ويستمر الصراع

ويستمر الصراع33%

ويستمر الصراع مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 226

ويستمر الصراع
  • البداية
  • السابق
  • 226 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72695 / تحميل: 6393
الحجم الحجم الحجم
ويستمر الصراع

ويستمر الصراع

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

قال الثاني: وسمعت أن ثلاثة من أصحابنا ردوا على الأحنف رداً غليظاً قد يكون وراء ما لاحظته عليه من تجهم وعبوس وأن يزيد بن المقنع العذري - وهو من قومك وتعرفه جيداً - قال وقد جرد سيفه: هذا أمير المؤمنين، وأشار إلى معاوية، فإن هلك، فهذا، وأشار إلى يزيد، ومن أبى فهذا، وأشار إلى سيفه الذي كان يهزه بقوة في المجلس. وما أحسبه أراد تهديد الحاضرين فقط، وإنما عن طريقهم، كل من يفكر بالاعتراض أو الرفض.

وأحسا حركة داخل البهو فتوقفا عن الكلام واتخذا هيئة الاستعداد، واختفت الابتسامة التي كانا يتبادلانها قبل قليل، لتغيب خلف المغفر الذي لا يبدو منه إلا العينان وهما تقذفان الرعب والخوف، لكن أحداً لم يخرج.

وأخذ الكلام الحارس الأول ليقول:

والله يا عمرو - وهذا هو اسم الحارس الثاني - لا أرى هؤلاء الثلاثة يجرؤون على قول ما قالوا، لو لم يأمرهم بذلك أمير المؤمنين، ليعلن للناس عزمه الأكيد على تنصيب يزيد خليفة بعده. رسالة واضحة تفيد أن ليس للناس رأي واختيار مع رأي أمير المؤمنين واختياره، وأنهم لا يملكون إلا الخضوع والطاعة... أو السيف الذي جرده.

ثم أضاف: أليس الحق مع أمير المؤمنين الذي لا نملك إلا الخضوع والطاعة والامتثال له؟ هكذا تعلمنا: لو قال رشحت يزيد لولاية العهد لوجب علينا أن نقول: نعم ما صنعت، وهو أفضل الناس لها بعدك. ولو قال: رشحت غير يزيد، لما اختلف جوابنا. لقد علمونا أن طاعة ولي الأمر واجبة مهما فعل. وكل (الأحاديث النبوية) التي نسمعها اليوم تحث على الطاعة. ومعاوية هو ولي أمرنا فوجبت علينا طاعته. وحين يتولى يزيد الخلافة ويصبح هو ولي الأمر، فإن طاعتنا له لن تتغير؛ ستكون كما كانت لمن قبله ولمن يأتي بعده. ما لنا نتعب أنفسنا بالتفكير فيه وفي غيره؟! يكفي أنه أصبح خليفة وولي أمر المسلمين. لسنا كهؤلاء العراقيين الذين أتعبوا أنفسهم وأتعبوا إمامهم حتى قال لهم: (ليت لي بكل عشرة منكم واحداً من أهل الشام...) ما أصدق ما مدحنا به!! إن الطاعة المطلقة لولي الأمر تريحك من التفكير. لقد فرق التفكير أهل العراق وشتتهم. ونصرنا عليهم بعدنا عن التفكير. هل سمعت ما قاله أمير المؤمنين معاوية لمبعوث أهل العراق؟! قال له: (قل لإمامك: إني أحاربك بقوم لا يفرقون بين الناقة والجمل).

١٤١

وما لنا أن نفرق بين الناقة والجمل؟! وما ينفعنا أن نفرق بينهما؟! ليس من شأننا ذلك، إنه من مهمة ولي الأمر.

ألست متفقاً معي فيما أرى؟! مالك لا تجيب كأنني أتكلم مع نفسي؟

قال عمرو: إنني لا أوافقك يا مالك في ربطك هزيمة أهل العراق بالفكر. صحيح إنهم يفكرون، لكنهم لم يخسروا الحرب بسبب الفكر. لم يكن الفكر يوماً سبباً في هزيمة صاحبه، بل على العكس. لقد هزم أهل العراق لسبب آخر غير الفكر. هزموا لأنّهم لم يأتوا جيشاً واحداً. لقد جاؤوا جيوشاً، كل منهم يحمل حقده على الآخر وخلافه له. جاؤوا قحطاناً وعدناناً، ربيعة ومضر، تميماً وقيساً، بصرة وكوفة. جاؤوا يحملون إرث الجمل وثأر قتلاهم فيها، وتأريخاً طويلاً من الدم والأشلاء والنزاع والخلاف، وقريش وما أدراك ما قريش.

وجئنا جيشاً واحداً، قحطاناً فقط أو شيئاً قريباً من ذاك، لم تفرقنا حرب، وليس معنا حقد على بعضنا ولا ثأر عند بعضنا. وكان إمامهم يقاتل بالسيف تسبقه الأخلاق وتحكمه الأخلاق أو أن الأخلاق هي التي كانت تقاتل. وكان خليفتنا يقاتل بالسيف وحده دون أخلاق أو مع عداء للأخلاق، لم يكن يعف عن شيء، ولا يتأثم من شيء. كل شيء عنده مباح مادام يحقق له الانتصار على خصمه. ومع ذاك فنحن معه ومن أنصاره؛ ألا يبدو هذا مضحكاً!

هذا هو السبب يا مالك فاكتف به، فإنه يغنيك، ولست في حاجة لأسباب أخرى كنت سأبسطها لك، لو سمح المكان والزمان.

قال مالك وهو يتلفت مذعوراً: رفقاً بنفسك وبي يا عمرو. والله لو أن احداً سمعنا نتكلم بما نتكلم به، لما أمنت أن نلحق بأهل القبور قبل أن تنتهي من كلامك. إن الكلام محرم في مثل هذه الأمور وفي غيرها مما يمس الحكم من قريب أو بعيد. لقد تعودنا أن نسمع ولا نقول ونطيع ولا نفكر. منعونا من الخوض في حديث علي إلا ما تعلق بقتله عثماناً وخروجه عن الإسلام، ولعنه وسبه ما استطعنا اللعن والسب.

وهنا سمع وقع أقدام يقترب من الباب، فتوقفا عن الكلام واتخذا هيئة الاستعداد واختفت الابتسامة التي كانا يتبادلانها قبل قليل لتغيب خلف المغفر الذي لا يبدو منه إلا العينان وهما تقذفان الرعب والخوف.

١٤٢

الفصل السادس والعشرون

بعد قتل الربيع وموت کعب

ما الذي فعله الربيع بن حنظلة ليقتل؟! هل زور كما زوروا؟! هل قتل كما قتلوا؟! هل ظلم كما ظلموا؟! لم يكن شيء من ذاك. لم يكن شيء مطلقاً من ذاك، ولا قريباً منه. لقد كان صادقاً فيما يروي وينقل ويحدث. لا يروي عن أحد إلا ما سمع منه، ولا يتهم أحداً إلا بما هو فيه. كان هذا شأنه معي. لقد وثقت فيه وارتحت لصدقه، فاعتمدت فيما أكتب على ما يقول. لكن ما قيمة ذلك في نظر معاوية، إن كانت له قيمة عندي وعند أمثالي؟! فها هو ابن أبي سفيان يأمر بقتله، أبشع قتلة يمكن أن يتصورها إنسان. لماذا؟! لسبب لا يستطيع معاوية أن يتحمله: لقد نقلوا إليه أنه مدح علياً في مجلس كان حاضراً فيه.

وكان كعب قد مات قبل الربيع بأيام قليلة، ها أنا حائر الآن،

من الذي سأثق فيه فيما أكتب، وقد فقدت الاثنين في وقت واحد تقريباً؟!

وما أكتب يتصل بأحداث ووقائع وتأريخ ما نزال نتغافل فيه.

وتوقفت عن الكتابة مضطراً، أفتش وأبحث وأتحرى. وجدت الكثيرين، لكن كم هم الذين يمكن الثقة فيهم والاطمئنان إليهم؟! كم هم الذين لم تشترهم السلطة ولم تفسدهم؟!

وأخيراً وجدت اثنين من خيار الناس، فشلت السلطة في شرائهم؛ هما: شبيب بن الحارث وعامر بن سعد. سيكونان صاحبيّ فيما بقي من فصول هذا الكتاب، إن لم تمتد يد السلطة الآثمة إليهما أو إلى أحدهما بالقتل، فأتوقف ثانية عن الكتابة، لأبحث عن آخرين غيرهما.

١٤٣

الفصل السابع والعشرون

البيعة ليزيد

معاوية في المدينة

ماذا يريد ابن الحكم هذه المرة؟! قبل أيام جمعنا ليبلغنا عزم معاوية على أن يختار إلينا من يستخلف بعده، فما الذي استجد منذ ذاك؟!

إن مناديه يطلب من أهل المدينة التوجه إلى المسجد لشأن لابد أن يكون خطيراً، فما كان مناديه ليطلب الاجتماع لولا أن يكون هناك شيء خطير يريد إبلاغهم به: قال ذلك شبيب ابن الحارث لصاحبه عامر بن سعد، وهو يطيل التفكير كأنه يحاول أن يجد الجواب على سؤاله. ثم أضاف: ألم تسمع شيئاً أو تعرف شيئاً عما وراء الاجتماع؟

قال عامر: لا والله. فهنا أنا معك منذ الصباح، لم أفارقك ولم تفارقني، فمن أين لي أن أعرف؟ سنذهب ونرى ونسمع، وما أظننا سنرى أو نسمع خيراً.

وكان مروان بن الحكم، والي معاوية على المدينة، قد جمع الناس قبل اجتماع اليوم، ليبلغهم ما ذكره شبيب في عزم معاوية على تعيين ولي للعهد ليكون خليفة للمسلمين بعده.

وتسارع الناس إلى المسجد الكبير ليعرفوا الأمر الذي جمعهم من أجله مروان.

