مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٣

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 307

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد جواد الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 307
المشاهدات: 114036
تحميل: 3524

توضيحات:

الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114036 / تحميل: 3524
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء 3

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

مقدمة مركز الدراسات الإسلاميّة

التابع لممثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

الحمدُ للّه الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ودليلًا على نعمه وآلائه، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد: فهذا الكتاب هو الجزء الثالث المختصّ بوقائع طريق الركب الحسينيّ من مكّة المكرّمة إلى كربلاء المقدّسة، وهو المقطع الثالث من مقاطع دراستنا التأريخية التفصيلية الموسّعة (مع الركب الحسينيّ من المدينة إلى المدينة).

ولاندّعي شططاً إذا قلنا إنّ هذا الجزء- كأخويه الأوّل والثاني- قد حوى من التحقيقات والنظرات والإشارات الجديدة ما يؤهله لسدّ ثغرات كثيرة في تأريخ النهضة الحسينية المقدّسة كانت قبل ذلك مبهمة غامضة لم تتوفر الإجابة الوافية عنها.

وهنا لابدّ من أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى مؤلّف هذا الكتاب سماحة الشيخ المحقّق محمّد جواد الطبسي لما بذله من جهد كبير في إعداد مادّة هذا المقطع وإنجاز هذا البحث القيّم.

كما نتقدّم بالشكر الجزيل إلى فضيلة الأستاذ المحقّق علي الشاوي الذي تولّى العناية بهذا البحث مراجعة ونقداً وتنظيماً وتكميلًا كعنايته من قبل بالجزء الثاني، داعين له بمزيد من الموفقيّة في ميدان التحقيق ومؤازرة المحقّقين، وفي مواصلة عنايته البالغة في خدمة الأجزاء الباقية من هذه الدراسة القيّمة.

مركز الدراسات الإسلامية          

التابع لمثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

٣

مقدّمة الكتاب

«الإشارات المهمّة على الطريق بين مكّة وكربلاء»

على طريق الركب الحسينيّ من مكّة المكرّمة إلى كربلاء المقدّسة هناك إشارات مهمة، ليست من نوع الإشارات التي توضع على جانبي الطريق ليستدلّ بها السائرون على معرفة الطريق، أو صحّة السير، أو مدى القرب أو البعد من الغاية المنشودة، بل هي إشارات من نوع آخر! ترتسم في آفاق «المعاني السامية» لتتحدّث عن «هويّة القاصد» على هذا الطريق لا عن «هويّة الطريق».

وطريق الركب الحسينيّ إلى كربلاء مليىء بهذه الإشارات ومنها على سبيل المثال:

الإشارة في خروج الركب الحسينيّ من مكّة يوم التروية (الثامن من ذي الحجة)!

والإشارة: في قول الإمامعليه‌السلام للفرزدق «لو لم أعجلْ لأُخذتُ!» وفي قولهعليه‌السلام لأبي هرّة الأزدي: «وطلبوا دمي فهربت!».

والإشارة: في تصديقهعليه‌السلام لقول الفرزدق ولقول بشر بن غالب الأسدي في أنّهما خلّفا الناس في الكوفة قلوبهم مع الإمامعليه‌السلام وسيوفهم عليه!

والإشارة: في قولهعليه‌السلام لعمرو بن لوذان: «يا عبداللّه، إنّه ليس يخفى عليَّ الرأي ما رأيتَ، ولكنّ اللّه لايُغلب على أمره!».

٤

والإشارة: في احتجاجه المتواصل برسائل أهل الكوفة إليه، حتى بعد علمه بمقتل مسلم بن عقيلعليه‌السلام ، وفي إصراره على التوجّه إلى الكوفة حتّى بعد منع الحرّ الرياحيرضي‌الله‌عنه الإمامعليه‌السلام من دخول الكوفة حُرّاً!

والإشارة: في قولهعليه‌السلام بعد إصرار آل عقيل على الطلب بثأر مسلمعليه‌السلام : «لاخير فيالعيش بعد هؤلاء!».

والإشارة: في قراءتهعليه‌السلام في منزل زبالة بيانه الذي أعلن فيه للركب عن مقتل مسلم وهاني وعبداللّه بن يقطررضي‌الله‌عنه وترخيصه من معه في الركب بالإنصراف عنه بلاذمام!

والإشارة: في قولهعليه‌السلام : «.. وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلتُ منه إليكم ..».

والإشارة: في قولهعليه‌السلام : «ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً!».

والإشارة: في قولهعليه‌السلام : «إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم اللّه فلم يغيّر عليه بفعل ولاقول كان حقّاً على اللّه أن يُدخله مدخله ..!».

