العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية7%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 195581 / تحميل: 7948
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

ولا يصح أن يقول مانع التوسل: أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة وإنما أمنع إطلاق التوجه والاستغاثة، لأن فيهما إبهام وهو أن المتوجه به، والمستغاث به أعلى من المتوجه عليه والمستغاث عليه.

وهذا لا يعتقده مسلم، ولا يدل لفظ التوجه والاستغاثة عليه، فإن التوجه من الجاه والوجاهة، ومعناه: علو القدر والمنزلة.

وقد يتوسل بذي جاه الى من هو أعلى جاهاً منه.

الحالة الثانية: بعد موته في عرصات القيامة بالشفاعة منه، وذلك مما قام الاجماع عليه وتواترت الأخبار به.

الحالة الثالثة: المتوسطة في مدة البرزخ، ولا مانع من ذلك، فإن دعاء النبي لربه تعالى في هذه الحالة غير ممتنع، وقد وردت الأخبار على ما ذكرنا من قبل، ونذكر طرفاً منه باثبات علمه بسؤال من يسأله، فلا مانع من أن يسأل به الاستسقاء كما كان يسأله في الدنيا.

٣ - النوع الثالث: من التوسل أن يطلب منه ذلك الأمر المقصود، بمعنى أنه ( ص ) قادر على التسبب فيه بسؤاله ربه وشفاعته اليه، فيعود الى النوع الثاني في المعنى، وإن كانت العبارة مختلفة، ومن هذا قول القائل للنبي: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال له ( ص ): أعني على نفسك بكثرة السجود.

والآثار في ذلك كثيرة، ولا يقصد الناس بسؤالهم ذلك إلا كون النبي ( ص ) سبباً وشافعاً، وليس المراد نسبة النبي الى الخلق والاستقلال بالأفعال، فإن هذا لا يقصده مسلم. فصرف الكلام اليه ومنعه من باب التلبيس في الدين والتشويش على عوام الموحدين!!

وأما الاستغاثة فهي طلب الغوث. وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالى وحده، كقوله تعالى: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم.

٤٢١

وتارة يطلب ممن يصح إسناده اليه، على سبيل الكسب، ومن هذا النوع الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذين القسمين فيصح أن يقال: استغثت بالنبي، وأستغيث بالنبي، بمعنى واحد، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه على النوعين السابقين في التوسل من غير فرق، وذلك في حياته وبعد موته، ويقول: استغثت الله، وأستغيث الله، بمعنى طلب خلق الغوث منه.

فالله تعالى مستغاثٌ، والغوث منه خلقاً وايجاداً، والنبي صلى الله عليه وسلم مستغاثٌ، والغوث منه تسبباً وكسباً.

وقد تكون الاستغاثة بالنبي على وجه آخر، وهو أن يقول: استغثت بالنبي كما يقول: سألت الله بالنبي، فيرجع الى النوع الأول من أنواع التوسل، ويصح قبل وجوده وبعد وجوده.

والحاصل أن مذهب أهل السنة والجماعة صحة التوسل، وجوازه بالنبي صلى الله عليه وسلم، في حياته وبعد وفاته، وكذا بغيره من الأنبياء والمرسلين، والأولياء الصالحين، كما دلت عليه الأحاديث السابقة.

ومعاشر أهل السنة لا يعتقدون خلقاً ولا إيجاداً، ولا إعداماً إلا لله تعالى وحده لا شريك له. فلا فرق في التوسل بالنبي وغيره من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وكذلك بالأولياء والصالحين، لا فرق بين كونهم أحياء أو أمواتاً، لأنهم لا يخلقون شيئاً، وإنما يتبرك بهم لكونهم أحباء الله تعالى، والخلق والايجاد لله وحده لا شريك له.

وقال في صفحة ١٠٠ وما بعدها:

شبهة إنكار التوسل والاستغاثة والرد عليها:

من شبهات الخصم التي يدلس فيها ويموه بها:

١ - الانكار على المتوسلين والمستغيثين، وتكفيرهم وعدهم مشركين، كعباد الأوثان، بل وجعلهم أسوأ حالاً منهم، واتهامهم أنهم يعتقدون التأثير لغير الله تعالى.

٤٢٢

٢ - الانكار على المستغيثين بالموتى.

٣ - انكار زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وبالأخص سيد المرسلين والاستغاثة به صلى الله عليه وسلم، الى رب العالمين.

٤ - إنكار الصلاة في المساجد التي بها قبور، وعد ذلك من الشرك، ولا ذريعة الى الشرك.

٥ - إنكار وصول ثواب قراءة القرآن والدعاء والاستغفار للموتى. وغير ذلك مما اعتبره الخصم من أنواع الشرك.

ولتفنيد شبهات الخصم سالفة الذكر هذه، فقد أفردنا لكل شبهة فصلاً مستقلاً تناولنا فيه الرد عليها.

أما الشبهة الأولى فقد استقصينا كلام الخصم، فوجدناه مفتتحاً إظهار دعوة مخالفة لأهل الأرض والسماء وهو عارفٌ بضعف حاله، فإن تكفيره لمن خالف بدعته من جميع المسلمين، ونسبتهم الى الشرك الأكبر، واتخاذه هذا الاتهام ذريعةً لتكفيرهم لا دليل له عليه.

هذه الذريعة التي اتخذها هي قوله: إن المشركين السابقين كانوا مشركين في الألوهية فقط، وأما مشركو المسلمين فنعني بهم من أشركوا في الألوهية والربوبية. وقال أيضاً: إن الكفار في زمن رسول الله لا يشركون دائماً، بل تارة يشركون، وتارة يوحدون، ويتركون دعاء الأنبياء والصالحين، وذلك أنهم إذا كانوا في السراء دعوهم واعتقدوا بهم، وإذا أصابهم الضر والشدائد تركوهم وأخلصوا لله الدين، وعرفوا أن الأنبياء والصالحين لا يملكون ضراً ولا نفعاً.

قال الخصم هذا، وحمل تأويل جميع الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على الموحدين من أمة محمد وتمسك بها في تكفيرهم!!

مجمل القول في رد هذه الشبهة: أن التوسل والتشفع والاستغاثة كلها بمعنى

٤٢٣

واحد، وليس لها في قلوب المؤمنين معنى إلا التبرك بذكر أحباب الله تعالى، لما ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم، سواء أكانوا أحياءً أم أمواتاً. فالمؤثر والموجد حقيقة هو الله تعالى، وهؤلاء سببٌ عادي في ذلك، لا تأثير لهم، وذلك مثل السبب العادي فإنه لا تأثير له.

فالمسلم الموحد متى صدر منه إسناد الشيء لغير من هو له، يجب حمله على المجاز العقلي، وإسلامه وتوحيده قرينة على ذلك، كما نص على ذلك علماء المعاني في كتبهم، وأجمعوا عليه.

وأما منع التوسل مطلقاً فلا وجه له مع ثبوته في الأحاديث الصحيحة، ومع صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وسلف الأمة وخلفها.

والمنكرون للتوسل، والمانعون منه، منهم من يجعله حراماً، ومنهم من يجعله كفراً وإشراكاً! وكل ذلك باطل، لأنه يؤدي الى اجتماع معظم الأمة على الحرام والاشراك، لأن من تتبع كلام الصحابة والعلماء من السلف والخلف يجد التوسل صادراً منهم، بل ومن كل مؤمن في أوقات كثيرة، واجتماع أكثرهم على الحرام أو الإشراك لا يجوز، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: لا تجتمع أمتي على ضلالة.

كما أن المنع من التوسل والاستغاثة بالكلية مصادمٌ للأحاديث الصحيحة، ولفعل السلف والخلف، فعليك باتباع الجمهور والسواد الأعظم. يقول سبحانه وتعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم، وساءت مصيرا.

يقول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): عليكم بالسواد الأعظم فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

هؤلاء المنكرون للتوسل والزيارة، فارقوا الجماعة والسواد الأعظم، وعمدوا الى آيات كثيرة من آيات القرآن التي نزلت في المشركين، فحملوها على المؤمنين الذين

٤٢٤

تقع منهم الزيارة والتوسل، وتوصلوا بذلك الى تكفير أكثر الأمة من العلماء والصلحاء والعباد والزهاد وعوام الخلق، والحق على خلاف ما يقولون ويزعمون.

أما تخيلهم أن منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد، وأن فعل ذلك مما يؤدي الى الشرك، فهو تخيلٌ فاسدٌ باطل. فالتوسل والزيارة إذا فعل كل منهما مع المحافظة على آداب الشريعة الغراء لا يؤدي الى محذور ألبتة.

والقائل بمنع ذلك سداً للذريعة متقول على الله، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وكأن هؤلاء المانعين للتوسل والزيارة يعتقدون أنه لا يجوز تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، فحيثما صدر من أحد تعظيم له حكموا على فاعله بالكفر والاشراك وليس الأمر كما يقولون، فإن الله تعالى عظم النبي في القرآن الكريم بأعلى أنواع التعظيم، فيجب علينا أن نعظم من عظمه الله تعالى وأمر بتعظيمه.

الفصل الثاني شبهة إنكار الاستغاثة بالموتى والرد عليها:

كثر الخوض، واشتد الجدال، وحدث الانكار، ضد الاستغاثة بالموتى، ومنع النداء لهم، ظناً من المنكرين أن سائر الموتى من الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين، وعامة المؤمنين لمجرد انتقالهم من دار الحياة الدنيا، صاروا تراباً لا بقاء لهم في قبورهم، لا يسمعون ولا يدركون. بيد أن الحق على خلاف ما يزعمون، والصواب على غير ما يعتقدون.

والسنة الشريفة ترد عليهم زعمهم في صراحة قوية، وتبطل قولهم فيما جاء بها من أحاديث صحيحة.

أخرج البخاري ومسلم، وأصحاب السنن، من حديث ابن عمر قال: اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل القليب فقال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً...