وبدأ مروان الكلام فذكر فضل معاوية ودينه واستقامته. قال ذلك وهو يستعرض الوجوه ليعرف ما تركه كلامه فيهم. لم يجب أحد إلا بابتسامات ساخرة أو نظرات غضب يتبادلها الحاضرون.

ثم انتقل من معاوية إلى يزيد، فاثنى عليه في دينه وتقواه وعبادته! قل أن يفاجئ المجتمعين بأن معاوية قد اختاره ولياً لعهده وخليفة للمسلمين بعده. ولم ينس مروان في نهاية كلامه أن يشكر لمعاوية اهتمامه بأمور المسلمين ورعايته لهم في حياته وبعد موته، وأن يهنئ جميع المسلمين بولي العهد الجديد وخليفة المستقبل: يزيد.

وصعق الحاضرون، فقد كانوا ينتظرون كل شيء إلا تعيين يزيد خليفة للمسلمين.

١٤٤

وتعالت الأصوات بالرفض من جميع الحاضرين. إنهم لا يعترفون بخلافة معاوية نفسه، فكيف سيقبلون خلافة يزيد، ولو سئلوا عن أفسد أهل الأرض لما تجاوزوه. لكن أفراد الجيش الذين انتشروا في المسجد، وأسلحتهم بأيديهم، استطاعوا أن يسيطروا على الموقف، بضرب البعض واعتقال البعض وتهديد الآخرين.

وغادر المجتمعون المسجد وهم غير مصدقين: بين من يسب وبين من يضحك، وبين من يندب الإسلام حزيناً يكفكف دموعه وهو يسمع أن يزيد هو خليفتهم المنتظر.

ومرت أيام أخرى قبل أن يصحوا أهل المدينة على وضع مريب لم يعرفوه: أعداد من الجيش باستعداد كامل ينتشرون في المدينة ويقفون عند مداخلها يفتشون الداخل والخارج ويعتقلون من يرتابون فيه، والناس يتساءلون دون أن يعرفوا الجواب. وإذا إجابوا، فلن يكون جوابهم غير الإشارة إلى الجنود يحظرون بسيوفهم ورماحهم، يرهبون السكان الذين يسرعون الخطي إلى بيوتهم أو أعمالهم غير ملتفتين إلى ما يجري أمامهم.

ويعود شبيب ليسأل عامر بن سعد: ما الذي يجري يا ابن سعد؟ والله، ما جئتك إلا بعد عناء، حتى فكرت بأن ألغي زيارتك وأرجع إلى البيت. ما الأمر؟

قال عامر: لقد أخبرني من أثق فيه أن معاوية قد وصل أو يوشك أن يصل المدينة. وما تراه من انتشار جنود وتفتيش وسلاح فإنما هو لحمايته.

قال شبيب: وما الذي جاء به إلينا إذا كان خائفاً منا؟!

ماذا يريد معاوية؟! والله، لم يحب أهل المدينة يوماً ولم يحبوه.

ماذا لقينا منه ومن ولاته! أمجزرة أخرى بعد مجزرة بسر؟! ما أشد محنة الإسلام بمعاوية وأشباه معاوية!!

قال عامر: وأخبرني أيضاً أنه جاء على رأس ألف فارس كاملي السلاح، ولن يغادر المدينة قبل أخذ البيعة من أهلها ليزيد، طوعاً أو كرهاً رضاً أو جبراً، وبعد أن اطمأن وأخذ بيعة أهل الشام والعراق.

قال شبيب: أتراه جاء لأخذ البيعة من أهل المدينة، أم لحرب أهل المدينة؟! ماذا أبقى للحرب لو أراد أن يحارب؟ ألف فارس لأخذ البيعة؟! هل تحتاج البيعة لألف فارس؟! كان يكفي معاوية أن يعلن في الناس ترشيح ابنه يزيد للخلافة بعده، ويترك لهم الحرية في الاختيار، وسيختارونه، لو وجدوه أهلاً للخلافة.

١٤٥

قال عامر: والله ما رأيتك هازلاً كما رأيتك اليوم. وهل في المدينة وغير المدينة من يختار يزيد للخلافة. والله لو علم معاوية أن واحداً من كل مائة من الناس يختار يزيد لكان رابحاً ولا فعل ما فعل، وإنما هي القوة والقهر، وما تراه الآن في المدينة من جيش مدجج لا شيء عنده أسهل من سفك الدم. إن معاوية ينظر إلى المدينة كواحدة من أهم أو أهم الجبهات التي يخوض معاركه فيها ويريد أن يكسبها.

ولهذا جاء بهذا الجيش الكبير، ليكسر شوكة أهلها ويستذلهم ويفرض عليهم طاعته في بيعة يزيد وفي غيرها. إن لمعاوية ثاراً قديماً عندهم، يوم دخلوا عليه، هو وأهله، مكة وفتحوها، يوماً لن ينساه معاوية ولا بنو أمية.

قال شبيب، وهو يتذكر ما كان يحدثه أبوه عن فتح مكة وما تلاه من أحداث حتى الساعة التي هو فيها مع عامر: ألا ترى أن نبدل باسم البيعة، أي اسم آخر يناسب ما يسير عليه الحكم عندنا؟! فالبيعة تعني الرضا والقبول والاختيار عند من يبايع، وليس الحال كذلك، بل عكس ذلك مع حكامنا: ليس مع يزيد رضا أو قبول أو اختيار، ولم يكن مع أبيه رضا أو قبول أو اختيار.

وما لنا وليزيد وأبيه؟! فهل رشح الناس من كان قبلهما، ليقال إنهم رضوه وقبلوه واختاروه على غيره؟!

حين لا يكون إلا واحد بعينه ينصبه واحد بعينه، ويفرضه بالسيف والقهر والخديعه، وتنعدم الحرية لدى الناس، وليس أمامهم إلا من استخلف عليهم، رضوا أم أبوا، فمن الظلم كل الظلم أن تتحدث عن بيعة ورضا وقول واختيار. إننا يا صاحبي نحصد اليوم ما سنّه الذين كانوا قبل معاوية. هل تعرفهم؟

قال عامر: وهل بقي من لا يعرفهم؟! أعرفهم جيداً، والله لو لم يكن منهم إلا تأسيس ولاية العهد لكفاهم ذلك ظلماً للإنسان وسلباً لحريته وامتهاناً لحقوقه.

قال شبيب: لكنهم لم يكونوا کيزيد.

١٤٦

قال عامر: أعرف ذاك. لم يكونوا کيزيد، ولكن من سهل الطريق ليزيد. أليس هو من سنّ بدعة ولاية العهد؟!. لولا ولاية العهد، أكان يزيد يحلم يوماً أن يكون خليفة للمسلمين؟! لِم لم يفعلوا كابن أبي طالب؟! إنه الوحيد الذي جاءته الخلافة بالشورى وتركها للشورى. لم يأت بتعيين أحد ولم يعين للخلافة احداً.

قال شبيب: ذاك ابن أبي طالب: الوحيد في كل شيء. لن تظفر بمثله، فلا تتعب نفسك، وعد بنا إلى حديث هذا القادم الينا من الشام، كم سيقيم هنا؟

قال عامر: ما أظنه سيمكث طويلاً. سيتجه إلى مكة لتأمين بيعتها ليزيد، ثم يعود إلى المدينة لأخذ البيعة من أهلها، بعد أن يكون مروان قد سعى بها وهيأها ومهد طريقها.

قال شبيب: كان الله في عون أهل مكة.

قال عامر: كان الله في عونهم، لو كان الدعاء وحده يجدي.

١٤٧

الفصل الثامن والعشرون

يزيد خليفة

الحسين يترك المدينة إلى مكة

مرت أربعة أعوام قبل أن يتولى يزيد الخلافة. ففي رجب من عام ٦٠ للهجرة، على اختلاف في أي يوم منه، مات معاوية، وتحول يزيد من ولي عهد للمسلمين إلى خليفة لهم.

ولم يكن يزيد، على أي صعيد ومن أي جانب نظرت إليه، يصلح للمنصب ولا لما هو دونه، لو لا ازدراء معاوية بالمسلمين وبخلافتهم. ولولا ما لحق الحياة الإسلامية من فساد بلغ بهم الحد الذي جعل من يزيد إماماً لهم وخليفة. وهو فساد ثقيل طويل بدأ قبل معاوية ولم ينتهِ بموت معاوية. وقد عرضت لبعض وجوهه في فصول سابقة.

وعندما تولی يزيد الخلافة، كان أكبر همه أن يأخذ البيعة من الحسين، بأي ثمن، وبقتله لو رفض.

وكان الحسين في المدينة حين مات معاوية، والوالي عليها يومذاك، الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ابن عم يزيد. وكانت المدينة تعيش حالة من الرعب والخوف والإرهاب فرضها معاوية عليها.

وكتب يزيد يستحث والي المدينة ويشدد الضغط عليه في أخذ البيعة من الحسين. ولم يكن يزيد ولا أهله من بني أمية وأنصارهم وحواشيهم يجهلون ما تعني بيعة الحسين، لأهل المدينة ولغير أهل المدينة من المسلمين.

فلو بايع الحسين، بما يمثله من ثقل روحي كبير ووزن شخصي وأبوي وأسري فريد، لسقط آخر حصن كان سيلجأ إليه الناس وهم يقارعون الظلم، ولأنها، آخر أمل لهم كان يمنحهم القوة والعزيمة والصبر في مواجهة الاستبداد الأموي، ولاستسلم من كان لا يزال ممتنعاً، محارباً أو متهيئاً للحرب، وهو ينظر إلى الحسين وينتظر ما يصنع. ولمضى يزيد بعد ذاك، ومعه المشوهون والمنتفعون والطامعون: أمويون وغير أمويين، في ظلمهم وطغيانهم واستبدادهم، لا يرقبون شيئاً ولا يخافون شيئاً، آمنين مطمئنين كأحلى ما يكون الأمن والاطمئنان.

