هناك أول درِّها

كـأساً سـرت بـسرائري نشواتها

فـاليوم لا أصـحو وإن ذهبت بيَ

الأقـوال أو شـدَّت عـليَّ رماتها

أو هـل ترى يصحو صريع مدامة

مـمّـا بـه إن عـنّفته صـحاتها

أو هل يحول أخو الحجى عن رشده

مـمّـا تـؤنّـبه عـلـيه غـواتها

بـأبي وبـي مَـن هم أجلُّ عصابة

سـارت تـؤمّ بـها العلا سرواتها

عطري الثياب سروا فقل في روضة

غـبّ الـسّحاب سرت بها نسماتها

ركـبٌّ حـجازيون عـرّقت العلا

فـيـهم ومِـسك ثـنائهم شـاماتها

تـحدو الـحداة بـذكرهم وكـأنَّما

فـتـقت لـطيمة تـاجر لـهواتها

ومـطوَّحين ولا غـناء لـهم سوى

هــزج الـتلاوة رتـلّت آيـاتها

وإلــى الـلقاء تـشوّقاً أعـطافها

مــهـزوزةً فـكـأنّها قـنـواتها

خـفَّت بـهم نـحو الـمنايا هـمَّة

ثـقلت عـلى جيش العدى وطآتها

وبـعزمها مـن مـثل مـا بـأكفِّها

قـطع الـحديد تـأجّجت لـهباتها

فـكـأنَّ مـن عـزماتها أسـيافها

طـبعت ومـن أسـيافها عـزماتها

قـسم الـحيا فـيها فـمن مقصورة

الأيــدي ومـمـدودة قـسـماتها

ومـلوك بـأسٍ في الحروب قبابها

قـبّ الـبطون ودسـتها صهواتها

يـسطون فـي الجمِّ الغفير ضياغما

لـكـنّما شـجـر الـقنا أجـماتها

٣٨٠

كـالليث أو كالغيث في يومي وغىً

ونـدىً غـدت هـباتها وهـباتها

حـتّى إذا نـزلوا العراق فأشرقت

أكـنافها وزهـت بـهم عرصاتها

ضـربوا الـخيام بـكربلا وعليهم

قــد خـيَّمت بـبلائها كُـرُباتها

نـزلوا بها فانصاع من شوك القنا

ولـظى الـهواجر مـاؤها ونباتها

وأتـت بـنو حرب تروم ودون ما

رامـت تـخرُّ مـن السَّما طبقاتها

رامـت بـأن تعنو لها سفهاً وهل

تـعنو لـشرِّ عـبيدها سـاداتها

وتـسومها إمّا الخضوع أو الردى

عـزّاً وهـل غـير الإباء سماتها

فـأبوا وهـل مـن عـزّة أو ذلّة

إلاّ وهــم آبـاؤهـا واُبـاتـها

وتـقحّموا لـيل الحروب فأشرقت

بـوجـوههم وسـيوفهم ظـلماتها

وبـدت عـلوج اُمـيّة فتعرّضت

لـلأسد فـي يـوم الـهياج شياتها

تـعدو لـها فـتميتها رعـباً وذي

يــوم الـلـقا بـعداتها عـاداتها

فـتـخرُّ بـعـد قـلوبها أذقـانها

وتـفرّ قـبل جـسومها هـاماتها

وبـاُسـرة مـن آل أحـمد فـتية

صـينت بـبذل نـفوسها فـتياتها

يـتضاحكون إلى المنون كأنّ في

راحـاتها قـد أتـرعت راحـاتها

وتـرى الصّهيل مع الصّليل كأنَّه

فـيـهم قـيان رجِّـعت نـغماتها

وكـأنّما سـمر الـرماح معاطف

فـتـمايلت لـعـناقها قـامـاتها

وكـأنَّما بيض الظَّبى بيض الدّمى

ضـمنت لـمى رشـفاتها شفراتها

وكـأنّما حـمر الـنّصول أنـامل

قــد خـضَّبتها عـندماً كـاساتها

ومـذ الوغى شبَّت لظى وتقاعست

دون الـشَّـدائد نـكَّـصاً شـدَّاتها

وغـدت تـعوم مـن الحديد بلجَّة

قـد أنـبتت شـجر الـقنا حافاتها

خـلعوا لها جنن الدُّروع ولاح من

نـيـرانها لـجـنانهم جـنَّـاتها

وتـزاحفوا يـتنافسون عـلى لقى

الآجـال تـحسب أنَّـها عـاداتها

بـأكـفّها عـوج الأسـنّة ركّـع

ولـها الـفوارس سـجَّد هـاماتها

حـتّى إذا وافـت حـقوق وفائها

وعـلت بـفردوس العلى درجاتها

شــاء الإلـه فـنكّست أعـلامها

وجـرى الـقضاء فنكَّصت راياتها

وهوت كما انهالت على وجه الثرى

مـن صـمِّ شاهقة الذرى هضباتها

وغـدت تـقسّم بـالظّبى أشلاؤها

لـكـن تـزيد طـلاقة قـسماتها

ثـمّ انـثنى فـرداً أبو السجّاد فاجـ

ـتـمعت عـليه طـغامها وطغاتها

٣٨١

غـير أن يحمل عزمة عملت إلى

حـرب جـيوش مـنيَّة حملاتها

تـلوي بـاُولاهم عـلى اُخراهم

وتـجول فـي أوساطهم سطواتها

يـحمي مـخيّمه فقل أسد الشَّرى

ديـست عـلى أشـبالها غاباتها

خطبَ العدى فوق العوادي خطبةً

لـلـسانه وسـنـانه كـلـماتها

وعـظ اللسان ومذ عتوا عنأمره

طـعن الـسّنان فـلم تفته عتاتها

نـثر الرؤوس بسيفه ونظمن في

سـلـك الـقنا لـقلوبهم حـبَّاتها

إن يشرع الخرصان نحو مكردس

ردَّت ومـن أكـبادها عـذباتها

واذا هـوت بـالبيض قبضة كفِّه

عـادت عـلى أرواحهم قبضاتها

يـروي الثرى بدمائهم وحشاه من

ظـمأ تـطاير شـعلة قـطعاتها

لـو قـلبت مـن فوق غلَّة قلبه

صـمّ الـصفا ذابت عليه صفاتها

تـبكي الـسّماء له دماً أفلا بكت

مــاء لـغـلّة قـلبه قـطراتها

وا حـرَّ قـلبي يابن بنت محمّد

لـك والعدى بك اُنجحت طلباتها

مـنعتك من نيل الفرات فلا هنا

لـلنّاس بـعدك نِيلها وفراتها

وعـلى الثنايا منك يلعب عودها

وبـرأسك الـسّامي تشال قناتها

وبـهم تـروح العاديات وتغتدي

وجـسومكم فـوق الثّرى حلباتها

ونـساؤكم أسرى سرت بسراتكم

تـدعو وعـنها اليوم أين سراتها

هـاتيك في حرِّ الهجير جسومها

صـرعى وتلك على القنا هاماتها

بأبي وبِي منهم محاسن في الثَّرى

لـلحشر تـنشر فخرهم حسناتها

أقـوت معالم اُنسهم والوحش كم

راحـت ومـن أسـيافهم أقواتها

يا هل ترى مضراً درت ماذا لقت

فـي كـربلا أبـناؤها وبـناتها

خـفرت لـها أبـناء حرب ذمَّة

هـتكت لـها مـا بينهم خفراتها

جـارت على تلك المنيعات التي

تـهوى الـنّجوم لو أنّها جاراتها

حـتّى غـدت بين الأراذل مغنما

تـنـتاشها أجـلافـها وجـفاتها

فـلضربها أعـضادها ولـسلبها

أبـرادهـا ولـنـهبها أبـيـاتها

وثـواكلٍ لـمَّا دفـعن عن البكا

والـنّوح ردَّدت الـشَّجى لهواتها

زفـراتها لـو لَـم تكن مشفوعة

بـالدمع أضرمت السّما جذواتها

وعـلى الأيـانق من بنات محمّد

في الشمس تصلى حرُّها أخواتها

أبـدى الـعدوّ لها وجوهاً لم تبن

حتّى لأنـفاس الصّبا صفحاتها

٣٨٢

ومـروعة فـي السّبي تشكو بثَّها

فـتجاب ضـرباً بالسّياط شكاتها

قـامت تـسُّب لها الجدود أراذل

قـعدت بـها عن شاوهم سبّاتها

يـا غـيرة الـجبّار أنّى والعدى

راحـت وفـي أبـياتكم غاراتها

يـا حـرمةً هُـتكت لعزّة أحمد

فـيـها وعـزَّة ربِّـه حـرماتها

أحـماة ديـن الله كـيف بـناتكم

سـاروا بـها والشامتون حماتها

تطوي الفلاة بها وما ضاقت على

حـرب بـشعث خيولكم فلواتها

كفأت لكم ظهر المجنِّ فهل سوى

عـزماتكم وهـي الحتوف كفاتها

وخـيامكم تـلك الـتي أوتـادها

شـهب الـسَّماء وعرشها داراتها

بـالنّار أضـرمها الـعدوُّ وأنتُمُ

أربـابـها وحـريـمكم ربَّـاتها

فـرّت تـعادى في الفلاة نوائحاً

حـسرى تـقطِّع قلبها حسراتها

حـتّى إذا وقـفت على جثث لكم

طـالب عـليها لـلظَّبى وقـفاتها

قـدحت لكم زند العتاب فلم تجد

غـير الـسِّياط لـجنبها هفواتها

وسـرت على حالٍ يحقُّ لشجوها

الأفـلاك لـو وقفت لها حركاتها

حنَّت ولولا زجر زجر ما حدت

أظـعانها بـسوى الحنين حداتها

يـا لوعة قعدت وقامت في الحشا

خـرساء تـنطق بالشَّجى نفثاتها

قـعدت ولا تـنفكُّ أو أرزاؤكـم

بـقيام قـائمكم تُـصاب تراتها

فانهض فدىً لك أنفس كمنت بها

طـير الـشّجون كـأنَّها وكناتها

واحـصد رؤوسهُمُ فكم رأس لكم

حـصدته بـعد ولم يشبَّ شباتها

وأحرق لهم صنمي ضلال وطِّدا

لـهم الاُمـور فـأمكنت وثباتها

تـبعاً بـما ابـتدعا فما من سوأة

إلاّ وفــي عـنـقيهما تـبعاتها

وهـما الـلذان عـليكُم قد جزّءا

مـن لا يـداني نـعلكم جبهاتها

جـرّا إلـيكم كـلّ جـور نالكم

مـن عـصبة فـعليهما لـعناتها

فـلرزئكم إن لـم أمت حزناً فلي

نـفس أذابـتها أسـى زفـراتها

ولـقد نـشرت رثاً لكم وكأنَّ في

طـيِّ الـجوانح لـلقنا وخزاتها

وإلـيكم مـن بـكر فكري ثاكل

تـنعى فـتهتف بـالنّفوس نعاتها

مـنكم لـكم أهـديتها وبـرزئكم

آل الـنّـبيِّ خـتمتها وبـدأتها

ولـنشاتي أنـشأتها ذخـراً لـكم

أفـهل أخـيب وفـيكم أنـشأتها

ولـمهجتي بـولاكم الحسنى إذا

فـقدت غـداً بصحيفتي حسناتها

٣٨٣

فـولاؤكم حـسبي وإنّي عبدكم

فخري وذخري أن تضق حلقاتها

وإلـيكم شكواي من نفس غدت

تـقـتادني لـلسّوء إمـاراتها

وجـرائم عـبَّت بـمهلك لجَّة

تـرمي لـها بـنفوسها غفلاتها

وأنـا الـغريق بها فهل إلاّ بكم

لـلنّفس يا سُفُن النّجاة نجاتها

وعليكم يا رحمة الباري من التـّ

ـسـليم مـا سارت به صلواتها

***

٢- وقال أيضاً:

