العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية7%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 195737 / تحميل: 7962
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ورواه كذلك في الإصابة: ١/٢٢١:

وقد تقدمت روايته عند الحاكم عن أبي مكين.

ورواه أبو نعيم أيضاً بذلك في ص ٢٢٢، ثم قال:

ومن طريق الأصبغ بن نباتة قال: شهدت علياً يوم صفين يقول من يبايعني على الموت، فبايعه تسعة وتسعون رجلاً فقال: أين التمام؟

فجاءه رجل عليه أطمار صوف، محلوق الرأس فبايعه على القتل، فقيل: هذا أويس القرني، فما زال يحارب حتى قتل.

ورواه الحاكم في: ٣/٤٠٢، فقال:

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا أبو نعيم، ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

فضرب دابته حتى دخل معهم، ثم قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: خير التابعين أويس القرني. انتهى.

ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام: ٣/٥٥٦، بنحو رواية أحمد، قال:

عن ابن أبي ليلى قال: إن أويساً شهد صفين مع علي، ثم روى عن رجل أنه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أويس خير التابعين بإحسان.

ورواه في سير أعلام النبلاء: ٤/٣١، بنحو رواية الحاكم، قال:

شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟ قلنا نعم وما تريد منه؟

قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان، وعطف دابته فدخل مع أصحاب عليرضي‌الله‌عنه . رواه عبد الله بن

٢١

أحمد، عن علي بن حكيم الأودي، أنبأنا شريك. وزاد بعض الثقات فيه عن يزيد، عن ابن أبي ليلى، قال: فوجد في قتلى صفين.

وكذا رواه في اُسد الغابة: ٥/٣٨٠ وروته مصادرنا بنحوه في اختيار معرفة الرجال: ٣١٤١، وشرح الأخبار: ٢/٣، ومعجم رجال الحديث: ٤/١٥٤، وجامع الرواة: ١/١١٠، وغيرها.

صاحب البصيرة الزاهد، شجاعٌ مجاهد

في ميزان الاعتدال: ١/٢٨١:

وقال فضيل بن عياض: أخبرنا أبوقرة السدوسي، عن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بمنى على المنبر: يا أهل قرن، فقام مشايخ، فقال: أفيكم من اسمه أويس؟

فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ذاك مجنون يسكن القفار والرمال.

قال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامي.

فعادوا الى قرن، فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: عرفني أمير المؤمنين، وشهر اسمي، ثم هام على وجهه، فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهرا، ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه فاستشهد بصفين، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة. انتهى.

راجع أيضاً: لسان الميزان: ١/٤٧٤، وتاريخ الإسلام للذهبي: ٣/٥٥٨، وسير أعلام النبلاء: ٤/٣٢

وفي مستدرك الحاكم: ٢/٣٦٥:

قال ثم قال أويس: إن هذا المجلس يغشاه ثلاثة نفر: مؤمن فقيه، ومؤمن لم يتفقه، ومنافق... لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، فقضاء الله الذي قضى شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا.

٢٢

اللهم ارزقني شهادة تسبق كسرتها أذاها، وأمنها فزعها، تؤوب الحياة والرزق. ثم سكت.

قال أسير فقال لي صاحبي: كيف رأيت الرجل؟

قلت ما ازددت فيه إلا رغبة، وما أنا بالذي أفارقه، فلزمناه فلم نلبث إلا يسيرا حتى ضرب على الناس بعث أمير المؤمنين عليرضي‌الله‌عنه ، فخرج صاحب القطيفة أويس فيه، وخرجنا معه فيه، وكنا نسير معه وننزل معه، حتى نزلنا بحضرة العدو.

قال ابن المبارك: فأخبرني حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أسير بن جابر قال: فنادى عليرضي‌الله‌عنه : يا خيل الله اركبي وأبشري.

قال فصف الثلثين لهم، فانتضى صاحب القطيفة أويس سيفه حتى كسر جفنه فألقاه، ثم جعل يقول:

يا أيها الناس: تموا تموا، ليتمن وجوه ثم لا تنصرف حتى ترى الجنة.

يا أيها الناس تموا تموا، جعل يقول ذلك ويمشي وهو يقول ذلك ويمشي إذ جاءته رمية فأصابت فؤاده فبرد مكانه، كأنما مات منذ دهر.

قال حماد في حديثه فواريناه في التراب. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة.

نسب أويس القرني ونسبته

قال الطبري في تاريخه: ١٠/١٤٥:

وأويس القرني من مراد، وهو يحابر بن مالك بن مذحج، وهو أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، وهو يحابر بن مالك.

وقال الجوهري: ٦/٢١٨١:

والقرن: موضع، وهو ميقات أهل نجد، ومنه أويس القرني.

٢٣

وقال في هامشه: القرن هنا بتسكين الراء، وأما أويس القرني فليس منسوباً الى ميقات أهل نجد، وإنما نسبته الى بني قرن، بطن من مراد من اليمن.

وقال الخليل في كتاب العين: ٥/١٤٢:

وقرن: حي من اليمن، منهم أويس القرني.

وقال السمعاني في الأنساب: ٤/٤٨١:

القرني: بفتح القاف والراء وكسر النون.. هذه النسبة الى قرن، وهو بطن من مراد، يقال له قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، نزل اليمن، والمشهور بهذه النسبة المعروف في الأقطار: أويس بن عامر القرني، وقصته في الزهد معروفة، وقال الدار قطني: قرن، بفتحتين، فهو فيما ذكر ابن حبيب، قال: في مراد، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، قوم أويس بن عامر القرني الزاهد.

والموضع الذي يحرم منه أهل نجد يقال له: قرن المنازل، بسكون الراء. وأويس سكن الكوفة، وكان عبداً زاهداً.

وفي اُسد الغابة: ١/١٥١:

أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن مسعدة بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد المرادي ثم القرني، الزاهد المشهور، هكذا نسبه ابن الكلبي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره، وسكن الكوفة وهو من كبار تابعيها.

وفي إكمال الكمال: ٧/١١٣:

أما قرن بفتح القاف والراء ففي مراد، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد. منهم أويس بن عمرو القرني الزاهد وغيره.

وفي ص ١٤٢: أويس بن عمرو القرني، ويقال ابن عامر.

وفي تهذيب التهذيب: ١/٣٣٧:

( مسلم ) أويس بن عامر القرني المرادي سيد التابعين.

٢٤

وفي هامشه: قال في التقريب المغني: القرني بفتح القاف والراء بعدها نون، نسبة الى قرن بن رومان، والمرادي بمضمومة وخفة راء ودال مهملة، نسبة الى مراد. اسمه يحابر بن مالك. اهـ.

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/١٩:

أويس القرني، هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبوعمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني. وقرن بطن من مراد. انتهى.

وبذلك يتضح أن نسبته ( القرني ) بفتح الراء الى قبيلة يمانية، وليس الى قرن المنازل بسكون الراء، وقد اشتبه ذلك على الجوهري وغيره، كما نص عليه ابن الأثير وغيره.

راجع أيضاً: اختيار معرفة الرجال/٣١٤، والتحرير الطاووسي/٧٤، وطرائف المقال: ٢/١٩٢، ومجمع البحرين: ١/١٣١، والأعلام: ١/٣٧٥، والبداية والنهاية: ٦/٢٢٥

وبهذا يتضح أن أويساً عربي يماني، ومن الطبيعي أن يكون أسمر اللون، ولكن بعض الروايات تذكر أنه كان آدم شديد الأدمة، وكأنها تريد القول إنه كان أفريقيا أسود! في محاولة لذم أويس في ذلك المجتمع الأموي المتعصب ضد الأفارقة.

عشيرة الأويسات أو اللويسات السورية

في معجم قبائل العرب: ٣/١٠١٩:

اللويسات: من عشائر سهل الغاب بجسر الشغور، أحد أقضية محافظة حلب. ينتسبون الى أويس القرني، وقد قطنوا الغاب في القرن الحادي عشر، وقريتهم الحويجة، ويعدون ٣٢ بيتاً.

روايات لقائه بعمر واستغفاره له

قال مسلم في صحيحه: ٧/١٨٨:

عن عمر بن الخطاب قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن

٢٥

خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض فبريء، فمروه فليستغفر لكم...

كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟  حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟

قال نعم.

قال: من مراد، ثم من قرن؟

قال نعم.

قال: فكان بك برص فبرئت منه، إلا موضع درهم؟

قال نعم.

قال: لك والدة؟

قال نعم.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم. له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فاستغفر لي، فاستغفر له...

عن أسير بن جابر أن أهل الكوفة وفدوا الى عمر وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس، فقال عمر: هل ها هنا أحد من القرنيين؟

فجاء ذلك الرجل فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم.