من هنا كان إصرار يزيد وتشديده في أخذ البيعة من الحسين.

١٤٨

وطلب والي المدينة من الحسين أن يبايع بالخلافة ليزيد، فأبى الحسين وامتنع. وأصر الوالي، وأصر الحسين قائلاً في ختام اللقاء قولته التي ما تزال تدوي على مر العصور ما تمثل شموخ الإنسان وكبريائه في أسمى وأروع وأنبل صورة: (مثلي لا يبايع مثله).

وما كان لمثل الحسين أن يبايع مثل يزيد، وما كان لواحد دون الحسين أن يبايع مثل يزيد.

وفي اليوم التالي کان الحسين يغادر المدينة مع عدد من أهل بيته وأنصاره معلناً رفضه مبايعة يزيد وتوجهه إلى مكة، وإن من أراده فليلحق به في مكة. إنه سيكون هناك، سينطلق، وتنطلق الثورة من هناك. قالها الحسين واضحة قوية لتبلغ الجميع، حتى ينقطع العذر عمن يلتمس العذر بعدم الدراية والعلم.

وأصبح خروج الحسين حديث أهل المدينة وشاغلهم، وقد حبس كل منهم أنفاسه ينتظر ويتوقع ويسأل ويناقش.

وانتشر جواسيس السلطة وعيونها في كل زاوية من المدينة يراقبون تحرك أهلها واتصالهم ببعضهم أو بالآخرين من غير أهلها.

ولم يقتصر نشاط السلطة على المدينة وحدها، فقد امتد ليشمل مكة والبصرة والكوفة التي ستكون مسرح الحدث الكبير.

قال شبيب بن الحارث لعامر بن سعد بعد خروج الحسين: ما أخبارك يا ابن سعد؟ وما أظن مع أخبار الحسين أو بعد أخبار الحسين من أخبار يسأل عنها اليوم؟! هل من جديد عندك؟

قال عامر: لقد كفيتني أنت الجواب على سؤالك. ليس من حديث لأهل المدينة غير حديث الحسين وذهابه إلى مكة، والأحداث الكبيرة التي ستعقب ذلك. كل شيء يشير إليها، وكأنك تراها.

قال شبيب: صدقت والله يا عامر، لقد قطع الحسين كل شك في عزمه على مواجهة الظلم الأموي الذي لا يريد أن يقف عند حد. وهل غير الحسين من هو قادر على ذلك؟! من غير الحسين؟! رددها أكثر من مرة بصوت حزين كان يزداد ضعفاً كلما يرددها أكثر.

١٤٩

قال عامر وكأنه يجيب شبيباً: ومن غير الحسين! لقد خرج حين لم يجد أمامه إلا أن يخرج، لا أشراً ولا بطراً كما قال. لكنه خرج للإصلاح بعد اليأس منه. خرج معلناً للناس أنه خارج، لا كما يفعل الخائف المتردد الضعيف. هكذا هو دائماً، وما أحسب أن بين المسلمين من يسعه الآن البقاء في بيته، يكتفي بمتابعة الأحداث وما ستصير إليه ليقرر عند ذاك. هؤلاء لا ينصر بهم حق ولا يهزم باطل. هؤلاء يريدونها دون ثمن، وهيهات. واجب المسلمين الآن، الالتحاق بالحسين، وهو عازم على جهاد الظالمين. ماذا ينتظرون إذن؟! ها هو الحسين يقطع عليهم الحجة.

قال شبيب: وماذا سيفعل الحسين بعد الذهاب إلى مكة؟ هل سيبقى فيها ويعلن ثورته منها، ام سيواصل المسير إلى مكان آخر غيرها؟

قال عامر: والله لا علم لي بذاك، لكني ما أظنه سيمكث طويلاً في مكة. فأنت تعلم أن بني أمية سيهدمون مكة بيتاً بيتاً للوصول إلى الحسين وقتله. وبيت الله أكرم على الحسين من أن يجعله هدفاً لطغام بني أمية يهتكون حرمته ويفعلون فيه ما يريدون، وربما كان هذا هو ما يريدون.

قال شبيب: وهل سيتركه بنو أمية، حتى لو غادر مكة؟!

هل سيتركونه يمضي في طريقه دون أن يقتلوه قبل أن يجتمع عليه الناس، والجيش معهم والمال في خزائنهم؟!

قال عامر: أترى الحسين يجهل ذاك؟! أتراه غافلاً عن ذاك؟! لكن الأمر يدور عنده بين اثنين لا ثالث لهما: بين أن يقتل ليحيي الأمة، وبين أن يستسلم لتستسلم الأمة وتذل وتخضع فينتصر بنوا أمية ويتأيد حكمهم دون حرب ولا دم ولا قتال، بأهون الوسائل وأضعفها وأيسرها ثمناً، بالقبول والاستسلام. هذا هو الخيار عند الحسين. هذا هو ما يفكر فيه، وما فكر فيه عندما غادر المدينة: يعرف أنه سيقتل، لكنه يعرف أنه لن يموت، وأن دمه ودم أهل بيته وأصحابه سيحيل الأرض ثورة تلاحق الطغاة وتهز عروشهم في كل مكان وزمان.

قال شبيب: وماذا أنت فاعل يا عامر؟

١٥٠

قال عامر: سأمضي معه أكتب وأروي ما أرى وأسمع دون تزوير ولا كذب. ألا يكفي هذا؟! أليس هذا شيئاً يستحق الثناء، وقد زوروا التاريخ يا ابن سعد؟! لقد رووا ما لم يرو أو لم يشاهدوا ولم يسمعوا. وإن قتلت، فنعم ما أختم به حياتي، شهيداً مع الحسين. ولكن قل لي يا ابن سعد، اتحسب لي شهادة كاملة، وأنا لم أقصدها عندما التحقت بركب الحسين؟!

قال عامر: والله إني لا أعرف الشهادة مجزأة أنصافاً وأرباعا لأخبرك إن كنت تستحق النصف أو الربع أو الأكثر أو الأقل منها. شهادة أولا شهادة. هذا ما أعرفه، وإن كنت تعرف غيره، فذلك شأنك.

ومضى الاثنان ليلتحقا بركب الحسين.

١٥١

الفصل التاسع والعشرون

الحسين، الرحيل من مكّة

مكة حزينة ساكتة على غير عادتها في مثل هذه الأيام من كل عام، إنها تقترب من العيد الكبير. سيحل عن قريب. لكن الناس لا يبدو عليهم شيء من مظاهر العيد. ليس هناك ما يشير إليه، لا حركة ولا نشاط ولا فرح. لا يبتسم الواحد منهم إلا ليسترجع الابتسامة، وكأنه يتذكر شيئاً موجعاً سيحل به.

الرجال يتهامسون حين يلتقون في الشارع أو في المسجد، والنساء يتساءلن في البيوت في زياراتهن لبعضهن، وعلى وجوه الجميع آثار حزن لا تخفی. شيء واحد يشغلهم ويحزنهم ويقلقهم، يبدؤون به عندما يلتقون أو ينتهون به عندما يفترقون: متى سيرحل الحسين وماذا ينتظره بعد الرحيل؟ ماذا سيكون موقف بني أمية منه؟ بني أمية الذين يعرفونهم، اليوم وقبل اليوم: هؤلاء المجرمون الذين حكموا فأساؤوا وأسرفوا في الظلم. إنهم أعداء الله وأعداء الأمة، أعداء كل القيم النبيلة للإنسان.

ويقترب الموعد، يسير الوقت حزيناً باكياً، وكل واحد من أهل مكة حزين باك.

اليوم هو الثامن من ذي الحجة. الحسين يطوف البيت مودعاً. آخر مرة يطوف فيها البيت، ليبدأ الرحيل بعد ذاك.

مكة كلها تخرج لوداعه. دموع المودعين تختلط بزفراتهم التي تكاد تخنقهم. ليته يبقى. ليتهم يستطيعون أن يعيدوه إليهم: قالها أهل مكة وهم يخرجون لتوديعه، لكنه الواجب الذي لا يمكنه أن يتخلى عنه. من الذي سينهض به؟! إن صلاح الأمة، حاضراً ومستقبلاً، يحتاج إلى دمه، وهو لن يبخل به ما استطاع أن يعيد إليها وإلى جميع المستضعفين والمظلومين حقوقهم التي سلبها الطغاة المستبدون.

١٥٢

الحسين يتقدم الموكب الذي هم الصفوة من الأهل والأصحاب، وقد أرسل آخر رسالة له قبل رحيله: (من لحق بي فقد استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح...) إنها رسالة الشهادة واضحة قوية تهيب بالضعاف والمترددين أن يجمعوا أمرهم ويلتحقوا به، إن كانوا مستعدين للشهادة التي أعلن عنها بوضوح كامل، ليكون من يريد اللحاق به عارفاً ما سيستقبله؛ ليس عنده غنائم ولا مال ولا يمنيه بشيء منهما. المال عند أعدائه الذين يتوجه لملاقاتهم، أما هو فليس عنده إلا الشهادة لمن يختارها ويرضاها.

ويبتعد ركب الحسين ويعود المودعون ودموعهم تجري، يلتفتون بين الحين والحين نحو الركب الذي غاب، لا يتكلمون لا يستطيعون الكلام ولا يحتاجونه، دموعهم أبلغ من كل كلام، فلن يكون كلامهم إلا عن الحسين الذي ودعوه قبل قليل، ولا يعرفون ماذا سيجري له، بل يعرفون؛ لأنهم يعرفون بني أمية. لن يروه بعد اليوم. إنها نهاية العهد به. لن تراه مكة، ولن يعمر مسجدها بوجوده.

ويعلو البكاء...

ويمضي الحسين مهيباً شامخاً كبيراً يملؤه الإيمان بالرسالة الكبيرة التي يحملها والتي لا يحملها ولا يؤديها غيره.

