العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 195668 / تحميل: 7957
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وعند العامّة يبرأ ا لضامن ؛ لأنّه فرع على المضمون عنه(١) .

وهنا للشافعيّة وجهٌ واحد : أنّه لا يبرأ بإبراء نفسه ، وإنّما يبرأ ببراءة المضمون عنه(٢) .

تذنيب : لو وكّله في إبراء غرمائه وكان الوكيل منهم ، لم يكن له أن يُبرئ نفسه ، كما لو وكّله في حبس غرمائه أو مخاصمتهم.

ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو وكّله في تفرقة شي‌ء على الفقراء وهو منهم ، لم يكن له أن يصرف إلى نفسه من ذلك شيئاً عند الشافعيّة ؛ لأنّه مخاطب في أن يخاطب غيره ، فلا يكون داخلاً في خطاب غيره.

فإن صرّح له أن يُبرئ نفسه ، فالوجهان(٣) .

والمعتمد : الجواز في ذلك كلّه.

مسألة ٦٨٦ : إذا وكّله في الخصومة وأطلق بأن قال : وكّلتُك لمخاصمة خصمائي ، فإنّه يصح ، ويصير وكيلاً في جميع الخصومات ؛ عملاً بالعموم ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

والثاني : لا يصحّ ، بل يجب تعيين مَنْ يخاصم معه ؛ لاختلاف العقوبة.

وهذا الاختلاف قريب من الخلاف الذي سبق فيما إذا وكّله ببيع أمواله وهي غير معلومة(٤) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٥ و ٥١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

(٣) البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٤.

(٤) الوسيط ٣ : ٢٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٠.

٦١

الفصل الثالث : في أ حكام الوكالة‌

وفيه مطالب :

الأوّل : في صحّة ما وافق من التصرّفات ، وبطلان ما خالف.

وتُعرف الموافقة باللفظ تارةً ، وبالقرينة أُخرى.

وفيه مباحث :

الأوّل : المباينة والمخالفة.

مسألة ٦٨٧ : يجب على الوكيل اعتماد ما عيّن الموكّل له وقرّره معه‌ ، ولا يجوز له المخالفة في شي‌ء ممّا رسمه له ، فيصحّ تصرّف الوكيل فيما وافق الموكّل ، ويبطل فيما خالفه مع صحّة الوكالة.

والموافقة والمخالفة قد تُعرفان بالنظر إلى اللفظ تارةً ، وبالقرائن التي تنضمّ إليه أُخرى ، فإنّ القرينة قد تقوى ، فيترك لها إطلاق اللفظ ، فإنّه إذا أمره في الصيف بشراء الجمد ، لا يشتريه في الشتاء.

وقد يتعادل اللفظ والقرينة ، وينشأ من تعادلهما خلاف في المسألة ، وهذا كما لو أطلق البيع وقال : قد وكّلتُك في بيعه ، ولم يعيّن ثمناً ولا نقداً ولا حلولاً ، فباع بغير نقد البلد من العروض والنقود ، أو بغبنٍ فاحش ، أو مؤجَّلاً ، فإذا فَعَل ذلك ، لم يصح ، وكان مخالفاً ؛ لأنّ العرف اقتضى انصراف إطلاق اللفظ إلى المعتاد المتظاهر بين الناس من البيع بالنقد ، ومن نقد البلد الذي يقع فيه البيع ، وبثمن المثل ، والحالّ ، فلا يملك الوكيل غير ذلك ، عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ومالك ؛ قياساً على الوصي ، فإنّه لا يبيع إلاّ بثمن المثل من نقد البلد حالّاً.

٦٢

ولأنّه وكيل في عقد البيع ، فتصرّفه بالغبن لا يلزم الموكّل ، كالوكيل بالشراء إذا اشترى بغبنٍ فاحش ، ولأنّه إذا باع وأطلق ، كان الثمن حالّاً ، فإذا وكّل بالبيع وأطلق ، حُمل على الثمن الحالّ(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا وكّله في البيع وأطلق ، جاز له أن يبيع بأيّ ثمن كان ، قليلاً كان أو كثيراً ، حالّاً ومؤجَّلاً من أيّ نقدٍ شاء ؛ لأنّ المبيع ملكه ، فإذا أمر ببيعه مطلقاً ، حُمل على العموم في كلّ بيعٍ(٢) .

وهو ينتقض بالشراء ، فإنّه إذا أطلق له الشراء ، انصرف الإطلاق إلى الشراء بثمن المثل عنده(٣) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : إذا أطلق له البيع ، لم يجز إلّا بثمن المثل من نقد البلد ، ويجوز حالًّا ومؤجَّلاً ؛ لأنّ البيع يقع بالحالّ والمؤجَّل في العادة ، فانصرف الأمر إليه(٤) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٨٢ ، الوسيط ٣ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٦ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٣ - ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، التلقين : ٤٤٦ ، المعونة ٢ : ١٢٣٩.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ - ١٤٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢٣ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المعونة ٢ : ١٢٣٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٦ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦١ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٢.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٧ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٢ ، حلية =

٦٣

وهو ممنوع ؛ فإنّ ال ثمن إنّما يكون حالّاً في غالب العادة ، فانصرف الإطلاق إليه ، كثمن المثل. وأمّا إذا قيّد الموكّل الأمر فأمره بأن يبيعه بنقدٍ بعينه ، فإنّه لا يجوز له مخالفته ، إلّا أن يأذن له في بيعه بنقدٍ فيبيعه بأكثر. وقال أحمد في الرواية الأُخرى : إذا باع بأقلّ من ثمن المثل بما لا يتغابن الناس به ، صحّ ، ولا يصحّ الشراء بأكثر من ثمن المثل ، ويضمن الوكيل في صورة البيع النقصَ ؛ لأنّ مَنْ صحّ بيعه بثمن المثل صحّ بدونه ، كالمريض(١) .

فعلى هذه الرواية يكون البيع صحيحاً ، وعلى الوكيل ضمان النقص.

وفي قدره وجهان :

أحدهما : ما بين ثمن المثل وما باعه به.

والثاني : ما بين ما يتغابن الناس به وما لا يتغابن الناس به.

والوجه : الأوّل ؛ لأنّه لم يأذن للوكيل في هذا البيع ، فأشبه بيع الأجنبيّ.

وأمّا إذا باع بما يتغابن الناس بمثله ، فإنّه يجوز ويعفى عنه ولا ضمان عليه إذا لم يكن الموكّل قدّر له الثمن ؛ لأنّ ما يتغابن الناس به يُعدّ من ثمن المثل ، ولا يمكن التحرّز عنه.

فروع :

أ - إذا باع على الوجه الممنوع منه بأن يبيع بأقلّ من ثمن المثل أو بالعروض أو نسيئةً ، كان حكمه حكم الفضولي يكون بيعه موقوفاً إن أجازه الموكّل ، صحّ البيع ولزم ، وإلّا بطل ، ولا يقع باطلاً من أصله ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

____________________

= العلماء ٥ : ١٣٤ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٥ - ٢٢٦.

(١) المغني ٥ : ٢٥٥ - ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦.

٦٤

والمشهور عندهم : الأوّل (١) .

ب - لو كان في البلد نقدان وأحدهما أغلب ، فعليه أن يبيع به‌ ، فإن استويا في المعاملة ، باع بما هو أنفع للموكّل ، فإن استويا تخيّر.

وقال بعض الشافعيّة : إذا استويا في المعاملة ، وجب أن لا يصحّ التوكيل ما لم يبيّن ، كما لو باع بدراهم وفي البلد نقدان متساويان ، لا يصحّ حتى يقيّد بأحدهما(٢) .

والمشهور عندهم(٣) ما اخترناه أوّلاً.

ج - لو باع الوكيل على أحد الوجوه المذكورة ، لم يصر ضامناً للمال ما لم يسلّم إلى المشتري ، فإن سلّم ضمن.

د - بيع ما يساوي عشرةً بتسعةٍ محتملٌ في الغالب ما يتغابن الناس بمثله‌ ، فيصحّ فعله من الوكيل. وبيعه بثمانيةٍ غير محتملٍ ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : يختلف القدر المحتمل باختلاف أجناس الأموال من الثياب والعبيد والعقارات وغيرها(٥) .

ه- كما لا يجوز أن ينقص الوكيل عن ثمن المثل ، لا يجوز أن يقتصر عليه وهناك طالبٌ بالزيادة ، بل يجب عليه بيعه على باذل الزيادة مع تساوي الغريمين ؛ لأنّه منصوب لمصلحة الموكّل ، وليس من مصلحته بيعه‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٨٣ ، البيان ٦ : ٣٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

٦٥

بالأقلّ مع وجود الأ كثر.

