ويستمر الصراع

ويستمر الصراع33%

ويستمر الصراع مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 226

ويستمر الصراع
  • البداية
  • السابق
  • 226 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72729 / تحميل: 6394
الحجم الحجم الحجم
ويستمر الصراع

ويستمر الصراع

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

قال عمر: وماذا تنكر من ذاك.

قال الشيخ وهو على هيئته: ومتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟

قال عمر وقد بدت عليه علائم الدهشة: وهل كان علي من أهل بدر يا أبه؟!

قال الشيخ ولم يعد يحتمل المزيد من كلام عمر، ونسي أنه يخاطب ابن الأمير وولي العهد: ويحك! وهل كانت بدر كلها إلا له؟! ألم تسأل أباك عمن قتل المشركين في بدر وكان أهلك منهم؟! والله لقد قتل وحده ما يقارب النصف وشارك في قتل النصف الآخر. ثم تريدني أن أسمع وارض بما أعلم أنه لا يرضي الله ولا رسوله. استغفر الله يا ابن عبد العزيز وتب إليه مما فعلت، واعلم أني لن أعود إلى ما كنت عليه من تدريسك قبل أن تعلن توبتك الآن أمامي. قال ذلك بحزم وجرأة وتحدي مَن وطّن نفسه على الموت.

قال عمر: والله ما أراك يا أبه إلا صادقاً وما تعلقت عليك يوماً بكذبة. وأعلن توبتي الآن أمامك، وأعدك بأني لن أعود إلى ما كنت فيه. لقد ظلمت الرجل طويلاً، وكنت سأتحمل إثمه ما دمت حياً لولا فضل الله الذي أنقذني بك، وما كنت أظنه إلا واحداً من هؤلاء الفساق المارقين الذين أراح الله الإسلام والمسلمين بقتله.

وعجب عمر كيف غاب عنه ذلك! ولكن من أين له أن يعلم فضل من يسبه ويلعنه، وأهله كلهم يسبونه ويلعنونه، وهو لا يتصل بغيرهم، وليس من المعقول أن يكونوا كلهم على خطأ. كلهم يتهمونه بقتل الخليفة الشهيد عثمان، وكلهم يتهمونه بالخروج عن الإسلام، وكلهم يتهمونه بعكس هذا الذي يسمعه لأول مرة من شيخه.

ويتعرض عمر لأزمة دينية تضرب عقله ووجدانه.

كان عمر قد اعتاد أن يصحب أباه الأمير عبد العزيز بن مروان حين يذهب إلى المسجد يوم الجمعة من كل أسبوع للصلاة والخطبة.

١٠١

وكان يسمع أباه يمضي في خطبته بليغاً قوياً كالسيل لا يقف ولا يتلعثم ولا يستعصي عليه قول، حتى إذا وصل إلى ذكر علي فارقته بلاغته وبدا ضعيفاً ركيكاً، مع أن المفروض أن يحصل العكس، وهو يتكلم عن رجل يستطيع أن ينال منه ويطعن فيه وينسب إليه ماشاء من مثالب وعيوب بحرية كاملة، دون أن يتهم بالمبالغة أو الكذب، فمجال القول أمامه واسع رحب لا قيود فيه ولا حدود.

وحاول أكثر من مرة أن يسأل أباه عن سر هذا الضعف والارتباك الذي يصيبه حين يصل في خطبته إلى ذكر علي. لكنه كان يحجم ويمتنع. فليس من المألوف أن يسأل الابن أباه عن أمور بعيدة عنه خصوصاً مع صغر سنه. ثم إنه قد يجيبه بما يؤذيه أو قد لا يصدقه أبوه القول. وفي كل هذه الحالات سيتعرض لحرج شديد، لا مع أبيه فقط ولكن مع نفسه.

وبعد تردد طويل وصراع طويل مع النفس قرر عمر أن يمضي في خطته لمعرفة الحقيقة، وأن يسأل أباه دون النظر إلى النتائج التي قد تترتب على السؤال والجواب.

كانا قد عادا إلى البيت في أحد أيام الجمعة بعد ما انتهى أبوه من الصلاة والخطبة التي انصبت كالعادة على لعن علي، ودخل أبوه إلى غرفته ليغير ملابسه ويستريح.

ووجد عمر أن الفرصة مواتية، فاستجمع قواه وطرق باب الغرفة. لم يتصور أبوه أن الطارق هو عمر ابنه، فقد كان معه منذ قليل. وحين فتح الباب ورآه، قال مندهشاً: عمر؟!

قال عمر: نعم يا أبي أنا هو.

قال الأب: ما الذي جرى وقد كنا معاً قبل قليل؟! أرجو أن يكون خيراً ما جرى. مالك يا بني عابساً مقطباً؟! هل حدث لك شيء أعاذك الله من كل سوء؟ ادخل يا بني، إني أرى التعب والحزن على وجهك.

ودخل عمر وأخذ مكانه مقابل أبيه. وقبل أن يسرع إليه الخوف أو التردد فيمنعه ما جاء يسأل عنه، قال عمر: هل تسمح لي يا أبي بسؤال وتصدقني في جوابه؟ قال ذلك بلهجة جادة حازمة.

١٠٢

قال أبوه: وهل منعتك يوماً من السؤال؟ وهل كذبت عليك يوماً وأنا أرد على سؤال لك؟! سل عما بدا لك يا بني فهل أعز على عبد العزيز من ابنه عمر، وهل أحب إليه من أن يرد على أسئلته.

قال عمر: ما لي أراك يا أبي أخطبهم وافصحهم وانصعهم بياناً حتى إذا وصلت إلى ذكر علي بن أبي طالب، تلجلجت وغاب عنك بيانك وفارقتك بلاغتك. وكأنك شخص آخر لم يرتق المنبر يوماً. ولا تقل لي إن هذا ربما حدث صدفة هذا اليوم، لقد لاحظته منذ زمن طويل، في كل مرة تخطب فيها وتصل إلى ذكر هذا الرجل.

وأراد عبد العزيز أن يبتعد عن الجواب بالحديث في قضايا أخرى حاول أن يوجه انتباه عمر إليها ويشغله بها. عسى أن ينسى هذا الموضوع، فلا يعود إليه، اليوم على الأقل، ريثما يرتب الجواب المناسب. لکن عمر بدا مصراً على موقفه حازماً فيه. ثم قال لأبيه: ألم تقل لي إنك ستصدقني في بداية الحديث، قبل قليل.

قال الأب: بلى يا بني وإني لعلى ما وعدتك، ولكن ما شأنك وهذه الأمور التي ليست من شغل من هم في سنك؟ اخبرني كيف تسير دراستك؟ هل من تقدم وأنت أهل لكل تقدم؟ هل من صعوبة أستطيع تذليلها وحلها؟

قال عمر: ما أراك يا أبتي إلا تهرب من الجواب على سؤالي: والله لن أكلمك إلا أن تصدقني فيما سألتك عنه، ثم أدار وجهه ليخرج. قال الأب ورأى الجد في وجه عمر، وأن كل ما حاوله لصرفه عن سؤاله، لم يجد معه شيئاً: اسمع يا بني، سأكون صريحاً في غاية الصراحة معك وسأتحمل راضياً تبعة صراحتي. سأقول لك الحق الذي لم أقله لأحد قبلك ولن أقوله لأحد بعدك. والله لقد سألت عن رجل لم يكن في الإسلام ولا بين المسلمين من يماثله أو يدانيه في سابقته وفضله وجهاده وشجاعته وتقواه. ولقد كان أقرب إلينا من سواه، فأنت لا تجهل أننا جميعاً من عبد مناف، جدنا القريب الذي يجمعنا، لكنه الملك يا بني، يبعد القريبين ويقرب البعداء.

١٠٣

قال عمر: ولِم تصرون حتى اليوم على لعنه وسبه وتشويه سيرته وقد أصبحتم الخلفاء ولم يعد يخيفكم في شيء. لقد ظلمتموه حياً وظلمتموه ميتاً.

قال أبوه: وكيف لا يخيفنا؟! والله لو علم أهل الشام بعض ما نعلم من فضائله لانفضوا عنا وتركونا. بماذا سنجيب لو قالوا لنا لم تركتم السنّة في لعنة؟! أنصدقهم ونقول إننا كنا له ظالمين وكان هو الخليفة الشرعي والأحق بالأمر منا، ولم يشارك في دم عثمان، ولم يحرض عليه، وكان يسعى لإصلاح ما بينه وبين الثائرين عليه، وأن دماءكم ذهبت في باطل؟! أكان هذا سيرضيهم؟ أكانوا سيغفرونه لنا ويتركوننا وشأننا وقد ضللناهم طويلاً؟ لم يكن أمامنا غير الاستمرار على ما سنه معاوية من لعنه واتهامه بقتل عثمان. أفهمت الآن يا بني؟ أعرفت لم يختلف أبوك في خطبته كلما وصل إلى ذكر علي؟

قال عمر: كل الفهم. لكن ما لم أفهمه، كيف انتصرتم عليه واغتصبتم الخلافة منه، مع ما ذكرت من صفاته وفضائله؟!

قال أبوه: هي والله التي قتلته. كان صادقاً فكذبنا عليه وكان بريئاً فاتهمناه وقلنا إنه شارك في قتل عثمان، ولم يكن أحد أحرص على إصلاح الأمور بين المسلمين وبين عثمان منه. وكان جدك مروان غفر الله له هو من أوصل الأمور بين علي وبين عثمان وبين عثمان وبين الثائرين على ما وصلت إليه.

حتى إذا قتل عثمان، سارع جدك مع باقي بني أمية وعلى رأسهم معاوية، إلى اتهام علي بقتله وتحريض المسلمين ضده والثأر لدم الخليفة الشهيد.

قال عمر مذهولاً: وكل هذا حصل؟!

قال أبوه وهو يطرق برأسه: نعم يا بني، لقد حصل، وحصل أكثر منه.

قال عمر: وبعد عثمان، كيف سارت الأمور.

قال أبوه: لقد بدأنا أولاً بحرب الجمل لعله يقتل فيها أو يضعف جيشه أو يتمرد. كنا ندفع بطلحة والزبير ومعهما السيدة عائشة لإشعال هذه الحرب، على كرهنا لطلحة والزبير. فإن لم يقتل علي فيها، فربما قتل طلحة أو الزبير أو كلاهما فنتخلص منهما، ونضيف إلى المطالبة بقتل عثمان، المطالبة بقتلهما أو قتل أحدهما، بعد ما يكون جيش علي قد أنهك.

١٠٤

وفي هذه الحرب قتل جدك مروان طلحة بن عبيد الله الذي كان أشد المحرضين على عثمان والساعين في قتله.

وكان معاوية في الشام يجمع الجموع ويحشد المقاتلين ويشتري الذمم مستغلاً انشغال علي بحرب الجمل، من كان يريد المال دفعه له. قال عمر وكأنه غير مصدق ما يسمع: وماذا بعد؟! أية جريمة ارتكبتموها بحقه! قال ذاك، وهو يحبس أنفاسه من هول ما سمع والعرق يتصبب منه.

قال أبوه: ثم كانت حرب صفين.

قال عمر: وقاتلتموه طبعاً وأنتم له ظالمون! وتعلمون فضله وبراءته من دم عثمان. ما أقبح ما تواجهون الله به!! وبدا وكأنه قد انتقل إلى الماضي الذي يتحدث عنه أبوه ويتصور ما جرى فيه. سكت لحظات ثم قال: وانتصرتم عليه طبعاً!! قال ذاك بمرارة وحزن وهو يشيح بوجهه عن أبيه.