وقال الله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون. فإذا ثبت هذا في الشهداء وهم من سائر الأمة في كل زمان، فلا شك أن الأنبياء من باب أولى.

٤٢٥

وفي الحديث الصحيح: ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أردعليه‌السلام ، فظاهره يقتضي أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف وأنها بالسلام ترد...

يؤيد ذلك ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض على أعمالكم، ما رأيت من خير حمدت الله وما رأيت من شر استغفرت لكم. وفي هذا الباب آثار كثيرة.

وأما شبهتهم في المنع من النداء لهم فقالوا: إن النداء والخطاب للجمادات، والغائبين، والأموات، من الشرك الذي يباح به الدم والمال، ولا حجة لهم في ذلك، فإن الأحاديث الصحيحة صريحةٌ في بطلان قولهم هذا.

إنهم زعموا أن النداء للأموات والغائبين والجمادات يسمى دعاء، وأن الدعاء عبادة، بل هو مخ العبادة. وحملوا كثيراً من الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على الموحدين، وقد تقدم ذكر كثير من تلك الآيات ورد زعمهم فيها.

وهذا كله منهم تلبيسٌ في الدين، فإنه وإن كان النداء قد يسمى دعاء كما في قوله تعالى: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً. لكن ليس كل نداء عبادة ولو كان كل نداء عبادة لشمل ذلك نداء الأحياء والأموات، فيكون كل نداء ممنوعاً مطلقاً، وليس الأمر كذلك، وإنما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقدون ألوهيته واستحقاقه العبادة فيرغبون اليه ويخضعون بين يديه.

الذي يوقع في الاشراك هو اعتقاد ألوهية غير الله تعالى، وأما مجرد النداء لمن لا يعتقدون ألوهيته ولا تأثيره فإنه ليس عبادة...

٤٢٦

الفصل السادس

سيد مكي يقود ثورة فكرية على الفكر الوهابي!

لأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية، يسمح للرأي المخالف لأفكار الشيخ محمد عبد الوهاب وابن تيمية، أن يعبر عن نفسه!

فقد ظهرت خيوط ذلك في عدد من الصحف والكتب، وبرزت أسماء جريئة تنقد الفكر الوهابي.. ولكن رائد الثورة الفكرية على الفكر التيمي السائد.. هو السيد محمد علوي المالكي.

وقد اخترنا هذا الفصل من مواد النقاش الذي جرى في أوائل شهر حزيران وشهر تموز سنة ١٩٩٩، على شبكة الساحة العربية، في ( الانترنيت ) وتضمن رداً وبدلاً بين معارضين ومؤيدين للمالكي.

وقد اقتصرنا من مواده الكثيرة على نماذج لأنها كثيرة لا يتسع لها الكتاب:

طلب أحدهم تعريفاً بالمالكي، فكتب أحد مؤيديه المدعو أبو صالح، تعريفاً به فقال:

ترددت كثيراً قبل البدء بكتابة هذه الأسطر لسببين:

١ - عدم أهلية الفقير وقلة بضاعته.

٤٢٧

٢ - حفاظاً على حرمة السيد أن تناله ألسنة الرعاع.

لكن حينما رأيت أن تلك الأفواه لم تتوان في قذف ما بداخلها من عفن، لم أجد بداً من إجابة الأخ السائل الذي أحب معرفة شيء عن السيد محمد بن علوي بن عباس المالكي، وها أنا أقدم للاخوة بعضاً مما ذكره السيد في بعض كتبه، وشيئاً مما أعرفه عنه.

هو: السيد محمد الحسن بن علوي بن عباس بن عبد العزيز المالكي مذهباً الحسني الإدريسي نسباً ( تجد بقية نسبه الى سيدنا الحسن بن عليرضي‌الله‌عنهما في كتاب أنساب قحطان وعدنان )

ولادته ونشأته:

ولد بمكة في بيت علماء، فأبوه عالم ومحدث وجده عالم ومحدث، وكذا حال كثير من عائلته. والسيد يروي كثيراً من الكتب وخاصة الحديث عن أبيه عن جده.

فنشأته كانت بمكة المكرمة وتعلم في حلقات العلم بالمسجد الحرام وفي مدرسة الفلاح ومدرسة تحفيظ القرآن الكريم.

أكمل دراسته الجامعية بالأزهر الشريف حتى حصل على شهادة الدكتوراه به.

رحلاته:

رحل في طلب العلم الي مصر والمغرب والهند وباكستان وبلاد الشام، واستفاد كثيراً من هذه الرحلات من جمع للمخطوطات ولقاء الرجال ومعرفة الآثار وزيارة المشاهد وكتابة الفوائد، فسبحان المتفضل على عباده.

شيء من علمه:

بدأ بالتدريس وهو دون البلوغ بأمر والده المرحوم السيد علوي المالكي حيث كان يدرس الطلبة كل كتاب يتمه على والده.

جمع الأسانيد على المحدثين والفقهاء في شتى بقاع العالم الإسلامي حتى

٤٢٨

تحصل له أكثر من ٢٠٠ شيخ، يسر الله طبع الجزء المفرد بهم.

قرأ القراءات السبع على شيخ القراء بمدينة حمص بالشام الشيخ عبد العزيز عيون السود ( أنظر اسمه في آخر مصحف الشام ) وأجازه بها.

ولعل البعض يذكر أن السيد كان أحد أعضاء ( أو رئيساً - إن لم تخني الذاكرة ) للجنة التحكيم في مسابقة القرآن الكريم بمكة المكرمة حتى عهد قريب. وبعد ذلك اعتذر هو لشدة انشغاله. أخبرني بذلك مشافهة أحد القائمين على المسابقة.

تعين مدرساً رسمياً في كلية الشريعة بمكة سنة ١٣٩٠ هـ.

بعد وفاة والده بثلاثة أيام اجتمع علماء مكة في دار السيد علوي وكلفوه بالتدريس في مقام والده في المسجد الحرام.

قام بالقاء كثير من المحاضرات في المذياع والتلفاز السعودي، وخاصة عن السيرة النبوية.

قدم استقالته من الجامعة وتفرغ للتأليف والدعوة الى الله محتسباً لوجه الله في مكة المكرمة وخارجها. ولا يزال حفظه الله على ذلك.

شارك في عدة مؤتمرات إسلامية عالمية قدم بحوثاً طبع أكثرها.

قام بعدة رحلات شخصية ورسمية زار فيها كثيراً من بلاد المسلمين، ألقى فيها جملة من المحاضرات والدروس نفع الله بها آمين.

من مؤلفات السيد:

دراسات حول الموطأ

فضل الموطأ وعناية الأمة الاسلامية به

دراسة مقارنة عن روايات موطأ الإمام مالك

شبهات حول الموطأ وردها

إمام دار الهجرة مالك بن أنس

٤٢٩

وألف كتباً عديدة في مصطلح الحديث:

أسماء الرجال، التصوف، علم الأسانيد، الاثبات، القواعد الأساسية في علم مصطلح الحديث، القواعد الأساسية في علوم القرآن، القواعد الأساسية في أصول الفقه. ( وهذه الثلاثة نفع الله بها توفر على طالب العلم كثيراً من الوقت والجهد )

زبدة الاتقان في علوم القرآن

العقود اللؤلؤية في الأسانيد العلوية

اتحاف ذوي الهمم العلية برفع أسانيد والدي السنية

الطالع السعيد المنتخب من المسلسلات والأسانيد

كتب عن آثار مكة

كتاب في رحاب البيت الحرام

صنف في الشمائل المحمدية كتاب: الانسان الكامل.

وتاريخ الحوادث النبوية

وله كتب عديمة النظر في بابها ككتاب:

وهو بالأفق الأعلى

وشفاء الفؤاد بزيارة خيرالعباد

والزيارة النبوية بين الشرعية والبدعية

ورسالة عن أدلة مشروعية المولد النبوي

وككتاب مفاهيم يجب أن تصحح..

والذي ارتضاه السواد الأعظم من الأمة، وقرظ له كبار علماء الأمة، والذي لا يستغني عنه باحث عن الحق، ولا منصف لاخوانه الذين يخالفوه في بعض الفرعيات.

قام بالتحقيق والتعليق على المرفوع من رواية ابن القاسم للموطأ

علق على المولد النبوي للحافظ ابن البديع

٤٣٠

علق علي المولد النبوي للحافظ الملا علي القاري، ونشره لأول مرة.

وغير ذلك كثير مما يقارب المئة ١٠٠ مؤلف، منها الذي ظهر ومنها الذي لم يظهر يسر الله طبعها والنفع بها آمين.

شيوخ السيد:

بإمكانك أن تتعرف من خلال معرفة مشايخ السيد الذين يروي عنهم بالاسناد على جانب من شخصيته حفظه الله وبارك في علمه ثم - إن يسر الله - سأنقل كتب الحديث التي يرويها السيد بإسناده المتصل مما هو مدون لدي وأرويه عن السيد حفظه الله.

وأبدأ بأخص مشايخ السيد محمد بن علوي بن عباس المالكي:

السيد علوي بن عباس المالكي الحسني - ت ١٣٩١

الشيخ محمد يحيى بن الشيخ أمان - ت ١٣٨٧

الشيخ محمد العربي التباني - ت ١٣٩٠

الشيخ حسن بن سعيد يماني - ت ١٣٩١

الشيخ محمد الحافظ التيجاني شيخ الحديث بمصر - ت ١٣٩٨

الشيخ حسن بن محمد المشاط - ت ١٣٩٩

الشيخ محمد نور سيف بن هلال المكي - ت ١٤٠٣

الشيخ عبد الله بن سعيد اللحجي - ت ١٤١٠

الشيخ محمد يس الفاداني - ت ١٤١٠ وما أدراك من هو: مسند مكة وشيخ دار العلوم الدينية بهارحمه‌الله حدث في مجلس واحد عن ٢٠٠ شيخ مبتدئاً بمشرق العالم الاسلامي ومنتهياً بمغربه! حدثني بذلك شيخي القارئ الثقة الذي أروي عنه وعن السيد، كلاهما عن الشيخ الفاداني الشيخ عبدالله أحمد دردوم - ت ١٤٠٧

الشيخ الفقيه شيخ العلماء حسنين بن محمد مخلوف مفتي مصر - ت ١٤١١

٤٣١

الشيخ محمد ابراهيم أبو العيون شيخ الخلوتية بمصر ت؟

وهؤلاء أكثر الذين لازمهم السيد وأخذ عنهم واستفاد منهم.