وروى أحمد: ١/٣٨، رواية مسلم المطولة، وفيها:

قال له عمررضي‌الله‌عنه : استغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال عمررضي‌الله‌عنه : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير

٢٦

التابعين رجل يقال له أويس وله والدة وكان به بياض فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته، فاستغفر له ثم دخل في غمار الناس، فلم يدر أين وقع! قال: فقدم الكوفة قال وكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله، وكان يجلس معنا، فكان إذا ذكر هو وقع حديثه من قلوبنا موقعاً لا يقع حديث غيره. انتهى.

ورواه الحاكم في: ٣/٤٠٤، والبيهقي في الدلائل: ٦/٣٧٦ والذهبي في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٠

وقال الحاكم في: ٣/٤٠٣:

وقد صحت الرواية بذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . أخبرناه أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني... فلما كان في العام المقبل حج رجل من أشرافهم فسأل عمر عن أويس كيف تركته؟ فقال: تركته رث البيت قليل المتاع، قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لابره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل.

فلما قدم الرجل أتى أويساً فقال استغفر لي فقال: أنت أحدث الناس بسفر صالح فاستغفر لي.

فقال: لقيت عمر بن الخطاب؟

فقال: نعم.

قال: فاستغفر له، قال ففطن له الناس، فانطلق على وجهه.

قال أسير: فكسوته برداً، فكان إذا رآه عليه إنسان قال من أين لأويس هذا؟!

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة.

وروى نحوه في: ٣/٤٠٤، والذهبي في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٠

وفي طبقات ابن سعد: ٦/١١٣:

عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم

٢٧

أفيكم أويس بن عامر؟ فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس القرني، قال: سمعت رسول الله يقول يأتي عليك أويس بن عامر من أمداد أهل اليمن من مراد.. بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل.. ورواه في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٠ والبيهقي في شعب الايمان: ٥/٣١٩، وابن كثير في البداية والنهاية: ٦/٢٢٥

وفي المجروحين لابن حبان: ٣/١٥١:

وكان عمر بن الخطاب يسأل الوفود إذا قدموا من الكوفة: هل تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا، فقدم وفد من أهل الكوفة فيهم ابن عمه فقال عمر: هل تعرفون أويس بن عامر القرني؟

فقال ابن عمه: يا أمير المؤمنين هو ابن عمي وهو رجل فاسد، لم يبلغ ما أن تعرفه أنت يا أمير المؤمنين!!

فقال له عمر: ويلك هلكت ويلك هلكت، إذا أتيته فاقرئه مني السلام، ومره فليقدم إلي، فقدم الكوفة فلم يضع ثياب سفره عنه حتى أتى المسجد قال: فرأى أويساً فسلم به وقال: استغفر لي يا ابن عمي!

قال: غفر الله لك يا ابن عمي!

قال: وأنت يا أويس يغفر الله لك، أمير المؤمنين يقرئك السلام.

قال: ومن ذكرني لأمير المؤمنين؟

قال: هو ذكرك وأمرني أن أبلغك أن تفد اليه.

فقال: سمعاً وطاعةً لأمير المؤمنين! فوفد اليه حتى دخل على عمر.

فقال: أنت أويس بن عامر؟

قال: نعم.

قال: أنت الذي خرج بك وضح فدعوت الله أن يذهب عنك فأذهبه فقلت: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك؟

٢٨

قال: نعم.

قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه، فيقول: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك عليّ، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له. استغفر لي يا أويس بن عامر، فقال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين.

قال آخر: استغفر لي يا أويس، وقال آخر: استغفر لي يا أويس، فلما أكثروا عليه انساب فذهب! فما رؤي حتى الساعة.

راجع أيضاً: الطبقات الكبرى ١١١/٦، الميزان ٤٩٢/٤، سير أعلام النبلاء: ٤/٢٥، كنز العمال: ١٤/١٠، الموضوعات لابن الجوزي ٤٣/٢. انتهى.

فهذه الروايات تدل على أن أويساً جاء من اليمن الى الكوفة وسكن بها، قبل أن يعرفه عمر، مع أن طريقه تمر على الحجاز.

وتدل على أن ايذاء السلطة له في الكوفة كان قبل مجيئه الى المدينة، الى عمر.

ومن البعيد أن حاكم الكوفة كان يجرؤ على مضايقة شخصية مثل أويس بدون رأي عمر، وإذا صحت رواية استدعائه له، فقد يكون الغرض محاولة كسبه، وأنها فشلت، لأنه انسل من المدينة وهرب راجعاً الى الكوفة بدون رضا عمر!

ولابد أن مشكلته مع حاكم الكوفة ورجاله قد زادت أو بقيت على حالها!

وفي كنز العمال: ١٢/١٠:

عن صعصعة بن معاوية قال: كان عمر بن الخطاب يسأل وفد أهل الكوفة إذا قدموا عليه: تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا.

وكان أويس رجلاً يلزم المسجد بالكوفة فلا يكاد يفارقه، وله ابن عم يغشى السلطان ويؤذي أويساً، فوفد ابن عمه الى عمر فيمن وفد من أهل الكوفة، فقال عمر: أتعرفون أويس بن عامر القرني؟

٢٩

فقال ابن عمه: يا أمير المؤمنين إن أويساً لم يبلغ أن تعرفه أنت، إنما هو إنسان دون، وهو ابن عمي!

فقال له عمر: ويلك هلكت! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فإذا رأيته فأقرئه مني السلام، ومره أن يفد إلي، فوفد اليه، فلما دخل عليه قال:

أنت أويس بن عامر القرني؟ أنت الذي خرج بك وضح من برص فدعوت الله أن يذهبه عنك فأذهبه، فقلت اللهم أبق لي منه في جسدي ما أذكر به نعمتك؟ قال: وأنى دريت يا أمير المؤمنين)شراً!

قال: أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، يخرج به وضح من برص فيدعو الله أن يذهبه عنه فيفعل، فيقول: اللهم اترك في جسدي ما أذكر به نعمتك، فيفعل، فيقول اللهم أترك في جسدي ما أذكر به نعمتك، فيفعل، فمن أدركه فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فاستغفر لي يا أويس. قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! قال: ولك يغفر الله يا أويس. قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! قال: ولك يغفر الله يا أويس بن عامر. فقال الناس: استغفر لنا يا أويس، فراغ، فما رئي حتى الساعة ( ع، وابن منده، كر ). وفي هامشه: راغ الى كذا: مال اليه سرا وحاد. انتهى.

وقد روى قوله ( فراغ فما رئي حتى الساعة ) ابن حبان في المجروحين: ٣/١٥١، وفي لسان الميزان: ١/٤٧١

روايات توجب الشك في استغفاره لعمر

الأمر الثابت في الروايات، والمنطقي أيضاً، أن عمر كان يبحث عن أويس لكي يستغفر له، كما تقدم.

بل في بعضها أنه كان يبحث عنه الى آخر سنة من خلافته..

٣٠

ففي طبقات ابن سعد: ٦/١١٣:

قال ابن عون عن محمد قال: أمر عمر أن نرى رجلا من التابعين أن يستغفر له، قال محمد: فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم، يعني أويساً.. انتهى.

وتدل الرواية التالية على أن أويساً لم ير عمر أبداً، وأنه بقي في اليمن الى خلافة عليعليه‌السلام ، ولم يقبل دعوة عمر للمجيء الى المدينة!! وعندما وجدوه في اليمن وبلغوه سلام عمر وسلام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رد على السلام الرسول وآله، ولم يرد سلام عمر!!

وفي كنز العمال: ١٤/١٠:

عن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بن الخطاب وهو على المنبر بمنى:

يا أهل قرن! فقام مشايخ فقالوا: نحن يا أمير المؤمنين!

قال: أفي قرن من اسمه أويس؟

فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ليس فينا من اسمه أويس إلا مجنون يسكن القفار والرمال ولا يألف ولا يؤلف!

فقال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم الى قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي وقولوا له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرني بك، وأمرني أن أقرأ عليك سلامه.

فعادوا الى قرن فطلبوه فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعرفني أمير المؤمنين وشهر بإسمي؟! السلام على رسول الله، اللهم صل عليه وعلى آله، وهام على وجهه فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهراً، ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه، فاستشهد في صفين ( كر ).

وكذا في سير أعلام النبلاء: ٤/٣٢

فهذه الروايات تدل على أنه بقي في اليمن، ولم ير عمر أصلاً!!

بينما تقول رواية أخرى إنه قدم من اليمن على عمر في المدينة، ولكنه لم يستغفر له، وهرب منه!

٣١

ففي سير أعلام النبلاء: ٤/٢٤:

قال عمر: فقدم علينا ها هنا فقلت: ما أنت؟ قال: أنا أويس.

قلت: من تركت باليمن؟

قال: أما لي.

قلت: هل كان بك بياض فدعوت الله فأذهبه عنك؟

قال: نعم.

قلت: استغفر لي.

قال: يا أمير المؤمنين يستغفر مثلي لمثلك؟!

قلت: أنت أخي لا تفارقني. فانملس مني، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة. انتهى.