أقـوت فهنَّ من الأنيس خلاء

دمـن مـحت آيـاتها الأنواء

درسـت فـغيّرها البلى فكأنَّما

طـارت بـشمل أنيسها عنقاء

يـا دار مقريّة الضيوف بشاشة

وقـراي منك الوجد والبرحاء

عـبقت بـتربك نـفحة مسكيّة

وسـقت ثـراك الديمة الوطفاء

عـهدي بـربعك آنساً بك آهلا

يـعلوه مـنك الـبشر والسَّراء

وثـرى ربـوعك للنّواظر أثمد

والـعقد حلي ضيائك الحصباء

قد كان مجتمع الهوى واليوم في

عـرصاته تـتفرَّق الأهـواء

أخـنى عـليه دهره والدهر لا

يـرجى لـه بذوي الوفاء وفاء

أيـن الـذين ببشرهم وبنشرهم

يحيا الرجال وتأرج الأرجاء

ضربوا بعرصة كربلا خيامهم

فـأطلَّ كـرب فـوقها وبلاء

لله أيّ رزيَّـة فـي كـربلا

عـظمت فهانت دونها الأرزاء

يـوم بـه سلّ ابن أحمد مرهفاً

لـفرنده بـدجى الـوغى لألاء

وفـدى شـريعة جدِّه بعصابة

تـفدى وقـلَّ من الوجود فداء

صـيد إذا ارتـعد الكميّ مهابة

ومـشت إلى أكـفائها الأكفاء

وعـلا الغبار فأظلمت لولا سنا

جـبهاتها وسـيوفها الـهيجاء

عشت العيون فليس إلاّ الطعنة

الـنجلا وإلاّ الـمقلة الخوصاء

زحـفوا إلى ورد المنون تشوّقاً

حتّى كـأنَّ مـماتها الأحياء

عـبست وجوه عداهم فتبسّموا

فـرحاً وأظلمت الوغى فأضاؤا

فـلها قـراع السّمهري تسامر

وصـليل وقع المرهفات غناء

بـأبي لـها مـن أنْ تشمَّ مذلَّة

أنـف أشـمّ وهـمَّة قـعساء

٣٨٤

يـقـتادهم لـلحرب أروعُ مـاجد

صـعب الـقياد عـلى الأبـا أبّاء

صـحبته مـن عـزماته هـنديَّة

بـيـضاء أو يـزنـيَّة سـمراء

تـجري الـمنايا السّود طوع يمينه

وتـصرَّف الأقـدار حـيث تشاء

ذلَّـت لـعزمته الـقروم بـموقف

عـقَّـت بــه آبـاءها الأبـناء

بـفرائص رعـدت وهامات همت

مـذ لاح بـارق سـيفه الـوضَّاء

ولـئن تـنكَّر فـي العجاج فطالما

شـهـدت بـغرِّ فـعاله الـهيجاء

مـن أبـيض نثر الرؤوس وأسمر

نُـظِمتْ بـسلك كـعوبه الأحشاء

كـره الـحمام لـقاءه فـي معرك

حـسدتْ بـه أمـواتها الأحـياء

بـأبي أبـي الـضيم سيم هوانه

فـلواه عـن ورد الـهوان إبـاء

وتـألَّـبوا زمـراً عـليه تـقودها

لـقـتاله الأحـقـاد والـبـغضاء

فـسطا عـليهم مـفرداً فـثنت له

تـلك الـجموع الـنّظرة الشزراء

يـا واحـداً لـلشّهب من عزماته

تـسـري لـدَيه كـتيبة شـهباء

ضاقت بها سعة الفضاء على العدى

فـتـيقّنوا مــا بـالنّجاة رجـاء

فـغدت رؤوسـهم تـخرّ أمـامهم

فـوق الـثّرى وجـسومهنَّ وراء

تـسع الـسّيوف رقابهم ضرباً وبا

لأجـسام مـنهم ضـاقت الـبيداء

مـا زال يـفنيهم إلى أنْ كاد أنْ

يـأتي عـلى الإيـجاد مـنه فناء

لـكـنَّما طـلـب الإلـه لـقاءه

وجـرى بـما قـد شاء فيه قضاء

فـهوى على غبرائها فتضعضعت

لـهـويه الـغـبراء والـخضراء

وعـلا الـسِّنان بـرأسه فالصعدة

الـسّمراء فـيها الـطلعة الـغرّاء

ومـكـفَّن وثـيابه قـصد الـقنا

ومـغـسّل ولــه الـمياه دمـاء

ظــام تـفطَّر قـلبه ظـمأ وبـا

لـحملات مـنه تـرتوي الغبراء

تـبكي الـسّماء دمـاً له أفلا بكت

مــاء لـغـلّة قـلـبه الأنـواء

وآ لهف قـلبي يابن بنت محمّد

لـك والـعدى بك أدركوا ما شاؤا

فـلـخيلها أجـسـامكم ولـنـبلها

أكـبـادكم ولـقضبها الأعـضاء

وعلى رؤوس السّمر منكم أرؤوس

شـمس الـضّحى لوجوهها حرباء

يـابـن الـنّبيّ أقول فيك معزِّيا

نـفساً وعـزً عـلى الثكول عزاء

مـا غضَّ من علياك سوء صنيعهم

شـرفاً وإنْ عـظم الـذي قد جاؤا

إنْ تـمس مـغبرَّ الـجبين معفَّراً

فـعليك مـن نـور الـنّبيّ بـهاء

٣٨٥

أو تـبق فوق الأرض غير مغسّل

فـلك الـبسيطان الـثَّرى والماء

أو تـغتدى عـار فقد صنعت لكم

بـرد الـعلا الخطيّ لا صنعاء

أو تـقض ظـمآن الفؤاد فمِن دما

أعـداك سـيفك والـرماح رواء

فـلو أنّ أحـمد قـد رآك على

الثَّرى لفرشن منه لجسمك الأحشاء

أو بالطّفوف رأت ظماك سقتك من

مـاء الـمدامع اُمّـك الزهراء

يـا ليت لا عذب الفرات لوارد

وقـلـوب أبـناء الـنّبيّ ظـماء

كـم حـرَّة نـهب الـعدى أبياتها

وتـقـاسمت أحـشـاءها أرزاء

تـعدو وتـدعو بـالحماة ولم يكن

بـسوى الـسِّياط لها يجاب دعاء

تـعدو فـإنْ عادت عليها بالعدى

عـدو الـعوادي الجرد والأعداء

هـتفت تـثير كـفيلها وكـفيلها

قـد أرمضته في الثَّرى الرمضاء

يـا كعبة البيت الحرام ومَن سمت

بـهم عـلى هـام السَّما البطحاء

لله يـوم فـيه قـد أمـسيتم

أسـراء قـوم هـم لكن طلقاء

حـملوا لكم في السَّبي كل مصونة

وسـروا بها في الأسر أنّى شاؤا

ثـكلى تـحنُّ لشجوها عيس الفلا

وتـرقّ إنْ نـاحت لـها الورقاء

تـنعى لـيوث البأس من فتيانها

وغـيـوثها إنْ عـمَّت الـبأساء

رقـدوا ولـيس بعزمهم من قدرة

وغـفوا ومـا فـي بأسهم إعفاء

تـبكيهم بـدم فقل بالمهجة الحرَّى

تـسـيل الـعـبرة الـحـمراء

نـاحت فلمّا غضّضت من صوتها

بـزفـيرها أنـفاسها الـصعداء

حـنَّت ولـكنَّ الـحنين بكى وقد

نـاحـت ولـكن نـوحها أيـماء

وقـست عـليهنَّ الـقلوب فدونها

الـصخر الأصمّ ودونها الخنساء

وحـدت بـهنّ الـيعملات كلابها

ولـهنَّ رجـع حـنينهنَّ حـداء

ومـقـيّد قــام الـحديد بـمتنه

غـلاً وأقـعد جـسمه الاعـياء

رهـن الـضَّنا قـعدت به أسقامه

وسـرت بـه الـمهزولة العجفاء

وغـدت تـرقّ على بليته العدى

مـا حـال من رقَّت له الأعداء

لله سـر الله وهـو مـحجَّب

وضـمير غـيّب الله وهـو خفاء

أنّـى اغـتدى لـلكافرين غنيمة

فـي حـكمها يـنقاد حيث يشاؤا

عـالٍ على عاري المطيِّ تقاذف

الأمـصار فـيه وترتمي الأحياء

طـوع الأكـفِّ وكـلّهنَّ لـئيمة

نـصب الـعيون وكـلّها عـمياء

٣٨٦

وهـو الذي لو شاء أنْ يفنيهم

قـذفتهم الـدئماء والـدهماء

وهَوَت له شُهُب السَّماء بقوسها

وأطـاعه الإصـباح والإمساء

آل الـنّبيِّ لأن تعاظم رزؤكم

وتصاغرت في وقعه الأرزاء

فـلأنتم يـا أيَّـها الشفعاء في

يـوم الـجزاء وأنتم الخصماء

وإلـيكم مـن بكر فكري ثاكل

تـنعى وقد أودت بها البرحاء

حـسناء جاءت للعزاء ولم تعد

إلاّ بحـسن مـنكمُ الـحسناء

***

٣- وقال أيضاً:

خـذوا الماء من عيني والنّار من قلبي

ولا تـحملوا لـلبرق منَّاً ولا السّحب

ولا تـحسبوا نـيران وجـدى تنطفي

بـطوفان ذاك الـمدمع السّافح الغرب

ولا أنَّ ذاك الـسَّـيل يـبرد غـلَّتي

فـكم مـدمع صـبِّ لـذي غلَّة صبِّ

ولا أنَّ ذاك الـوجـد مـنِّي صـبابة

لـغـانية عـفراء أو شـادن تـرب

نـفى عـن فـؤادي كـلَّ لهو وباطل

لـواعج قد جرَّعنني غصص الكرب

أبـيت لها أطوي الضلوع على جوىً

كـأنِّي على جمر الغضا واضعاً جنبي

رزايـاكـم يــا آل بـيت مـحمّد

أغـصّ لـذكراهنَّ بـالمنهل الـعذب

عـمى لـعيون لا تـفيض دمـوعها

عـليكم وقد فاضت دماكم على التّرب

وتـعـساً لـقلب لا يـمزِّقه الأسـى

لـحرب بـها قـد مزَّقتكم بنو حرب

فـوا حـرَّتا قـلبي وتـلكم حشاشتي

تـطـير شـظاياها بـواحرتا قـلبي

أأنـسى وهـل يـنسى رزاياكم التي

الـبت عـلى ديـن الـهداية ذولب

أأنـساكم حـرَّى الـقلوب على الظَّما

تذادون ذود الخمص عن سائغ الشرب

أأنـسى بـأطراف الـرماح رؤوسكم

تـطلَّع كـالأقمار في الأنجم الشهب

أأنـسى طـراد الخيل فوق جسومكم

وماوطأت من موضع الطَّعن والضرب

أأنـسى دمـاء قـد سُـفِكنَ وأدمـعاً

سُـكبن وأحـراراً هُتكن من الحجب

أأنـسى بـيوتاً قـد نُـهبن ونـسوة

سُـلبن وأكـباداً أذبـن من الرعب

أأنـسى اقـتحام الـظالمين بـيوتكم

تـروِّع آل الله بـالضَّرب والنّهب

أأنـسى اضـطرام النّار فيها وما بها

سـوى صبية فرّت مذعرة السَّرب

٣٨٧

أأنسى لكم في عرصة الطَّف موقفاً

على الهضب كنتم فيه أرسى‌من‌الهضب

تـشـاطرتموا فـيـه رجـالاً ونـسوةً

عـلى قـلَّة الأنـصار فـادحة الخطب

فـأنـتم بــه لـلقتل والـنّبل والـقنا

ونـسوتكم لـلأسر والـسَّبى والـسَّلب

إذا أوجـبت أحـشاءها وطـأة الـعدى

عـلا نـدبها لـكن عـلى غوثها النّدب

وإنْ نـازعتها الـحلي فـالسَّوط كم له

عـلى عـضديها مـن سوار ومن قلب

وإنْ جـذبت عـنها الـبراقع جـدِّدت

بـراقع تـعلوهنَّ حـمراً مـن الضَّرب

وان سـلـبت عـنها الـمقانع قـنِّعت

اذا بـثت الـشكوى عـن السّلب بالسَّب

وثـاكلة حـنَّت فـما الـعيس في الفلا

ونـاحت فما الورقاء في الغصن الرطب

تـروي الـثَّرى بـالدمع والـقلب ناره

تـشبّ وقد يخطي الحيا موضع الجَّدب

وتـندب عـن شـجوٍ فـتعطي بـندبها

لـكلِّ حـشى ما في حشاها من النّدب

وتـنعى فتشجي الصّمَّ زينب إذ نعت

وتـصدع شكواها الرواسي من الخطب

تـثير عـلى وجـه الـثَّرى من حماتها

لـيوث وغـى لـكن مـوسَّدة الـتّرب

نـيام عـلى الأحـقاف لـكن بلا كرى

ونـشوانة الأعـطاف لـكن بلا شرب

تـطـارحهم بـالـعتب شـجواً وإنَّـها

لـتعلم بـعد الـقوم عـن خطّة العتب

حـموا خـدرها حتّى اُستبيحت دماؤهم

وطـلَّت ومـا طـالت إليها يد النّصب

ومــن دونـها أجـسامهم ورؤوسـهم

غـدت نـهب أطراف الأسنّة والقضب

فـيا مـدركي الأوتـار حتّى مَ صبركم

وأوتـاركم ضـاقت بها سعة الرحب

ويـا طـاعني صـدر الـكتائب ما لكم

قـعدتم وفـي أيـديكم قـائم العضب

ويـا طـاحني هـام العدى ما انتظاركم

وقد طحنتكم في الحروب رحى حَرب

ويـا مـزعجي أسـد الشّرى ما قعودكم

وقـد ظـفرت مـن ليثكم ظفر الكلب

جـبـار بـأيـدي الـظالمين دمـاؤكم

فـيا غـيرة الـجبّار مـن غضب هبي

فـكـم غـرَّة فـوق الـرماح وحـرَّة

لآل رسـول الله سـيقت عـلى النّجب

وكــم مــن يـتيم مـوثق لـيتيمة

ومـسبيّة بـالحبل شـدَّت إلى مسبي

بـني الـنّسب الـوضَّاح والحسب الذي

تـعالى فـأضحى قـاب قـوسَين للربِّ

إذا عـدَّت الأنـساب لـلفخر أو غدت

تـطـاول بـالأنساب سـيّارة الـشّهب

فـمـا نـسـبي إلاّ انـتـسابي إلـيكم

ومــا حـسـبي إلاّ بـأنّـكم حـسبي

٤- وقال:

فـي الـقلب حرّ جوى ذاك توهّجه

الـدمع يـطفيه والـذكرى تؤجّجه

٣٨٨

أفـدي الاُولى للعلا أسرى بهم ظعن

وراء حـاد مـن الاقـدار يـزعجه

ركـب عـلى جـنَّة المأوى معرِّسه

لـكن عـلى مـحن البلوى معرِّجه

مثل الحسين تضيق الأرض فيه فلا

يـدري إلى أيـن مـأواه ومولجه

ويطلب الأمن بالبطحا وخوف بني

سـفـيان يـقلقه عـنها ويـخرجه

وهـو الذي شرّف البيت الحرام به

ولاح بـعد الـعمى لـلنّاس منهجه

يـا حـائراً لا وحـاشا نور عزمته

بـمَن سـواك الهدى قد شعّ مسرجه

وواسـع الـحلم والـدنيا تضيق به

سـواك إن ضاق خطب من يفرِّجه

ويـا مـليكاً رعـاياه عـليه طغت

وبـالـخـلافة بـاريـه مـتـوجّه

يـا عـارياً قد كساه النّور ثوب سناً

زهـا بـصبغ الـدَّم الـقاني مدبِّجه

يـا ريَّ كـلِّ ظـما واليوم قلبك من

حـرِّ الظّما لو يمسُّ الصخر ينضجه

يـا مـيّتاً بـات والـذاري يـكفِّنه

والأرض بـالتُّرب كـافوراً تؤرِّجه

ويـا مـسيح هدى للرأس منه على

الـرماح مـعراج قدس راح يعرجه

ويـا كـليماً هوى فوق الثرى صعقاً

لـكن مـحيَّاه فـوق الـرمح أبلجه

ويـا مـغيث الهدى كم تستغيث ولا

مـغـيث نـحوك يـلويه تـحرّجه

فـأين جـدّك والأنـصار عنك ألا

هـبَّت لـه أوسـه منهم وخزرجه

وأيـن فـرسان عـدنان وكـلُّ فتىً

شـاكي الـسّلاح لدى الهيجا مدجِّجه

وأيـن عـنك أبـوك المرتضى أفلا

يـهـيجه لـك إذ تـدعو مـهيِّجه

يـروك بالطَّف فرداً بين جمع عدى

الـبـغي يـلجمه والـغيُّ يـسرجه

تـخوض فوق سفين الخيل بحر دم

بـالبيض والـسُّمر زخـار مموِّجه

حـاشا لـوجهك يـا نور النبوّة أن

يـمسي عـلى الأرض مغبَّراً مبلِّجه

ولـلـجبين بـأنوار الإمـامة قـد

زهـا وصـخر بني صخر يشجِّجه

أعـيذ جـسمك يـا روح النبيِّ بأن

يـبقى ثـلاثاً على البوغا مضرّجه

عـار يحوك له الذكر الجميل ردى

أيـدي صـنائعه بـالفخر تـنسجه

والـرأس بـالرمح مـرفوع مبلِّجه

والـثغر بـالعود مـقروع مـفلِّجه

حـديث رزءٍ قديم الأصل أخرج إذ

عـن الاُولـى صحَّ اسناداً مخرجه

تالله مـا كـربلا لو لا سقيفتهم

ومـثل ذا الفرع ذاك الأصل ينتجه

وفـي الطّفوف سقوط السّبط منجدلا

من سقط محسن خلف الباب منهجه

وبـالخيام ضـرام النّار من حطبٍ

بـباب دار ابـنة الـهادي تـأجِّجه

٣٨٩

لـكنْ اُمـيَّة جـاءتكم بـأخبث ما

كـانت عـلى ذلـك المنوال تنسجه

سـرت بـنسوتكم لـلشَّام في ظعن

قـبابه الـكور والأقـتاب هـودجه

مـن كـلِّ والـهة حـسرى يعنِّفها

عـلى عجاف المطى بالسّير مدلجه

كم دحلج صاغه ضرب السّياط على

زنـد بـأيدي الـجفاة ابـتزَّ دملجه

ولا كـفيل لـها غير العليل سرت

تـرثى لـه ألـم الـبلوى وتنشجه

تـشكو عـداها وتـنعى قومها فلها

حـال من الشجو لفَّ الصبر مدرجه

فـنعيها بـشجى الـشكوى تـؤلِّفه

ودمـعها بـدم الأحـشاء تـمزجه

ويدخل الشَّجو في الصخر الأصمِّ لها

تـزفُّر مـن شـظايا القلب تخرجه

فـيا لأرزائـكم سدَّت على جزعي

بـاباً مـن الـصبر لا ينفكُّ مرتجه

يـفرُّ قـلبي مـن حـرِّ الغليل إلى

طـول الـعويل ولـكن ليس يثلجه

أودُّ أنْ لا أزال الـدهـر اُنـشـئها

مـراثياً لـه تـمسُّ الطود تزعجه

ومـقولي طـلقٌ فـي القول أعهده

لـكـن عـظيم رزايـاكم يـلجلجه

ولا يـزال عـلى طول الزمان لكم

فـي الـقلب حرّ جوى ذاك توهُّجه

للحجّة آية الله الشيخ محمّد حسين الاصفهانيقدس‌سره :