والتقى السيد بنخبة عديمة النظر من العلماء العارفين من سادتنا آل البيت النبوي وأخذ عن فحولهم واقتبس منهم الشيء الكثير، وعلى رأسهم السادة من آل باعلوي وما أدراك من آل باعلوي، نفعنا الله بهم من أعلي الناس علماً وتقوىً وأشدهم تواضعاً وحياء لو جهلتهم لجهلت مجداً من أعرق الأمجاد لهذه الأمة المحمدية، استقر غالبيتهم في بلاد حضرموت، ومنها انطلقوا للدعوة الى الله في أرجاء الأرض.

أصحاب مبدأ في حياتهم يمثلون أهل السنة والجماعة، أشاعرة العقيدة متبعون لمذهب سيدنا الإمام الشافعي، يعيشون لاحياء علوم الدين على وجه الأرض.

ولو أنصف المؤرخون لسطروا أثرهم بماء الذهب في فاتحة أي كتاب تاريخ للمسلمين! هل تدري لماذا؟ لأنهم بتوفيق الله غيروا خريطة العالم الاسلامي، فقد أدخلوا الإسلام لأكبر كثافة إسلامية على وجه الأرض ( أكثر من ٥٠% من مجموع المسلمين ) وهذا في آسيا وإفريقيا، وهي أماكن لم تصلها جيوش المسلمين!

جملة من أئمة الدين الذين يروي عنهم

السيد محمد علوي المالكي:

الشيخ المحدث محمد زكريا الكاندهلوي شيخ الحديث بالهند

الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي شيخ الحديث

الشيخ المحدث محمد يوسف البنوري بكراتشي

الشيخ محمد شفيع مفتي باكستان

الشيخ محمد أسعد العبجي مفتي الشافعية بحلب

السيد حسن بن أحمد بن عبد الباري الأهدل اليماني منصب المراوعة

السيد المسند العارف بالله مكي بن محمد بن جعفر الكتاني الدمشقي

الشيخ الفقيه شيخ العلماء حسنين بن محمد مخلوف مفتي مصر

٤٣٢

الشيخ المحدث أمين بن محمود خطاب السبكي المصري

الشيخ المعمر محمد عبدالله عربي المصري المعروف بالعقوري وهو تلميذالشيخ الباجوري.

ويروي عن الأمير الصغير مباشرة بلا واسطة، فسنده في غاية العلو. انتهى.

**

بداية ظهور ثورة الفكرية

نشر أحدهم في الشبكة المذكورة بيان هيئة كبار العلماء بالضال محمد علوي المالكي، ونص قرارها المرقم ٨٦ في ١١/١١/١٤٠١ هـ في الدورة السادسة عشرة المنعقدة بالطائف في شوال عام ١٤٠٠ هـ:

نظر مجلس هيئة كبار العلماء فيما عرضه سماحة الرئيس العام لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد، مما بلغه من أن لمحمد علوي مالكي نشاطاً كبيراً متزايداً في نشر البدع والخرافات، والدعوة الى الضلال والوثنية، وأنه يؤلف الكتب ويتصل بالناس، ويقوم بالأسفار من أجل تلك الأمور، واطلع على كتابه الذخائر المحمدية، وكتابه الصلوات المأثورة، وكتابه أدعية وصلوات، كما استمع الى الرسالة الواردة الى سماحة الرئيس العام لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد، من مصر، وكان مما تضمنته:

( وقد ظهر في الأيام الأخيرة طريقة صوفية في شكلها لكنها في مضمونها من أضل ما عرفناه من الطرق القائمة الآن، وإن كانت ملة الكفر واحدة. هذه الطريقة تسمي ( العصبة الهاشمية والسدنة العلوية والساسة الحسنية الحسينية ) ويقودها رجلٌ من صعيد مصر يسميه أتباعه ( الإمام العربي ) وهو يعتزل الناس في صومعة له ويمرون عليه صفوفاً ويسلمون عليه، ويحدثونه ويمنحهم البركات، ويكشف لهم المخبوء بالنسبة لكل واحد، وهذا كله من وراء ستار، فهم يسمعون صوته ولا يرون

٤٣٣

شكله، اللهم إلا الخاصة من أحبابه وأصحابه، فهم المسموح لهم بالدخول عليه، وعددهم قليل جداً، وهو لا يحضر مع الناس الجمع، ولا الجماعات، ولا يصلي في المسجد الذي بناه بجوار صومعته، ويعتقد أتباعه أنه يصلي الفرائض كلها في الكعبة المشرفة جماعة خلف النبي صلى الله عليه وسلم.

ويعتقدون كذلك أنه من البقية الباقية من نسل الأئمة المعصومين، وأن المهدي سيخرج بأمره، وقد أنشأ لطريقته فروعاً في بعض مدن مصر، يجتمع روادها فيها على موائد الأكل والشرب والتدخين، ويأمرون مريديهم بحلق اللحي، وعدم حضور الجماعة في المساجد، وذلك تمهيداً لاسقاط الصلاة نفسها، ويخشى أنهم امتداد لحركة باطنية جديدة، فإن هناك وجه شبه بينهم وبين خصائص الباطنية، فإنهم بالاضافة الى ما سبق محظور على أتباعهم إذاعة أسرارهم والسؤال عن أي شيء يرونه من شيوخهم، كذلك الإسم الذي سموا به حركتهم والشعار الذي اتخذوه لها هو ( فاطمة علي الحسن الحسين ) ومما يؤيد هذا الظن أنهم يجاورون الضاحية التي دفن فيها ( أغا خان ) زعيم الاسماعيلية حيث لا تنقطع أتباع الاسماعيلية عن زيارة قبره، والإتصال بالناس هناك، وقد دفن أغا خان في مصر لهذه الغاية، وقد ازداد أمر هؤلاء في نظرنا خطورة حين علمنا أن لهم اتصالات ببعض أفراد السعودية، وقد هيأت لبعض أتباعهم فرص عمل في المملكة عن طريق هؤلاء الأفراد الذين لم نتعرف على أسمائهم بعد، نظراً للسرية التي يحيطون بها حركتهم، ونحن في سبيل ذلك إن شاء الله.

ولكن الذي وقفنا عليه وعرفناه يقيناً لا يقبل الشك أن الشيخ ( محمد بن عباس المالكي المكي الحسني ) يتصل بهم اتصالاً مباشراً ويزور شيخهم المحتجب ويدخل عليه ويختلي به ويخرج من عنده بعد ذلك طائفاً بأتباعه في البلاد، متحدثاً معهم محاضراً فيهم خطيباً بينهم، كأنه نائب عن الشيخ المزعوم، ثم يختم زيارته بالتوجه الى ضريح أبي الحسن الشاذلي الشيخ الصوفي المعروف، المدفون في

٤٣٤

أقصى بلاد مصر، ومعه بطانةٌ من دهاقنة التصوف في مصر، وهو ينشر بينهم مؤلفاته التي اطلعنا على بعضها فاستوقفنا منها كتابه المسمى ( الذخائر المحمدية ) وتحت يدي الآن نسخة منه بل الجزء الأول، وهو يقع في ٣٥٤ صفحة من الحجم الكبير ذيالطباعة الفاخرة، وطبع بمطبعة حسان بالقاهرة، ولا يوزع عن طريق دار نشر وإنما يوزع بصفة شخصية، وبلا ثمن. والذي يقرأ هذا الكتاب يجد المؤلف هداه الله قد أورد فيه كل المعتقدات الباطلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن بطريق ملتوٍ فيه من المكر والدهاء ما فيه، حتى لا يؤخذ على المؤلف خطأ شخصي، فهو يذيع تلك العقائد ويشيعها عن طريق النقل من بعض الكتب التي أساءت الى الإسلام في عقيدته وشريعته، والتي وصلت برسول الله صلى الله عليه وسلم الى درجة من الغلو، ما قال بها كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل ورد بشأنها النهي الصريح عن مثل هذا الزيغ والزيف والضلال )

ثم ذكر أمثلة مما جاء في الكتاب من الضلال وختم رسالته بقوله ( نحن إنما نهتم بتعقب مثل هذه الأخطاء والخطايا من أجل أن ننبه الى خطورتها وخطرها من باب نصح المسلمين وإرشادهم وتحذيرهم مما يخشى منه على العقيدة الصحيحة والايمان الحق.

وإنما نكتب لكم به كذلك لتتصرفوا حياله بما فيه الخير للاسلام والمسلمين، فكما أن مصر مستهدفة من أعداء الإسلام بحكم عددها وعدتها وإجماعها من حيث الأصل على السنة، فإن السعودية مستهدفة بنفس القدر إن لم يكن أكثر بحكم موقعها من قلوب المسلمين، وبحكم عقيدتها القائمة على حماية جناب التوحيد، وعلى توجيه الناس الى السنة الصحيحة، واهتمامها بنشر هذه العقيدة في كل مكان.

فلا أقل من أن ننبه الى بعض مواطن الخطر لتعملوا على درئه ما استطعتم، والظن بكم بل الاعتقاد فيكم سيكون في محله إن شاء الله، فإن الأمر جد خطير كما رأيتم، من بعض فقرات الكتاب. أهـ ).

٤٣٥

وقد تبين للمجلس صحة ما ذكر من كون محمد علوي داعية سوء ويعمل على نشر الضلال والبدع وأن كتبه مملوءة بالخرافات والدعوة الى الشرك والوثنية.