يمضي ساخراً من بني أمية ومن الموت، فهو الأكبر. الأكبر الذي لا يموت. ستحتضن الإنسانية كلها أشلاءه التي انتشرت على أرض كربلاء، كربلا التي ستصبح ملهمة الثوار ونشيدهم وشعارهم، بعد ما سقي ثراها دم الحسين ودم الكرام من أهله وأصحابه.

١٥٣

الفصل الثلاثون

أول الطريق إلی کربلاء

ها هو ركب الحسين يبتعد أكثر من مكة. لقد غابت وراء الأفق ولم تعد منذ اليوم إلا ذكريات، هم في شغل عنها الآن بما يستقبلون.

عدد قليل من الرجال والفتيان، ومعهم بعض النساء والصبية، أكثرهم السائرون على أرجلهم، لا يملكون فرساً ولا جملاً، ولا شيء مما يسهل عليهم الطريق ويقيهم عثاره، إلا العزيمة والإيمان الذي يتحول عند صاحبه إلى قوة فريدة لا يشغلها الطريق. قوة لا يعرفها الإنسان إلا إذا كان هو من هذا الفرع الفريد من الناس.

ها هم يأخذون طريق الكوفة.

ثمانون من الرجال ماذا يريدون؟! إن شيئاً كبيراً هذا الذي يطلبون، شيئاً لم يعرفه أهل الأرض في حساباتهم قديماً، ولن يعرفوه في حساباتهم مستقبلاً. ثمانون تتقاذفهم صحراء العرب الواسعة الكبيرة، لا يثنيهم حر ولا تعب ولا شوك ولا خوف، وإن الإنسان ليتجنب السير فيها ليلاً بعدما تغيب الشمس وينكسر الحر وينزل البرد. أية رسالة كبيرة يحملونها حتى يستسهلوا كل هذا العناء الذي لن ينتهي بهم على راحة ليخف احتماله، بل الی موت، يعرفون هم قبل غيرهم، إنهم مقدمون عليه. أتراهم كانوا هواة موت؟!

نعم، حين يكون الموت هو السبيل الوحيد لتحرير الإنسان من ظلم طويل ثقيل، أفسد الحياة وارعب الناس وأشاع الخوف وشوّه القيم وشل الفكر واستحل المحرمات، كل المحرمات.

وليس هذا ظنا ولا تخميناً.

لقد خرج الحسين بنية الشهادة، وخرج أصحابه معه بنية الشهادة. كان على علم بأنه سيقتل. لم يغب عنه ذاك، لكنه لم يثنه.

أكان يجهل قدرات الحكم وما يتمتع به من أسباب القوة والسيطرة والنصر في المعركة التي سيخوضها معه بعد أيام، وهو يتوجه إلى ساحتها؟!

أهناك أبين وأوضح من رسالته قبل أن يترك مكة: (... من لحق بي فقد استشهد...)

١٥٤

أهناك ما يؤكد الشهادة أكثر من لفظ الشهادة في هذه الرسالة الخالدة يوجهها الحسين إلى من يريد اللحاق به، حتى يكون على وضوح من أمره حين يقرر اللحاق به؟!

أكان الحسين يجهل جيش الخصم الذي لا عدد له، يبدأ بالكوفة، ولا ينتهي بالشام؛ كلما فشل جيش، جاء جيش أو جيوش.

أكان يستطيع في الحساب البسيط، حساب الأعداد والأرقام والسلاح، أن يحرز نصراً في معركة مع الحكم الأموي، حتى لو لم ينكث الذين كتبوا إليه وبايعوه في الكوفة، حتى لو وفوا بعهدهم وانضموا إليه وقاتلوا معه؟! كم سيكون عددهم في أحسن وافضل الحالات؟!

لم يغب ذلك عن الحسين، ولا يمكن أن يغيب. وهو واضح في أجوبته لمن سأله عن خروجه لقتال جيش الأمويين مع قلة من معه.

لقد أخبره الفرزدق، وهو في حدود مكة لم يغادرها بعد: ( إن قلوب الناس معك وسيوفهم عليك ).

ماذا يعني هذا القول؟

ما قيمة أن تكون قلوب الناس معه، حين تكون سيوفهم عليه؟! ماذا ستجدي عليه القلوب، وهي لن تجدي شيئاً في ساحة المعركة؟! ماذا سيتغير في موازين القتال، والكلام كله للسيف لا للقلب؟!

لقد كان الحسين، بعد الذي سمعه من الفرزدق، يستطيع العودة إلى مكة، وهو لم يكن قد بعد عنها، أو يغير طريقه إلى أي بلد آخر غيرها، لولا نية الشهادة عنده. لكن الحسين لم يختلف بعد سؤال الفرزدق، عنه قبل سؤاله. لم يحاول أن يستقصي في السؤال والدخول في تفاصيل الأمر، كما يفعل في مثل هذه الحال، من يفكر في العدد: من معه، ومن عليه من جيش الخصم. واكتفى من الفرزدق بهذا الجواب العام المقتضب، وهو يقصد الكوفة، حتى قال الفرزدق نفسه: (فو الله ما فتشني عن أكثر من ذلك) أي لم يسألني عن شيء آخر.

بل إن الحسين نفسه طلب من أصحابه أكثر من مرة أن يتركوه وينجوا بأنفسهم، وإنه يحلهم من عهدهم له ولا ذمام عليهم ولا لوم، ويستطيعون أن يتخذوا من الليل جملاً لهم لا يراهم ولا يرونه، إن كانوا يشعرون من ذلك حرجاً في النهار.

١٥٥

كيف أفسر ذلك؟! هل أستطيع أن أجد تفسيراً له غيرما ذكرت من نية الشهادة عند الحسين ابتداء، وقبل مغادرته مكه؟!

أرأيت من يريد المعركة والانتصار فيها - بحسب المقاييس المعروفة - يفضل التفكير في عدد الأنصار والخصوم، وهو أول وأهم ما يفكر فيه المقدم على أية معركة؟!

أرأيت من يريد الدخول في معركة - وأهم عناصرها الرجال المقاتلون - يطلب من رجاله وأنصاره أن يتركوه، غير الحسين في ملحمة كربلاء؟!

أرأيت من يقصد الموت ويزحف إليه راضياً سعيداً، غير هؤلاء الرجال والأنصار؟!

لماذا؟

لأن الحسين كان يقصد ابتداء إلى الشهادة.

ولأن أنصار الحسين كانوا يقصدون ابتداءً، حين التحقوا بالحسين، إلى الشهادة.

كان الحسين عالماً، وكانوا عالمين.

ثم تكرر قول الفرزدق، من غير الفرزدق على طول الطريق بين مكة وكربلاء. ولم يكن صعباً على الحسين أن يجد بلداً آمنا يذهب إليه ويبقى فيه حتى يجتمع إليه أنصاره، ثم يقاتل إن أراد القتال، كما اقترح عليه الطرماح بن عدي الطائي الذي عرض على الحسين أن يذهب إلى قبيلته طي، ويمتنع هناك في جبلها، وسيأتيه في أيام قليلة جيش كثيف منهاومن غيرها وكلهم له أنصار ومقاتلون أشداء بين يديه.

لكن القتال سيكون عند ذاك، بين جيش وجيش. لن تكون فيه الشهادة التي أرادها الحسين عنواناً لملحمة كربلاء. لن يكون النصر الذي أراده الحسين للإنسان خالداً ما بقي الإنسان. سيكون هناك جيش منتصر وجيش مهزوم كما يحصل في كل قتال وكل معركة.

لقد تقاتلت جيوش قبل الحسين وبعد الحسين، وانتصرت وانهزمت جيوش قبل الحسين وبعد الحسين؛ فأين هي القيم الكبيرة التي يستلهمها الإنسان من جيش منتصر أو جيش مهزوم؟!

أي درس يمكن أن يقدمه للإنسانية، قتال بين جيشين لابد من انتصار أو هزيمة أحدهما فيه؟!

١٥٦

لقد أراد الحسين الشهادة وقصدها؛ لأنها وحدها التي تمثل القيمة الكبيرة والمثل الأعلى؛ لأنها وحدها التي تلهم الإنسان وتبقى تلهمه على امتداد العصور؛ لأنها الخزين الروحي الذي يمد الإنسان بالقوة والثبات كلما تعرض للظلم في أية بقعة من هذه الأرض؛ لأنها تجسيد لكبرياء الإنسان وشموخه وإنسانيته؛ لأنها تجمع كل قيم الخير والسمو والجمال في عالم يضيق عنها أو تتسع عليه؛ لأنها... لأنها الشهادة.

١٥٧

الفصل الحادي والثلاثون

في الطريق

ويستمر زحف الثمانين. ويزحف معهم عدد من هؤلاء الذين يدفعهم الفضول أو الطمع حين يتوهمون أن هناك ما يطمعون فيه من غنائم وأموال. وهم على استعداد للرجوع أو الابتعاد وتجنب الخطر في أي وقت ينعدم فيه الطمع أو يحسون الخطر.

إنهم لا يحملون رسالة ولا يدافعون عن قضية. لكنهم من الذين اعتادوا أن يصحبوا الغزاة ويتبعوهم علهم يصيبون شيئاً مما يتركه هؤلاء أو يتفضلون به عليهم.

ولقد كان عدد منهم قد تبع ركب الحسين، لكنهم سرعان ما انفضوا عنه حين تأكدوا أن لا شيء معه مما يفكرون فيه، ليبقى فقط أصحاب الرسالة، لا يلتفتون إلى من تركوهم؛ لأنهم لم يلتفتوا إليهم حين صحبوهم.

إنهم يواصلون السير إلى غايتهم بعزيمة المؤمنين الصادقين ذوي النية والبصيرة الذين لم يفكروا في الموت، أو استغلوا الموت في جنب ما يسعون إليه. لم يكن أمامهم إلا أحد خيارين: أن يموتوا أو أن تموت القضية التي يحملون، وقد اختاروا الأول منهما.

