مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٣

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة18%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 307

الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131098 / تحميل: 5617
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

مقدمة مركز الدراسات الإسلاميّة

التابع لممثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

الحمدُ للّه الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ودليلًا على نعمه وآلائه، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد: فهذا الكتاب هو الجزء الثالث المختصّ بوقائع طريق الركب الحسينيّ من مكّة المكرّمة إلى كربلاء المقدّسة، وهو المقطع الثالث من مقاطع دراستنا التأريخية التفصيلية الموسّعة (مع الركب الحسينيّ من المدينة إلى المدينة).

ولاندّعي شططاً إذا قلنا إنّ هذا الجزء- كأخويه الأوّل والثاني- قد حوى من التحقيقات والنظرات والإشارات الجديدة ما يؤهله لسدّ ثغرات كثيرة في تأريخ النهضة الحسينية المقدّسة كانت قبل ذلك مبهمة غامضة لم تتوفر الإجابة الوافية عنها.

وهنا لابدّ من أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى مؤلّف هذا الكتاب سماحة الشيخ المحقّق محمّد جواد الطبسي لما بذله من جهد كبير في إعداد مادّة هذا المقطع وإنجاز هذا البحث القيّم.

كما نتقدّم بالشكر الجزيل إلى فضيلة الأستاذ المحقّق علي الشاوي الذي تولّى العناية بهذا البحث مراجعة ونقداً وتنظيماً وتكميلًا كعنايته من قبل بالجزء الثاني، داعين له بمزيد من الموفقيّة في ميدان التحقيق ومؤازرة المحقّقين، وفي مواصلة عنايته البالغة في خدمة الأجزاء الباقية من هذه الدراسة القيّمة.

مركز الدراسات الإسلامية          

التابع لمثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية

٣

مقدّمة الكتاب

«الإشارات المهمّة على الطريق بين مكّة وكربلاء»

على طريق الركب الحسينيّ من مكّة المكرّمة إلى كربلاء المقدّسة هناك إشارات مهمة، ليست من نوع الإشارات التي توضع على جانبي الطريق ليستدلّ بها السائرون على معرفة الطريق، أو صحّة السير، أو مدى القرب أو البعد من الغاية المنشودة، بل هي إشارات من نوع آخر! ترتسم في آفاق «المعاني السامية» لتتحدّث عن «هويّة القاصد» على هذا الطريق لا عن «هويّة الطريق».

وطريق الركب الحسينيّ إلى كربلاء مليىء بهذه الإشارات ومنها على سبيل المثال:

الإشارة في خروج الركب الحسينيّ من مكّة يوم التروية (الثامن من ذي الحجة)!

والإشارة: في قول الإمامعليه‌السلام للفرزدق «لو لم أعجلْ لأُخذتُ!» وفي قولهعليه‌السلام لأبي هرّة الأزدي: «وطلبوا دمي فهربت!».

والإشارة: في تصديقهعليه‌السلام لقول الفرزدق ولقول بشر بن غالب الأسدي في أنّهما خلّفا الناس في الكوفة قلوبهم مع الإمامعليه‌السلام وسيوفهم عليه!

والإشارة: في قولهعليه‌السلام لعمرو بن لوذان: «يا عبداللّه، إنّه ليس يخفى عليَّ الرأي ما رأيتَ، ولكنّ اللّه لايُغلب على أمره!».

٤

والإشارة: في احتجاجه المتواصل برسائل أهل الكوفة إليه، حتى بعد علمه بمقتل مسلم بن عقيلعليه‌السلام ، وفي إصراره على التوجّه إلى الكوفة حتّى بعد منع الحرّ الرياحيرضي‌الله‌عنه الإمامعليه‌السلام من دخول الكوفة حُرّاً!

والإشارة: في قولهعليه‌السلام بعد إصرار آل عقيل على الطلب بثأر مسلمعليه‌السلام : «لاخير فيالعيش بعد هؤلاء!».

والإشارة: في قراءتهعليه‌السلام في منزل زبالة بيانه الذي أعلن فيه للركب عن مقتل مسلم وهاني وعبداللّه بن يقطررضي‌الله‌عنه وترخيصه من معه في الركب بالإنصراف عنه بلاذمام!

والإشارة: في قولهعليه‌السلام : «.. وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلتُ منه إليكم ..».

والإشارة: في قولهعليه‌السلام : «ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً!».

والإشارة: في قولهعليه‌السلام : «إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم اللّه فلم يغيّر عليه بفعل ولاقول كان حقّاً على اللّه أن يُدخله مدخله ..!».

فقد خطب فيهم بذي حسم قائلًا: «إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون! وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ...».

وقال في عذيب الهجانات حين أتاه خبر مقتل قيس الصيداويرضي‌الله‌عنه : «.. منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدّلوا تبديلا ..».

وقال حين سمع بإسم كربلاء: «.. هاهنا محطّ رحالنا، ومسفك دمائنا، وهنا محلّ

٥

الحربي، لأنهعليه‌السلام أراد أن يميز قوّته الحقيقية التي سيواجه بها العدوّ ويرسم خطّته القتالية على أساسها، من قوّته الظاهرية المتألّف أكثرها من «أهل الطمع والإرتياب» الذين لايصمدون ساعة الحرب والنزال! وكلّ هذه الأقوال صحيحة في نفسها ...

لكننا نرى أنّ الإمامعليه‌السلام كان قد واصل هذه الإمتحانات حتّى بعد ذلك، وعرّض صفوة الأنصار لاختبارات متوالية حتّى ليلة عاشوراء!

فقد خطب فيهم بذي حسم قائلاً: «إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون! وإن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ...». وقال في عذيب الهجانات حين أتاه خبر مقتل قيس الصيداويرضي‌الله‌عنه : «... منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدّلوا تبديلاً ...».وقال حين سمع بإسم كربلاء: «... هاهنا محطّ رحالنا، ومسفك دمائنا، وهنا محلّ قبورنا ..». ودعاهم ليلة عاشوراء إلى الانصراف عنه قائلًا: «.. فجزاكم اللّه عنّي جميعاً خيراً، ألا وإنّي قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلّ، ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل غشيكم فاتخذوه جملًا ..». هذا فضلًا عن امتحاناته لبعض الأفراد كنافع بن هلالرضي‌الله‌عنه وبشر بن عمرو الحضرميرضي‌الله‌عنه !

من هنا، نفهم أنّ هناك غاية علياً عند الإمامعليه‌السلام من وراء هذه التمحيصات- فوق الغايات الحربية- وهي الوصول بهذه الصفوة المقدّسة من الأنصار ذوي البصائر والعزائم الراسخة إلى أعلى منازل الآخرة، من خلال إرتقائهم في الدرجات بعد النجاح إثر كلّ امتحان، حتّى بلغعليه‌السلام بهم منزلة «سادة الشهداء»، ودرجة «.. فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولاخيراً من أصحابي ..»، ورتبة «.. عشّاق شهداء لايسبقهم من كان قبلهم، ولايلحقهم من بعدهم ..». ثمّ نزل عليهم الفيض ليلة عاشوراء بالإستحقاقات، فكشفعليه‌السلام عن أعينهم الغطاء، وأراهم منازلهم ودرجاتهم في الجنّة!.

وما أروع السلام الذي شرَّفتهم به زيارة الناحية المقدّسة: «السلام عليكم يا خير أنصار! السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار! بوَّأكم اللّه مُبَوَّءَ الأبرار! أشهد لقد كشف اللّه لكم الغطاء! ومهَّد لكم الوِطاء! وأجزل لكم العطاء! وكنتم عن الحقِّ غير بِطاء! وأنتم لنا فرطاء! ونحن لكم خلطاء في دار البقاء! والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.».

علي الشاوي

٦

الفصل الأول: الركب الحسينيّ في الطريق الى العراق

٧

٨

الفصل الأوّل:

الركب الحسينيّ في الطريق الى العراق

بعد انقضاء ما يزيد على أربعة أشهر،(١) أي حوالي مائة وخمسة وعشرين يوماً، أقام الإمام الحسينعليه‌السلام خلالها في مكّة المكرّمة بعد رفضه المبايعة ليزيد ابن معاوية بعد موت أبيه، بادر الامامعليه‌السلام الى الخروج عن مكّة بعد أن أحلَّ من إحرام عمرته، مخافة أن يُقبض عليه أو أن يُغتال في مكّة- في ظروف وملابسات غامضة أثناء مراسم الحجّ- فتُنتهك بذلك حرمة البيت الحرام، وكان الركب الحسينيّ قد تحرّك قاصداً نحو العراق سحراً أو أوائل الصبح من اليوم الثامن من ذي الحجّة الحرام سنة ستّين للهجرة.

سبعُ فوائد تحقيقية

١)- اختلف المؤرّخون في يوم خروج الإمامعليه‌السلام من مكّة المكرّمة، فذكر بعضهم أنّ خروجهعليه‌السلام كان في اليوم الثالث من ذي الحجة،(٢) وذكر آخر أنه كان في اليوم السابع منه،(٣) وقال آخر إنّ ذلك كان في اليوم العاشر منه،(٤) والصحيح هو أنّ خروجهعليه‌السلام من مكّة كان في اليوم الثامن من ذي الحجّة، بدليل قول الإمام الحسينعليه‌السلام نفسه في رسالته الثانيّة إلى أهل الكوفة، إذ ورد فيها: «... وقد

____________________

(١) لانّ الإمامعليه‌السلام دخل مكّة في الثالث من شعبان وخرج منها في الثامن من ذي الحجّة .

