مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٣

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 307

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد جواد الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 307
المشاهدات: 114768
تحميل: 3612

توضيحات:

الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114768 / تحميل: 3612
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء 3

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يطلي على أثره! «فجعل برير يُهازل عبدالرحمن! فقال له عبدالرحمن: دعنا فواللّه ماهذه بساعة باطل! فقال له بُرير: واللّه لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شابّاً ولاكهلًا، ولكن واللّه إني لمستبشرٌ بما نحن لاقون! واللّه إنْ بيننا وبين الحور العين إلّا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم! ولَوددتُ أنّهم قد مالوا علينا بأسيافهم! ..».(١)

ونُقل أنّه «لما بلغ من الحسينعليه‌السلام العطش ما شاء اللّه أن يبلغ، استأذن برير الحسينعليه‌السلام في أن يُكلِّم القوم فأذن له، فوقف قريباً منهم ونادى: يا معشر النّاس، إنّ اللّه بعث بالحقّ محمّداً بشيراً ونذيراً وداعياً إلى اللّه بإذنه وسراجاً منيراً، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها! وقد حيل بينه وبين ابن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أفجزاء محمّد هذا!؟

فقالوا: يا بُرير، قد أكثرت الكلام فاكففْ! فواللّه ليعطشنّ الحسين كما عطش من كان قبله! فقال الحسينعليه‌السلام : أكففْ يا بُرير.».(٢)

وروى الطبري عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس، وكان قد شهد مقتل الحسينعليه‌السلام قال: «خرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة ...

فقال: يا برير بن خضير، كيف ترى اللّه صنع بك!؟

قال: صنع اللّهُ واللّهِ بي خيراً، وصنع اللّه بك شرّاً!

قال: كذبتَ، وقبل اليوم ما كنتَ كذّاباً! هل تذكر وأنا أُماشيك في بني لوذان،(٣)

____________________

(١) راجع: تأريخ الطبري، ٣: ٣١٨.

(٢) راجع: إبصار العين: ١٢٣.

(٣) في إبصار العين: ١٢٣: «أُماشيك في سكّة بني دودان»، وقال السماوي (ره): «دودان: بطن من أسد، ولهم سكّة في الكوفة، وصُحّفتْ الكلمة في بعض النسخ بلوذان، وهو غلط» (راجع: إبصار العين: ١٢٦).

٢٦١

وأنت تقول: إنّ عثمان بن عفان كان على نفسه مسرفاً، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضالٌّ مُضلّ، وإنّ إمام الهدى والحقّ عليّ بن أبي طالب!؟

فقال له برير: أشهدُ أنّ هذا رأي وقولي.

فقال له يزيد بن معقل: فإنّي أشهد أنّك من الضالين!

فقال له برير بن خضير: هل لك أنْ أُباهلك؟ ولندعُ اللّه أنْ يلعن الكاذب، وأن يقتل المبطل، ثم اخرج فلأبارزك!

قال فخرجا فرفعا أيديهما إلى اللّه يدعوانه أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المحقُّ المبطلَ، ثمّ برز كلّ واحدٍ منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين، فضرب بُرير بن خضير ضربة خفيفة لم تضرّه شيئاً! وضربه برير بن خضير ضربة قدّت المغفر وبلغت الدماغ! فخرَّ كأنّما هوى من حالق! وإنَّ سيف ابن خضير لثابتٌ في رأسه، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه من رأسه!

وحمل عليه رضيُّ بن منقذ العبدي فاعتنق بريراً، فاعتركا ساعة، ثمّ إنّ بريراً قعد على صدره! فقال رضيّ: أين أهل المصاع والدفاع!؟

قال فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه، فقلتُ: إنّ هذا برير إبن خضير القارىء الذي كان يُقرئنا القرآن في المسجد!

فحمل عليه بالرمح حتّى وضعه في ظهره، فلما وجد مسَّ الرمح برك عليه فعضّ بوجهه وقطع طرف أنفه! فطعنه كعب بن جابر حتّى ألقاه عنه، وقد غيّب السِنانَ في ظهره، ثمّ أقبل عليه يضربه بسيفه حتّى قتله ..».(١)

فسلام على برير بن خضير يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّاً!

____________________

(١) تاريخ الطبري، ٣: ٣٢٧.

٢٦٢

١٤)- البيضة:

«بكسر الباء، ماء بين واقصة إلى العذيب، متصلة بالحَزَن، لبني يربوع».(١)

وروى الطبري: عن أبي مخنف، عن عقبة بن أبي العيزار قال: «إنَّ الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحرّ بالبيضة، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال:

أيّها الناس، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلًّا لحُرَم اللّه، ناكثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسُنَّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، يعمل في عباد اللّه بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولاقول كان حقّاً على اللّه أن يُدخله مدخله! ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام اللّه، وحرّموا حلاله! وأنا أحقّ من غيّر، وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليَّ رسُلكم ببيعتكم: أنّكم لاتسلموني ولاتخذلوني، فإنْ تممّتم على بيعتكم تُصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن عليٍّ وابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه على وآله وسلّم، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيَّ أُسوة، وإنْ لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ماهي لكم بِنُكر! لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، والمغرور من أغترّ بكم! فحظَّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم! ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيُغني اللّه عنكم! والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاتُه.».(٢)

____________________

(١) معجم البلدان، ١: ٥٣٢.

(٢) تأريخ الطبري، ٣: ٣٠٧.