وقال في ص ٢٧: وفي لفظ: أو يستغفر لمثلك؟!

وروى نحواً من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه!! انتهى.

وفي دلائل النبوة للبيهقي: ٦/٣٧٦:

لما أقبل أهل اليمن جعل عمر ( رض ) يستقرئ فيقول هل فيكم أحد من قرن؟ فوقع زمام عمر أو زمام أويس... فناوله عمر فقال له: ما اسمك؟

قال: أويس.

فقال له عمر: استغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي.

ونحوه في مسند أحمد: ١/٣٨، وسير أعلام النبلاء: ٤/٢٠

وفي مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٤:

عن أسير بن جابر قال لما أقبل أهل اليمن جعل عمررضي‌الله‌عنه يستقري الرفاق فيقول: هل فيكم أحد من قرن؟ حتى أتى عليه قرن فقال: من أنتم؟

قالوا: قرن.

فرفع عمر بزمامه أو زمام أويس فناوله عمر فعرفه بالنعت، فقال له عمر:

٣٢

ما اسمك؟

قال أنا أويس.

قال: هل كان لك والدة؟

قال: نعم.

قال: هل بك من البياض؟

قال: نعم، دعوت الله تعالى فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي.

فقال له عمر: إستغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . انتهى.

وروى الذهبي في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٧، نصاً طريفاً عن أبي هريرة، ورده، وقد جاء فيه:

فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر، قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته:

يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أويس من مراد؟

فقام شيخ كبير فقال: إنا لا ندري من أويس، ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه اليك، وإنه ليرعى إبلنا بأراك عرفات فذكر اجتماع عمر به وهو يرعى فسأله الاستغفار، وعرض عليه مالاً، فأبى. انتهى.

ثم قال الذهبي: وهذا سياق منكر لعله موضوع. انتهى.

وسبب حكمه عليه بالوضع أنه ينص على امتناع أويس من الاستغفار لعمر، وأنه لم يلقه إلا في آخر سنة من عمره!

ولكن لو صح إشكال الذهبي على هذا النص، فإن تعارض الروايات الصحيحة عندهم في القول بأنه استغفر لعمر أو لم يستغفر له، ورفضه أن يأخذ منه شيئاً مادياً أو معنوياً، وهروبه منه.. كل ذلك يؤيد مانص منها على أنه رفض الإستغفار له!

٣٣

ويؤيد ذلك: أن التاريخ لم يذكر أن أويساً بايع أبا بكر ولا عمر ولا عثمان، ولا شارك في حروب الفتح تحت إمرة أمرائهم، بل لم تذكر عنه شيئاً طيلة خلافتهم التي امتدت ربع قرن، حتى ظهر مع عليعليه‌السلام ، وبايعه، وشارك في حروبه.

ويؤيده: أن روايات ذكرت أن عمر طلب منه أن يبقى عنده وقال له ( أنت أخي لا تفارقني ) فلم يقبل أويس وهرب منه، ولا تفسير لهروبه إلا أنه خاف أن يحرجه عمر في كلام، أو يصر عليه أن يوليه عملاً في دولته!

ويؤيده: أن عمر كان مركزياً شديد المركزية في إدارته، وكان أويس معروفاً في الكوفة، فلا يمكن القول بأن اضطهاد حاكم الكوفة لأويس كان بدون أمر من عمر! وبذلك يكون إحضاره الى المدينة إن صح، محاولة من عمر لاستمالته، وقد فشلت!

ويؤيد أيضاً: تعارض الروايات في وقت لقائه بعمر!

فبعضها يقول إنه كان يبحث عنه في موسم الحج، كما في كنز العمال: ١٤/٧، عن محمد بن سيرين قال: أمر عمر بن الخطاب إن لقي رجلاً من التابعين أن يستغفر له قال محمد: قال فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم يعني أويساً ( ابن سعد، كر ).

وبعضها: يقول إنه وفد عليه من اليمن، كما في اُسد الغابة: ١/١٥١:

قال فقال عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم... فقال له عمر أين تريد؟ قال: الكوفة، قال ألا أكتب لك الى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي... ونحوه في كنز العمال: ١٤/٥، وتاريخ الإسلام: ٣/٥٥٦

وبعضها: ينص على أنه كان في آخر سنة من خلافته يبحث عنه! كالتي تقدمت من كنز العمال، وسير أعلام النبلاء: ٤/٢٧، عن أبي هريرة...

ويؤيد ذلك أيضاً: تناقضات أسير بن جابر راوي لقاء أويس بعمر، ففي رواية الحاكم المتقدمة عنه ( ٢/٣٦٥ ) أن أسيراً لم يعرف أويساً إلا في الكوفة في خلافة عليعليه‌السلام ، وأن أويساً لم يلبث بعد معرفته به إلا قليلاً حتى ذهب الى صفين!

٣٤

ورواياته الأخرى تقول إنه عرفه من عهد عمر، أي قبل بضع عشرة سنة من خلافة عليعليه‌السلام .

هذا، مضافاً الى تناقض الأحداث والمضامين التي رواها أسير، والصورة الساذجة التي أعطاها لهذا الولي الواعي، والدور الذي أعطاه لنفسه في حياة أويس، كأنه ولي نعمته!

والمتأمل في روايات أسير يلاحظ أن همه أن يبرز دوره ودور عمر في حياة أويس!

وقد قال عنه الحاكم في المستدرك: ٢/٣٦٥ ( وأسير بن جابر من المخضرمين، ولد في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهو من كبار أصحاب عمررضي‌الله‌عنه ). انتهى.

وقد جرح صعصعة بن معاوية في أسير هذا، وصعصعة هو عم الأحنف بن قيس وقد وثقه النسائي وابن حبان، وشهد صعصعة بأن أسيراً كان من شرطة دار الامارة بالكوفة وكان عمله إيذاء أويس ( يغشى السلطان ويؤذي أويساً )!

وقد اعترف أسير بذلك ولكنه ادعى أنه تاب، وأن أويساً استغفر له!!

وإقراره على نفسه حجة، وادعاؤه التوبة دعوى تحتاج الى دليل.

أما رواية صعصعة بن معاوية عن لقائه بعمر، التي رواها كنز العمال: ١٢/١٠، ورواها أبو يعلي في مسنده: ١/١٨٧ ح ٢١٢، فهي مقطوعة، لأن صعصعة لم يدرك عمر، ولم يذكر ممن سمعها، وقد ذكروا أن صعصعة أدرك أبا ذر ورآه، وأنه كان حياً في زمن الحجاج، ولا يعلم متى قال هذا الكلام، ولعله بعد زمن عليعليه‌السلام .

من هم الذين خاطبهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في البشارة بأويس؟

تتعارض الروايات في تعيين المخاطبين في البشارة بأويس.. فبعضها تقول إن المخاطب بذلك هم المسلمون، بدون تحديد شخص أو أشخاص.

وروايات أسير بن جابر تقول إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خاطب بذلك عمر بن الخطاب، فهو

٣٥

يزعم أن ذلك إخبار غيبي بخلافة عمر، أو نوع من الوصية له، مع أن خلافة أبي بكر وعمر قامتا على أساس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يوص لأحد، وأن عشائر قريش الثلاث والعشرين كلها ترث ملكهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه ابن قريش!

وبعض الرويات، كما في سير الذهبي: ٤/٢٤، تقول إن المخاطب هما عمر وعلي ( يا عمر ويا علي إذا رأيتماه، فاطلبا اليه يستغفر لكما، يغفر الله لكما. فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه ). انتهى.

ومن الطبيعي أن هذه الرواية تريد تلطيف رواية أن المخاطب بذلك عمر وحده، لأن أويساً كان من شيعة علي ولم يكن من شيعة عمر، فجعلت الخطاب لهما معاً!

أما ابن سلام الأباضي فقد ذكر في كتابه بدء الإسلام/٧٩، أن المخاطب بذلك هما أبو بكر وعمر...

ولعل بعضهم روى أن المخاطب بذلك عثمان بن عفان، مع أن اسم عثمان غائب عن أحاديث أويس كلياً، رغم أن خلافته امتدت بضع عشرة سنة!

فهذا الاضطراب في تسمية الذين خاطبهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر أويس، يقوي ما ورد في مصادرنا من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خاطب المسلمين عامة، وخاطب علياًعليه‌السلام خاصة، بأن أويساً سيبايعه ويقتل معه، فجعل الرواة هذه الفضيلة للخلفاء قبله، كما هو دأبهم في مصادرة فضائل عليعليه‌السلام وتلبيسها لغيره!

ولا يتسع البحث للافاضة في هذا الموضوع.

قال المفيد في الارشاد: ١/٣١٥:

في حديث عن عليعليه‌السلام أنه قال: الله أكبر أخبرني حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أني أدرك رجلاً من أمته يقال له أويس القرني يكون من حزب الله ورسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. انتهى.