أَسـفرَ صبح اليُمن والسّعادة

عن وجه سرِّ الغيب والشَّهادة

أَسـفرَ عن مرآة غيب الذَّات

ونـسخة الأسماء والصفات

تعرب عن غيب الغيوب ذاته

تـفصح عـن أسمائه صفاته

يـنبِّئ عـن حقيقة الخلائق

بـالحقِّ والصِّدق بوحهٍ لائق

لـقد تـجلَّى أعظم المجالي

في الذات والصِّفات والأفعال

روح الـحـقيقة الـمحمديَّة

عـقل الـعقول الكُمّل العليَّة

فـيضٌ مُقدّسٌ عن الشوائب

مـفيض كـلِّ شاهد وغائب

تَـنفَّس الصّبح بنور لم يزل

بل هو عند أهله صبح الأزل

وكيف وهو النَّفَس الرحماني

فـي نفس كلِّ عارف ربَّاني

بـه قـوام الكلمات المحكمة

بـه نظام الصُّحف المكرَّمة

تـنفَّس الـصُّبح بسرِّ القدم

بـصـورة جـامعة لـلكَلِم

تنفَّس الصُّبح بالاسم الأعظم

مـحا عن الوجود رسم العدم

بل فالقُ الإصباح قد تجلَّى

فـلا تـرى بعد النَّهار ليلا

فـأصبح الـعلم ملاء النُّور

وأَيّ نـور فوق نور الطور

٣٩٠

ونـار مـوسى قبَسٌ من نوره

بل كلّ ما في الكون من ظهوره

أشـرق بدرٌ من سماء المعرفة

بـه اسـتبان كـلّ اسم وصفة

بـه اسـتنار عـالم الإبـداع

والـكلّ تـحت ذلـك الشعاع

بـه اسـتنار ما يُرى ولا يُرى

من ذرّة العرش إلى فوق الثرى

فـهو بوجهه الرضي المرضي

نـور السّماوات ونور الأرض

أفـلا تـوازي نـوره الأنوار

بـل جـل أن تدركه الأبصار

غـرّتـه بـارقـة الـفـتوّة

قــرّة عـين خـاتم الـنبوّة

تـبدو عـلى غـرّته الـغرّاء

شـارقـة الـشهامة الـبيضاء

بـاديـة مـن آيـة الـشهامة

دلائـل الإعـجاز والـكرامة

مـن فـوق هامة السّماء همَّته

تـكاد تـسبق الـقضا مشيئته

مـا هـمّة الـسّماء من مداها

إنَّ إلى ربــك مـنتهاها

اُمُّ الـكتاب فـي علوِّ المنزلة

وفـي الإبـا نقطة باء البسملة

تـمّـت بـه دائـرة الـشهادة

وفـي مـحيطها لـه الـسّيادة

لو كشف الغطاء عنك لا ترى

سـواه مـركزاً لـها ومحوراً

وهـل تـرى لملتقى القوسين

أثـبت نـقطة مـن الـحسين

فــلا وربِّ هــذه الـدوائر

جـلّ عـن الأشـباه والنظائر

بـشراك يـا فـاتحة الـكتاب

بـالمعجز الباقي مدى الأحقاب

وآيــة الـتوحيد والـرسالة

وسـرّ مـعنى لـفظة الجلالة

بـل هـو قـرآن وفرقان معاً

فـمـا أجـلّ شـأنه وأرفـعا

هـو الـكتاب الـناطق الإلهي

وهـو مـثال ذاتـه كـما هي

ونـشأة الاسـماء والـشؤون

كـلّ نـقوش لـوحه المكنون

لا حـكم لـلقضاء إلاّ ما حكم

كـأنّـه طـوع بـنانه الـقلم

رابـطـة الـمـراد بـالإرادة

كـأنّـه واسـطـة الـقـلادة

نـاطقة الـوجود عين المعرفة

ونـسخة اللاهوت عيناً وصفة

فــي يـده أزمـة الأيـادي

بـالقبض والـبسط على العباد

بـل يـده الـعليا يد الإفاضة

في الأمر والخلق ولا غضاضة

لـك الـهنا يـا سـيّد الكونين

فـغاية الآمـال في الحسين

وارث كـلّ الـمجد والـعلياء

مــن الـمـحمّديَّة الـبيضاء

٣٩١

فـإنّه مـنك وأنـت مـنه في

كـلّ الـمعالي يا له من شرف

وفـيه سـرّ الكلّ في الكلّ بدا

روحان في روح الكمال اتحدا

لك العروج في السّماوات العلا

لـه العروج في سماوات الملا

حـظك منتهى الشهود في دنا

وسـهمه أقصى المنى من الفنا

مـنك أسـاس العدل والتوحيد

مـنه بـناء قـصره الـمشيد

مـنك لـواء الدين وهو حامله

قـام بـحمله الـثقيل كـاهله

والـمكرمات والـمعالي كـلّها

أنـت لها المبدأ وهو المنتهى

لـك الـهنا يا صاحب الولاية

بـنـعمة لـيـس لها نـهاية

أنـت مـن الوجود عين العين

فـكن قـرير العين بالحسين

شـبلك فـي الـقوّة والشجاعة

نـفسك فـي الـعزّة والمناعة

مـنطقك الـبليغ فـي البيان

لـسانك الـبديع فـي المعاني

طـلعتك الـغرّاء بـالإشراق

كـالبدر فـي الأنفس والآفاق

صـفاتك الـغرّ لـه مـيراث

والـمجد ما بين الورى تراث

لـك الـهنا يـا غاية الإيجاد

بـمبدئ الـخيرات والأيـادي

وهـو سفينة النّجاة في اللجج

وبـابها الـسّامي ومن لجَّ ولج

سـلطان إقـليم الحفاظ والإبا

مـليك عـرش الفخر اُمّاً وأبا

رافـع رايـة الـهدى بمهجته

كـاشف ظـلمة العمى ببهجته

بـه اسـتقامت هـذه الشريعة

بـه عـلت أركـانها الرفيعة

بـنى الـمعالي بمعالي هممه

ما اخضرّ عود الدِّين إلاّ بدمه

بـنفسه اشـترى حـياة الدِّين

فـيا لـها مـن ثـمن ثـمين

أحـيا مـعالم الـهدى بروحه

داوى جروح الدِّين من جروحه

جـفَّت ريـاض العلم بالسّموم

لـم يَـروِها إلاّ دم الـمظلوم

فـأصبحت مـورقة الأشجار

