العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية0%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

العقائد الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 523
المشاهدات: 172497
تحميل: 5820


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172497 / تحميل: 5820
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء 4

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بها ولو كان الراوي لها أبا بكر الصديق أو عمر أو عثمان وتدليسٌ شنيعٌ أراد به تحقيق مقصد سيئ خطير.

ومثل ما تقدم ما ذكره في الصفحتين الرابعة والخامسة من كتابه الصلوات المأثورة حيث يقول من جملة الدعاء الذي نقله ( وانشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة ) وقوله: ( ولا شيء إلا هو به منوط ) يعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد رفع البيان الى صاحب السمو الملكي نائب رئيس مجلس الوزراء مشفوعاً بكتاب سماحة الرئيس العام رقم ١٢٨٠/٢ وتاريخ ٢٨/٧/١٤٠١ هـ.

وفي الدورة الثامنة عشرة للمجلس - المنعقدة في شهر شوال عام ١٤٠١ هـ. أعيدت مناقشة موضوعه بناء على ما بلغ المجلس من أن شره في ازدياد، وأنه لا يزال ينشر بدعه وضلالاته في الداخل والخارج، فرأى أن الفساد المترتب على نشاطه كبير، حيث يتعلق بأصل عقيدة التوحيد التي بعث الله الرسل من أولهم الى آخرهم لدعوة الناس اليها، وإقامة حياتهم على أساسها، وليست أعماله وآراؤه الباطلة في أمور فرعية اجتهادية يسوغ الاختلاف فيها، وأنه يسعى الى عودة الوثنية في هذه البلاد وعبادة القبور والأنبياء، والتعلق على غير الله، ويطعن في دعوة التوحيد ويعمل على نشر الشرك والخرافات، والغلو في القبور، ويقرر هذه الأمور في كتبه ويدعو اليها في مجالسه، ويسافر من أجل الدعوة لها في الخارج. انتهى.

ويبدو أن الدولة السعودية قررت أن تسمح بهامش من الحرية لعالم كبير معروف في مكة والمملكة، وأن لا تتخذ ضده إجراء بالسجن أو المنع من السفر.

**

نماذج من مناقشات حول أَفكاره

- كتب المدعو محمد الفاتح، تحت عنوان ( الاستغاثة والرد على محمد علوي المالكي، ما يلي:

٤٤١

الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الأولين والآخرين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فمسألة الاستغاثة بالأموات والغائبين من الأنبياء والأولياء والصالحين من المسائل التي كثر فيها النزاع في العصور المتأخرة بين مانع يراها ضرباً من الشرك والوثنية، ومبيح يراها من أفضل القرب لدى رب البرية.

ولا شك أن القرآن الكريم لم يغفل هذه القضية، ولم يسكت عن بيان حكم هذه البلية، كيف وغاية مقصده بيان التوحيد ودعوة الناس اليه، وكشف الشرك وتنفير الناس منه؟!

وعامة من ضل في هذا الباب إنما أتي من قبل إعراضه عن نور القرآن، وإقباله على ذبالات الأذهان، وخرافات الأحبار والرهبان، المعتمدين على منطق اليونان.

وهاذا بحث مختصر ليس لي فيه إلا جمع الأقوال وترتيب النقول، وقد استخرت الله تعالى في نشره، فعسى أن ينفع الله به كاتبه وقارئه، وأن يجعله ذخراً لي يوم الحساب.

وقبل الشروع في مقصود البحث لا بد من عرض مقدمات ضرورية أرى التقصير في عرضها سبباً لاتساع رقعة الخلاف وكثرة القيل والقال. وإذا مااتفق الجميع على هذه المقدمات أمكن الاتفاق على المسألة محل النزاع.

المسألة الأولى:

هل كان المشركون الأولون مقرين لله بالربوبية؟ هل أثبتوا خالقاً ورازقاً ومدبراً لهذا الكون غير الله رب البرية؟

وسيتفرع عن هذه المسألة مسائل تذكر تباعاً إن شاء الله.

والذي يدفعني الى إثارة هذه القضية التي تبدو من البدهيات الواضحات أني رأيت بعض من كتب في مسألة الاستغاثة ينكر هذه القضية، ويزعم أن المشركين لم يفردوا الله بالخالقية والرازقية. وهذا مثالٌ من أقوال المخالفين:

٤٤٢

يقول محمد علوي المالكي في مفاهيمه:

وقل ذلك أيضاً في قوله تعالى( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ) فإنهم لو كانوا يعتقدون حقاً أن الله تعالى الخالق وحده، وأن أصنامهم لا تخلق لكانت عبادتهم لله وحده دونها ) انتهى.

وهو كلام لا ينقضي منه العجب! ألا يكفي إخبار القرآن وتقريره لهذه القضية أن تكون من الحقائق لا الأوهام؟ !!!

وأعجب منه ظنه المفهوم من كلامه أن من أقر بالخالق استحال منه صرف العبادة لغيره.