و - لو باع بثمن المثل ووجد مَنْ يزيد عليه ، فإن كان بعد انقضاء الخيار ، فلا كلام.

وإن كان في زمن الخيار ولو في المجلس ، فالأقرب : إنّ على الوكيل الفسخَ ؛ لاقتضاء مصلحة الموكّل ذلك ، والتزام البيع منافٍ لها ، فلا يملكه الوكيل.

وقال بعض العامّة : إنّه لا يلزمه فسخ العقد ؛ لأنّ الزيادة ممنوع منها منهيّ عنها ، فلا يلزمه الرجوع إليها ، ولأنّ المزايد قد لا يثبت على الزيادة ، ولا يلزم الفسخ بالشكّ(١) .

وهو غلط ؛ لأنّها زيادة في الثمن أمكن تحصيلها ، فأشبه ما لو جاء به قبل البيع ، والنهي يتوجّه إلى الذي زاد ، لا إلى الوكيل ، فأشبه مَنْ جاءته الزيادة قبل البيع بعد الاتّفاق عليه.

مسألة ٦٨٨ : لو قال الموكّل للوكيل : بِعْه بكَمْ شئت ، جاز البيع بالغبن ، ولا يجوز بالنسيئة ولا بغير نقد البلد ؛ لأنّه فوّض إليه تعيين القدر بلفظ « كَمْ » لأنّها كناية عن العدد ، ويبقى في النقد والنسيئة على إطلاق الإذن ، فلا يتناول إلّا الحالّ بنقد البلد ؛ لأنّ تعميمه في أحد الثلاثة لا يقتضي تعميمه في الباقيين.

ولو قال : بِعْه بما شئت ، فله البيع بغير نقد البلد ، ولا يجوز بالغبن ولا النسيئة.

ولو قال : بِعْه كيف شئت ، فله البيع بالنسيئة ، ولا يجوز بالغبن ولا بغير نقد البلد ، وبه قال بعض الشافعيّة(٢) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٦٦

وقال بعضهم : يجوز ا لجميع(١) . ولا بأس به عندي.

ولو قال : بِعْه بما عزّ وهان ، فهو كما لو قال : بِعْه بكَمْ شئت ، قاله بعض الشافعيّة(٢) .

وقال آخَرون : له البيع بالعرض والغبن ، ولا يجوز بيعه بالنسيئة(٣) . وهو المعتمد.

مسألة ٦٨٩ : للحاكم بيع المرهون ومال المفلَّس بنقد البلد‌. ولو لم يكن دَيْن المستحقّين من ذلك الجنس أو على تلك الصفة ، صرفه إلى مثل حقوقهم.

وقد يحتاج الحاكم في ذلك إلى توسيط عقدٍ آخَر ومعاملةٍ أُخرى ، كما لو كان نقد البلد المكسَّرَ وحقُّهم الصحيحَ ، فلا يمكن تحصيل الصحيح بالمكسَّر إلّا ببذل زيادةٍ وإنّه ربا ، فيحتاج إلى شراء سلعةٍ بالمكسّرة ثمّ يشتري الصحيحة بتلك السلعة.

ولو رأى الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم في الابتداء ، جاز ، وقد سبق(٤) .

والمرتهن عند امتناع الراهن عن أداء الحقّ يرفع أمره إلى الحاكم ، فإن تعذّر عليه وافتقر إلى بيّنةٍ ولم تكن له ، قام مقام الحاكم في توسيط المعاملة بالأُخرى وفي بيعه بجنس الدَّيْن وعلى صفته ، وبه قال بعض الشافعيّة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) في ج ١٤ ، ص ٥٠ ، ضمن المسألة ٢٩٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

٦٧

ومَنَع بعضُهم من تسلّط المرتهن على بيع المرهون بمجرّد امتناع الراهن عن أداء ما عليه(١) .

وإذا أُلحق المرتهن بالحاكم فيما ذكرنا ، أشبه أن يلحق وكيل الراهن ببيع المرهون وقضاء الدَّيْن منه بالمرتهن ، بل أولى ؛ لأنّ نيابة المرتهن حينئذٍ قهريّة ، و [ الموكّل ](٢) قد رضي بتصرّفه ، ونصبه لهذا الغرض.

مسألة ٦٩٠ : الوكيل بالبيع المطلق يبيع من ابنه الكبير وأبيه وسائر أُصوله وفروعه - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّه باع بثمن المثل الذي لو باع به من أجنبيّ لصحّ ، فأشبه ما لو باع من صديقه ، ولأنّه يجوز للعمّ أن يزوِّج موليتَه من ابنه إذا أطلقت الإذن ، ولم يُجعل تعيين الزوج شرطاً ، فكذا هنا ، ولأنّ القابل غير العاقد ، فصحّ البيع ، كالأجنبيّ.

والثاني للشافعيّة : أنّه لا يجوز - وبه قال أبو حنيفة ، ويعتبر أبو حنيفة قبولَ الشهادة له(٤) - لأنّ التهمة تلحقه في حقّ أبيه وابنه الكبير بالميل إليهما ، كما تلحقه في حقّ نفسه ، ولهذا لا تُقبل شهادته لهما ، كما لا تُقبل شهادته لنفسه ، ومن الجائز أن يكون هناك راغب بأكثر من الثمن(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوكيل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ٢٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢٢ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ - ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : =

٦٨

وأُجري الوجهان للشا فعيّة في البيع من الزوج والزوجة ، فإذا قلنا : لا تُقبل شهادة أحدهما للآخَر ، فكالأب والابن ، وإلاّ فلا(١) .

وهذا عندنا باطل ؛ لأنّا نجوّز الشهادةَ لهم والبيعَ أيضاً ؛ إذ الضابط ثمن المثل ، فإذا بذله [ أيّ ](٢) مَنْ كان ، جاز البيع.

ولو باع من مكاتَبه ، صحّ أيضاً.

وللشافعيّة وجهان : الجواز ؛ لأنّ المكاتَب يملك دونه. والمنع ؛ للتهمة ، لأنّه يتعلّق حقّه بكسبه(٣) .

وكذا يصحّ البيع من جميع أقاربه ، كأخيه وعمّه وغيرهما.

والوجهان للشافعيّة في الفروع والأُصول المستقلّين(٤) .

أمّا لو باع من ابنه الصغير ، فإنّه جائز عندنا أيضاً.

ومَنَع منه الشافعيّة ؛ لأنّه يستقصي لطفله(٥) في الاسترخاص ، وغرض الموكّل الاستقصاء في البيع بالأكثر ، وهُما غرضان متضادّان ، فلا يتأتّى من الواحد القيام بهما(٦) .

____________________

= ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٥) في النسخ الخطّيّة : « لابنه » بدل « لطفله ».

(٦) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٦٩

وعن أحمد روايتان. و للشافعيّة وجهان(١) .

مسألة ٦٩١ : إذا وكّله في بيع شي‌ء ، فإن جوّز له أن يشتريه هو ، جاز أن يبيعه على نفسه ، ويقبل عن نفسه.

وإن مَنَعه من ذلك ، لم يجز له أن يشتريه لنفسه إجماعاً.

وإن أطلق ، مَنَع الشيخ من ذلك ؛ لأنّه قال : جميع مَنْ يبيع مال غيره - وهُمْ ستّة أنفس : الأب والجدّ ووصيّهما والحاكم وأمين الحاكم والوكيل - لا يصحّ لأحدٍ منهم أن يبيع المال الذي في يده من نفسه إلّا لاثنين : الأب والجدّ ، ولا يصحّ لغيرهما ، وبه قال مالك والشافعي(٢) .

وقال الأوزاعي : يجوز ذلك للجميع. وهو منقول عن مالك(٣) أيضاً.

وقال زفر : لا يجوز لأحدٍ منهم أن يبيع من نفسه شيئاً(٤) .

وقال أبو حنيفة : يجوز للأب والجدّ والوصي ذلك ، إلّا أنّه اعتبر في الوصي أن يشتريه بزيادة ظاهرة ، مثل أن يشتري ما يساوي عشرةً بخمسة عشر ، فإن اشتراه بزيادة درهمٍ ، لم يمض البيع استحساناً(٥) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٤ ، الوجيز ١ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٦ - ٤٥٧ / ١٨٤٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، الوجيز ١ : ١٩٠ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٧٤.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢.

٧٠

ثمّ استدلّ رحمه‌الله على مذهبه : بإجماع الفرقة وأخبارهم أنّه يجوز للأب أن يقوّم جارية ابنه الصغير على نفسه ، ثمّ يستبيح وطأها بعد ذلك.