قال أبوه: إن كنت تعني بالانتصار أننا كسبنا الحرب، فأقول لك إننا انتصرنا. لقد كانت أخلاق علي تسبق سيفه، وكان معاوية يحارب بلا أخلاق. إني لأذكر الآن كيف أخذ جيش أهل الشام شريعة الفرات. سبقوا إليها واستولوا عليها وأرادوا قتل العراقيين بمنع الماء عنهم. هكذا كان رأي معاوية. انتصار سهل، وماذا يعني أن يموت الأطفال والنساء والعجزة والدواب؛ وأيسر ما فيه إيجاد الاضطراب في جيش علي، وربما قتل علي نفسه بأيدي جيشه؟!

لكن أهل العراق شدوا علينا شدة منكرة فكشفونا بعيداً عن الماء، وكانوا يستطيعون أن يقتلونا عطشاً وقد بدأناهم نحن، وليس عليهم من لوم لو فعلوا ما أردناه بهم، لكن علياً منع أصحابه وأمر بأن يتركوا لنا جزأ من الشريعة نستقي منه ونسقي لعوائلنا وأطفالنا ودوابنا. لا تذكرنى يا بني، فليس فيما فعلناه مع علي إلا ما يخزي، وما تذكرت ذلك يوماً إلا شعرت باحتقار وعار وخسة.

١٠٥

قال عمر: سأعذرك يا أبي فيما سبق فلم يكن لك فيه رأي ولا مشاركة مع وجود جدي عفا الله عنه وهو وحده القادر على العفو وغفران الذنوب مهما كبرت، ومع وجود معاوية وابن العاص وغيرهم من بني أمية وغير بني أمية من أعداء علي. ولكن لِم لم تحاول أنت على الأقل ألا تتعرض له باللعن؟ وما أظن ذلك أمراً  صعباً عليك وقد مضى الرجل ولم يعد يهددكم ولا يهدد غيركم؟

قال أبوه: ذلك أمر فات. لقد سن معاوية سنة شب عليها الصغير وشاب عليها الكبير، ولا يسع أباك ولا سواه تبديلها. لست يا بني الذي يجهل علياً. ولقد حاولت ما تريده مني الآن فهددوني بنو أمية بالقتل، وسيقتلونك لو حاولته؛ فاحفظ هذا جيداً عني وتذكرة.

أعلمت الآن لِم أضعف وأتلجلج وأرتبك حين أصل إلى ذكر هذا الرجل؟! وغادر عمر الغرفة وهو يمسح دموعاً لم يستطع أن يمنعها.

١٠٦

الفصل العشرون

الأحاديث النبوية

سلاح جديد في المعرکة

نهض الربيع بن حنظلة متثاقلاً وهو يردد في نفسه: من هذا الذي يطرق الباب في مثل هذه الساعة، وليست ساعة يزور أو يزار فيها أحد. ما أظنه إلا كعباً، فهو الوحيد الذي يأتي دون موعد وفي أي وقت. إنه صاحبي الذي لا أحتشم منه ولا يتحرج مني. إنه المرحب به دائماً، ما أشوقني إليه!

وفتح الباب وهو يقول: مرحباً أبا زهير. لقد عرفت أنك من يطرق الباب. ما الذي جاء بك في مثل هذه الساعة؟ كنت أظنك في البيت أو في طريقك إليه.

قال كعب: والله لا أدري. كنت في طريقي إلى البيت كما ذكرت، لكن رأيتني أغير طريقي إليك. سمعت بعض الأحاديث المنسوبة إلى النبي وأنا في المسجد، أثارت استغرابي، فأردت أن أسألك عنها وأعرفها منك.

خشيت أن أنساها أو يشغلني عنها شاغل لو تأخرت فيها إلى الغد.

قال الربيع بعد أن أخذ الاثنان مجلسهما في غرفة بسيطة خلت من كل أثاث إلا ما لا يمكن الاستغناء عنه. وأية أحاديث هذه التي جاءت بك أو جئت بها؟ إننا نسمع هذه الأيام أحاديث كثيرة لم نعرفها ولم نسمعها قبلاً مع أننا لم نكن بعيدين عن النبي الذي يروونها عنه وينسبونها إليه. أعرفهم، إنهم تجار الأحاديث الذين يزورون على النبي ما يبررون به ظلم الحكام طمعاً فيما عند هؤلاء وتقرباً منهم ورغبة في مالهم. والله يا عمير، إنهم أظلم من هؤلاء الحكام الظالمين الفاسدين وأكبر جرماً منهم وأفتك بعقول الناس بما يروون من أحاديث اختلقوها يضللون بها الناس ويخدعونهم ويروضونهم على قبول الظلم والاستسلام له، وربما الرضا والسعادة به، لما سينالون من أجر وثواب جزاء له.

١٠٧

هل تعرفهم؟ ثلاثة أو أربعة هم التجار الكبار في سوق الأحاديث، ثم تجار صغار دونهم. كلهم يقبضون ثمن تزويرهم، وإن كان الثمن يختلف باختلاف الحاجة ودرجة التزوير ومنزلة المزور ومدى تأثيره. ثم أضاف مبتسماً: أراني أخذت الحديث، وهو لك كان علي أن أستمع إلى ما جئت فيه، لا أن أسبقك في الحديث. لقد عكست الدور، ولا بأس فأمورنا كلها تسير معكوسة! هات يا عمير واعذرني. هات أحاديثك التي حملتها معك.

قال كعب: لقد سمعت الليلة وأنا في المسجد أحاديث كثيرة أنكرتها، لكن أصحابها يصرون على صحتها وصدورها عن النبي.

سمعت من يقول رواية عن النبي: (الأمراء أو الأئمة من قريش). ومن يقول: (افعل كما فعل أمراؤك). و(من حمل علينا السلاح فليس منا). و(السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره...). و(اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم...).

قال الربيع: وماذا سمعت بعد؟ أهذا كل ما سمعت؟! هناك ما هو أدهى وأدعى للتعجب.

قال كعب وهو يريد أن يتذكر: وسمعت أيضاً: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار). و(... ألا تنازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً براحاً عندكم من الله فيه برهان ). وسمعت: (من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهية).

وسمعت أحاديث أخرى تخص النبي، في شخصه وسلوكه وأخلاقه، لا أريد أن أعيدها، حتى على نفسي. إنها تنقص من النبي وتطعن فيه وترميه بتهم لو نسبت لأي شخص، لا النبي، لشانته وحطت منه.

قال الربيع: لا حاجة لي بها ولا بغيرها، لقد سمعت أكثر وأخطر مما سمعت. هل تريد الجواب مطولاً أو مختصراً كالمطول؟

قال كعب: بل مختصراً كالمطول، إن كان فيه الجواب عما سألت.

١٠٨

قال الربيع: أرجو ان يكون ذلك، فاسمعني يا عمير: الأصل في كل الأحاديث التي سمعت هو الحديث الأول: (الأمراء أو الأئمة من قريش) وكنت محقاً حين ذكرته أول ما ذكرت، هذا هو الأصل والمحور، وهو الذي دار عليه الصراع وحيكت فيه المؤامرات في السقيفة وبعد السقيفة. وليست الأحاديث الأخرى إلا داعمة مؤيدة مؤكدة له؛ فأحاديث السمع والطاعة هي خطوط الدفاع عن الحكم بعد أن حصر في قريش، كان لابد منها لحمايته وتحصينه وإبعاده عن أي خطر يمكن أن يهدده. وجاءت هذه الأحاديث لتنهض بهذه المهمة، قصد بها، أن تقتل روح المقاومة والجهاد ضد الحاكمين الظالمين، بتخويف الناس من أي نقد أو رفض أو ثورة على الحاكم مهما فعل ومهما بلغ ظلمه، فهي ضمان للحاكم يحمل له الراحة والاطمئنان والأمن مما قد يلجأ إليه الناس ضده، والنبي نفسه، كما تروي هذه الأحاديث، يحضهم على الطاعة وينهاهم عن التمرد والعصيان مهما رأوا من ظلم حاكمهم.

وحديث (إذا التقى المسلمان...) وأشباهه من الأحاديث، هي الأخرى تسير في ذات الاتجاه وتؤدي نفس الغرض. فكيف سيثور المظلوم ويحمل السيف ليدفع الظلم عنه إذا كان مصيره النار، يتساوى فيها مع حاكمه الظالم الذي ثار عليه وحمل السيف ضده. ولابد في الثورات من حمل السيف وغير السيف، وليس الاكتفاء بالكلام لا يغني ولا يمنع ولا يخيف. وحتى هذا الكلام حرمته الأحاديث السابقة ولم تسمح به.

هذا الحديث وأشباهه دعوة صريحة للاستسلام والتخاذل، لا لأن الثائر قد يقتل، والقتل متوقع في كل ثورة، بل لأنه، حتى لو قتل، سيذهب إلى النار، ربما قبل الحاكم الظالم الذي ثار عليه، أو ربما سيذهب وحده إليها دون ذلك الحاكم.

قال كعب وقد بدا عليه الاقتناع بما سمع: وماذا بشأن الأحاديث التي تنتقص من النبي وتشوه صورته؟! ماذا يريدون منها؟! حتى النبي لم يسلم منهم، وبدينه نَبِهَ ذِكْرُهم وعرفهم الناس!!

١٠٩

قال الربيع: كنت أظنك أذكى مما رأيت. أبعد كل ما سمعت مني تسأل عن السبب في تنقيص النبي والطعن فيه وتشويه صورته؟! لقد أرادوا أن يجردوا النبي من سلطانه على المسلمين ويضعفوا تأثيره فيهم فنسبوا إليه مختلف العيوب والنقائص، واتهموه بمختلف التهم لكي يتساوى بهم ويتساووا به، فلا يكون هناك فرق، أو فرق كبير بين الاثنين، فإن حوسبوا على شيء مما فعلوا، قالوا: لقد سبقنا النبي إليه فحاسبوا النبي قبلنا، فيكف لسان ويغمد سيف؛ ذلك ما أرادوه يا عمير. كان الحديث الأول تأسيساً لحكم قريش وحصراً له فيها. وكانت الأحاديث الأخرى حراسة للحكم وتحصيناً له وإبعاداً لأي خط قد تهدده حالاً أو مستقبلاً. لو لا الحديث الأول لما كانت الأحاديث الأخرى، ولربما كانت معاكسة له في اتجاهها. فهل عرفت الآن؟

قال كعب: أفضل المعرفة يا أبا حنظلة. جزاك الله خيراً عني وعن غيري ممن ينشدون الحق ويسعون إليه.

وصدق الربيع، فقد تم التلاعب بالحديث النبوي استبعادا أو استخصاراً، تقليلاً أو تكثيراً، اختلافاً أو تشويهاً حسب ما تريده السلطة، فحين كانت السلطة لا تستطيع التلاعب بالأحاديث وتوظيفها لمصلحتها، لقرب العهد بالنبي وقدرة المسلمين آنذاك على تمييز الصحيح والكاذب منها، فإن هذه السلطة حاربتها ومنعت تدوينها ولاحقت المحدثين ومنعتهم وحبستهم. كان ذلك في عهد الخليفتين: الأول والثاني. وحين بعد العهد وفسد الناس واجترؤوا على النبي واستسهلوا الكذب في حديثه، ولم يعد هيناً تمييز الصادق والمنحول منة، وقفت السلطة موقفاً معاکساً، فقدمت المحدثين ورشتهم وأغدقت عطاياها عليهم ليحدثوا عن النبي ما رسمته لهم. وكان هذا يسير في أكثر من اتجاه تفيض كلها إلى ما يحقق مصلحة السلطة؛ فانطلق الحديث، وانطلق المحدثون دون وازع من خلق أو دين أو ضمير كل يدعي أنه سمع من النبي، وكل يروي عن النبي ما يفسد العقل ويشوه الإسلام ويبرر الظلم ويطمئن الظالمين ويضعف المقاومة ويخوف من يفكر بالثورة من عواقب ما يناله في الدنيا على أيدي الحكام، فإن رضي به، فعواقب الآخرة أيضاً، فيكون قد خسر الدنيا والآخرة. وهذا ما لا يستطيع مسلم أن يقبل به قدراً ومصيراً. وهذا ما جاءت تبشر به وتؤكده تلك الأحاديث.