٢٦٣

إشارة:

هذه الخطبة من أشهر وأقوى خطب الإمام الحسينعليه‌السلام في منازل الطريق بين مكّة وكربلاء، وقد تضمّنت أقوى الأدلّة على أنّ المسلمين جميعاً أمام تكليف عام بوجوب النهوض لمواجهة السلطان الجائر المستحلّ لحرم اللّه، الناكث لعهد اللّه، المخالف لسنّة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، العامل في عباد اللّه بالإثم والعدوان! فالإمامعليه‌السلام يروي عن جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: «من رأى»: أيّ كلُّ من رأى، فلا تختصّ الحال بواحدٍ دون آخر ...

ثمّ ما أعجب قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فلم يغيّر عليه بفعل ولاقول كان حقّاً على اللّه أن يُدخله مدخله!»، فالإنكار القلبي فقط هنا لايُنجي صاحبه- كما هو ظاهر المتن- من الدخول في نفس مصير السلطان الجائر!

ونشاهد في هذه الخطبة أيضاً أنّ الإمامعليه‌السلام قد أشار إلى مسؤولية موقعه الخاص في الأمة، فهو ابن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإمام منصوصٌ عليه، منصوب من قِبَل اللّه تعالى، مفترض الطاعة، فهو «أحقّ من غَيَّرَ» على السلطان الجائر بالقيام ضده والنهضة لإسقاطه، إنّهعليه‌السلام القائم بالحقّ في وقته.

وهو الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول اللّه صلوات اللّه عليهم أجمعين، فلجميع المسلمين فيه أُسوة حسنة «فلكم فيَّ أُسوة»، فعليهم عامة وعلى من سمع نداءه خاصة أن يقوموا معه وينصروه لإسقاط الطاغوت فيصيبوا بهذا رشدهم وخير دنياهم وآخرتهم.

فإنْ لم يفعلوا ونقضوا العهد وخلعوا البيعة فما ذلك بجديد مستغرب منهم! ولابجديد على الإمامعليه‌السلام ، فقد عرف ذلك منهم فيما مضى بما صنعوه بأبيه وأخيه ثمّ بابن عمّه مسلم صلوات اللّه عليهم وهم بذلك يُخطئون حظّهم ويضيّعون

٢٦٤

نصيبهم من الفرصة السانحة التي منّ اللّه بها عليهم في الجهاد بين يدي إمام مفترض الطاعة لإسقاط الطاغوت! والإمامعليه‌السلام على كلّ حال في غنىً عن الناكثين إنه الشهيد الفاتح الذي سيتحقق الفتح بدمه أساساً لابدم سواه! لو كانوا يعلمون!.

١٥)- عُذَيْب الهجانات

«العُذَيب: تصغير العذب: وهو الماء الطيّب، وهو ماء بين القادسية والمغيثة، بينه وبين القادسية أربعة أميال، وإلى المغيثة إثنان وثلاثون ميلًا. وقيل هو وادٍ لبني تميم، وهو من منازل حاجّ الكوفة ..».(١)

يواصل الطبري روايته عن عقبة بن أبي العيزار التي حدّثنا فيها عن خطبة الإمامعليه‌السلام بأصحابه في ذي حُسم، وحدّثنا فيها أيضاً عن جواب زهير بن القينرضي‌الله‌عنه عن لسان جميع الأنصاررضي‌الله‌عنه ، فيقول الطبري:

«.. وأقبل الحرّ يسايره، وهو يقول له: ياحسين، إنّي أذكّرك اللّه في نفسك! فإنّي أشهد لئن قاتلتَ لتُقتَلنَّ، ولئن قوتلتَ لتهلكنّ فيما أرى!

فقال له الحسينعليه‌السلام : أبالموت تخوّفني!؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني!؟ ما أدري ما أقوللك! ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه ولقيه وهو يريد نصرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فقال له: أين تذهب فإنك مقتول!؟ فقال:

سأمضي ومابالموت عارٌ على الفتى

إذا مانوى حقّاً وجاهد مُسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبوراً يغشّ ويرغما(٢)

____________________

(١) معجم البلدان، ٤: ٩٢.

(٢) في الإرشاد: ٢٢٥؛ هذا البيت وما بعده كما يلي: =

٢٦٥

قال: فلما سمع ذلك منه الحرُّ تنحّى عنه وكان يسير بأصحابه في ناحية، وحسين في ناحية أُخرى، حتّى انتهوا إلى عذيب الهجانات- وكان بها هجائن النعمان ترعى هنالك- فإذا هم بأربعة نفرٍ قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون(١) فرساً لنافع بن هلال، يُقال له الكامل، ومعهم دليلهم الطرمّاح بن عدي على فرسه وهو يقول:

يا ناقتي لاتذعري من زجْري

وشمّري قبل طلوع الفجر

بخير رُكبانٍ وخير سفرِ

حتّى تحلّي بكريم النَّجْرِ(٢)

الماجد الحُّرِ رحيب الصدر

أتى به اللّه لخير أمرِ

ثُمّتَ أبقاء بقاء الدّهرِ(٣)

____________________

=

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبوراً وخالف مجرما

فإنْ عشتُ لم أندم، وإنْ متُّ لَمْ ألَمْ

كفى بك ذُلاًّ أن تعيش وتُرغما

(١) يجنبون فرساً: أي يقودونه إلى جنبهم.

(٢) النجر: هو الأصل والحسب.