(٢) راجع: اللهوف:٢٦، منشورات الداوري .

(٣) راجع: كامل الزيارات: ٧٣؛ وتذكرة الخواص: ٢١٧.

(٤) راجع: تأريخ دمشق، ٢١٢:١٤؛ وتهذيب الكمال، ٤٩٣:٤.

٩

شخصتُ إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمانٍ مضين من ذي الحجّة يوم التروية ..»،(١) وبدليل ما ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام في أكثر من رواية(٢) أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام خرج من مكّة المكرّمة يوم التروية أي اليوم الثامن من ذي الحجّة الحرام.

٢)- خرج الامامعليه‌السلام من مكّة بجميع الأعلام(٣) الذين قدموا معه إليها من المدينة المنوّرة، والذين انضموا إليه في الطريق بين المدينة ومكّة،(٤) عدا مسلم بن عقيلعليه‌السلام الذي أرسله الامامعليه‌السلام إلى الكوفة قبله، وعدا سليمان بن رزينرضي‌الله‌عنه الذي أرسله الإمامعليه‌السلام برسالته إلى رؤساء الأخماس في البصرة وأشرافها. كما خرج الإمامعليه‌السلام بجميع من انضمّ إليه في مكّة من الأعلام عدا قيس بن مسهّر الصيداويرضي‌الله‌عنه ، وعبدالرحمن بن عبداللّه الأرحبيرضي‌الله‌عنه ، وعمارة بن عبيداللّه السلولي، الذين بعثهم الإمامعليه‌السلام مع مسلم بن عقيلعليه‌السلام إلى الكوفة،(٥) وعدا سعيد بن عبداللّه الحنفيرضي‌الله‌عنه وهاني بن هاني الذين بعثهما الإمامعليه‌السلام إلى أهل الكوفة برسالته الأولى إليهم قبل إرساله مسلماًعليه‌السلام إليهم.(٦)

٣)- لايعني خروج الركب الحسينيّ من مكّة في السحر أو في أوائل الصبح أنّ خروجه كان سرّاً لم تعلم به السلطة الأموية ولم يعلم به الناس، ذلك لأنّ الإمامعليه‌السلام كان قد أعلن عن موعد حركة الركب الحسينيّ وساعة خروجه في خطبته المعروفة بعبارته الشهيرة «خطَّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على

____________________

(١) راجع الارشاد: ٢٠٢؛ وتأريخ الطبري، ٢٩٣:٣ و٣٠١.

(٢) راجع: التهذيب، ٤٣٦:٥، حديث رقم ١٦٢؛ والاستبصار، ٣٢٧:٢ رقم ١١٦٠.

(٣) تحرزّنا بكلمة (الاعلام ) لأننا لا يمكن أن نحيط علماً بالمجهولين من الخدم والموالي وغيرهم .

(٤) كالشهداء الجهنيين الثلاثةرضي‌الله‌عنه الذين انضمّوا إليه من (مياه جهينة ).

(٥) راجع: تأريخ الطبري، ٢٧٧:٣؛ والإرشاد: ١٨٥.

(٦) راجع: الإرشاد: ١٨٥.

١٠

جيد الفتاة»، حيث قالعليه‌السلام في آخرها «فمن كان باذلًا فينا مهجته، موطّناً على لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا، فإنني راحلٌ مصبحاً إن شاء اللّه تعالى»،(١) وكان الإمامعليه‌السلام قد خطب هذه الخطبة في عموم الناس لا في أصحابه خاصة.(٢)

٤)- من المعلوم تحقيقاً و ان كان المواجهة العسكرية العلنية مع الإمام الحسينعليه‌السلام داخل مكّة أو على مشارفها لم تكن في صالح السلطة الأمويّة، وكانت السلطة الأمويّة تعلم ذلك جيّداً، الّا انهم بأمر يزيد صمموا لكى يغتالوالامام الحسينعليه‌السلام و ان كان معلّقاً باستار الكعبة و مع رحيل الامام الحسينعليه‌السلام من مكه فشلت نقشتهم كما أنّ هذه الحقيقة لم تكن لتخفى على الإمامعليه‌السلام ، وذلك لأنّ الأمويين يعلمون ماللإمام الحسينعليه‌السلام من منزلة سامية وقداسة في قلوب المسلمين، فاغتيا له خفيتاً كان اولى عندهم من المواجهه فالمواجهة العسكرية معه داخل مكّة أو عند مشارفها تعني بالضرورة تأليب قلوب جماهير الحجيج عليهم، وتأييدهم للإمامعليه‌السلام ، وانتصارهم له وانضوائهم تحت رايته، وهذا هو (تفاقم الأمر)(٣) الذي يخشاه الأمويون.

فضلًا عن أنّ الملتفّين حول الإمامعليه‌السلام - وهو لما يزل في مكّة- كانوا كثيرين، بدليل أنّ الركب الحسينيّ الخارج من مكّة كان كبيراً نسبياً.

وفضلًا عن أنّ مكّة وهي مدينة دينية مقدّسة عند الجميع، لم تكن للسلطة

____________________

(١) راجع: اللهوف: ٢٦.

(٢) لانعلم أنّ مؤرّخاً ذكر أنّ الامامعليه‌السلام خطب هذه الخطبة في أصحابه إلاّ الشيخ محمد السماويّ (ره) في كتابه إبصار العين: ٢٧، ولم يذكر الشيخ السماوي (ره) المصدر الذي أخذ عنه هذه الدعوى الشاذة .

(٣) لما امتنع الركب الحسينيّ على جند الأشدق عند مشارف مكّة، واضطرب الفريقان بالسياط، «وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فخاف أن يتفاقم الأمر! فأرسل الى صاحب شرطته يأمره بالإنصراف !). (الأخبار الطوال: ٢٤٤).

١١

الأموية فيها بالفعل إلّا قوّة محدودة تكفيها لتنفيذ وضبط الأمور الإدارية والقضائية، وتنظيم حركة الحجيج، وحراسة السلطان، وحفظ الأمن الداخلي فعليه فكان يمكن لهم ان ينجّزوا اعتيال الام ولاتكفيها لمواجهة تمرّد أو انقلاب تقوم به جماعة كبيرة ذات عدّة واستعداد ان كان الاغتيال ممكن وهذا أيضاً شأن المدينة المنوّرة يومذاك- والدليل على ذلك أنّ كلَّ الإنتفاضات الكبيرة التي حصلت في المدينة المنوّرة أو في مكّة كانت السلطة الأموية قد واجهتها بجيوش استقدمتها من خارجها، او عيون قدد سوّهم فى بين الناس كما فى قضية الامام الحسين لاغتياله (ع) و هذا تختلف عن انتفاضة أهل المدينة ووقعة الحرّة الأليمة، وكما في مواجهة الأمويين لعبداللّه بن الزبير في مكّة.(١)

٥)- وما قدّمناه لاينافي حقيقة أنّ الامامعليه‌السلام خرج من مكّة مبادراً- قبل شروع أعمال الحجّ- خوفاً من أن تغتاله السلطة الأموية في مكّة، فتنتهك بذلك حرمة البيت الحرام، ذلك لأنّ الأمويين إنْ لم يكونوا قد تمكّنوا من اختطافه أو اغتياله طيلة مدّة بقائه- الطويلة نسبياً- في مكّة بسبب احتياطات الإمامعليه‌السلام وحذره، وحمايته من قبل أنصاره من الهاشميين وغيرهم،(٢) فإنَّ فرصة الأمويين لتنفيذ

____________________

(١) وعدا هذا الدليل، هناك إشارات وأدلّة تأريخية عديدة تؤكّد هذه الحقيقية - منها على سبيل المثال لاالحصر - ما رواه السيّد ابن طاووس (ره) من أنّ يزيد أمر (عمرو بن سعيد) بمناجزة الحسينعليه‌السلام «إنْ هو ناجزه!» أو يقاتله «إنْ هو قدر عليه!» (راجع: اللهوف: ٢٧ وراجع التحقيق في متن هذه الرواية في الجزء الثاني من هذه الدراسة: ص ١٩٩)، وفي هذا إشعار كاف أوّلاً: بعلم السلطة الأموية بأنّ مواجهة عسكرية علنية مع الإمامعليه‌السلام في مكّة أو عند مشارفها لن تكون في صالحها، وثانياً: بعدم كفاية القوة الأموية لمثل هذه المواجهة .