فقد خطب فيهم بذي حسم قائلًا: «إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون! وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ...».

وقال في عذيب الهجانات حين أتاه خبر مقتل قيس الصيداويرضي‌الله‌عنه : «.. منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدّلوا تبديلا ..».

وقال حين سمع بإسم كربلاء: «.. هاهنا محطّ رحالنا، ومسفك دمائنا، وهنا محلّ

٥

الحربي، لأنهعليه‌السلام أراد أن يميز قوّته الحقيقية التي سيواجه بها العدوّ ويرسم خطّته القتالية على أساسها، من قوّته الظاهرية المتألّف أكثرها من «أهل الطمع والإرتياب» الذين لايصمدون ساعة الحرب والنزال! وكلّ هذه الأقوال صحيحة في نفسها ...

لكننا نرى أنّ الإمامعليه‌السلام كان قد واصل هذه الإمتحانات حتّى بعد ذلك، وعرّض صفوة الأنصار لاختبارات متوالية حتّى ليلة عاشوراء!

فقد خطب فيهم بذي حسم قائلاً: «إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون! وإن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ...». وقال في عذيب الهجانات حين أتاه خبر مقتل قيس الصيداويرضي‌الله‌عنه : «... منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدّلوا تبديلاً ...».وقال حين سمع بإسم كربلاء: «... هاهنا محطّ رحالنا، ومسفك دمائنا، وهنا محلّ قبورنا ..». ودعاهم ليلة عاشوراء إلى الانصراف عنه قائلًا: «.. فجزاكم اللّه عنّي جميعاً خيراً، ألا وإنّي قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلّ، ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل غشيكم فاتخذوه جملًا ..». هذا فضلًا عن امتحاناته لبعض الأفراد كنافع بن هلالرضي‌الله‌عنه وبشر بن عمرو الحضرميرضي‌الله‌عنه !

من هنا، نفهم أنّ هناك غاية علياً عند الإمامعليه‌السلام من وراء هذه التمحيصات- فوق الغايات الحربية- وهي الوصول بهذه الصفوة المقدّسة من الأنصار ذوي البصائر والعزائم الراسخة إلى أعلى منازل الآخرة، من خلال إرتقائهم في الدرجات بعد النجاح إثر كلّ امتحان، حتّى بلغعليه‌السلام بهم منزلة «سادة الشهداء»، ودرجة «.. فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولاخيراً من أصحابي ..»، ورتبة «.. عشّاق شهداء لايسبقهم من كان قبلهم، ولايلحقهم من بعدهم ..». ثمّ نزل عليهم الفيض ليلة عاشوراء بالإستحقاقات، فكشفعليه‌السلام عن أعينهم الغطاء، وأراهم منازلهم ودرجاتهم في الجنّة!.

وما أروع السلام الذي شرَّفتهم به زيارة الناحية المقدّسة: «السلام عليكم يا خير أنصار! السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار! بوَّأكم اللّه مُبَوَّءَ الأبرار! أشهد لقد كشف اللّه لكم الغطاء! ومهَّد لكم الوِطاء! وأجزل لكم العطاء! وكنتم عن الحقِّ غير بِطاء! وأنتم لنا فرطاء! ونحن لكم خلطاء في دار البقاء! والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.».

علي الشاوي

٦

الفصل الأول: الركب الحسينيّ في الطريق الى العراق

٧

٨

الفصل الأوّل:

الركب الحسينيّ في الطريق الى العراق

بعد انقضاء ما يزيد على أربعة أشهر،(١) أي حوالي مائة وخمسة وعشرين يوماً، أقام الإمام الحسينعليه‌السلام خلالها في مكّة المكرّمة بعد رفضه المبايعة ليزيد ابن معاوية بعد موت أبيه، بادر الامامعليه‌السلام الى الخروج عن مكّة بعد أن أحلَّ من إحرام عمرته، مخافة أن يُقبض عليه أو أن يُغتال في مكّة- في ظروف وملابسات غامضة أثناء مراسم الحجّ- فتُنتهك بذلك حرمة البيت الحرام، وكان الركب الحسينيّ قد تحرّك قاصداً نحو العراق سحراً أو أوائل الصبح من اليوم الثامن من ذي الحجّة الحرام سنة ستّين للهجرة.