إني لأراهم الآن، ووجوههم مشرقة مطمئنة، لا يشغلهم مما يشغل الناس إلا القضية الكبيرة التي يحملونها، حريصين على أن يؤدوها.

لا يفكرون في كثرة عدوهم وقلتهم، ولا في بطشه وسلاحه ولا في مكره وماله. ليس ذلك مما يهيمهم ولا يقلقهم، وربما وجدوا فيه الأسلوب الأروح والأكمل في أداء الرسالة وتبليغها وضمان الخلود لها وإبقائها حية قوية متجددة تتعالى على الشرح والكتابة؛ لأنها تساكن الإنسان عقلاً وفكراً وعاطفة.

١٥٨

الفصل الثاني والثلاثون

في الطريق إلی الکوفة

زهير بن القين

لم يخطر في ذهن زهير بن القين: شيخ بجيلة وزعيمها في الكوفة - أن يكون يوماً في صف الحسين أو من أصحابه، لا أن ليقتل دفاعاً عنه. لقد كان الرجل عثماني الهوى، يناصر العثمانيين ويعادي أعداءهم.

هكذا كان دائماً؛ موقف ثابت لم يغيره ولم يحد عنه.

فما الذي جرى ليحوله من موقف إلى نقيضه. من مناصر للعثمانيين إلى مستشهد بين يدي الحسين يحمل سيفه ضد من كانوا رفاقه حتى أيام مضت؟!

كان زهير قد ذهب إلى مكة حاجاً، ومعه عدد من قبيلته بجيله وآخرون من غيرها.

وفي مكة سمع أن الحسين خرج قاصداً الكوفة في الثامن من الشهر الحرام؛ فما كاد يقضي مناسك حجه حتى أخذ هو أيضاً الطريق إلى الكوفة معجلاً.

ولم يكن زهير يريد أن يلتحق بالحسين، ولم يكن من أنصاره، لكنه أحس أن شيئاً كبيراً سيحصل في الكوفة أو قبلها، حين يتواجه، الحسين مع جيش الأمويين؛ فهو لا يجهل الحسين ولا يجهل الأمويين، ولا يجهل الوضع في الكوفة التي لم يغادرها إلا منذ قريب.

وأسرع زهير السير حتى أدرك ركب الحسين في بعض الطريق.

كان يريد ألا يفوته الحدث حضوراً ومشاهدة لا نقلاً ورواية، وهو قريب منه لن يتكلف له جهداً ولا مالاً، والحدث كبير لن يتكرر.

وكان الطريق حتى الآن واسعاً عريضاً يسمح لزهير بأن يسير فيه كما يريد دون أن يغيب عنه ركب الحسين، متجنباً الاقتراب منه، ومتجنباً في الوقت نفسه، الابتعاد عنه.

ها هو ركب الحسين يصل إلى زرود، وهي محطة يستريح فيها المسافرون وتقع في طريق ضيق لا يستطيع زهير إلا أن يكون قريباً من ركب الحسين، وهو يحط رحاله فيها.

وينزل الركب في جانب من زرود، وينزل زهير ومن معه في جانب آخر، لكنه ليس بعيداً.

١٥٩

ويرسل الحسين في طلب زهير.

ولم يكن زهير يريد لقاء الحسين، كان يكره ذلك ويتحاشاه. وحين جاء رسول الحسين يطلبه، دهش وتحير ولم يعرف بم يجيب. وليس الجواب سهلاً، والحسين يطلبه، وعثمانيته تمنعه.

كان حائراً متردداً في اتخاذ الموقف، حين جاءه صوت زوجته عالياً ليحسم الأمر ويقطع على زهير تردده.

قالت زوجته بلهجة فيها إنكار وحزم: (سبحان الله أيبعث اليك ابن بنت رسول الله ثم لا تأتيه. ألا أتيته فسمعت كلامه).

فاستجاب زهير وقرر أن يذهب إلى الحسين، لكنه سرعان ما عاد. وعرف قومه ما عاد به؛ كان مسرعاً هاشاً طلق الوجه رضي النفس؛ لم يكن زهير الذي عرفوه وصاحبوه. لم يعد للتوتر مكان فيه. ما الذي أعطاه الحسين؟ وهو لا يملك أن يعطي إلا الشهادة لمن يريدها ويختارها، وهم قليل.

أكان زهير منهم؟ أكان زهير ممن يريد الشهادة ويعشقها؟

قال وهو يدخل على قومه بعد لقائه الحسين: (من أحب منكم أن يتبعني، وإلا فهو آخر العهد بي...). قال ذلك وهو يجمع متاعه معجلاً ليرجع إلى الحسين ومعه ابن عمه سلمان بن مضارب.

قال شبيب بن الحارث، وهو يرى زهيراً وابن عمه مقبلين: ألم أقل لك يا عامر، إن زهيراً سيعود، لكأنه كان خائفاً من نفسه وهو يمتنع عن لقاء الحسين على طول الطريق. كان يدرك أن لقاء الحسين سيكلفه ما لا يريد: حياته أو غضب السلطان عليه وجفوته له، وهو أقل ما يكلفه.

قال عامر: لقد كان يخشى أن يواجه الحق فيضعف وكان جانب الخير لم يمت فيه بعد، وكان يخاف هذا الجانب أن يغلبه حين يواجه الحسين. ما أسعدك يا زهير، وأسعد ابن عمك! وما أرخص ما تركتما وأنتما تضمنان الخلود والفوز الكبير! قال عامر هذا، وهو يسابق شبيباً إلى استقبال زهير ومضارب.

١٦٠

وقت فريضة، ارأيت لو كان عليك صوم من شهر رمضان، اكان لك ان تتطوع حتى تقتضيه »، قال، قلت: لا، قال: « فكذلك الصلاة » قال: فقايسني، وما كان يقايسني.

٤٧ - ( باب جواز قضاء الفرائض في وقت الفريضة الحاضرة ما لم يتضيق وحكم تقديم الفائتة على الحاضرة )

٣٢٦٧ / ١ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام، انه قال: « من فاتته صلاة حتى دخل وقت صلاة اخرى، فان كان في الوقت سعة بدأ بالتي فاتته، وصلى التي هو منها في وقت، وان لم يكن في الوقت (١) الا مقدار ما يصلي فيه التي هو في وقتها بدأ بها، وقضى بعدها الصلاة الفائتة ».

٣٢٦٨ / ٢ - فقه الرضا عليه‌السلام: عن رجل نام ونسي فلم يصلّ المغرب والعشاء، قال: « ان استيقظ قبل الفجر بقدر ما يصلّيهما جميعاً يصلّيهما، وإن خاف أن يفوته أحدهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ».

____________________________

الباب - ٤٧

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ١٤١، وعنه في البحار ج ٨٨ ص ٣٢٥ ح ٣.

(١) في المصدر زيادة: سعة.

٢ - فقه الرضا عليه‌السلام ص ١٠، وعنه في البحار ج ٨٨ ص ٣٢٤ ح ٢.

١٦١

٤٨ - ( باب وجوب الترتيب بين الفرائض أداء وقضاء، ووجوب العدول بالنيّة إلى السابقة، إذا ذكرها في أثناء الصلاة أداء، وقضاء جماعة ومنفرداً )

٣٢٦٩ / ١ - فقه الرضا عليه‌السلام: عن رجل نسي الظهر حتى صلّى العصر، قال: « يجعل صلاة العصر التي صلّى الظهر، ثم يصلّى العصر بعد ذلك ».

وعن رجل نام ونسي فلم يصلّي المغرب والعشاء - إلى أن قال -: « وإن استيقظ بعد الصبح فليصلّ الصبح، ثم المغرب، ثم العشاء، قبل طلوع الشمس ».

٣٢٧٠ / ٢ - دعائم الإسلام: وروينا عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام أنّ رجلاً سأله فقال: يابن رسول الله، ما تقول في رجل نسي صلاة الظهر حتى صلّى ركعتين من العصر؟ قال: « فيجعلهما الظهر (١)، ثم يستأنف العصر » قال: فإن نسي المغرب حتى صلّى ركعتين من العشاء (٢)؟ قال: « يتمّ صلاته، ثم يصلّي المغرب بعد » قال له الرجل: جعلت فداك (يابن رسول الله) (٣)، ما الفرق بينهما؟ قال: « لأنّ العصر ليس بعدها صلاة، يعني لا يتنفّل بعدها، والعشاء الآخرة يصلّي بعدها ما شاء ».

____________________________

الباب - ٤٨.

١ - فقه الرضا عليه‌السلام ص ١٠، وعنه في البحار ج ٨٨ ص ٢١٦

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ١٤١، وعنه في البحار ج ٨٨ ص ٣٢٥ ح ٣.

(١) في المصدر: فليجعلهما للظهر.

(٢) في المصدر زيادة: الآخرة.

(٣) ليس في المصدر.

١٦٢

٣٢٧١ / ٣ - وعنه عليه‌السلام: أنّه سئل عن رجل نسي صلاة الظهر حتى صلّى العصر، قال: « يجعل التي صلّى الظهر، ويصلّي العصر » قيل: فإن نسي المغرب حتى صلّى العشاء الآخرة؟ قال: « يصلّي المغرب، ثم العشاء الآخرة ».

قال في البحار في الخبر الأول: لم أر قائلاً به، وحمل على ما إذا تضيّق وقت العشاء دون العصر، وان كان التعليل يأبى عنه لمعارضته للأخبار الكثيرة، ويمكن حمله على التقيّة والتعليل ربّما يؤيده، انتهى.