وأيضاً روي أنّ رجلاً وصّى إلى رجلٍ في بيع فرس ، فاشتراه الوصي لنفسه ، فاستفتى عبد الله بن مسعود ، فقال : ليس له(١) ، ولم يُعرف له مخالف(٢) .

إذا عرفت هذا ، فقد اختلفت الشافعيّة في صحّة بيع الوكيل من نفسه ، والوصي يبيع مال الطفل من نفسه.

فالمشهور عندهم : المنع - وهو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنّه يستقصي لنفسه في الاسترخاص ، وغرض البائع الاستقصاء في البيع بالأكثر ، وهُما غرضان متضادّان ، فلا يتأتّى من الواحد القيام بهما.

وأيضاً فإنّ التوكيل بالبيع مطلقاً يشعر بالبيع من الغير ، والألفاظ المطلقة تُحمل على [ المفهوم ](٣) منها في العرف الغالب.

ولأنّه تلحقه التهمة ، بخلاف الأب والجدّ ، فإنّ شفقتهما الطبيعيّة على الولد تمنعهما من التسامح معه ، فانتفت التهمة عنهما ؛ لشفقتهما عليه(٤) .

ونقل عن الاصطخري من الشافعيّة أنّ للوكيل أن يبيع من نفسه ؛ لحصول الثمن الذي لو باع من غيره لحصل(٥) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٧ / ١٨٤٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧ ، المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٤٦ - ٣٤٧ ، المسألة ٩ من كتاب الوكالة.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « العموم ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، الوجيز ١ : ١٩٠ ، الوسيط ٣ : ٢٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٧ - ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١ - ٢٢٢.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٧١

واحتجّ أبو حنيفة عل ى جوازه للأب والجدّ والوصي إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل [ بأنّه ](١) إذا اشترى الوصي بأكثر من ثمن المثل ، فقد قرب مال اليتيم بالتي هي أحسن(٢) ، فوجب أن يجوز(٣) .

واحتجّ مَنْ جوّز مطلقاً : بأنّ الوصي والوكيل نائب عن الأب ، فإذا جاز ذلك للأب ، جاز للنائب عنه(٤) .

وينتقض قول أبي حنيفة : بأنّ الوصي يلي بتوليته ، فأشبه الوكيل.

واحتجّ زفر : بأنّ حقوق العقد تتعلّق بالعاقد ، فلا يصحّ أن يتعلّق به حكمان متضادّان ، ويشبه في ذلك الوصي والوكيل(٥) .

واعلم أنّ المشهور أنّ للأب والجدّ أن يتولّيا طرفي العقد ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يلي بنفسه ، فجاز أن يتولّى طرفي العقد ، كالجدّ يزوّج ابن ابنه ببنت ابنه الآخَر.

ولا نسلّم ما ذكره من تعلّق حقوق العقد بالعاقد لغيره.

وأمّا غيرهما فالمشهور : المنع.

وعندي في ذلك تردّد.

فروع :

أ - إذا منعنا من شراء الوكيل لنفسه ، لم يجز أيضاً أن يشتري لولده‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين فيما عدا « ر » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّه ». وكلاهما ساقط في « ر ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) إشارة إلى الآية ٣٤ من سورة الإسراء.

(٣) المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢.

(٤) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ - ٥٣٧.

(٥) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧.

٧٢

الصغير ولا لمن يلي عليه بوصيّةٍ ؛ لأنّه يكون بيعاً من نفسه ، وبه قال الشافعي(١) .

وعندي فيه نظر أقربه : الجواز في ذلك كلّه.

وأمّا عبده المأذون له في التجارة فحكمه حكم بيعه من نفسه.

ب - إذا أذن لوكيله أن يبيع من نفسه ، جاز عندنا على ما تقدّم.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

قال ابن سريج : يجوز ، كما لو أذن له في البيع من أبيه وابنه ، وكما لو قال لزوجته : طلّقي نفسكِ على ألف ، ففَعَلت ، يصحّ ، وتكون نائبةً من جهته ، قابلةً من جهة نفسها.

ولأنّ التهمة قد انتفت عنه بذلك ، فجاز(٣) .

وهذا على قول مَن اعتبر التهمة.

وحكى أبو حامد من الشافعيّة في نكاح بنت العمّ من نفسه وجهين أيضاً(٤) .

وقال الأكثرون : لا يجوز ؛ لما تقدّم من تضادّ الغرضين ، وأيضاً فإنّ وقوع الإيجاب والقبول من شخصٍ واحد بعيد عن التخاطب ووَضْع الكلام ، وتجويزه في حقّ الأب والجدّ خلاف القياس ، ولأنّه لا يكون موجباً قابلاً فيما يتولّاه بالإذن ، كما لا يجوز أن يزوّج بنت عمّه من نفسه بإذنها(٥) .

ونحن نمنع الحكم في الأصل.

ج - لو وكّل أباه بالبيع ، فهو كالأجنبي إن جوّزنا في حقّ الأجنبيّ أن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢ و ٣ و ٥) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨.

٧٣

يشتري لنفسه جاز هنا ، وإن منعناه ثَمَّ منعناه هنا.

وقال بعض الشافعيّة المانعين في حقّ الأجنبيّ : يجوز هنا ؛ لأنّ الأب يبيع مال ولده من نفسه بالولاية ، فكذلك بالوكالة(١) .

وفيه بُعْدٌ.

د - لو صرّح له بالإذن في بيعه من ابنه الصغير ، قطع بعض الشافعيّة بالجواز - كما اخترناه نحن - لأنّه رضي بالنظر إلى الطفل وبترك الاستقصاء ، وتولّي الطرفين في حقّ الولد معهود على الجملة ، بخلاف ما لو باع من نفسه. ولأنّ التهمة قد انتفت ، والقابل غير الموجب(٢) .

وقال بعضهم : لا يجوز ، كما لو أذن في بيعه من نفسه(٣) .

ويجري الوجهان للشافعيّة فيما لو وكّله بالهبة وأذن له أن يهب من نفسه ، أو بتزويج ابنته وأذن له في تزويجها من نفسه.

والنكاح أولى بالمنع عندهم(٤) ؛ لأنّهم رووا أنّه « لا نكاح إلّا بأربعة : خاطبٍ ووليٍّ وشاهدَيْن »(٥) .

ه- لو وكّل مستحقّ الدَّيْن المديونَ باستيفائه من نفسه‌ ، أو وكّل مستحقّ القصاص الجانيَ باستيفائه من نفسه إمّا في النفس أو الطرف ، أو وكّل الإمام السارقَ ليقطع يده ، جاز.

وللشافعيّة الوجهان(٦) .

أمّا لو وكّله الإمام في جلد نفسه ، فالأقرب : المنع ؛ لأنّه متّهم بترك‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢ و ٣ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، وانظر : المصنّف - لعبد الرزّاق - ٦ : ١٩٧ / ١٠٤٨١ ، وسنن الدارقطني ٣ : ٢٢٤ - ٢٢٥ / ١٩.

٧٤

الإيلام ، بخلاف القطع ؛ إذ لا مدخل للتهمة فيه.

وظاهر مذهب الشافعيّة : المنع في الجميع(١) .

مسألة ٦٩٢ : لو وكّله المتداعيان أن يخاصم من الجانبين ، فيدّعي عن أحدهما ويُنكر عن الآخَر ، الأقرب : الجواز ؛ لأنّه يتمكّن من إقامة البيّنة للمدّعي ثمّ من إقامة البيّنة الدافعة للمدّعى عليه ، وعدالته وأمانته تمنعه(٢) من الميل عن أحد الجانبين ، وهو أضعف وجهي الشافعيّة.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لما فيه من اختلال غرض كلّ واحدٍ منهما ، فإنّه يحتاج إلى التعديل من جانبٍ وإلى الجرح من جانبٍ ، وعلى هذا [ فإليه ](٣) الخيرة يخاصم لأيّهما شاء(٤) .

ولا منافاة لما بيّنّاه من اقتضاء عدالته وأمانته عدمَ الميل بغير الحقّ ، وهو مكلّف باعتماد الصحيح ، حتى لو طلب الموكّل منه الخروجَ عنه ، لم يجز له موافقته عليه.

ولو توكّل رجل في طرفَي النكاح أو البيع ، جاز عندنا.

وعند الشافعيّة وجهان(٥) .

ومنهم : مَنْ قطع بالمنع(٦) .

ولو وكّل مَنْ عليه الدَّيْن بإبراء نفسه ، جاز عندنا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢) الظاهر : « تمنعانه ».