أقول: بل لم يقروا بالخالق فحسب، إنما أقروا أنه الخالق الرازق المحيي المميت المتصرف في الكون الذي يجير ولا يجار عليه.

ومن كلامه الذي دخل به لتاريخه قوله بعد ذكره قوله تعالى( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ ) : هذه الآية صريحةٌ في الانكار على المشركين عبادتهم للأصنام واتخاذها آلهة من دونه تعالى وإشراكهم إياها في دعوى الربوبية (!!! ) على أن عبادتهم لها تقربهم الى الله زلفى. فكفرهم وشركهم من حيث عبادتهم لها، ومن حيث اعتقادهم أنها أرباب من دون الله.

وهنا مهمة لا بد من بيانها، وهي أن هذه الآية تشهد بأن أولئك المشركين ما كانوا جادين فيما يحكى عنهم ربنا ). انتهى.

فقارن رحمك الله بين كلامه وكلام المفسرين الآتي. وإنها كلمة كبيرة حقاً ( غير جادين ) فهل يعني القرآن بنقل الهزل والكذب مرات عدة دون تعليق.. إنا لله وإنا اليه راجعون، فإليك البيان، وأبدأ بذكر آيات مشهورة معلومة للجميع مرتبة حسب ترتيب المصحف مفسرة من كلام أئمة التفسير المتفق على إمامتهم وجلالتهم. فاللهم وفق وسدد وأعن.

أولاً: قوله تعالى:( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ

٤٤٣

وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّـهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) . يونس - ٣١

قال الإمام البغوي ( ت: ٥١٦ هـ ) في تفسيره( فَسَيَقُولُونَ اللَّـهُ ) هو الذي يفعل هذه الأشياء( فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) أفلا تخافون عقابه في شرككم. وقيل: أفلا تتقون الشرك مع هذا الاقرار.

( فَذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمُ ) الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم( الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ) أي فأين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرون به. اهـ.

وقال الإمام الرازي في تفسيره ١٧/٧٠:

ثم بين تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سألهم عن مدبر هذه الأحوال فسيقولون أنه الله سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أن المخاطبين بهذا الكلام كانوا يعرفون الله ويقرون به، وهم الذين قالوا في عبادتهم للأصنام أنها تقربنا الى الله زلفى وأنهم شفعاؤنا عند الله، وكانوا يعلمون أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر.انتهى.

ومن باب الفائدة أنقل كلام بعض الأئمة من غير المفسرين:

أولاً: الإمام ملا علي القاري، قال في شرح الفقه الأكبر ص ١٦:

وقد أعرض الإمام عن بحث الوجود اكتفاء بما هو ظاهر في مقام الشهود، ففي التنزيل:( قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّـهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ) فوجود الحق ثابت في فطرة الخلق كما يشير اليه قوله سبحانه وتعالى( فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) ويومي اليه حديث: كل مولود يولد على فطرة الإسلام. وإنما جاء الأنبياءعليهم‌السلام لبيان التوحيد وتبيان التفريد، ولذا أطبقت كلمتهم وأجمعت حجتهم على كلمة لا الَه إلا الله ولم يأمروا أهل ملتهم بأن يقولوا: الله موجود بل قصدوا إظهار أن غيره ليس بمعبود، رداً لما توهموا وتخيلوا حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى.

على أن التوحيد يفيد الوجود مع مزيد التأييد. انتهى.

٤٤٤

احفظ هذا الكلام، والخبير يعرف من المقصود برد الإمام.

ثانياً: وقال علي القاري أيضاً:

في شرح الشفا للقاضي عياض ٢/٥٢٨ تعليقاً على ما نقله القاضي عن الباقلاني أن الايمان بالله هو العلم بوجوده قال:

وما يتعلق به من توحيد ذاته، وإلا فمجرد العلم بوجوده حاصل لعامة خلقه، كما قال الله تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) وإنما أنكر وجوده سبحانه طائفة من الدهرية والمعطلة. انتهى.

ولست بحاجة الى نقل كلام ابن تيمية وابن القيم والآلوسي والشوكاني والصنعاني والقاسمي والشنقيطي والسعدي، ولا كلام محمد بن عبد الوهاب وأحفاده. ولله الحمد والمنة.

تنبيه:

أحب أن أقول لكل من خالف أو أراد المخالفة: إعلم أن للقوم شبهات واهيات، لن أضيع وقتي في ردها، إلا إذا تبرع أحدكم بنشرها، بعد أن يصرح لنا أنه يخالف ما سبق، وبعد أن يستشهد بعلماء معتبرين يوافقونه على فهمه واستنباطه.

تحذير:

إحذر أخي أن تخالف أمراً ثابتاً بالقرآن الكريم نحو هذا الثبوت المقطوع به. يقول القاضي عياض في الشفا ٢/٥٤٩ مع شرح القاري ( أو كذب به، أي بالقرآن جميعه أو بشيء منه.. ( أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك ) أي دون نسيان أو خطأ ( أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم ) قاطبة ( بإجماع ) لا خلاف فيه. انتهى.