٣٢٧٢ / ٤ - السيّد عليّ بن طاووس في رسالة المواسعة، عن كتاب الصلاة للحسين بن سعيد الأهوازي: عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن الحسن بن زياد الصيقل، قال: سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل نسي الاُولى حتى صلّى ركعتين من العصر، قال: « فليجعلهما الاولى وليستأنف العصر » قلت: فإن نسي المغرب حتى صلّى ركعتين من العشاء ثم ذكر؟ قال: « فليتم صلاته، ثم يقضي بعد المغرب » قال: قلت: جعلت فداك، متى نسي الظهر ثم ذكر وهو في العصر يجعلها الاولى ثم يستأنف، وقلت لهذا يقضي صلاته بعد المغرب؟! فقال: « ليس هذا مثل هذا، إنّ العصر ليس بعدها صلاة والعشاء بعدها صلاة ».

٣٢٧٣ / ٥ - وعن كتاب النقض على من أظهر الخلاف على أهل البيت عليهم‌السلام للحسين بن عبيد الله بن عليّ الواسطي: عن الصادق

____________________________

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ١٤١ باختلاف يسير في لفظه، وعنه في البحار ج ٨٨ ص ٣٢٥ ح ٣.

٤ - رسالة المواسعة ص ١، وعنه في البحار ج ٨٨ ص ٣٢٩.

٥ - رسالة المواسعة ص ٢، وعنه في البحار ج ٨٨ ص ٣٣٠.

١٦٣

جعفر بن محمّد عليهما‌السلام أنّه قال: « من كان في صلاة ثم ذكر صلاة اُخرى فاتته أتمّ التي هو فيها، ثم يقضي ما فاتته ».

٤٩ - ( باب نوادر ما يتعلّق بأبواب المواقيت )

٣٢٧٤ / ١ - علي بن إبراهيم في تفسيره: ( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) قال: « دلوكها زوالها، و: ( غَسَقِ اللَّيْلِ ) انتصافه، ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) صلاة الغداة، ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ».

ثم قال: ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ) قال: « صلاة الليل ».

٣٢٧٥ / ٢ - العيّاشي: عن أبي هاشم الخادم، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام قال: « ما بين غروب الشمس إلى سقوط القرص غسق ».

٣٢٧٦ / ٣ - الطبرسي في مجمع البيان: في قوله تعالى: ( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ) (١). الآية عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام: « إنّهم قوم إذا حضرت الصلاة تركوا التجارة، وانطلقوا إلى الصلاة، وهم أعظم أجراً ممّن (لم) (٢) يتّجر ».

____________________________

الباب - ٤٩

١ - تفسير القمي ج ٢ ص ٢٥، والآيتان في سورة الاسراء ١٧: ٧٨، ٧٩.

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٣١٠ ح ١٤٤، وعنه في البحار ج ٨٢ ص ٣٥٩ ح ٤١.

٣ - مجمع البيان ج ٧ ص ١٤٥.

(١) النور ٢٤: ٣٧.

(٢) ليس في المصدر.

١٦٤

٣٢٧٧ / ٤ - الصدوق في الخصال: عن الحسن بن عبدالله بن سعيد العسكري، عن عمه، عن أبي إسحاق قال: أملى علينا تغلب (١) ساعات الليل: الغسق، والفحمة، والعشوة، والهداة، والسباع (٢)، والجنح، والهزيع، والفقد (٣)، والزلفة، والسحرة، والبهرة.

٣٢٧٨ / ٥ - عليّ بن إبراهيم في تفسيره: عن أبيه، عن إسماعيل بن أبان، عن عمر بن أبان (١) الثقفي قال: سأل النصرانيّ الشاميّ الباقر عليه‌السلام عن ساعة ما هي من الليل ولا هي من النهار، أيّ ساعة هي؟ قال أبوجعفر عليه‌السلام: « ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس » قال النصراني: إذا لم يكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أيّ ساعات هي؟ فقال أبوجعفر عليه‌السلام: « من ساعات الجنّة، وفيها تفيق مرضانا » فقال النصراني: أصبت.

٣٢٧٩ / ٦ - زيد النرسي في أصله: قال: سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول: « إنّ الشمس تطلع كلّ يوم بين قرني شيطان إلّا صبيحة [ ليلة ] (١) القدر ».

____________________________

٤ - الخصال ص ٤٨٨ ح ٦٧.

(١) في المصدر: ثعلب.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) في المصدر زيادة: والعقر.

٥ - تفسير القمي ج ١ ص ٩٨.

(١) في المصدر: عبدالله، ولعل الصواب: عمرو بن عبدالله الثقفي، أنظر « رجال الشيخ ص ١٢٨ رقم ٢١ ».

٦ - كتاب زيد النرسي ص ٥٥.

(١) أثبتناه من المصدر.

١٦٥

٣٢٨٠ / ٧ - عوالي اللآلي: روى خباب بن الأرت قال: ربّما شكونا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ الرمضاء (١) فلم يشكنا.

٣٢٨١ / ٨ - القطب الراوندي في لبّ اللباب: عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ قال: « رحم الله عبداً قام من الليل فصلّى، وأيقظ أهله فصلّوا ».

٣٢٨٢ / ٩ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ أنّه قال: « لا يغلبنّكم الأعراب على اسم صلاتكم، فإنّها العشاء، وإنّهم يعتمون بالإبل »، وذلك لأنّهم كانوا يعتمون بالحلب، أي يؤخّرون حلبها إلى أن يعتم الليل، ويسمّون الحلبة العتمة باسم عتمة الليل، وعتمته: ظلامه.

____________________________

٧ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٣٢ ح ٦.

(١) الرمضاء: الحجارة الحامية من حرّ الشمس (لسان العرب ج ٧ ص ١٦٠، ومجمع البحرين ج ٤ ص ٢٠٩ - رمض -).

٨ - لبّ اللباب: مخطوط.

٩ - دور اللآلي ج ١ ص ١١٦.

١٦٦

أبواب القبلة

١ - ( باب وجوب استقبال القبلة في الصلاة )

٣٢٨٣ / ١ - الصدوق في الخصال: عن ستة من مشايخه، عن أحمد بن يحيى بن زكريا، عن بكر بن عبدالله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن أبي معاوية، عن الأعمش عن الصادق عليه‌السلام قال: « فرائض الصلاة سبع: الوقت، والطهور، والتوجّه، والقبلة، والركوع، والسجود، والدعاء ».

ورواه في الهداية مرسلاً عنه عليه‌السلام، مثله (١).

٣٢٨٤ / ٢ - البحار، عن كتاب العلل لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم: عن أبيه، عن جدّه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن كبار حدود الصلاة؟ فقال: « سبعة: الوضوء، والوقت، والقبلة، وتكبيرة الإفتتاح، والركوع، والسجود والدعاء ».

____________________________

أبواب القبلة

الباب - ١

١ - الخصال ص ٦٠٣ ح ٩، وعنه في البحار ج ٨٣ ص ١٦٠ ح ١.

(١) الهداية ص ٢٩، وعنه في البحار ج ٨٣ ص ١٦٣ ح ٤.

٢ - البحار ج ٨٣ ص ١٦٣.

١٦٧

٣٢٨٥ / ٣ - القطب الراوندي في فقه القرآن: عنهما عليهما‌السلام في قوله تعالى: ( وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (١) « في الفرض »، وقوله تعالى: ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ ) (٢) قالا: « هو في النافلة ».

٣٢٨٦ / ٤ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام، في قول الله عزّوجلّ: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ) (١) قال: « أمره أن يقيمه للقبلة حنيفا، ليس فيه شئ من عبادة الأوثان ».

٣٢٨٧ / ٥ - العياشي في تفسيره: عن أبي بصير، عن أحدهما عليهما‌السلام، في قول الله تعالى: ( وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (١) قال: « هو إلى القبلة ».

٣٢٨٨ / ٦ - وعن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام عن قوله تعالى: ( وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (١) قال: « مساجد محدثة فاُمروا أن يقيموا وجوههم شطر المسجد الحرام ».

وأبو بصير، عن أحدهما عليهما‌السلام قال: « هو إلى القبلة،

____________________________

٣ - فقه القرآن ج ١ ص ٩١، وعنه في البحار ج ٨٤ ص ٤٩ ح ٣.

(١) البقرة ٢: ١٤٤، وفي المصدر - بعد ذكر الآية - زيادة: روي عن الباقر والصادق عليهم‌السلام أنّ ذلك.

(٢) البقرة ٢: ١١٥.

٤ - دعائم الإسلام ج ١ ص ١٣١، وعنه في البحار ج ٨٤ ص ٧٠ ح ٢٧

(١) الروم ٣٠: ٣٠.

٥ - تفسير العياشي ج ٢ ص ١٢ ح ٢٠، والبحار ج ٨٤ ص ٦٦ ح ٢٩.

(١) الأعراف ٧: ٢٩.

٦ - تفسير العياشي ج ٢ ص ١٢ ح ١٩ و ٢٠، وعنه في البحار ج ٨٤ ص ٦٦ ح ٢٠.

(١) الأعراف ٧: ٢٩.

١٦٨

ليس فيها عبادة الأوثان خالصاً مخلصاً ».

٢ - ( باب أنّ القبلة هي الكعبة مع القرب، وجهتها مع البعد )

٣٢٨٩ / ١ - السيد علي بن طاووس في فلاح السائل: رأيت الأحاديث المأثورة أنّ الله تعالى أمر آدم عليه‌السلام أن يصلّي إلى المغرب، ونوحاً عليه‌السلام أنّ (١) يصلّي إلى المشرق، وإبراهيم عليه‌السلام [ أن ] (٢) يجمعهما (٣)، فلمّا بعث موسى عليه‌السلام أمره أن يحيي دين آدم عليه‌السلام، ولمّا بعث عيسى عليه‌السلام أمره أن يحيي دين نوح عليه‌السلام، ولمّا بعث محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ أمره أن يحيي دين إبراهيم عليه‌السلام.

٣٢٩٠ / ٢ - أحمد بن محمّد البرقي في المحاسن: عن أبيه، عن النضر، عن يحيى الحلبي، عن بشير في حديث سليمان مولى طربال، قال: ذكرت هذه الاهواء عند أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: « لا والله، ما هم على شئ ممّا جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ إلّا استقبال الكعبة فقط ».