ونحوه في الخرائج والجرائح: ١/٢٠٠، وإعلام الورى/١٧٠، والثاقب في المناقب/٢٦٦، وبحار الأنوار: ٣٧/٢٩٩ و٣٨/١٤٧

٣٦

آراء شاذّة وأخرى مشبوهة الهدف في أويس:

١ - حاولوا إعطاء شخصية أويس لعدوي وأموي

مع كثرة الأحاديث والروايات الصحيحة في مصادر الشيعة والسنة حول أويس، ومع أن اسمه مميز لا يختلط بغيره.. إلا أن بعضهم حاول أن يجعل الشخص الذي بشر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشفاعته شخصاً آخر غير أويس!!

قال ابن الأثير في اُسد الغابة: ٣/٢٩:

صلة بن أشيم العدوي من عدي بن الرباب وهو عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة، أورده سعيد القرشي... صلة هذا قتل بسجستان سنة خمس وثلاثين، وكان عمره ثلاثين ومائة سنة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صلة فقال فيما روى يزيد بن جابر قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. أخرجه أبو موسى.

روى يزيد عن جابر قال: بلغنا أن النبي قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة ( ابن أشيم ) يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. انتهى. ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام: ٥/١٢٧

وترجم الذهبي في سير أعلام النبلاء: ٣/٤٩٧، لصلة هذا باحترام كبير فقال:

صلة بن أشيم الزاهد العابد القدوة، أبو الصهباء العدوي البصري زوج العالمة معاذة العدوية، ما علمته روى سوى حديث واحد عن ابن عباس.

حدث عنه أهله معاذة، والحسن، وحميد بن هلال، وثابت البناني، وغيرهم.

ابن المبارك في الزهد: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. هذا حديث معضل. انتهى. ثم ذكر الذهبي أنه استشهد في سجستان سنة اثنين وستين.

٣٧

وقال فى هامشه عن معاذة زوجة صلة: من رجال التهذيب، وحديثها في الكتب الستة. وقال عن الحديث: إسناده ضعيف لاعضاله كما قال المؤلف، والحديث المعضل هو الذي سقط من إسناده اثنان على التوالي.

والخبر في حلية الأولياء ٢/٢٤١ من طريق ابن المبارك. انتهى.

وكفى الله المؤمنين هذا الحديث حيث ضعفه ناقلوه.. لكن تبقى دلالته على أن وجود أويس كان ثقيلاً على السلطة وخاصة الأموية، لأنه شهادة نبوية حية على أن الحق مع عليعليه‌السلام ولذلك حاولوا التخلص منه تارة بإنكار وجود أويس من الأساس! أو بتضعيفه، أو بإعطاء شخصيته لشخص عدوي قريب من الخليفة عمر.

وبعضهم سلم بوجود أويس لكن ادعى أنه قتل في سجستان أو آذربيجان، ولم يقتل مع علي في صفين!!

وأخيراً.. حاول بعضهم أن يعطي شفاعة أويس لعثمان بن عفان! فقال في تذكرة الموضوعات/٩٤: في المختصر ( يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر ) قيل هو أويس، والمشهور أنه عثمان بن عفان. انتهى.

ومعنى قوله ( والمشهور ) أنه يريد أن يجعله مشهوراً، وإن لم يكن كذلك حتى بين السنيين المحبين لعثمان!!

٢ - والبخاري ضعف أويساً ولم يقبل روايته!

في ميزان الاعتدال: ١/٢٧٨ ولسان الميزان: ١/٤٧١:

أويس بن عامر، ويقال ابن عمرو القرني اليمني العابد نزيل الكوفة، قال البخاري يماني مرادي، في إسناده نظر فيما يرويه! وقال البخاري أيضاً في الضعفاء: في إسناده نظر: يروي عن أويس في إسناد ذلك.

قلت هذه عبارته! يريد أن الحديث الذي روى عن أويس في الاسناد الى أويس نظر، ولولا أن البخاري ذكر أويساً في الضعفاء لما ذكرته أصلاً، فإنه من أولياء الله الصادقين، وما روى الرجل شيئاً فيضعف أو يوثق من أجله!

٣٨

وقال أبو داود: حدثنا شعبة قال: قلت لعمرو بن مرة: أخبرني عن أويس، هل تعرفونه فيكم؟ قال: لا.

قلت: إنما سألت عمراً عنه لأنه مرادي، هل تعرف نسبه فيكم؟ فلم يعرف. ولولا الحديث الذي رواه مسلم في فضل أويس لما عرف، لأنه عبد لله تقي خفي، وما روى شيئاً، فكيف يعرفه عمرو، وليس من لم يعرف حجة على من عرفه! انتهى.

وشبيه به في سير أعلام النبلاء: ٤/١٩، قال:

أويس القرني. هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني. وقرن بطن من مراد.

وفد على عمر وروى قليلاً عنه، وعن علي.

روى عنه يسير بن عمرو، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد رب الدمشقي وغيرهم، حكايات يسيرة، ما روى شيئاً مسنداً ولا تهيأ أن يحكم عليه بلين، وقد كان من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين. انتهى.

وقال الجرجاني في الكامل: ١/١٢، بعد أن أورد عدداً من أحاديث أويس: قال الشيخ: وهذا الحديث معروف لأويس يرويه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة، وليس لأويس من الرواية شيء، وانما له حكايات ونتف وأخبار في زهده، وقد شك قوم فيه، إلا أنه من شهرته في نفسه وشهرة أخباره لا يجوز أن يشك فيه، وليس له من الأحاديث إلا القليل، فلا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو صدوق ثقة مقدار ما يروى عنه. انتهى.

والذي يقرأ البخاري في صحيحه وتاريخه وبقية مؤلفاته، يراه حريصاً على الخط المتشدد لمذهب عمر وآرائه، ولذا فإن موقفه السلبي من أويس يمثل ما كان في عصره من التهوين من شخصيته.. وهو دليل كاف على أن صلة أويس بعمر لم تكن كما يحبون.

٣٩

٣ - ومتشددة الحنابلة قللوا من مقام أويس!

فقد صرح متعصبوا الحنابلة بتفضيل بعض أصحابهم على أويس القرني!

قال أبو يعلى في طبقات الحنابلة: ٢/٦٣:

فقال البربهاري إذا كان أويس القرني يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فكم يدخل في شفاعة أبي الحسن بن بشار؟!

قال أحمد البرمكي: صدق البربهاري لأن أويساً كان من الأبدال، وأبا الحسن كان من المستخلفين، والمستخلف أجل من البدل وأفضل عند الله، لأن المستخلف في الأرض مقامه مقام النبيينعليهم‌السلام !! لأنه يدعو الخلق الى الله، فبركته عائدة عليه وعلى كافة الخلق، وبركة البدل عائدة على نفسه!! انتهى.

لكنا نسأل البرمكي والبربهاري وأبا يعلى الذي ارتضى كلامهما: إن درجات الناس ومقامهم عند الله وتفاضلهم غيب لا سبيل الى العلم به الا من الذي له نافذة على الغيب! وقد عرفنا مقام أويس من شهادة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أين عرفتم مقام صاحبكم!! وأن الله تعالى جعله خليفته في أرضه! وجعله في رتبة الأنبياء صلوات الله عليهم؟!

إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً؟!

أما الذهبي فقد قيد قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المطلق في أويس! وقال إنه أفضل التابعين في عصره فقط.. ويقصد أنه بعد عصره يوجد كثيرون أفضل منه!!

قال في سير أعلام النبلاء: ٤/١٩:

أويس القرني، هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس... انتهى.

وأما ابن تيمية، فقد تناول أويساً من جهة أخرى قد تكون هي السبب في حساسية بعضهم منه، فقد أكد على أن أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر أن يطلب من أويس أن يستغفر له، لا يدل على أن أويساً أفضل من عمر!

٤٠

قال في التوسل والوسيلة/٣٢٧:

وحتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب من أويس القرني أن يستغفر للطالب، وإن كان الطالب أفضل من أويس بكثير.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ، فإنه من صلى عليّ مرة صلى الله عليه عشراً... انتهى.

فمن أين عرف ابن تيمية أفضلية عمر على أويس؟! وكيف جعل طلب الإستغفار كطلب الدعاء؟!

وكيف شبه أمر النبي لعمر أن يطلب الإستغفار من أويس، بطلب الرسول منا أن نصلي عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ !! مع الفارق الكبير بينهما؟!

فطلب الرسول منا أن ندعو له بالصلاة عليه إنما هو من أجلنا، ولم يستمد منا المساعدة!

أما توجيهه أحداً أن يطلب الإستغفار من أحد، فلا يكون إلا إذا كان للثاني مقام عند الله تعالى يؤمل به أن ينفع الأول!! فهو من قبيل قوله تعالى ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول... ).

٤ - وفضلوا أموياً على أويس القرني!