(٢) ودليل ذلك أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام - وقد احتاط للقائه مع الوليد بن عتبة والي المدينة بحماية مؤلّفة من ثلاثين رجلاً مسلّحاً، تحسّباً لكل طاري ء في هذا اللقاء - لابدّ وأن يكون قد احتاط لكلّ طاريء متوقّع في مكّة، وهو يعلم أنّ يزيد يريد اختطافه أو اغتياله، ويعلم أنّ الأشدق جبار =

١٢

خطّتهم ستكون مؤاتية بصورة أفضل عند شروع أعمال الحجّ، وستكون احتمالات نجاحها أكبر، ذلك لأنَّ الإمامعليه‌السلام - على فرض بقائه في مكّة- سيكون هو ومن معه وجموع الحجيج مشغولين في أعمال الحجّ وأجوائها العبادية، عُزّلًا من السلاح، وسيساعد وجود الإمامعليه‌السلام في زحام الحجيج كثيراً على تنفيذ ما أرادته السلطة الأموية به من سوءٍ وشرّ، ولذا بادرعليه‌السلام إلى الخروج من مكّة يوم التروية.(١)

٦)- فإذا علمنا من كلّ ما مضى أنّ خروج الإمامعليه‌السلام لم يكن سرّاً، ولم يكن خوفاً من مواجهة حربية علنية مع السلطة الأمويّة في مكّة، أدركنا أنَّ هناك لعله كان سبباً آخر رئيساً كان قد دفع الإمامعليه‌السلام الى اختيار السحر أو أوائل الصبح في ستر الظلام موعداً للخروج، وهذا السبب لعله هو الغيرة الحسينية الهاشمية التي تأبى أن تتصفّح أنظار الناس في مكّة حرائر بيت العصمة والرسالة، والنساء الأُخريات في الركب الحسينيّ، في حال خروج الإمامعليه‌السلام في وضح النهار حيث تغصّ مكّة بالناس.

إنّ هذا لعله هو السبب الأقوى في مجموعة الأسباب التي دفعت الإمامعليه‌السلام إلى الخروج في السحر، أو في أوائل الصبح.

٧)- يُستفاد من بعض كتب السير والمقاتل انّ الإمامعليه‌السلام كان قد اعتمر عمرة

____________________

= متكبّر شرّير من أسوأ جبابرة بني أميّة وطواغيتها.

هذا ما تقتضيه حكمة وحذر وحيطة الإنسان المطارد المطلوب العادي، فما بالك بحكمة وحذر وحيطة الإمام الحسينعليه‌السلام ؟!

(١) هذا فضلاً عن العوامل الأخرى التي شكّلت مع هذا العامل الأساس علّة الخروج في ذلك اليوم، كالعامل الإعلامي والتبليغي الهادف الى إثارة تساؤل الناس واستغرابهم من الخروج في يوم التروية وترك الحجّ، ليكون في الإجابة عن كلّ تلك التساؤلات والإستغراب تعريف بالنهضة الحسينية ودعوة الناس الى تأييدها ونصرتها.

١٣

التمتع ثم عدل عنها إلى العمرة المفردة لعلمه بأنّ الظالمين سوف يصدّونه عن إتمام حجّه.(١)

والصحيح تحقيقاً هو أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قد دخل في إحرام العمرة المفردة ابتداءً، أي لم يكن أحرم لعمرة التمتع ثمّ عدل عنها الى العمرة المفردة.

وقد تبنّى هذا القول من الفقهاء السيّد محسن الحكيمقدس‌سره ، والسيّد الخوئيقدس‌سره ، والسيّد السبزواريقدس‌سره ، وآخرون غيرهم.(٢)

يقول السيّد الحكيمقدس‌سره في مستمسك العروة الوثقى: «.. وأمّا ما في بعض كتب المقاتل من أنّهعليه‌السلام جعل عمرته عمرة مفردة، ممّا يظهر منه أنها كانت عمرة تمتّع وعدل بها إلى الإفراد، فليس ممّا يصحّ التعويل عليه في مقابل الأخبار المذكورة التي رواها أهل البيتعليهم‌السلام ».(٣)

ويقول الشيخ محمد رضا الطبسيقدس‌سره : «المشهور بين الأصحاب رضوان اللّه عليهم أنّ من دخل مكّة بعمرة التمتع في أشهر الحجّ لم يجز له أن يجعلها مفردة، ولا أن يخرج من مكّة حتى يأتي بالحجّ لأنها مرتّبة (مرتبطة) بالحجّ، نعم عن ابن إدريس القول بعدم الحرمة وأنّه مكروه، وفيه أنه مردود بالأخبار.».(٤)

«كما يضعّف أيضاً القول بوقوع التبديل الى العمرة المفردة هو أنّه لو كان لأجل الصدّ ومنع الظالم فإنّ المصدود عن الحجّ يكون إحلاله بالهدي، كما أشار

____________________

(١) راجع مثلاً: الإرشاد: ٢٠٠؛ وإعلام الورى: ٢٣٠؛ وروضة الواعظين: ١٧٧.

(٢) راجع: مستمسك العروة الوثقى، ١٩٢:١١؛ ومعتمد العروة الوثقى، ٢٣٦:٢.؛ ومهذّب الأحكام، ٣٤٩:١٢ وانظر: كتاب الحجّ (تقريرات السيّد الشاهرودي): ٣١٢:٢ وتقريرات الحجّ للسيّد الگلبايگاني، ٥٨:١ والمحقّق الداماد: كتاب الحجّ، ٣٣٣:١.

(٣) مستمسك العروة الوثقى، ١٩٢:١١.

(٤) ذخيرة الصالحين، ١٢٤:٣.

١٤

إليه الشهيد الأوّل في الدروس،(١) والشهيد الثاني في المسالك.(٢) ».(٣)

ولم يَرد في خبر أو أثرٍ أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام كان قد أحلّ من إحرام عمرته بالهدي.

لماذا توجّه الإمام الحسينعليه‌السلام الى العراق؟

إنّ أفضل من يجيب عن هذا السؤال هو الإمام الحسين نفسهعليه‌السلام ، ويمكننا هنا التعرّف على أبعاد هذا الجواب، وتحديد العوامل التي دفعت الإمامعليه‌السلام إلى اختيار العراق لاغيره من البلدان، من خلال تتبع واستقصاء جميع ما اثِر من تصريحات الإمامعليه‌السلام في هذا الصدد، منذ إعلانه عن قيامه المقدّس في رفض البيعة ليزيد بعد موت معاوية أمام الوليد بن عتبة والي المدينة آنذاك، حتى أواخر ساعات حياته في كربلاء في احتجاجاته على أعدائه قُبيل نشوب القتال يوم عاشوراء.

وعلى ضوء تصنيف تصريحاتهعليه‌السلام على أساس نوع الإشارة فيها يمكننا تحديد العوامل التي دفعت الإمامعليه‌السلام إلى هذا الأمر، وهذه العوامل هي:

١)- العراق مهد التشيّع ومركز معارضة الحكم الأموي

في إجابتهعليه‌السلام عن سؤال عبداللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة(٤) بالأبواء- بين

____________________

(١) راجع: الدروس، ٤٧٨:١.

(٢) راجع: مسالك الإفهام، ٣٨٨:٢.

(٣) الجزء الثاني من هذه الدراسة: ٩٨ وللتعرّف على تفصيل هذه القضية التحقيقية راجع نفس الجزء الثاني من هذه الدراسة: ٩٣ - ٩٨ تحت عنوان: (عمرة التمتع أم عمرة مفردة؟).

(٤) مضت له ترجمة موجزة في الجزء الأول: ص ٤١٨ - ٤١٩.

١٥

المدينة ومكّة-: أين تريدُ يا ابن فاطمة؟

قال الإمامعليه‌السلام : العراق وشيعتي!.(١)

وفي محاورة بينه وبين عبداللّه بن عباس قال ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه : فإنْ كنت على حال لابدّ أن تشخص فَصِر إلى اليمن فإنَّ بها حصوناً لك، وشيعة لأبيك، فتكون منقطعاً عن الناس!

فقال الإمامعليه‌السلام : لابدّ من العراق!.(٢)

هذان النصّان- ونظائرهما- يكشفان بوضوح عن أهميّة العراق بذاته عند الإمامعليه‌السلام بمعزلٍ عن أثر رسائل أهل الكوفة التي وصلت إلى الإمامعليه‌السلام في مكّة بعد موت معاوية، وأهميّة العراق بذاته عند الإمامعليه‌السلام من الحقائق التأريخية التي لاتحتاج لإثباتها إلى الإستشهاد عليها بنصّ.

فلقد كانت الكوفة «مهداً للشيعة، وموطناً من مواطن العلويين، وقد أعلنت إخلاصها لأهل البيت في كثير من المواقف و قد خاض الكوفيون حرب الجمل و صفين مع الامام، وكانوا يقولون له: «سِر بنا يا أميرالمؤمنين حيث أحببت، فنحن حزبك وأنصارك، نُعادي من عاداك، ونشايع من أناب إليك وأطاعك»،(٣) وكان الإمام أميرالمؤمنينعليه‌السلام يُثني عليهم ثناء عاطراً، فيرى أنّهم أنصاره وأعوانه المخلصون له، يقول لهم: «يا أهل الكوفة، أنتم إخواني وأنصاري وأعواني على

____________________

(١) تأريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام /تحقيق المحمودي): ٢٩٤، رقم ٢٥٦ - ويُلاحظ أنّ هذه المحاورة تمّت في الأبواء قبل وصول الإمامعليه‌السلام إلى مكّة، أي قبل وصول رسائل أهل الكوفة إليه، فتأمّل!

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ٣١٠:١؛ ومع أنّ هذه المحاورة تمّت في أواخر أيّام وجود الإمامعليه‌السلام في مكّة، إلاّ أنّهعليه‌السلام لم يُعلّل هذه اللاّبديّة بشيء كرسائل أهل الكوفة مثلاً، فتأمّل!