وليعلم أن محمد علوي المالكي ليس أول المخالفين لهذا الحق الثابت، فقد سبقه موكبٌ هزيلٌ من دعاة الوثنية من أمثال القضاعي والدجوي والمجهول ابن

٤٤٥

مرزوق و... وهؤلاء نصبوا أنفسهم أئمة ومفسرين ومجتهدين، فأتوا بهذا الضلال الذي هو تكذيب لحقائق القرآن، وخروج عما أطبقت عليه كلمة أهل الايمان والعرفان.

فها هو أحدهم يقول: هذه الآيات صريحةٌ في إنكار المشركين للخالق سبحانه وتعالى فدل على أنهم كانوا مشركين في خالقية الله تعالى )!!!

وآخر يقول ( فإذا ليس عند هؤلاء الكفار توحيد الربوبية كما قال ابن تيمية )!!

والسؤال: هل المفسرون السابق ذكرهم من تلاميذ ابن تيمية!! ( الطبري والقرطبي وابن عطية، والرازي وابن الجوزي...؟ !!!!

وثالث منهم يقول: ( وإني لأعجب من تفريقهم بين توحيد الألوهية والربوبية، وجعل المشركين موحدين توحيد الربوبية ).

ورابعٌ يقول: ( ثم إنه سبحانه حكم بشركهم لاتخاذهم تلك الأصنام شريكاً لله في الخلق وتدبير العالم، وجوزوا عبادتها خلافاً لله تعالى )

تأمل: ( في الخلق وتدبير العالم )!! ( ومن يدبر الأمر فسيقولون الله ) ( قل من بيده ملكوت كل شيء... سيقولون الله ).

لكن... ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

ثم كتب المدعو محمد الفاتح تحت عنوان ( حقيقة شرك عبدة الأصنام ):

يزعم دعاة الوثنية المعاصرة أن المشركين الأوائل كانوا غير معترفين بالله ولا يقرون له بالربوبية، وأن القرآن الكريم سجل عليهم حكم الكفر لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم النفع والضر، وأنها مساوية لله في الألوهية، بل والربوبية.

وقد تقرر في الحلقة الأولى أن المشركين أفردوا الله بالخلق والرزق والتدبير وغير ذلك من أمور الربوبية، وبهذا انهار جزءٌ كبير مهم من الدعوى التي يرددها محمد علوي المالكي، وجميع من يدعو الى عبادة الأولياء والصالحين.

٤٤٦

وهنا ينهار ما تبقى من الدعوى بحول الله وقوته، وذلك من خلال عرض الحقائق التالية:

١ - المشركون لم يعتقدوا النفع والضر في أصنامهم.

٢ - الأصنام لا تمثل في حس المشركين إلا صوراً للأنبياء والصالحين أو الملائكة.

٣ - المشركون لم يعبدوا الأصنام إلا لينالوا شفاعة أصحابها من العلماء والزهاد. ولتقربهم الى الله زلفى.

٤ - في حال الشدة يتخلى المشركون عن وسائطهم ويفردون الله بالدعاء.

ولا تعجب أخي القارئ إذا وجدتني أتكيَ كثيراً على ما كتبه الرازي والشهرستاني معرضاً عما كتبه ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب.

والغرض أن يعلم الجميع أن هذه الحقائق يقررها العلماء مهما اختلفت مشاربهم وتنوعت مدارسهم وتباعدت أعصارهم، وأنه ليس في كلام ابن تيمية وتلاميذه في هذه المسألة ما هو جديد أو محدث، إلا عند من لا يقرأ وإذا قرأ لم يفهم ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً ).

قال الفخر الرازي في تفسيره ٢٦/٢٨٣ عند قوله تعالى: الله يتوفي الأنفس:

ويحتمل أن يكون المراد بهذا: أن الدليل يدل على أن الواجب على العاقل أن يعبد إلَهاً موصوفاً بهذه القدرة وبهذه الحكمة، ولا يعبد الأوثان التي هي جمادات لا شعور لها ولا إدراك.

واعلم أن الكفار أوردوا على هذا الكلام سؤالا فقالوا: نحن لا نعبد هذه الأصنام لاعتقاد أنها آلهة تضر وتنفع، وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله مقربين، فنحن نعبدها لأجل أن يصير أولئك الأكابر شفعاء لنا عند الله.

فأجاب الله تعالى بأن قال ( أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون )...

٤٤٧

وقال الرازي ١٧/٥٩ في تفسير قوله تعالى( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ ) يونس

وأما النوع الثاني: ما حكاه الله تعالى عنهم في هذه الآية، وهو قولهم (هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ ) فاعلم أن من الناس من قال: إن أولئك الكفار توهموا أن عبادة الأصنام أشد في تعظيم الله من عبادة الله سبحانه وتعالى.

فقالوا: ليست لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله تعالى، بل نحن نشتغل بعبادة هذه الأصنام، وانها تكون لنا شفعاء عند الله تعالى.

