العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية0%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

العقائد الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 523
المشاهدات: 172441
تحميل: 5819


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172441 / تحميل: 5819
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء 4

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

خـتــام

مناظرة مع عالم وهّابي

نختم البحث بهذه المناظرة في ( الانترنيت ) ساحة النقاش الإسلامية - شبكة هجر، بين المدعو ( صارم ) الوهابي، والمدعو ( العاملي ) الشيعي، في شهر جمادى الأولى من سنة ١٤٢٠، في مشروعية زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتوسل به الى الله تعالى.

العاملي:

من مختصات ابن تيمية وبدعه: تحريمه التوسل والاستشفاع والاستغاثة بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد قال السبكي في كتابه ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) ص ٢٩١: إعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم الى ربه سبحانه وتعالى. وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين، وسير السلف الصالحين، والعلماء والعوام من المسلمين .

ولم ينكر أحدٌ ذلك من أهل الأديان، ولا سمع به في زمن من الأزمان، حتى جاء

٤٨١

ابن تيمية فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه على الضعفاء الأغمار، وابتدع ما لم يسبق اليه في سائر الأعصار!!! انتهى.

صارم:

سؤالي: لماذا تدعون الى شد الرحال وزيارة القبور، والتبرك بها؟

العاملي:

حديث شد الرحال لم يصح عند أهل البيتعليهم‌السلام . وقد صح عند بقية المذاهب وفهموا منه عدم شموله لشد الرحال الى زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدليل أنهم كانوا يفعلون ذلك، وما وره في بعض صيغه ( لا تشد الرحال الى مسجد ) وفهم هؤلاء حجة على من يعتقد بالحديث، ويعتقد بحجية فهم الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب، لأنهم أقرب الى عصر النص ومعناه.

وقد ألف عدد من العلماء قبل ابن تيمية رسائل في تفسير الحديث، وعندما جاء ابن تيمية ببدعته رد عليه عدد آخر منهم، واتفقوا على أن فهمه للحديث مخالف لاجماع علماء المسلمين وسيرتهم لمدة ثمانية قرون، بل هو مخالف لفهم عامة علمائهم الى يومنا هذا!!

فنحن نشد الرحال الى زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقبور الأئمة المعصومينعليهم‌السلام ، لأن زيارة قبورهم مستحبة عندنا، ومن أفضل القربات الى الله تعالى. ولم يثبت عندنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهي عن ذلك، بل ثبت أنه دعا اليه وحث عليه، وكان يزور القبور المباركة لتكون سنة من بعده.

وكذلك كانت سيرة علي وفاطمة والأئمةعليهم‌السلام .

ولزيارة القبور عندنا أحكام وشروط وآداب شرعية، وليس فيها شيء ينافي التوحيد أبدا، بل فيها ما يؤكد التوحيد، وأن النبي وآله لا يملكون من عندهم شيئاً، بل هم عباد مكرمون، نزورهم ونستشفع بهم الى الله تعالى، كما أمرنا.

٤٨٢

صارم:

أحسنت وهذا ما أريده منك بالضبط فقد شفيت غليلي بهذه الاجابة الشافية الكافية. ولعل صدرك يتسع لأسئلتي.

وسؤالي الآن: لماذا تستشفع بهم؟

لم لا تتجه في طلبك الى الله مباشرة؟

لماذا تجعلهم واسطة بينك وبين الله؟

ألم تعلم أن الجاهليين كانوا يعبدون الأصنام يستشفعون بها، ويجعلونها واسطة بينهم وبين الله؟!

وقد ناقضت نفسك حينما قلت ( وأن النبي وآله لا يملكون من عندهم شيئاً، بل هم عباد مكرمون، نزورهم ونستشفع بهم الى الله تعالى كما أمرنا ).

كيف تستشفع بهم وهم ( لا يملكون من عندهم شيئاً بل هم عباد مكرمون ) لقد خالفت المنهج الرباني وسنة المصطفى من وجهين:

الوجه الأول: من مخالفة السنة، لأن الأموات لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فما بالك بامتلاك النفع لغيرهم؟!

الوجه الثاني: مشابهة الكفار، وقد نهينا عن مشابهتهم. فهل بعد هذا تستشفع بهم؟  أرجو للجميع الهداية.

العاملي:

سؤالك في أصله وجيه، فلو كان الأمر لنا لقلنا: فلنطلب كل شيء من الله تعالى مباشرة، ولا نجعل بيننا وبينه واسطة من المخلوقين؟!