(٣) الإمامة والسياسة، ٢٣١:١.

١٦

الحقّ، ومجيبيَّ إلى جهاد المحلّين، بكم أضرب المدبر، وأرجو إتمام طاعة المقبل»،(١) ويقولعليه‌السلام : «الكوفة كنز الإيمان، وجمجمة الإسلام، وسيف اللّه ورمحه، يضعه حيث يشاء.(٢) ».».(٣)

وكانت الكوفة بعد أميرالمؤمنينعليه‌السلام والإمام الحسنعليه‌السلام المقرّ الرئيسي لمعارضة الحكم الأموي، وكان الكوفيون يتمنّون زوال الحكم الأموي، «ومما زاد في نقمة الكوفيين على الأمويين أنّ معاوية ولّى عليهم شُذّاذ الآفاق كالمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، فأشاعوا فيها الظلم والجور، وأخرجوهم من الدعة والإستقرار، وبالغوا في حرمانهم الإقتصادي، واتبعّوا فيهم سياسة التجويع والحرمان وظلّت الكوفة مركزاً للمؤامرات على حكم الأمويين، ولم يُثنهم عن ذلك ما عانوه من التعذيب والقتل والبطش على أيدي الولاة.».(٤)

وكان الشيعة في العراق- بعد شهادة الإمام الحسنعليه‌السلام - على اتصال بالإمام الحسينعليه‌السلام من خلال المكاتبات واللقاءات، ونكتفي للدلالة على ذلك بهذين النصّين:

أ)- نقل الشيخ المفيد (ره) عن الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السير أنهم قالوا: «لما مات الحسنعليه‌السلام تحرّكت الشيعة بالعراق، وكتبوا الى الحسينعليه‌السلام في خلع معاوية، والبيعة له، فامتنع عليهم، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لايجوز له نقضه حتّى تمضي المدّة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك.».(٥)

____________________

(١) الإمامة والسياسة، ٢٣٠:١.

(٢) مختصر البلدان لإبن الفقيه: ١٦٣.

(٣) حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام ، ٣: ١٢ - ١٣.

(٤) حياة الإمام الحسين بن عليّعليه‌السلام ، ١٤:٣.

(٥) الإرشاد: ١٨٢.

١٧

ب)- روى البلاذري عن العتبي أنّ الوليد بن عتبة حجب أهل العراق عن الإمام الحسينعليه‌السلام (أي منعهم من اللقاء به، وهذا يعني أنّهم كانوا يأتون لملاقاته في المدينة المنوّرة، وبصورة ملفتة ومثيرة لانتباه السلطة)، فقال الحسينعليه‌السلام :

«يا ظالماً لنفسه، عاصياً لربّه، علام تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقّي ما جهلته أنت وعمّك!؟».(١)

٢)- العراق أرض المصرع المختار!؟

لما عزم الإمامعليه‌السلام على الخروج من المدينة أتته أمّ سلمةرضي‌الله‌عنه فقالت: يا بُني لاتحزنّي بخروجك الى العراق، فإني سمعت جدّك يقول: يُقتل ولدي الحسينعليه‌السلام بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلاء!

فقال لها: « يا أمّاه، وأنا واللّه أعلم ذلك، وأنّي مقتول لامحالة، وليس لي من هذا بدٌّ، وإنّي واللّه لأعرف اليوم الذي أُقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أُدفن فيها، وإنّي أعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإنْ أردتِ يا أُمّاه أُريك حفرتي ومضجعي! ».(٢)

وفي رواية أخرى أنّهعليه‌السلام قال لهارضي‌الله‌عنه :

«واللّه إني مقتول كذلك، وإنْ لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً ..».(٣)

«وقد روي بأسانيد أنه لما منعهعليه‌السلام محمّد بن الحنفية عن الخروج إلى الكوفة قال: واللّه يا أخي، لو كنت في جُحر هامّة من هوامِّ الأرض، لاستخرجوني منه حتّى

____________________

(١) أنساب الأشراف: ٣: ١٥٦ - ١٥٦، حديث ١٥.

(٢) بحار الأنوار، ٤٤: ٣٣١ - ٣٣١.

(٣) الخرائج والجرائح، ١: ٢٥٣، رقم ٧.

١٨

يقتلوني.».(١)

وفي رواية أنهعليه‌السلام قال لابن الزبير: لئن أُدفن بشاطيء الفرات أحبُّ إلىَّ من أن أُدفن بفناء الكعبة.(٢) أو قولهعليه‌السلام : ولئن أُقتل بالطفِّ أحبُّ إليَّ من أن أُقتل بالحرم.(٣)

هذه النصوص- ونظائرها- تكشف لنا أنّ الإمامعليه‌السلام منذ البدء كان قد اختار العراق أرضاً لمصرعه!

وسرُّ ذلك هو أنّ الإمامعليه‌السلام بعد أن اختار موقفه المبدئي برفض البيعة ليزيد وبالقيام كان يعلم منذ البدء أنه مقتول لامحالة، خرج الى العراق أولم يخرج، فكان «من الحكمة أن يختار الإمامعليه‌السلام لمصرعه أفضل الظروف الزمانية والمكانية والنفسية والإجتماعية المساعدة على كشف مظلوميته وفضح أعدائه، ونشر أهدافه، وأن يتحرّك باتجاه تحقيق ذلك ما وسعته القدرة على التحرّك. وبما أنّ الإمامعليه‌السلام كان يعلم منذ البدء أيضاً أنّ أهل الكوفة لايفون له بشيء من عهدهم وبيعتهم وأنهم سوف يقتلونه: «هذه كتب أهل الكوفة إليَّ ولا أراهم إلّا قاتليَّ ...»،(٤) إذن فهوعليه‌السلام - بمنطق الشهيد الفاتح- كان يريد العراق، ويصرُّ على التوجّه إليه لأنه أفضل أرض للمصرع المختار، ذلك لما ينطوي عليه العراق من استعدادات للتأثر بالحدث العظيم «واقعة عاشوراء» والتغير نتيجة لها، وذلك لأنّ الشيعة في العراق آنئذٍ أكثر منهم في أيّ إقليم اسلامي آخر، ولأنّ العراق لم ينغلق إعلامياً ونفسياً لصالح الأمويين كما هو الشام، بل لعلّ العكس هو الصحيح. وهذه الحقيقة أكّدتها الوقائع التي تلت واقعة عاشوراء، وأثبتت أيضاً صحة هذا المنطلق، ولعلّ هذا هو

____________________

(١) بحار الأنوار، ٤٥: ٩٩.

(٢) كامل الزيارات: ٧٣.

(٣) المصدر السابق.

(٤) تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام )/ المحمودي:٢١١ رقم ٢٦٦.

١٩

السرّ المستودع في قولهعليه‌السلام لما سأله ابن عيّاش: اين تريد يا ابن فاطمة؟

حيث أجابعليه‌السلام : العراق وشيعتي!(١) وقولهعليه‌السلام لابن عبّاس: لابدّ من العراق!(٢)

».(٣)

٣)- رسائل أهل الكوفة بعد موت معاوية

ما إنْ علم أهل الكوفة بموت معاوية بن أبي سفيان، وبأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قد رفض البيعة ليزيد، وقد خرج من المدينة وأقام في مكّة، حتّى تقاطرت إليه رسلهم ورسائلهم، يدعونه إليهم، مظهرين استعدادهم لنصرته والقيام معه، حتى إنه اجتمع عنده في نُوَبٍ متفرّقة إثنا عشر ألف كتاب،(٤) ووردت إليه قائمة فيها مائة وأربعون ألف إسم يُعربون عن نصرتهم له حال ما يصل إلى الكوفة،(٥) وكان سفيره إليهم مسلم بن عقيلعليه‌السلام قد كتب الى الإمامعليه‌السلام - بعد وصوله الكوفة وأخذه البيعة له منهم- قائلًا: «أمّا بعدُ، فإنّ الرائد لايكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي، فإنّ الناس كلّهم معك، ليس لهم في آل معاوية رأيٌ ولاهوىً، والسلام.»،(٦) وكان أهل الكوفة في آخر وفاداتهم إلى الإمامعليه‌السلام في مكّة قد كتبوا إليه يقولون: «أمّا بعدُ، فإنّ الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل يا ابن رسول اللّه، فقد اخضرّت

____________________

(١) تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام )/ المحمودي: ٢٠١، حديث رقم ٢٥٥.

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ١: ٣١٠.

(٣) راجع: الجزء الأول من هذه الدراسة، مقالة (بين يدي الشهيد الفاتح): ١٦١ - ١٦١.

(٤) اللهوف: ١٥.

(٥) حياة الإمام الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، ٢: ٣٣٥ - ٣٣٥ عن الوافي في المسألة الشرقية، ١: ٤٣.

(٦) تأريخ الطبري، ٣: ٢٩٠.

٢٠

وأمّا التربة ، فإنّها من التراب ، وكما يعلم الجميع فإنّ من شرط السجود أن يكون على شيء طاهر ، فاتخاذ التربة أمر يتيقّن المصلّي منه بطهارة موضع سجوده.