١١٠

ثم ذهبت السلطة إلى أبعد من ذاك حين نسبت إلى صحابة محترمين صادقين، أحاديث لم يقولوها ولم ينطقوا بها، مستغلة موتهم أو ابتعادهم أو انشغالهم، وبين هؤلاء من كان عدواً للسلطة منكراً عليها مخاصماً لها كأبي ذر الذي كان يتمتع بمنزلة عالية بين المسلمين.

وهكذا مضت الأحاديث مع الأيام تكبر وتتسع دائرتها ويتضخم عددها، حتى بلغ في زمن أحمد بن حنبل في القرن الثالث الهجري، مليون حديث، وهو ما لا يمكن لعقل في أدنى درجاته أن يقره ويصدقه، وهو ما يؤكد في الوقت نفسه فوضی الحديث وعدم القدرة على ضبطه، وسهولة الكذب على النبي، وتهاون المسلمين في شأنه وقلة اعتبارهم له.

لقد كان الحديث دائماً في يد السلطة، تمنعه لمصلحتها، وتطلقه لمصلحتها. مصلحة السلطة هي التي كانت، وحتى اليوم، وراء الموقف من الحديث.

١١١

الفصل الحادي والعشرون

معاوية وزياد

الاستلحاق

ويحك يا أبا مريم، لقد بعدت عن أهلي وأنا ضيفك في الطائف، فماذا أعددت مما يعد أبو مريم للضيوف أمثالي؟

قال أبو مريم ضاحكاً: منذ متى كنت تنزل ضيفاً عندي يا أبا سفيان، وإنما أردت ضيافة أخرى قد لا تجدها عند غير أبي مريم. ولو وجدتها لمازرت أبا مريم ولا سألت عنه. أعليّ يا أبا سفيان، وكأني لا أعرفك؟! هل زرتني إلا في طلب بغي كما اعتدت كلما قدمت الطائف؟

قال أبو سفيان بنبرة فيها هزء وسخرية: وهل يزار أبو مريم لغير ذلك؟! أتظنك من ملوك الحيرة أو من آل جفنة فيفد عليهم السادة والكبار ليعودوا بجوائزهم وبما نالوه من خطوة لديهم يتحدثون بها في محافلهم وبين قبائلهم؟! أم كنت من زعماء العرب وشيوخهم فيقصدهم السائل في معروف أو في طلب العون بحمالة أو دية، أو السعي في صلح أو منع قتال نشب أو يكاد؟!

هل يأتيك إلا طالب خمر أو بغي ممن هم دون أبي سفيان؟!

ألست محظوظاً أن يترك أبو سفيان السماسرة الآخرين، وما أكثرهم في الطائف، ويؤثرك عليهم؟

وكان أبو مريم يملك حانة غير بعيدة عن حارة البغايا في الطائف يرتادها طلاب الجنس والخمر، وهو ينتمي إلى قبيلة سلول إحدى القبائل المستضعفة المحتقرة عند العرب، حتى قال عامر بن الطفيل: سيد بني عامر في وقته، وقد أصابته غدة وأحس بالموت (غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية) مستنكفاً أن يكون موته في بيت من هذه القبيلة، لا عند أهله ولا في قبيلة أخرى غير سلول.

ولم تكن تجربة أبي مريم موفقة مع أبي سفيان، فطالما عرضه للحرج مع بغاياه.

١١٢

لقد كان أبو سفيان شديد البخل، فبعد أن يقضي حاجته مع البغي يبقى يساوم ما يستطيع فلا يدفع لها أجرها إلا ناقصاً، حتى كان أبو مريم يضطر أحياناً إلى التنازل عن نصيبه من السمسرة إكمالاً لأجر البغي.

ولهذا كانت البغايا ترفض تلبية طلب أبي سفيان ما لم يدفع أجورهن أولاً.

قال أبو مريم وهو يفكر في التخلص من أبي سفيان: والله يا أبا سفيان، لو تقدمت ساعة أو دونها لنلت حاجتك. لقد كانت هنا قبل قليل، طلبها مستطرق مثلك. كانت سيئة الحال، شكت لي فاقتها وحاجتها وإنها مضطرة أن تعمل أكثر من صاحباتها وبأجر دون أجورهن، لتعيل أطفالها. إن عبيد - زوج سمية - قد أصبح ضعيفاً عاجزاً فأضيف هو أيضاً إلى من يقبل. لقد رثيت لها، وأنا أحاول أن أساعدها قدر ما أستطيع، وذلك بأن أعتذر بعدم وجود غيرها لمن يأتي طالباً بغياً، خصوصاً إذا كان مستعجلاً لا يريد الانتظار أو لا يقدر عليه. وهذا سر لا يعلمن به الأخريات، وإلا لكان لهن معي ومعها شأن آخر.

هل تعلم يا أبا سفيان أني سمحت لها اليوم بنصيبي مما أخذت على أن تعيده إلي في مرة قادمة.

قال أبو سفيان مقاطعاً وقد استبد به الغضب: ويحك يا أبا مريم! منذ متی أصبحت خطيباً؟! قل لي وأرحني، عمن تتحدث فلا وقت لدي أضيعه في سماع هرائك وكرمك... وطيبة قلبك. ما شأني أنا بكل ذاك؟!

قال أبو مريم وهو يستعجل الألفاظ: إنها سمية، نعم سمية. أظنك تعرفها، لقد سبق لك أن...

وبدت على أبي سفيان إمارات التقزز والاشمئزاز وهو يقول:

السوداء ذات السقائين المقلوبين على صدرها والساقين الدقيقين كأنهما ساقا نعامة. التمس لي غيرها، فما ذكرت يومي معها إلا تجشأت. ثم هدأ قليلاً وكأنه يكلم نفسه: ولكن لا بأس فهي أرخص البغايا هنا في الطائف.

١١٣

قال أبو مريم: أكنت أبخل على أبي سفيان، صاحبي وصديقي لو كان عندي الآن سواها، والأمر إليك، إن شئت بعثت إليها من يأتي بها وأظنها وصلت البيت الآن، وإلا فما عليك إلا أن تنتظر عسى أن أدبر لك خيراً منها.

وهنا صاح أبو سفيان: لا أستطيع الانتظار، إني على سفر كما أخبرتك؛ فلتكن هي، عليك وعليها لعنة هبل والآلهة أجمعين.

واتجه أبو مريم إلى زاوية في الحانة فبسط فيها حصيراً وأسدل ستاراً لا يحجب الرؤية تماماً عن إزاء النظر الی ما وراءه.

وبعد أن انته من ترتيب (المخدع) عاد إلى حيث كان أبو سفيان بانتظار سمية.

قال ابو سفيان وكأن أمراً مهماً خطر في باله! لشد ما ارتفعت أجور البغاء يا أبا مريم: هنا في الطائف وحتى في مكة، الأجور تزداد رغم ازدياد الدور التي ترفع الأعلام على واجهاتها(١) .

قال أبو مريم: إن أمرك غريب يا أبا سفيان! أما يشغلك عن حديث البغاء شيء؟! أما يشغلك ما يجري الآن في مكة من هذا الدين الجديد الذي يكسب في كل يوم أتباعاً وأنصاراً يتفانون في الدفاع عنه، ولا يزيدهم تعذيبكم لهم إلا ثباتاً عليه وإيماناً به، وقد سمعت أن أغلب سكان يثرب أو المدينة كما صار اسمها، من الأوس والخزرج وحلفائهم قد دخلوا فيه وتحولوا مسلمين، ومحمد آمن بينهم يمنعونه مما يمنعون أنفسهم، وهم من تعرف عزّةً وبأساً. وهو يحشد قواه وينظمها وما أظنكم ستنجون مما يريد بكم وستخسرون حتى ما كنتم تكسبون من تجارة البغاء الذي لا تمل الحديث عنه.

وقبل أن ينتهي حديث أبي مريم كانت سمية قد وصلت. وحين رأت أبا سفيان أرادت أن تعود قائلة: والله لو عرفت أنك هو لما أتيت، ثم أضافت: أنسيت يا أبا سفيان فعلك معي في المرة السابقة. لقد بقيت تساوم على أجري تحاول أن تحط منه لولا ما رأيت من جدي في فضحك، فدفعته مكرهاً.

____________________

(١) كناية عن دور البغاء، فقد كانت هنا الدور ترفع أعلاماً تمييزاً لها وإشعاراً بأنّها تمارس البغاء وتستقبل طالبيه .

١١٤

وأنت يا أبا مريم، أكنت تجهل أبا سفيان وما حصل لي معه وأنت تبعث في طلبي، ولست وحدي في ذاك، فكل اللائي يعملن هنا يتحاشينه ويحاولن التهرب منه. هل تعلم يا أبا مريم أن الذي كان معي قبل أبي سفيان قد دفع لي أكثر من أجري تكرماً وسخاء.

هذا هو شأن الرجال، لا يحسبون الدراهم وهم يطلبون النساء، إلا أنت، والتفتت إلى أبي سفيان، مضيفة: لقد احترفت البغاء وهو وسيلتي لكسب المال ودفع الجوع عني وعن أطفالي ولن يهمني بعد، أن يكون أبو سفيان من شيوخ قريش أو من صعاليك العرب فالأمر سواء عندي ولا فرق بين الاثنين إلا فيما يدفعان.

قال أبو سفيان وهو يوجه الكلام إلى أبي مريم: أهذا هو قدر أبي سفيان عندك يا أبا مريم؟! لم يبق إلا سمية تهددني وترفع صوتها في وجهي!

قال أبو مريم: هذا والله ما صنعته بنفسك يا أبا سفيان وكنت غنياً عنه، وأنت وحدك القادر على إزالة آثاره. ثم توجه إلى سمية،

والآن يا سمية! لقد طلبتك لغير الكلام، وأبو سفيان ينتظرك، وقد تعهد ما لا يرزأك شيئاً من أجرك.

قالت سمية: والله ما أبرح مكاني هذا إلى هناك، وأشارت إلى الزاوية التي أسدلت دونها الستارة، إلا بعد أن اقبض أجري كاملاً. لا أطمع من أبي سفيان بزيادة لكني لا أقبل بنقص مهما كان واستدارت لتعود لولا أن يسرع أبو سفيان ويخرج من کيس نقوده، المبلغ الذي طلبته سمية.

وسارت سمية يتبعها أبو سفيان إلى (المخدع) الذي كان قد أعده أبو مريم.

مر على هذه الحادثة أكثر من أربع وأربعين عاماً حين أراد معاوية أن يضم زياداً إلى صفّه بأن يلحقه به.

وكان زياد من شيعة علي وأنصاره وعرف بالحزم والكفاية فاستعمله علي على بعض جهات فارس.

١١٥

ولم يكن علي يجهل منشأ زياد وأنه ابن سمية البغي، لكنه لم يكن يؤاخذ أحداً ولا يعاقب أحداً بجرم لم يرتكبه هو، حتى لو كان أباه أو أمه.

ما ذنب زياد أن تكون أمه بغياً دفعها الفقر أو أجبرها سيدها على احتراف البغاء، ما دام هو نفسه لم يفعل ما يعاقب عليه الدين أو ترفضه الأخلاق. وكانت سيرة زياد رضية، لم يتهم بفساد ولا بخيانة فيما أوكل إليه من أعمال، ولم يسمع من الناس شكوى ضده.