يـانـعة زاكـيـة الـثـمار

أقـعـد كـلّ قـائم بـنهضته

حتّى أقـام الدِّين بعد كبوته

قـامت بـه قـواعد الـتوحيد

مـذ لـجأت بـركنها الـشديد

وأصـبـحت قـويّة الـبنيان

بـعـزمه عـزائـم الـقرآن

غـدت بـه سـامية الـقباب

مـعـاهد الـسُـنّة والـكتاب

أفـاض كـالحيا عـلى الوراد

مـاء الـحياة وهو ظامٍ صادي

٣٩٢

وكـضه الـظما وفي طيِّ الحشا

ريُّ الـورى والله يقضي ما يشا

والـتهبت أحـشاؤه مـن الظما

فـأمطرت سـحائب القدس دما

وقــد بـكته والـدموع حـمر

بـيض السّيوف والرماح السّمر

تـفطر الـقلب مـن الظما وما

تـفـتر الـعـزم ولا تـثـلما

ومـن يـدك نـوره الطور فلا

يـندكُّ طـود عـزمه من البلا

تـعجّب مـن ثـباته الأمـلاك

ومــن تـجـوّلاته الأفــلاك

لا غـرو أنّـه ابـن بجدة اللقا

قـد ارتقى في المجد خير مرتقى

شـبل عـلي وهـو ليث غابه

لا بـل كـأنّ الـغاب في اهابه

كـرّاته فـي ذلـك الـمضمار

تـكـوّر الـليل عـلى الـنّار

وعـضـبه صـاعقة الـعذاب

عـلى بـقايا بـدر والأحـزاب

سـطا بـسيفه فـفاضت الربى

بـالدم حتّى بـلغ السّيل الزبى

فـرّق جـمع الـكفر والضلال

لـجمع شـمل الـدِّين والـكمال

أنــار بـالبارق وجـه الـحق

وفـي ومـيضه رمـوز الصدق

حـتّى تـجلّى الـدِّين في جماله

يـشـكر فـعله لـسان حـاله

قـام بـحق الـسّيف بل أعطاه

مـا لـيس يـعطى مـثله سواه

كـأن مـنتضاه مـحتوم القضا

بـل القضا في حدّ ذاك المنتضى

كـأنّـه طـيـر الـفنا رهـيفه

يـقضى عـلى صـفوفهم رفيفه

أو صرصر في يوم نحس مستمر

كـأنّهم أعـجاز نـخل مـنقعر

أو بـصـريره كـريح عـاتية

كـأنّهم أعـجاز نـخلٍ خـاوية

وفـي الـمعالي حـقّها لما علا

على العوالي كالخطيب في الملا

يـتـلو كـتاب الله والـحقايق

تـشهد أنّـه الـكتاب الـنّاطق

قـد ورث الـعروج في الكمال

مـن جدّه لكن على العوالي

هـي الـعوالي وهي المعالي

والـخير كـلّ الخير في المثال

هـو الـذبيح في منى الطفوف

لـكـنّه ضـريـبة الـسّـيوف

هـو الـخليل الـمُبتلى بـالنّار

والـفرق كـالنّار عـلى المنار

نـوح ولـكن أيـن من طوفانه

طـوفانُه فـليس مـن أقـرانه

تالله مـا ابـتلى نبيُّ أو ولـي

فـي سالف الدهر بمثل ما ابتلي

لــه مـصائف تـكلّ الألـسن

عـنها فـكيف شـاهدتها الأعين

٣٩٣

أعـظمها رزءاً عـلى الإسلام

سـبـي ذراري سـيّد الأنـام

ضـلالـة لا مـثلها ضـلالة

سـبي بـنات الوحي والرسالة

وسَـوقها مـن بـلد إلى بلد

بـين الـملا أشـنع ظلم وأشد

وأفـظع الـخطوب والدواهي

دخـولها فـي مجلس الملاهي

ولــدغ حـيّة لـها بـريقها

دون وقـوفها لـدى طـليقها

ويـسلب الـلب حـديث السّلب

يـا سـاعد الله بـنات الحجب

تـحـمّلت اُمـيّـة أوزارهـا

وعـارها مـذ سـلبت إزارها

وكيف يرجى الخير من خمارها

تـبّت يـد مُـدَّت إلى خمارها

وأدركـت مـن الـنّبيِّ ثارها

وفـي ذراريـه قضت أوتارها

وآ عـجباً يـدرك ثـار الكفرة

مـن أهل بدر بالبدور النيّرة

فـيا لـثارات الـنّبي الـهادي

بـما جـنت بـه يـد الأعادي

ومَـن لـها إلاّ الإمام المنتظر

أعــزّه الله بـفـتح وظـفر

للحجّة آية الله المجاهد الشيخ محمّد جواد البلاغي(١) :

يا تريب الخد في رمضا الطفوف

لـيتني دونـك نـهباً لـلسّيوف

يـا نـصير الدِّين إذ عزّ النّصير

وحـمى الـجار إذا عـزّ المجير

وشـديد الـبأس والـيوم عسير

وثـمال الـرفد في العام العسوف

كـيف يـا خامس أصحاب الكسا

وابـن خير المرسلين المصطفى

وابن ساقي الحوض في يوم الظما

وشـفيع الخلق في اليوم المخوف

يـا صـريعاً ثاوياً فوق الصعيد

وخضيب الشيب من فيض الوريد

كـيف تـقضي بـين أجناد يزيد

ظـامئاً تسقى بكاسات الحتوف

كـيف تقضي ظامئاً حول الفرات

دامـياً تـنهل مـنك الماضيات

وعـلى جسمك تجري الصافنات

عـافر الـجسم لقى بين الطفوف

____________________________

(١) نظم هذه القصيدة لأجل الموكب الذي سعى به ليلة عاشوراء ويومها في كربلاء، في السّنة التي قُتل فيها السيد حسن ابن آية الله السيد أبو الحسن الاصفهاني وببركاته اتسع إلى هذه السنة فكان موكب النجفيين ليلة عاشوراء في كربلا يضم العلماء وأهل الفضل والمقدسين من أرباب المهن، كل ذلك من انفاس هذا الشيخ الجليل المناضل دون الدين الحنيف وتوفي في الليلة الثانية والعشرين من شعبان سنة ١٣٥٢ﻫ وترجمته مفصلة في (شعراء الغرى ٢ / ٤٣٦).