وأمّا بخصوص كون هذه اللبنة والتربة من كربلاء ، فإنّه ليس بواجب ـ بل كما قلنا فإنّه يجب السجود على الأرض أو ما أنبتته ـ ولكن هو أمر مستحبّ ، لورود روايات عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بذلك ، وكذلك ورود روايات عن أهل السنّة تروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ جبرائيل أخبره بمقتل الحسينعليه‌السلام ، وأتى له بتربة كربلاء ، وكذلك كانت تربة كربلاء عند أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأمّ سلمة ، وهي التربة التي كان الزوّار يعرفون بشم رائحتها قبر الحسينعليه‌السلام ، لما أخفاه خلفاء الجور عنهم(١) .

( محمّد السعيد ـ البحرين ـ )

يوجب الاطمئنان من طهارتها :

س : دخلت بعض المنتديات ، ووجدت بعض هذه الشبهات ، فهل من إجابة وبالدليل؟

الشيعة تسجد على التربة ، وحجّتهم أنّه لا يجوز السجود على ما يلبس أو يأكل ، لذا لا يسجدون على السجّاد ، فلماذا لا يسجدون على ثمانية ترب بعدد المساجد الثمانية؟

ج : إنّ الأحكام الشرعية توقيفية ، بمعنى أنّ الشارع يحدّدها ، فإذا ثبت حكم ما أنّ الشارع أثبته ، فلا يحقّ لنا أعمال ما تشتهيه أنفسنا.

____________

١ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ و ١٩١ ، مسند أحمد ١ / ٨٥ ، ذخائر العقبى : ١٤٨ ، الآحاد والمثاني ١ / ٣٠٩ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٨ ، كنز العمّال ١٢ / ١٢٧ و ١٣ / ٦٥٥ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٨٨ ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٠٧ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠٠ ، جواهر المطالب ٢ / ٢٩٠ ، سبل الهدى والنجاة ١١ / ٧٤.

٢١

فالسجود ثابت في الشريعة ، بأنّه لا يجوز إلاّ على الأرض أو ما أنبتته الأرض ، من غير المأكول والملبوس ، وأن يكون موضع السجود طاهر ، فيمكن للمصلّي أن يسجد على الأرض ، أو على ورق الأشجار ، وسعيف النخل و... ، والشيعة اتخذت قطعة من الأرض لتسجد عليها ، ولتطمئن من طهارتها ، فلا يأتيس : لماذا لا يسجدون على ثمان ترب بعدد المساجد الثمانية؟

( موالي ـ الكويت ـ ١٩ سنة ـ طالب )

السجود على الثوب مع العذر :

السؤال : عن أنس بن مالك : كنّا إذا صلّينا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض من شدّة الحرّ ، طرح ثوبه ثمّ سجد عليه (١) ، ألا تدلّ هذه الرواية على جواز السجود على الثوب لعذر؟ ودمتم سالمين.

ج : تدلّ هذه الرواية على جواز السجود على الثوب لعذر كشدّة الحرّ ، لا جوازه مطلقاً.

وأمّا الشيعة فعندهم عدم جواز السجود على غير الأرض ، أو ما أنبتته من غير المأكول والملبوس ، إلاّ لعذر شرعي كحال التقية ، وأدلّتهم على ذلك روايات وردت في هذا المضمار عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

( عماد ـ البحرين ـ ٢٦ سنة ـ طالب ثانوية )

سجود الشيعة على التربة الحسينية :

س : هناك بعض الأشخاص لديهم بعض الاستغراب ، من أنّا نصلّي على التربة الحسينية ، فلماذا نصلّي على التربة؟ وليس على الأرض مباشرة؟

____________

١ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ١٠٦.

٢٢

ج : تختصّ الشيعة الإمامية بالقول باستحباب السجود على تربة قبر الإمام الحسينعليه‌السلام تبعاً لأئمّتهم ، بل اتباعاً لمنهج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ومنهج أهل البيت هو منهج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يخالفونه قيد شعرة أبداً ـ في تكريمه للحسين سيّد الشهداءعليه‌السلام ، وتكريم تربة قبره.

فاللازم علينا إذاً ، هو الإتيان ببعض الأحاديث عن أهل البيتعليهم‌السلام أوّلاً ، وبيان منهج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ثانياً ، فهاك نصوص كلمات أهل البيتعليهم‌السلام :

١ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « السجود على طين قبر الحسينعليه‌السلام ينوّر إلى الأرض السابعة ، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسينعليه‌السلام كتب مسبّحاً وإن لم يسبح بها »(١) .

٢ ـ قال الإمام الكاظمعليه‌السلام : « لا يستغني شيعتنا عن أربع : خمرة يصلّي عليها ، وخاتم يتختّم به ، وسواك يستاك به ، وسبحة من طين قبر الحسينعليه‌السلام »(٢) .

٣ ـ عن معاوية بن عمّار قال : كان لأبي عبد اللهعليه‌السلام خريطة ديباج صفراء ، فيها من تربة أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته وسجد عليه ، ثمّ قالعليه‌السلام : «إنّ السجود على تربة أبي عبد الله عليه‌السلام يخرق الحجب السبع »(٣) .

٤ ـ كان الإمام الصادقعليه‌السلام لا يسجد إلاّ على تربة الحسينعليه‌السلام تذلّلاً لله ، واستكانة إليه(٤) .

٥ ـ سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن استعمال التربتين ، من طين قبر حمزة وقبر الحسينعليهما‌السلام ، والتفاضل بينهما ، فقالعليه‌السلام : «السبحة التي من طين قبر الحسين عليه‌السلام تسبّح بيد الرجل من غير أن يسبّح »(٥) .

____________

١ ـ من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٦٨ ، وسائل الشيعة ٥ / ٣٦٥.

٢ ـ وسائل الشيعة ٥ / ٣٥٩.

٣ ـ المصدر السابق ٥ / ٣٦٦.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ المصدر السابق ٦ / ٤٥٥.

٢٣

٦ ـ عن محمّد بن عبد الله بن الحميري قال : كتبت إلى الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام أسأله : هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر؟ وهل فيه فضل؟ فأجاب : «يسبّح الرجل به ، فما من شيء من السبح أفضل منه »(١) .

والظاهر أنّ المراد من القبر قبر الحسينعليه‌السلام ، والألف واللام للعهد ؛ لكون ذلك معهوداً مشهوراً عند أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم.

٧ ـ عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري قال : كتبت إلى الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام أسأله : عن السجدة على لوح من طين القبر ، وهل فيه فضل؟ فأجابعليه‌السلام : « يجوز ذلك ، وفيه الفضل »(٢) .

ولا غرو أن يجعل الله سبحانه الفضل في السجود على تربة سيّد الشهداءعليه‌السلام ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ، وقرّة عين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومهجة فاطمة البتولعليها‌السلام ، وابن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأحد أصحاب الكساء ، وهو وأخوه المراد من الأبناء في الكتاب الكريم في قصّة المباهلة ، وهو شريك أبيه وأُمّه في سورة هل أتى ، وأحد الأئمّة الكرام الهداة ، وأحد الخلفاء الاثني عشر ، وهو مصباح الهدى ، وسفينة النجاة.

فأيّ مانع من تشريف الله تعالى له وتكريمه إيّاه بتفضيل السجود على تربته؟

وقال الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاءقدس‌سره في كتابه « الأرض والتربة الحسينية » في بيان حكمة إيجاب السجود على الأرض ، واستحباب السجود على التربة الشريفة :

ولعلّ السرّ في إلزام الشيعة الإمامية السجود على التربة الحسينية ، مضافاً إلى ما ورد في فضلها من الأخبار ، ومضافاً إلى أنّها أسلم من حيث النظافة والنزاهة من السجود على سائر الأراضي ، وما يطرح عليها من الفرش والبوراي ، الحصر الملوّثة والمملوءة غالباً من الغبار والمكروبات الكامنة فيها ، مضافاً إلى كُلّ ذلك ، فلعلّه

____________

١ ـ الاحتجاج ٢ / ٣١٢.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٢٤

من جهة الأغراض العالية ، والمقاصد السامية أن يتذكّر المصلّي حين يضع جبهته على تلك التربة ، تضحية ذلك الإمام بنفسه وآل بيته ، والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ، وتحطيم هياكل الجور والفساد والظلم والاستبداد.

ولمّا كان السجود أعظم أركان الصلاة ، وفي الحديث «أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد »(١) ، مناسب أن يتذكّر بوضع جبهته على تلك التربة الزاكية ، أُولئك الذين جعلوا أجسامهم عليها ضحايا للحقّ ، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى ، ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع ، ويحتقر هذه الدنيا الزائفة وزخارفها الزائلة.

ولعلّ هذا المقصود من أنّ السجود عليها يخرق الحجب السبعة ـ كما في الخبر الآتي ذكره ـ فيكون حينئذٍ في السجود سر الصعود والعروج من التراب إلى ربّ الأرباب ، إلى غير ذلك من لطائف الحكم ودقائق الأسرار(٢) .

( حسين مردان ـ العراق ـ ٣٩ سنة ـ مهندس )

لا يقاس بالتيمّم :

س : إذا كان التيمّم عند عدم وجود الماء يجوز ، حتّى لو مسحت يدك بتراب الجدران ، أو أيّ أثاث في البيت بقصد الصلاة ، فلماذا لا يجوز الصلاة على السجّادة بدون التربة الحسينية؟ هذا السؤال كثيراً ما يثار معي في النقاش مع أهل السنّة ، أجيبونا أثابكم الله.