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ما إليه ». والمثبت - كما في العزيز شرح الوجيز - هو الصحيح.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٨١ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٩ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٤.

(٥ و ٦) بحر المذهب ٨ : ١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٧٥

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : التخريج على الوجهين.

والثاني : القطع بالجواز.

وهُما مبنيّان على أنّه(١) هل يحتاج إلى القبول؟ إن قلنا : نعم ، جرى الوجهان. وإن قلنا : لا ، قطعنا بالجواز ، كما لو وكّل مَنْ عليه القصاص بالعفو ، والعبد بإعتاق نفسه(٢) .

والوكيل بالشراء بمنزلة الوكيل بالبيع في أنّه لا يشتري من نفسه ولا مال(٣) ابنه الصغير على الخلاف السابق(٤) ، وفي تخريج شرائه من ابنه البالغ على الوجهين في سائر الصور.

مسألة ٦٩٣ : كلّ ما جاز التوكيل فيه جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل وغيبته‌ ، عند علمائنا - وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّ ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل جاز في غيبته ، كالحدود وسائر الحقوق.

وقال أبو حنيفة وبعض الشافعيّة : لا يجوز استيفاء القصاص وحدّ القذف في غيبة الموكّل - وهو الرواية الأُخرى عن أحمد - لاحتمال أن يعفو(٦) .

____________________

(١) أي : الإبراء.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩.

(٣) أي : « من مال ».

(٤) في ص ٦٨.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، المغني ٥ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٨.

(٦) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٢ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : =

٧٦

وهو بعيد ، والظاهر أنّه لو عفا ، لأعلم الوكيل ، والأصل عدمه ، وقد كان قُضاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود التي تُدرأ بالشبهات ، مع احتمال النسخ.

وكذا لا يحتاط في استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو تغيّر اجتهاد الحاكم.

مسألة ٦٩٤ : إذا وكّل عبده في إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها ، صحّ.

ولو وكّل العبد في إعتاق عبيده أو المرأة في طلاق نسائه ، لم يدخل العبد ولا المرأة في ذلك - على إشكالٍ - لأنّ ذلك ينصرف بإطلاقه إلى التصرّف في غيره.

ويحتمل أن يملكا ذلك ؛ عملاً بعموم اللفظ ، كما يجوز للوكيل في البيع البيعُ من نفسه على ما اخترناه.

وكذا لو وكّل غريمه في إبراء غرمائه ، بخلاف ما إذا وكّله في حبسهم أو في خصومتهم ، لم يملك حبس نفسه ولا خصومتها ؛ عملاً بالظاهر.

ولو وكّل رجلاً في تزويج امرأة ولم يعيّن ، فالأقرب : أنّ له أن يزوّجه ابنته ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد(١) .

ولو أذنت له في تزويجها ، فالأقرب : أنّه ليس له أن يزوّجها من نفسه ، بل لولده ووالده.

____________________

= ١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٧ - ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ١١٨ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٤٧ ، المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

٧٧

وفيه لبعض العامّة و جهان(١) .

ولو وكّله في شراء عبدٍ ، جاز أن يشتري نفسه له من مولاه.

والحكم في الحاكم وأمينه والوصي كالحكم في الوكيل في بيع أحد هؤلاء لوكيله أو لولده الصغير أو طفل يلي عليه أو لوكيله أو لعبده المأذون.

وقد سبق(٢) الخلاف في ذلك كلّه.

مسألة ٦٩٥ : لو وكّل عبداً بشراء نفسه من سيّده ، أو يشتري منه عبداً آخَر ، ففَعَل ، صحّ عندنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعيّة(٣) - لأنّه يجوز أن يشتري عبداً من غير مولاه ، فجاز أن يشتريه من مولاه ، كالأجنبيّ ، وإذا جاز أن يشتري غيره من مولاه ، جاز أن يشتري نفسه ، كالمرأة لـمّا جاز توكيلها في طلاق غيرها ، جاز توكيلها في طلاق نفسها. ولأنّه قابل للنقل وقابل للاستنابة فيه ، فلا مانع مع وجود المقتضي.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز ؛ لأنّ يد العبد كيد سيّده ، فأشبه ما لو وكّله في الشراء من نفسه ، ولهذا يُحكم للإنسان بما في يد عبده(٤) .

وهو باطل ؛ لأنّ أكثر ما يقدّر فيه جَعْل توكيل العبد كتوكيل سيّده ، وقد ذكرنا صحّة ذلك ، فإنّ السيّد يصحّ توكيله في الشراء والبيع من نفسه ،

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٢) في ص ٦٩ وما بعدها ، المسألة ٦٩١.

(٣) بدائع الصنائع ٤ : ٧٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٨ ، المغني ٥ : ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١ - ٢١٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، التنبيه : ١٠٩ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢١ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، التنبيه : ١٠٩ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢١ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣ ، المغني ٥ : ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

٧٨

فهنا أولى.

فعلى هذا لو قال العبد : اشتريت نفسي لزيدٍ ، وصدّقه سيّده وزيدٌ ، صحّ ، ولزم الثمن.

ولو قال السيّد : ما اشتريت نفسك إلّا لنفسك ، فإن جوّزناه ، عُتق العبد بقوله وإقراره على نفسه ، ويلزم العبد الثمن لسيّده ؛ لأنّ زيداً لا يلزمه الثمن ؛ لعدم حصول العبد له ، وكون سيّده لا يدّعيه عليه ، فلزم العبد ؛ لأنّ الظاهر ممّن يباشر العقد أنّه له.

وإن صدّقه السيّد وكذّبه زيدٌ ، نُظر في تكذيبه ، فإن كذّبه في الوكالة ، حلف وبرئ ، وللسيّد فسخ البيع واسترجاع عبده ؛ لتعذّر ثمنه. وإن صدّقه في الوكالة وكذّبه في أنّك ما اشتريت نفسك لي ، فالقول قول العبد ؛ لأنّ الوكيل يُقبل قوله في التصرّف المأذون فيه.

مسألة ٦٩٦ : لو وكّله في إخراج صدقته على المساكين وهو منهم ، أو أوصى إليه بتفريق ثلثه عليهم ، أو دفع إليه مالاً وأمره بتفريقه على مَنْ يريد أو يدفعه إلى مَنْ شاء ، ففي جواز الأخذ منه روايتان تقدّمتا(١) .

وقال أحمد : لا يجوز ؛ لأنّه أمره بتنفيذه(٢) .

وأصحابنا قالوا : إذا أخذ شيئاً ، فلا يفضّل نفسه ، بل يأخذ مثل ما يعطي غيره.

وهل هذا على سبيل(٣) الوجوب ، أو الاستحباب؟ نظر.

وهل له الاختصاص إذا سوّغ له تخصيص واحدٍ به؟ إشكال.

____________________

(١) في ج ٥ ، ص ٣٦٠ ، المسألة ٢٧٢.

(٢) المغني ٥ : ٢٤١.

(٣) في « ج ، ر » : « وجه » بدل « سبيل ».

٧٩

وله أن يعطي ولده وأ باه وامرأته ومَنْ تلزمه نفقته مع الاستحقاق.

وعن أحمد روايتان(١) .

مسألة ٦٩٧ : إذا وكّله في البيع مؤجَّلاً ، فإن قدّر الأجل صحّ التوكيل ، وإن أطلق فالأقرب : الجواز ، ويرجع في ذلك إلى مصلحة الموكّل ، والمتعارف إن كان فيه عرف.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه لا يصحّ التوكيل مع الإطلاق ؛ لاختلاف الأغراض بتفاوت الآجال طولاً وقصراً.

وأصحّهما عندهم : الصحّة.

وعلى ما ذا يُحمل؟ فيه ثلاث أوجُه :

أحدها : أنّه ينظر إلى المتعارف في مثله ، فإن لم يكن فيه عرفٌ راعى الوكيلُ الأنفعَ للموكّل.

والثاني : له التأجيل إلى أيّة مدّة شاء ؛ عملاً بإطلاق اللفظ.

والثالث : يؤجّل إلى سنة ولا يزيد عليها ؛ لأنّ الديون المؤجَّلة تتقدّر بها ، كالجزية والدية(٢) .

البحث الثاني : فيما يملك الوكيل بالبيع

مسألة ٦٩٨ : إذا وكّله في البيع مطلقاً ، لم يملك الوكيل قبض الثمن ،

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٤١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦١ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٣ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ - ٢٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٦ ، البيان ٦ : ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٩.

٨٠

وروى النسائي في: ٨/١١٥:

عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحب علياً منافق، ولا يبغضه مؤمن. وقال: هذا حديث حسن.