ثم اختلفوا في انهم كيف قالوا في الأصنام أنها شفعاؤنا عند الله؟ وذكروا فيه أقولا كثيرة:

فأحدها: انهم اعتقدوا أن المتولى لكل اقليم من أقاليم العالم روح معين من أرواح عالم الأفلاك، فعينوا لذلك الروح صنما معينا واشتغلوا بعبادة ذلك الصنم... ورابعها: أنهم وضعوا هذه الأصنام والاوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا انهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى.

ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فانهم يكونون شفعاء لهم عند الله. انتهى.

قلت: الله اكبر. فمن الذي شبهكم بعبدة الأصنام؟ ؟ !!

وقال الرازي في ٢٦/٢٧٧ في تفسير قوله تعالى( ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ ) الزمر: ٢٩

وهذا مثل ضرب في غاية الحسن في تقبيح الشرك وتحسين التوحيد.

فإن قيل: هذا المثال لا ينطبق على عبادة الأصنام لأنها جمادات فليس بينها منازعة ولا مشاكسة.

قلنا: إن عبدة الأصنام مختلفون، منهم من يقول هذه الأصنام تماثيل الكواكب

٤٤٨

السبعة. ومنهم من يقول: هذه الأصنام تماثيل الأشخاص من العلماء والزهاد الذين مضوا فهم يعبدون هذه التماثيل لتصير أولئك الأشخاص من العلماء والزهاد شفعاء لهم عند الله...

وقال في ٢٥/٢٥٤ في تفسير قوله تعالى( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ ) الاسراء - ٥٦.

واعلم أن المذاهب المفضية الى الشرك أربعة: ورابعها: قول من قال: انا نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا. فقال تعالى في ابطال قولهم( وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) . فلا فائدة لعبادتكم غير الله، فإن الله لا يأذن في الشفاعة لم يعبد غيره، فبطلبكم الشفاعة تفوتون على أنفسكم الشفاعة. انتهى.

وقارنه بكلام ابن القيم في المدارج.

وسأجيب عن شبهتهم: أننا لا نعبدهم، وأنهم يملكون الشفاعة ويقدرون عليها الآن ( وهم أموات ) فنحن نطلب منهم ما يقدرون عليه ويملكونه!!!!

وقال الرازي في ٢٠/١٠٢ في تفسير قوله تعالى( أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) الإسراء - ٥٧

اعلم أن المقصود من هذه الآية الرد على المشركين. وقد ذكرنا أن المشركين كانوا يقولون ليس لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله تعالى، فنحن نعبد بعض المقربين من عباد الله وهم الملائكة، ثم انهم اتخذوا لذلك الملك الذي عبدوه تمثالاً وصورة واشتغلوا بعبادته على هذا التأويل. انتهى.

وانظر كلامه في ٢٥/١٧١ السجدة. و٢٣/١٠٢ الشعراء

وإليك كلام غيره من أهل العلم... انتهى.

وقد أطال هذا الفاتح تبعاً لإمامه ابن تيمية وكل تلاميذه، في اثبات أن المشركين كانوايعتقدون بألوهية الله تعالى فكانوا موحدين في الالوهية، ولكنه سماهم مشركين لانهم عبدوا معه غيره وأشركوهم في ربوبيته.

٤٤٩

وهدفهم من ذلك أن يقولوا أن الذين يتوسلون بالأنبياء والرسل مشركون مثل أولئك، لانهم موحدون في الالوهية ويشركون الأنبياء والأولياء في الربوبية!!

ولكن لو صحت مقدمتهم هذه، لبقي عليهم مقدمتان يلزم عليهم اثباتهما:

الاولى، أن الذين يتوسلون بالأنبياء والأولياء يعبدونهم، كما كان المشركون يعبدون الشركاء!!

والثانية، أن توسلهم بهم عمل لم يأذن به الله تعالى ولم ينزل به سلطانا، كشرك المشركين!!

وقد تبين لك الفرق الشاشع بين التوسل والعبادة، وتبين لك دلالة الآيات والأحاديث الشريفة على التوسل، وأنه عمل مشروع أذن الله به ورسوله، فتشبيهه بشرك المشركين تلبيس وتزوير!

ثم كتب محمد الفاتح تحت عنوان:

أهم الشبهات حول شرك عباد الأصنام، فقال:

أجدني مضطرا للرد على الشبهات التي أثارها علوي المالكي وأتباعه ومن سبقه، حول الحقائق الماضية، والتي نقلت فيها أقوال أهل العلم في بيان أن المشركين أقروا لله بالخلق والرزق والتدبير، وأشركوا به في العبادة، أملا في القربى وبحثاً عن الزلفى الى الله، وأنهم لم يعتقدوا في أصنامهم نفعاً ولا ضرا.