ورأى أن يعمل على إصلاح حاله وتوبته من أقواله، وأن يبذل له النصح ويبين له الحق، واستحسن أن يحضر المذكور لدى سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد، ومعالي الشيخ سليمان بن عبيد، الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين، لمواجهته بما صدر منه من العبارات الالحادية والصوفية، وإسماعه الكتاب الوارد من مصر ومعرفة جوابه عن ذلك، وما لديه حول ما ورد في كتبه.

وقد حصل هذا الاجتماع المذكور في المجلس الأعلى للقضاء يوم الخميس الموافق ١٧ /١٠/ ١٤٠٠ هـ.

وأعد محضر بذلك الاجتماع تضمن إجابته بشأن تلك الكتب، وما سأله عنه المشايخ مما جاء فيها. وجاء في المحضر الذي وقع فيه أن كتاب الذخائر المحمدية وكتاب الصلوات المأثورة له. أما كتاب أدعية وصلوات فليس له، وأما الرجل الصوفي الذي في مصر فقد قال إنه زاره ومئات من أمثاله في الصعيد، ولكنه ليس من أتباعه ويبرأ الى الله من طريقته، وأنه لم يلق محاضرات في مصر، وأنه أنكر عليه وعلى أتباعه، وقد ذكر للمشايخ أنه له وجهة نظر في بعض المسائل، أما الأمور الشركية فيقول إنه نقلها عن غيره، وأنها خطأ فاته التنبيه عليه.

ولما استمع المجلس الى المحضر المذكور وتأكد من كون الكتابين له، وعلم اعترافه بأنه جمع فيها تلك الأمور المنكرة، ناقش أمره وما يتخذ بشأنه، ورأى أنه ينبغي جمع الأمور الشركية والبدعية التي في كتابه الذخائر المحمدية مما قال فيها أنه خطأ فاته التنبيه عليه، وتطبق على المحضر، ويكتب رجوعه عنها ويطلب منه التوقيع عليه، ثم ينشر في الصحف ويذاع بصوته في الاذاعة والتلفزيون، فإن

٤٣٦

استجاب لذلك وإلا رفع لولاة الأمور لمنعه من جميع نشاطاته في المسجد الحرام، ومن الاذاعة والتلفزيون، وفي الصحافة، كما يمنع من السفر الى الخارج، حتى لا ينشر باطله في العالم الاسلامي، ويكون سبباً في فتنة الفئام من المسلمين.

وقد قامت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بقراءة كتابيه المذكورين اللذين اعترف أنها له ومن إعداده وتأليفه، وجمع الأمور الشركية والبدعية التي فيها وإعداد ما ينبغي أن يوجه له، ويطلب منه أن يذيعه بصوته، وبعث له عن طريق معالي الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين بكتاب سماحة الرئيس العام رقم ٢٧٨٨ وتاريخ ١٢/ ١١/١٤٠٠ هـ، فامتنع عن تنفيذ ما رآه المجلس، وكتب رسالة ضمنها رأيه، ووردت الى سماحة الرئيس العام لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد مشفوعةً بكتاب معالي الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين، رقم ٢٠٥٣/١٩ وتاريخ ٢٦/١٢/١٤٠٠ هـ.

وجاء في كتاب معاليه أنه اجتمع بالمذكور مرتين، وعرض عليه خطاب سماحة الشيخ عبد العزيز، وما كتبه المشائخ، ولكنه أبدى تمنعاً عما اقترحوه، وأنه حاول اقناعه ولم يقبل، وكتب إجابة عما طلب منه مضمونها التصريح بعدم الموافقة على إعلان توبته.

وفي الدورة السابعة عشرة المنعقدة في شهر رجب عام ١٤٠١ هـ. في مدينة الرياض، نظر المجلس في الموضوع وناقش الموقف الذي اتخذه حيال ما طلب منه ورأى أن يحاط ولاة الأمور بحاله والخطوات التي اتخذت لدفع ضرره وكف أذاه عن المسلمين، وأعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بياناً يشتمل على جملة من الأمور الشركية والبدعية الموجودة في كتابه الذخائر المحمدية منها:

١ - نقل في ص ٢٦٥ من الأبيات التي جاء فيها:

ولما رأيت الدهر قد حارب الورى

جعلـت لنفسي نعـل سيده حصنا

تحصنت منه فـي بديع مـثـالها

بسـورٍ منيعٍ نلت فـي ظله الأمنا

٤٣٧

٢ - نقل قصيدة للبكري في الصفحتين ١٥٨ - ١٥٩ تتضمن أنواعاً من الشرك الأكبر وفيها إعراض عن الله عز وجل قال فيها:

ما أرسل الرحمن أو يرسل

مـن رحمة تصعد أو تنزلُ

فــي ملكوت الله أو ملكه

من كل ما يختص أو يشمل

إلا وطـَه المصطفى عبده

نـبـيـه مـختاره المرسل

واسـطـة فيها وأصل لها

يـعـلـم هذا كل من يعقل

فلذ به مـن كل ما تشتكي

فـهـو شـفـيع دائماً يقبل

ولذ به مـن كل ما ترتجي

فـإنه الـمـرجـع والموئل

وناده إن أزمةٌ أنـشـبـت

أظفارها واسـتحكم المعضل

يـا أكـرم الخلق على ربه

وخـيـر من فيهم به يسأل

كم مسني الكرب وكم مرةً

فرجت كـربـاً بعضه يذهل

فـبالذي خصك بين الورى

بـرتـبـةٍ عنها العلا تنزل

عـجل بإذهاب الذي أشتكي

فإن توقفت فـمـن ذا أسأل

٣ - ذكر في ص ٢٥: أن ليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر. وهذا خطأ واضح، فليلة القدر أفضل الليالي بلا شك.

٤ - ذكر في الصفحات الثالثة والأربعين والرابعة والأربعين والخامسة والأربعين قصيدةً لابن حجر الهيثمي فيها إثبات حياة النبي صلى الله عليه وسلم على الاطلاق، وأنه يصلي الصلوات الخمس ويتطهر، ويجوز أن يحج ويصوم، ولا يستحيل ذلك عليه وتعرض عليه الأعمال.

ونقل عن الهيثمي استجارته بالرسول صلى الله عليه وسلم وأقره على ذلك، والاستجارة بغير الله نوعٌ من الشرك الأكبر.

٥ - أورد في ص ٥٢ - ما نصه: من استغرق في محبة الأنبياء والصالحين حمله

٤٣٨

ذلك على الإذن في تقبيل قبورهم والتمسح بها، وتمريغ الخد عليها. ونسب أشياء من ذلك الى بعض الصحابة، وأقر ذلك ولم ينكره، مع أن تلك الأمور من البدع ووسائل الشرك الأكبر، ونسبتها الى بعض الصحابة باطلة.

٦ - ذكر في ص ٦٠: أن زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم من كمال الحج، وأن زيارته عند الصوفية فرضٌ، وأن الهجرة الى قبره عندهم كالهجرة اليه حيا. وأقر ذلك ولم ينكره.

٧ - ذكر عشر كرامات لزائر قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلها رجم بالغيب وقول على الله بلا علم.

٨ - دعا الى الاستجارة به صلى الله عليه وسلم والاستشفاع به عند زيارته فقال ما نصه ( ويتأكد بتجديد التوبة في هذا الموقف الشريف وسؤال الله تعالى أن يجعلها لديه نصوحاً، والاستشفاع به صلى الله عليه وسلم في قبولها والاكثار من الاستغفار والتضرع بتلاوة الآية المذكورة، وأن يقول بعدها وقد ظلمت نفسي ظلما كثيراً، وأتيت بجهلي وغفلتي أمراً كبيراً، وقد وفدت عليك زائراً وبك مستجيراً.

ص ١٠٠: ومعلوم أن الاستشفاع والاستجارة به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم من أنواع الشرك الأكبر.

٩ - ذكر في ص ١٠ - شعراً يقال مع الدعاء عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ومنه:

هذا نزيلك أضحى لا ملاذ له

إلا جنابك يا سؤلي ويا أملي

ومنه:

ضيف ضعيف غـريب قد أناخ بكم

ويستجيـر بكم يـا سـادة العـرب

يا مكرم الضيف يـاعون الزمان ويا

غوث الفقير ومرمى القصد والطلب

ونقل عن بعضهم في ص ١٠٢ شعراً تحت عنوان فضائل نبوية قرآنية:

٤٣٩

أترضى مع الجاه المنيع ضياعنا

و نحن الـى أعتاب بابك ننسب

أفضهـا علينـا نفحـة نبويـة

تلـم شتـات المسلميـن وترأب

وهذه الأبيات الخمسة من الشرك الأكبر والعياذ بالله.

١٠ - نقل في ص ٥٤: بيتاً من الهمزية هو:

ليته خصني بـرؤية وجـه

زال عن كل من رآه العناء

وهذا كذبٌ وباطلٌ، وقد رآه في حياته عليه الصلاة والسلام أقوامْ كثيرون، فما زال عنهم عناؤهم ولا كفرهم.