سبعُ فوائد تحقيقية

١)- اختلف المؤرّخون في يوم خروج الإمامعليه‌السلام من مكّة المكرّمة، فذكر بعضهم أنّ خروجهعليه‌السلام كان في اليوم الثالث من ذي الحجة،(٢) وذكر آخر أنه كان في اليوم السابع منه،(٣) وقال آخر إنّ ذلك كان في اليوم العاشر منه،(٤) والصحيح هو أنّ خروجهعليه‌السلام من مكّة كان في اليوم الثامن من ذي الحجّة، بدليل قول الإمام الحسينعليه‌السلام نفسه في رسالته الثانيّة إلى أهل الكوفة، إذ ورد فيها: «... وقد

____________________

(١) لانّ الإمامعليه‌السلام دخل مكّة في الثالث من شعبان وخرج منها في الثامن من ذي الحجّة .

(٢) راجع: اللهوف:٢٦، منشورات الداوري .

(٣) راجع: كامل الزيارات: ٧٣؛ وتذكرة الخواص: ٢١٧.

(٤) راجع: تأريخ دمشق، ٢١٢:١٤؛ وتهذيب الكمال، ٤٩٣:٤.

٩

شخصتُ إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمانٍ مضين من ذي الحجّة يوم التروية ..»،(١) وبدليل ما ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام في أكثر من رواية(٢) أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام خرج من مكّة المكرّمة يوم التروية أي اليوم الثامن من ذي الحجّة الحرام.

٢)- خرج الامامعليه‌السلام من مكّة بجميع الأعلام(٣) الذين قدموا معه إليها من المدينة المنوّرة، والذين انضموا إليه في الطريق بين المدينة ومكّة،(٤) عدا مسلم بن عقيلعليه‌السلام الذي أرسله الامامعليه‌السلام إلى الكوفة قبله، وعدا سليمان بن رزينرضي‌الله‌عنه الذي أرسله الإمامعليه‌السلام برسالته إلى رؤساء الأخماس في البصرة وأشرافها. كما خرج الإمامعليه‌السلام بجميع من انضمّ إليه في مكّة من الأعلام عدا قيس بن مسهّر الصيداويرضي‌الله‌عنه ، وعبدالرحمن بن عبداللّه الأرحبيرضي‌الله‌عنه ، وعمارة بن عبيداللّه السلولي، الذين بعثهم الإمامعليه‌السلام مع مسلم بن عقيلعليه‌السلام إلى الكوفة،(٥) وعدا سعيد بن عبداللّه الحنفيرضي‌الله‌عنه وهاني بن هاني الذين بعثهما الإمامعليه‌السلام إلى أهل الكوفة برسالته الأولى إليهم قبل إرساله مسلماًعليه‌السلام إليهم.(٦)

٣)- لايعني خروج الركب الحسينيّ من مكّة في السحر أو في أوائل الصبح أنّ خروجه كان سرّاً لم تعلم به السلطة الأموية ولم يعلم به الناس، ذلك لأنّ الإمامعليه‌السلام كان قد أعلن عن موعد حركة الركب الحسينيّ وساعة خروجه في خطبته المعروفة بعبارته الشهيرة «خطَّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على

____________________

(١) راجع الارشاد: ٢٠٢؛ وتأريخ الطبري، ٢٩٣:٣ و٣٠١.

(٢) راجع: التهذيب، ٤٣٦:٥، حديث رقم ١٦٢؛ والاستبصار، ٣٢٧:٢ رقم ١١٦٠.

(٣) تحرزّنا بكلمة (الاعلام ) لأننا لا يمكن أن نحيط علماً بالمجهولين من الخدم والموالي وغيرهم .

(٤) كالشهداء الجهنيين الثلاثةرضي‌الله‌عنه الذين انضمّوا إليه من (مياه جهينة ).

(٥) راجع: تأريخ الطبري، ٢٧٧:٣؛ والإرشاد: ١٨٥.

(٦) راجع: الإرشاد: ١٨٥.

١٠

جيد الفتاة»، حيث قالعليه‌السلام في آخرها «فمن كان باذلًا فينا مهجته، موطّناً على لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا، فإنني راحلٌ مصبحاً إن شاء اللّه تعالى»،(١) وكان الإمامعليه‌السلام قد خطب هذه الخطبة في عموم الناس لا في أصحابه خاصة.(٢)

٤)- من المعلوم تحقيقاً و ان كان المواجهة العسكرية العلنية مع الإمام الحسينعليه‌السلام داخل مكّة أو على مشارفها لم تكن في صالح السلطة الأمويّة، وكانت السلطة الأمويّة تعلم ذلك جيّداً، الّا انهم بأمر يزيد صمموا لكى يغتالوالامام الحسينعليه‌السلام و ان كان معلّقاً باستار الكعبة و مع رحيل الامام الحسينعليه‌السلام من مكه فشلت نقشتهم كما أنّ هذه الحقيقة لم تكن لتخفى على الإمامعليه‌السلام ، وذلك لأنّ الأمويين يعلمون ماللإمام الحسينعليه‌السلام من منزلة سامية وقداسة في قلوب المسلمين، فاغتيا له خفيتاً كان اولى عندهم من المواجهه فالمواجهة العسكرية معه داخل مكّة أو عند مشارفها تعني بالضرورة تأليب قلوب جماهير الحجيج عليهم، وتأييدهم للإمامعليه‌السلام ، وانتصارهم له وانضوائهم تحت رايته، وهذا هو (تفاقم الأمر)(٣) الذي يخشاه الأمويون.