(٣) روى العلامة المجلسي في البحار، ٤٤: ٣٧٨ - ٣٧٩ هذه الأبيات عن كتاب السيّد محمّد بن أبي طالب الموسوي هكذا:

يا ناقتي لاتذعري من زجري

وامضي بنا قبل طلوع الفجر

بخير فتيانٍ وخيرِ سَفر

آل رسول الله آل الفخر

السادة البيض الوجوه الزُهر

الطاعنين بالرّماح السُمرِ

الضاربين بالسيوف البُترِ

حتّى تحلّي بكريم الفخر

الماجد الجدّ رحيب الصدر

أثابه الله لخير أمر

عمّره اللهُ بقاء الدهر

يا مالك النفع معاً والضُرّ

أيّد حسيناً سيّدي بالنصر

على الطغاة من بقايا الكُفرِ

على اللّعينين سليلي صخر

=

٢٦٦

قال: فلما انتهوا إلى الحسين أنشدوه هذه الأبيات فقال: أما واللّه إنّي لأرجو أن يكون خيراً ما أراد اللّه بنا، قُتلنا أم ظفرنا!

وأقبل إليهم الحرُّ بن يزيد فقال: إنّ هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادّهم!

فقال له الحسينعليه‌السلام : لأمنعنّهم ممّا أمنعُ منه نفسي! إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني ألّا تعرض لي بشيء حتّى يأتيك كتاب من ابن زياد!

فقال: أجل، لكن لم يأتوا معك!

قالعليه‌السلام : هم أصحابي، وهم بمنزلة من جاء معي، فإنْ تممّتَ على ما كان بيني وبينك وإلّا ناجزتُك!

فقال فكفّ عنهم الحُرّ.

خبر مقتل قيس بن مُسهّر الصيداويرضي‌الله‌عنه

قال: ثمّ قال لهم الحسين: أخبروني خبر النّاس وراءكم!؟

فقال له مجمع بن عبداللّه العائذي- وهو أحد النفر الأربعة الذين جاؤوه-:

أمّا أشراف النّاس فقد أُعظمت رشوتهم ومُلئت غرائرهم! يُستمال ودّهم ويُستخلص به نصيحتهم! فهم أَلْبٌ واحد عليك! وأما سائر الناس بعدُ فإنّ أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غداً مشهورة عليك!

قال: أخبرني فهل لكم علمٌ برسولي إليكم؟

قالوا: من هو؟

____________________

=

يزيد لازال حليف الخمر

وابن زياد عهر بن العهرِ

٢٦٧

قال: قيس بن مسهر الصيداوي!

فقالوا: نعم، أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلّى عليك وعلى أبيك، ولعن ابن زياد وأباه، ودعا إلى نصرتك! وأخبرهم قدومك! فأمر به ابن زياد فأُلقي من طمار القصر!

فترقرقت عينا الحسينعليه‌السلام ولم يملك دمعه، ثمّ قال:

منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا. أللّهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة نُزُلًا وأجمع بيننا وبينهم في مستقرٍ من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك!».(١)

مجموعة المجاهدين الذين التحقوا بالإمامعليه‌السلام في عُذيب الهجانات

إنّ النفر الذين التحقوا بالإمامعليه‌السلام في عذيب الهجانات لم يكونوا أربعة كما ذكرت رواية الطبري، بل كانوا ستة، هم: عمرو بن خالد الأسدي الصيداويرضي‌الله‌عنه ، ومولاه سعدرضي‌الله‌عنه ، ومجمع بن عبداللّه العائذيرضي‌الله‌عنه ، وابنه عائذرضي‌الله‌عنه ، وجنادة بن الحرث السلمانيرضي‌الله‌عنه ، وواضح التركيرضي‌الله‌عنه مولى الحرث السلماني،(٢) وكان معهم أيضاً غلام لنافع بن هلال أتبعهم بفرسه المدعوّ الكامل،(٣) وكان الطرمّاح بن عدي معهم كما هو ظاهر من رواية الطبري.

عمرو بن خالد الأسدي الصيداويرضي‌الله‌عنه

كان عمرو- أبوخالد-رضي‌الله‌عنه شريفاً في الكوفة، مخلص الولاء لأهل

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣: ٣٠٨.

(٢) راجع: إبصار العين: ١٤٦ - ١٤٧.

(٣) راجع: نفس المصدر: ١١٥.

٢٦٨

البيتعليهم‌السلام ، قام مع مسلمعليه‌السلام ، حتّى إذا خانته أهل الكوفة لم يسعه إلّا الإختفاء!، فلما سمع بقتل قيس بن مسهّر الصيداويرضي‌الله‌عنه وأنّه أخبر أنّ الحسينعليه‌السلام صار بالحاجر خرج إليه (مع بقية المجموعة التي ذكرناها)، وأخذوا دليلًا لهم الطرمّاح بن عدي الطائي، وكان جاء الى الكوفة يمتار لأهله طعاماً، فخرج بهم على طريق متنكَّبة، وسار سيراً عنيفاً من الخوف لأنهم علموا أنّ الطريق مرصود.(١)

وقد مرّ بنا- في رواية الطبري الماضية- تفصيل قصة لقائهم بالإمامعليه‌السلام في عذيب الهجانات، وما جرى بين الإمامعليه‌السلام وبين الحرّ الرياحيرضي‌الله‌عنه بسببهم، وكيف ساءلهم الإمامعليه‌السلام عن قيس بن مسهر الصيداويرضي‌الله‌عنه ، وكيف أخبروه بمقتله ...