١١ - نقل في ص ١٥٧ غلوا في نعال الرسول صلى الله عليه وسلم في البيتين التاليين:

علـى رأس هذا الكـون نعـل محمد

سمـت فجميع الخلق تـحت ظلالـه

لـدي الطـور مـوسي نـودي اخلع

وأحمد الى العرش لم يؤمر بخلع نعاله

١٢ - ذكر في ص ١٦٦ قصيدة شركية للشيخ عمر الباقي الخلوتي منها:

يا ملاذ الورى وخير عيان

ورجـاء لكـل دان قصي

لك وجهي وجهت يا أبيض

الوجه فوجه اليه وجه الولي

١٣ - نقل في كتابه الذخائر المحمدية ص ٢٨٤ عن ابن القيم من كتابه جلاء الأفهام ما يوهم أن الطريق الى الله والى جنته محصور في اتباع أهل البيت يعني أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وتصرف في كلام ابن القيم فلم ينقله على حقيقته، لأن ابن القيم في كتابه المذكور تكلم على ابراهيم الخليل وآله من الأنبياء، وذكر أن الله سبحانه بعث جميع الأنبياء بعد ابراهيم من ذريته، وجعل الطريق اليه مسدوداً إلا من طريقهم، ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فترك الشيخ محمد علوي مالكي نقل أصل كلام ابن القيمرحمه‌الله وتصرف فيه، فنقل ما يوهم القراء أن المراد أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يخفي أن هذا الرأي هو مذهب الرافضة الاثني عشرية، وأنهم يرون أن الأحاديث الواردة من غير طريق أهل البيت لا يحتج بها ولا يعمل

٤٤٠

بها ولو كان الراوي لها أبا بكر الصديق أو عمر أو عثمان وتدليسٌ شنيعٌ أراد به تحقيق مقصد سيئ خطير.

ومثل ما تقدم ما ذكره في الصفحتين الرابعة والخامسة من كتابه الصلوات المأثورة حيث يقول من جملة الدعاء الذي نقله ( وانشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة ) وقوله: ( ولا شيء إلا هو به منوط ) يعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد رفع البيان الى صاحب السمو الملكي نائب رئيس مجلس الوزراء مشفوعاً بكتاب سماحة الرئيس العام رقم ١٢٨٠/٢ وتاريخ ٢٨/٧/١٤٠١ هـ.

وفي الدورة الثامنة عشرة للمجلس - المنعقدة في شهر شوال عام ١٤٠١ هـ. أعيدت مناقشة موضوعه بناء على ما بلغ المجلس من أن شره في ازدياد، وأنه لا يزال ينشر بدعه وضلالاته في الداخل والخارج، فرأى أن الفساد المترتب على نشاطه كبير، حيث يتعلق بأصل عقيدة التوحيد التي بعث الله الرسل من أولهم الى آخرهم لدعوة الناس اليها، وإقامة حياتهم على أساسها، وليست أعماله وآراؤه الباطلة في أمور فرعية اجتهادية يسوغ الاختلاف فيها، وأنه يسعى الى عودة الوثنية في هذه البلاد وعبادة القبور والأنبياء، والتعلق على غير الله، ويطعن في دعوة التوحيد ويعمل على نشر الشرك والخرافات، والغلو في القبور، ويقرر هذه الأمور في كتبه ويدعو اليها في مجالسه، ويسافر من أجل الدعوة لها في الخارج. انتهى.

ويبدو أن الدولة السعودية قررت أن تسمح بهامش من الحرية لعالم كبير معروف في مكة والمملكة، وأن لا تتخذ ضده إجراء بالسجن أو المنع من السفر.

**

نماذج من مناقشات حول أَفكاره

- كتب المدعو محمد الفاتح، تحت عنوان ( الاستغاثة والرد على محمد علوي المالكي، ما يلي:

٤٤١

الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الأولين والآخرين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فمسألة الاستغاثة بالأموات والغائبين من الأنبياء والأولياء والصالحين من المسائل التي كثر فيها النزاع في العصور المتأخرة بين مانع يراها ضرباً من الشرك والوثنية، ومبيح يراها من أفضل القرب لدى رب البرية.

ولا شك أن القرآن الكريم لم يغفل هذه القضية، ولم يسكت عن بيان حكم هذه البلية، كيف وغاية مقصده بيان التوحيد ودعوة الناس اليه، وكشف الشرك وتنفير الناس منه؟!

وعامة من ضل في هذا الباب إنما أتي من قبل إعراضه عن نور القرآن، وإقباله على ذبالات الأذهان، وخرافات الأحبار والرهبان، المعتمدين على منطق اليونان.

وهاذا بحث مختصر ليس لي فيه إلا جمع الأقوال وترتيب النقول، وقد استخرت الله تعالى في نشره، فعسى أن ينفع الله به كاتبه وقارئه، وأن يجعله ذخراً لي يوم الحساب.

وقبل الشروع في مقصود البحث لا بد من عرض مقدمات ضرورية أرى التقصير في عرضها سبباً لاتساع رقعة الخلاف وكثرة القيل والقال. وإذا مااتفق الجميع على هذه المقدمات أمكن الاتفاق على المسألة محل النزاع.

المسألة الأولى:

هل كان المشركون الأولون مقرين لله بالربوبية؟ هل أثبتوا خالقاً ورازقاً ومدبراً لهذا الكون غير الله رب البرية؟

وسيتفرع عن هذه المسألة مسائل تذكر تباعاً إن شاء الله.

والذي يدفعني الى إثارة هذه القضية التي تبدو من البدهيات الواضحات أني رأيت بعض من كتب في مسألة الاستغاثة ينكر هذه القضية، ويزعم أن المشركين لم يفردوا الله بالخالقية والرازقية. وهذا مثالٌ من أقوال المخالفين:

٤٤٢

يقول محمد علوي المالكي في مفاهيمه:

وقل ذلك أيضاً في قوله تعالى( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ) فإنهم لو كانوا يعتقدون حقاً أن الله تعالى الخالق وحده، وأن أصنامهم لا تخلق لكانت عبادتهم لله وحده دونها ) انتهى.

وهو كلام لا ينقضي منه العجب! ألا يكفي إخبار القرآن وتقريره لهذه القضية أن تكون من الحقائق لا الأوهام؟ !!!

وأعجب منه ظنه المفهوم من كلامه أن من أقر بالخالق استحال منه صرف العبادة لغيره.

أقول: بل لم يقروا بالخالق فحسب، إنما أقروا أنه الخالق الرازق المحيي المميت المتصرف في الكون الذي يجير ولا يجار عليه.

ومن كلامه الذي دخل به لتاريخه قوله بعد ذكره قوله تعالى( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ ) : هذه الآية صريحةٌ في الانكار على المشركين عبادتهم للأصنام واتخاذها آلهة من دونه تعالى وإشراكهم إياها في دعوى الربوبية (!!! ) على أن عبادتهم لها تقربهم الى الله زلفى. فكفرهم وشركهم من حيث عبادتهم لها، ومن حيث اعتقادهم أنها أرباب من دون الله.

وهنا مهمة لا بد من بيانها، وهي أن هذه الآية تشهد بأن أولئك المشركين ما كانوا جادين فيما يحكى عنهم ربنا ). انتهى.

فقارن رحمك الله بين كلامه وكلام المفسرين الآتي. وإنها كلمة كبيرة حقاً ( غير جادين ) فهل يعني القرآن بنقل الهزل والكذب مرات عدة دون تعليق.. إنا لله وإنا اليه راجعون، فإليك البيان، وأبدأ بذكر آيات مشهورة معلومة للجميع مرتبة حسب ترتيب المصحف مفسرة من كلام أئمة التفسير المتفق على إمامتهم وجلالتهم. فاللهم وفق وسدد وأعن.

أولاً: قوله تعالى:( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ

٤٤٣

وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّـهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) . يونس - ٣١

قال الإمام البغوي ( ت: ٥١٦ هـ ) في تفسيره( فَسَيَقُولُونَ اللَّـهُ ) هو الذي يفعل هذه الأشياء( فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) أفلا تخافون عقابه في شرككم. وقيل: أفلا تتقون الشرك مع هذا الاقرار.

( فَذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمُ ) الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم( الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ) أي فأين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرون به. اهـ.

وقال الإمام الرازي في تفسيره ١٧/٧٠:

ثم بين تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سألهم عن مدبر هذه الأحوال فسيقولون أنه الله سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أن المخاطبين بهذا الكلام كانوا يعرفون الله ويقرون به، وهم الذين قالوا في عبادتهم للأصنام أنها تقربنا الى الله زلفى وأنهم شفعاؤنا عند الله، وكانوا يعلمون أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر.انتهى.

ومن باب الفائدة أنقل كلام بعض الأئمة من غير المفسرين:

أولاً: الإمام ملا علي القاري، قال في شرح الفقه الأكبر ص ١٦:

وقد أعرض الإمام عن بحث الوجود اكتفاء بما هو ظاهر في مقام الشهود، ففي التنزيل:( قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّـهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ) فوجود الحق ثابت في فطرة الخلق كما يشير اليه قوله سبحانه وتعالى( فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) ويومي اليه حديث: كل مولود يولد على فطرة الإسلام. وإنما جاء الأنبياءعليهم‌السلام لبيان التوحيد وتبيان التفريد، ولذا أطبقت كلمتهم وأجمعت حجتهم على كلمة لا الَه إلا الله ولم يأمروا أهل ملتهم بأن يقولوا: الله موجود بل قصدوا إظهار أن غيره ليس بمعبود، رداً لما توهموا وتخيلوا حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى.

على أن التوحيد يفيد الوجود مع مزيد التأييد. انتهى.

٤٤٤

احفظ هذا الكلام، والخبير يعرف من المقصود برد الإمام.

ثانياً: وقال علي القاري أيضاً:

في شرح الشفا للقاضي عياض ٢/٥٢٨ تعليقاً على ما نقله القاضي عن الباقلاني أن الايمان بالله هو العلم بوجوده قال:

وما يتعلق به من توحيد ذاته، وإلا فمجرد العلم بوجوده حاصل لعامة خلقه، كما قال الله تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) وإنما أنكر وجوده سبحانه طائفة من الدهرية والمعطلة. انتهى.

ولست بحاجة الى نقل كلام ابن تيمية وابن القيم والآلوسي والشوكاني والصنعاني والقاسمي والشنقيطي والسعدي، ولا كلام محمد بن عبد الوهاب وأحفاده. ولله الحمد والمنة.

تنبيه:

أحب أن أقول لكل من خالف أو أراد المخالفة: إعلم أن للقوم شبهات واهيات، لن أضيع وقتي في ردها، إلا إذا تبرع أحدكم بنشرها، بعد أن يصرح لنا أنه يخالف ما سبق، وبعد أن يستشهد بعلماء معتبرين يوافقونه على فهمه واستنباطه.