في حلية الأولياء: ٩/٢٢٣:

قال وسمعت أبا سليمان وأبا صفوان يتناظران في عمر بن عبد العزيز وأويس، فقال أبو سليمان لأبي صفوان: كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس!

فقال له: ولم؟

قال: لأن عمر بن عبد العزيز ملك الدنيا فزهد فيها.

فقال له أبو صفوان: وأويس لو ملكها لزهد فيها مثل ما فعل عمر!

٤١

فقال أبو سليمان: أتجعل من جرب كمن لا يجرب، إن من جرت الدنيا على يديه ولم يكن لها في قلبه موقع.

وقال في البداية والنهاية: ٩/٢٣٣:

قال أبو سليمان الداراني: كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس القرني، لأن عمر ملك الدنيا بحذافيرها وزهد فيها، ولا ندري حال أويس لو ملك ما ملكه عمر كيف يكون؟! ليس من جرب كمن لم يجرب! انتهى.

فهل تعامى الداراني وأبو نعيم وابن كثير أن أويساً شهد له سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه من كبار أولياء الله تعالى، والشفعاء عنده يوم القيامة، وأن معنى ذلك أن الملك والخلافة ومغريات الدنيا لو عرضت له وقبلها فسوف لا تغير منه شيئاً!

بينما لم يشهدصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر بن عبد العزيز بحرف من ذلك!

فتفضيله على أويس وجعله في درجته، ماهو إلا الظن والتعصب لبني أمية!

٥ - ثم حاولوا إنكار شهادة أويس في صفين

في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٥:

وروى نحواً من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه، وزاد فيها: ثم إنه غزا أذربيجان فمات، فتنافس أصحابه في حفر قبره. انتهى.

وقد حاول المعلق على سير الذهبي أن يؤكد الشك في شهادة أويس في صفين، فقال في هامشه: هناك أخبار مختلفة حول موته والمكان الذي دفن فيه، ذكرها أبو نعيم في الحلية ٢/٨٣، وابن عساكر في تاريخه ٣/١١٠، وما بعدها.

وفي حلية الأولياء: ٢/٨٤:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني زكريا بن يحيى بن زحمويه، ثنا الهيثم بن عديّ، ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة، عن أبيه، عن عبد الله بن سلمة، قال غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب، ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا

٤٢

مرض علينا - يعني أويس - فحملناه، فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب، وكفن وحنوط، فغسلناه وكفناه!!

وفي لسان الميزان: ١/٤٧٣:

وأخرج مسلم عن أسير بن جابر فذكر اجتماع عمررضي‌الله‌عنه بأويس، وفيه:

قال أين تريد؟

قال: الكوفة.

قال: ألا أكتب لك الى عاملها فيستوصى بك؟

قال: لا، بل أكون في غبرات الناس أحب الي.. الحديث، وفي آخره أنه مات بالحيرة. انتهى.

وإذا كان يقصد أن الحديث الآخر في مسلم، فلم نجد فيه ذكراً لموته في الحيرة! وهذا يوجب الشك في أن نسخ صحيح مسلم متفاوتة، وأنه أضيف الى بعضها أنه مات بالحيرة!

وفي لسان الميزان: ١/٤٧٥:

وقال ابن حبان في ثقات التابعين: أويس بن عامر القرني من اليمن، من مراد سكن الكوفة، وكان زاهداً عابداً، يروي عن عمر، اختلفوا في موته، فمنهم من يزعم أنه قتل يوم صفين في رجالة عليرضي‌الله‌عنه ، ومنهم من يزعم أنه مات على جبل أبي قبيس بمكة، ومنهم من يزعم أنه مات بدمشق، ويحكون في موته قصصاً تشبه المعجزات التي رويت عنه.

وقد كان بعض أصحابنا ينكر كونه في الدنيا، حدثني عبد الله بن الحسين الرحبي ثنا عباس بن محمد قراد أبو نوح، فذكر ما تقدم، والأثر الذي تقدم عن لوين أخرج أحمد في مسنده عن أبي نعيم عن شريك به، وفي آخره سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من خير التابعين أويساً القرنيرضي‌الله‌عنه . انتهى.

٤٣

وفي تاريخ الطبري: ١٠/١١٦:

( ذكر من هلك من التابعين سنة ٣٢ )

ومنهم أويس بن الخليص القرني. كذلك ذكر ضمرة بن ربيعة عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه قال: سمعت من رجل من قومي يعني من قوم أويس وأنا أحدث بحديثه، فقال تدري يا أبا عثمان أويس ابن من؟

قلت: لا.

قال أويس بن الخليص.

وأما يحيى بن سعيد القطان فإنه قال: حدثنا يزيد بن عطاء، عن علقمة بن مرثد بأنه قال: أويس بن أنيس القرني.

واختلف في وقت مهلكه فقال بعضهم: قتل مع عليعليه‌السلام بصفين، روى محمد بن أبي منصور قال: حدثنا الحماني قال: حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: نادى منادي عليّعليه‌السلام يوم صفين ألا اطلبوا أويساً القرني بين القتلى، فطلبوه فوجدوه فيهم. أو كلاماً هذا معناه. انتهى.

وفي تاريخ الطبري: ١٠/١٤٥:

وأويس القرني، من مراد وهو يحابر بن مالك بن مذحج، وهو أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد وهو يحابر بن مالك.

وكان ورعاً فاضلاً روى أنه قتل يوم صفين: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو بكر قال: حدثنا هشام عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر. قال هشام فأخبرني حوشب أنه قال هو أويس القرني.

وفي وقعة صفين لنصر بن مزاحم/٣٢٤:

نصر، عن حفص بن عمران البرجمي، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري قال: أصيب أويس القرني مع علي بصفين.

٤٤

وفي أنساب الأشراف/٣٢٠:

وبعض الرواة يزعم أن أويساً القرني العابد، قتل مع علي بصفين. ويقال: بل مات بسجستان. قالوا: وكان علي بصفين في خمسين ألفاً، ويقال: بل في مئة ألف. وكان معاويةرحمه‌الله !! في سبعين ألفاً، ويقال: في مأة ألف، فقتل من أهل الشام خمسة وأربعون ألفاً، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً، والله أعلم.

وقال في هامشه:

وهذا هو الشائع المعروف بين العلماء، لم يتردد فيه إلا بعض النواصب، وقد ذكر الكثيرون من منصفي أهل السنة استشهاد أويس بصفين، وذكره ابن عساكر بطرق في ترجمة أويس من تاريخ دمشق: ٦/٦٩، وفي ترجمة زيد بن صوحان: ١٩/١٣١، وفي تهذيبه: ٦/١٤

قال في مجمع الزوائد: ١٠/٢٢: وعن ابن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين أفيكم أويس القرني؟

قالوا نعم.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خير التابعين أويس. رواه أحمد بن حنبل وإسناده جيد.

وقال ابن مسكويه في الحكمة الخالدة/ ١٣٤: وذكر ابن أبي ليلى الفقيه أن أويساً وجد في قتلى رجالة علي بن أبي طالب يوم صفين.

وقال الحاكم في ترجمة أويس من المستدرك: ٣/٤٠٢:

سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب قال: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: قتل أويس القرني بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يوم صفين.

وبالسند المتقدم عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن عباس بن الدوري، حدثنا أبو نعيم، حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال:

٤٥

ولما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم فضرب دابته حتى دخل معهم ثم قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: خير التابعين أويس القرني.

وأخبرني أحمد بن كامل القاضي ببغداد، حدثنا عبدالله بن روح المدائني، حدثنا عبيد الله ابن محمد العبسي، حدثني إسماعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن علي العنزي عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال:

شهدت علياًرضي‌الله‌عنه يوم صفين وهو يقول:

من يبايعني على الموت؟ - أو قال: على القتال؟

فبايعه تسع وتسعون قال: فقال:

أين التمام؟ أين الذي وعدت به؟

قال: فجاء رجل عليه أطمار صوف محلوق الرأس فبايعه على الموت والقتل [كذا] قال فقيل: هذا أويس القرني. فما زال يحارب بين يديه حتى قتلرضي‌الله‌عنه .

وقال في تاريخ الخميس: ٢/٢٧٧ : وقتل مع علي خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأويس القرني زاهد التابعين.

وقال في المختصر الجامع: قتل من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا، منهم عمار بن ياسر، وأويس القرني، وخمسة وعشرون بدريا.

وقال ابن عساكر قبل ختام ترجمة أويس بحديث: أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علية [كذا] بن الحسن الحسيني، حدثنا القاضي محمد بن عبدالله الجعفي، حدثنا الحسين بن محمد ابن الفرزدق، أنبأنا الحسن بن علي بن بزيع، حدثنا محمد بن عمر، حدثنا ابراهيم بن إسحاق، حدثنا عبدالله بن أذنية البصري، عن أبان بن أبي عباش عن سليمان [كذا] بن قيس العامري: قال رأيت أويساً القرني بصفين صريعاً بين عمار وخزيمة بن ثابت.