وحين اغتيل علي بقي زياد على ولائه له متحصناً في قلعة من قلاع خراسان، رافضاً البيعة لمعاوية.

وخشي معاوية أن يجتمع إلى زياد باقي الشيعة وهم ما يزالون يمثلون في ذلك الوقت قوة كبيرة، وإقليم خراسان بعيد عن دمشق، وهو إقليم كبير وعر المسالك لا يوصل إليه بسهولة وقد لا تكون الحرب فيه مضمونة النتائج.

وبدأ معاوية يخطط للتخلص من خطر زياد وكانت أمامه سمية وما كان منها مع أبي سفيان في حانة أبي مريم قبل أربعين عاماً. فماذا لو سلك إلى زياد هذا السبيل الذي لن تکلفه شيئاً، لكن قد يجنبه الكثير مما يحذر ويخاف من أمر زياد، وتأكيداً لذلك فقد اصطنع رواية استلحاق زياد وربط نسبه به، ولم يكن شيء أسهل من اصطناع الأحداث والأخبار في ذلك الوقت، حتى أن الأحاديث كانت تختلق وتضاف إلى النبي محمد عن طريق رواة كثيرين.

وهذه الرواية تقوم على أنّ زياداً تكلم يوماً في مجلس عمر بن الخطاب وهو صبي فاستحسن الحاضرون كلامه، فقال عمرو بن العاص وكان حاضراً: لله هذا الغلام لو كان أبوه من قريش، إذن لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان أنه من وضعه في رحم أمه.

وتمضي الرواية فتضيف: أن علياً خوف أبا سفيان أن يناله عمر بشر لو سمع قوله هذا؛ فسكت أبو سفيان وكف.

وسارت الرسل من معاوية إلى زياد ترغبه وتغويه وتذكره بصلة الرحم بينه وبين معاوية، وبأنه لن يكون بعد الآن، ابن سمية وإنما ابن أبي سفيان وأخاً لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين.

وشاعت أخبار الاستلحاق. وفي إحدى حانات دمشق، كان يدور هذا الحوار بين عدد من الأصدقاء اجتمعوا حول مائدة في طرف منعزل من الحانة.

١١٦

قال أحدهم وهو يتلفت يميناً وشمالاً: هل سمعتم؟! ما هذه البدعة الجديدة التي جاء بها معاوية؟!

قال الآخر: عن أية بدعة تتحدث، فما أكثر بدع (أمير المؤمنين)؟!

إن له في كل يوم بدعة أو أكثر، وإني لأتساءل كيف رضي أهلنا في الشام أن يتابعوه وينضموا إليه في حربه مع علي، وهو من لا يقاس به على أي وجه من الوجوه. كيف استطاع أن يخدعهم ويجرهم إلى صفه؟! أتراهم آمنوا به حقاً أم أن مصالح الكبار التمت مع مصلحته؟

ولكن دعنا من هذا فحديثه طويل. لقد كانت مؤامرة كبيرة على الإسلام، شارك فيها الكثيرون قبل أن تصل معاوية الذي سارع الی استغلالها. ماذا عن هذه البدعة الجديدة التي تتحدث عنها؟

قال الأول بعد ما أفرغ بقية الكأس في فمه لقد ادعى معاوية أن زياداً هو ابن أبي سفيان.

قال الثالث وعلامات استفهام كبيرة ترتسم على وجهه: أي زياد تعني؟ ابن سمية البغي!! هذا الذي لم نكن نعرفه إلا زياد بن أبيه، أصبح زياد بن أبي سفيان! ولكن لماذا العجب فصاحبنا لا يتحرج من فعل شيء إذا رأى فيه مصلحة له.

قال الأول: نعم زياد بن أبيه الذي ما يزال عاصياً في خراسان ويرفض بيعة معاوية. إن رسل معاوية إليه لا تنقطع وعلى رأسهم المغيرة بن شعبة. ثم أضاف: هل تعرفون المغيرة بن شعبة؟ إنه صاحب أم جميل بنت محجن الهلالي، التي اتهم معها بالزنا، وشهد عليه ثلاثة، ولولا أن الرابع أمليت عليه الشهادة إملاء تحت تهديد، ليختل النصاب في جريمة الزنا وينجو المغيرة، لما سلم منها ولأقيم عليه الحد فيها.

١١٧

قال الرابع: ولكن كيف ثبت لمعاوية أن زياداً هو ابن أبي سفيان؟ أهناك غير تلك الحادثة التي جرت بين سمية وبين أبي سفيان في حانة أبي مريم، أم شيء جديد لا نعرفه؟ لقد كانت سمية بغياً بل افقر وأرخص بغايا الطائف، وكانت تنام في اليوم الواحد مع الاثنين أو الثلاثة أو الأكثر لا تمتنع عن أحد ولا ترفض أحداً قبل وبعد أبي سفيان، فمن أين عرفت سمية أو عرف أبو سفيان أن زياداً منه وأنه هو الذي قذفه في رحم أمه؟ أكان أبو سفيان قد تزوجها سراً؟ أكان زياد ثمرة زواج غير شرعي ليمكن ادعاء بنوته واستلحاقه فيما بعد كما يحصل بعض الأحيان؟ إنه ابن بغي محترفة. هل تعرفون معنى بغي؟!

والله ما أظن إلا الله وحده - عالم الغيب - يعرف من هو أبو زياد.

قال الثاني وهو يملأ كأسه: ولكن لماذا لم يدع أبو سفيان بنوة زياد وهو أولى به وأقرب من معاوية، لو كان ذلك حقاً؟ أليس الأب أقرب من الأخ وأعرف؟! أليس غريباً ان يترك الأب ابنه فلا يعترف به، ثم يأتي الأخ بعده بسنين طويلة ليدعيه؟! قال ذلك وأفرغ الكأس في جوفه، وضحكة ساخرة قد ملأت ما بين شفتيه.

قال الأول مجيباً على هذا التساؤل الذي بدا وكأنه موجه إليه:

يقولون إن أبا سفيان خاف عمر لو أنه أقر ببنوة زياد فلزم السكوت.

ويبدو أن هذا الجواب قد استفز الآخرين وأثارهم فقالوا بصوت واحد: وهل صدقت ذلك؟ وهل هناك من يصدق ذلك إلا أن يفقد عقله. لقد قتل عمر كما نعرف سنه ٢٣، وعاش أبو سفيان بعده أكثر من ثماني سنوات في خلافة ابن عمه عثمان. فلِمَ كتم الأمر كل هذه المدة وقد مات عمر ولم يعد موضع للخوف منه، والخليفة عثمان والحكم فيه لبني أمية، وأبو سفيان شيخ بني أمية وكبيرهم في ذلك الوقت، ولا شيء يمنعه من الاعتراف بزياد لو أراده.

وكان عمال الحانة قد بدؤوا في إطفاء الأنوار، إشارة إلى قرب إغلاق الحانة وتنبيه روادها إلى الإسراع في مغادرتها.

نهض أحد الأربعة متثاقلاً وتبعه الآخرون وهم يرددون: لعنة الله على من أفسد جلستنا هذه الليلة؛ أبو سفيان يزني وأمير المؤمنين يتاجر بزنا أبيه ونحن ندفع الثمن.

١١٨

الفصل الثاني والعشرون

أمير البصرة

أصبح زياد بن أبيه الآن: الأمير زياد بن أبي سفيان. حذف (أبيه) من اسمه الذي كان يعرف به على امتداد حياته، كما لم يعد ذكر لسمية أم زياد إلا عند الحديث عن ماضيه.

وكان فعل معاوية هذا موضوع احتجاج واستنكار من جميع المسلمين لمخالفته أحكام الدين، وموضوعاً طريفاً للشعراء ليتناولوا به الاثنين: معاوية وزياد بالهجاء اللاذع والسخرية المرة. حتى بنو أمية أنفسهم رفضوا ذلك وأنكروه واعتبروه سبة وعاراً لحق بهم. لكن معاوية لم يكن يبالي بإنكار المسلمين أو سخرية الشعراء أو رفض بني أمية، وهو لم يدخل الإسلام إيماناً به وإنّما تحقيقاً لأطماع أصبح واثقاً أنه لن يستطيع تحقيقها إلا بأن يعلن إسلامه بعد ما فتحت مكة ودخلها المسلمون منتصرين وصحت الأمور بشكل نهائي لصالحهم. ولم يعد أمام معاوية وأبيه ومن كانوا على نهجه إلا أحد خيارين: أن يدخلوا الإسلام ما دام لهم متسع الآن فيه، أو أن يخسروا كل شيء: الحياة والجاه والنفوذ بعد أن سبقهم من سبقهم إلى الدخول في الإسلام الذي بسط سيطرته على الأرض العربية وأصبح غنياً عنهم وهو يزاداد قوة واتساعاً بهذه الأعداد الهائلة من الداخلين الجدد فيه.

لم يكن معاوية يفكر كمسلم وهو يستلحق زياداً ويدعيه أخاً له. بل لم يكن يفكر حتى في العار الذي سيلحق أباه وهو يجعل منه مجرد زان رخيص لا يفكر بغير البغي، أينما حل. لقد تحول أبو مريم، وحانته وسمية إلى أبطال قصة طريفة في تأريخ الإسلام.

قال أحد الخبثاء لصاحبه وهو يرى زياداً خارجاً من دار الإمارة في البصرة في موكب كبير، والحرس يسعون بين يديه وسادات العرب وزعماؤهم يمشون خلفه: ليت سمية حية اليوم لترى ما لم تكن تحلم به، ولا من هن خير منها من عقائل العرب. وما أظن صاحباتها في حانة أبي مريم إلا ينظرن إليها الآن بحسد وغيرة، ويتمنين لو كن تعاملن معها بأفضل مما فعلن.

١١٩

قال صاحبه بكل برود وكأنّ الحديث لم يحرك فيه شيئاً: أترى سمية هي الوحيدة فيما تعجبت منه؟! وماذا كانت تفعل النابغة بنت حرملة أم عمرو بن العاص غير ما كانت تفعله سمية؟! لم تكن أكثر من بغي فقبل العاص بن وائل بنوة عمر الذي أصبح اسمه عمرو بن العاص. هل تعرف أن معاوية أعطاه مصر طعمة؟ مصر كلها بأهلها وأرضها ومائها وسمائها، لقاء انضمامه إليه في حربه ضد علي؟! هل سمعت بمثل هذا في حياتك؟! هل تحولت البلدان إلى أشياء توهب وتهدى وتطعم في غير عهد معاوية؟! لقد نقم المسلمون على عثمان أيسر ما يفعله معاوية الآن.

قال الأول: لقد كان الفساد قبل معاوية، ولم يكن معاوية  ليجرؤ على جرائمه هذه لو لم يمهد الذين سبقوه طريقه إليها، ولكن مالك تنتقل بي من موضوع لآخر؟ مالي ولسمية والنابغة؟! مالي ولحديث البغايا والزناة؟! والله لقد كدت تنسيني ما كنت أريد سؤالك عنه. لقد أردت أن أسألك عن قضية يتناقل الناس حديثها هذه الأيام تتعلق بخطبة زياد الأولى في جامع البصرة بعدما عُيّن أميراً لها. لقد كثر الحديث عنها وأريد أن أسمعه منك إن كنت حضرتها أو ممن تثق فيه ممن حضرها.

قال الثاني: البتراء؟! ما أظنك تعني غيرها.