تحذير:

إحذر أخي أن تخالف أمراً ثابتاً بالقرآن الكريم نحو هذا الثبوت المقطوع به. يقول القاضي عياض في الشفا ٢/٥٤٩ مع شرح القاري ( أو كذب به، أي بالقرآن جميعه أو بشيء منه.. ( أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك ) أي دون نسيان أو خطأ ( أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم ) قاطبة ( بإجماع ) لا خلاف فيه. انتهى.

وليعلم أن محمد علوي المالكي ليس أول المخالفين لهذا الحق الثابت، فقد سبقه موكبٌ هزيلٌ من دعاة الوثنية من أمثال القضاعي والدجوي والمجهول ابن

٤٤٥

مرزوق و... وهؤلاء نصبوا أنفسهم أئمة ومفسرين ومجتهدين، فأتوا بهذا الضلال الذي هو تكذيب لحقائق القرآن، وخروج عما أطبقت عليه كلمة أهل الايمان والعرفان.

فها هو أحدهم يقول: هذه الآيات صريحةٌ في إنكار المشركين للخالق سبحانه وتعالى فدل على أنهم كانوا مشركين في خالقية الله تعالى )!!!

وآخر يقول ( فإذا ليس عند هؤلاء الكفار توحيد الربوبية كما قال ابن تيمية )!!

والسؤال: هل المفسرون السابق ذكرهم من تلاميذ ابن تيمية!! ( الطبري والقرطبي وابن عطية، والرازي وابن الجوزي...؟ !!!!

وثالث منهم يقول: ( وإني لأعجب من تفريقهم بين توحيد الألوهية والربوبية، وجعل المشركين موحدين توحيد الربوبية ).

ورابعٌ يقول: ( ثم إنه سبحانه حكم بشركهم لاتخاذهم تلك الأصنام شريكاً لله في الخلق وتدبير العالم، وجوزوا عبادتها خلافاً لله تعالى )

تأمل: ( في الخلق وتدبير العالم )!! ( ومن يدبر الأمر فسيقولون الله ) ( قل من بيده ملكوت كل شيء... سيقولون الله ).

لكن... ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

ثم كتب المدعو محمد الفاتح تحت عنوان ( حقيقة شرك عبدة الأصنام ):

يزعم دعاة الوثنية المعاصرة أن المشركين الأوائل كانوا غير معترفين بالله ولا يقرون له بالربوبية، وأن القرآن الكريم سجل عليهم حكم الكفر لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم النفع والضر، وأنها مساوية لله في الألوهية، بل والربوبية.

وقد تقرر في الحلقة الأولى أن المشركين أفردوا الله بالخلق والرزق والتدبير وغير ذلك من أمور الربوبية، وبهذا انهار جزءٌ كبير مهم من الدعوى التي يرددها محمد علوي المالكي، وجميع من يدعو الى عبادة الأولياء والصالحين.

٤٤٦

وهنا ينهار ما تبقى من الدعوى بحول الله وقوته، وذلك من خلال عرض الحقائق التالية:

١ - المشركون لم يعتقدوا النفع والضر في أصنامهم.

٢ - الأصنام لا تمثل في حس المشركين إلا صوراً للأنبياء والصالحين أو الملائكة.

٣ - المشركون لم يعبدوا الأصنام إلا لينالوا شفاعة أصحابها من العلماء والزهاد. ولتقربهم الى الله زلفى.

٤ - في حال الشدة يتخلى المشركون عن وسائطهم ويفردون الله بالدعاء.

ولا تعجب أخي القارئ إذا وجدتني أتكيَ كثيراً على ما كتبه الرازي والشهرستاني معرضاً عما كتبه ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب.

والغرض أن يعلم الجميع أن هذه الحقائق يقررها العلماء مهما اختلفت مشاربهم وتنوعت مدارسهم وتباعدت أعصارهم، وأنه ليس في كلام ابن تيمية وتلاميذه في هذه المسألة ما هو جديد أو محدث، إلا عند من لا يقرأ وإذا قرأ لم يفهم ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً ).

قال الفخر الرازي في تفسيره ٢٦/٢٨٣ عند قوله تعالى: الله يتوفي الأنفس:

ويحتمل أن يكون المراد بهذا: أن الدليل يدل على أن الواجب على العاقل أن يعبد إلَهاً موصوفاً بهذه القدرة وبهذه الحكمة، ولا يعبد الأوثان التي هي جمادات لا شعور لها ولا إدراك.

واعلم أن الكفار أوردوا على هذا الكلام سؤالا فقالوا: نحن لا نعبد هذه الأصنام لاعتقاد أنها آلهة تضر وتنفع، وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله مقربين، فنحن نعبدها لأجل أن يصير أولئك الأكابر شفعاء لنا عند الله.

فأجاب الله تعالى بأن قال ( أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون )...

٤٤٧

وقال الرازي ١٧/٥٩ في تفسير قوله تعالى( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ ) يونس

وأما النوع الثاني: ما حكاه الله تعالى عنهم في هذه الآية، وهو قولهم (هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ ) فاعلم أن من الناس من قال: إن أولئك الكفار توهموا أن عبادة الأصنام أشد في تعظيم الله من عبادة الله سبحانه وتعالى.

فقالوا: ليست لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله تعالى، بل نحن نشتغل بعبادة هذه الأصنام، وانها تكون لنا شفعاء عند الله تعالى.

ثم اختلفوا في انهم كيف قالوا في الأصنام أنها شفعاؤنا عند الله؟ وذكروا فيه أقولا كثيرة:

فأحدها: انهم اعتقدوا أن المتولى لكل اقليم من أقاليم العالم روح معين من أرواح عالم الأفلاك، فعينوا لذلك الروح صنما معينا واشتغلوا بعبادة ذلك الصنم... ورابعها: أنهم وضعوا هذه الأصنام والاوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا انهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى.

ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فانهم يكونون شفعاء لهم عند الله. انتهى.

قلت: الله اكبر. فمن الذي شبهكم بعبدة الأصنام؟ ؟ !!

وقال الرازي في ٢٦/٢٧٧ في تفسير قوله تعالى( ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ ) الزمر: ٢٩

وهذا مثل ضرب في غاية الحسن في تقبيح الشرك وتحسين التوحيد.

فإن قيل: هذا المثال لا ينطبق على عبادة الأصنام لأنها جمادات فليس بينها منازعة ولا مشاكسة.

قلنا: إن عبدة الأصنام مختلفون، منهم من يقول هذه الأصنام تماثيل الكواكب

٤٤٨

السبعة. ومنهم من يقول: هذه الأصنام تماثيل الأشخاص من العلماء والزهاد الذين مضوا فهم يعبدون هذه التماثيل لتصير أولئك الأشخاص من العلماء والزهاد شفعاء لهم عند الله...

وقال في ٢٥/٢٥٤ في تفسير قوله تعالى( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ ) الاسراء - ٥٦.

واعلم أن المذاهب المفضية الى الشرك أربعة: ورابعها: قول من قال: انا نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا. فقال تعالى في ابطال قولهم( وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) . فلا فائدة لعبادتكم غير الله، فإن الله لا يأذن في الشفاعة لم يعبد غيره، فبطلبكم الشفاعة تفوتون على أنفسكم الشفاعة. انتهى.

وقارنه بكلام ابن القيم في المدارج.

وسأجيب عن شبهتهم: أننا لا نعبدهم، وأنهم يملكون الشفاعة ويقدرون عليها الآن ( وهم أموات ) فنحن نطلب منهم ما يقدرون عليه ويملكونه!!!!

وقال الرازي في ٢٠/١٠٢ في تفسير قوله تعالى( أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) الإسراء - ٥٧

اعلم أن المقصود من هذه الآية الرد على المشركين. وقد ذكرنا أن المشركين كانوا يقولون ليس لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله تعالى، فنحن نعبد بعض المقربين من عباد الله وهم الملائكة، ثم انهم اتخذوا لذلك الملك الذي عبدوه تمثالاً وصورة واشتغلوا بعبادته على هذا التأويل. انتهى.

وانظر كلامه في ٢٥/١٧١ السجدة. و٢٣/١٠٢ الشعراء

وإليك كلام غيره من أهل العلم... انتهى.

وقد أطال هذا الفاتح تبعاً لإمامه ابن تيمية وكل تلاميذه، في اثبات أن المشركين كانوايعتقدون بألوهية الله تعالى فكانوا موحدين في الالوهية، ولكنه سماهم مشركين لانهم عبدوا معه غيره وأشركوهم في ربوبيته.

٤٤٩

وهدفهم من ذلك أن يقولوا أن الذين يتوسلون بالأنبياء والرسل مشركون مثل أولئك، لانهم موحدون في الالوهية ويشركون الأنبياء والأولياء في الربوبية!!

ولكن لو صحت مقدمتهم هذه، لبقي عليهم مقدمتان يلزم عليهم اثباتهما:

الاولى، أن الذين يتوسلون بالأنبياء والأولياء يعبدونهم، كما كان المشركون يعبدون الشركاء!!

والثانية، أن توسلهم بهم عمل لم يأذن به الله تعالى ولم ينزل به سلطانا، كشرك المشركين!!

وقد تبين لك الفرق الشاشع بين التوسل والعبادة، وتبين لك دلالة الآيات والأحاديث الشريفة على التوسل، وأنه عمل مشروع أذن الله به ورسوله، فتشبيهه بشرك المشركين تلبيس وتزوير!

ثم كتب محمد الفاتح تحت عنوان:

أهم الشبهات حول شرك عباد الأصنام، فقال:

أجدني مضطرا للرد على الشبهات التي أثارها علوي المالكي وأتباعه ومن سبقه، حول الحقائق الماضية، والتي نقلت فيها أقوال أهل العلم في بيان أن المشركين أقروا لله بالخلق والرزق والتدبير، وأشركوا به في العبادة، أملا في القربى وبحثاً عن الزلفى الى الله، وأنهم لم يعتقدوا في أصنامهم نفعاً ولا ضرا.

