في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)

في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)0%

في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: شارع معلّم
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 390

في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبد الرضا الزبيدي
الناشر: شارع معلّم
تصنيف: الصفحات: 390
المشاهدات: 53293
تحميل: 7433

توضيحات:

في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 390 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53293 / تحميل: 7433
الحجم الحجم الحجم
في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)

في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: شارع معلّم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

في الفكر الاجتماعي

عند الإمام علي (عليه السلام)

١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٢

في الفكر الاجتماعي

عند الإمام علي (عليه السلام)

دراسة في ضوء

نهج البلاغة

تأليف

عبد الرضا الزبيدي

مكتبة فدك

٣

٤

المقدّمة

للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) صفات خاصّة تَميّز بها عمّن سواه من مُعاصريه وسابقيه والمتأخّرين عنه، ولا غلو في ذلك، فمنها - على سبيل المثال لا الحصر - سابقته في الإسلام، وجهاده المستميت في سبيله حتى ثبتت أركان الدين، علاوة على أخلاقه التي ليس لها مثيل، إلاّ تلك التي حملها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إضافة إلى الكثير من الصفات الحميدة ممّا أحصاه الكُتّاب والمؤرّخون، والتي لا مجال لذكرها هُنا حصراً.

لقد كتبَ الكثير بشأن الإمام علي (عليه السلام)، إلاّ أنّنا نجد في كلّ مرّة حَدثاً جديداً، أو مادّة غير مطروحة، أو بحثاً نافعاً وذا علاقة بحياتنا وتاريخنا بكلّ صوره، وما إلى ذلك. وفي هذا البحث المتواضع الذي يتعلّق بالفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام) لا أدّعي أو أفاخر قائلاً بأنّني أحطّت بكلّ ما يتعلّق بالموضوع، إلاّ أنّي أشكر الله سبحانه وتعالى الذي وفّقني إلى هذا الحدّ من المعرفة، والبحث في فكر هذا الرجل الإلهي الذي أفصح عن شيء من مكنونات حقيقته ولده الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) في كلام له بعد استشهاده حين قال (عليه السلام): (والله، لقد قُبض فيكم الليلة رجلٌ ما سبقه الأوّلون إلاّ بفضل النبوة، ولا يُدركه الآخرون، وإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يبعثه المبعث فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره

٥

فلا يرجع حتى يفتح الله عليه) (1) .

(وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليُسأل له علي بن أبي طالب عن ذلك، فلمّا بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب، فقال له عتبة أخوه: لا يَسمع هذا منك أهل الشام، قال: دعني عنك) (2) .

فقد برع في كلّ جوانب الحياة، وأطبق على المعارف كلّها، وعَلم من الأسرار الإلهيّة في هذا الكون مالا يعلمه أحد بعد النبي، وما زالت كلمته المُدوّية على مرّ التاريخ (سلوني قبل أن تفقدوني) ترنّ في أسماع العُلماء والمفكّرين في العالم أجمع.

فهو العالم بالفضاء وأسراره، والواصف الأرض بما حملت، والمُخبر عمّا جرى ويجري من الحوادث، اعتماداً على ما أخذه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عن الله تبارك وتعالى، والعالم الإلهي في علوم الأديان، والواعظ الصادق بخطبه ورسائله ومواعظه، والمُفسّر العظيم للقرآن الكريم (كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به)، ومُعلّم الأخلاق الذي أصبحت سيرته وحكمه مناراً يُهتدى بها، ونوراً يكشف اغطاش الظلام عن الأبصار، فإليه انتهى كلّ شيء.