وتقدم في تعليق الحديث ( ٣٤٧ ) في ص ٢٨٦ عن ترجمة زيد بن صوحان من تاريخ

٤٦

دمشق: ١٩/١٣٠، وفي تهذيبه: ٦/١٤، بسند آخر أن أويس القرني قتل في الرجالة يوم صفين. انتهى.

وكان ينبغي لهؤلاء المؤرخين أن يتقيدوا بمنهجهم في الأخذ بالأحاديث الصحيحة التي نصت على شهادة أويس مع عليعليه‌السلام في صفين، وأن لا يشككوا الناس بسرد أحاديث ضعيفة في مقابلها.

ولكن بغضهم لعليعليه‌السلام يدفعهم دائماً الى ترك منهجهم والتشبث بالطحلب لكي يتخلصوا من أويس، هذه الآية الربانية النبوية التي شهدت على حق عليعليه‌السلام وباطل خصومه ومقاتليه، وحكمت عليهم بنصوص صحيحة عندهم بأنهم الفئة الباغية المحاربة لله ورسوله!!

ترى أحدهم لا يشهد بأن الحق مع عليعليه‌السلام إلا مجبوراً، كأنه يساق الى الموت!! ويبقى قلبه مشرباً بحب أعداء علي ومقاتليه، وكأنه يقول لهم ( أحسنتم وتقبل جهادكم وطاعاتكم )!!

قال الحاكم في المستدرك: ٣/٤٠٢:

ذكر مناقب أويس بن عامر القرنيرضي‌الله‌عنه .

أويس راهب هذه الأمة ولم يصحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما ذكره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودل على فضله، فذكرته في جملة من استشهد بصفين بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه .

سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: قتل أويس القرني بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يوم صفين.

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا أبو نعيم، ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي أفيكم أويس القرني؟ قالوا:

٤٧

نعم، فضرب دابته حتى دخل معهم، ثم قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: خير التابعين أويس القرني.

أخبرني أحمد بن كامل القاضي ببغداد، ثنا عبد الله بن روح المدايني، ثنا عبيد الله بن محمد العبسي، حدثني اسمعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن على العنزي، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال: شهدت علياًرضي‌الله‌عنه يوم صفين وهو يقول: من يبايعني على الموت، أو قال على القتال؟ فبايعه تسع وتسعون.

قال فقال: أين التمام أين الذي وعدت به؟

قال فجاء رجل عليه أطمار صوف، محلوق الرأس، فبايعه على الموت والقتل، قال فقيل هذا أويس القرني، فما زال يحارب بين يديه حتى قتلرضي‌الله‌عنه .

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا علي بن حكيم، ثنا شريك قال ذكروا في مجلسه أويس القرني فقال: قتل مع علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه في الرجالة. انتهى.

وقد تقدم من صحيح مسلم وغيره أن أويساً كان في صفين.

راجع أيضاً: طبقات ابن سعد: ٦/١١٣ - ١١٤، وغيره.

٦ - وجعلوا له قبرين في الشام ليبعدوه عن صفين

في رحلة ابن بطوطة: ١/٩٣:

أن جماعه من الصحابة صحبهم أويس القرني من المدينة الى الشام، فتوفي في أثناء الطريق في برية لا عمارة فيها ولا ماء، فتحيروا في أمره فنزلوا فوجدوا حنوطاً وكفناً وماء فعجبوا من ذلك وغسلوه وكفنوه...

بعض المشاهد والمزارات بها ( الشام ): فمنها بالمقبرة التي بين باب الجابية والباب الصغير... وقبر بلال مؤذن رسول الله ( ص )، وقبر أويس القرني، وقبر كعب الأحبار. انتهى.

٤٨

أما ابن تيمية الذي مذهبه تحريم زيارة القبور، فقد صرح بأن قبر أويس الذي في الشام لا أصل له، قال في كتابه زيارة القبور/٤٤٦: أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعاً مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف الى اُبيّ بن كعب، والمشهد الذي بظاهرها المضاف الى أويس القرني، والمشهد الذي بمصر المضاف الى الحسينرضي‌الله‌عنه ، الى غير ذلك من المشاهد التي يطول ذكرها بالشام والعراق ومصر وسائر الأمصار، حتى قال طائفة من العلماء منهم عبد العزيز الكناني كل هذه القبور المضافة الى الأنبياء لا يصح شيء منها إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أثبت غيره أيضاً قبر الخليلعليه‌السلام !!

٧ - وزعم بعضهم أن قبر أويس طار من الأرض

قال في حلية الأولياء: ٢/٨٤:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني زكريا بن يحيى بن زحمويه، ثنا الهيثم بن عدي، ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة، عن أبيه عن عبد الله بن سلمة، قال غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض علينا - يعني أويس - فحملناه فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه!

فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرجعنا فإذا لا قبر ولا أثر!!

وقال اللواتي في تحفة النظار في غرائب الأمصار: ١/٥٥:

فمن بعض المشاهد والمزارات بدمشق التي بين باب الجابية والباب الصغير قبر أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين، وقبر أخيها أمير المؤمنين معاوية، وقبر بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم،رضي‌الله‌عنهم أجمعين، وقبر أويس القرني وقبر كعب الأحباررضي‌الله‌عنهما .

ووجدت في كتاب المعلم في شرح صحيح مسلم للقرطبي أن جماعة من

٤٩

الصحابة صحبهم أويس القرني من المدينة الى الشام فتوفي في أثناء الطريق في برية لا عمارة فيها ولا ماء، فتحيروا في أمره فنزلوا فوجدوا حنوطاً وكفناً وماء، فعجبوا من ذلك وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، ثم ركبوا فقال بعضهم: كيف نترك قبره بغير علامة، فعادوا للموضع فلم يجدوا للقبر من أثر. انتهى.

ومن الواضح أنهما روايتان أمويتان تريدان إبعاد قبر أويس عن صفين، وتنفيان استشهاده مع عليعليه‌السلام !!

٨ - ورووا عن مالك أنه أنكر وجود أويس

في سير أعلام النبلاء: ٤/٣٢:

قال أبو أحمد بن عدي في الكامل: أويس ثقة صدوق، ومالك ينكر أويساً! ثم قال: ولا يجوز أن يشك فيه. أخبار أويس مستوعبة في تاريخ الحافظ أبي القاسم ابن عساكر.

ميزان الاعتدال: ١/٢٧٩:

قال ابن عدي: ليس لأويس من الرواية شيء، إنما له حكايات ونتف في زهده، وقد شك قومه فيه، ولا يجوز أن يشك فيه لشهرته ولا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو ثقة صدوق. قال: ومالك ينكر أويساً يقول: لم يكن. انتهى.

ولعل إنكار مالك لوجوده فيه إن صح مبني على أن القرنيين قالوا لا نعرف نسبه فينا، أو شككوا في وجوده بينهم!

وقد تقدم أن مخابرات الخلافة كلفت ابن عمه بأذاه وتسقيط شخصيته، فلا يبعد أن تكون هذه الشائعة من صنعهم.

كما تقدم قول أويس عن رد فعل الخلفاء وعمالهم على نصحه لهم ( حتى والله لقد يقذفوننا بالعظائم، ووالله لا يمنعني ذلك أن أقول بالحق ).

وقوله ( نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، فيشتمون أعراضنا، ويرموننا

٥٠

بالجرائم والمعايب والعظائم، ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين، إنه والله لا يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله )! .

ومن المعروف للجميع أن الخلفاء ( ماعدا علياًعليه‌السلام ) لم يكن يتسع صدرهم للانتقاد، وأن سياستهم قامت على أن المنتقد عدو، بل الممتنع عن البيعة عدو.. وقد أرادوا قتل سعد بن عبادة في السقيفة، وأشعلوا الحطب في اليوم الثاني لوفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في دار علي وفاطمة ليحرقوه بمن فيه! إن لم يبايعوا!! الخ.

وعندما يكون منتقد الخليفة شخصية مهمة مبشراً به مشهوداً له من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن جرمه يكون أكبر، لأن كلامه يكون مؤثراً في الناس أكثر!

وعليه فليس بعيداً أن تكون السلطة طلبت من القرنيين إنكار أويس، أو تبرعوا هم بإنكاره خوفاً من تحميلهم مسؤولية معارضته!

وهو عمل مألوف حتى في عصرنا من العشيرة التي لا تريد أن تتحمل مسؤولية ابنها المعارض للسلطة.

ويؤيد ذلك سلوك أويس الفريد في العناية بالفقراء، وتربيته مجموعة من الزهاد السائرين على نهجه، وكان مركزهم في مسجد بالكوفة.. وأنه ورد عنه أنه كان يكرر ( ماذا لقيت من عمر ) وهو شبيه بالكلام الذي كانت تكرره فاطمة الزهراءعليها‌السلام ..