فضلًا عن أنّ الملتفّين حول الإمامعليه‌السلام - وهو لما يزل في مكّة- كانوا كثيرين، بدليل أنّ الركب الحسينيّ الخارج من مكّة كان كبيراً نسبياً.

وفضلًا عن أنّ مكّة وهي مدينة دينية مقدّسة عند الجميع، لم تكن للسلطة

____________________

(١) راجع: اللهوف: ٢٦.

(٢) لانعلم أنّ مؤرّخاً ذكر أنّ الامامعليه‌السلام خطب هذه الخطبة في أصحابه إلاّ الشيخ محمد السماويّ (ره) في كتابه إبصار العين: ٢٧، ولم يذكر الشيخ السماوي (ره) المصدر الذي أخذ عنه هذه الدعوى الشاذة .

(٣) لما امتنع الركب الحسينيّ على جند الأشدق عند مشارف مكّة، واضطرب الفريقان بالسياط، «وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فخاف أن يتفاقم الأمر! فأرسل الى صاحب شرطته يأمره بالإنصراف !). (الأخبار الطوال: ٢٤٤).

١١

الأموية فيها بالفعل إلّا قوّة محدودة تكفيها لتنفيذ وضبط الأمور الإدارية والقضائية، وتنظيم حركة الحجيج، وحراسة السلطان، وحفظ الأمن الداخلي فعليه فكان يمكن لهم ان ينجّزوا اعتيال الام ولاتكفيها لمواجهة تمرّد أو انقلاب تقوم به جماعة كبيرة ذات عدّة واستعداد ان كان الاغتيال ممكن وهذا أيضاً شأن المدينة المنوّرة يومذاك- والدليل على ذلك أنّ كلَّ الإنتفاضات الكبيرة التي حصلت في المدينة المنوّرة أو في مكّة كانت السلطة الأموية قد واجهتها بجيوش استقدمتها من خارجها، او عيون قدد سوّهم فى بين الناس كما فى قضية الامام الحسين لاغتياله (ع) و هذا تختلف عن انتفاضة أهل المدينة ووقعة الحرّة الأليمة، وكما في مواجهة الأمويين لعبداللّه بن الزبير في مكّة.(١)

٥)- وما قدّمناه لاينافي حقيقة أنّ الامامعليه‌السلام خرج من مكّة مبادراً- قبل شروع أعمال الحجّ- خوفاً من أن تغتاله السلطة الأموية في مكّة، فتنتهك بذلك حرمة البيت الحرام، ذلك لأنّ الأمويين إنْ لم يكونوا قد تمكّنوا من اختطافه أو اغتياله طيلة مدّة بقائه- الطويلة نسبياً- في مكّة بسبب احتياطات الإمامعليه‌السلام وحذره، وحمايته من قبل أنصاره من الهاشميين وغيرهم،(٢) فإنَّ فرصة الأمويين لتنفيذ

____________________

(١) وعدا هذا الدليل، هناك إشارات وأدلّة تأريخية عديدة تؤكّد هذه الحقيقية - منها على سبيل المثال لاالحصر - ما رواه السيّد ابن طاووس (ره) من أنّ يزيد أمر (عمرو بن سعيد) بمناجزة الحسينعليه‌السلام «إنْ هو ناجزه!» أو يقاتله «إنْ هو قدر عليه!» (راجع: اللهوف: ٢٧ وراجع التحقيق في متن هذه الرواية في الجزء الثاني من هذه الدراسة: ص ١٩٩)، وفي هذا إشعار كاف أوّلاً: بعلم السلطة الأموية بأنّ مواجهة عسكرية علنية مع الإمامعليه‌السلام في مكّة أو عند مشارفها لن تكون في صالحها، وثانياً: بعدم كفاية القوة الأموية لمثل هذه المواجهة .