ورواه النسائي أيضاً في خصائص علي ٥/١٣٧

وابن ماجة: ١/٤٢

والترمذي: ٤/٣٢٧ وج ٥/٥٩٤

وأحمد في مسنده: ٢/٥٧٩ و٦٣٩ وفي فضائل الصحابة: ٢/٢٦٤

وعبد الرزاق في مصنفه: ١١/٥٥

وابن أبي شيبة في مصنفه: ١٢/٥٦

والحاكم في المستدرك: ٣ ص ١٢٩، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه! ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك.

ورواه الطبراني في الاوسط: ٣/٨٩

والهيثمي في مجمع الزوائد: ١٢٩٩، وقال: رجال أبي يعلى رجال الصحيح.

ورواه الخطيب في تاريخ بغداد عن صحابة متعددين في: ٢/٧٢ و٤/٤١ و١٣/٣٢/١٥٣ و١٤/٤٢٦ و٢/٢٥٥

والبيهقي في سننه: ٥/٤٧

وابن عبد البر في الاستيعاب: ٣/٣٧

وفي الترمذي: ٥/٦٠١:

عن الأعمش: إنه لا يحبك إلا مؤمن. وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح.

وفي الطبراني الكبير: ١/٣١٩ و٢٣/٣٨٠:

عن أبي الطفيل قال: سمعت أم سلمة تقول: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله. ورواه الهيثمي في الزوائد: ٩/١٣٢

٨١

وفي فردوس الأخبار: ٣/٦٤:

عن ابن عباس أن النبي ( ص ) قال: علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً.

عن أبي ذر أن النبي ( ص ) قال: علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي. حبه إيمانٌ، وبغضه نفاق، والنظر اليه رأفة ومودة وعبادة.

**

وفي صحيح مسلم: ١/٦٠، تحت عنوان: باب حب علي من الايمان.

عن زر بن حبيش قال قال عليعليه‌السلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إليّ، أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق.

ورواه ابن ماجة: ١/٤٢

والنسائي في سننه: ٨/١١٥ و١١٧ وفي خصائص علي: ١٣٧٥

وأحمد في مسنده: ١/٨٤ و٩٥ و١٢٨ وفي فضائل الصحابة: ٢/٢٦٤

وابن أبي شيبة في المصنف: ١٢/٥٦

وعبد الرزاق في المصنف: ١١/٥٥

وابن أبي عاصم في السنة: ٥٨٤٢

وابن حبان في صحيحه: ٩/٤٠

والخطيب في تاريخ بغداد: ٢/٢٥٥ و١٤/٤٢٦

وابن عبد البر في الاستيعاب: ٣/٣٧

وأبو نعيم في حلية الأولياء: ٨/١٨٥

وابن حجر في الاصابة: ٢/٥٠٣

والحاكم في المستدرك: ٣/١٣٩

والبيهقي في سننه: ٥/٤٧

وابن حجر في فتح الباري: ٧/٥٧

٨٢

وفي مسند أبي يعلى: ١/٢٣٧:

عن الحارث الهمداني قال: رأيت علياً جاء حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قضاء قضاه الله على لسان نبيكم النبي الأمي صلى الله عليه و( آله ) وسلم إليّ: إنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق، وقد خاب من افترى.

وفي فتح الباري: ٧/٧٢:

وفي كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه يقول: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجمانها على المنافق على أن يحبني ما أحبني! وذلك أنه قضي فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه و ( آله ) وسلم أنه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق.

وهو في نهج البلاغة: ٢/١٥٤، شرح محمد عبده، وقال ابن أبي الحديد في شرحه ٢/٤٨٥: في الخبر الصحيح المتفق عليه أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، وحسبك بهذا الخبر، ففيه وحده كفاية:

وقال ابن أبي الحديد في موضع آخر كما في هامش بحار الأنوار: ٣٩/٢٩٤:

قال شيخنا أبو القاسم البلخي: قد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب عند المحدثين فيها أن النبي قال له: لا يبغضك إلا منافق ولا يحبك إلا مؤمن.

وفي بشارة المصطفى للطبري الشيعي/١٠٧:

أخبرنا الشيخ الفقيه المفيد أبو علي الطوسيرحمه‌الله بقراءتي عليه في شعبان سنة إحدى عشرة وخمسمائة بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: أخبرنا السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسين الطوسيرحمه‌الله قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثيرحمه‌الله قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي قال: حدثنا علي بن العباس بن الوليد قال: حدثنا ابراهيم بن بشير بن خالد قال: حدثنا منصور بن يعقوب قال: حدثنا عمرو بن ميمون، عن ابراهيم

٨٣

بن عبدالأعلى، عن سويد بن غفلة قال: سمعت علياًعليه‌السلام يقول: والله لو صببت الدنيا على المنافق صباً ما أحبني، ولو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن لأحبني، وذلك أني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق! انتهى.

ورواه محمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين ( ع ): ٢/٤٨٤، والفتال النيسابوري في روضة الواعظين/٢٩٥

**

وفي فردوس الأخبار: ٥/٣١٦:

قال النبي ( ص ): يا علي محبك محبي، ومبغضك مبغضي.

ونحوه في الطبراني في الأوسط: ٣/٨٩، عن عمران بن حصين.

وأحمد في فضائل الصحابة: ٢/٦٣٩، عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

والحاكم في: ٣/١٣٠، عن سلمان الفارسي. وفي: ٣/١٢٩، عن أبي ذر الغفاري

والهيثمي في مجمع الزوائد: ٩/١٢٩، عن أبي يعلى، عن أبي رافع.

وفي تاريخ بغداد: ٩/٧٢، وفي: ٤/٤١، وفي: ١٣/٢٣، عن ابن مسعود، وفي ص١٥٣، عن ابن عباس.

ورواه أيضاً في: ٩/٧٢، وروى فيها: عن عمار بن ياسر قال سمعت رسول الله يقول لعلي: يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك.

وروى الحاكم في المستدرك: ٣/١٢٨:

عن ابن عباس قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال: يا علي أنت سيدٌ في الدنيا وسيدٌ في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي!! صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ورواه في تاريخ بغداد: ٤/٤١، وفي فردوس الأخبار: ٥/٣٢٤

٨٤

وفي الطبراني الأوسط: ٣/٨٩:

عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: إن الله تبارك وتعالى زينك بزينة لم يزين العباد بزينة مثلها! إن الله تعالى حبب اليك المساكين والدنو منهم، وجعلك لهم إماما ترضى بهم، وجعلهم لك أتباعاً يرضون بك، فطوبى لمن أحبك وصدق عليك، وويلٌ لمن أبغضك وكذب عليك.

فأما من أحبك وصدق عليك فهم جيرانك في دارك، ورفقاؤك من جنتك.

وأما من أبغضك وكذب عليك، فإنه حق على الله عز وجل أن يوقفهم مواقف الكذابين.

**

وفي مستدرك الحاكم ص ١٣٨:

عن علي بن أبي طلحة قال: حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة، ومعنا معاوية بن حديج، فقيل للحسن: إن هذا معاوية بن خديج الساب لعلي، فقال علي به، فأتي به فقال: أنت الساب لعلي؟!

فقال: ما فعلت!

فقال: والله إن لقيته، وما أحسبك تلقاه يوم القيامة، لتجده قائماً على حوض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يذود عنه رايات المنافقين، بيده عصاً من عوسج.. حدثنيها الصادق المصدوق، وقد خاب من افترى. هذا حديث صحيح الاسناد، ولم يخرجاه. انتهى.

وفي مسند أبي يعلى: ٦/١٧٤:

عن علي بن أبي طلحة مولى بني أمية قال: حج معاوية بن أبي سفيان وحج معه معاوية بن خديج، وكان من أسب الناس لعلي، قال: فمر في المدينة وحسن بن علي ونفرٌ من أصحابه جالسٌ فقيل له: هذا معاوية بن خديج الساب لعلي! قال: عليّ بالرجل، قال: فأتاه رسول فقال: أجب.

٨٥

قال من؟

قال: الحسن بن علي يدعوك، فأتاه فسلم عليه.

فقال له الحسن: أنت معاوية بن خديج؟

قال: نعم.

فرد ذلك عليه، قال: فأنت الساب لعلي بن أبي طالب؟!

قال: فكأنه استحيا.

فقال له الحسن: أما والله لئن وردت عليه الحوض، وما أراك ترده، لتجدنه مشمر الازار على ساق، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل. قول الصادق المصدوق، وقد خاب من افترى.