لقد خرجت كعادتي في ذلك اليوم لبعض شأني ففوجئت بحالة لم أرها قبلاً: الشوارع والطرق شبه مقفرة إلا من حرس يجوبونها وسيوفهم مجردة من أغمادها، وعليهم خوذهم قد شدت بإحكام على رؤوسهم، وعيونهم لا تستقر في أماكنها، وآخرين قد أخذوا أفواه الطرق وتقاطعاتها. الناس يسرعون لا أحد يقف إلا من يوقفه الحرس لسبب أو لآخر. لقد منع تجمع اثنين أو أكثر في المدينة التي بدت وكأنها غير البصرة العامرة الصاخبة النشطة. المحال والأسواق مقفلة، لا أحد يبيع ولا أحد يشتري. حاولت أن أعرف ما الذي يجري ففشلت. لمن أتوجه بالسؤال والكل معجلون لا يلتفتون ولا يجيبون لابد أن شيئاً ما، شيئاً خطيراً يحصل الآن، وهو ما أردت معرفته ففشلت. ولا أكتمك، لقد استبد بي الفضول أكثر، خصوصاً وأن الجنود الذين يخطوون أمامي ليسوا من البصرة الذين أعرفهم وأميزهم جيداً، وإنما من جنود أهل الشام الذين يثق فيهم معاوية واعتاد أن يرسلهم كلما حصل ما يقلقه في أي بلد.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أخبرَني أبو محمّدٍ الحسنُ بن محمدٍ العلويّ، عن جدِّه، عن محمّدِ بنِ ميمون البزّاز قال: حدّثَنا سفيان بنُ عُيَيْنةَ، عنِ ابنِ شهاب الزُّهْريِّ قالَ: حدّثَناعليٌ بن الحسينِعليهما‌السلام - وكانَ أفضلَ هاشميًّ أدركْناه - قالَ: «أحِبُّونا حُبَّ الاسلامِ، فما زالَ حبُكم لنا حتّى صارَ شَيْناً علينا»(١) .

وروى أَبومعمّرٍ، عن عبدِ العزيزِ بنِ أَبي حازمِ قالَ: سمعتُ أَبي يقولُ: ما رأَيتُ هاشميّاً أفضلَ من علي بنِ الحسينِعليهما‌السلام (٢) .

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ بنِ يحيى قالَ: حدّثَني جدِّي قالَ: حدّثَني أَبو محمّد الأنصاريُّ قالَ: حدّثَني ُمحمد بنُ ميمون البزّاز قالَ: حدّثَنا الحسينُ بن عَلْوانَ، عن أَبي عليٍّ زيادِ بنِ رُسْتَمَ، عن سعيدِ ابنِ كُلثوم قالَ: كنتُ عندَ الصّادقِ جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام فذُكِرَ أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أَبي طالبٍعليه‌السلام فأَطراه ومدحَه بما هو أَهلُهُ، ثمّ قالَ: «واللّهِ ما أكلَ عليّ بنُ أَبي طالبٍعليه‌السلام منَ الدًّنيا حراماً قطُّ حتّى مضى لسبيلهِ، وما عُرِضَ له أَمرانِ قطُّ هما للهِّ رضى الله أَخذَ بأَشدِّهما عليه في دينهِ، وما نزلتْ برسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله نازلةٌ إِلاٌ دعاه فقدّمَه ثقةً به، وما أَطاقَ عملَ رسولِ اللهِّ من

__________________

(١) رواه ابن سعد بسند آخر في الطبقات ٥: ٢١٤، وابو نعيم في الحلية ٣: ١٣٦، والذهبي في سير أعلام النبلاء ٤: ٣٨٩، وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٢، ونقله المجلسي في البحار ٤٦: ٥٨ / ٧٣.

وفي هامش «ش»: اهذا نهي لهم عن الغلوّ، يقول:أحبونا الحب الذي يقتضيه الاسلام ولا تتجاوزوا الحدّ فيكون غلوّاً.

(٢) علل الشرائع: ٢٣٢، حلية الاولياء ٣: ١٤١، وعن الحلية وتاريخ النسائي رواه ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ١٥٩، تذكرة الخواص: ٢٩٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٣ / ٦٠.

١٤١

هذهِ الامّةِ غيرُه، وإنْ كانَ لَيَعْمل عملَ رجلٍ كأَنَّ وجهَه بينَ الجنّةِ والنّارِ، يَرجو ثوابَ هذه ويخافُ عقابَ هذه، ولقد أَعتقَ من مالِه أَلفَ مملوك في طلب وجهِ اللّهِ والنّجاةِ منَ النّارِ ممّا كدَّ بيديه ورشحَ منه جبينه، وأن كان ليقوتُ اهلَه بالزّيتِ والخلِّ والعجوةِ، وما كانَ لباسُه إلّا الكرابيسَ، إِذا فضلَ شيءٌ عن يدِه من كمِّه دعا بالجَلَمِ(١) فقصه، وما أَشبهه من ولدِه ولا أَهلِ بيتِه أَحدٌ أَقرب شبهاً به في لباسِه وفقهه من عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام .

ولقد دخلَ أَبو جعفر - ابنه -عليهما‌السلام عليه فإذا هو قد بلغَ منَ العبادةِ ما لم يبلُغْه أَحدٌ، فرآه قدِ اصفرّ لونُه منَ السّهرِ، ورمَصَتْ عيناه منَ البكاءِ، ودَبِرَتْ جبهته وانخرمَ أَنفُه منَ السُجودِ، ووَرِمَتْ ساقاه وقدماه منَ القيامِ في الصّلاةِ، فقالَ أَبو جعفرعليه‌السلام : «فلم أَملكْ حينَ رأَيتُه بتلكَ الحالِ البكاءَ، فبكيتُ رحمةً له(٢) ، وإذا هو يُفكِّر، فالتفتَ إِليّ بعدَ هُنيهةٍ من دخولي فقالَ: يابُنَيٌ، أَعطِني بعضَ تلكَ الصحفِ التّي فيها عبادةُ عليِّ بنِ أَبي طالبٍعليه‌السلام ، فأَعطيتُهُ، فقرأ فيها شيئاً يسيراً ثمّ تركَها من يدِه تضجُّراً وقالَ: مَنْ يَقوى على عبادةِ عليّعليه‌السلام ؟! »(٣) .

وروى محمّدُ بن الحسينِ قالَ: حدّثَنا عبدُاللّهِ بن محمّدٍ القُرشيّ قالَ: كانَ علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام إِذا توضّأ اصفَرَّ لونُه، فيقولُ له

__________________

(١) الجَلَم: الذي يجزّ به الشعر والصوف، كالمقص «مجمع البحرين - جلم - ٦: ٣٠».

(٢) فى هامش «ش» و «م»: عليه.

(٣) ذكر ذيله ابن شهرآشوب في مناقبه ٤: ١٤٩، وأورده الطبرسي في اعلام الورى: ٢٥٤ مختصراُ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٤ / ٦٥.

١٤٢

أَهلُه: ما هذا الّذي يَغشاكَ؟! فيقول: «أَتدرونَ لمن أَتاهَّبُ للقيام بينَ يديه »(١) .

وروى عمرُو بنُ شمرٍ، عن جابرٍ الجعفيّ، عن أَبي جعفرعليه‌السلام قالَ: «كانَ علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام يُصلِّي في اليوم والليلةِ أَلفَ ركعةٍ، وكانتِ الرِّيحُ تمَيِّله بمنزلةِ السُّنبلةِ»(٢) .

وروى سفيانُ الثوريُّ، عن عبيدِاللهِ بنِ عبدِ الرّحمنِ بنِ مَوْهَبٍ قالَ: ذكِرَ لعليِّ بنِ الحسينِ فضلُه فقالَ: «حَسْبُنا أَن نكونَ من صالحي قومِنا»(٣) .

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدّه، عن سلمة بن شَبيب، عن عُبيدِاللّهِ بنِ محمّد التّيميِّ قالَ: سمعتُ شيخاً من عبدِ القيس يقولُ: قالَ طاوُوس: دخلتُ الحِجْرَ في الليل، فإِذا عليّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام قد دخلَ فقامَ يُصلِّي، فصلّىَ ما شاءَ الله ثمّ سجدَ، قالَ: فقلتُ: رجلٌ صالحٌ من أَهلِ بيتِ الخيرِ، لأستمعَنَّ إِلى دعائه، فسمعتهُ يقولُ في سجودِه: «عَبيدُكَ بفِنائكَ، مِسكينُكَ بفِنائكَ، فقيرُكَ بفِنائكَ، سائلُكَ بفِنائكَ ». قالَ طاووس: فما

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٦، وذكر ما يشابهه ابن سعد في طبقاته ٥: ٢١٦، وابو نعيم في حليته ٣: ١٣٣، والذهبي في سير اعلام النبلاء ٤: ٣٩٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٣ / ١٦.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٥٠، اعلام الورى:٢٥٥، وانظر الخصال: ٥١٧ / ٤ صدر الحديث، وكذا سير اعلام النبلاء ٤: ٣٩٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٤ / ٦٢.

(٣) طبقات ابن سعد٥: ٢١٤، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٥، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٦٢، اعلام الورى: ٢٥٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٤ / ٦٣.

١٤٣

دعوتُ بهنَّ في كَرْبٍ لأفُرِّجَ عنِّي(١) .

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمد، عن جدِّه، عن أحمد بن محمّدٍ الرّافعيّ، عن إِبراهيم بن عليٍّ، عن أَبيه قالَ: حججتُ معَ عليٍّ بنِ الحسينِعليه‌السلام فالْتَاثَتْ(٢) عليه النّاقةُ في سيرِها، فاَشارَ إِليها بالقضيبِ ثمّ قالَ: «آه! لولا القِصاص» وردَّ يدَه عنها(٣) .

وبهذا الاسنادِ قالَ: حج عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام ماشياً، فسارَ عشرينَ يوماً منَ المدينةِ إِلى مكّةَ(٤) .

أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدِّي قالَ: حدّثَنا عمّارُ بنُ أَبان َقال: حدّثَنا عبدُاللهِّ بن بُكَيْرٍ، عن زُرارة بن أَعيَنَ قالَ:سمعَ سائلٌ في جوفِ الليلِ وهويقولُ: أَينَ الزّاهدونَ في الدّنيا، الرّاغبونَ في الآخرةِ؟ فهتفَ به هاتفٌ من ناحيةِ البقيعِ يُسمَعُ صوتُه ولا يُرى شخصُه: ذاكَ علي بن الحسينِعليه‌السلام (٥) .

وروى عبدُ الرزّاقِ، عن مَعْمرٍ، عنِ الزّهريّ قالَ: لم أُدركْ أَحداً من أَهلِ هذا البيتِ - يعني بيتَ النّبيِّعليه‌السلام - أفضلَ من عليِّ

__________________

(١) سير أعلام انبلاء ٤: ٣٩٣، وفي هامشه عن ابن عساكر ١٢: ٢٠ آ، ب، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٥، وفي كفاية الطالب: ٤٥١، وتذكرة الخواص: ٢٩٧، والفصول المهمة: ٢٠٢، باختلاف يسير، وثقله العلامة إلمجلسي في البحار ٤٦: ٧٥ / ٦٦.

(٢) التاثت الناقة: اي ابطأت في سيرها. «مجمع البحرين - لوث - ٢: ٢٦٢ ».

(٣) مناقب إبن شهرآشوب ٤: ١٥٥، اعلام الورى:٢٥٥، الفصول المهمة: ٢٠٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٦٩.

(٤) مناقب ابن شهرآشوب ٤:١٥٥، اعلام الورى: ٢٥٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٧٠.

(٥) مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٤٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٦٧.

١٤٤

ابنِ الحسينِعليهما‌السلام (١) .

أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَني جدِّي قال: حدّثَنا أَبو يونسَ محمّدُ بنُ أحمدَ قالَ: حدّثَني أَبي وغيرُ واحدٍ من أصحابنا: أَنّ فتىً من قُرَيشٍ جلسَ إِلى سعيدِ بنِ المُسيَّب، فطلعَ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام فقالَ القُرَشيُّ لابنِ المُسيِّبَ: مَنْ هذا يا أَبا محمّدٍ؟ قالَ: هذا سيِّدُ العابدينَ علي بنُ الحسينِ بنِ عَليِّ بنِ أَبي طالبِعليهم‌السلام (٢) .

أخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَتي جدِّي قالَ: حدّثَني محمّدُ بنُ جعفرٍ وغيرُه قالوا: وقفَ على عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام رجلٌ من أَهلِ بيتهِ فأَسمعَه وشتمه، فلم يكلِّمْه، فلمّا انصرفَ قالَ لجلسائه: «قد سمعتم ما قالَ هذا الرّجلُ، وأَنا أًحِبُّ أَن تَبلغوا معي إِليه حتّى تَسمعوا رَدِّي عليه » قالَ: فقالوا له: نفعلُ، ولقد كنّا نُحبُ أَن تَقولَ له ونَقولَ، قالَ: فأخذ نعليه ومشى وهو يقولُ:( وَالْكَاظِمِيْنَ الْغَيْظَ وَالْعَافِيْنَ عَنِ الناس وَاللُّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ ) (٣) فعلمْنا أَنّه لا يقولُ له شيئاً، قالَ: فخرجَ حتَّى أَتى منزلَ الرّجلِ فصرخَ به فقالَ: «قولوا له: هذا علي بنُ الحسينِ » قالَ: فخرجَ إِلينا ًمتوثّباً للشّرِّ، وهو لا يشكُ أَنّه إِنّما جاءه مُكافِئاً له على بعضِ ما كانَ منه، فقالَ له علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام : « يا

__________________

(١) الجرح والتعديل ٦: ١٧٩، سير أعلام النبلاء ٤: ٣٨٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٧١.

(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٧٢.

(٣) آل عمران ٣:١٣٤.

١٤٥

أَخي إِنّكَ كنت قد وقفتَ عليّ آنِفاً فقلتَ وقلتَ، فإِن كنتَ قلتَ ما فيَّ فأَستغفرُ اللهَ منه، وِان كنتَ قلتَ ما ليسَ فيَّ فغفرَ اللّه لكَ » قالَ: فقبّلَ الرّجلُ ما بينَ عينيه وقالَ: بل قلتُ فيكَ ما ليسَ فيكَ، وأَنا أحقُ به.

قالَ الرّاوي للحديثِ: والرّجلُ هو الحسنُ بنُ الحسنِ(١) .

أَخبرَني الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدِّه قالَ: حدّثَني شيخٌ من أَهلِ اليَمَنِ قد أَتتْ عليه بضعٌ وتسعونَ سنةً (بما أَخبرَني به رجلٌ )(٢) يقالُ له عبداللهُ بن محمّدٍ قالَ: سمعتُ عبدَ الرّزّاقِ يقولُ: جعلتْ جاريةٌ لعليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام تَسكبُ عليه الماءَ ليتهيّأَ للصّلاةِ، فنعستْ فسقطَ الإبريقُ من يدِ الجاريةِ فشجَّه، فرفعَ رأسَه إليها فقالتْ له الجاريةُ: إِنّ اللهَّ يقولُ:( وَالكَاظِمِيْنَ الْغَيْظَ ) (٣) قالَ: « قد

__________________

(١) ذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ١٥٧، والذهبي في سير اعلام انبلاء ٤: ٣٩٧، وفي هامشه عن ابن عساكر ١٢: ٢٤ آ، وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٠، ونقله ألعلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٤ / ١.

(٢) كذا في «ش» و «م» و «ح »، وفي هامش «ش»، قال أخبرني رجل، وفوقه علامة النسخة، وفي هامش «م» كلمة قال وكأن المراد منه هو نفس ما في هامش «ش»، ونسخة البحار موافقة لهذه النسخة. وقد ورد الخبر في امالي الصدوق بنفس السند حيث قال: حدثنا الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: حدثني يحيى بن الحسين بن جعفر قال: حدثني شيخ من أهل اليمن يقال له: عبداللهّ ابن محمد قال: سمعت عبد الرزاق، كذا في النسخ المعتبرة من الأمالي، وفي النسخة المطبوعة من الأمالي:الحسين بن محمد بن يحيى، وهوتصحيف، وشيخه هو جدّه يحيى بن الحسن بن جعفر وما في نسخ الأمالي المخطوطة تصحيف.

(٣) آل عمران ٣: ١٣٤.

١٤٦

كظمتُ غيظي(١) » قالت:( وَالْعَافِيْنَ عَنِ النَّاسِ ) (٢) قالَ لها: «عفا اللّهُ عنكِ » قالتْ:( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ ) (٣) قالَ: «اذهَبي فأَنتِ حُرةٌ»(٤) .

وروى الواقديُّ قالَ: حدّثَني عبدُاللّهِ بن محمّدِ بنِ عُمَر بن عليٍّ قالَ: كانَ هشامُ بنُ إِسماعيلَ يُسيءُ جوارَنا، ولقيَ منه عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام أَذىً شديداً، فلمّا عزِلَ أَمرَ به الوليد أَن يُوقَفَ للنّاسِ ؛ قالَ: فمرَّ به عليُّ بنُ الحسينِ وقد وُقِفَ عندَ دارِ مروانَ، قالَ: فسلّمَ عليه، وكان عليُّ بنُ الحسينِعليه‌السلام قد تقدّمَ إِلى حامّتِه ألّا يعرضَ له أَحدٌ(٥) .

ورُوِيَ:أَن عليَّ بنَ الحسينِعليه‌السلام دعا مملوكَه مرّتينِ فلم يُجِبْه، ثمّ أَجابَه في الثّالثةِ، فقالَ له: «يا بنّي، أما سمعتَ صوتي؟» قالَ: بلى، قالَ: «فما بالُكَ(٦) لم تُجبْني؟» قالَ: أَمِنْتُكَ، قالَ: « الحمدُ للّهِ الّذي جعلَ مملوكي يأْمنِّي(٧) »(٨) .

__________________

(١) في «ش»: ألغيظ، وما في ألمتن من نسخة «م» و «ح » وهامش «ش» ونسخة البحار، وكذا بعض المصادر.

(٢) و (٣) آل عمران ٣: ١٣٤.

(٤) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٠، وذكره الصدوق في أماليه: ١٦٨ / ١٢، وابن شهراشوب في مناقبه ٤: ١٥٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦:٦٨ / ٣٧.

(٥) انظر تاريخ الطبري ٦: ٤٢٨، كامل ابن الأثير ٤: ٥٢٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٥ / ٥.

(٦) في «م» وهامش «ش»: فمالك.

(٧) في هامش «ش» يأْمنني.

(٨) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٠، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٥٧، اعلام الورى: ٢٥٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٦ / ٦.

١٤٧

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدِ بن يحيى قالَ: حدّثَني جدِّي قالَ: حدّثَنا يعقوبُ بنُ يزيدَ قالَ: حدّثَنا ابنُ أَبي عُمَيرٍ، عن عبدِاللّهِ بنِ المغيرةِ، عن أَبي جعفرٍ الأعشى، عن أَبي حمزةَ الثُّمالي، عن عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام قالَ: «خرجتُ حتّى انتهيتُ إِلى هذا الحائطِ فاتكأت عليه، فإِذا رجلٌ عليه ثوبانِ أَبيضانِ يَنظُر في تجاهِ وجهي، ثمّ قالَ: يا عليَّ بنَ الحسينِ، ما لي أَراكَ كئيباً(١) حزيناً، أَعَلى الدُنيا حُزنُكَ؟ فرِزْقُ اللهِّ حاضرٌ للبَرِّ والفاجرِ؛ قالَ: قلتُ: ما على هذا أحزنُ(٢) ، واِنّه لَكَما تقولُ ؛ قالَ: فعَلى الآخرةِ؟ فهو وعد صادقٌ يَحكمُ فيه مَلِكٌ قاهرٌ ؛ [قالَ: قلتُ: ولا على هذا أَحزن، وانّه لَكَما تقولُ ؛ قالَ: ](٣) فعلامَ حزنُكَ؟ قالَ: قلتُ: أتخوَّفُ من فتنةِ ابن الزبيرِ؛ قالَ: فضحكَ ثمّ قالَ: يا علي بنَ الحسينِ، هل رأَيتَ أحداً قطُ توكَّلَ على اللّهِ فلم يَكفِه؟ قلت: لا ؛ قالَ: يا عليَّ بنَ الحسينِ، هل رأَيتَ أحداً قطُّ خافَ اللّهَ فلم ينْجِه؟ قلتُ: لا ؛ قالَ: يا عليَّ بنَ الحسينِ، هل رأَيتَ أَحداً قط قد سأَلَ اللهَ فلم يُعْطِه؟ قلتُ: لا ؛ ثمّ نظرتُ فإِذا ليسَ قُدَّامي احد(٤) »(٥) .

__________________

(١) في «م» وهامش«ش»:مكتئباً.

(٢) في هامش «ش»: حزني.

(٣) ما بين المعقوفين اثبتناه من المطبوع وبعض المصادر الاخرى كأمالي المصنف والكافي ومختصر تاريخ دمشق.

(٤) في مختصرتاريخ دمشق هنا زيادة: » يا علي هذا الخضرعليه‌السلام ناجاك».

(٥) التوحيد للصدوق:١٧ / ٣٧٣، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٨، الكافي ٢: ٥٢ / ٢ بطريق آخر، والمصنف في اماليه:٣٤ / ٢٠٤، واخرج نحوه ابو نعيم في حليته ٣: ١٣٤، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٥٠، وابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٠٣، والمناقب لابن شهرآشوب ٤: ١٣٧، والخرائج والجرائح للراوندي ١: ٢٦٩ / ١٣،

١٤٨

أخبرني أبو محمدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدي قال: حدّثَنا أبو نصرٍ قالَ: حدّثَنا عبدُ الرّحمن بن صالحٍ قالَ: حدّثَنا يونسُ بنُ بُكَيرٍ، عنِ (ابنِ إِسحاق )(١) قالَ: كانَ بالمدينةِ كذا وكذا أَهل بيتٍ يأْتيهم رِزقُهم وما يحتاجونَ إِليه، لا يدرونَ مِن أَينَ يأْتيهم، فلمّا ماتَ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام فَقَدُوا ذلكَ(٢) .

أخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدِّي قالَ: حدّثَنا أَبونصرٍ قالَ: حدّثَنا محمّدُ بنُ عليِّ بنِ عبدِاللّهِ قالَ: حدّثَني أَبي قالَ: حدّثَنا عبدُاللّه بن هارونَ قالَ: حدّثَني عمرُو بنُ دينارٍ قالَ: حضرتْ زيدَ بنَ أُسامة بن زيدٍ الوفاةُ فجعلَ يبكي، فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام : «ما يُبكيكَ؟» قالَ: يُبكيني أَنّ عليَّ خمسةَ عشرَأَلفَ دينارٍ ولم أَتركْ لها وفاءً؛ فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِعليه‌السلام : «لا تَبكِ، فهي عَلَيَّ، وأَنتَ منها بريء » فقضاها عنه(٣) .

وروى هارونُ بنُ موسى(٤) قالَ: حدّثَنا عبدُ الملك بن عبدِ العزيزِ

__________________

ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٣٧ / ٣٣.

(١) كذا في «م» والبحار، وفي «ح »: أبي اسحاق، كما في «ش»: علي بن اسحاق.