ولكن الأمر له عز وجل وليس لنا، وقد قال لنا ( اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة ). وقال ( أولئك يبتغون اليه الوسيلة أيهم أقرب ) وقال ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ).

٤٨٣

ولا حاجة الى مجيئهم واستغفارهم عند الرسول، واستغفار الرسول لهم..

وهذا يعني أنه تعالى قال لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله كن موحداً بلا شرط، ومهما قلت لك فأطعني، وحتى لو قلت لك عندي ولد فاعبده فافعل!! وقل لهم ( قل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين )! ولكنه سبحانه أخبرنا أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً!!

فالمسألة إذن، ثبوت مبدأ التوسل في الإسلام في حدوده التي أمر بها الله تعالى أو سمح بها، وهو يختلف عن زعم التوسل عند المشركين، سواء في طبيعته أم في نيته فهل تقبل أصل مبدأ التوسل والإستشفاع الذي قبله إمامك ابن تيمية؟ أم أنك أشد في هذا الأمر من إمامك؟!

صارم:

قلت عن التوسل: ( ثبوت مبدأ التوسل في الإسلام في حدوده التى أمر بها الله تعالى أو سمح بها ) هل لي أن أعرف هذه الحدود التي أمر أو سمح بها؟

أرجو أن تجيبني باختصار، وفي حدود السؤال. هديت للصواب.

العاملي:

الظاهر أن السبب فيما أثاره بعضهم إشكالاً على مبدأ التوسل، أنهم يرون الشفاعات والوساطات والمحسوبيات السيئة عند الرؤساء والمسؤولين في دار الدنيا، وما فيها من محاباة واعطاء بغير حق ولا جهد من المشفوع لهم أو المتوسط لهم.

وبما أن الله تعالى يستحيل عليه أن يحابي كما يحابي حكام الدنيا، وانما يعطي جنته وثوابه بالايمان والعمل الصالح.. فلذلك صعب عليهم قبول الشفاعة والوساطة والوسيلة الى الله تعالى!

ولكنه فات هؤلاء أن الحكمة من جعله تعالى الأنبياء والأوصياء الوسيلة اليه تعالى:

٤٨٤

أولا: أن يعالج مشكلة التكبر في البشر، لأن البشر لا يمكنهم الانتصار على تكبرهم والخضوع لعبودية الله تعالى، إلا إذا انتصروا على ذاتيتهم في مقابل الأنبياء والأوصياء، واعترفوا لهم بالفضل والمكانة المميزة والإختيار الإلَهي، وأنهم المبلغون عن الله تعالى..

وفاتهم أن جعل الأنبياء والأوصياء وسيلة الى تعالى ضرورة ذهنية للبشر.. ذلك أن الفاصلة بين ذهن الانسان المحدود الميال الى المادية والمحدودية، وبين التوحيد المطلق المطلوب والضروري، فاصلة كبيرة، فهي تحتاج الى نموذج ذهني حاضر من نوع الانسان، يمارس التوحيد أمامه ويكون قدوة له.

وبدون هذا النموذج القدوة، يبقى الانسان في معرض الجنوح في تصوره للتوحيد وممارسته، والجنوح في هذا الموضوع الخطير أخطر أنواع جنوح الضلال!!

وهذا هو السبب في اعتقادي في أن الله تعالى جعل أنبياءه وأوصياءهم حججاً على العباد.

وهو السبب في أنه جعلهم من نوع أنفسهم وليس من نوع آخر كالملائكة مثلاً...

والنتيجة: أن وجود الوسيلة بين العباد والله تعالى لو كان يرجع الينا لصح لنا أن نقول يا ربنا نريد أن تجعل ارتباطنا بك مباشراً، ولا تجعل بيننا وبينك واسطة في شيء، وهذا ما يميل اليه أهل الاشكال على الشفاعة والتوسل!

ولكن الأمر ليس بيدنا، فالأفضل أن يكون منطقنا أرقى من ذلك فنقول: اللهم لا نقترح عليك، فأنت أعلم بما يصلحنا، وإن أردت أن تجعل أنبياءك وأوصياءك واسطة بيننا وبينك، وحججا علينا عندك، فنحن مطيعون لك ولهم ولا اعتراض عندنا...

وهذا هو التسليم المطلق لإرادته تعالى، وقد عبر عنه سبحانه بقوله لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سورة الزخرف ٨١ - ٨٢: قل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين.