(٢) ودليل ذلك أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام - وقد احتاط للقائه مع الوليد بن عتبة والي المدينة بحماية مؤلّفة من ثلاثين رجلاً مسلّحاً، تحسّباً لكل طاري ء في هذا اللقاء - لابدّ وأن يكون قد احتاط لكلّ طاريء متوقّع في مكّة، وهو يعلم أنّ يزيد يريد اختطافه أو اغتياله، ويعلم أنّ الأشدق جبار =

١٢

خطّتهم ستكون مؤاتية بصورة أفضل عند شروع أعمال الحجّ، وستكون احتمالات نجاحها أكبر، ذلك لأنَّ الإمامعليه‌السلام - على فرض بقائه في مكّة- سيكون هو ومن معه وجموع الحجيج مشغولين في أعمال الحجّ وأجوائها العبادية، عُزّلًا من السلاح، وسيساعد وجود الإمامعليه‌السلام في زحام الحجيج كثيراً على تنفيذ ما أرادته السلطة الأموية به من سوءٍ وشرّ، ولذا بادرعليه‌السلام إلى الخروج من مكّة يوم التروية.(١)

٦)- فإذا علمنا من كلّ ما مضى أنّ خروج الإمامعليه‌السلام لم يكن سرّاً، ولم يكن خوفاً من مواجهة حربية علنية مع السلطة الأمويّة في مكّة، أدركنا أنَّ هناك لعله كان سبباً آخر رئيساً كان قد دفع الإمامعليه‌السلام الى اختيار السحر أو أوائل الصبح في ستر الظلام موعداً للخروج، وهذا السبب لعله هو الغيرة الحسينية الهاشمية التي تأبى أن تتصفّح أنظار الناس في مكّة حرائر بيت العصمة والرسالة، والنساء الأُخريات في الركب الحسينيّ، في حال خروج الإمامعليه‌السلام في وضح النهار حيث تغصّ مكّة بالناس.

إنّ هذا لعله هو السبب الأقوى في مجموعة الأسباب التي دفعت الإمامعليه‌السلام إلى الخروج في السحر، أو في أوائل الصبح.

٧)- يُستفاد من بعض كتب السير والمقاتل انّ الإمامعليه‌السلام كان قد اعتمر عمرة

____________________

= متكبّر شرّير من أسوأ جبابرة بني أميّة وطواغيتها.

هذا ما تقتضيه حكمة وحذر وحيطة الإنسان المطارد المطلوب العادي، فما بالك بحكمة وحذر وحيطة الإمام الحسينعليه‌السلام ؟!

(١) هذا فضلاً عن العوامل الأخرى التي شكّلت مع هذا العامل الأساس علّة الخروج في ذلك اليوم، كالعامل الإعلامي والتبليغي الهادف الى إثارة تساؤل الناس واستغرابهم من الخروج في يوم التروية وترك الحجّ، ليكون في الإجابة عن كلّ تلك التساؤلات والإستغراب تعريف بالنهضة الحسينية ودعوة الناس الى تأييدها ونصرتها.

١٣

التمتع ثم عدل عنها إلى العمرة المفردة لعلمه بأنّ الظالمين سوف يصدّونه عن إتمام حجّه.(١)

والصحيح تحقيقاً هو أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قد دخل في إحرام العمرة المفردة ابتداءً، أي لم يكن أحرم لعمرة التمتع ثمّ عدل عنها الى العمرة المفردة.

وقد تبنّى هذا القول من الفقهاء السيّد محسن الحكيمقدس‌سره ، والسيّد الخوئيقدس‌سره ، والسيّد السبزواريقدس‌سره ، وآخرون غيرهم.(٢)

يقول السيّد الحكيمقدس‌سره في مستمسك العروة الوثقى: «.. وأمّا ما في بعض كتب المقاتل من أنّهعليه‌السلام جعل عمرته عمرة مفردة، ممّا يظهر منه أنها كانت عمرة تمتّع وعدل بها إلى الإفراد، فليس ممّا يصحّ التعويل عليه في مقابل الأخبار المذكورة التي رواها أهل البيتعليهم‌السلام ».(٣)

ويقول الشيخ محمد رضا الطبسيقدس‌سره : «المشهور بين الأصحاب رضوان اللّه عليهم أنّ من دخل مكّة بعمرة التمتع في أشهر الحجّ لم يجز له أن يجعلها مفردة، ولا أن يخرج من مكّة حتى يأتي بالحجّ لأنها مرتّبة (مرتبطة) بالحجّ، نعم عن ابن إدريس القول بعدم الحرمة وأنّه مكروه، وفيه أنه مردود بالأخبار.».(٤)

«كما يضعّف أيضاً القول بوقوع التبديل الى العمرة المفردة هو أنّه لو كان لأجل الصدّ ومنع الظالم فإنّ المصدود عن الحجّ يكون إحلاله بالهدي، كما أشار

____________________

(١) راجع مثلاً: الإرشاد: ٢٠٠؛ وإعلام الورى: ٢٣٠؛ وروضة الواعظين: ١٧٧.