٣٢٩١ / ٣ - عليّ بن إبراهيم في تفسيره: وفي رواية أبي الجارود، عن

____________________________

الباب - ٢

١ - فلاح السائل ص ١٢٨، وعنه في البحار ج ٨٤ ص ٥٧ ح ٩.

(١) ليس في المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) في المصدر زيادة: وهي الكعبه.

٢ - المحاسن ج ١٥٦ ح ٨٩ وعنه في البحار ج ٨٤ ص ٥٨ ح ١٠.

٣ تفسير القمي ج ١ ص ١٠٥.

١٦٩

أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى: ( وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (١): « فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ لما قدم المدينة وهو يصلي نحو البيت المقدس أعجب ذلك اليهود، فلمّا صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت (الله) (٢) الحرام وَجَدَت (٣) (اليهود من ذلك) (٤)، وكان صرف القبلة صلاة الظهر فقالوا: صلّى محمّد الغداة واستقبل قبلتنا فآمنوا بالذي انزل على محمّد وجه النهار واكفروا آخره، يعنون القبلة، حين استقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ المسجد الحرام، لعلّهم يرجعون إلى قبلتنا ».

٣٢٩٢ / ٤ - وقال في قوله تعالى: ( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ) (١) فان هذه الآية متقدمة على قوله: ( قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ) (٢) وانه (٣) نزل اولا: ( قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ) ثم نزل ( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ ) الآية، وذلك ان اليهود كانوا يعيرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌، ويقولون له: انت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا، فاغتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌، من ذلك غما شديدا، وخرج

____________________________

(١) آل عمران ٣: ٧٢.

(٢) لفظة الجلالة لم ترد في المصدر.

(٣) وَجَدَ عليه، يَجُد ويَجِد: غضب (لسان العرب - وجد - ج ٣ ص ٤٤٦).

(٤) مابين القوسين ليس في المصدر.

٤ - تفسير علي بن ابراهيم ج ١ ص ٦٢، وعنه في البحار ج ٨٤ ص ٦١ ح ١٣.

(١) البقرة ٢: ١٤٢.

(٢) البقرة ٢: ١٤٤.

(٣) في المصدر: لأنه.

١٧٠

في جوف الليل ينظر في آفاق السماء، وينتظر امر الله تبارك وتعالى في ذلك، فلما اصبح وحضرت صلاة الظهر، وكان في مسجد بني سالم، قد صلى بهم الظهر ركعتين، فنزل عليه جبرئيل فأخذ بعضديه، فحوله إلى الكعبة، فأنزل الله عليه: ( قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) فصلى (ركعتين إلى بيت المقدس) (٤)، وركعتين إلى الكعبة، فقالت اليهود والسفهاء: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. وتحولت القبلة إلى الكعبة، بعد ما صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌، بمكة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس، وبعد مهاجرته إلى المدينة، صلى إلى بيت المقدس سبعة اشهر، ثم حول الله عزّوجلّ القبلة إلى البيت الحرام، هكذا فيما عندنا من نسخ التفسير.

قال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان (٥): عن البراء بن عازب قال: صليت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌، نحو البيت المقدس ستة عشر، شهرا أو سبعة عشر شهرا، ثم صرفنا نحو الكعبة.

اورده مسلم في الصحيح (٦).

وعن انس بن مالك: انما كان تسعة اشهر، أو عشرة اشهر.

وعن معاذ بن جبل: ثلاثة عشر شهرا.

ورواه علي بن ابراهيم (٧): بإسناده عن الصادق عليه‌السلام، قال: « تحولت القبلة إلى الكعبة، بعد ما صلى النبي

____________________________

(٤) مابين القوسين ليس في المصدر.

(٥) مجمع البيان ج ١ ص ٢٢٣.

(٦) صحيح مسلم ج ١ ص ٣٧٤ ح ١٢.

(٧) تفسير علي بن ابراهيم ج ١ ص ٦٣.

١٧١

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌بمكة ثلاثة عشر سنة، إلى بيت المقدس، وبعد مهاجرته إلى المدينة، صلى إلى بيت المقدس سبعة أشهر.

قال: ثم وجهه الله إلى الكعبة، وذلك ان اليهود - وساق كما نقلناه إلى قوله - كانوا عليها » والظاهر انه اخرجه من غير تفسيره، أو من النسخة الاخرى منه، فان لتفسيره نسختان كبيرة وصغيرة، والله العالم.

٣٢٩٣ / ٥ - محمّد بن مسعود العياشي: عن أبي عمرو الزبيري، عن ابي عبدالله عليه‌السلام، قال: « لما صرف الله نبيّه إلى الكعبة عن بيت المقدس، قال المسلمون للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌: أرأيت صلاتنا التي كنّا نصلّي إلى بيت المقدس [ ما حالنا فيها، وما حال من مضى من أمواتنا وهم يصلّون إلى بيت المقدس ] (١)؟ فأنزل الله ( وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٢) فسمّى الصلاة إيماناً » (٣).

٣٢٩٤ / ٦ - محمّد بن ابراهيم النعماني في تفسيره: عن احمد بن محمّد بن عقدة، عن جعفر بن احمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن اسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن ابي حمزة، عن أبيه عن اسماعيل بن جابر، عن ابي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق، عن

____________________________

٥ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٦٣ ح ١١٥.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) البقره ٢: ١٤٣.

(٣) يأتي في الباب ١٤ ح ١ عن البحار عن تفسير سعد بن عبدالله مثله.

٦ - تفسير النعماني ص ١٢، وعنه في البحار ج ٨٤ ص ٦٦ ح ٢١.

١٧٢

أميرالمؤمنين عليهما‌السلام، قال: « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌، لما بعث كانت الصلاة إلى (١) بيت المقدس، فكان في اول مبعثه يصلي إلى بيت المقدس، جميع ايام مقامه بمكة، وبعد هجرته إلى المدينة بأشهر، فعيّرته اليهود وقالوا: انت تابع لقبلتنا، فأنف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ذلك منهم، فأنزل الله تعالى عليه، وهو يقلب وجهه في السماء، وينتظر الأمر: ( قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ - إلى قوله - لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) (٢) يعني اليهود في هذا الموضع، ثم اخبرنا الله عزّوجلّ العلة التي من اجلها لم يحول قبلته من اول مبعثه، فقال تبارك وتعالى: ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا - إلى قوله - لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٣) فسمى سبحانه الصلاة هاهنا ايمانا ».

٣٢٩٥ / ٧ - البحار عن تفسير سعد بن عبدالله القمي، برواية ابن قولويه عنه، باسناده إلى الصادق عليه‌السلام، قال: « قال اميرالمؤمنين عليه‌السلام: ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌، لما بعث كانت القبلة إلى بيت المقدس، على سنة بني اسرائيل، وذلك ان الله تبارك وتعالى، اخبرنا في القرآن، انه امر موسى بن عمران ان يجعل بيته قبلة، في قوله: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ) (١).

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ على هذا يصلي إلى بيت

____________________________

(١) في المصدر زيادة: قبلة.

(٢) البقرة ٢: ١٤٤ - ١٥٠.

(٣) البقرة ٢: ١٤٣.

٧ - البحار ج ٨٤ ص ٧١ ح ٣١.

(١) يونس ١٠: ٨٧.

١٧٣

المقدس، مدة مقامه بمكة وبعد الهجرة اشهرا، حتى عيرته اليهود، وقالوا: انت تابع لنا، تصلي إلى قبلتنا، وبيوت نبينا، فاغتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ لذلك، واحب ان يحول الله قبلته إلى الكعبة، وكان ينظر في آفاق السماء، ينتظر امر الله، فأنزل الله عليه ( قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ - إلى قوله - لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) (٢) يعني اليهود.

٣٢٩٦ / ٨ - الطبرسي في الاحتجاج: بالاسناد إلى الإمام ابي محمّد العسكري عليه‌السلام، قال: « لما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ بمكة، امره الله تعالى ان يتوجه نحو البيت المقدس في صلاته، ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا امكن، وإذا لم يتمكن استقبل البيت المقدس كيف كان، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ يفعل ذلك طول مقامه بها، ثلاث عشرة سنة، فلما كان بالمدينة، وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس، استقبله وانحرف عن الكعبة، سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا (١)، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون: والله ما درى محمّد كيف صلى، حتى صار يتوجه إلى قبلتنا، ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا، فاشتد ذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌، لما اتصل به عنهم، وكره قبلتهم، واحب الكعبة، فجاءه جبرئيل، فقال له رسول الله

____________________________

(٢) البقرة: ١٤٤ - ١٥٠.

٨ - الإحتجاج ص ٤٠، باختلاف بسيط في الالفاظ، وعنه في البحار ج ٨٤ ص ٥٩ ح ١٢.

(١) في هامش المخطوط: « ليس هذا الترديد في بعض النسخ، وعلى تقديره فهو إمّا من الراوي أو منه عليه‌السلام مشيراً إلى اختلاف العامّة فيه » (منه قدّس سرّه).

١٧٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌: يا جبرئيل، لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة، فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم، فقال جبرئيل: فسل ربك ان يحولك إليها، فانه لا يردك عن طلبتك، ولا يخيبك من بغيتك، فلما استتم دعاؤه، صعد جبرئيل ثم عاد من ساعته، فقال: اقرأ يا محمّد ( قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٢)... الآيات، فقالت اليهود عند ذلك: ( مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ) (٣) فأجابهم الله بأحسن جواب فقال: ( قُل لِّلَّـهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) (٤) وهو يملكهما، وتكليفه التحول إلى جانب، كتحويله لكم إلى جانب آخر ( يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٥) هو مصلحهم، وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم ».