٣٩٤

يـا مريع الموت في يوم الطِّعان

لا خـطا نـحوك بالر مح سنان

لا ولا شـمر دنـا مـنك فـكان

مـا أماد الأرض هولا بالرجوف

سـيّدي أبـكيك للشيب الخضيب

سـيّدي أبـكيك لـلوجه التريب

سـيّدي أبـكيك لـلجسم السّليب

مـن حشا حران بالدمع الذروف

سـيّدي إن مـنعوا عنك الفرات

وسـقوا مـنك ظـماء المرهفات

فـسـنسقي كـربلا بـالعبرات

وكـفا مـن علق القلب الاُسوف

سـيّدي أبـكيك منهوب الرحال

سـيّدي أبـكيك مـسبي الـعيال

بـين أعداك على عجف الجمال

فـي الفيافي بعد هاتيك السّجوف

سـيّدي إن نقض دهراً في بكاك

ما قضينا البعض من فرض ولاك

أو عـكفنا عـمرنا حـول ثراك

مـا شـفى غـلّتنا ذاك العكوف

لـهف نـفسي لنساك المعولات

والـيتامى إذ عـدت بين الطغاة

بـاكيات شـاكيات صـارخات

ولـهاً حـولك تـسعى وتطوف

يـا حـمانا مَـن لـنا بعد حماك

ومَـن الـمفزع من أسر عداك

ولِـمَن نـلجأ إنْ طـال نـواك

ودهـتنا بـدواهيها الـصروف

يـا حـمانا مـن لأيـتام صغار

ومـذاعـير تـعادي بـالفرار

راعـها الـمزعج من سلب ونار

حـيث لا مـلجا ولا حامٍ رؤوف

لـست أنـساها وقـد مالت إلى

صفوة الأنصار صرعى في الفلا

أشـرقت مـنها مـحاني كربلا

كـشموس غـالها ريب الكسوف

هـاتـفات بـهم مـستصرخات

بـاكـيات نـادبـات عـاتبات

صـارخات أيـن عـنّا يا حماة

يـا بـدور التمّ ما هذا الخسوف

يـا رجال البأس في يوم الكفاح

يا ليوث الحرب في غاب الرماح

كـيف آذنـتم جـميعاً بـالرواح

ورحـلتم رحلة القوم الضيوف

مـا لـكم لا غالكم صرف الردى

لا ولا أدركـتم بـيض الـظبى

أفـتـرضون لـنـا ذلّ الـسّبا

وعـناء الأسـر ما بين الاُلوف

أفـنُسبى بـعدكم سـبي الـعبيد

ثـمّ نُـهدى مـن عـنيد لعنيد

لا وقـفنا فـي الـسّبا عند يزيد

حـبّذا الـموت ولا ذاك الوقوف

للعلاّمة الحُجّة الشيخ محمّد حسين بن حمد الحلّي (أعلى الله مقامه):

خـليلَيَّ هـل مـن وقفة لكما معي

عـلى جـدث أسقيه صيب أدمعي

٣٩٥

لـيروي الثرى منه بفيض مدامعي

فـإنَّ الـحيا الوكاف لَم يكُ مقنعي

لأنَّ الـحيا يـهمي ويـقلع تـارة

وإنّي لعظم الخطب ما جفّ مدمعي

خـلـيلَيَّ هـبـا فـالرقاد مـحرّم

على كلّ ذي قلب من الوجد موجع

هـلمّا مـعي نـعقر هـناك قلوبنا

إذا الـوجد أبـقاها ولَـم تـتقطَّع

هـلـمّا نـقم بـالغاضريّة مـأتماً

لـخير كـريم بـالسّيوف مـوزع

فـتىً أدركـت فـيه عـلوج اُميّة

مـرامـاً فـأردتـه بـبيداء بـلقع

غداة أرادت أنْ ترى السّبط ضارعاً

ولَـم يـكُ ذا خدٍّ من الضيم أضرع

وكـيف يسام الضيم من جدّه ارتقى

إلى العرش حتّى حلّ أشرف موضع

فـتىً حـلّقت فـيه قـوادم عـزّه

لأعـلى ذرى الـمجد الأثيل وأرفع

ولـمّـا دعـتـه لـلكفاح أجـابها

بـأبيض مـشحوذ وأسـمر مشرع

وآسـاد حـرب غـابها أجـمّ القنا

وكـلّ كـميٍّ رابـط الجأش أروع

يـصول بـماضي الحدّ غير مكهم

وفـي غـير درع الصبر لَم يتدرع

إذا ألـقح الـهيجاء حـتفاً بـرمحه

فـماضي الشبا منه يقول لها ضعي

وإنْ أبـطأت عـنه النّفوس إجابة

فـحدّ سـنان الرمح قال لها أسرع

فـلّم تـزل الأرواح قـبض أكفّهم

وتـسـقط هـامات بـقولهم قـعي

إلــى أن دعـاهم ربّـهم لـلقائه

فـكانوا إلى لقياه أسرع من دعي

وخـرّوا لـوجه الله تلقى وجوههم

فـمن سُـجَّدٍ فـوق الصعيد ورُكّع

وكـم ذات خـدر سـجفتها حماتها

بـسـمر قـنـا خـطـيّة وبـلمَّع

أمـاطت يـد الأعداء عنها سجافها

فـأضحت بـلا سجف وكهف ممنع

لـقد نـهبت كـف المصاب فؤادها

وأبـدى عـداها كـلّ بـرد وبرقع

فـلم تـستطع عـن ناطريها تستراً

بـغـير زنـود قـاصرات وأذرع

وقد فزعت مذراعها الخطب دهشة

وأوهـى القوي منها إلى خير مفزع

فـلـمّا رأتــه بـالعراء مـجدّلاً

عـفيراً عـلى البوغاء غير مشيع

دنـت مـنه والأحزان تمضغ قلبها

وحـنّت حـنين الـواله الـمتفجّع

تـقول وظـفر الوجد يدمي فؤادها

عـليَّ عـزيزٌ أنْ أراك مـودّعي

عـليَّ عـزيزٌ أنْ تموت على ظما

وتشرب في كأس من الحتف مترع

أاُخــيَّ ذا شـمـر أراد مـذلّتي

فـأركبني مـن فـوق أدبـر أظلع

وذا الـعلج زجـر أرغـم الله أنفه

بـقرع الـقنا والأصـبحيَّة موجعي

٣٩٦

للعلاّمة الشيخ محمّد تقي ابن الحُجّة المرحوم الشيخ عبد الرسول آل صاحب الجواهر:

دعـاني فـوجدي لا يـسليه لائمه

ولـكن عسى يشفيه بالدمع ساجمُه

ولا تـكثرا لَـومي فـرُبَّ مـوله

(أعـقُّ خـليلَيه الـصفِيَّين لائمُه)(١)