(٢) راجع: مستمسك العروة الوثقى، ١٩٢:١١؛ ومعتمد العروة الوثقى، ٢٣٦:٢.؛ ومهذّب الأحكام، ٣٤٩:١٢ وانظر: كتاب الحجّ (تقريرات السيّد الشاهرودي): ٣١٢:٢ وتقريرات الحجّ للسيّد الگلبايگاني، ٥٨:١ والمحقّق الداماد: كتاب الحجّ، ٣٣٣:١.

(٣) مستمسك العروة الوثقى، ١٩٢:١١.

(٤) ذخيرة الصالحين، ١٢٤:٣.

١٤

إليه الشهيد الأوّل في الدروس،(١) والشهيد الثاني في المسالك.(٢) ».(٣)

ولم يَرد في خبر أو أثرٍ أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام كان قد أحلّ من إحرام عمرته بالهدي.

لماذا توجّه الإمام الحسينعليه‌السلام الى العراق؟

إنّ أفضل من يجيب عن هذا السؤال هو الإمام الحسين نفسهعليه‌السلام ، ويمكننا هنا التعرّف على أبعاد هذا الجواب، وتحديد العوامل التي دفعت الإمامعليه‌السلام إلى اختيار العراق لاغيره من البلدان، من خلال تتبع واستقصاء جميع ما اثِر من تصريحات الإمامعليه‌السلام في هذا الصدد، منذ إعلانه عن قيامه المقدّس في رفض البيعة ليزيد بعد موت معاوية أمام الوليد بن عتبة والي المدينة آنذاك، حتى أواخر ساعات حياته في كربلاء في احتجاجاته على أعدائه قُبيل نشوب القتال يوم عاشوراء.

وعلى ضوء تصنيف تصريحاتهعليه‌السلام على أساس نوع الإشارة فيها يمكننا تحديد العوامل التي دفعت الإمامعليه‌السلام إلى هذا الأمر، وهذه العوامل هي:

١)- العراق مهد التشيّع ومركز معارضة الحكم الأموي

في إجابتهعليه‌السلام عن سؤال عبداللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة(٤) بالأبواء- بين

____________________

(١) راجع: الدروس، ٤٧٨:١.

(٢) راجع: مسالك الإفهام، ٣٨٨:٢.

(٣) الجزء الثاني من هذه الدراسة: ٩٨ وللتعرّف على تفصيل هذه القضية التحقيقية راجع نفس الجزء الثاني من هذه الدراسة: ٩٣ - ٩٨ تحت عنوان: (عمرة التمتع أم عمرة مفردة؟).

(٤) مضت له ترجمة موجزة في الجزء الأول: ص ٤١٨ - ٤١٩.

١٥

المدينة ومكّة-: أين تريدُ يا ابن فاطمة؟

قال الإمامعليه‌السلام : العراق وشيعتي!.(١)

وفي محاورة بينه وبين عبداللّه بن عباس قال ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه : فإنْ كنت على حال لابدّ أن تشخص فَصِر إلى اليمن فإنَّ بها حصوناً لك، وشيعة لأبيك، فتكون منقطعاً عن الناس!

فقال الإمامعليه‌السلام : لابدّ من العراق!.(٢)

هذان النصّان- ونظائرهما- يكشفان بوضوح عن أهميّة العراق بذاته عند الإمامعليه‌السلام بمعزلٍ عن أثر رسائل أهل الكوفة التي وصلت إلى الإمامعليه‌السلام في مكّة بعد موت معاوية، وأهميّة العراق بذاته عند الإمامعليه‌السلام من الحقائق التأريخية التي لاتحتاج لإثباتها إلى الإستشهاد عليها بنصّ.

فلقد كانت الكوفة «مهداً للشيعة، وموطناً من مواطن العلويين، وقد أعلنت إخلاصها لأهل البيت في كثير من المواقف و قد خاض الكوفيون حرب الجمل و صفين مع الامام، وكانوا يقولون له: «سِر بنا يا أميرالمؤمنين حيث أحببت، فنحن حزبك وأنصارك، نُعادي من عاداك، ونشايع من أناب إليك وأطاعك»،(٣) وكان الإمام أميرالمؤمنينعليه‌السلام يُثني عليهم ثناء عاطراً، فيرى أنّهم أنصاره وأعوانه المخلصون له، يقول لهم: «يا أهل الكوفة، أنتم إخواني وأنصاري وأعواني على

____________________

(١) تأريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام /تحقيق المحمودي): ٢٩٤، رقم ٢٥٦ - ويُلاحظ أنّ هذه المحاورة تمّت في الأبواء قبل وصول الإمامعليه‌السلام إلى مكّة، أي قبل وصول رسائل أهل الكوفة إليه، فتأمّل!