وروي أنه: لما التحم القتال يوم عاشوراء، شدَّ هؤلاء مقدمين بأسيافهم في أوّل القتال على الأعداء، فلما وغلوا فيهم عطف عليهم الأعداء فأخذوا يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم، فلما نظر الحسينعليه‌السلام إلى ذلك ندب إليهم أخاه العباسعليه‌السلام ! فنهد إليهم وحمل على القوم وحده يضرب فيهم بسيفه قدماً! حتّى خلص إليهم واستنقذهم، فجاؤا معه وقد جُرحوا، فلما كانوا في أثناء الطريق رأوا أنّ القوم تدانوا إليهم ليقطعوا عليهم الطريق، فانسلّوا من العبّاس، وشدّوا على القوم بأسيافهم شدّة واحدة على مابهم من الجراحات! وقاتلوا حتّى قُتلوا في مكان واحد، فتركهم العبّاس ورجع إلى الحسينعليه‌السلام فأخبره بذلك فترحّم عليهم الإمامعليه‌السلام وجعل يكرّر ذلك.(٢)

فسلام على عمرو بن خالد الصيداوي يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعثُ حيّا!

____________________

(١) راجع: إبصار العين: ١١٤ - ١١٥.

(٢) راجع: تاريخ الطبري، ٣: ٣٣٠؛ وإبصار العين: ١١٦.

٢٦٩

سعدرضي‌الله‌عنه مولى عمرو بن خالد الصيداويرضي‌الله‌عنه

كان هذا المولى سيّداً شريف النفس والهمّة، تبع مولاه عمراً في المسير الى الإمام الحسينعليه‌السلام والقتال بين يديه حتّى قُتل شهيداً، وقد ذكرنا خبره مع مولاه، وكيف جاء معه، وكيف قتلوا في كربلاء.(١)

فسلام على سعد يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّا!

مجمع بن عبداللّه العائذيرضي‌الله‌عنه وابنه عائذرضي‌الله‌عنه

هو مجمع بن عبداللّه بن مجمع بن مالك بن أياس بن عبدمناة بن عبيداللّه بن سعد العشيرة، المذحجي العائذي.

كان عبداللّه بن مجمع العائذي صحابياً، وكان ولده مجمعرضي‌الله‌عنه تابعياً من أصحاب أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، ذكرهما أهل الأنساب والطبقات.

وكان مجمعرضي‌الله‌عنه مع ابنه عائذرضي‌الله‌عنه قد التحقا بالإمامعليه‌السلام في عذيب الهجانات كما مرَّ، واستشهدا مع عمرو بن خالد الصيداويرضي‌الله‌عنه وجنادة بن الحرث السلمانيرضي‌الله‌عنه في مكان واحد- كما مرّ بنا في ترجمة عمرو بن خالد- لكنّ صاحب الحدائق الوردية ذكر أنّ ابنه عائذاً استشهد في الحملة الأولى.(٢)

فسلام على مجمع بن عبداللّه العائذي يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً! وسلام على ابنه عائذٍ يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّا!

جنادة بن الحرث السلمانيرضي‌الله‌عنه

هو جنادة بن الحرث المذحجيّ المرادي السلماني الكوفي، كان من مشاهير

____________________

(١) راجع: إبصار العين: ١١٧.

(٢) راجع: إبصار العين: ١٤٥ – ١٤٧.

٢٧٠

الشيعة، ومن أصحاب أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، وكان خرج مع مسلمعليه‌السلام أوّلًا، فلما رأى الخذلان خرج إلى الحسينعليه‌السلام مع عمرو بن خالد الصيداويرضي‌الله‌عنه وجماعته،(١) وكان من قصة إلتحاقهم بالإمامعليه‌السلام في عذيب الهجانات، ثمّ استشهادهم في مكان واحد ما قد مرَّ بنا قبل ذلك.

فسلام على جنادة بن الحرث السلماني يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّا!

واضح التركيرضي‌الله‌عنه مولى الحرث المذحجي السلماني

كان واضح غلاماً تركيّاً شجاعاً قارئاً، وكان للحرث السلماني، فجاء مع جنادة بن الحرث،(٢) والتحق بالإمامعليه‌السلام في عذيب الهجانات كما مرَّ.

قال الشيخ السماوي (ره): «والذي أظنُّ أنّ واضحاً هذا هو الذي ذكر أهل المقاتل أنّه برز يوم العاشر إلى الأعداء فجعل يقاتلهم راجلًا بسيفه وهو يقول:

البحر من ضربي وطعني يصطلي

والجوُّ من عثير نقعي يمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي

ينشقّ قلبُ الحاسد المبجّل

قالوا: ولما قُتل استغاث، فانقضّ عليه الحسينعليه‌السلام واعتنقه وهو يجود بنفسه، فقال: من مثلي وابن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله واضع خدّه على خدّي! ثمّ فاضت نفسهرضي‌الله‌عنه ».(٣)

____________________

(١) راجع: إبصار العين: ١٤٤.

(٢) راجع: إبصار العين: ١٤٤ – ١٤٥.

(٣) إبصار العين: ١٤٥ / ولكنّ ابن شهر آشوب في المناقب، ٤: ١٠٤ قال: «وروي أنّه برز غلام تركيّ للحرّ وجعل يقول: - ثم نقل شعره – فقتل سبعين رجلاً!»، وفي البحار، ٤٥: ٣٠: «ثمّ خرج غلام تركيّ كان للحسينعليه‌السلام وكان قارئاً للقرآن، فجعل يقاتل ويرتجز ويقول: - ثم نقل شعره - =

٢٧١

فسلام على واضح التركي يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّا!