ويونس بن بكيرالشيباني يروي عن محمد بن اسحاق كما في تهذيب التهذيب١١:٤٣٥، ونقل ابن منظور في مختصرتاريخ دمشق عين الحديث عن محمد بن اسحاق. وهو الأنسب.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٨، وذكره ابو نعيم في حلية الاولياء ٣: ١٣٦، باختلاف يسير، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٧: ٢٧٠ و ١١: ٣٨٢، وابن شهرآشوب في مناقبه ٤: ١٥٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٦ه / ٧.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٩، وانظر حلية الاولياء ٣: ١٤١، وتذكرة الخواص: ٢٩٨، مناقب آل أبي طالب ٤: ١٦٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٦ / ٨.

(٤) هارون بن موسى هذا من مشايخ يحيى بن الحسن العبيدلي، انظر غاية الاختصار: ٢٢، ٢٤، ٣٢، وقد روى عن عبد الله بن نافع الزبيري في ص ٣٢ من غاية الاختصار، وهو

١٤٩

قالَ: لمّا وليَ عبدُ الملك بن مروانَ الخلافةَ ردَّ إلى عليِّ بنِ الحسينِ صلواتُ اللّهِ عليهما صدقاتِ رسولِ اللّهِ وعليٌِ بنِ أَبي طالبِ صلواتُ الله عليهما، وكانتا مضمومتينِ، فخرجَ عمرُ بنُ عليٍّ إِلى عبدِ الملكِ يتظلّمُ إِليه من نفسه ؛(١) فقال له عبد الملك: أقولُ كما قال ابن أَبي الحقيق:

إِنَّا إِذَاَ مَالَتْ دَوَاعِي الْهَوَى

وَأنصَتَ السَّامِعُ لَلْقَائِل

وَاصْطَرَعَ النَّاسُ بِأَلْبَابهِمْ

نقضي بحُكْمٍ عَادِلٍ َفاصِلِ

لا نَجْعل الْباطِلَ حَقاً وَلاَ

نُلِظًّ(٢) دُوْنَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ

نَخَافُ أَنْ تَسْفَهَ أَحلامُنَا فنَخْمُلَ

الدَّهرَمعَ الْخَاملِ(٣)

أخبرَني أَبو محمّد الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدِّي قالَ: حدّثَنا أَبوجعفرٍ محمّدُ بن إِسماعيلَ قالَ: حجَّ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام فاستجهرَ(٤) الناس من جمالهِ، وتَشوّفوا إِليه وجعلوا يقولونَ: مَنْ هذا؟! مَن هذا؟! تعظيماً له وِاجلاللاً لمرتبتِه، وكانَ الفرزدقُ هناكَ

__________________

هارون بن موسى بن عبدالله المدني مولى آل عثمان الذي عنونه ابن حجر وذكر روايته عن عبدالله بن نافع الزبيري في وروايته عن عبد الملك ابن الماجشون، وعبد الملك بن الماجشون هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبدالله بن أبي سلمة الماجشون التيمي مولاهم أبو مروان المدني المتوفى سنة ٢١٢ أو ٢١٤، ومن هذا كله يظهر أن الرواية مأخوذة من كتاب يحيى بن الحسن العبيدلي.

(١) في هامش «ش»: أي من اختلال احوال نفسه.

(٢) اُلظّ به: لازمه لا يفارقه. «الصحاح - لظظ - ٣: ١١٧٨ ».

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢١ / ١١.

(٤) لم نعثر على هذه الصيغة في بعض الموسوعات اللغوية المفصلة، وفي هامش النسختين «ش» و «م»: جهرت ألرجل وأجتهرته [أصح - كما في هامش «ش»] اذا استحسنته، وما أحسن جهره وجهرته.

١٥٠

فانشأ يقولُ:

هذَا الَّذِيْ تَعْرِفُ الْبَطْحاءُ وَطْاتَهُ

وَالبيْتُ يعْرفُهُ وَالْحِلُّ وَالْحرَمُ

هذَا ابنُ خيْرِ عِبَادِ الله كلّهِمُ

هذَا التقيُّ النًّقِيُّ الطاهِرُ الْعَلَمُ

يَكَادُ يُمسِكُهُ عِرْفان رَاحتِهِ

رُكنُ الحَطِيْمِ إِذَا ماجَاءَ يَسْتَلمُ

يُغْضيْ حياءً وَيغْضَى منْ مَهَابتِهِ

فمَا يُكلَّمُ إلا حينَ يبتَسِمُ

أَيُّ الْخلائقِ لَيْسَتْ في رِقابهِمُ

لأوَّلِيّةِ هذَا أَولهُ نعَمُ

منْ يَعْرِفِ اللهَّ يَعْرِفْ أَوَّلِيّةََ ذَا

فَالدِّيْنُ مِنْ بَيْتِ هذَا نَالَهُ الأممُ

إِذَا رَأتهُ قرَيْشٌ قالَ قائلهَا

إِلى مَكَارِمِ هذَا يَنْتَهِي الْكَرَمُ(١)

 أخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدِّه قالَ: حدّثَني داودُ ابن القاسمِ قالَ: حدّثَنا الحسينُ بنُ زيد، عن عمِّه عمر بن عليٍّ، عن أَبيه عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام أَنّه كانَ يقولُ: «لم أَرَ مثلَ التّقدُّم في الدُّعاءِ، فإِنّ العبدَ ليسَ يَحضرُه الأجابةُ في كلِّ وقتٍ(٢) ».

وكانَ ممّا حُفِظَ عنه منَ الدُّعاءِ حينَ بلغَه تَوجُّهُ مُسْرِفِ بنِ عُقْبةَ إِلى المدينةِ:

«ربِّ كم من نعمةٍ أَنعمتَ بها عليَّ قلَّ لكَ عندَها شكري، وكم

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٢: ١٧٨، وانظرالاغاني ٢١: ٣٧٦، الاختصاص: ١٩١، حلية الاولياء ٣: ١٣٩، مرآة الجنان ١: ٢٣٩، حياة الحيوان مادة - أسد - ١: ٩، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٦٩، كفاية الطالب: ٤٥١، الفصول المهمة: ٢٠٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢١ / ١٣، وثمة رواية أخرى للواقعة في المصادر آنفة الذكر.

(٢) جاء في هامش «ش» ما نصّه: هذا أمرمنه بالدعاء أيام الرخاء ليكون مفزعاً وعدّة أيام البلاء، فربما يوافق وقت الشدة الوقت الذي لا يستجاب الدعاء فيه.

١٥١

من بليّةٍ ابتليتَني بها قلَّ لكَ عندَها صبري، فيا مَنْ قل عند َنعمتِه شكري فلم يَحرِمْني، وقلَّ(١) عندَ بلائه صبري فلم يَخذًلني، يا ذا المعروف الذي ( لا ينقطع )(٢) أبداً، ويا ذا النّعماءِ الّتي لا تُحصى عدداً، صلِّ على محمّدٍ ( وآلِ محمّدٍ )(٣) وادفعْ عنِّي شرّه، فإِنِّي أَدرأُ بكَ في نحرِه، وأَستعيذُ بكَ من شرِّه » فقدمَ مسرفُ بنُ عُقْبةَ المدينةَ وكانَ يقال: لا يُريدُ غيرَعليِّ بنِ الحسينِ ؛ فسَلِمَ منه وأَكرمَه وحباه ووَصَلَه(٤) .

وجاءَ الحديثُ من غير وجهٍ: أنَّ مُسْرِفَ بنَ عُقْبةَ لمّا قدمَ المدينةَ أَرسلَ إِلى علي بنِ الحسينِعليهما‌السلام فأتاه، فلمّا صارَ إِليه قرّبَه وأَكرمَه وقالَ له: وصّاني أَميرُ المؤمنينَ ببرِّكَ وتمييزِكَ من غيركَ ؛ فجزّاه خيراً ؛ ثمّ قالَ: أَسرِجوا له بغلتي، وقالَ له: انصرِفْ إِلى أَهلِكَ، فإِنِّي أَرى أَنْ قد أَفزعْناهم وأَتعبْناكَ بمشيِكَ إِلينا، ولو كانَ بأَيدينا ما نَقوى به على صِلَتِكَ بقدرِ حقِّكَ لَوَصلْناكَ ؛ فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام : « ما أَعذرَني للأمير(٥) ! » وركبَ ؛ فقالَ لجلسائه: هذا الخيِّرُ لا شرّ َفيه، معَ موضعِه من رسولِ اللّهِ ومكانِه منه(٦) .

وجاءَتِ الرِّوايةُ: أَنّ عليَّ بنَ الحسينِعليه‌السلام كانَ في مسجدِ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ذاتَ يومٍ إِذ سمعَ قوماً يُشبِّهونَ اللهَّ

__________________

(١) في هامش «ش»: ويا من قل.

(٢) في هامش «ش» و «م»: لاينقضي ولا ينقطع.

(٣) في هامش «ش»: وآله.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٤: ١٦٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢٢ / ١٤.

(٥) في هامش «ش»: أي أعذِر الأمير، كما يقول: ما أضربني لزيد.

(٦) انظر تاريخ الطبري ٥: ٤٩٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢٢.

١٥٢

تعالى بخلقِه، ففَزِعَ لذِلكَ وارتاعَ له، ونهضَ حتّى أَتى قبر َرسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فوقفَ عندَه ورفعَ صوتَه يناجي ربَه، فقالَ في مُناجاتِه له:

«إِلهي بَدَتْ قدرتُكَ ولم تَبدُ هيئةٌ فجهلوكَ، (وقدّروكَ بالتّقديرِ على غيرِ ما به أَنتَ )(١) ، شبّهوكَ وأَنا بريءُ يا إِلهي منَ الّذينَ بالتّشبيهِ طلبوكَ، ليسَ كمثلِكَ(٢) شيءٌ إِلهي ولم يدركوكَ، وظاهرُ ما بهم من نعمةٍ دليلُهم عليكَ لو عرفوكَ، وفي خلقِكَ يا إِلهي مَندُوْحَةٌ أَن يناولوكَ(٣) ، بل سَوَّوْكَ بخلقِكَ فمِنْ ثَمَّ لم يَعرفوكَ، واتّخذوا بعضَ آياتِك ربّاً فبذلكَ وصفوكَ، فتعاليتَ يا إِلهي عمّا به المشَبِّهونَ نَعَتُوكَ »(٤) .

فهذا طرفٌ ممّا وردَ منَ الحديثِ في فضائلِ زينِ العابدينَعليه‌السلام .
وقد روى عنه فقهاءُ العامّةِ منَ العلومِ ما لا يُحصى كثرةً، وحُفِظَ عنه منَ المواعظِ والأدعيةِ وفضائلِ القرآنِ والحلالِ والحرام والمغازي والأيّامِ ما هو مشهورٌ بينَ العلماءِ، ولو قَصَدْنا إِلى شرحِ ذلكَ لَطَالَ به الخطابُ وتقضّى به الزّمانُ.

وقد رَوَتِ الشِّيعةُ له آياتٍ معُجزاتٍ وبراهينَ واضحاتٍ لم

__________________

(١) العبارة في «ش» مضطربة ومكررة، وأثبتناها من «م».

(٢) في «م» وهامش «ش»: ليس مثلك.

(٣) في هامش «ش»: يعني في خلقك مستغنىً باعتبار الاستدلال عن تناول ذلك والكلام فيها نفسها، وحقيقة المناولة ان تتناول ذاته عزّت.

(٤) نقله العلامة المجلسي في البحار ٣: ٢٩٣ / ١٥، وذكره الصدوق في الأمالي: ٤٨٧ عن الأمام الرضاعليه‌السلام وكذا في التوحيد: ١٢٤ / ٢، والعيون ا: ١١٦ / ٥.