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٣١٠:١؛ ومع أنّ هذه المحاورة تمّت في أواخر أيّام وجود الإمامعليه‌السلام في مكّة، إلاّ أنّهعليه‌السلام لم يُعلّل هذه اللاّبديّة بشيء كرسائل أهل الكوفة مثلاً، فتأمّل!

(٣) الإمامة والسياسة، ٢٣١:١.

١٦

الحقّ، ومجيبيَّ إلى جهاد المحلّين، بكم أضرب المدبر، وأرجو إتمام طاعة المقبل»،(١) ويقولعليه‌السلام : «الكوفة كنز الإيمان، وجمجمة الإسلام، وسيف اللّه ورمحه، يضعه حيث يشاء.(٢) ».».(٣)

وكانت الكوفة بعد أميرالمؤمنينعليه‌السلام والإمام الحسنعليه‌السلام المقرّ الرئيسي لمعارضة الحكم الأموي، وكان الكوفيون يتمنّون زوال الحكم الأموي، «ومما زاد في نقمة الكوفيين على الأمويين أنّ معاوية ولّى عليهم شُذّاذ الآفاق كالمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، فأشاعوا فيها الظلم والجور، وأخرجوهم من الدعة والإستقرار، وبالغوا في حرمانهم الإقتصادي، واتبعّوا فيهم سياسة التجويع والحرمان وظلّت الكوفة مركزاً للمؤامرات على حكم الأمويين، ولم يُثنهم عن ذلك ما عانوه من التعذيب والقتل والبطش على أيدي الولاة.».(٤)

وكان الشيعة في العراق- بعد شهادة الإمام الحسنعليه‌السلام - على اتصال بالإمام الحسينعليه‌السلام من خلال المكاتبات واللقاءات، ونكتفي للدلالة على ذلك بهذين النصّين:

أ)- نقل الشيخ المفيد (ره) عن الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السير أنهم قالوا: «لما مات الحسنعليه‌السلام تحرّكت الشيعة بالعراق، وكتبوا الى الحسينعليه‌السلام في خلع معاوية، والبيعة له، فامتنع عليهم، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لايجوز له نقضه حتّى تمضي المدّة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك.».(٥)

____________________

(١) الإمامة والسياسة، ٢٣٠:١.

(٢) مختصر البلدان لإبن الفقيه: ١٦٣.

(٣) حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام ، ٣: ١٢ - ١٣.

(٤) حياة الإمام الحسين بن عليّعليه‌السلام ، ١٤:٣.

(٥) الإرشاد: ١٨٢.

١٧

ب)- روى البلاذري عن العتبي أنّ الوليد بن عتبة حجب أهل العراق عن الإمام الحسينعليه‌السلام (أي منعهم من اللقاء به، وهذا يعني أنّهم كانوا يأتون لملاقاته في المدينة المنوّرة، وبصورة ملفتة ومثيرة لانتباه السلطة)، فقال الحسينعليه‌السلام :

«يا ظالماً لنفسه، عاصياً لربّه، علام تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقّي ما جهلته أنت وعمّك!؟».(١)

٢)- العراق أرض المصرع المختار!؟

لما عزم الإمامعليه‌السلام على الخروج من المدينة أتته أمّ سلمةرضي‌الله‌عنه فقالت: يا بُني لاتحزنّي بخروجك الى العراق، فإني سمعت جدّك يقول: يُقتل ولدي الحسينعليه‌السلام بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلاء!

فقال لها: « يا أمّاه، وأنا واللّه أعلم ذلك، وأنّي مقتول لامحالة، وليس لي من هذا بدٌّ، وإنّي واللّه لأعرف اليوم الذي أُقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أُدفن فيها، وإنّي أعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإنْ أردتِ يا أُمّاه أُريك حفرتي ومضجعي! ».(٢)

وفي رواية أخرى أنّهعليه‌السلام قال لهارضي‌الله‌عنه :

«واللّه إني مقتول كذلك، وإنْ لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً ..».(٣)

«وقد روي بأسانيد أنه لما منعهعليه‌السلام محمّد بن الحنفية عن الخروج إلى الكوفة قال: واللّه يا أخي، لو كنت في جُحر هامّة من هوامِّ الأرض، لاستخرجوني منه حتّى

____________________

(١) أنساب الأشراف: ٣: ١٥٦ - ١٥٦، حديث ١٥.

(٢) بحار الأنوار، ٤٤: ٣٣١ - ٣٣١.

(٣) الخرائج والجرائح، ١: ٢٥٣، رقم ٧.