الشبهة الأولى: كيف يقال أن المشركين لم يعتقدوا في أصنامهم نفعاً ولا ضراً، وها هو القرآن يحكي قولهم ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء )؟

والجواب: أننا لا ننكر اعتقاد المشركين النفع والضر في آلهتهم أفليس قولهم ( ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى ) وقولهم ( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) من اعتقاد النفع تقريبا وشفاعة؟ ؟

ولذلك تجد بعض المفسرين يذكر أنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم النفع والضر وهذا حق لا ينكر كما. وليس هذا محل النزاع... انما النزاع في كونهم يعتقدون فيهم نفعا ذاتيا استقلاليا دون الله، فأين الدليل على ذلك؟

٤٥٠

فقد اعترفوا بأن تدبير الأمر كله لله، وأن بيده ملكوت كل شيء، وأنه يجير ولا يجار عليه، وقد مر معك قولهم الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وود لو اقتصروا على جزء منه، وهو قولهم في التلبية ( لبيك اللهم لبيك... إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ).

وحين أتكلم عن شرك عباد الأصنام الذين نزل فيهم القرآن أفاجأ بمن يتحث عن قوم ابراهيم وقوم هودعليهما‌السلام !!!

ومع هذا أقول: غاية ما عند هؤلاء المشركين أنهم اعتقدوا أن الله تعالى فوض اليهم تدبير بعض الأمور، وأعطاهم شيئاً من التصرف. أليس هذا عين ما يقوله عباد القبور اليوم حين ينسبون لأوليائهم نفعاً وضراً، بل حين يخوفوننا بطشهم وهم تحت الثرى؟ !!

فاذا قلنا عن هؤلاء حين يخوفوننا بالولي الفلاني: انهم يعتقدون فيه نفعاً وضراً هب المدافعون عنهم المتشدقون هنا فقالوا: انه تفويض من الله واقدار من الله وليس استقلالاً.

فثبت أن هذه الصورة موجودة تتكرر من أناس يؤمنون بأن الله هو الخالق والرازق والمدبر. وقد حكى القرآن عن عبدة الأصنام ( ويخوفونك بالذين من دونه ) وهو من جنس الكلام السابق، مع يقينهم واعترافهم بأن كل حول وطول لآلهتهم مملوك لله ( تملكه وما ملك ). انتهى كلامه.

ويرد عليه:

أولا، أنه خلط بين أصناف متعددين من المشركين ذكرهم الله تعالى في القرآن، وحمل كلام بعضهم لبعضهم الآخر!!

وثانيا، لو صح كلامه وكان أولئك المشركين يجعلون التأثير الذاتي كله لله تعالى ويعتقدون بأن تأثير شركائهم المزعومين تأثير مجعول من الله تعالى واقدار منه على النفع والضر باذنه.. فإن عبادتهم لهم تبقى اشراكاً لهم في عطاء الله تعالى وفعله بدون دليل من الله ولا سلطان!

٤٥١

أما المتوسلون بالأنبياء والأولياء فعندهم من الله دليل وسلطان، لأنه أذن لهم بذلك.. وإذا صدر منه الإذن صار اسم العمل توسلاً مشروعاً، ولم يعد اسمه شركاً!! وإلا لكان ما علمه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك الأعمى شركاً صريحاً، والعياذ بالله!!

ثم قال الفاتح:

الشبهة الثانية:

استدلالهم بقوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) الأنعام - ١٠٨، قال المالكي: في مفاهيمه:

وإذا غضبوا قابلوا المسلمين بالمثل، فيسبون الله تعالى غيرة على تلك الأحجار التي كانوا يعبدونها يعتقدون أنها تنفع وتضر ) فيرمون الله بالنقائص. وهذا واضح جدا في أن الله تعالى أقل منزلة في نفوسهم من تلك الاحجار التي كانوا يعبدونها. ولو كانوا يعتقدون حقا أن الله تعالى هو الخالق وحده، وأن أصنامهم لا تخلق، لكان على الأقل احترامهم له تعالى فوق احترامهم لتلك الاحجار ) انتهى.

قلت: أما يستحي هذا الرجل من كتابة هذا الكذب والهراء؟ !!! يا ويح من قرظ له هذا الإفك. فهلا نقلت هذا الاستنباط عن أحد قبلك من أهل العلم؟

الجواب: سؤال: إذا قمت بنصيحة أحد الفجرة اليوم فقام بسبك وسب ربك، كما يحدث في بعض بلدان المسلمين، فهل يعني هذا أنه لا يعترف بربوبية الله؟ وهل يعني هذا أنه يثبت خالقا غير الله؟ أم أن الأمر مرده للحمية والغيظ؟ واليك كلام العلماء:

قال ابن الجوزي ( ٣/١٠٢ ): ( فيسبوا الله ) أي: فيسبوا من أمركم بعيبها، فيعود ذلك الى الله تعالى، لا أنهم كانوا يصرحون بسب الله تعالى، لانهم كانوا يقرون أنه خالقهم، وإن أشركوا به. انتهى.

وقال الرازي ١٣/ ١٣٩:

أقول: لي هنا اشكالان: الثاني: أن الكفار كانوا مقرين بالإلَه تعالى وكانوا

٤٥٢

يقولون: انما حسنت عبادة الأصنام لتصير شفعاء لهم عند الله تعالى، وإذا كان كذلك: فكيف يعقل اقدامهم على شتم الله تعالى وسبه؟

الى أن قال: واعلم أنا قد دللنا على أن القوم كانوا مقرين بوجود الإلَه تعالى فاستحال إقدامهم على شتم الإلَه، بل هنا احتمالات:

أحدها: أنه ربما كان بعضهم قائلا بالدهر، ونفى الصانع فما كان يبالي بهذا النوع من السفاهة.

وثانيها: أن الصحابة متى شتموا الأصنام، فهم كانوا يشتمون الرسول عليه الصلاة والسلام، فالله تعالى أجرى شتم الرسول مجرى شتم الله تعالى كما في قوله ( إن الذين يبايعونك انما يبايعون الله ) وكقوله ( إن الذين يؤذون الله ).

وثالثها: انه ربما كان في جهالهم من كان يعتقد أن شيطانا يحمله على ادعاءالنبوة والرسالة، ثم انه لجهله كان يسمي ذلك الشيطان بأنه الَه محمد، عليه الصلاة والسلام، فكان يشتم الَه محمد، بناء على هذا التأويل.انتهى.

وكلام الرازي هذا نقله أبو حيان في تفسيره البحر المحيط، وعقب عليه بقوله: وهذه احتمالات مخالفة للظاهر، وانما أوردها لأنه ذكر أن المعترفين بوجود الصانع لا يجسرون أن يقدموا على سبه تعالى، وقد ذكرنا ما يحمل على حمل الكلام على ظاهره. انتهى.

قال أبو حيان: فيسبوا الله، أنهم يقدمون على سب الله إذا سب آلهتهم وإن كانوا معترفين بالله تعالى لكن يحملهم على ذلك انتصارهم لآلهتهم وشدة غيظهم لأجلها، فيخرجون عن الاعتدال الى ما ينافي العقل، كما يقع من بعض المسلمين إذا اشتد غضبه وانحرف، فانه قد يلفظ بما يؤدي الى الكفر، نعوذ بالله من ذلك. انتهى.

وبمثل هذا التوجيه قال الآلوسي في تفسيره روح المعاني: ٧/٢٥١...

وقال الراغب: إن سبهم لله تعالى ليس أنهم يسبونه جل شأنه صريحاً، ولكن يخوضون في ذكره تعالى ويتمادون في ذلك بالمجادلة، ويزدادون في وصفه

٤٥٣

سبحانه بما ينزه تقدس اسمه عنه. وقد يجعل الإصرار على الكفر والعناد سباً، وهو سب فعلي، قال الشاعر:

وما كان ذنب بني مالك

بأن سب منهم غلام فسب

بأبيض ذي شطب قاطع

يقد العظام ويبري العصب

ونبه به على ما قال الآخر: ونشتم بالأفعال لا بالتكلم.

وقيل: المراد بسب الله تعالى:

سب الرسول صلى الله عليه وسلم ونظير ذلك من وجه قوله تعالى ( إن الذين يبايعونك انما يبايعون الله ) الآية. انتهى كلام الآلوسي.

والحاصل من هذه الأجوبة أنه ليس أحد يذهب الى ما ذهب اليه المالكي.

وها أنت ترى أنهم يجعلون الحقائق السابقة من اقرار المشركين أصلا يردون اليه ما عداه ويبحثون عن تأويله، على عكس ما يحاول المالكي.

وبعد... إلا تعجب معي من هذه الشهادات والتزكيات التي يحملها المالكي، وهو يرضى لنفسه بترديد الشبه التي يسوقها النبهاني والقضاعي والدجوي ودحلان، دون أثارة من علم صحيح؟ !! انتهى.

ويرد عليه ما أوردناه على شبهته الأولى، من أن ذلك لو تم لكان قياس التوسل على عبادة المشركين قياساً مع الفارق في طبيعتهما، وفي نزول سلطان من الله في التوسل دون الشرك!

الشبهة الثالثة:

استدلال المالكي بقول أبي سفيان يوم أحد ( أعل هبل ) فهم المالكي منه مايلي:

ينادي صنمهم المسمى بهبل أن يعلو في تلك الشدة رب السموات والأرض ويقهره، ليغلب هو وجيشه جيش المؤمنين الذي يريد أن يغلب آلهتهم.

هذا مقدار ما كان عليه أولئك المشركون مع تلك الأوثان، ومع الله رب العالمين

٤٥٤

فليعرف حق المعرفة فإن كثيراً من الناس لا يفهمونه كذلك، ويبنون عليه ما يبنون. انتهى كلام المالكي.