فـما كلّ خطب يُحمد الصبر عنده

ولا كـلّ وَجْـدٍ يكسب الأجر كاتمُه

فـإنْ تـرعيا حـقّ الإخاء فأعولا

مـعي في مصاب أفجعتنا عظائمُه

غـداة أبـو الـسجّاد قـام مشمّراً

لـتشييد دِيـن الله إذ جـدّ هـادمُه

ورام ابـن مَيسون على الدِّين إمرةً

فـعاثت بـدِين الله جـهراً جرائمُه

فـقام مـغيثاً شرعة الدِّين شبل مَن

بـصمصامه بـدءاً اُقيمت دعائمُه

وحفَّ به إذ محّص النّاس معشر

نـمته إلى أوج الـمعالي مكارمُه

فـمن أشـوس ينميه للطعن حيدر

ويـنميه جداً في قرى الطير هاشمُه

ورهط تفانى في حمى الدِّين لَم تهن

لـقـلته بـين الـجموع عـزائمُه

إلـى أنْ قضَوا دون الشريعة صرعا

كما صُرعت دون العرين ضراغمُه

أراد ابـن هند خاب مسعاه أن يرى

حـسيناً بأيدي الضيم تلوى شكائمُه

ولـكن أبـى الـمجد المؤثّل والإبا

لـه الـذلّ ثـوباً والـحسام ينادمه

أبـوه عـليٌّ وابـنة الـطهر اُمّه

وطـه لـه جـدٌّ وجـبريل خادمُه

إلـى ابن سُميَّ وابن مَيسون ينثني

يـمدّ يـداً والـسّيف في اليد قائمُه

فـصال عليهم صولة الليث مغضباً

وعـسا له خصم النّفوس وصارمُه

فـحكم فـي أعـناقهم نـافذ القضا

صـقيلاً فـلا يستأنف الحكم حاكمُه

إلـى أنْ أعاد الدِّين غضا ولَم يكن

بـغير دمـاء الـسّبط تُسقى معالمه

فـإنْ يـكُ إسـماعيل أسلم نفسَه

إلى الذبح في حجر الذي هو راحمُه

فـعاد ذبـيح الله حـقّاً ولَـم يكن

تـصافحه بـيض الـظبى وتسالمه

فـإنّ حـسيناً أسـلم النّفسَ صابراً

على الذبح في سيف الذي هو ظالمه

ومـن دون دِيـن الله جـاد بنفسه

وكـلّ نـفيسٍ كـي تـشاد دعائمُه

ورضَّـت قـراه العاديات وصدرَه

وسيقت على عجف المطايا كرائمُه

فإن يمسِ فوق الترب عريان لَم تقم

له مأتماً تبكيه فيه محارمُه

____________________________

(١)[موقع معهد الإمامين الحسنين عليهما‌السلام ] العجز من بيت للمتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة، تمام قول المتنبي هو:

وما أنا إلاّ عاشقٌ كلّ عاشقٍ

أعـقُّ خـليلَيه الـصفِيَّين لائمُه

٣٩٧

فـأيّ حـشى لَـم يمس قبراً لجسمه

وفـي أيِّ قـلب مـا اُقـيمت مآتمُه

وهب دم يحيى قد غلا قبل في الثرى

فـإنَّ حـسيناً فـي القلوب غلا دمُه

وإنْ قـرَّ مُـذ دعـا بـخت نـصر

بـثارات يـحيى واستردّت مظالمه

فـليست دمـاء السّبط تهدأ قبل أنْ

يـقـوم بـإذن الله لـلثأر قـائمُه

أبـا صـالح يا مُدرك الثار كم ترى

وغـيظك وارٍ غـير أنّـك كـاظمُه

وهـل يـملك الموتور صبراً وحوله

يـروح ويـغدو آمن السّرب غارمُه

أتـنسى أبي الضيم في الطفِّ مفراداً

تـحوم عـليه لـلوداع فـواطمُه

أتـنساه فـوق الترب منفطر الحشا

تـناهبه سـمر الـردى وصوارمُه

ورُبَّ رضـيـع أرضـعته قـسيهم

مـن الـنّبل ثـدياً درّه الثر فاطمه

فـلَهفي لـه مُـذ طوّق السّهم جيده

كـمـا زيّـنته قـبل ذاك تـمائمُه

ولَـهـفي لـه لـمّا أحـسَّ بـحرّه

ونـاغاه مـن طـير الـمنيّة حائمُه

هـفا لـعناق الـسّبط مـبتسم اللمى

وداعـاً وهـي غـير العناق يلائمُه

ولـهفي عـلى اُمّ الرضيع وقد دَجى

عـليها الدُجى والدوح ناحت حمائمُه

تـسلل فـي الـظلماء ترتاد طفلها

وقـد نـجمت بين الضحايا علائمُه

فـمُذ لاح سـهم النّحر ودَّت لَو أنّها

تـشاطره سـهم الـردى وتـساهمُه

أقـلـته بـالكفين تـرشف ثـغره

وتـلثم نـحراً قَـبلَها الـسّهم لاثمُه

وأدنـتـه لـلنّهدين ولـهى فـتارةً

تـناغيه الـطافاً واُخـرى تـكالمه

بُنَي أفق من سكرة الموت وارتضع

بـثديك عـلَّ الـقلب يـهدأ هائمُه

بُـنَي فـقد درَّا وقـد كـضك الظما

فـعلّك يُـطفي مـن غليلك ضارمُه

بُـنَي لـقد كـنت الأنيس لِوحشتي

وسـلواي إذْ يسطو من الهمّ غاشمُه

للخطيب السيّد مهدي الأعرجيرحمه‌الله :

مـا بـال فِـهر أغـفلت أوتارها

هـلا تـثير وغـى فتدرك ثارها

أغفت على الضيم الجفون وضيّعت

يــا لـلحميّة عـزّها وفـخارها

عـجباً لـها هـدأت وتـلك اُميّة

قـتلت سـراة قـبيلها وخـيارها

عـجباً لـها هـدأت وتلك نساؤها

بـالطفِّ قـد هَتك العدى أستارها

مـن كـلِّ ثـاكلة تـناهب قـلبها

كـفّ الأسـى ويـد العدوّ خمارها

لـهفي لـها بعد التحجّب أصبحت

حـسرى تـقاسي ذلّـها وصغارها

تـدعو أمـير الـمؤمنين بـمهجة

فـيها الـرزيّة أنـشبت أظفارها

٣٩٨

أبتاه يا مردي الفوارس في الوغى

ومـبيد جـحفلها ومـخمِد نارها

قم وانظر ابنك في العراء وجسمه

جـعلته خـيل اُمـيّة مضمارها

ثـاوٍ تـغسِّله الـدماء بـفيضها

عـارٍ تـكفِّنه الـرياح غـبارها

وخيول حرب منه رضَّت أضلعاً

فـيها الـنبوّة أودعـت أسرارها

وبـيوت قـدس من جلالة قدرها

كـانت مـلائكةُ الـسّما زوّارها

يـقف الأمـينُ بـبابها مـستأذناً

ومـقـبِّلاً أعـتـابها وجـدارها

أضـحت عـليها آل حرب عنوة

فـي يـوم عاشورا تشنّ مغارها

كـم طـفلة ذعرت وكم محجوبة

بـرزت وقد سلب العدوّ إزارها

ويـتيمة صـاغ القطيع لها سِوا

راً عـندما بـزَّ الـعدوّ سِوارها

أين الكماة الصيد من عمرو العلا

عـنها فـترخص دونها أعمارها

أين الكماة الصيد من عمرو العلا

لِـتثير لـلحرب العوان غبارها

٣٩٩

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437