٤٨٥

صارم:

كلامك طويل وفيه نسبة من الصحة، اضافة الى بعض الشبه التي تحتاج الى رد، فلو كان مقالك قصيراً لرددت على كل نقطة تذكرها وتخالف ما أعتقده. لذا أرجو مرة أخرى أن يكون جوابك مختصراً دقيقاً. وعموماً فأجيبك باختصار:

الآيات التي استدللت بها في الأمر بطاعة الرسولعليه‌السلام عليك لا لك، لأنه أمرنا بالتوحيد الخالص النقي من شوائب الشرك، ومن طاعته تنقية التوحيد مما يفضي الى الشرك، أعاذنا الله واياك من مضلات الفتن.

ثم إنك استدللت في الاستشفاع بدعاء النبي للأعمى، وهذا لا أشكال فيه لأنه طلب من حي فيما يستطيعه، لذا لجأ عمررضي‌الله‌عنه الى عم النبي، ولو كان الاستشفاع فيما ذكرته صحيحاً للجأ الناس الى النبيعليه‌السلام وهو في قبره، وهذا ما لم يحصل اطلاقاً.

وأعود وأسأل مرة أخرى ما الذي يستطيع عمله الميت حينما تستشفع به؟

العاملي:

من أسباب الخطأ عند المخالف للتوسل: أنه يتصور أن المتوسل يطلب من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من الولي.. بينما هو يطلب من الله تعالى ويتوسل اليه بمقام النبي أو يطلب من النبي التوسط له عند الله تعالى. فلا طلب إلا من الله تعالى.

وأما شبهة أن الرسول ميت فكيف تصح مخاطبته؟

فجوابها: أنه حي عند ربه، ولذلك تسلم عليه في صلاتك ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ).

وإذا قبلت حديث تعليم النبي للأعمى أن يتوسل به، فقد صح عندكم أن عثمان بن حنيف طبقه بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلمه لشخص كان عنده مشكلة عند الخليفة عثمان، فاستجاب الله له وتغيرت معاملة عثمان معه.

وتطبيق الصحابي الثقة حجة لأنه معاصر للنص.

٤٨٦

وقد أجاز ابن تيمية التوسل بالنبي بعد موته، فلا تكن ملكياً أكثر من الملك!!

بل ورد عندكم التوسل الى الله تعالى بالممشى الى الصلاة والحج ( أتوسل اليك بممشاي )!

صارم:

قلت لك: نحن نحرم شد الرحال الى زيارة القبور منعا لجناب التوحيد أن تشوبه شوائب الشرك. ثم سألتك لم تشدون الرحال؟ فقلت: للاستشفاع!! فإن أردت أن تجيبني على قدر السؤال، فهذا سؤالي:

لماذا تستشفعون بالأموات؟ وكيف؟

العاملي:

الى الآن ما زلت تتصور أن الزيارة لا بد أن يرافقها استشفاع، فمن أين جئت بهذا؟!

فقد يزور مسلم نبيه ويؤدي واجب احترامه ولا يتوسل ولا يستشفع به!

وقد يتوسل المسلم بنبيه في بيته، ولا يذهب لزيارته!

فالزيارة شيء، والتوسل شيء آخر!!

والى الآن تتصور أن شد الرحال لا يكون إلا للإستشفاع! مع أن شد الرحال قد يكون للزيارة وحدها، أو مع نية الاستشفاع والتوسل!

وقد أجبتك بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حي عند ربه، وأنك تسلم عليه في صلاتك فلا مانع أن يخاطبه المتوسل.

على أن المتوسل لا يطلب من النبي بل من الله، ولا يحتاج الى مخاطبة النبي بل يخاطب ربه، ويسأله بحق رسوله ومقامه ومعزته عنده!!

وقلت لك لقد أجاز ابن تيمية التوسل والاستشفاع بالنبي ( الميت )!!صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهل تريد نص كلامه؟ !!

وتعود وتسألني: لماذا تشدون الرحال للاستشفاع، ولماذا تستشفعون بالميت؟ أرجو أن تتأمل في كلامي أكثر.

٤٨٧

صارم:

لقد تأملت في كلامك جيداً وتوصلت لما يلي:

قلت في معرض كلامك: ( والى الآن تتصور أن شد الرحال لا يكون إلا للإستشفاع! مع أن شد الرحال قد يكون للزيارة وحدها، أو مع نية الإستشفاع والتوسل! )

النتيجة واحدة وهو وجود التوسل والاستشفاع، وهذا ما أريده وأسأل عنه.