هذا، ومن المحتمل أن محبي بني أمية أشاعوا عن مالك تشكيكه في وجود أويس القرني، لأن أويساً كعمار بن ياسررضي‌الله‌عنهما ظل شهادة صارخة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على أنهم أهل الباطل!

**

ومن طريف ما جرى في عصرنا أن الإيرانيين بنوا في صفين ( الرقة ) مسجداً كبيراً ضمنوه قبر عمار بن ياسر وأويس القرنيرضي‌الله‌عنهما ، وعندما كمل المشروع أقاموا لافتتاحه احتفالاً ودعوا بعض العلماء والمؤرخين لالقاء خطبهم فيه، ومنهم

٥١

الدكتور سهيل زكار المحب للأمويين، فتكلم في افتتاح مسجد أويس، وأنكر وجود شخصيته من أساسها!!

والطريف أن الملحقية الثقافية الايرانية نشرت خطابه في مجلتها!!

فإذا كنا الى الآن نرى أن المتعصبين لبني أمية مثل الدكتور زكار، يثقل عليهم وجود أويس القرني، ويحاولون إنكاره، فإن أسلافهم الذين عاصروه أو رأوا تأثيره العميق على الأمة، أجدر من المتأخرين بإنكار وجوده للتخلص منه!

**

آراء مضادة مغالية في أويس القرني!

من جهة أخرى غالى بعضهم في أويس وجعلوه خليل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

ففي طبقات ابن سعد: ٦/١٦٣:

أخبرنا مسلم بن ابراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثني رجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خليلي من هذه الأمة أويس القرني.

ورواه في الجامع الصغير: ٣/٢٩٨، برقم ٣٩٤٢ وفي مختصر تاريخ دمشق: ٣ جزء ٨٩٥ وفي كنز العمال: ١٢/٧٤. انتهى.

وهذه الرواية لا تصح عندنا ولا عند غيرنا.

أما عندنا فلأنه ثبت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليعليه‌السلام : أنت أخي، وخليلي، وأول من يصافحني يوم القيامة.

وأما عندهم، فلأنهم رووا حديثاً ينفي وجود خليل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه لو كان متخذاً خليلاً لاتخذ أبا بكر خليلاً!

وحديثهم عن أبي بكر كحديثهم عن أويس يراد بهما نفي أن يكون خليل النبي علياًعليه‌السلام ! كما وضعوا حديث أن عمر أول من يصافح الرحمن يوم القيامة، مقابل حديث أن يكون علياً أول من يصافح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة!

٥٢

قال أحد المعلقين في هامش المجروحين لابن حبان: ٣/١٥١:

وأخبار أويس أورد الكثير منها ابن سعد في الطبقات، وأورد ابن الجوزي خبراً منها ثم قال: قد وضعوا خبراً طويلاً في قصة أويس من غير هذه الطريق. وإنما يصح في الحديث عن أويس كلمات يسيرة جرت له مع عمر، وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يأتي عليكم أويس فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فأطال القصاص وعرضوا في حديث أويس بما لا فائدة في الاطالة بذكره. انتهى.

وقد حصر هذا المحشي سبب الوضع في أحاديثه بالقصاص، ولكن عرفت مشكلة الخلافة والأمويين مع أويس، وهي دواع للانكار والوضع معاً!!

رووا أنه أوصى الى هرم بن حيان وبكى على عمر

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٦:

أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم بن عبد الله بن معاوية السياري شيخ أهل الحقائق بخراسان قال: أنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزاري، أنا عبدان بن عثمان، أنا عبد الله بن الشميط بن عجلان، عن أبيه أنه سمع أسلم العجلي يقول: حدثني أبو الضحاك الجرمي، عن هرم بن حيان العبدي قال:

قدمت الكوفة فلم يكن لي بها هم إلا أويس القرني أطلبه وأسأل عنه حتى سقطت عليه جالساً وحده على شاطيء الفرات نصف النهار يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت فاذا رجل لحم آدم شديد الادمة، أشعر محلوق الرأس يعني ليس له جمة، كث اللحية عليه إزار من صوف ورداء من صوف بغير حذاء، كبير الوجه مهيب المنظر جداً، فسلمت عليه فرد عليّ، ونظر إليّ فقال: حياك الله من رجل، فمددت يدي اليه لأصافحه فأبى أن يصافحني وقال: وأنت فحياك الله.

فقلت رحمك الله يا أويس وغفر لك، كيف أنت رحمك الله؟

ثم خنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي له، لما رأيت من حاله ما رأيت حتى بكيت وبكى. ثم قال: وأنت فرحمك الله يا هرم بن حيان، كيف أنت يا أخي، من دلك

٥٣

عليّ؟ قلت: الله. قال: لا الَه إلا الله سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا، حين سماني والله ماكنت رأيته قط ولا رآني.

ثم قلت: من أين عرفتني وعرفت اسمي واسم أبي؟ فوالله ما كنت رأيتك قط قبل هذا اليوم!

قال: نبأني العليم الخبير، عرفت روحي روحك حيث كلمت نفسي نفسك. إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأحياء، إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضاً ويتحدثون بروح الله وإن لم يلتقوا، وإن لم يتكلموا ويتعارفوا، وإن نأت بهم الديار وتفرقت بهم المنازل.

قال قلت: حدثني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديث أحفظه عنك.

قال: إني لم أدرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم تكن لي معه صحبة، ولقد رأيت رجالاً قد رأوه وقد بلغني من حديثه كما بلغكم، ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسي أن أكون محدثاً أو قاضياً ومفتياً. في النفس شغل يا هرم بن حيان.

قال فقلت: يا أخي اقرأ عليّ آيات من كتاب الله أسمعهن منك فإني أحبك في الله حباً شديداً، وادع بدعوات وأوص بوصية أحفظها عنك.

قال فأخذ بيدى على شاطيء الفرات وقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، قال فشهق شهقة ثم بكى مكانه، ثم قال قال ربي تعالى ذكره وأحق القول قوله وأصدق الحديث حديثه وأحسن الكلام كلامه: وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما الا بالحق.. حتى بلغ الى من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم. ثم شهق شهقة ثم سكت، فنظرت اليه وأنا أحسبه قد غشي عليه، ثم قال: يا هرم بن حيان، مات أبوك، وأوشك أن تموت ومات أبو حيان. فإما الى الجنة وإما الى النار. ومات آدم ومات حواء.

يا ابن حيان ومات نوح وابراهيم خليل الرحمن.

يا ابن حيان ومات موسى نجي الرحمن.

يا ابن حيان ومات داود خليفة الرحمن.

٥٤

يا ابن حيان ومات محمد رسول الرحمن.

ومات أبو بكر خليفة المسلمين.

يا ابن حيان ومات أخي وصفيي وصديقي عمر بن الخطاب.

ثم قال: واعمراه، رحم الله عمر وعمر يومئذ حي!! وذلك في آخر خلافته.

قال فقلت له: رحمك الله إن عمر بن الخطاب بعد حي!

قال: بلى إن تفهم فقد علمت ما قلت! وأنا وأنت في الموتى. وكان قد كان ثم صلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ودعا بدعوات خفاف ثم قال:

هذه وصيتي اليك يا هرم بن حيان: كتاب الله واللقاء بالصالحين من المسلمين والصلاة والسلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقد نعيت على نفسي ونعيتك، فعليك بذكر الموت، فلا يفارقن عليك طرفة، وأنذر قومك إذا رجعت اليهم، وانصح أهل ملتك جميعاً واكدح لنفسك، وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تعلم، فتدخل النار يوم القيامة!

قال ثم قال: اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك وزارني من أجلك، اللهم عرفني وجهه في الجنة، وأدخله عليّ زائراً في دارك دار السلام، واحفظه ما دام في الدنيا حيث ما كان، وضم عليه ضيعته ورضه من الدنيا باليسير، وما أعطيته من الدنيا فيسره له، واجعله لما تعطيه من نعمتك من الشاكرين، واجزه خير الجزاء.

استودعتك الله يا هرم بن حيان، والسلام عليك ورحمة الله.

ثم قال لي: لا أراك بعد اليوم رحمك الله فإني أكره الشهرة والوحدة أحب اليّ لاني شديد الغم كثير الهم مادمت مع هؤلاء الناس حياً في الدنيا، ولا تسأل عني ولا تطلبني واعلم أنك مني على بال ولم أرك ولم ترني!! فاذكرني وادع لي فاني سأذكرك وأدعو لك إن شاء الله تعالى.

انطلق ها هنا حتى آخذ هاهنا.

قال فحرصت على أن أسير معه ساعة فأبى عليّ، ففارقته يبكي وأبكي!

٥٥

قال فجعلت أنظر في قفاه حتى دخل في بعض السكك، فكم طلبته بعد ذلك وسألت عنه فما وجدت أحداً يخبرني عنه بشيء، فرحمه‌الله وغفر له.

وما أتت عليّ جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين! أو كما قال.