الشبهة الأولى: كيف يقال أن المشركين لم يعتقدوا في أصنامهم نفعاً ولا ضراً، وها هو القرآن يحكي قولهم ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء )؟

والجواب: أننا لا ننكر اعتقاد المشركين النفع والضر في آلهتهم أفليس قولهم ( ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى ) وقولهم ( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) من اعتقاد النفع تقريبا وشفاعة؟ ؟

ولذلك تجد بعض المفسرين يذكر أنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم النفع والضر وهذا حق لا ينكر كما. وليس هذا محل النزاع... انما النزاع في كونهم يعتقدون فيهم نفعا ذاتيا استقلاليا دون الله، فأين الدليل على ذلك؟

٤٥٠

فقد اعترفوا بأن تدبير الأمر كله لله، وأن بيده ملكوت كل شيء، وأنه يجير ولا يجار عليه، وقد مر معك قولهم الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وود لو اقتصروا على جزء منه، وهو قولهم في التلبية ( لبيك اللهم لبيك... إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ).

وحين أتكلم عن شرك عباد الأصنام الذين نزل فيهم القرآن أفاجأ بمن يتحث عن قوم ابراهيم وقوم هودعليهما‌السلام !!!

ومع هذا أقول: غاية ما عند هؤلاء المشركين أنهم اعتقدوا أن الله تعالى فوض اليهم تدبير بعض الأمور، وأعطاهم شيئاً من التصرف. أليس هذا عين ما يقوله عباد القبور اليوم حين ينسبون لأوليائهم نفعاً وضراً، بل حين يخوفوننا بطشهم وهم تحت الثرى؟ !!

فاذا قلنا عن هؤلاء حين يخوفوننا بالولي الفلاني: انهم يعتقدون فيه نفعاً وضراً هب المدافعون عنهم المتشدقون هنا فقالوا: انه تفويض من الله واقدار من الله وليس استقلالاً.

فثبت أن هذه الصورة موجودة تتكرر من أناس يؤمنون بأن الله هو الخالق والرازق والمدبر. وقد حكى القرآن عن عبدة الأصنام ( ويخوفونك بالذين من دونه ) وهو من جنس الكلام السابق، مع يقينهم واعترافهم بأن كل حول وطول لآلهتهم مملوك لله ( تملكه وما ملك ). انتهى كلامه.

ويرد عليه:

أولا، أنه خلط بين أصناف متعددين من المشركين ذكرهم الله تعالى في القرآن، وحمل كلام بعضهم لبعضهم الآخر!!

وثانيا، لو صح كلامه وكان أولئك المشركين يجعلون التأثير الذاتي كله لله تعالى ويعتقدون بأن تأثير شركائهم المزعومين تأثير مجعول من الله تعالى واقدار منه على النفع والضر باذنه.. فإن عبادتهم لهم تبقى اشراكاً لهم في عطاء الله تعالى وفعله بدون دليل من الله ولا سلطان!

٤٥١

أما المتوسلون بالأنبياء والأولياء فعندهم من الله دليل وسلطان، لأنه أذن لهم بذلك.. وإذا صدر منه الإذن صار اسم العمل توسلاً مشروعاً، ولم يعد اسمه شركاً!! وإلا لكان ما علمه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك الأعمى شركاً صريحاً، والعياذ بالله!!

ثم قال الفاتح:

الشبهة الثانية:

استدلالهم بقوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) الأنعام - ١٠٨، قال المالكي: في مفاهيمه:

وإذا غضبوا قابلوا المسلمين بالمثل، فيسبون الله تعالى غيرة على تلك الأحجار التي كانوا يعبدونها يعتقدون أنها تنفع وتضر ) فيرمون الله بالنقائص. وهذا واضح جدا في أن الله تعالى أقل منزلة في نفوسهم من تلك الاحجار التي كانوا يعبدونها. ولو كانوا يعتقدون حقا أن الله تعالى هو الخالق وحده، وأن أصنامهم لا تخلق، لكان على الأقل احترامهم له تعالى فوق احترامهم لتلك الاحجار ) انتهى.

قلت: أما يستحي هذا الرجل من كتابة هذا الكذب والهراء؟ !!! يا ويح من قرظ له هذا الإفك. فهلا نقلت هذا الاستنباط عن أحد قبلك من أهل العلم؟

الجواب: سؤال: إذا قمت بنصيحة أحد الفجرة اليوم فقام بسبك وسب ربك، كما يحدث في بعض بلدان المسلمين، فهل يعني هذا أنه لا يعترف بربوبية الله؟ وهل يعني هذا أنه يثبت خالقا غير الله؟ أم أن الأمر مرده للحمية والغيظ؟ واليك كلام العلماء:

قال ابن الجوزي ( ٣/١٠٢ ): ( فيسبوا الله ) أي: فيسبوا من أمركم بعيبها، فيعود ذلك الى الله تعالى، لا أنهم كانوا يصرحون بسب الله تعالى، لانهم كانوا يقرون أنه خالقهم، وإن أشركوا به. انتهى.