قلت: ليته تكرم بنقل واحد عن أهل العلم حتى لا يساء به الظن، لكن ما أجرأه وما أجهله.... يا ويح من قرظ له!

وقد روي البخاري في الصحيح ٤٠٤٣ ما جرى مع أبي سفيان:

وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ فقال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟

قال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟

فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا.

فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك.

قال أبو سفيان: أعل هبل.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا الله أعلى وأجل.

قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه. قالوا ما نقول: قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم.

قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال. انتهى.

قال الحافظ في الفتح ٧/٤٠٨:

قوله ( أعل هبل ) في رواية زهير ( ثم أخذ يرتجز: أعل هبل ) قال ابن اسحاق: معنى قوله: أعل هبل. أي: ظهر دينك.

وقال السهيلي: معناه: زاد علوا. انتهى من الفتح.

والذي في الروض الأنف للسهيلي: زد علوا، ٣/١٧٩

فقول ابن اسحاق: أي ظهر دينك. هو المعنى الذي لا ينبغي العدول عنه، لا ما

٤٥٥

توهمه المالكي، مما يخالف الحقائق اليقينية السابقة.

ويزيد الأمر وضوحا أن أبا سفيان لم يجد ردا على قول المسلمين: الله أعلى وأجل فانتقل الى أمر آخر، وهو انقطاع منه ظاهر!!

وهاهو أبو سفيان يقول لقومه بصريح العبارة حين نجت العير: انكم انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا. البداية والنهاية ٣/٢٨١، نجاها الله لا هبل، فافهم.

بل هذا عدو الله أبو جهل يقول قبيل بدر كما يروي الإمام أحمد والنسائي والحاكم وصححه، عن عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل قال: حين التقى القوم:

اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداه. انتهى. البداية والنهاية ٣/٢٩٩.

وهذا هو معنى قوله تعالى( إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) الأنفال - ١٩

قال مجاهد كما في رواية ابن جرير: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، قال: كفار قريش في قولهم: ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه، ففتح بينهم يوم بدر. اهـ.

وقال السدي: كان المشركون حين خرجوا الى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة، واستنصروا الله وقالوا: اللهم انصر أعز الجندين وأكرم الفئتين وخير القبيلتين، فقال الله: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، يقول: نصر ت ما قلتم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم. رواه ابن جرير.

يستنصرون الله، لا الأولياء والصالحين!!!! فهل هؤلاء منكرون ربوبية الله؟! وقال أبو جهل أيضاً في بدر:

فلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد. البداية والنهاية ٣/٢٨٦. فاعتبروا يا أولي الابصار. انتهى.

٤٥٦

ويرد عليه:

أولا، أنه مهما ادعى لأبي سفيان ومشركي قريش الايمان بالله تعالى، فإن ماثبت عنه من قوله ( أعل هبل ) يدل على أنه برأيه هو الله أو أنه أهم عنده من الله!! وهذا يوجب الشك في أن كلمة الله منه قد تعني هبلا، ولا تعني رب العالمين سبحانه!!

وثانيا، لو تم ما أراده من اثبات ايمان مشركي قريش بالله تعالى أكثر من هبل، فإن اتخاذهم هبلاً واللات والعزى لتقربهم الى الله زلفى كما زعموا، كانت اشراكا لها مع الله تعالى، اما في التأثير الذاتي، أو التأثير باقدار الله.. وكله بدون سلطان من الله تعالى!

فكيف يقاس ذلك بالتوسل برسول الله وآله صلى الله عليهم، الذي دل عليه الدليل وكزل فيه السلطان؟ !!

الشبهة الرابعة:

استدلال القبورية بقوله تعالى( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ) . الفرقان - ٦٠، قالوا: فهل يكون صاحب هذا الكلام موحدا معترفا بالربوبية؟!

والجواب: قال الطبري:

وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف الرحمن ولم يكن ذلك في لغتها ولذلك قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا انكاراً منهم لهذا الإسم. كأنه كان محالاً عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته، أو كأنه لم يتل من كتاب الله قول الله: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه، يعني محمداً، كما يعرفون أبناءهم، وهم مع ذلك به مكذبون ولنبوته جاحدون.

فيعلم بذلك أنهم قد كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحته واستحكمت لديهم معرفته. وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء:

٤٥٧

ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ألا قضب الرحمن ربي يمينها

وقال سلامة بن جندل الطهوي:

عجلتم علينا عجلتينا عليكم وما يشاء الرحمن يعقد ويطلق.. انتهى.

ونسيت الموضع الذي نقلته منه من التفسير.

وقال ابن جرير في تفسير آية الفرقان:

وذكر بعضهم أن مسيلمة كان يدعى الرحمن فما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اسجدوا للرحمن قالوا: أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة؟ يعنون مسيلمة بالسجود له..

وقال أبو السعود في تفسيره:

( قالوا وما الرحمن ) قالوه لما أنهم ما كانوا يطلقونه على الله تعالى، أو لانهم ظنوا أن المراد به غيره تعالى، ولذلك قالوا ( أنسجد لما تأمرنا ) أي للذي تأمرنا بسجوده، أو لأمرك إيانا، من غير أن نعرف أن المسجود ماذا.

وقيل: لأنه كان معربا لم يسمعوه. انتهى.

وقال الزمخشري:

وما الرحمن. يجوز أن يكون سؤالاً عن المسمى به، لانهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم والسؤال عن المجهول بما.

ويجوز أن يكون سؤالا عن معناه، لأنه لم يكن مستعملاً في كلامهم كما استعمل الرحيم والرحوم والراحم. أو لأنهم أنكروا اطلاقه على الله تعالى...

قلت: حين امتنع سهيل بن عمرو يوم الحديبية من كتابة اسم الله الرحمن، ماذا كتب؟ هل كتب: باسم هبل؟!

روي البخاري في صحيحه: فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم. قال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب.

٤٥٨

فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم. انظر البخاري - كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد. ولا يغيبن عن ذهنك ما أشرت اليه سابقاً من اعتماد أهل العلم على الحقائق القرآنية السابقة، وفهم سائر النصوص في ضوئها لو فرض اشكال. فكيف ولا اشكال؟!

ولله الحمد، فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. انتهى كلام الفاتح.

ولو صح لورد عليه ماورد على شبهاته السابقة.

ثم كتب المدعو محمد الفاتح:

سبق بيان حال المشركين عبدة الأصنام، وصحة اقرارهم لله بالخلق والرزق والاحياء والاماتة، وأن شركهم لم يكن باعتقاد وجود الهين متساويين، أو اعتقاد النفع والضر في هذه الأصنام، وانما كان بعبادة هذه الأصنام أملاً في شفاعتها ولنيل القربى والزلفى عند الله.

مع اعتقادهم أنها مملوكة مربوبة لله لا تنفع ولا تضر استقلالاً، وما هي إلا صور للصالحين من الأنبياء والعلماء والزهاد أو الملائكة، كما سبق مفصلا في الحلقتين الماضيتين.

ولا يخفى أن عباد القبور ينكرون هذه الحقائق، ويلبسون على العامة والخاصة مدعين أنه ما أشرك أولئك إلا باعتقادهم الربوبية والنفع والضر في أصنامهم.

ولا مانع أن أعيد نص كلام محمد علوي المالكي كاملا: قال في مفاهيمه التي يجب أن تصحح، بل أن تنسف من الاصل ص ٩٥، تحت عنوان الواسطة الشركية، بعد ذكر قوله تعالى: ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى:

والاستدلال بهذه الآية في غير محله، وذلك لأن هذه الآية الكريمة صريحة في الانكار على المشركين عبادتهم للأصنام، واتخاذها آلهة من دونه تعالى، واشراكهم اياها في دعوى الربوبية.

٤٥٩

على أن عبادتهم لها تقربهم الى الله زلفى، فكفرهم واشراكهم من حيث عبادتهم لها، ومن حيث اعتقادهم أنها أرباب من دون الله.

وهنا مهمة لا بد من بيانها وهي أن هذه الآية تشهد بأن أولئك المشركين ما كانوا جادين فيما يحكي ربنا عنهم من قوله مسوغين عبادة الأصنام: ما نعبدهم إلا ليقربونا الي الله زلفى، فانهم لو كانوا صادقين في ذلك لكان الله أجل عندهم من تلك الأصنام فلم يعبدوا غيره.. انتهى.

وقد مضى كلام أهل العلم الذي لا يدع مجالاً للشك، في هذه الحقيقة التي يثلتها القرآن. ولا أدري من سلف هذا المالكي؟ !!

قلت: لعله استفاد هذا التحقيق عن طريق الكشف!!!

وقال ص ٩٦: ( وقل ذلك أيضاً في قوله تعالى( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ) فانهم لو كانوا يعتقدون حقا أن الله تعالى الخالق وحده وأن أصنامهم لا تخلق، لكانت عبادتهم لله وحده دونها ) ويفهم منه أن المشركين لم يعتقدوا حقا أن الله الخالق!!!!! وأنهم اعتقدوا أن الأصنام تخلق!!!!! انتهى.

وهذا أيضاً ربما جاءه من العلم اللدني الذي حرمه المفسرون والعلماء الأكابر ممن سبق ذكرهم.

فانظر الى هذا الضلال البين والمخالفة الصريحة لما ثبت بالوحي ( اشراكهم اياها في دعوى الربوبية... اعتقادهم أنها أرباب من دون الله... ما كانوا جادين... أصنامهم تخلق )

الشبهة الخامسة:

استدلالهم بقوله تعالى( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ ) التوبة - ٣١.

والجواب: أنظر ما نشر في الحلقة الثالثة عن شرك الطاعة لتعلم أن المراد بالرب: المطاع في التحليل والتحريم، وأن أحدا من المذكورين لم يعتقد في أحباره خلقاً ولا رزقا.

ومثله قوله تعالى( أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّـهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) يوسف - ٣٩.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523