لقد امتلك قلباً اتّسع العالم كلّه رغم ما تعرّض له من مآسٍ، فهو بين نكبات تعرّض لها من رفاق عرفوا وفهموا كلّ ما أوصى به الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثُمّ نكثوا بيعته، وآخرين مَرقوا عليه، وبين آخر اعتكف في داره مُبتعداً عنه، فهو في مجتمع هدم صرح العهود الرساليّة، وباع بقاء الآخرة وعهودها بفناء الدنيا وانقضاء مدّتها وزوالها، فما أعظمه من مغبون، والأنكى تجاهل الكثير منهم؛ لعدم معرفتهم بعظمته وسعة إدراكه، وقوّة حجّته، إنّه عاش في غير عصره. ولم يُدرك كنهه ومداليل علمه أحدٌ من أولئك الذين ضيّعوه، بل تركوه في أحيان كثيرة يعيش

____________________

(1) المسعودي - مُروج الذهب - م 2 ص414 - دار الهجرة - 1404هـ، 1984م.

(2) البرّي التلمساني - محمد بن بكر الأنصاري - القرن السابع الهجري - تحقيق الدكتور محمد التنوخي - ص 74.

٦

غصّته وحسراته وحيداً على أيام صدر الإسلام وعهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حتى تعاقبت الأزمان والدهور، وتحرّرت العقول رويداً رويداً، وبدأت البحوث العلميّة تسبر غور هذا الرجل العظيم لتستجلب العلوم والمعارف من فكره، حتى قال البعض: تعساً لذلك الزمان الذي عاش فيه ولم يُقدّروا حقه! فكلماته ليست خُطباً ومواعظ، إنّما هي دروس علميّة أخلاقية تاريخيّة اجتماعيّة سياسيّة نفسيّة واقتصاديّة، وقد طُرحت أنواع من البحوث بمُختلف العلوم التي حملها هذا العملاق، ونحن الآن على أعتاب كلّ ذلك ندخل بوابة فكره لنطرح ما استطعنا إدراكه وفهمه من تلك المعارف والمفاهيم.

وقد خصّصنا هذا البحث للجانب الاجتماعي من فكره الجبّار؛ لما فيه من الفائدة العمليّة والعلميّة للمجتمعات البشريّة، ولِما تُعاني منه الإنسانيّة في هذه الأزمنة، من تعقيدات الحياة على هذا الكوكب السيّار، الذي يعاني سكّانه من الضغوطات النفسيّة والاختلافات السياسيّة والاجتماعيّة والتفاوت الاقتصادي، بحيث انقسم العالم الأرضي إلى مجموعتين متناقضتين: الأولى غنيّة، والأخرى فقيرة، وازدادت الهوّة بينهما يوما بعد يوم، واستغلّ الأغنياء الفقراء ماديّاً ومعنويّاً، والأخطر من ذلك كلّه تلك الحرب الثقافيّة التي حطمت - بأفكارها الضالّة - كلّ النُظم الاجتماعيّة.

فماجت الأرض بذلك الضياع الفكري، وحالة الفراغ الروحي، الذي يعيشه الكثير من الشباب في هذا الوقت، كلّ هذه الأمور وغيرها دعت إلى طرح الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)، والدعوة لاستمرار أغناء العالم بهذه المباحث الاجتماعية نظراً للحاجة المُلحّة إليها، فمع هذا الفكر العظيم تتحرر العقول والأفكار التي اختلطت أوراق معرفتها وتشابكت خطوطها.

والذي أودّ قوله هو: إنّني بصدد وضع قراءة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

٧

الاجتماعي، ودراسته من خلال خُطبِه ورسائله وسيرته في الحكم؛ لأنّنا بأمسّ الحاجة للأخذ بالنظريّة الاجتماعيّة الإسلامية.

ووجدت أنّ الفكر الاجتماعي للإمام (عليه السلام) هو مليءٌ بأُسس ومعالم (عِلم الاجتماع) بكلّ فُروعه المطروحة على أنها مُستحدثة وجديدة، وهي في حقيقتها ومعالجاتها موجودة بكل أبعادها في فكر سيّد الموحدين (عليه السلام)، بل تجده كأنه واضع مبادئ هذا العلم بكلّ مضامينه، ولا أريد أن أجزم وأقول: إنّه (عليه السلام) مؤسّس عِلم الاجتماع قبل طرح أفكاره في هذا المجال، ومُناقشتها وتحليلها في الفصول القادمة إن شاء الله، وهي ممّا اقتبس نورها من كتاب الله تبارك وتعالى وسنّة نبيّه محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، علاوة على ما أفاض به فكره الخلاّق وما حواه من سياسة وتنظيم وقضاء واقتصاد وتربية وفلسفة وعلوم نفسيّة واجتماعيّة، بالإضافة إلى كلّ القيم الأخلاقيّة الإسلاميّة.