وقلت أيضاً: ( فقد يزور مسلم نبيه ويؤدي واجب احترامه ولا يتوسل ولا يستشفع به! ) هذا منطوق كلامك. وعليه فقد يزور مسلم نبيه ويؤدي واجب احترامه ويتوسل ويستشفع به! وهذا مفهوم كلامك. وسؤالي:

كيف يتوسل به؟

وسؤالي الثاني: كيف يستشفع به؟

هل أجد عندك اجابة مختصرة في حدود السؤالين السابقين؟

العاملي:

توسل به الى الله، واستشفع به، وتوجه به، وتجوه به، وسأله به، واستغاث به وأقسم عليه به.. كلها بمعنى واحد، أي توسط به الى الله تعالى.

ومعنى توسلنا واستشفاعنا بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أننا نقول:

اللهم إن كنت أنا غير مرضي عندك ولا تسمع دعائي بسبب ذنوبي، فاني أسألك بحرمة عبدك ورسولك محمد، الذي له هو نبيي ومبلغي أحكامك، وخير خلقك، وصاحب المقام الأول عندك.. أن تقبل دعائي وتستجيبه.

وهذا يا أخ... أمر طبيعي صحيح ليس فيه عبادة للنبي ولا ادعاء شراكة له مع الله تعالى، بل فيه تأكيد لمقام عبوديته واطاعته لربه الذي وصل به الى مقامه المحمود عند الله تعالى. وهو مشروع لورود النص به.

٤٨٨

صارم:

أعوذ بالله من غضب الله ما هذه الجرأة على الله؟ كيف تقول ( ولا تسمع دعائي بسبب ذنوبي )!!!

هل تعتقد أن الله لا يسمع؟ نعوذ بالله من الخذلان.

هل تعتقد أن الله يخفى عليه شيء في الأرض وفي السماء؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

أفق يا رجل فوالله إن الذي قلته ليزلزل الجبال. هداك الله. أرجو أن تستغفر الله بلا واسطة عن هذا الذنب العظيم. ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولي معك وقفة باذن الله.

العاملي:

عبارة ( إن كنت لا تسمع دعائي بسبب ذنوبي ) تعني لا تستجيب.. وسماع الدعاء بمعنى استجابته عربي فصيح أيها العربي!!

صارم:

هل لك أن تدلني على أن السماع بمعنى الاستجابة من لغة العرب وقبل ذلك القرآن؟

العاملي:

يستحب للمصلي أن يقول سمع الله لمن حمده، ومعناها استجاب وليس مجرد السماع. ويكفي استعمالها عند العرب بقولهم: هل يسمع فلان منك أم لا؟ وهو ليس سؤالا عن حالة أذنيه وطرشه!!

وفي سنن النسائي: ٨/٢٦٣: عن أبي هريرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الأربع: من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع. انتهى.

وفي هذا كفاية، فأجب على ما ذكرته في موضوعنا.

٤٨٩

صارم:

أشكرك علي إحالتك وبيانك. وسؤالي - وأرجو ألا تتذمر:

لم تلجؤون الى الواسطة بينكم وبين الله؟ ألم يخلقنا؟ ألم يرزقنا؟ أليس سبحانه هو المتكفل بنا؟ ألم يقل لنا: أدعوني أستجب لكم، بلا واسطة؟

ألا تعلم أن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد؟

ألا تعلم أن كل وازرة لا تزر وزر أخرى؟

ألا تعلم أن الانسان مهما بلغ من الكمال فهو عبد ضعيف مربوب لله تعالى، لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا؟ فأي فرق بيننا وبين الأموات؟

وقد ذكرت لك أن عمررضي‌الله‌عنه استشفع بعم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يلجأ الى قبر النبيعليه‌السلام ! فلم لم يفعل ذلك؟ !! أتراه غفل عما تدعون اليه؟ !!

نعم للانسان أن يطلب من آخر حي أن يدعو له، أما من الميت فإن الميت لاحول له ولا قوة!! ولو كان بيده شيء لدفع الموت عن نفسه.

وسؤالي مرة أخرى لم تجعلون الميت واسطة؟

العاملي:

حسب فهمنا المحدود وادراك عقولنا القاصرة، الأمر كما تقول. فالانسان يعبد الله تعالى مباشرة فينبغي أن يطلب منه مباشرة.. والله تعالى سميع بصير عليم، وهو أقرب الينا من حبل الوريد، فلا يحتاج الى واسطة من شخص حي ولا ميت، ولا أي مخلوق.. هذا حسب ادراك عقولنا..