٣٢٩٧ / ٩ - قال أبومحمّد عليه‌السلام: « وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌، فقالوا: يا محمّد هذه القبلة بيت المقدس، قد صليت إليها اربع عشرة سنة، ثم تركتها الآن، افحقا كان ما كنت عليه؟ فقد تركته إلى باطل، فانما يخالف الحق الباطل، أو باطلا كان ذلك؟ فقد كنت عليه طول هذه المدة، فما يؤمننا ان تكون الآن على باطل؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌: بل ذلك كان حقا وهذا حقّ، يقول الله: ( قُل لِّلَّـهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (١) إذا عرف صلاحكم يا ايها العباد في استقبال (٢)

____________________________

(٢) البقرة ٢: ١٤٤.

(٣، ٤، ٥) البقرة ٢: ١٤٢

٩ - الاحتجاج ص ٤١.

(١) البقرة ٢: ١٤٢.

(٢) في المصدر: استقبالكم

١٧٥

المشرق امركم به، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب امركم به، وان عرف صلاحكم في غيرهما امركم به، فلا تنكروا تدبير الله في عباده، وقصده إلى مصالحكم، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌: قد تركتم العمل يوم السبت، ثم عملتم بعده سائر الأيام، ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده، افتركتم الحق إلى الباطل والباطل إلى حق؟ أو الباطل إلى باطل؟ أو الحق إلى حق؟ قولوا كيف شئتم، فهو قول محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ وجوابه لكم، قالوا: بل ترك العمل في السبت حق، والعمل بعده حق، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌: فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق، ثم قبلة الكعبة في وقته حق، فقالوا: يا محمّد، أفبدا لربك فيما كان امرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس، حين (٣) نقلك إلى الكعبة؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌: ما بدا له عن ذلك، فانه العالم بالعواقب، والقادر على المصالح، لا يستدرك على نفسه غلطا، ولا يستحدث رأيا يخالف (٤) المتقدم، جل عن ذلك، ولا يقع أيضا عليه مانع يمنعه عن مراده، وليس يبدو الا لمن كان هذا وصفه، وهو عزّوجلّ متعال عن هذه الصفات علوا كبيرا.

ثم قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌: ايها اليهود، اخبروني عن الله، أليس يُمرض ثم يُصح؟ ويصح ثم يمرض؟ أبدا له في ذلك؟ اليس يحيي ويميت؟ (أليس يأتي بالليل في أثر النهار ثم بالنهار في أثر الليل) (٥)؟ أبدا له في كلّ واحد من ذلك؟ قالوا: لا، قال: فكذلك الله تَعبَّد نبيّه محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌، بالصلاة إلى

____________________________

(٣) في المصدر: حتى.

(٤) وفيه: بخلاف.

(٥) مابين القوسين ليس في المصدر.

١٧٦

الكعبة، بعد أن (٦) تَعبَّده بالصلاة إلى بيت المقدس، وما بدا له في الأول ثم قال: - أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف؟ والصيف في اثر الشتاء؟ ابدا له في كلّ واحد من ذلك؟ قالوا: لا، قال: فكذلك لم يبد له في القبلة.

قال، ثم قال: اليس قد الزمكم في الشتاء ان تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة؟ والزمكم في الصيف ان تحترزوا من الحر؟ فبدا له في الصيف حتى امركم بخلاف ما كان امركم به في الشتاء؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌: فكذلك تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئ، ثم بعده (٧) في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشئ آخر، فإذا اطعتم الله في الحالين استحققتم ثوابه، وانزل الله ( وَلِلَّـهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ ) (٨) اي إذا توجهتم بأمره، فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌: يا عباد الله، انتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب، فصلاح المرضى فيما يعلمه (٩) الطبيب [ و ] (١٠) يدبره به، لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه، الا فسلموا لله امره تكونوا من الفائزين.

فقيل له: يابن رسول الله، فلم امر بالقبلة الاولى؟ فقال: لما قال الله عزّوجلّ: ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ) وهي بيت

____________________________

(٦) وفيه زيادة: كان.

(٧) في المصدر: تعبدكم

(٨) البقره ٢: ١١٥.

(٩) في المصدر: يعمله.

(١٠) أثبتناه من المصدر.

١٧٧

المقدس ( إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ) (١١) الا لنعلم ذلك منه موجودا، بعد ان علمناه سيوجد ذلك، ان هوى اهل مكة كان في الكعبة، فأراد الله ان يبين متبع (١٢) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ من مخالفه (١٣)، باتباع القبلة التي كرهها، ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ يأمر بها، ولما كان هوى اهل المدينة في بيت المقدس، امرهم مخالفتها والتوجه إلى الكعبة، ليتبين (١٤) من يوافق محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه.

ثم قال: ( وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ ) (١٥) انما كان التوجه إلى بيت المقدس، في ذلك الوقت كبيرة، الا على من يهدي الله، فعرف ان الله يُتعبّد بخلاف ما يريده المرء، ليبتلي طاعته في مخالفته هواه ».

٣٢٩٨ / ١٠ - السيد الرضي (رحمه الله) في تفسيره الكبير المسمى بحقائق التأويل في قول تعالى: ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا ) (١) ان فيه اقوالا منها: ان يكون المراد بذلك، ان اول بيت وضع لعبادة المكلفين، قبلة لصلاتهم، وغاية لحجّهم، ومؤدّى لمناسكهم، هذا البيت الذي ببكة، وان كان من قبلة بيوت ليست هذه صفتها، وهذا القول مروي عن اميرالمؤمنين عليه‌السلام.

____________________________

(١١) البقره ٢: ١٤٣.

(١٢) في المصدر: متبعي.

(١٣) وفيه: ممّن خالفه.

(١٤) وفيه: ليُبيّن،

(١٥) البقره ٢: ١٤٣.

١٠ - حقائق التأويل ص ١٧٤.

(١) آل عمران ٣: ٩٦.

١٧٨

٣٢٩٩ / ١١ - جعفر بن احمد القمي في كتاب الغايات: عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال: « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌: لم يعمل ابن آدم عملا، اعظم عند الله تعالى، من رجل قتل نبيا أو اماما، أو هدم الكعبة التي جعلها الله قبلة لعباده »... الخبر.

٣٣٠٠ / ١٢ - عوالي اللآلي: عن اسامة بن زيد، ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ قبّل الكعبة وقال: « هذه هي القبلة ».

قلت: الحق ان الكعبة هي القبلة للقريب والبعيد، وفاقا للفقيه النبيه الشيخ موسى النجفي، قال في شرح الرساله: والذي يظهر من الكتاب والسنة، انها شرفها الله، كبيت المقدس من قبل نسخه، قبلة لجميع العالم، يستوي فيها الداني والقاصي، المشاهد وغيره، المتمكن وغيره، لا يشترك معها غيرها من مسجد حرام أو حرم، الا ان الشئ كلما بعد اتسعت دائرة استقباله عرفا، وصدق عليه الاستقبال حقيقة، كاشتراك الناس في رؤية الشمس والقمر والكواكب على حد سواء، ولا عبرة بالمداقة الحكمية، وفرض الخطوط المتوازية في الصدق العرفي وكلما عسر تحريه للبعد عنه يتسامح في استقباله، ويكون صدق الاستقبال له عادة وعرفا، انما هو على حسب ما يتحراه المستقبل، من مرتبة العلم إلى الظن، إلى الشك، إلى الوهم، كما هو غير خفي، فالاتساع في القبلة في البعد من حيثية الاستقبال، لا من حيثية الاتساع بالقبلة، والا فالقبلة عين واحدة، لا زيادة فيها ولا نقص إلى آخر ما ذكره. وتبعه عليه المحقق صاحب المستند (١)، وهذا

____________________________

١١ - الغايات ص ٨٦.

١٢ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ٢٧ ح ٦٤.

(١) المستند ج ١ ص ٢٥٥.

١٧٩

هو الظاهر من صاحب الجواهر في نجاة العباد (٢)، وان ذكر الشيخ الاعظم في الحاشية (٣) في هذا المقام، ما يحتاج إلى التأمل وتمام الكلام في الفقه.

٣٣٠١ / ١٣ - ابن ابي جمهور في درر اللآلي: عن اسامة بن زيد قال: دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ البيت، وخرج فوقف على باب البيت وصلى ركعتين، وقال: « هذه القبلة » واشار إليها.

٣ - ( باب استحباب التياسر لأهل العراق ومن والاهم قليلاً )

٣٣٠٢ / ١ - فقه الرضا عليه‌السلام: « إذا اردت توجه القبلة فتياسر مثلَيْ ما تيامن، فان الحرم عن يمين الكعبة اربعة اميال، وعن يساره ثمانية (١) اميال ».

قلت: مما يجب التنبيه عليه، ان الشيخ ذكر في الأصل (٢) خبراً عن التهذيب (٣)، بهذا المضمون - إلى أن قال - ورواه الفضل بن شادان (٤) في رسالة القبلة (٥) مرسلا، عن الصادق عليه‌السلام، نحوه.

____________________________

(٢) جواهر الكلام ج ٧ ص ٣٢٢.

(٣) كتاب الصلاة للشيخ الانصاري ص ٣٢.

١٣ - درر اللآلي ج ١ ص ١٣٦.

الباب - ٣

١ - فقه الرضا عليه‌السلام ص ٦، وعنه في البحار ج ٨٤ ص ٥٠ ح ٥.

(١) في المصدر: ثلاث.

(٢) الوسائل ج ٣ ص ٢٢٢ ذيل الحديث ٢.

(٣) التهذيب ج ٢ ص ٤٤ ح ١٤٣، الفقيه ج ١ ص ١٧٨ ح ٨٤٢، علل الشرائع ج ٢ ص ٣١٨ ح ١.

(٤) في الوسائل: أبوالفضل شاذان بن جبرئيل.

(٥) عنه في البحار ج ٨٤ ص ٧٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226