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/٢٨:

أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أبو المكارم المعدل، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا خالد بن يزيد العمري، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن علقمة بن مرثد، قال: انتهى الزهد الى ثمانية: عامر بن عبد الله بن عبد قيس، وأويس القرني، وهرم بن حيان، والربيع بن خثيم، ومسروق بن الإجدع، والأسود بن يزيد، وأبي مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن.

وروي عن هرم بن حيان، قال: قدمت الكوفة، فلم يكن لي هم إلا أويس أسأل عنه، فدفعت اليه بشاطيء الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت...الى آخر القصة، وقال: أوردها أبونعيم في الحلية، ولم تصح، وفيها ما ينكر. انتهى.

ويكفي لرد هذه القصة أنها تنسب الى أويس أن الله تعالى نعى اليه عمر، وأنه لو صح أنه أخبر بوفاة عمر في الكوفة قبل أن يعرف الناس لشاع ذلك ورواه غير هرم. مضافاً الى تعارض ما فيها، وما يعارضها من أن هرما هذا كان يبحث عن أويس ولم يجده.

ثم إن هذه القصة شهادة من هرم لنفسه بأنه الوارث الشرعي لزهد أويس، وكان ينبغي أن يشهد له بذلك غيره، كما شهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمون لأويس.

وأخيراً، فإن الكرامات الباطلة التي رووها عن هرم توجب الشك في أصل تدينه وفي كل ماروي عنه وله.. فقد رووا أنه سمي هرما لأنه هرم في بطن أمه وبقي حملا لمدة سنتين، أو أربع سنين!! قال الذهبي فيسير أعلام النبلاء: ٤/٤٨:

وقيل: سمي هرماً لأنه بقي حملاً سنتين حتى طلعت أسنانه!

٥٦

قال أبو القاسم ابن عساكر: قدم هرم دمشق في طلب أويس القرني. انتهى.

وقال في اختيار معرفة الرجال: ١/٣١٣:

قال القتيبي: وإنما سمي هرماً لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين. انتهى.

فهذا هو هرم الذي هرموه، وكبروه على حساب أويس!

وادعوا أن أويساً ورث خرقة التصوف ثم ورثها لموسى الراعي

في طرائف المقال: ٢/٥٩٤:

عن تذكرة الأولياء أن علياًعليه‌السلام وعمر أعطيا خرقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حسب الوصية أويساً فلما رآه الثاني أن ثوبه وكساه شعر الابل ووبره، ورأسه ورجليه مكشوفان، وكان له رئاسة الدنيا والدين تغير حاله فقال عمر: من يشتري الخلافة مني برغيف من الخبز؟

وفي لسان الميزان: ٦/١١٧:

( موسى ) بن زيد الراعي أبو عمران الديلمي نزيل بلخ.

لم أجد له ذكراً، وأظن أن بعض من في إسناد خبره اختلقه، فإنه أسندت عنه خرقة التصوف، فزعم أول من اختلقه أن أويساً القرني ألبسه الخرقة لما قدم بلاد الديلم، ومات بها، وأن عمر ألبسه قميصه بعرفات بحضور علي، وأن علياً ألبسه رداء ثم ألبسه قميصه بصفين، وهما لبسا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ذكره الفخر الفارسي، وهو محمد بن ابراهيم الذي تقدمت ترجمته عن أبيه، عن نصر بن خليفة البيضاوي، عن ابراهيم بن شهريار، عن أبي محمد الحسن الأبار الشيرازي، عن محمد بن خفيف، عن ابن عمر الاصطخري، عن أبي تراب النخشبي، عن أبي عمران المذكور.

وفي السياق أن كلا من هؤلاء ألبس الذي دونه.

وهذا خبر باطل مشوش. وأويس قتل بصفين كما ذكرته في ترجمته، وقيل مات قبل ذلك، فالله أعلم. انتهى.

٥٧

وهذه الروايات وغيرها من الادعاءات الباطلة، تدل على المكانة التي كانت لأويسرضي‌الله‌عنه في وجدان المسلمين، وعلى تأثير شخصيته ومسلكه في نفوسهم، حتى كثرت الأحاديث عنه، وادعى كثير الارتباط به والقرب منه، أو ادعوا قربه من أئمتهم الذين يحبونهم!

وهو أمر يزيد من التأكيد على وجود شخصية أويس، وتأثير سيرته تأثيراً عميقاً في أجيال المسلمين ومتدينيهم.. رضوان الله عليه.

**

صورة عن أويس القرني من مصادرنا روائح الجنة تفوح من قرن!

في الفضائل/١٠٧:

مما روي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: تفوح روائح الجنة من قبل قرن الشمس، واشوقاه اليك يا أويس القرني، ألا من لقيه فليقرأه عني السلام.

فقيل: يا رسول الله ومن أويس القرني؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن غاب لم يفقدوه، وإن ظهر لم يكترثوا له، يدخل في شفاعته الى الجنة مثل ربيعة ومضر، آمن بي ومارآني، ويقتل بين يدي خليفتي علي بن أبي طالب في صفين. انتهى. ورواه في بحار الأنوار: ٣٨/١٥٥

وفي شرح الأخبار: ٢/٣٥:

وأويس بن عامر القرني، قتل مع علي صلوات الله عليه بصفين، وهو الذي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن من بعدي رجل يقال له: أويس به شامة بيضاء، من لقيه فليبلغه مني السلام، فإنه يشفع يوم القيامة لكذا وكذا من الناس.

٥٨

خير التابعين وَنَفَسُ الرحمن

في هامش مجمع البحرين: ٣/٤٩٨:

هو من التابعين الأخيار، ممن كانوا على الهدى وثبتوا عليه.

شهد مع عليعليه‌السلام حرب صفين، واستشهد في سبيل حقه. ووصفه المؤرخون بأنه من خواص أمير المؤمنين وحوارييه، وورد في شأنه مدح كثير وثناء من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصفه: إنه نفس الرحمن وخير التابعين.

كان راعي إبل فصار الشفيع الموعود

في طرائف المقال: ٢/٥٩٧:

وروى ضمرة عن أصبغ بن زيد قال: أسلم أويس على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لكن منعه من القدوم بره بأمه.

واستشهد أويس وجماعة من أصحابه في الرجالة بين يدي عليعليه‌السلام ، وقد ذكرنا أن أويساً كان راعياً للابل ويأخذ الأجرة على الرعي، ويصرفها لأمة الصالحة الصادقة. فذات يوم استأذن من أمه أن يذهب الى زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأذنت له لكن لم إن يكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته فلا تتوقف وارجع معجلاً، فلما ذهب الى زيارته ولم يكن في البيت رجع الى اليمن، فلما أتىصلى‌الله‌عليه‌وآله الى بيته فرأى نوراً لم ير مثله، فسأل أنه هل أتى في درب البيت أحد؟ فأجيب جاء أحد من اليمن اسمه أويس، فحيا وذهب. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم هذا نور أويس، جعله هدية في بيتنا. راجع أيضاً: سير أعلام النبلاء: ٤/٢٧

أويس من أركان التشيّع لعليعليه‌السلام

في الاختصاص/٦:

ذكر السابقين المقربين من أمير المؤمنينعليه‌السلام :

حدثنا جعفر بن الحسين، عن محمد بن جعفر المؤدب: الأركان الأربعة: سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وعمار، هؤلاء الصحابة.

٥٩

ومن التابعين: أويس بن أنيس القرني، الذي يشفع في مثل ربيعة ومضر...

وفي الاختصاص/٨١:

أحمد بن هارون الفامي، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي عبدالله محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: شهد مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام من التابعين ثلاثة نفر بصفين شهد لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنة ولم يرهم: أويس القرني، وزيد بن صوحان العبدي، وجندب الخير الأزدي، رحمة الله عليهم. انتهى. ورواه في بحار الأنوار: ٢٩/٦١٨

وفي اختيار معرفة الرجال: ١/٣١٤:

وكان أويس من خيار التابعين لم ير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصحبه، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم لأصحابه: أبشروا برجل من أمتي يقال له أويس القرني، فإنه يشفع لمثل ربيعة ومضر.

روى يحيى بن آدم، عن شريك، عن ابن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى عبد الرحمن، قال: خرج رجل بصفين من أهل الشام، فقال: فيكم أويس القرني؟ قلنا نعم. قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: خير التابعين، أو من خير التابعين أويس القرني، ثم تحول الينا. انتهى.

وروى الأول في روضة الواعظين/٢٨٩، وبحار الأنوار: ٣٨/١٥٦، وجامع الرواة: ١/ ١١٠، ووسائل الشيعة: ٢٠/١٤٤، ومعجم رجال الحديث: ٤/١٥٤

وفي طرائف المقال: ٢/٥٩٢:

وعن غوث المتأخرين السيد محمد النور بخشي نور الله مرقده في شجرة الأولياء قال: أويس القرني المجذوب قدس سره، هو الذي وصفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالولاية، وقال: إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523