ولكنه سبحانه بنى هذا الكون، وخلق الانسان وأقام حياته في الأرض على أساس الاسباب والمسببات في أمور الطبيعة..

وأخبرنا أن عبادته والطلب منه لها أصول وأسباب، وأن علينا أن نتعامل معه حسب هذه الاصول.

٤٩٠

مثلا: لماذا يجب الايمان بالرسول؟

فاذا أردنا أن ننفي الواسطة نقول: إن المطلوب هو الايمان بالله وحده والرسول مبلغ وقد بلغ ذلك وانتهى الأمر، فلماذا نجعل الايمان به مقرونا بالايمان بالله تعالى؟!

لماذا قال الله تعالى: أطيعوني وأطيعوا الرسول، ولم يقل أطيعوني فقط كما بلغكم الرسول؟ !! وهذا المثل قد يكون صعبا..

مثل آخر: الكعبة.. لماذا أمر الله تعالى ببناء غرفة، وقال توجهوا اليها وحجوا اليها وتمسحوا بها؟ هل يفرق عليه في عبادتنا له أن نصلي له الى هذه الجهة أو تلك؟ أو تحج تلك المنطقة أو لا تحج؟ فلماذا جعلها واسطة بيننا وبينه؟!

بل.. إن الصلاة أيضاً نوع من التوسل، وقد يسأل انسان هل تحتاج عبادة الله الى صلاة له؟

بل إن الدعاء أيضاً توسل.. فالله تعالى مطلع على الضمائر والحاجات، فلماذا يطلب أن نقول له؟

بل يمكن لهذا التفكير العقلي أن يوصل الانسان الى القول: لماذا خلق الله الانسان بحيث تكون له حاجات وقال له ادعني حتى أستجيب لك..

انا جميعا يا صارم أفكار العقل القاصر أمام حكمة الله تعالى، وحكمته تعرف بالشرع والعقل معا، وليس بظنون العقل واحتمالاته!!

وما دام مبدأ التوسل ثبت في الشرع، فإن العقل لا يعترض عليه، بل هو ( العقنقل ) كما عبر عنه بعضهم!!

والتوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثابت في حياته وبعد موته بدون فرق، لأنه حي عند ربه، وحياته أقوى من حياة أحدنا!!

وقد قلت لك أن التوسل لا يحتاج الى مخاطبة، فهو سؤال لله تعالى بمقام النبي وجهاده في سبيله وشفاعته عنده.

وأخبرتك أن ابن تيمية أجاز التوسل بالأموات، ولعله حصره بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤٩١

صارم:

أولا: أوافقك القول على أن العقل قاصر، وهذا لا مرية فيه. أما تمثيلك بالكعبة فقياس مع الفارق، لوجود الدليل الذي أمرنا الله من خلاله أن نتوجه الى الكعبة إذ الكعبة ليست واسطة.

ولك أن تتصور أن شخصا يتحدث معك وقد التفت عنك وأعطاك ظهره!! هل تقبل عليه وتتحدث معه؟

وكذلك وضعت الكعبة ليتجه اليها المسلمون جميعاً في صلاتهم، لا أنها واسطة الى غير ذلك من الحكم.

ثانياً: قلت إن ابن تيمية أجاز التوسل بالأموات ولعله حصره بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كلامك متناقض كيف تقول أجاز ثم ترجع وتقول: لعله؟ !!! هذا لا يستقيم.

فاما أنه أجاز التوسل بالأموات، وهذا محال، أو أنه أجاز التوسل بالنبيعليه‌السلام ؟

فهل لك أن تدلني على كلام شيخ الإسلامرحمه‌الله في التوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع ذكر المرجع؟

ثالثاً: أريد الدليل من القرآن - ومن القرآن - على قولك راجيا الاختصار ما أمكن وشكرا لك.

العاملي:

قال ابن تيمية في رسالة لشيخ الإسلام من سجنه ص ١٦:

وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم شخصا أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوسل اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك الى ربي في حاجتي ليقضيها. اللهم فشفعه في.

فهذا التوسل به حسن، وأما دعاؤه والاستغاثة به فحرام!

٤٩٢

والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين. المتوسل انما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا علي سبيل الطلب منه. وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه. انتهى.

فقد أفتى ابن تيمية بجواز العمل بحديث الضرير وفيه خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ميت!

ولاحظ يا صارم أن الميزان عند ابن تيمية أن تطلب من الله أو من المتوسل منه. وهذا هو كلام علماء المسلمين كلهم.