وقال الرازي ١٣/ ١٣٩:

أقول: لي هنا اشكالان: الثاني: أن الكفار كانوا مقرين بالإلَه تعالى وكانوا

٤٥٢

يقولون: انما حسنت عبادة الأصنام لتصير شفعاء لهم عند الله تعالى، وإذا كان كذلك: فكيف يعقل اقدامهم على شتم الله تعالى وسبه؟

الى أن قال: واعلم أنا قد دللنا على أن القوم كانوا مقرين بوجود الإلَه تعالى فاستحال إقدامهم على شتم الإلَه، بل هنا احتمالات:

أحدها: أنه ربما كان بعضهم قائلا بالدهر، ونفى الصانع فما كان يبالي بهذا النوع من السفاهة.

وثانيها: أن الصحابة متى شتموا الأصنام، فهم كانوا يشتمون الرسول عليه الصلاة والسلام، فالله تعالى أجرى شتم الرسول مجرى شتم الله تعالى كما في قوله ( إن الذين يبايعونك انما يبايعون الله ) وكقوله ( إن الذين يؤذون الله ).

وثالثها: انه ربما كان في جهالهم من كان يعتقد أن شيطانا يحمله على ادعاءالنبوة والرسالة، ثم انه لجهله كان يسمي ذلك الشيطان بأنه الَه محمد، عليه الصلاة والسلام، فكان يشتم الَه محمد، بناء على هذا التأويل.انتهى.

وكلام الرازي هذا نقله أبو حيان في تفسيره البحر المحيط، وعقب عليه بقوله: وهذه احتمالات مخالفة للظاهر، وانما أوردها لأنه ذكر أن المعترفين بوجود الصانع لا يجسرون أن يقدموا على سبه تعالى، وقد ذكرنا ما يحمل على حمل الكلام على ظاهره. انتهى.

قال أبو حيان: فيسبوا الله، أنهم يقدمون على سب الله إذا سب آلهتهم وإن كانوا معترفين بالله تعالى لكن يحملهم على ذلك انتصارهم لآلهتهم وشدة غيظهم لأجلها، فيخرجون عن الاعتدال الى ما ينافي العقل، كما يقع من بعض المسلمين إذا اشتد غضبه وانحرف، فانه قد يلفظ بما يؤدي الى الكفر، نعوذ بالله من ذلك. انتهى.

وبمثل هذا التوجيه قال الآلوسي في تفسيره روح المعاني: ٧/٢٥١...

وقال الراغب: إن سبهم لله تعالى ليس أنهم يسبونه جل شأنه صريحاً، ولكن يخوضون في ذكره تعالى ويتمادون في ذلك بالمجادلة، ويزدادون في وصفه

٤٥٣

سبحانه بما ينزه تقدس اسمه عنه. وقد يجعل الإصرار على الكفر والعناد سباً، وهو سب فعلي، قال الشاعر:

وما كان ذنب بني مالك

بأن سب منهم غلام فسب

بأبيض ذي شطب قاطع

يقد العظام ويبري العصب

ونبه به على ما قال الآخر: ونشتم بالأفعال لا بالتكلم.

وقيل: المراد بسب الله تعالى:

سب الرسول صلى الله عليه وسلم ونظير ذلك من وجه قوله تعالى ( إن الذين يبايعونك انما يبايعون الله ) الآية. انتهى كلام الآلوسي.

والحاصل من هذه الأجوبة أنه ليس أحد يذهب الى ما ذهب اليه المالكي.

وها أنت ترى أنهم يجعلون الحقائق السابقة من اقرار المشركين أصلا يردون اليه ما عداه ويبحثون عن تأويله، على عكس ما يحاول المالكي.

وبعد... إلا تعجب معي من هذه الشهادات والتزكيات التي يحملها المالكي، وهو يرضى لنفسه بترديد الشبه التي يسوقها النبهاني والقضاعي والدجوي ودحلان، دون أثارة من علم صحيح؟ !! انتهى.

ويرد عليه ما أوردناه على شبهته الأولى، من أن ذلك لو تم لكان قياس التوسل على عبادة المشركين قياساً مع الفارق في طبيعتهما، وفي نزول سلطان من الله في التوسل دون الشرك!

الشبهة الثالثة:

استدلال المالكي بقول أبي سفيان يوم أحد ( أعل هبل ) فهم المالكي منه مايلي:

ينادي صنمهم المسمى بهبل أن يعلو في تلك الشدة رب السموات والأرض ويقهره، ليغلب هو وجيشه جيش المؤمنين الذي يريد أن يغلب آلهتهم.

هذا مقدار ما كان عليه أولئك المشركون مع تلك الأوثان، ومع الله رب العالمين

٤٥٤

فليعرف حق المعرفة فإن كثيراً من الناس لا يفهمونه كذلك، ويبنون عليه ما يبنون. انتهى كلام المالكي.

قلت: ليته تكرم بنقل واحد عن أهل العلم حتى لا يساء به الظن، لكن ما أجرأه وما أجهله.... يا ويح من قرظ له!