إقتراح الطرماح وجواب الإمامعليه‌السلام

روى الطبري، عن أبي مخنف قال: حدّثني جميل بن مرشد من بني معن، عن الطرماح بن عديّ: «أنّه دنا من الحسين فقال له: واللّه إنّي لأنظر فما أرى معك أحداً!، ولو لم يقاتلك إلّا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم وقد رأيتُ قبل خروجي من الكوفة إليك بيومٍ ظهرَ الكوفة وفيه من الناس مالم ترَ عيناي في صعيد واحدٍ جمعاً أكثر منه! فسألت عنهم فقيل: اجتمعوا ليُعرَضوا، ثمّ يُسرّحون إلى الحسين!

فأُنشدك اللّهَ إنْ قدرت على ألّا تقدم عليهم شبراً إلّا فعلتَ! فإنْ أردتَ أن تنزل بلداً يمنعك اللّه به حتّى ترى من رأيك ويستبين لك ما أنت صانعٌ فَسِرْ حتّى أُنزلك مناع جبلنا الذي يُدعى (أجأ).

امتنعنا واللّه به من ملوك غسّان وحمير، ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر، واللّه إنْ دخل علينا ذُلٌّ قطُّ!!

فأسير معك حتّى أُنزلك القُرَيَّة،(١) ثمّ نبعث إلى الرجال ممّن بأَجَأ وسَلْمى(٢) من طيء، فواللّه لايأتي عليك عشرة أيّأم حتّى يأتيك طيء رجالًا وركباناً! ثمّ اقِمْ فينا ما بدا لك، فإنْ هاجك هَيْجٌ فأنازعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك

____________________

= فقتل جماعة ثمّ سقط صريعاً، فجاءة الحسينعليه‌السلام فبكى ووضع خدّه على خدّه، ففتح عينه فرأى الحسينعليه‌السلام فتبسّم! ثمّ صار إلى ربّه رضي الله عنه.».

(١) القُرَيَّة: تصغير قرية، مكان في جبلَيْ طيء مشهور. (راجع: معجم البلدان، ٤: ٣٤٠).

(٢) وهو أحد جَبَلَيْ، طيء، وهما أَجَأُ وسلمى، وهو جبل وعرٌ، به وادٍ يُقال له رك، به نخلٌ وآبار مطويّة بالصخر طيّبة الماء. (معجم البلدان، ٣: ٢٣٨).

٢٧٢

بأسيافهم! واللّه لايوصَل إليك أبداً ومنهم عينٌ تطرف!

فقال لهعليه‌السلام :

جزاك اللّه وقومك خيراً، إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه على الإنصراف! ولاندري علام تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبه!(١)

قال الطرماح بن عدي: فودّعته، وقلت له: دفع اللّه عنك شرَّ الجنّ والإنس، إنّي قد امترتُ لأهلي من الكوفة ميرة، ومعي نفقة لهم، فآتيهم فأضع ذلك فيهم، ثمّ أُقبل إليك إن شاء اللّه، فإنْ أَلحقك فواللّه لأكوننّ من أنصارك!

قال: فإنْ كنت فاعلًا فعجّلْ رحمك اللّه!

قال فعلمتُ أنّه مستوحشٌ إلى الرجال حتّى يسألني التعجيل! قال فلما بلغتُ أهلي وضعتُ عندهم ما يُصلحهم وأوصيتُ! فأخذ أهلي يقولون: إنك لتصنع مرَّتَكَ هذه شيئاً ماكنت تصنعه قبل اليوم!؟ فأخبرتهم بما أُريد، وأقبلتُ في طريق بني ثُعَل حتّى إذا دنوتُ من عُذيب الهجانات استقبلني سماعة بن بدر فنعاه إليَّ! فرجعت.».(٢)

إشارة

في عُذيب الهجانات كان مجمع بن عبداللّه العائذيرضي‌الله‌عنه قد أخبر الإمامعليه‌السلام عن حال أهل الكوفة- عن لسانه ولسان من معه- قائلًا: «أما أشراف الناس فقد أُعظمتْ رشوتهم ومُلئت غرائرهم، يُستمال ودّهم ويستخلص به

____________________

(١) وفي مثير الأحزان: ٤٠ / «فقالعليه‌السلام : إنّ بيني وبين القوم موعداً أكره أنْ أُخلفهم! فإنْ يدفع الله عنّا فقديماً ما أنعم علينا وكفى، وإنْ يكن مالابدّ منه ففوز وشهادة إن شاء الله!».

(٢) تأريخ الطبري، ٣: ٣٠٨.

٢٧٣

نصيحتهم، فهم ألبٌ واحد عليك! وأمّا سائر النّاس بعدُ فإنَّ أفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غداً مشهورة عليك!.».

ومن قبل هذا كان الفرزدق وبشر بن غالب وغيرهم قد أخبروا الإمامعليه‌السلام بذلك! ثمّ ها هو الطرماح يقول له: «وقد رأيتُ قبل خروجي من الكوفة إليك بيومٍ ظهرَ الكوفة وفيه من الناس مالم تَرَ عيناي في صعيد واحدٍ جمعاً أكثر منه! فسألتُ عنهم فقيل: اجتمعوا ليُعرضوا ثمَّ يُسرَّحون إلى الحسين!» فالأنباء تتابعت على الإمامعليه‌السلام بذلك، وفي عذيب الهجانات لم يعد ثمّة شكّ في أنّ الكوفة قد انقلبت على عهدها مع الإمامعليه‌السلام رأساً على عقب، بل وقد عبّأها ابن زياد عن بكرة أبيها واستعرض عساكرها ليسرّح بهم الى الحسينعليه‌السلام !