ولستُ مبالغاً في مثلِ هذا الطرح، إذ أنّ (نهج البلاغة) أمامنا وبين أيدينا، نتمعّن به ونستنتج منه ما نبغي ونريد، ولم يأتِ طرحنا من وراء تصورات غير واقعية أو أطروحات وهميّة، إنّما من أصل متين ثابت وقعه، قوي تأثيره، واسع مضمونه، وهو نهج بلاغي الفصاحة والعلوم بما اتّسعت، والفلسفة بما حوت.

فلو أنصفنا العلم والتاريخ والحقيقة، وتمعّنا في ما كَتبه المؤرّخ ابن خلدون في المقدّمة، وعشرات الكُتب والدراسات التي تناولته سلباً وإيجاباً، تمعّن الفاحص الدقيق؛ لعرفنا مصادر وأصول الكثير من فُصول مقدّمته وهو المسمّى بمؤسّس علم الاجتماع وواضع أُسسه، فنحن لا نُنكر شخصيّته، ولكن تسميته بمؤسّس علم الاجتماع لا تعني أنّه أبدع في هذا العلم من دون مثال سابق؛ لأنّ القرآن الكريم ونهج البلاغة زاخر بعدد وفير من السُنن والقوانين الاجتماعية.

نرجو من الباري عزّ وجلّ أن يوفّقنا لمراضيه، ويجنّبنا معاصيه، ويهدينا

٨

سبيل الرشاد، ويُسدّدنا في طرح هذا المنهج بالصورة التي تُرضيه ورسوله الكريم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإمام الهدى علي (عليه السلام)، ويشرح صُدورنا لذلك، إنّه وليّ نعمتنا وإنّه نِعمَ المُعين.

عبد الرضا الزبيدي

1 ربيع الأوّل 1418 هـ

7 / 7 / 1997 م.

٩

١٠

الباب الأوّل

مَدخل عام

١١

١٢

الفصلُ الأوّل

عِلم الاجتماع

١٣

١٤

تعاريف عِلم الاجتماع وماهيّته

وضعتْ دراسات عديدة خاصّة في القرنين الأخيرين حول المجتمعات البشريّة ومسارات حركتها نظراً للظروف القاسية التي مرّت بها الإنسانية، والتخبّطات الفكريّة، والانحرافات السلوكية، ففي الجانب المسيحي كان هناك ابتعاد كلّي عن أصل العقيدة المسيحيّة التي هي عقيدة سماوية إلهية تامّة غير ناقصة في زمان عيسى (عليه السلام) وصاحبها نبي مرسل من أولي العزم، إلاّ أنّ التحريف الذي شوّه حقيقة هذا الدين وكتابه المقدّس جعل الزمان يتدخّل في الفكر العقائدي للمسيحية، ويشتت وحدته إلى اعتقادات متشعبة متباينة في أُصولها لمصالحها الخاصة بالتعاون مع طبقة الملوك والأمراء والنبلاء والإقطاعيين؛ لاعتبارات التوافق المصلحي لأولئك في تلك العصور، فضاع الحق بين ثنايا الباطل، وأصبحت الأُمم تسير في طُرق ومتاهات ومسالك خطرة، لا نفع فيها لمستضعف أو مسكين، ولا محافظة فيها على حريّة أو كرامة لإنسان، بل العكس، فقد حطّمت كلّ تلك الصور الروحيّة المُشرقة التي اعتبرتها خياليّة في عالم الدنيا، وأصبحت النزعة الموجودة الرضا بهذه الأوضاع السيئة؛ لأنّ الله فرضها عليهم - حسب ما اشبعوا الناس بهذه الفكرة المُميتة - فالتسلط للملوك والأمراء وغيرهم، وللمجتمع العبوديّة، والظلم الذي سلطه أولئك على الرعيّة