١٨

يقتلوني.».(١)

وفي رواية أنهعليه‌السلام قال لابن الزبير: لئن أُدفن بشاطيء الفرات أحبُّ إلىَّ من أن أُدفن بفناء الكعبة.(٢) أو قولهعليه‌السلام : ولئن أُقتل بالطفِّ أحبُّ إليَّ من أن أُقتل بالحرم.(٣)

هذه النصوص- ونظائرها- تكشف لنا أنّ الإمامعليه‌السلام منذ البدء كان قد اختار العراق أرضاً لمصرعه!

وسرُّ ذلك هو أنّ الإمامعليه‌السلام بعد أن اختار موقفه المبدئي برفض البيعة ليزيد وبالقيام كان يعلم منذ البدء أنه مقتول لامحالة، خرج الى العراق أولم يخرج، فكان «من الحكمة أن يختار الإمامعليه‌السلام لمصرعه أفضل الظروف الزمانية والمكانية والنفسية والإجتماعية المساعدة على كشف مظلوميته وفضح أعدائه، ونشر أهدافه، وأن يتحرّك باتجاه تحقيق ذلك ما وسعته القدرة على التحرّك. وبما أنّ الإمامعليه‌السلام كان يعلم منذ البدء أيضاً أنّ أهل الكوفة لايفون له بشيء من عهدهم وبيعتهم وأنهم سوف يقتلونه: «هذه كتب أهل الكوفة إليَّ ولا أراهم إلّا قاتليَّ ...»،(٤) إذن فهوعليه‌السلام - بمنطق الشهيد الفاتح- كان يريد العراق، ويصرُّ على التوجّه إليه لأنه أفضل أرض للمصرع المختار، ذلك لما ينطوي عليه العراق من استعدادات للتأثر بالحدث العظيم «واقعة عاشوراء» والتغير نتيجة لها، وذلك لأنّ الشيعة في العراق آنئذٍ أكثر منهم في أيّ إقليم اسلامي آخر، ولأنّ العراق لم ينغلق إعلامياً ونفسياً لصالح الأمويين كما هو الشام، بل لعلّ العكس هو الصحيح. وهذه الحقيقة أكّدتها الوقائع التي تلت واقعة عاشوراء، وأثبتت أيضاً صحة هذا المنطلق، ولعلّ هذا هو

____________________

(١) بحار الأنوار، ٤٥: ٩٩.

(٢) كامل الزيارات: ٧٣.

(٣) المصدر السابق.

(٤) تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام )/ المحمودي:٢١١ رقم ٢٦٦.

١٩

السرّ المستودع في قولهعليه‌السلام لما سأله ابن عيّاش: اين تريد يا ابن فاطمة؟

حيث أجابعليه‌السلام : العراق وشيعتي!(١) وقولهعليه‌السلام لابن عبّاس: لابدّ من العراق!(٢)

».(٣)

٣)- رسائل أهل الكوفة بعد موت معاوية

ما إنْ علم أهل الكوفة بموت معاوية بن أبي سفيان، وبأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قد رفض البيعة ليزيد، وقد خرج من المدينة وأقام في مكّة، حتّى تقاطرت إليه رسلهم ورسائلهم، يدعونه إليهم، مظهرين استعدادهم لنصرته والقيام معه، حتى إنه اجتمع عنده في نُوَبٍ متفرّقة إثنا عشر ألف كتاب،(٤) ووردت إليه قائمة فيها مائة وأربعون ألف إسم يُعربون عن نصرتهم له حال ما يصل إلى الكوفة،(٥) وكان سفيره إليهم مسلم بن عقيلعليه‌السلام قد كتب الى الإمامعليه‌السلام - بعد وصوله الكوفة وأخذه البيعة له منهم- قائلًا: «أمّا بعدُ، فإنّ الرائد لايكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي، فإنّ الناس كلّهم معك، ليس لهم في آل معاوية رأيٌ ولاهوىً، والسلام.»،(٦) وكان أهل الكوفة في آخر وفاداتهم إلى الإمامعليه‌السلام في مكّة قد كتبوا إليه يقولون: «أمّا بعدُ، فإنّ الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل يا ابن رسول اللّه، فقد اخضرّت

____________________

(١) تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام )/ المحمودي: ٢٠١، حديث رقم ٢٥٥.

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ١: ٣١٠.

(٣) راجع: الجزء الأول من هذه الدراسة، مقالة (بين يدي الشهيد الفاتح): ١٦١ - ١٦١.

(٤) اللهوف: ١٥.

(٥) حياة الإمام الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، ٢: ٣٣٥ - ٣٣٥ عن الوافي في المسألة الشرقية، ١: ٤٣.

(٦) تأريخ الطبري، ٣: ٢٩٠.

٢٠