ج : نجيب على هذا السؤال بعدّة نقاط :

١ ـ إنّ هذا الإشكال مبنيّ على القياس ، وهو مردود صغرى وكبرى :

أ ـ أمّا الكبرى : فالقياس باطل عندنا ، فقد نهى أئمّتناعليهم‌السلام عن اتخاذ القياس دليلاً على الأحكام الشرعية ، فإنّ دين الله لا يقاس بالعقول ، وأوّل من قاس إبليس ( لعنه الله ).

____________

١ ـ ثواب الأعمال وعقابها : ٣٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٨ / ٢١١ ، كنز العمّال ٧ / ٢٩٢.

٢ ـ الأرض والتربة الحسينية : ٣٢.

٢٥

ب ـ ثمّ إنّ هذا القياس غير صحيح ، لأنّ الطهارة الترابية بدل اضطراري عن الطهارة المائية ، أي إنّ النوبة تصل إلى التيمّم بعد فقد الماء وعدم التمكّن من الوضوء ، فيتيمّم بغبار الجدران ، أو أثاث البيت إذا عجز عن التيمّم بالأرض ، فالمقاس عليه اضطرار في اضطرار.

فكيف يقاس عليه السجود على السجّادة في حالة الاختيار ، الذي هو مفروض السؤال ، وهو المتبع عند أهل السنّة.

٢ ـ إنّ حكم السجود عندنا هو : وجوب السجود على ما يصدق عليه أنّه أرض ، ومنه التربة الحسينية ، لا ما يتوهّمه الآخرون من وجوب السجود على التربة الحسينية.

نعم ، السجود عليها مستحبّ لورود روايات في استحبابها.

٣ ـ إنّ طريقة طرح السؤال غير صحيحة من البداية ، إذ لا يجوز أن يعترض على مذهب مخالف من خلال الاعتماد على قواعد يعتمدها المذهب الآخر ، بل يجب أمّا أن يبنى على قواعد متّفق عليها ، أو أن يبنى على قواعد نفس المذهب المعترض عليه.

٢٦

سرية أُسامة :

( ناصر ـ أمريكا ـ )

ثبوت اللعن عقلاً ونقلاً لمن تخلّف عنها :

س : ما هي الكتب التي تقول : لعن الله من تخلّف عن حملة أُسامة بن زيد ، غير كتاب الملل والنحل ، والسقيفة للجوهري؟

ج : إنّ المتتبّع يجد ، أنّ ما يرتبط بالصحابة من القضايا التاريخية ـ سواء ما وقع منها في زمن الرسالة أو بعده ـ لم يصل لنا إلاّ القليل منه ، أمّا أن يخفى ، أو يذكر بشكل مبهم أو محرّف ، ممّا يشمّ منه أنّ أصل تلك القضايا مسلّمة ، ووجود روايات كثيرة في القرن الأوّل ، فضلاً عمّا بعده ممّا لا يقبل الإنكار.

فإنّ مسألة جيش أُسامة من المسلّمات عند جميع المسلمين ، وقد تناقلوه في أكثر كتبهم.

وأمّا ورود الحديث في لعن المتخلّف عن جيش أُسامة ، فهو في المصادر الشيعية كثير ، وأمّا المصادر السنّية ، فإنّها لم ترد بعد تفحّصنا إلاّ فيما ذكرته من وجودها في كتاب الملل والنحل(١) وكتاب السقيفة ، فإنّ المسائل التي فيها طعن على أيّ واحد من الصحابة أو التابعين تحذف من تاريخ الإسلام ، فضلاً من الخلفاء ، وهذا شيء طبيعي.

____________

١ ـ الملل والنحل ١ / ٢٣.

٢٧

فتحصيل شيء من هذا القبيل من الصعوبة جدّاً أن يبقيه التاريخ ، لأنّ الذي ينقل الطعن يتّهم بالرفض والزندقة ، وكُلّ التهم التي تترتّب عليه ، حتّى أنّ الأيادي الأثيمة قد بدّلت عبارة اللعن على المتخلّف عن جيش أُسامة ـ في كتب التاريخ ـ بفقرة أُخرى وهي : اللعن من اتخاذ قبور الأنبياء مساجد ، وهو كما ترى خيانة وتحريف للحقائق ، إذ لا علاقة بين موضوع خطاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندئذ ، وبين الصلاة عند القبور(١) .

وعلى كُلّ حال ، فإنّ ما ورد في كتاب الملل والنحل وكتاب السقيفة فيهما الكفاية في إثبات ما ورد من الحديث ، في لعن المتخلّف عن جيش أُسامة ، وذلك :

لأنّ الشهرستاني في الملل والنحل ، أرسل الحديث إرسال المسلّمات ، والشهرستاني ـ مع نصبه وعداوته المعروفة لأهل البيت وشيعتهم ـ لمّا يرسل مثل هذا الحديث إرسال المسلّمات ، يكون حجّة وأيّ حجّة؟

ولأنّ الجوهري في كتابه السقيفة ـ كما نقله عنه ابن الحديد في الشرح(٢) ـ أورده بسند متّصل معتبر : عن أحمد بن إسحاق بن صالح ، عن أحمد بن سيّار ، عن سعيد بن كثير الأنصاري ، عن رجاله ، عن عبد الله بن عبد الرحمن.

ثمّ من جانب آخر ، فإنّ طاعة الرسول واجبة ، وعليه فالتخلّف عن جيش أُسامة تخلّف عن طاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتخلّف عن طاعة رسول الله يوجب أذى رسول الله ، وأذية رسول الله توجب اللعنة بنصّ القرآن الكريم :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٣) .

ومن المجمع والمسلّم عليه بين الكُلّ : أنّ أبا بكر وعمر تخلّفا عن جيش أُسامة ، فسواء ثبت حديث لعن المتخلّف عن جيش أُسامة أو لم يثبت فإنّ اللعنة

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٣١ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ / ٤٧.

٢ ـ شرح ابن أبي الحديد ٦ / ٥٢.

٣ ـ الأحزاب : ٥٧.

٢٨

شاملة لكُلّ من تخلَّف ، باستثناء من خرج بالدليل عن شمول الالتحاق ، وهو أمير المؤمنينعليه‌السلام والفضل بن العباس.

( أُمّ بدر ـ ـ )

عدم خروج علي فيها :

س : لماذا لم يخرج الإمام علي عليه‌السلام مع جيش أُسامة؟ وظلّ بالمدينة حتّى موت الرسول الأعظم ، وحتّى عندما خرج جيش أُسامة بعد موت الرسول ، هل خرج علي بن أبي طالب معهم؟ وهل أُسامة خرج بعد موت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : ذكر التاريخ أسماء كبار الصحابة ، الذين أمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخروج مع جيش أُسامة ، ومنهم أبو بكر وعمر وآخرون ، ومن المعلوم وممّا لاشكّ فيه : أنّ علياًعليه‌السلام كان من كبارهم ، ولكن التاريخ لم يذكر اسمه في ضمن صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين أمروا بالخروج ، وهذا دليل على عدم أمر النبيّ له بالخروج.

مضافاً إلى أنّه لو كان مأموراً بالخروج ولم يخرج ، لشنّ عليه أعداؤه حملة لا هوادة فيها ، للتقليل من شأنه ، بينما لا نجد ولا أيّ كتاب تاريخي يذكر أنّه تخلّف ، خلافاً لبقية الصحابة الكبار.

كما أنّ عدم خروج الإمام علي بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع جيش أُسامة ، لأنّ الإمام لا يرى الشرعية في بعث جيش أُسامة من قبل أبي بكر ، لأنّه يعتبر نفسه الخليفة الشرعي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كما أنّ المعروف والمتّفق عليه تاريخياً : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يؤمّر على عليعليه‌السلام أحداً طيلة حياة النبيّ ، وهذا من ضمن الموارد ، وفي ذلك دلالة واضحة على رسول الله لا يريد أن يجعل شخصاً فوق عليعليه‌السلام وأميراً عليه ، ممّا يدل على أفضلية عليعليه‌السلام على غيره من الصحابة.

٢٩

( باسم علية ـ تونس ـ )

الكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات :

س : أودّ أن أسألكم عن الأسباب الخفية لتجنيد كبار الصحابة في جيش أُسامة ، ولماذا أصرّ الرسول الأكرم على إرسال أُسامة بالذات قائداً للجيش؟ مع الشكر والامتنان.

ج : إنّ الإسلام دين الحقّيقة والمعاملة مع الواقع العملي ، وعليه فالكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات التي كانت عليها قريش في الجاهلية ، فالكفاءة إذا كانت في شاب فهو المقدّم.

وفي هذا درس عظيم لنا ، أن نتعامل مع الواقع ، ولا تغلبنا الاعتبارات الأُخرى التي هي أقرب ما تكون إلى البعد عن الواقع العملي.

وعليه ، فتبطل نظرية أبي بكر عندما سئل بأنّ الخليفة الحقّ هو علي؟ فأجابهم : بأنّه أكبر منه سناً!!

وفي مسألة جيش أُسامة وتأميره على كبار الصحابة ، واستثناء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنينعليه‌السلام للبقاء معه ، ولعنه من تخلّف عن جيش أُسامة ، في كُلّ هذه دروس وعبر لمن اعتبر ، بالأخصّ في مسألة الإمامة.