١٥

هو من الله تعالى، وعلى العبد أن يتكيّف ويرضخ لِما وقع عليه من ظلم؛ لأنّ الله هو الذي افترض هذا الأمر عليهم (وحاشا لله أن يفعل ذلك)، وصوّروا أنّ الملوك هم ظلّ الله في أرضه، وعلى الرعية الطاعة فقط، وتحمل المشتاق؛ لأنّ الدين لا يقبل التحدي والعصيان لكل من (جعلهم الله) ملوكاً على الخلق، وسيجد المرء ثواب ذلك السكوت والتحمّل في الآخرة كاملاً غير منقوص عند الله، بل بيعت قطع سكنيّة، وأراض زراعية، وقصور فارهة في الجنة، عن طريق القساوسة، بالإضافة إلى صكوك الغفران للعاصين من خلق الله والظالمين منهم. بهذا الفكر الجامد وعظوا الناس، وساروا بهم سنين طويلة، فتلك الطبقة المتسلّطة ترفل برفاهية العيش ونعيمه، وكأنّهم تركوا الجنّة للفقراء من الناس هديّة منهم، ورضوا هُم بالعيش المؤقّت في هذه الدنيا. فأيّة مهزلة هذه؟! وأيّة سخرية بخلق الله تعالى؟! وأيّ ظلم كبير؟!

أمّا في بلادنا الإسلامية، فالحكّام ابتعدوا عن السير على ما رسمه القرآن والسنّة النبويّة الطاهرة، حيث هجروا كتاب الله وعطلّوا سنّة نبيّه، واتخذوا هواهم منهجا، واتكئوا على طبقة من الوعّاظ الضالّين المُضلّين في تأويل الآيات وتحريف الأحاديث النبوية الشريفة؛ حتّى يسهل أمر السيطرة على الأُمة، وهو موضوع يشتمل على مباحث كثيرة لا أريد الخوض فيها والخروج عن صلب الموضوع المتعلّق ببحثنا وهو (الاجتماع).

فالخلل إذن ليس في العقيدة وأصولها وفروعها أنّما في المسلك الخاطئ للحكّام الذين لا يهمّهم إلاّ منافعهم الخاصة، والسيطرة على البلاد العباد. أمّا عند المسيحيّة، فالخلل هو في العقيدة المُحرّفة، والكتاب المختلف على نصوصه، وكذلك في القيّمين على أُمور الدين، والحكّام، وعلى عكس ما هو موجود عند المسلمين الذين حافظوا على كتابهم وعقيدتهم من التحريف، وبقوا على تمسكهم

١٦

بديانتهم رغم الظُروف القاسية التي مرّوا بها؛ وذلك لوجود أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين صانوا العقيدة والسُنّة النبويّة الطاهرة من التحريف والابتعاد عن أصلها، بل كانوا يتّخذون موقع الهادي والمحافظ وتثبيت الحقائق وتوضيحها للناس، فأصبحوا بذلك المرجعيّة الوحيدة والواقعيّة للمسلمين في ذلك الوسط المُرّ مع تلك المعاناة والصعوبات الشديدة التي رافقت مهمّتهم الرساليّة الكبرى.

ولا يذهبّن بالقارئ إلى تصورات غير صحيحة، من أنّ العالم الإسلامي كان يعيش أيضاً في ظلام الجهل في تلك الفترات، فهذا صحيح في الجانب السياسي، أمّا الجانب الفكري والعقائدي والاجتماعي، فهو غير ذلك وعكس ما يتصوره البعض؛ لأنّ الدين الإسلامي عالم كامل في كافّة مجالاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فهو لا يحتاج إلاّ للتطبيق العملي، وقد أشبعه وأغناه الفقهاء بالتفاصيل والمباحث، حيث لا تجد نقصا في أمر ما.