ورواه أبو يعلى في مسنده: ١٢/١٣٩، والطبراني في الأوسط: ٣/٢٢، وفي الكبير: ٩١٣، وفي مجمع الزوائد: ٩/١٣٠، و٢٧٢

وفيه: قال يا معاوية بن خديج إياك وبغضنا، فإن رسول الله قال: لا يبغضنا ولا يحسدنا أحدٌ إلا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار.

ورواه في مختصر تاريخ دمشق: ١٢ جزء ٢٤/٣٩٣، وفي كفاية الطالب/٨٩، عن أبي كثير، ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ٨ جزء ١٥/١٨، عن المدائني .

**

وفي شواهد التنزيل للحسكاني: ١/٥٥١ ح ٥٨٥:

بسنده عن جابر وأنس قالا قال رسول الله ( ص ): يا علي، لو أن أمتي أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار.

وفي شواهد التنزيل: ١/٥٥٠ ح ٥٨٣:

بسنده عن جابر قال: قال رسول الله ( ص ) يا علي، لو أن أمتي صاموا حتى صاروا كالأوتاد، وصلوا حتى صاروا كالحنايا، ثم أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار!!

٨٦

وفي شواهد التنزيل: ١/٤٩٦ ح ٥٢٤:

بسنده عن جابر قال: خطبنا رسول الله ( ص ) فسمعته يقول: من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً.

وفي شواهد التنزيل: ١/٥٥٠ ح ٥٨٤:

بسنده عن أبي سعيد قال: قتل قتيل بالمدينة على عهد النبي ( ص )... فقال: والذي نفس محمد بيده لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أكبه الله عز وجل في النار على وجهه.

وفي بشارة المصطفى للطبري الشيعي/٢٠٤:

قال حدثنا الهيثم بن حماد، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك قال: رجعنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قافلين من تبوك فقال في بعض الطريق: ألقوا إلى الأحلاس والأقتاب ففعلوا، فصعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخطب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: معاشر الناس مالي أراكم إذا ذكر آل ابراهيم تهللت وجوهكم، فإذا ذكر آل محمد كأنما يفقأ في وجوهكم حب الرمان!!

والذي بعثني نبياً لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال، ولم يجيء بولاية علي بن أبي طالب لأكبه الله عز وجل في النار!!

**

محاولة ابن حجر تجريد علي من هذه الفضيلة!!

قال في فتح الباري: ١/٦٣:

وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي ( ص ) قال له: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الاكرام، لما لهم من حسن الغناء في الدين!

قال صاحب المفهم: وأما الحروب الواقعة بينهم، فإن وقع من بعضهم بغض فذاك من غير هذه الجهة، بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة! ولذلك لم يحكم

٨٧

بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام، للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد!! والله أعلم.

وقال في فتح الباري: ٧/٧٢، في شرح رواية البخاري: ١/٥٢٥ ): لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله ورسوله: وقوله في الحديثين إن علياً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله: أراد بذلك وجود حقيقة المحبة، وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة.

وفي الحديث تلميح بقوله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، فكأنه أشار الى أن علياً تام الاتباع لرسول الله ( ص ) حتى اتصف بصفة محبة الله له، ولهذا كانت محبته علامة الايمان وبغضه علامة النفاق، كما أخرجه مسلم من حديث علي نفسه، قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي ( ص ) أن لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق. وله شاهد من حديث أم سلمة عند أحمد. انتهى.

فقد حاول ابن حجر أن يميع شهادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام في خيبر، وشهادته له بأن حبه وبغضه ميزان الايمان.. ويجعلهما شهادتين عامتين لكل الصحابة!!

أما في خيبر فقد حاصر المسلمون خيبر وفتحوا عددا من حصونها، ولكنهم عجزوا عن فتح أهم حصن فيها ( حصن السلالم )!

وكانت آخر محاولتين لفتحه حملتان، قاد المسلمين في الأولى منهما أبو بكر، وما أن اقتربوا من الحصن حتى واجهتهم دفاعات اليهود من أعلى الحصن بوابل السهام والأحجار.. فانهزموا راجعين الى مقر قيادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

وفي اليوم التالي قاد الحملة عمر بن الخطاب فتكرر نفس المشهد وأشد، فانهزم المسلمون ورجعوا، وهم يجبنون عمر وهو يجبنهم!!

عندها غضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال كلمته الخالدة ( لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ) وكان علي مريضاً برمد العينين، فأحضره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومسح بريقه على عينيه فشفاه الله

٨٨

تعالى، وأعطاه الراية، فتقدم علي أمام المسلمين وصعد في جبل الحصن قبلهم، وهو يدفع السهام والأحجار حتى تكسر ترسه، وتمكن من الصعود الى باب الحصن وبه جراحات، فاستعان بالله تعالى ودحا الباب الحديدي الضخم فانفتح، فدخل عليهم وحده وقتل فارسهم مرحباً، ورفع صوته بالتكبير، ففهم المسلمون أنه النصر، فدخلواالحصن على أثره وأكملوا تحريره!!

فانظر كيف حاول ابن حجر توسيع هذه الشهادة النبوية لتشمل كل الصحابة، ويغمض عينيه عن خصوصياتها المتعددة، التي لا تنطبق إلا على علي؟!

والأعجب من ذلك أنه عمد الى الميزان الالَهي لإيمان الأمة، والذي هو ميزان منصوص، لشخص مخصوص، فجعله ميزاناً واسعاً ضائعاً مائعاً متناقضاً! فقال:

وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة، لتحقق مشترك الاكرام، لما لهم من حسن الغناء في الدين!

يعني بذلك أن حب كل واحد من الصحابة علامة على الايمان، وبغض أي واحد منهم علامة على النفاق، لأنهم جميعاً شاركوا في نصرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !

يفعل ابن حجر ذلك وهو يعلم أن غرض الإسلام من التأكيد على حب عليعليه‌السلام أن يضع للأمة خطاً ومقياساً ليعرف به هدى المهتدين به، وكذب المنافقين في ادعائهم الإسلام.

وكيف يعقل ابن حجر أن يكون الصحابة جميعاً مقياساً لذلك، وعددهم عنده أكثر من مئة ألف، وقد كانوا في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مختلفي المشارب والاتجاهات والمستويات، وصاروا بعده أكثر اختلافاً وعداوة وبغضاء.. حتى انقسمت الأمة بسببهم الى محب لهم ومبغض، وقامت بينهم الحروب!!

فلو جعلنا بغضهم مقياساً للنفاق، فقد نفينا وجود منافقين في الأمة!

لأن المنافقين في زمنه وبعده، إما صحابة أو يحبون أحداً من الصحابة!

وذلك تكذيب للقرآن حيث أخبرا بوجود منافقين في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٨٩

كما أن مقياس ابن حجر يسبب مشكلة عقيدية على الصحابة أنفسهم.. لأنه لا يكاد يوجد صحابي إلا وأبغض صحابياً آخر، فيكونون جميعاً بهذا المقياس ( الحجري ) منافقين!!

**

وقد حاول ابن حجر أن يخلص من هذه الورطة فنقل عن صاحب المفهم كلاماً غير مفهم، مفاده أن الصحابة قد أبغضوا بعضهم، وقد اشتهر بغض معاوية لعلي، ولكن هذا البغض بزعمه ليس نفاقاً! لأن قصد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن علامة النفاق هو بغض علي بسبب نصرته للنبي فقط.. وأما بغضه لسبب آخر فهو حلالٌ زلال، لا يوجب نفاقاً ولا هم يحزنون!!

وهي حيلةٌ وجدها علماء الخلافة القرشية قبل ابن حجر، فحللوا بها بغض علي، وزعموا أن التأكيد النبوي المطلق مخصوص بمن أبغضه لنصرته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقط! فلا يشمل الذين يبغضونه لأسباب أخرى غير النصرة!!

وقد تشبثوا بتلك الحيلة لرفع حكم النفاق عن معاوية، وتبرير أمره بلعن عليعليه‌السلام على منابر الإسلام في خطب الجمعة عشرات السنين، وتشريد أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومطاردتهم في كل صقع، وتقتيل شيعتهم وهدم بيوتهم، وتقريب مبغضيهم ولاعنيهم، وإعطائهم مناصب الدولة!!

وقد تمسك بهذه الحيلة بعض فقهاء النواصب في عصر ابن حجر، ودافعوا بها أمام القضاة السنيين، الذين أصدروا حكمهم على ابن تيمية، بأنه ناصبي منافق مبغض لعليعليه‌السلام ! فقال المدافعون: إن بغضه لعلي الذي ليس بسبب نصرته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو مثل معاوية يبغض علياً لأسباب أخرى، فبغضه له حلالٌ لا يصير بسببه من المنافقين، كما أن معاوية لم يصر من المنافقين!!