وفي هذه الأيّام ، طلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالدواة والقلم ليكتب لهم وصيّته ، فوقف أمامها عمر بن الخطّاب ـ الذي تخلّف عن جيش أُسامة ـ وحال دون كتابة النبيّ لهذه الوصية.

( فاضل السبع ـ البحرين ـ ٢٢ سنة ـ طالب )

خروج جميع الصحابة فيها :

س : أشكر القائمين على هذا الموقع المبارك ، وأتمنّى لكم مزيد من التقدّم.

٣٠

عندي سؤال : هل أنّ أبا ذر ، والمقداد ، وسلمان المحمّدي ، وعمّار ، وجميع صحابة عليعليه‌السلام الخلّص ، كانوا ضمن جيش أُسامة؟ أم أنّهم بقوا في مدينة الرسول؟

وهل بالإمكان معرفة أسماء الصحابة المتخلّفين عن جيش أُسامة؟ مع كتابة المصادر الدالّة على ذلك من كتب أهل السنّة؟ وشكراً جزيلاً.

ج : ذكرت كتب الفريقين أنّ جميع المهاجرين ووجوه الأنصار خرجوا في جيش أُسامة إلاّ الإمام عليعليه‌السلام ، ومن هذا الإطلاق يعلم : أنّ أبا ذر ، والمقداد ، وسلمان المحمّدي ، وعمّار ، وكُلّ صحابة الإمام عليعليه‌السلام ، خرجوا في جيش أُسامة امتثالاً لأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يتخلّفوا عنه ، وعسكروا في منطقة الجرف قرب المدينة المنوّرة ، وبعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجعوا إلى المدينة ، وفوجئوا بقضية السقيفة ، ومبايعة أبي بكر للخلافة.

وأمّا بالنسبة إلى ذكر أسماء من تخلّف عن جيش أُسامة ـ خصوصاً من كتب أهل السنّة ـ فهذا غير ممكن ، لأنّ كُلّ ما يرتبط بالصحابة من القضايا التاريخية ـ سواء ما وقع منها في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو بعده ـ لم يصل لنا منه إلاّ القليل ، إمّا أن يخفى ، أو يذكر بشكل مبهم ، أو محرّف ، ممّا يشمّ منه أنّ أصل تلك القضايا كانت من المسلّمات ، ومن تلك القضايا مسألة تخلّف بعض الصحابة عن جيش أُسامة.

نعم ، ورد في بعضها : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان وأبا عبيدة وطلحة والزبير كانوا ممّن نفذ في جيش أُسامة ، ولكن في نفس الوقت نجد هؤلاء كانوا في سقيفة بني ساعدة ، بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ممّا يدلّل أنّهم تخلّفوا عن الجيش.

٣١
٣٢

السقيفة :

( علي طاهر ـ السعودية ـ ٤٠ سنة )

كما في الاحتجاج للطبرسي :

س : ذكر الرواة بأنّ بعض الأنصار كان في السقيفة ، مع أنّ مصادر الشيعة يذكرون بأنّ الأنصار كانوا مع الإمام عليعليه‌السلام ما عدا ثلاثة أو خمسة ، ومنهم بشير الأنصاري أبو النعمان.

هل الصحابي سعد بن عبادة يريد أن يأخذ الخلافة؟ لأنّه كان موجوداً وعشيرته تريد أن تبايعه ، أم أنّه شعر بريحة الخيانة من جهة عمر؟ أو علم من الأخبار لأنّه رئيس عشيرة وعيونه أخبرته بنية القوم؟

ودمتم موفّقين ، والله يحفظكم من كُلّ شرّ ، ويجعلكم نوراً يستضئ به المؤمنون.

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، كما ذكرت ذلك كتب الفريقين ، والظاهر أنّ المقصود من الاجتماع ، اجتماع بعضهم لا اجتماع كُلّهم من أوسهم وخزرجهم ، ولكن كم مقدارهم؟ فبعض كتبنا كالاحتجاج للعلاّمة الطبرسيقدس‌سره عبّرت هكذا : « وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض »(١) .

____________

١ ـ الاحتجاج ١ / ٩١.

٣٣

ويمكن أن بعض كتبنا ذكرت مجموعة قليلة ، وسواء قلنا إنّهم كانوا خلقاً كثيراً أم أنّهم كانوا مجموعة قليلة ، كان المعروف بينهم أنّ الخليفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الإمام عليعليه‌السلام .

وأمّا بالنسبة إلى قضية سعد بن عبادة ، فتتّضح من خلال ما نقله العلاّمة الطبرسي في الاحتجاج حول قصّة السقيفة ، حيث قال :

« ثمّ اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة ، وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة ، فلمّا سمع بذلك عمر أخبر بذلك أبا بكر ، فمضيا مسرعين إلى السقيفة ، ومعهما أبو عبيدة بن الجرّاح ، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض ، فتنازعوا الأمر بينهم ، فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار : إنّما أدعوكم إلى أبي عبيدة بن الجرّاح أو عمر ، وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر ، وكلاهما أراهما له أهلاً.

فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدّمك يا أبا بكر ، وأنت أقدمنا إسلاماً ، وأنت صاحب الغار وثاني اثنين ، فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به.

فقال الأنصار : نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا ولا منكم ، فنجعل منّا أميراً ومنكم أميراً ونرضى به ، على أنّه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار.

فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين : وأنتم يا معشر الأنصار ، ممّن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام ، رضيكم الله أنصاراً لدينه ، وكهفاً لرسوله ، وجعل إليكم مهاجرته ، وفيكم محل أزواجه ، فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأوّلين بمنزلتكم ، فهم الأمراء وأنتم الوزراء.

فقال الحباب بن المنذر الأنصاري : يا معشر الأنصار ، أمسكوا على أيديكم ، فإنّما الناس في فيئكم وظلالكم ، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم.

وأثنى على الأنصار ثمّ قال : فإنّ أبى هؤلاء تأميركم عليهم ، فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ، ولا نقنع بدون أن يكون منّا أمير ومنهم أمير.

٣٤

فقام عمر بن الخطّاب فقال : هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد ، إنّه لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيّها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم ، وأُلو الأمر منهم ، ولنا بذلك على من خالفنا الحجّة الظاهرة ، والسلطان البيّن ، فيما ينازعنا سلطان محمّد ، ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلاّ مدل بباطل أو متجانف بإثم ، أو متورّط في الهلكة محبّ للفتنة.

فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال : يا معشر الأنصار امسكوا على أيديكم ، ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، وإن أبوا أن يكون منّا أمير ومنهم أمير ، فأجلوهم عن بلادكم ، وتولّوا هذا الأمر عليهم ، فأنتم والله أحقّ به منهم ، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت ، من لم يكن يدين بغيرها ، وأنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، والله لئن أحد ردّ قولي لأحطمن أنفه بالسيف.

قال عمر بن الخطّاب : فلمّا كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام ، فإنّه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فنهاني رسول الله عن مهاترته ، فحلفت أن لا أكلّمه أبداً.

قال عمر لأبي عبيدة : تكلّم ، فقام أبو عبيدة بن الجرّاح وتكلّم بكلام كثير ، وذكر فيه فضائل الأنصار ، وكان بشير بن سعد سيّداً من سادات الأنصار ، لمّا رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده ، وسعى في إفساد الأمر عليه ، وتكلّم في ذلك ورضى بتأمير قريش ، وحثّ الناس كُلّهم لاسيّما الأنصار على الرضا ، بما يفعله المهاجرون.

فقال أبو بكر : هذا عمر وأبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيّهما شئتم؟

فقال عمر وأبو عبيدة : ما نتولّى هذا الأمر عليك أمدد يدك نبايعك.

فقال بشير بن سعد : وأنا ثالثكما ، وكان سيّد الأوس ، وسعد بن عبادة سيّد الخزرج ، فلمّا رأت الأوس صنيع سيّدها بشير ، وما ادعيت إليه الخزرج من تأمير سعد ، أكبّوا على أبي بكر بالبيعة ، وتكاثروا على ذلك وتزاحموا ، فجعلوا يطأون سعداً من شدّة الزحمة ، وهو بينهم على فراشه مريض.

٣٥

فقال : قتلتموني ، قال عمر : اقتلوا سعداً قتله الله ، فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال : والله يا بن صهّاك ، الجبان في الحرب ، والفرّار الليث في الملا والأمن ، لو حرّكت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة.

فقال أبو بكر : مهلا يا عمر مهلا ، فإنّ الرفق أبلغ وأفضل ، فقال سعد : يا بن صهّاك الحبشية ، أما والله لو أنّ لي قوّة النهوض ، لسمعتها منّي في سككها زئيراً أزعجك وأصحابك منها ، ولالحقّنكما بقوم كنتما فيهم أذناباً أذلاء تابعين غير متبوعين لقد اجترأتما.

ثمّ قال للخزرج : احملوني من مكان الفتنة ، فحملوه وأدخلوه منزله ، فلمّا كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر ، أن قد بايع الناس فبايع ، فقال : لا والله حتّى أرميكم بكُلّ سهم في كنانتي ، وأخضب منكم سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ما أقلّت يدي ، فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي ، ثمّ وأيم الله لو اجتمع الجنّ والأنس عليّ لما بايعتكما ، أيّها الغاصبان حتّى أعرض على ربّي ، وأعلم ما حسابي.