١٥٣

يَتَّسِعْ لذكرِها المكانُ، ووجودُها في كتبِهم المصنّفةِ ينوبُ مَنابَ إيرادِها في هذا الكتابِ، واللهُّ الموفٌق للصّوابِ.

* * *

١٥٤

باب ذكر أولادِ عليِّ بنِ الحسينِ عليهما السّلامُ

وولد عليّ بن الحسينِعليهما‌السلام خمسةَ عشرَولداً:

محمّدٌ المُكنّى أَبا جعفرٍ الباقرعليه‌السلام ، أًمُه أُمّ عبدِاللهِ بنتُ الحسنِ بنِ عليِّ بنِ أَبي طالبعليهم‌السلام .

وعبدُاللهِّ والحسنُ والحسينُ، أُمُّهم أُمُّ ولدٍ.

وزيدٌ وعمرُ، لأم ولدٍ.

والحسين الأصغرُ وعبدُ الرّحمنِ وسُليمان، لأمّ ولدٍ.

وعلي - وكانَ أَصغرَ ولدِ عليِّ بنِ الحسينِ - وخديجةُ، أًمُّهما أُمُّ ولدٍ
ومحمّدٌ الأصغرُ، أُمُّه أمُّ ولدٍ.

وفاطمةُ وعليّةُ وأُمُّ كلثوم، أُمًّهنَّ أُمُّ ولدٍ.

* * *

١٥٥

١٥٦

باب ذكر الإمامِ بعدَ عليِّ بنِ الحسينِ عليهما السلامُ

وتاريخ مولدِه، ودلائلِ إِمامتِه، ومبلغ سنَّه،

ومدّة خلافتِه، ووقت وفاتِه وسببها،

وموضع قبرِه، وعدد أولادِه، ومختصر من أخبارِه

وكانَ الباقرُ أَبو جعفرٍ محمّدُ بنُ عليِّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام من بينِ إِخوته خليفةَ أَبيه علي بنِ الحسينِ ووصيه والقائمَ بالإمامةِ من بعدِه، وبرز على جماعتِهم بالفضلِ في العلمِ والزُهدِ والسؤْدَدِ، وكانَ أَنبهَهم ذِكراً وأَجلَّهم في العامّةِ والخاصّةِ وأَعظمَهم قدراً، ولم يَظهْر عن أَحدٍ من ولدِ الحسن والحسينِعليهما‌السلام من علم الدِّينِ والأثارِ والسُّنّةِ وعلمِ القرانِ والسيرِ وفنونِ الأداب ما ظهرَ عن أَبي جعفرٍعليه‌السلام ، وروى عنه معالمَ الدِّينِ بقايا اَلصّحابةِ ووجوهُ التّابعينَ ورؤساءُ فقهاءِ المسلمينَ، وصارَ بالفضلِ به عَلَماً لأهلِه تُضْرَبُ به الأمثالُ، وتَسيرُ بوصفِه الأثارُ والأشعارُ؛ وفيه يقول القُرظيُّ:

يَابَاقِرَ الْعِلْمِ لاهْلِ التُّقَى

وَخَيْرَمَنْ لبى على الأجبُلِ(١)

وقالَ مالكُ بنُ أَعيَنَ الجُهَنيّ فيه:

إذَا طَلَبَ النَاسُ عِلْمَ الْقُرَا

نِ كَانَتْ قُرَيْش عَلَيْهِ عِيَالا

وَإنْ قِيْلَ: أيْنَ ابْنُ بِنْتِ الَّنب

يِ؟ نِلْتَ بِذَاكَ فُرُوْعَاً طِوَالا

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٤: ٤٠٣، مختصر تاريخ دمشق ٢٣: ٧٨.

١٥٧

نُجُوْم تَهَلّلُ لِلْمُدْلِجين

جِبَالٌ تُوَرِّثُ عِلْمَاً جِبالا(١)

ووُلِدَعليه‌السلام بالمدينةِ سنةَ سبعٍ وخمسينَ منَ الهجرة، وقُبِضَ فيها سنةَ أَربعَ عشرةَ ومائة، وسنه يومئذٍ سبعٌ وخمسونَ سنة، وهو هاشميّ من هاشِمِيَّيْنِ علوي من علوييْنِ، وقبرُه بالبقيعِ من مدينةِ الرّسولِ عليهِ واله السّلامُ.

روى ميمون القداحُ، عن جعفر بنِ محمّدٍ، عن أَبيه قالَ: «دخلتُ على جابرِ بنِ عبدِاللهِ رحمةُ اللهِّ عليه فسلَّمتُ عليه، فردَّ عليَّ السّلامَ ثم قالَ لي: مَنْ أَنتَ؟ - وذلكَ بعدَما كُفّ بصرُه - فقلتُ: محمّدُ بنُ عليِّ بنِ الحسين ؛ فقالَ: يا بُني ادْنُ منِّي، فدنوتُ منه فقبّلَ يَدَي ثمّ أَهوى إلى رجليّ يقبِّلها فتنحّيتُ عنه، ثمّ قالَ لي: إِنّ رسولَ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقرئُكَ السّلامَ، فقلتُ: وعلى رسولِ اللهِ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وكيفَ ذلكَ يا جابرُ؟ فقالَ: كنتُ معَه ذاتَ يومٍ فقالَ لي: يا جابر، لعلكَ أَنْ تبقى حتّى تلقى رجلاً من ولدي يقالُ له ُمحمّد بنُ عليِّ بنِ الحسينِ، يَهبُ اللهُ له النُورَ والحكمَةَ فاقْرِئْه منِّي السّلامَ »(٢) .

وكانَ في وصيّةِ أَميرِ المؤمنينَعليه‌السلام إلى ولدِه ذكرُ محمّدِ بنِ

__________________

(١) معجم الشعراء للمرزباني: ٢٦٨، سير اعلام النبلاء ٤:٤٠٤.

(٢) انظر الكافي ١: ٣٩٠ / ٢، امالي الصدوق: ٢٨٩ / ٩، كمال الدين ١: ٢٥٤ / ٣، علل الشرائع: ١: ٢٣٣، مختصر تاريخ دمشق ٢٣: ٧٨، الفصول المهمة: ٢١١، المناقب لابن شهرآشوب ٤: ١٩٦، وقد ورد فيها مضمون الخبر بطرق مختلفة.وقد روى هذا الخبر في غاية الاختصار: ١٠٤ باسناده الى محمد بن الحسن العبيدلي، قال: أخبرني ابن أبي بزة:أخبرنا عبداللهّ بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٢٧ / ٨.

١٥٨

عليٍّ والوَصاة به.

وسمّاه رسول الله وعرفَه بباقرِ العلمِ(١) ، على ما رواه أصحابُ الأثارِ، وبما ِرويَ عن جابرِ بن عبدِاللهِ في حديثٍ مجرّدٍ أَنّه قالَ: قالَ لي رسولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يوشَكُ أَن تبقى حتى تلقى ولداً لي منَ الحسينِ يقالُ له: محمّدُ يَبقرُ علمَ الدينِ بقراً، فإذا لقيتَه فأقرِئْه منّي السلامَ »(٢) .

وروتِ الشّيعةُ في خبر اللوح الّذي هبطَ به جَبْرِئيْلُعليه‌السلام على رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله منَ الجنةِ، فاَعطاه فاطمةَعليها‌السلام وفيه أَسماءُ الأئمّةِ من بعدِه، وكانَ فيه: «محمّدُ ابنُ عليٍّ الإمام بعدَ أَبيهِ »(٣) .

وروتْ أيضاً: أنّ اللّه تباركَ وتعالى أنزلَ إلى نبيِّه عليه وآله السّلامُ كتاباً مختوماً باثني عشرَ خاتماً، وأمَرَه أن يدفعَه إلى أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام وياْمرَه أن يَفُضَّ أولَ خاتمٍ فيه ويعملَ بما تحتَه، ثم يدفعه عندَ وفاتِه إلى ابنهِ الحسنِعليه‌السلام وياْمره أَن يَفضُّ الخاتمَ الثانيَ ويعملَ بما تحتَه، ثم يدفعه عندَ حضورِ وفاتِه إِلى أَخيهِ الحسينِ وياْمره أَن يفضَّ الخاتمَ الثالثَ ويعمل بما تحتَه، ثمّ يدفعه الحسينُ عندَ وفاتَه إلى ابنهِ عليّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام ويأمره بمثلِ ذلكَ ويدفعه عليُّ بنُ الحسين عندَ وفاتهِ إلى ابنهِ محمّدِ بنِ علي الأكبرِعليه‌السلام ويأمره بمثلِ ذلكَ، ثمّ يدفعه محمّدُ بنَ عليٍّ إِلى

__________________

(١) في هامش «ش« و «م»: العلوم.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤: ١٩٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٢٢ / ٦.

(٣) انظر ص ١٣٨ من هذا الكتاب.

١٥٩

ولدِه حتّى ينتهي إِلى آخرِ الأئمّةِعليهم‌السلام أجمعين(١) .

ورَوَوْا أَيضاً نصوصاً كثيرةً عليه بالأمامةِ بعدَ أَبيه عنِ النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أَمير المؤمنينَ وعنِ الحسينِ وعليّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام .

وقد رَوى النّاسُ من فضائلهِ ومناقبِه ما يكثر به الخطبُ إِن أَثبتْناه، وفيما نذكرُه منه كفايةٌ فيما نقصدُه في معناه إِنْ شاءَ اللّهُ.

أَخبرَني الشّريفُ أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدَّثني جدَي قالَ: حدثَنا محمدُ بنُ القاسم الشيبانيّ قالَ: حدّثَنا عبدُ الرّحمن بن صالح الأزديّ، عن أَبي مالكٍ الجَنْبيّ(٢) ، عن عبدِاللهِ بنِ عطاءٍ المكِّيِّ قالَ: ما رأَيت العلماءَ عندَ أحدٍ قطُ أَصغرَمنهم عند أَبي جعفرٍ محمّدِ بنِ عليِّ ابنِ الحسينِعليهم‌السلام ، ولقد رأَيتُ الحَكَمَ بن عُتَيْبَةَ - معَ جلالتِه في القوم - بينَ يديه كأَنّه صبيّ بين يَدَيْ مُعَلِّمه(٣) .

وكانَ جابر بنُ يزيدَ الجعفيّ إِذا روى عن محمّدِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام شيئاً قالَ: حدّثَني وصيُّ الأوصياءِ ووارثُ علم الأنبياءِ محمّدُ ابنُ عليِّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام .

__________________

(١) انظر الكافي ١: ٢٢٠ / ١، ٢، أمالي الصدوق: ٣٢٨ / ٢، كمال الدين: ٢٣١ / ٣٥، غيبة النعماني: ٥٢ / ٣، ٤، أمالي الطوسي ٢: ٥٦.

(٢) كذا واضحاً في «ش» و «م» و «ح » وفي ذيل الكلمة في «ش»: «هكذا وكأنه اشارة الى أنّه هو الموجود في نسخة قرئت على المصنف، وقد تكررت الحكاية عن نسخة قرئت على الشيخ - يعني المصنف - كما مرّ. وفي هامش «ش»: «الجنبي لا غير، » وقد سقط (عن أبي مالك الجنبي ) من نسخة البحار، وفي المطبوع من الارشاد (الجهني ) وهو تصحيف من النسّاخ، وعلى هذه النسخة المصحفة بنى بعض المعاصرين الوهم الذي عقده في كتابه واعترض على المصنف وغيره.

(٣) مختصر تاريخ دمشق٢٣: ٧٩، حلية الاولياء ٣: ١٨٦، مناقب آل أبي طالب ٤: ١٨٠ و ٢٠٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٨٦ / ٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226