لكننا نجد الإمامعليه‌السلام يُصرُّ على التوجّه إلى أهل الكوفة قائلًا: «إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه على الإنصراف! ..»، وعلى رواية ابن نما (ره):

«إنّ بيني وبين القوم موعداً أكره أنْ أُخلفهم، فإنْ يدفع اللّه عنّا فقديماً ما أنعم علينا وكفى، وإنْ يكن ما لابدّ منه ففوز وشهادة إنْ شاء اللّه!».(١)

هنا نعود لنكرّر القول ونؤكد على هذه الحقيقة مرّة أخرى: وهي أنّ من الصحيح القول إنّ الإمامعليه‌السلام لم يشأ أن يدع لأهل الكوفة أيّة مؤاخذة عليه يمكن أن يتذّرعوا بها لو أنّه كان قد انصرف عن التوجّه إليهم أثناء الطريق، لأنّهم يمكن أنّ يدّعوا أنّ الأخبار التي بلغت الإمامعليه‌السلام عن حال الكوفة لم تكن صحيحة أو دقيقة! وأنّ أنصاراً له كثيرين فيها كانوا ينتظرونه في خفاء عن رصد السلطة! ولذا كانعليه‌السلام قد قال للطرّماح: «بيننا وبين هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه على الإنصراف!». أو «إنّ بيني وبين القوم موعداً أكره أخلفهم!».

____________________

(١) وفي مثير الأحزان: ٤٠.

٢٧٤

لكنّ أصحَّ القول: هو أنّ الإمامعليه‌السلام كان يعلم بما لابدّ من وقوعه «وإنْ يكن ما لابدَّ منه ففوز وشهادة إنْ شاء اللّه!»، لقد كانعليه‌السلام يعلم منذ البدء أنه سوف يُقتل حتى لوكان في جُحر هامة من هوامّ الأرض، وكانعليه‌السلام يعلم أنّ أهل الكوفة قاتلوه «هذه رسائل أهل الكوفة إليَّ ولا أراهم إلّا قاتليّ!»، إذن فإصرارهعليه‌السلام على العراق دون غيره هو إصرار على الأرض المختارة للمصرع المحتوم! الأرض التي ستهبُّ منها- بعد مقتله- عواصف التغيير والتحولات الكبرى التي لاتهدأ حتى تسقط دولة الأمويين! الأرض التي ستمتدّ منها وتتسع جميع آفاق الفتح الحسيني!

١٦)- قصر بني مقاتل

«قال السكّوني: هو قرب القطقطانة وسُلام ثمّ القُرَيّات. وهو منسوب إلى مقاتل بن حسّان بن ثعلبة التميمي».(١)

روى ابن أعثم الكوفي قائلًا: «وسار الحسينعليه‌السلام حتّى نزل في قصر بني مقاتل، فإذا هو بفسطاط مضروب، ورمح منصوب، وسيف معلّق، وفرس واقف على مذودهِ! فقال الحسينعليه‌السلام : لمن هذا الفسطاط؟

فقيل: لرجل يُقال له عبيداللّه بن الحرّ الجعفي.

قال فأرسل الحسين برجل من أصحابه يُقال له الحجّاج بن مسروق الجعفي فأقبل حتّى دخل عليه في فسطاطه فسلّم عليه فردّعليه‌السلام ثم قال: ماوراءك؟

فقال الحجّاج: واللّه، ورائي يا ابن الحرّ، واللّهِ قد أهدى اللّه إليك كرامة إنْ قبلتها!

____________________

(١) راجع: معجم البلدان، ٤: ٣٦٤.

٢٧٥

قال: وماذاك؟

فقال: هذا الحسين بن عليّرضي‌الله‌عنهما يدعوك إلى نصرته! فإنْ قاتلت بين يديه أُجرتَ، وإنْ متَّ فإنك استشهدتَ!

فقال له عبيداللّه: واللّه ما خرجت من الكوفة إلّا مخافة أن يدخلها الحسين بن عليّ وأنا فيها فلا أنصره، لأنّه ليس له في الكوفة شيعة ولا أنصار إلّا وقد مالوا إلى الدنيا إلّا من عصم اللّه منهم! فارجع إليه وخبّره بذاك.

فأقبل الحجّاج إلى الحسين فخبّره بذلك، فقام الحسين ثمّ صار إليه في جماعة من إخوانه، فلما دخل وسلّم وثب عبيداللّه بن الحرّ من صدر المجلس، وجلس الحسين فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال:

أمّا بعد يا ابن الحرّ، فإنّ مصركم هذه كتبوا إليَّ وخبّروني أنّهم مجتمعون على نصرتي، وأن يقوموا دوني ويقاتلوا عدوّي، وإنهم سألوني القدوم عليهم فقدمتُ، ولست أدري القوم على مازعموا؟ فإنّهم قد أعانوا على قتل ابن عمّي مسلم بن عقيلرحمه‌الله وشيعته! وأجمعوا على ابن مرجانة عبيداللّه بن زياد مبايعين ليزيد بن معاوية!