فلمّا جاءهم كلامه ، قال عمر : لا بدّ من بيعته ، فقال بشير بن سعد : إنّه قد أبى ولجّ وليس بمبايع أو يقتل ، وليس بمقتول حتّى يقتل معه الخزرج والأوس ، فاتركوه فليس تركه بضائر ، فقبلوا قوله وتركوا سعداً ، فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وجد أعواناً لصال بهم ولقاتلهم ، فلم يزل كذلك مدّة ولاية أبي بكر حتّى هلك أبو بكر ، ثمّ ولي عمر وكان كذلك ، فخشى سعد غائلة عمر ، فخرج إلى الشام فمات بحوران في ولاية عمر ، ولم يبايع أحداً.

وكان سبب موته أن رمي بسهم في الليل فقتله ، وزعم أنّ الجنّ رموه ، وقيل أيضاً أنّ محمّد بن سلمة الأنصاري تولّى ذلك بجعل جعل له عليه ، وروي أنّه تولّى ذلك المغيرة بن شعبة ، وقيل خالد بن الوليد » إلى نهاية كلامهقدس‌سره .

٣٦

الشطرنج :

( حمد النصّار ـ الكويت ـ )

سبب تحريمها :

س : ما هو سبب تحريم الشطرنج؟ مع أنّها قد تفيد الإنسان ذهنياً عن طريق التفكير ، ونفسياً عن طريق الترفيه ، وشتّان بين الضرر الذي يسبّبه السجائر والضرر الذي يسبّبه الشطرنج؟ ومع ذلك لم يحرّم علماؤنا السجائر مع ثبات الضرر الذي تحقّقه ، أفيدونا يرحمكم الله؟

ج : إنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، أي يجب العمل بها تعبّداً ، سواء في ذلك توصّلنا إلى فلسفة الأحكام أو لم نتوصّل ، بل حتّى تلك الأحكام التي توصّلنا إلى فلسفتها ، فهي لا تعبّر بالضرورة الفلسفة الحقّيقية للحكم ، بل تعبّر عن بعض ما توصّلنا إليه.

ويعتبر تحريم الشطرنج من هذا القبيل ، فهو حكم تعبّدي ، حتّى فسّرت آية( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ ) (١) بالشطرنج ، كما ورد في الكثير من الأحاديث(٢) .

____________

١ ـ الحجّ : ٣٠.

٢ ـ أُنظر : الكافي ٦ / ٤٣٥ ، دعائم الإسلام ٢ / ٢١٠ ، من لا يحضره الفقيه ٤ / ٥٨ ، معاني الأخبار : ٣٤٩ ، تفسير القمّي ٢ / ٨٤.

٣٧

ويمكن أن يكون سبب ورود الكثير من الروايات في التحريم ، والتأكيد على تحريم الشطرنج بالذات : أنّ الشطرنج من الألعاب التي تنسي ذكر الله ، حتّى أنّه قيل : أنّ كثيراً من لاعبي الشطرنج يغفلون عن أداء الصلاة ، لأنّ الشطرنج من الألعاب الملهية التي تستغرق وقتاً كثيراً كما يقال.

وقيل أيضاً : إنّ الشطرنج يوجب البغضاء بين الممارسين له ، ويكدّر صفو القلوب.

وكما قلنا لك : الأحكام تعبّدية ، وما ذكر من الأسباب مجرّد احتمال.

هذا ، وبالأخص إذا عدّ عرفاً الشطرنج من آلات القمار ، والمؤمنون لا يقتربون آلة تعدّ عرفاً من آلات القمار التي يقامر بها من لا دين له ، ويكون كتحريم الجلوس على مائدة فيها خمر ، وإن كان الجالس لا يشرب الخمر.

( أحمد ـ العراق ـ ٢٩ سنة ـ طالب حوزة )

مصادر حرمتها :

س : لدي سؤال لو سمحتم :

١ ـ هل من الممكن أن تدلّونا على أسماء الكتب التي تذكر فلسفة تحريم الشطرنج؟ ويا حبّذا لو تدلّونا على مواقعها في الإنترنت.

٢ ـ تفضّلتم قائلين : ويمكن أن يكون سبب ورود الكثير من الروايات في التحريم ، والتأكيد على تحريم الشطرنج بالذات : أنّ الشطرنج من الألعاب التي تنسي ذكر الله ، حتّى أنّه قيل : إنّ كثيراً من لاعبي الشطرنج يغفلون عن أداء الصلاة ، لأنّ الشطرنج من الألعاب الملهية التي تستغرق وقتاً كثيراً كما يقال.

وقيل أيضاً : إنّ الشطرنج يوجب البغضاء بين الممارسين له ، ويكدّر صفو القلوب.

فيا حبّذا لو تذكروا لنا المصدر في ذلك ، مع جزيل الشكر ، ووفّقكم الله لما يحبّ ويرضى.

٣٨

ج : لقد ذكرت مسألة حرمة الشطرنج في المكاسب المحرّمة عند أغلب بحوث علمائنا ، كما وردت عن المعصومينعليهم‌السلام روايات كثيرة في تلك المسألة ، فارجع إلى الكتب الآتية : « المكاسب المحرّمة» للسيّد الخميني ، « مصباح الفقاهة» للسيّد الخوئي ، كتاب « المكاسب» للشيخ الأنصاري ، « جواهر الكلام» للشيخ الجواهري ، « الكافي» للشيخ الكليني ، « من لا يحضره الفقيه» للشيخ الصدوق ، « وسائل الشيعة» للشيخ الحرّ العاملي ، « بحار الأنوار» للعلاّمة المجلسي(١) .

أمّا ما يتعلّق بسبب تحريم الشطرنج ، فكما تعرف قد ذكرنا ما يتعلّق بالموضوع في موقعنا ، وما ذكر ما هي إلاّ استنتاجات مستفادة من أقوال بعض الرواة والعلماء ، والسيّد الخميني لم يحلّل الشطرنج الذي هو من آلات القمار ، بل قالقدس‌سره : « إنّ الشطرنج إن كان قد خرج عن كونه من آلات القمار جاز اللعب به» ، وهذه قضية تعليقية شرطية ، أي أنّ حرمة الشطرنج ترتفع إذا تبدّل العنوان وصار الشطرنج ليس من آلات المقامرة ، وصدق الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها.

( جواد ـ السعودية ـ )

حكم اللعب بها وبالنرد :

س : إن سمحتم لدي سؤال وهو : من المعروف أنّ النرد والشطرنج من المحرّمات ، وسمعت أنّ هنالك حديث ينصّ على أنّ اللعب بالنرد مثل الزاني بفرج أُمّه؟ فما مدى سند هذا الحديث وصحّته؟ علماً بأنّي سمعت من أحد الأشخاص يقول : بأنّ سند هذا الحديث غير صحيح ، أو أنّه ضعيف ، أفيدونا أفادكم الله.

____________

١ ـ مأساة الزهراء ١ / ١٦٢.

٣٩

ج : الآلات التي يلعب بها بعض منها ورد نصّ على تحريمها ، وبعض لم يرد نصّ.

أمّا الآلات التي لم يرد نصّ على تحريمها ، فاللعب بها مع الرهان حرام قطعاً ، وأمّا بدون الرهان ، فإن كان اللعب بها في الأعم الأغلب مع الرهان بحيث سمّيت عرفاً آلة قمار ، فاللعب بها بدون رهان حرام قطعاً ، وإن كان العرف لا يسمّيها آلة قمار ، فإنّ اللعب بها بدون رهان جائز شرعاً.

وأمّا الآلات التي ورد نصّ في تحريمها ـ كالنرد والشطرنج ـ فمشهور العلماء يذهب إلى أنّ موضوع الحرمة هو نفس الآلة ، مع غض النظر عن صدق القمارية عليه وعدمه ، وعليه يحرم اللعب بها مطلقاً.

ولكن ذهب بعض إلى أن موضوع الحرمة هو صدق القمارية عرفاً ، فإذا كان العرف لا يعدّها آلة قمار ، فاللعب بها بدون رهان جائز ، وإن اختلفوا في كيفية الصدق العرفي لخروج الآلة عن اسم القمار.

فذهب بعض إلى أنّ الآلة لا يمكن أن تخرج عرفاً عن اسم القمار ، إلاّ بعد أن يترك الجميع اللعب بها مع الرهان ، فلو كان شخص واحد يلعب بها مع الرهان ، فالآلة عرفاً تبقى على اسم القمار ، ويحرم اللعب بها من دون رهان.

وبعض ذهب إلى أنّ الأعم الأغلب إذا ترك اللعب بها مع الرهان ، فعرفاً تخرج عن اسم آلة القمار ، ويكون حكمها كالخمر إذا انقلب خلاً.

هذا هو موجز تفاصيل المسألة ، وعلى كُلّ فرد أن يرجع في هذه المسألة إلى مرجع تقليده ، والاحتياط في الاجتناب عن اللعب بالآلات التي ورد فيها النصّ على الحرمة ـ كالنرد والشطرنج ـ لا يترك.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307