إذن؛ الحالة المسيحية في أوربّا انتخبت تلك النظريّات الفكرية والانحرافات عن العقائد السماويّة بفعل تلك العوامل التي كانت موجودة في ذلك العصر، وما يهمّنا هنا من النظريات الاجتماعية التي سنتطرق إلى بعضها سريعاً هو التعرّف على مضامينها وأهدافها ونقاط القوّة والضعف فيها، ثُمّ نوضّح حجم الاستقاء الكبير من المفاهيم الإنسانيّة الموجودة في الفكر الإسلامي، ومطابقة ذلك مع أصل موضوعنا وهو الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)، فنبدأ أولاً بذكر بعض التعاريف لعلم الاجتماع وماهيته، ثُمّ نظريات بعض العُلماء البارزين في هذا الحقل.

لقد وُضعت تعاريف متعدّدة لعلم الاجتماع، ولا نستطيع القول أنّه لم يتفق للآن على تعريف واحد لهذا العلم عند الجميع، فكلّ تلك التعاريف لا تخلو من التقارب في المعاني والأهداف، وعليه فإنّه (يمكن القول أنّ علم الاجتماع: هو ذلك

١٧

العلم الذي يدرس طبيعة العلاقات الاجتماعية وأسباب هذه العلاقات ونتائجها، والعلاقة الاجتماعية حسب قول البروفسور مورس كنز برك: هي أيُّ اتصال أو تفاعل أو تجارب بين شخصين أو أكثر بغية سدّ إشباع حاجيات الأفراد الذين يُكوّنون هذه أو تلك العلاقة الاجتماعية). (1)

أمّا دوركايم، فيقول: (... علم الاجتماع هو الموضوع الذي يَدرس المجتمعات الإنسانيّة من ناحية نظمها ووظائفها ومستقبلها، أو هو العلم الذي يدرس أصل وتطور المؤسسات الاجتماعية التي يُبنى منها التركيب الاجتماعي). (2)

ويقول البروفسور هوب هوس الذي يتّفق مع دوركايم في دراسة مروفولوجية وفسيولوجية المجتمعات: (هي دراسة المجتمعات البشريّة من ناحية نموّها وتركيبها واضمحلالها وضعفها، مع التطرّق إلى دراسة تأريخها وعلاقاتها المشتركة). (3)

أمّا ادووستر مارك، فيُعرّف علم الاجتماع (بأنّه: الموضوع الذي يدرس المؤسسات الاجتماعيّة دراسة مُقارنة)، إلاّ أنّه يختلف عن زميله هوب هوس في عدم اهتمامه بمشاكل موضوع التقدّم الاجتماعي. (4)

إلاّ (أنّ اصطلاح (علم الاجتماع) قد ابتكره الفيلسوف (أوجيست كُنت 1798 - 1857 م) ( August Conte )، وهو يستعمل في معانٍ مُختلفة جداً، بحيث يتعسّر معه تقديم تعريف له، وكما يقول عالم الاجتماع الفرنسي المعاصر

____________________

(1) الحسن - إحسان محمّد - بعض نظريات عِلم الاجتماع في القرن العشرين، مجلّة كليّة الآداب العدد 17 ص 23، 1974م - بغداد.

(2) المصدر نفسه ص31.

(3) المصدر نفسه ص 31.

(4) المصدر نفسه ص 32

١٨

(ريمون بودن Ragmons Boudon ): (عندما نُحاول تعريف عِلم الاجتماع، فإنّنا نتذكّر فوراً حديث ريمون آرون الطريف، حيث يقول: إنّ علماء الاجتماع لا يختلفون إلاّ على نقطة واحدة، وهي صعوبة تعريف علم الاجتماع)، وأحياناً يُطلق (علم الاجتماع) على (جميع العلوم الاجتماعية التوصيفيّة المهتمّة بالشؤون الاجتماعيّة للإنسان)، ومن هُنا فهو يصبح مُرادفاً (للعلوم الاجتماعيّة)، ويكون (علم الاجتماع) بهذا المعنى شاملاً لكثير من العلوم، ومن جُملتها: الجغرافية الإنسانيّة، والجغرافية البشريّة، وعلم الإحصاء، وعلم الاقتصاد، والسياسة، ومعرفة الإنسان، والتاريخ، وعلم اللغة. فعندما يقول جورج گورفيج، الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي (1894 - 1965): على أيّ حال، فنحن نعد الاثنولوجيا جزءاً من علم الاجتماع؛ لأنّ متعلّق البحث فيها هو معرفة الصور النوعيّة للمُجتمعات التي تُسمّى بالقديمة، وحينما يقول عالم الاجتماع الفرنسي الأستاذ هنري مندراس:

إنّ علم الاجتماع في رأينا يشمل على الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي ودراسة الشعوب معاً، فإنهما يقصدان هذا المعنى العام (علم الاجتماع). (1)

وهناك مَن اعتبر أنّ (المهمّة التاريخية للعلوم الاجتماعية هي مساعدة الإنسان في السيطرة على المجتمع).

ويمكن أن نقول: إنّ علم الاجتماع بصورة إجمالية يبحث في السبل الصحيحة لبناء المجتمعات باتّباع المناهج العلميّة والدراسات التطبيقيّة بالترابط مع بقيّة العلوم الأُخرى الاجتماعية منها بالذات.

إلاّ أنّ هناك من يهتم بالعلاقات الاجتماعية ويعتبرها الحلقة المهمّة في

____________________

(1) اليزدي - محمد تقي مصباح - المجتمع والتاريخ من وجهة نظر القرآن الكريم ص19، ترجمة محمد عبد المنعم الخاقاني، دار أمير كبير للنشر 1415هـ.

١٩

مفهوم هذا العلم، فيرى (أنّ دراسة العلاقات الاجتماعية التي يهتمّ بها علم الاجتماع المعاصر: هي دراسة تتطلب فحص المجتمع برمّته بغية التطلّع إلى أنماط علاقاته الاجتماعية التي لها أسباب مختلفة كالعلاقات التي تسبّبها العوامل والظروف الاقتصادية والتصوّف والتديّن، والعلاقات المتنوعة الأهداف والمقاصد تشكّل حقل علم الاجتماع الواسع الذي يهتم بدراسة حياة الإنسان بأكملها، هذه الحياة التي تتشعّب إلى نشاطات الإنسان المبذولة في سبيل المحافظة على كيانه ووجوده من الفقدان والضياع، وحقل عِلم الاجتماع يمتد إلى القوانين والأحكام التي تُنظّم السلوك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية بين أعضاء المجتمع، ويدخل في دراسة نُظم المعرفة والمعتقدات والفنون الجميلة والأخلاق والأديان والفلسفة دراسةً وصفية تحليليّة تعتمد على ما يمكن في هذه المواضع مع التطرّق إلى القوى والعوامل التي تعمل على سكونها أو حركتها). (1)

(وترتيباً على ذلك، فإنّ موضوع علم الاجتماع هو (بنو الإنسان في وجودهم الذي يقوم على الاعتماد المُتبادل)، وليس معنى ذلك أنّ موضوعه هو جسم الإنسان وما تقوم به أعضاء هذا الجسم من وظائف، وإنّما يقوم موضوعه على الاهتمام بما يحدث عندما يقابل إنسان إنساناً آخر، أو عندما يشكّل الناس جموعاً أو جماعات، أو عندما يتعاونون ويقتتلون، أو يتحكّم بعضهم في بعض، أو يُحاكي بعضهم البعض الآخر، أو يطوّرون الثقافة أو يقوّضونها، إنّ وحدة موضوع علم الاجتماع ليست على الإطلاق فرداً واحد، ولكنّها تتمثّل - على الأقل في فردين يكونان معاً - على علاقة بشكل ما). (2)

____________________

(1) بعض نظريّات علم الاجتماع في القرن العشرين ص25.

(2) عبد الباقي - الدكتور زيدان - التفكير الاجتماعي نشأته وتطوّره ص 184، الطبعة الثالثة 1401 - 1981.

٢٠