وأنت يا ابن الحرّ فاعلم أنّ اللّه عزّ وجلّ مؤاخذك بما كسبتَ وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية،(١) وأنا أدعوك في وقتي هذا إلى توبة تغسل بها ما عليك من الذنوب، أدعوك الى نصرتنا أهل البيت، فإن أُعطينا حقّنا حمدنا اللّه على ذلك وقبلناه، وإن منعنا حقّنا ورُكبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحقّ.

____________________

(١) كان عبيد الله بن الحرّ الجعفي عثماني العقيدة، ولأجله خرج إلى معاوية وحارب عليّاًعليه‌السلام يوم صفّين، وروى الطبري أخباراً في تمرد هذا الرجل على الشريعة بنهبه الأموال وقطعة الطرق. (راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام ، للمقرّم (ره): ١٨٨).

٢٧٦

فقال عبيداللّه بن الحرّ: واللّه يا ابن بنت رسول اللّه، لو كان لك بالكوفة أعوان يقاتلون معك لكنتُ أشدّهم على عدوّك! ولكنّي رأيتُ شيعتك بالكوفة وقد لزموا منازلهم خوفاً من بني أميّة ومن سيوفهم! فأنشدك اللّه أن تطلب منّي هذه المنزلة! وأنا أواسيك بكلّ ما أقدر عليه، وهذه فرسي ملجمة، واللّه ما طلبت عليها شيئاً إلّا أذقته حياض الموت، ولا طُلبتُ وأنا عليها فلُحقت، وخذ سيفي هذا فواللّه ما ضربت به إلّا قطعتُ!

فقال له الحسينرضي‌الله‌عنه :

يا ابن الحرُّ ما جئناك لفرسك وسيفك! إنّما أتيناك لنسألك النصرة، فإنْ كنت قد بخلت علينا بنفسك فلاحاجة لنا في شيء من مالك! ولم أكن بالذي اتخذ المضلّين عضداً لأني قد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وهو يقول: من سمع داعية أهل بيتي ولم ينصرهم على حقّهم إلّا أكبّه اللّه على وجهه في النار!

ثمّ سار الحسينرضي‌الله‌عنه من عنده، ورجع إلى رحله، فلما كان من الغد رحل الحسين ..».(١)

____________________

(١) الفتوح، ٥: ١٢٩ – ١٣٢، وعنه مقتل الحسينعليه‌السلام ، للخوارزمي ١: ٣٢٤ – ٣٢٦، وانظر الإرشاد: ٢٠٩ وتأريخ الطبري؛ وأنساب الأشراف، ٣: ٣٨٤؛ وإبصار العين: ١٥١ – ١٥٢ نقلاً عن خزانة الأدب الكبرى، ٢: ١٥٨ بتفاوت. / وروى صاحب الفتوح بعد ذلك قائلاً: وندم ابن الحرِّ على مافاته من نصرته! فأنشأ يقول:

أراها حسرةً ما دمتُ حيّاً

تَردّدُ بين صدري والتراقي

حسينٌ حين يطلب بذل نصري

على أهل العداوة والشقاقِ

فلو واسيته يوماً بنفسي

لنلتُ كرامةً يوم التلاقي

مع ابن محمّد تفديه نفسي

فودّع ثمّ ولّى بانطلاق

=

٢٧٧

وفي رواية الدينوري: «.. فأتاه الرسول، فقال: هذا الحسين بن عليّ يسألك أن تصير إليه! فقال عبيداللّه: واللّه ما خرجت من الكوفة إلّا لكثرة من رأيته خرج لمحاربته، وخذلان شيعته، فعلمتُ أنه مقتول ولا أقدر على نصره! فلستُ أحبّ أن يراني ولا أراه!

فانتعل الحسين حتّى مشى، ودخل عليه قبّته، ودعاه إلى نصرته!

فقال عبيداللّه: واللّه إنّي لأعلم أنّ من شايعك كان السعيد في الآخرة! ولكن ما عسى أن أُغني عنك!؟ ولم أُخلّف لك بالكوفة ناصراً! فأنُشدك اللّه أن تحملني على هذه الخطة، فإنّ نفسي لم تسمح بعدُ بالموت! ولكن فرسي هذه الملحقة، واللّه ما طلبت عليها شيئاً قطّ إلّا لحقته! ولاطلبني وأنا عليها أحدٌ إلّا سبقته! فخذها فهي لك.

قال الحسينعليه‌السلام : أمّا إذا رغبت بنفسك عنّا فلاحاجة لنا إلى فرسك!».(١)

إشارة

في لقاء الإمامعليه‌السلام مع عبيداللّه بن الحرّ الجعفي تتجلى بشكل مفجع آثار مرض الوهن (حبّ الدنيا وكراهية الموت!) والشلل النفسي الذي تفشّى بدرجة واسعة وعميقة وخطيرة في هذه الأمّة، بعد ارتحال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نتيجة المنعطفات الإنحرافية التي مرّت بها الامّة، بفعل حركة النفاق طيلة خمسين سنة! ها هو ابن الحرّ الجعفي يعترف قائلًا: «واللّه إنّي لأعلم أنّ من شايعك كان السعيد

____________________

=

غداة يقول لي بالقصر قولاً

أتتركنا وتعزم بالفراق

فلو فلق التهلب قلبَ حيٍّ

لهمَّ القلبُ مني بانفلاق

لقد فاز الأُلى نصروا حسيناً

وخاب الأخسرون ذوو النفاقِ

(١) الأخبار الطوال: ٢٥٠ – ٢٥١.