وقد روي البخاري في الصحيح ٤٠٤٣ ما جرى مع أبي سفيان:

وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ فقال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟

قال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟

فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا.

فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك.

قال أبو سفيان: أعل هبل.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا الله أعلى وأجل.

قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه. قالوا ما نقول: قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم.

قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال. انتهى.

قال الحافظ في الفتح ٧/٤٠٨:

قوله ( أعل هبل ) في رواية زهير ( ثم أخذ يرتجز: أعل هبل ) قال ابن اسحاق: معنى قوله: أعل هبل. أي: ظهر دينك.

وقال السهيلي: معناه: زاد علوا. انتهى من الفتح.

والذي في الروض الأنف للسهيلي: زد علوا، ٣/١٧٩

فقول ابن اسحاق: أي ظهر دينك. هو المعنى الذي لا ينبغي العدول عنه، لا ما

٤٥٥

توهمه المالكي، مما يخالف الحقائق اليقينية السابقة.

ويزيد الأمر وضوحا أن أبا سفيان لم يجد ردا على قول المسلمين: الله أعلى وأجل فانتقل الى أمر آخر، وهو انقطاع منه ظاهر!!

وهاهو أبو سفيان يقول لقومه بصريح العبارة حين نجت العير: انكم انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا. البداية والنهاية ٣/٢٨١، نجاها الله لا هبل، فافهم.

بل هذا عدو الله أبو جهل يقول قبيل بدر كما يروي الإمام أحمد والنسائي والحاكم وصححه، عن عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل قال: حين التقى القوم:

اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداه. انتهى. البداية والنهاية ٣/٢٩٩.

وهذا هو معنى قوله تعالى( إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) الأنفال - ١٩

قال مجاهد كما في رواية ابن جرير: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، قال: كفار قريش في قولهم: ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه، ففتح بينهم يوم بدر. اهـ.

وقال السدي: كان المشركون حين خرجوا الى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة، واستنصروا الله وقالوا: اللهم انصر أعز الجندين وأكرم الفئتين وخير القبيلتين، فقال الله: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، يقول: نصر ت ما قلتم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم. رواه ابن جرير.

يستنصرون الله، لا الأولياء والصالحين!!!! فهل هؤلاء منكرون ربوبية الله؟! وقال أبو جهل أيضاً في بدر:

فلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد. البداية والنهاية ٣/٢٨٦. فاعتبروا يا أولي الابصار. انتهى.

٤٥٦

ويرد عليه:

أولا، أنه مهما ادعى لأبي سفيان ومشركي قريش الايمان بالله تعالى، فإن ماثبت عنه من قوله ( أعل هبل ) يدل على أنه برأيه هو الله أو أنه أهم عنده من الله!! وهذا يوجب الشك في أن كلمة الله منه قد تعني هبلا، ولا تعني رب العالمين سبحانه!!

وثانيا، لو تم ما أراده من اثبات ايمان مشركي قريش بالله تعالى أكثر من هبل، فإن اتخاذهم هبلاً واللات والعزى لتقربهم الى الله زلفى كما زعموا، كانت اشراكا لها مع الله تعالى، اما في التأثير الذاتي، أو التأثير باقدار الله.. وكله بدون سلطان من الله تعالى!

فكيف يقاس ذلك بالتوسل برسول الله وآله صلى الله عليهم، الذي دل عليه الدليل وكزل فيه السلطان؟ !!

الشبهة الرابعة:

استدلال القبورية بقوله تعالى( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ) . الفرقان - ٦٠، قالوا: فهل يكون صاحب هذا الكلام موحدا معترفا بالربوبية؟!

والجواب: قال الطبري:

وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف الرحمن ولم يكن ذلك في لغتها ولذلك قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا انكاراً منهم لهذا الإسم. كأنه كان محالاً عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته، أو كأنه لم يتل من كتاب الله قول الله: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه، يعني محمداً، كما يعرفون أبناءهم، وهم مع ذلك به مكذبون ولنبوته جاحدون.

فيعلم بذلك أنهم قد كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحته واستحكمت لديهم معرفته. وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء:

٤٥٧

ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ألا قضب الرحمن ربي يمينها

وقال سلامة بن جندل الطهوي:

عجلتم علينا عجلتينا عليكم وما يشاء الرحمن يعقد ويطلق.. انتهى.

ونسيت الموضع الذي نقلته منه من التفسير.

وقال ابن جرير في تفسير آية الفرقان:

وذكر بعضهم أن مسيلمة كان يدعى الرحمن فما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اسجدوا للرحمن قالوا: أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة؟ يعنون مسيلمة بالسجود له..

وقال أبو السعود في تفسيره:

( قالوا وما الرحمن ) قالوه لما أنهم ما كانوا يطلقونه على الله تعالى، أو لانهم ظنوا أن المراد به غيره تعالى، ولذلك قالوا ( أنسجد لما تأمرنا ) أي للذي تأمرنا بسجوده، أو لأمرك إيانا، من غير أن نعرف أن المسجود ماذا.