ولكنه منطق متهافت:

أولاً، لأن كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صريح في الاطلاق والعموم.. فأين دليلهم على التخصيص، وأين المخصص والمقيد من عقل أو نقل؟

٩٠

وثانياً، أنهم بذلك جوزوا للمسلمين أن يصيروا كلهم رافضة، وأن يبغضوا الصحابة ويلعنوهم لأسباب أخرى غير نصرتهم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

فما دام بغض معاوية والنواصب ولعنهم علياً حلالٌ، وهم مصدقون في ادعائهم أن بغضهم له لسبب آخر غير النصرة! فكل مسلم يجوز له أن يبغض من شاء من الصحابة ويلعنهم، ويكفي لتبرئته أن يزعم أن ذلك لسبب آخر غير النصرة!!

والواقع أن ابن حجر وأمثاله يعرفون أن علياً هو المقياس النبوي الالَهي للايمان في الأمة في حياة النبي وبعده، ويروون في الصحاح قصة بغض بريدة وخالد وغيرهما لعلي وغضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم لذلك!

ولكن علماء الخلافة يجادلون نبيهم، ويحتالون على أحاديثه تخصيصاً وتوسيعاً وتمييعاً، لمصلحة مبغضي أهل بيت نبيهم من قبائل قريش الأخرى، التي أشربوا حبها على حساب أهل بيت نبيهم!! ولله في خلقه شؤون.

**

قصة بريدة وحدها حجّة بالغة

روت الصحاح السنية قصة بريدة، ولكنها اختصرتها وحذفت منها!!

وما بقي منها عظيم! وخلاصتها:

أن الصحابي بريدة الأسلمي اعترف بأنه كان مع عدد من الصحابة القرشيين في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يبغضون علياًعليه‌السلام ويعملون ضده!

وذات يوم أرسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جيشين الى اليمن، أحدهما بقيادة علي، والآخر بقيادة خالد بن الوليد، فاختار بريدة أن يذهب مع جيش خالد، لأن خالداً على خطه في بغض عليعليه‌السلام .

وتوغل جيش علي داخل اليمن، وأنجز الجيشان مهماتهما العسكرية، كل في جبهته، وانتصرا وغنما ثم التقيا، فصار القائد عليهما علياً كما أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٩١

وكان خالد ومبغضو علي يراقبون حركات علي وسكناته، لعلهم يجدون عليه مأخذاً ينتقدونه به، ويضعفون شخصيته عند المسلمين، أو عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !

وعندما وزع على الغنائم وعزل منها الخمس للرسول وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اختار منه جارية فقوم قيمتها وحسبها من سهمه من الخمس، ولعله تزوجها.

فرأى خالد في ذلك نصراً عظيما على علي وكتب رسالة الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأرسلها مع وفد من ثلاثة أشخاص، وأرسل معهم بريدة شاهداً مصدقاً للرسالة!

ومفاد الرسالة أن علياً خان غنائم المسلمين وأخذ جارية لنفسه، وتزوج على بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !

ووصل بريدة الى المدينة، واتصل بمبغضي علي وبشرهم برسالة خالد ضد علي ففرحوا بها، وأوصوه أن يقدم معها تقريراً شفهياً قوياً ضد علي، حتى تسقط مكانته عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويرتاحوا من شره في المستقبل!!

وقام بريدة بالمهمة كما أرادوا، ولكن النتيجة كانت معكوسة عليهم تماماً!

فقد غضب النبي غضباً شديداً من رسالة خالد وتقرير بريدة، ومن حركة الصحابة الذين يقفون وراءهما ضد علي.. وكشف لهم حقائق تتعلق بعلي، تضمنتها أحاديث بريدة الصحيحة في مصادر السنة والشيعة، ومن أهم نقاطها ما يلي:

أولاً: أن علياً بأمر الله تعالى خليفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وولي المسلمين من بعده.

ثانياً: أنه لا يتصرف من عنده أبداً، حتى عندما يكون في اليمن بعيداً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بل كل تصرفات إما أن تكون بأمر الرسول، أو بإلهام الله تعالى!!

ثالثاً: أن علياً مع النبي وآله، هم أصحاب الخمس الشرعيون في الغنائم وغيرها، فحق علي في الخمس أكثر من جارية.

رابعاً: أن خبر زواج علي أو تسريه على زوجته فاطمة الزهراءعليهما‌السلام ، خاصة عندما يكون في سفر، لايؤذيها ولا يؤذي أباها، لأنهما لايخالفان شرع الله، ولأنهما على ثقة منه، ومن مقامه الذي خصه به الله تعالى.

٩٢

خامساً: أن مبغضي علي إما منافقون أو كفار.. وعلى مبغضيه من الصحابة أن يتوبوا من ذلك ويجددوا إسلامهم، ويستغفروا الله تعالى ويستغفر لهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عسى أن يغفر نفاقهم أو ارتدادهم، ويقبل توبتهم وإسلامهم!!

وبالفعل فقد جدد بريدة إسلامه، وتاب من بغض علي وأخذ يحبه، وطلب من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستغفر له!

أما الباقون فلم نسمع بتوبتهم!

وفيما يلي نستعرض عدداً من نصوص القضية، التي تحتاج من الباحث والقارئ الى تأمل لكي يفهم مداليلها، ويعرف هدف الرواة من صياغاتهم لها بأشكال مخففة، ويفهم معنى تعليقات الحاكم في مستدركه على رواياتها الصحيحة على شرط البخاري ومسلم، اللذين تجاهلاها أو بتراها!!

ولنبدأ بإحدى روايات مسند أحمد المتعددة، قال في: ٥/٣٥٦:

عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين الى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده، فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى على امرأة من السبي لنفسه.

قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخبره بذلك!

فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقريء عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يارسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أرسلت به.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي، وإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي!!

٩٣

وقال الحاكم في المستدرك: ٢/١٢٩:

عن عبد الله بن بريدة الأسلمي قال إني لأمشي مع أبي إذ مر بقوم ينقصون علياًرضي‌الله‌عنه يقولون فيه! فقام فقال: إني كنت أنال من علي وفي نفسي عليه شيء، وكنت مع خالد بن الوليد في جيش، فأصابوا غنائم، فعمد علي الى جارية من الخمس فأخذها لنفسه، وكان بين علي وبين خالد شيء، فقال خالد هذه فرصتك! وقد عرف خالد الذي في نفسي على علي، قال فانطلق الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاذكر ذلك له، فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فحدثته، وكنت رجلاً مكباً وكنت إذا حدثت الحديث أكببت، ثم رفعت رأسي فذكرت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الجيش، ثم ذكرت له أمر علي، فرفعت رأسي وأوداج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد احمرت! قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت وليه فإن علياً وليه. وذهب الذي في نفسي عليه.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما أخرجه البخاري من حديث علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه مختصراً، وليس في هذا الباب أصح من حديث أبي عوانة هذا، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة.

وهذا رواه وكيع بن الجراح، عن الأعمش، أخبرناه أبو بكر بن اسحاق الفقيه، أنبأ موسى بن اسحاق القاضي، ثنا عبد الله بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، أنه مر على مجلس... ثم ذكر الحديث بطوله. انتهى.

وقال عنه في مجمع الزوائد: ٩/١٠٨: ورجاله رجال الصحيح. وورد فيه ( فقلت لا أسوؤك فيه أبداً ).

وروى الحاكم القصة أيضاً: ٣/١١٠:

وفيها أن مبغضي علي كانوا أربعة، وأنهم تعاقدوا فيما بينهم على شكايته الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال الحاكم:

٩٤

عن عمران بن حصينرضي‌الله‌عنه قال بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سرية، واستعمل عليهم علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، فمضى علي في السرية فأصاب جارية، فأنكروا ذلك عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لقينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرناه بما صنع علي!

قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنظروا اليه وسلموا عليه ثم انصرفوا الى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا!!

فأعرض عنه!

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك، فأعرض عنه!

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك، فأعرض عنه!

ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا!

فأقبل عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والغضب في وجهه فقال:

ما تريدون من علي! إن علياً مني وأنا منه، وولي كل مؤمن. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. انتهى.

وروى نحوه آخر، وصححه على شرط مسلم أيضاً.

**

أما البخاري فهو على عادته في أمثال هذا الحديث، إما أن يحذفه كلياً، أو يحذف منه ولاية عليعليه‌السلام ويرويه مبتوراً!