٢٧٨

في الآخرة!»، وهو يعلم- بحكم العقل والشرع- أنّ درجة وجوب نصرة الإمامعليه‌السلام على كلّ مسلمٍ تشتدّ كلّما اشتدّت حاجة الإمامعليه‌السلام إلى من ينصره! لكنّه يجيب الإمامعليه‌السلام بمنطق الوهن المتمثل بحبّ الدنيا وكراهية الموت والتثاقل إلى الأرض قائلًا: «ولكن ما عسى أن أُغني عنك!؟ ولم أُخلّف لك بالكوفة ناصراً! فأُنشدك اللّه أن تحملني على هذه الخطة! فإنّ نفسي لم تسمح بالموت! ..».

ونرى الإمامعليه‌السلام الذي دعاه إلى التوبة وإلى الإلتحاق بركب الربّانيين يردُّ عليه- بعد أن أظهر الجعفي تثاقله الى الأرض وتشبّثه بالحياة الدنيا- قائلًا:

«أمّا إذا رغبتَ بنفسك عنّا فلاحاجة لنا إلى فرسك!» أو «يا ابن الحرّ! ما جئناك لفرسك وسيفك، إنّما أتيناك لنسألك النصرة! فإنْ كنت بخلت علينا بنفسك فلاحاجة لنا في شيء من مالك، ولم أكن بالذي اتخذ المضلّين عضداً!».

نعم، فالقائد الربّاني ليست حاجته الأساس إلى وسائل وأسلحة وأموال، وإن كان ذلك من العدّة، بل حاجته الأساس إلى الإنسان الربّاني، المشتاق إلى لقاء ربّه، المبادر إلى طاعته، المخفّ إلى مرضاته، المسارع إلى نصرة أوليائه، المؤثر آخرته على دنياه ذلك لأنّ أفضل العدّة وأقوى الأسلحة على مرّ الزمان هو الإنسان الربّاني الذي يُجري اللّه على يديه الإنتصارات المعنوية الكبيرة والفتوحات الإلهية المبينة!

ونرى أيضاً خليفة اللّه في عصره، ووليّه الأعظم، الإمام الحسينعليه‌السلام يعامل هذا الواهن المشلول روحياً عبيداللّه بن الحرّ الجعفي- الذي خرج من الكوفة حتى لاينصر الحسينعليه‌السلام ولايكون ضدّه!- برحمته العامة ورأفته! فيحذّره من أن يكون ممّن يسمع واعية أهل البيت فلاينصرهم فيكبّه اللّه على وجهه في النار!

٢٧٩

ما أخسرَ صفقة الجعفي هذا! وما أحراه بالحسرة العظمى!(١) على ما فرّط في حظّ نفسه، وفي الفرصة النادرة التي كانت قد أُتيحت له للإلتحاق بركب الربانييّن العشاق الشهداء الذين لم يسبقهم سابق ولا يلحق بهم لاحق!

هل التحق الصحابيُّ أنسُ الكاهليّ بالإمامعليه‌السلام في قصر بني مقاتل؟

قال البلاذري: «وكان أنس بن الحارث الكاهلي سمع مقالة الحسين لابن الحرّ، وكان قدم من الكوفة بمثل ما قدم له ابن الحرّ، فلما خرج(٢) من عند ابن الحرّ

____________________

(١) روى الطبري، عن أبي مخنف، عن عبد الرحمن بن جندب الأزدي: أنّ عبيد الله بن زياد بعد قتل الحسين تفقّد أشراف أهل الكوفة فلم يَر عبيد الله بن الحرّ، ثم جاءه بعد أيّام حتى دخل عليه، فقال: أين كنت يا ابن الحرّ؟! قال: كنت مريضاً! قال: مريض القلب أو مريض البدن!؟ قال: أمّا قلبي فلم يمرض! وأمّا بدني فقد منَّ الله عليَّ بالعافية! فقال له ابن زياد: كذبت، ولكنّك كنت مع عدوّنا! قال: لو كنتُ مع عدوّك لَرُئيَ مكاني، وما كان مثل مكاني يخفى! قال وغفل عنه ابن زياد غفلة، فخرج ابن الحرّ فقعد على فرسه، فقال ابن زياد: أين ابن الحرّ!؟ قالوا: خرج الساعة! قال: عليَّ به!، فأُحضرت الشُرَط فقالوا له: أجب الأمير!

فدفع فرسه ثمّ قال: أبلغوه أنّي لا آتيه والله طائعاً أبداً! ثمّ خرج حتّى أتى منزل أحمر بن زيد الطائي، فاجتمع إليه في منزله أصحابه، ثمّ خرج حتّى أتى كربلاء! فنظر إلى مصارع القوم، فاستغفر لهم هو وأصحابه، ثمّ مضى حتّى نزل المدائن وقال في ذلك:

يقولُ أميرٌ غادرٌ وابن غادرٍ

ألا كُنتَ قاتلتَ الشهيد ابن فاطمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته

ألا كلُّ نفسٍ لا تُسدَّدُ نادمه

وإنّي لأنّي لم أكن من حماته

لذو حسرة ما إنْ تُفارق لازمه

إلى آخر القصيدة ...». (تاريخ الطبري، ٣: ٣٤٣).

وهناك ترجمة مفصّلة لعبيد الله بن الحرّ الجعفي، أوردها المرحوم المحدّث الشيخ عباس القمي في (نفس المهوم: ١٩٥ - ٢٠٢) فراجعها.

(٢) أي: فلما خرج الإمام الحسينعليه‌السلام من فسطاط ابن الحرّ.

٢٨٠