وتفريقه بين المتوسل والداعي والمستغيث غير صحيح، لأنه لا يوجد مسلم يدعو النبي ويطلب منه من دون الله، أو يستغيث به من دون الله!!

وأزيدك حديثا آخر صححه الطبراني يفسر حديث الضرير، قال في المعجم الكبير ٩/١٧ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيفرضي‌الله‌عنه : أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت اليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا اليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة. يا محمد إني أتوجه بك الى ربي فتقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك. ورح إليّ حتى أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتي باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال له: ما حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا.

ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إليّ حتى، كلمته فيّ؟!

٤٩٣

فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله وأتاه رجل ضرير فشكا اليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أو تصبر؟ فقال: يا رسول الله انه ليس لي قائد وقد شق عليّ.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات.

قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط!

صارم:

اليك الجواب عما أثرته - وأعتذر عن الإطالة -:

أولاً: لم تحلني على مرجع. وقولك: قال ابن تيمية في رسالة لشيخ الإسلام من سجنه ص ١٦! أتعد هذا احالة؟ !!

ما رأيك لو قلت لك: قال صاحب الكافي في رسالة له. أتقبل ذلك مني؟!

ثانياً: اما أنك لا تجيد النقل، وتأخذ ما يوافق هواك!! وأعيذك بالله أن تكون كذلك. واما أنك أسأت فهم كلام ابن تيمية، أو نقلت شبهة كان يريد الرد عليها، لأن أقواله في هذه المسألة - التوسل بالنبي - مشهورة مبثوثة في ثنايا كتبهرحمه‌الله .

وحتى أزيدك ايضاحاً حول هذه المسألة عند أهل السنة والجماعة، أقول: التوسل بالرسولعليه‌السلام ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يتوسل بالايمان به واتباعه. وهذا جائز في حياته وبعد مماته.

القسم الثاني: أن يتوسل بدعائه، أي بأن يطلب من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدعو له، فهذا جائز في حياته، أما بعد مماته فلا، لتعذره.

القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله. فهذا لا يجوز لا في حياته ولا بعد مماته.

ثالثاً: قلت ياعاملي: فقد أفتى ابن تيمية بجواز العمل بحديث الضرير وفيه

٤٩٤

خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ميت!

ولا أدرى من أين استنبطت قولك: وهو ميت؟ !!!

رابعاً: قلت: لا يوجد مسلم يدعو النبي ويطلب منه من دون الله أو يستغيث به من دون الله!! فبالله عليك لم يشد الناس رحالهم الي القبور؟

ان قلت: من أجل الدعاء عندها دون أن يكون للميت تأثير.

قلنا لك: فلا فائدة من شد الرحال، والاجابة حاصلة في مكانك الذي أنت فيه، دون أن تشد الرحل.

وإن قلت: إن للميت تأثيراً، أو من أجل حصول البركة.

قلنا: كيف يؤثر وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا؟

ومن هنا جاء النهي عن شد الرحال للقبور، منعا لجناب التوحيد من شوائب الشرك.

ولو تنزلنا معك ووافقناك في قولك أنا لا أستغيث بها.

قلنا لك: لكن عوام الناس ممن لا فقه عنده سيظن أن للميت تأثيرا، وإلا لما شدت اليه الرحال، فيلجأ في دعائه الى الميت، وهذا ما يحصل عند غالب القبوريين .

فلما كانت هنالك مفسدة مترتبة على ذلك وقع النهي.

خامساً: أما حديث الطبراني فيحتاج الى مراجعة، فلم يسعفني الوقت للوقوف عليه وعلى صحته.

آمل أن تتأمل جوابي جيداً ليتضح لك الحق باذن الله.

العاملي:

أرجو أن تصحح ما هو المركوز في ذهنك من أن الزيارة تلازم التوسل والاستغاثة، وأن شد الرحال يكون للاستغاثة، فلا تلازم بينها أبداً..

وإذا أكملنا البحث في التوسل آتي لك بنصوص الزيارة بلا توسل.

٤٩٥

وهذا اليوم قرأت لامامك ابن تيمية مجدداً كل مقولاته حول التوسل وعن حديث عثمان بن حنيف عن الضرير، وعن حديث عثمان بن حنيف الآخر الذي صححه الطبراني.. فقد تعرض لذلك في كتبه وكتيباته التالية:

العبادات عند القبور، وزيارة القبور، والتوسل والوسيلة، واقتضاء الصراط المستقيم، ورسالة من سجنه.

وخلاصة رأيه أنه يفسر حديث الأعمى بأنه توسل بدعاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لا بذاته. ويحصره في حياته لا بعد مماته.