وقيل: لأنه كان معربا لم يسمعوه. انتهى.

وقال الزمخشري:

وما الرحمن. يجوز أن يكون سؤالاً عن المسمى به، لانهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم والسؤال عن المجهول بما.

ويجوز أن يكون سؤالا عن معناه، لأنه لم يكن مستعملاً في كلامهم كما استعمل الرحيم والرحوم والراحم. أو لأنهم أنكروا اطلاقه على الله تعالى...

قلت: حين امتنع سهيل بن عمرو يوم الحديبية من كتابة اسم الله الرحمن، ماذا كتب؟ هل كتب: باسم هبل؟!

روي البخاري في صحيحه: فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم. قال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب.

٤٥٨

فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم. انظر البخاري - كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد. ولا يغيبن عن ذهنك ما أشرت اليه سابقاً من اعتماد أهل العلم على الحقائق القرآنية السابقة، وفهم سائر النصوص في ضوئها لو فرض اشكال. فكيف ولا اشكال؟!

ولله الحمد، فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. انتهى كلام الفاتح.

ولو صح لورد عليه ماورد على شبهاته السابقة.

ثم كتب المدعو محمد الفاتح:

سبق بيان حال المشركين عبدة الأصنام، وصحة اقرارهم لله بالخلق والرزق والاحياء والاماتة، وأن شركهم لم يكن باعتقاد وجود الهين متساويين، أو اعتقاد النفع والضر في هذه الأصنام، وانما كان بعبادة هذه الأصنام أملاً في شفاعتها ولنيل القربى والزلفى عند الله.

مع اعتقادهم أنها مملوكة مربوبة لله لا تنفع ولا تضر استقلالاً، وما هي إلا صور للصالحين من الأنبياء والعلماء والزهاد أو الملائكة، كما سبق مفصلا في الحلقتين الماضيتين.

ولا يخفى أن عباد القبور ينكرون هذه الحقائق، ويلبسون على العامة والخاصة مدعين أنه ما أشرك أولئك إلا باعتقادهم الربوبية والنفع والضر في أصنامهم.

ولا مانع أن أعيد نص كلام محمد علوي المالكي كاملا: قال في مفاهيمه التي يجب أن تصحح، بل أن تنسف من الاصل ص ٩٥، تحت عنوان الواسطة الشركية، بعد ذكر قوله تعالى: ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى:

والاستدلال بهذه الآية في غير محله، وذلك لأن هذه الآية الكريمة صريحة في الانكار على المشركين عبادتهم للأصنام، واتخاذها آلهة من دونه تعالى، واشراكهم اياها في دعوى الربوبية.

٤٥٩

على أن عبادتهم لها تقربهم الى الله زلفى، فكفرهم واشراكهم من حيث عبادتهم لها، ومن حيث اعتقادهم أنها أرباب من دون الله.

وهنا مهمة لا بد من بيانها وهي أن هذه الآية تشهد بأن أولئك المشركين ما كانوا جادين فيما يحكي ربنا عنهم من قوله مسوغين عبادة الأصنام: ما نعبدهم إلا ليقربونا الي الله زلفى، فانهم لو كانوا صادقين في ذلك لكان الله أجل عندهم من تلك الأصنام فلم يعبدوا غيره.. انتهى.

وقد مضى كلام أهل العلم الذي لا يدع مجالاً للشك، في هذه الحقيقة التي يثلتها القرآن. ولا أدري من سلف هذا المالكي؟ !!

قلت: لعله استفاد هذا التحقيق عن طريق الكشف!!!

وقال ص ٩٦: ( وقل ذلك أيضاً في قوله تعالى( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ) فانهم لو كانوا يعتقدون حقا أن الله تعالى الخالق وحده وأن أصنامهم لا تخلق، لكانت عبادتهم لله وحده دونها ) ويفهم منه أن المشركين لم يعتقدوا حقا أن الله الخالق!!!!! وأنهم اعتقدوا أن الأصنام تخلق!!!!! انتهى.

وهذا أيضاً ربما جاءه من العلم اللدني الذي حرمه المفسرون والعلماء الأكابر ممن سبق ذكرهم.

فانظر الى هذا الضلال البين والمخالفة الصريحة لما ثبت بالوحي ( اشراكهم اياها في دعوى الربوبية... اعتقادهم أنها أرباب من دون الله... ما كانوا جادين... أصنامهم تخلق )

الشبهة الخامسة:

استدلالهم بقوله تعالى( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ ) التوبة - ٣١.

والجواب: أنظر ما نشر في الحلقة الثالثة عن شرك الطاعة لتعلم أن المراد بالرب: المطاع في التحليل والتحريم، وأن أحدا من المذكورين لم يعتقد في أحباره خلقاً ولا رزقا.

ومثله قوله تعالى( أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّـهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) يوسف - ٣٩.

٤٦٠