قال في صحيحه: ٥/١١٠:

عن عبد الله بن بريدة عن أبيهرضي‌الله‌عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً الى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض علياً، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى الى هذا؟

٩٥

فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: يا بريدة أتبغض علياً؟

قلت: نعم.

قال: لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك. انتهى.

بل نلاحظ أن البخاري زهد في بريدة بسبب أحاديثه في فضل علي، وطبق عليه مذهبه في الاقلال من الرواية عن الصحابة والرواة الذين يحبون علياً، ومنهم بريدة الاسلمي!! فقد رووا عنه في الصحاح وغيرها أكثر من مئتي حديث، ولكن البخاري لم يرو منها في صحيحه بعدد أصابع اليد الواحدة!!

كما أنه في تاريخه، ترجم لعشرات النواصب ومدحهم بمدائح كبيرة، ولكنه اختصر في ترجمة بريدة جداً، لأنه لا يحبه ولا يحب الاطالة في ترجمته!

والحديث الوحيد الذي ذكره في ترجمته حديث عام سيأتي!

قال البخاري في تاريخه: ٢/١٤١:

بريدة بن حصيب الأسلمي له صحبة، نزل البصرة، قال لي عياش: حدثنا عبد الأعلى قال: ثنا الجريري عن أبي نضرة قال: كنت بسجستان فإذا بريدة الأسلمي فجلست اليه، قال لي محمد بن مقاتل: أخبرنا معاذ، حدثنا عبد الله بن مسلم السلمي من أهل مرو، سمعت عبد الله بن بريدة يقول: مات والدي بمرو وقبره بجصين. وقال: هو قائد أهل المشرق يوم القيامة ونورهم.

وقال ابن بريدة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أيما رجل من أصحابي مات ببلدة فهو قائدهم ونورهم يوم القيامة، فقال: مات في خلافة يزيد بن معاوية، ومات بعده الحكم بن عمرو الغفاري، ودفن الى جنبه. انتهى.

وهذه الترجمة المختصرة من البخاري، لا تناسب شخصية بريدة، وكثرة أحاديثه في المصنفات والصحاح.

بل نلاحظ أن البخاري يروي عن عبد الله بن بريدة، ولكن عن غير أبيه.. مع أن

٩٦

روايات عبد الله عن أبيه كثيرة، ومنتشرة في المصادر!!

والسبب في ذلك: أن عبد الله مقبولٌ عند الخلافة القرشية أكثر من أبيه، وكان قاضياً عندهم على مرو، وكثيراً ما نراه يحذف من أحاديث أبيه بريدة ما يتعلق بولاية عليعليه‌السلام وفضائله! وهذا ما يريده البخاري!

وقد وجدت للبخاري رواية واحدة من روايات بريدة في حق عليعليه‌السلام ، وهي ( فلتةٌ )، ذكرها تاريخه في ترجمة أبي ربيعة الأيادي!

ولكن البخاري ألف تاريخه في شبابه قبل صحيحه، ولعله كان أحسن حالاً على علي يومذاك، قال في: ٩/٣١:

حدثنا محمد بن الطفيل قال: نا شريك، عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أمرني بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني أنه يحبهم.

فقلنا يا رسول الله من هم، فكلنا نحب أن نكون منهم؟

فقال: إن علياً منهم، ثم سكت ساعة، ثم قال: إن علياً منهم، وسلمان الفارسي، وأبا ذر، والمقداد بن الأسود الكندي. انتهى.

وهذا الحديث يدل على أن هؤلاء الأربعة هم صفوة الله تعالى من الصحابة، وهو بالحقيقة اصطفاء لعلي وحدهعليه‌السلام ، لأن هؤلاء الثلاثة هم كبار شيعة علي وأتباعه في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده! خاصة مع ملاحظة تأكيد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على علي من بينهم.

ويدل حديث بريدة الذي فلت به قلم البخاري، على أن بقية الصحابة لم يبلغوا مستوى أن يأمر الله تعالى رسوله والمسلمين بحبهم!

وقد روى هذا الحديث الحاكم في: ٣/١٣٠، وصححه على شرط مسلم، وفي نصه تأكيد أكثر على علي،ورواه الترمذي: ٥/٢٩٩

ولا يبعد أن يكون هذا الحديث جزءاً مما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لبريدة عندما جاء بالرسالة من اليمن، أو جواباً نبوياً آخر لخطط مبغضي علي التي تواصلت ضده!

٩٧

كما روى الترمذي حديثاً آخر عن بريدة في: ٥/٣٦٠، جاء فيه أن علياً وفاطمة أحب الناس الى النبي على الإطلاق.

على أن هناك سبباً آخر لاقلال البخاري من أحاديث بريدة، قد لا يقل عند محبي قبائل قريش عن أحاديث بريدة في فضائل عليعليه‌السلام .

وهو موقف بريدة من السقيفة وبيعة أبي بكر! فقد ذكرت الروايات أنه كان مسافراً الى الشام، ورجع الى المدينة بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقليل، وتفاجأ ببيعة أبي بكر، فأعلن عدم شرعية السقيفة، وذهب الى قبيلته القريبة من مكة ونصب الراية في وسطهم، وأعلن الاعتصام والنفير، حتى يأمرهم علي بأمره!

فاستجابت له قبيلته، وكانت أول تهديد مسلح ضد أهل السقيفة! ولذلك صرح عمر أنه بقي متخوفاً من عدم نجاح بيعة السقيفة ( حتى بايعت أسلم فأيقنت بالنصر! )

وقد استمرت مشكلة بريدة وقبيلته حتى أرسل اليهم عليعليه‌السلام أن الوقت فات، وأن أكثر قريش والأنصار قد بايعوا أبا بكر.. والاختلاف والحرب بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة، ليس في مصلحة الإسلام..الى آخره.

**

هذا، وقد عقد الهيثمي في مجمع الزوائد فصلاً كاملاً، أورد فيه عدداً من روايات قصة بريدة وصحح بعضها، قال في: ٩/١٢٧:

باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه:

عن بريدة يعني ابن الحصيب قال: أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً قط!

قال: وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا على بغضه علياًرضي‌الله‌عنه ، قال فبعث ذلك الرجل على جيش فصحبته، ما صحبته إلا ببغضه علياًرضي‌الله‌عنه .

قال: فأصبنا سبايا، فكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم إبعث الينا من يخمسه، قال: فبعث علياًرضي‌الله‌عنه ، وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي، قال: فخمس وقسم، فخرج ورأسه يقطر، فقلنا يا أبا الحسن ما هذا؟

٩٨

قال: ألم تروا الى الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صارت في آل علي، فوقعت بها.

قال: فكتب الرجل الى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إبعثني مصدقاً.

قال: فجعلت أقرأ الكتاب وأقول: صدق!

قال: فأمسك يدي والكتاب، وقال: أتبغض علياً؟!

قال: قلت نعم.

قال: فلا تبغضه: وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة!

قال فما كان أحد من الناس بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من علي.

قال عبد الله يعني ابن بريدة: فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلا أبو بريدة.

قلت: في الصحيح بعضه، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الجليل بن عطية وهو ثقة، وقد صرح بالسماع، وفيه لين.

وعن بريدة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين الى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده.

قال فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى على امرأة من السبي لنفسه.

قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك، فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقريء عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:

٩٩

يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أرسلت به.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.

قلت: رواه الترمذي باختصار، رواه أحمد والبزار باختصار، وفيه الأجلح الكندي وثقه ابن معين وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.

وعن بريدة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً أميراً على اليمن، وبعث خالد بن الوليد على الجبل، فقال: إن اجتمعتما فعليٌ على الناس، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله، وأخذ علي جارية من الخمس، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال: اغتنمها، فأخبر النبي ما صنع!

فقدمت المدينة ودخلت المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله، وناسٌ من أصحابه على بابه، فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟

فقلت: خيراً فتح الله على المسلمين.

فقالوا: ما أقدمك؟

قلت: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

فقالوا: فأخبر النبي، فإنه يسقط من عين النبي!! ورسول الله يسمع الكلام، فخرج مغضباً فقال:

ما بال أقوام ينتقصون علياً؟ !!

من تنقص علياً فقد تنقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني.

إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة ابراهيم، وأنا أفضل من ابراهيم، ذريةٌ بعضها من بعض، والله سميع عليم.

يا بريدة: أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليكم بعدي؟

فقلت: يا رسول الله بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً!!

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523