قال في التوسل والوسيلة ص ٢٦٥:

وفي الجملة فقد نقل عن بعض السلف والعلماء السؤال به بخلاف دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين والاستغاثة بهم والشكوى اليهم، فهذا مما لم يفعله أحد من السلف من الصحابة والتابعين لهم باحسان، ولا رخص فيه أحد من أئمة المسلمين وحديث الأعمى الذي رواه الترمذي هو من القسم الثاني من التوسل بدعائه.

وقال في ص ٢٦٨:

وفيه قصة قد يحتج بها من توسل به بعد موته إن كانت صحيحة رواه من حديث اسماعيل بن شبيب بن سعيد الحبطي عن شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم عن أبي جعفر المديني عن أبي أمامة سهل بن حنيف أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفان في حاجة له وكان عثمان لا يلتفت اليه ولا ينظر في حاجته، فلقي الرجل عثمان بن حنيف فشكا اليه ذلك فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبينا محمد نبي الرحمة. يا محمد إني أتوجه بك الي ربي... الخ.

قال البيهقي ورواه أحمد بن شبيب بن سعيد عن أبيه بطوله، وساقه من رواية يعقوب بن سفيان عن أحمد بن شبيب بن سعيد، قال ورواه أيضاً هشام الدستوائي عن أبي جعفر... الخ. انتهي.

٤٩٦

ثم ناقش ابن تيمية في سند الحديث، ولم يفت بالتوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته.

أما رسالته من سجنه فهي مطبوعة ضمن مجموعة رسائله وتبدأ من ص ٢٤٨، وهي من سجنه من مصر، وأنقل لك منها فقرات وفي الاخيرة منها يجيز التوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد قال به ولم يقل بدعائه!!

وقال في ص ٢٥٠:

فجاء الفتاح أولاً فقال يسلم عليك النائب وقال: الى متى يكون المقام في الحبس؟  أما تخرج؟ هل أنت مقيم على تلك الكلمة أم لا؟

وعلمت أن الفتاح ليس في استقلاله بالرسالة مصلحة لأمور لا تخفى، فقلت له: سلم على النائب وقل له أنا ما أدري ما هذه الكلمة؟ والى الساعة لم أدر عليّ أي شيء حبست، ولا علمت ذنبي، وأن جواب هذه الرسالة لا يكون مع خدمتك، بل يرسل من ثقاته الذين يفهمون ويصدقون أربعة أمراء، ليكون الكلام معهم مضبوطاً عن الزيادة والنقصان، فأنا قد علمت ما وقع في هذه القصة من الأكاذيب.

فجاء بعد ذلك الفتاح ومعه شخص ما عرفته، لكن ذكر لي أنه يقال له علاء الدين الطيبرسي، ورأيت الذين عرفوه أثنوا عليه بعد ذلك خيراً وذكروه بالحسنى، لكنه لم يقل ابتداء من الكلام ما يحتمل الجواب بالحسنى، فلم يقل الكلمة التي أنكرت كيت وكيت، ولا استفهم: هل أنت مجيب الى كيت وكيت؟!

وقال في ص ٢٥٣:

وجعل غير مرة يقول لي: أتخالف المذاهب الأربعة فقلت أنا ما قلت إلا ما يوافق المذاهب الأربعة..

وقال في ص ٢٥٦:

وقال لي في أثناء كلامه فقد قال بعض القضاة انهم أنزلوك عن الكرسي.

فقلت: هذا من أظهر الكذب الذي يعلمه جميع الناس، ما أنزلت من الكرسي قط! ولا استتابني أحد قط عن شيء، ولا استرجعني.

٤٩٧

وقلت قد وصل اليكم المحضر الذي فيه خطوط مشائخ الشام وسادات الإسلام، والكتاب الذي فيه كلام الحكام الذين هم خصومي كجمال الدين المالكي وجلال الدين الحنفي...

وقال في ص ٢٦٥:

فقال: فاكتب هذه الساعة أو قال اكتب هذا أو نحو هذا.

فقلت: هذا هو مكتوب بهذا اللفظ في العقيدة التي عندكم التي بحثت بدمشق واتفق عليها المسلمون، فأي شيء هو الذي تريده؟

وقلت له: أنا قد أحضرت أكثر من خمسين كتاباً من كتب أهل الحديث والتصوف والمتكلمين والفقهاء الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، وتوافق ما قلت...

وقال في ص ٢٦٦:

فراح ثم عاد وطلب أن أكتب بخطي أي شيء كان، فقلت فما الذي أكتبه؟ قال: مثل العفو، وألا تتعرض لاحد!!

فقلت: نعم هذا أنا مجيب اليه...!!

وقال في ص ٢٧٢:

وهذا الذي يخافه من قيام العدو ونحوه في المحضر الذي قدم به من الشام الى ابن مخلوف، فيما يتعلق بالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم إن أظهروه كان وباله عليهم، ودل على أنهم مشركون لا يفرقون بين دين المسلمين ودين النصارى...

وقال في ص ٢٧٦:

وأما حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي مثل تقديم محبته على النفس والاهل والمال، وتعزيره وتوقيره واجلاله، وطاعته واتباع سنته وغير ذلك، فعظيمة جدا.

وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء، كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم شخصا أن يقول: اللهم إني أسألك

٤٩٨

وأتوسل اليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك الى ربي في حاجتي ليقضيها. اللهم فشفعه في. فهذا التوسل به حسن، وأما دعاؤه والاستغاثة به فحرام.

والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين.

المتوسل انما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا على سبيل الطلب منه. وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه والله هو رب العالمين. انتهى.

وأنت تلاحظ أنه عبر هنا بالتوسل به، وليس بدعائه، كما أنه لم يخصصه بحال حياته، بل ذكر ذلك من حقوقه والاعتقاد به فعلا!!

صارم:

هنالك نقطة اختلاف بيني وبينك، ولعلها لم تظهر بعد، فأنت حينما تسافر وتقطع مئات الاميال من أجل أن تزور القبر الفلاني، لم أقدمت على هذا العمل؟ وكيف لا يكون هناك تلازم بين التوسل والاستغاثة والزيارة؟

وهذا ما قصدته فيما كتبته لك، وهو ما أسأل عنه لم تشد الرحل للقبر؟ فقلت بعظمة لسانك: ( نزورهم ونستشفع بهم الى الله تعالى ) ثم تقول: لا تلازم أي تناقض هذا؟ !!

أما قولك: إنك قرأت كتب ابن تيمية حول موضوعنا، فأشكرك على شجاعتك ونقلك لما يخالف كلامك، وكنت أتمنى منك لو قلت: وقد أخطأت أو وقد تبين بطلان كلامي، فكل منصف سيري هذا الخطأ الذي وقعت فيه ونسبته لشيخ الإسلام.

أخيرا قولك فيما نقلته عن الشيخ: أتوسل بك الى ربي في حاجتي ليقضيها اللهم فشفعه في. فهذا التوسل به حسن.

وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام، والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين. ثم قلت ( وأنت تلاحظ أنه عبر هنا بالتوسل به، وليس بدعائه ) أقول لك: ارجع الى تقسيم التوسل الذي ذكرته لك آنفاً، وستعرف المقصود بكلام الشيخرحمه‌الله فلا حجة

٤٩٩

لك عليه وكيف تفسر الكلام بهواك بلا دليل؟

وقولك ( كما أنه لم يخصصه بحال حياته، بل ذكر ذلك من حقوقه والإعتقاد به فعلا!! ) من أين لك هذا الإستنباط؟ !! فلو كان هذا فهم السلف، لما لجؤوا الى عم النبي العباسرضي‌الله‌عنه في الاستسقاء. وإلا فقل لي بربك ما تفسير توسلهم بدعاء عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يلجؤا الى قبره؟ !!

أرجو أن أجد جواباً شافياً مختصراً على جميع أسئلتي.

العاملي:

أذكرك أولا بفهرس مسائل نقاشنا:

فأصل موضوعنا زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهناك موضوعان يتصلان بها:

الأول: شد الرحال اليها يعني السفر الى المدينة المنورة بقصد الزيارة.

والثاني: التوسل والاستشفاع بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وثانياً، كان موضوعنا الحكم الشرعي لذلك سواء من الأحاديث الصحيحة على حسب موازين علماء المذاهب.. ووصلنا الي رأي ابن تيمية في ذلك.

لقد قرأت اليوم رأيه في زيارة القبور وشد الرحال اليها من بضعة كتب وكتيبات له وهي:

- فتيا في نية السفر

- زيارة بيت المقدس

- رسالة في الدعاء عند القبور

- رده على الاخنائي

- ابطال فتاوى قضاة مصر

- الجواب الباهر في زوار المقابر

- شرح حديث لعن الله زوارات القبور

- بيان مختصر لمناسك الحج

٥٠٠