وسائل الشيعة الجزء ١٧

وسائل الشيعة12%

وسائل الشيعة مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 483

المقدمة الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠
  • البداية
  • السابق
  • 483 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297134 / تحميل: 183166
الحجم الحجم الحجم
وسائل الشيعة

وسائل الشيعة الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

٤٨ - باب جواز قبول الولاية من قبل الجائر مع الضرورة والخوف، وجواز إنفاذ أمره بحسب التقيّة إلّا في القتل المحرّم

[ ٢٢٣٤٤ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن الحكم، عن الحسن بن الحسين الانباري، عن أبي الحسن الرضا( عليه‌السلام ) قال: كتبت إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان، فلما كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أنّي أخاف على خيط عنقي، وإنّ السلطان يقول لي إنّك رافضي، ولسنا نشك في أنّك تركت العمل للسلطان للرفض فكتب إلى أبوالحسن( عليه‌السلام ) : فهمت كتابك(١) وما ذكرت من الخوف على نفسك، فإنّ كنت تعلم إنّك إذا وليت عملت في عملك بما أمر به رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) ثمّ تصير أعوإنّك وكتابك أهل ملتك وإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتّى تكون واحداً منهم كان ذا بذا وإلّا فلا.

محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن يعقوب نحوه(٢) .

[ ٢٢٣٤٥ ] ٢ - وبإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي قال: سئل أبو عبدالله( عليه‌السلام ) عن رجل مسلم وهو في ديوان هؤلاء وهو يحبّ آل محمّد( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) ويخرج مع هؤلاء

____________________

الباب ٤٨

فيه ١٠ أحاديث

١ - الكافي ٥: ١١١ / ٤.

(١) في نسخة: كتبك ( هامش المخطوط ).

(٢) التهذيب ٦: ٣٣٥ / ٩٢٨.

٢ - التهذيب ٦: ٣٣٨ / ٩٤٤.

٢٠١

في بعثهم فيقتل تحت رايتهم؟ قال: يبعثه الله على نيته.

قال: وسألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء إنّ يصيب معهم شيئاً فيغينه الله به فمات في بعثهم؟ قال: هو بمنزلة الاجير إنه إنّما يعطي الله العباد على نياتهم.

[ ٢٢٣٤٦ ] ٣ - وبإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن بن علي، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق، عن عمار، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) سئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: لا إلّا إنّ لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فإنّ فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت.

[ ٢٢٣٤٧ ] ٤ - محمّد بن عليّ بن الحسين في( العلل) وفي( عيون الأخبار) عن المظفر بن جعفر بن مظفر العلوي، عن جعفر بن محمّد بن مسعود العياشي، عن أبيه، عن محمّد بن نصير، عن الحسن بن موسى قال: روى أصحابنا عن الرضا( عليه‌السلام ) أنه قال له رجل: أصلحك الله كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون؟ فكأنه أنكر ذلك عليه.

فقال له أبوالحسن الرضا( عليه‌السلام ) : يا هذا أيما أفضل النبي أو الوصي؟ فقال: لا بل النبي فقال: أيما أفضل مسلم أو مشرك؟ فقال: لا بل مسلم، قال: فإنّ العزيز عزيز مصر كان مشركاً وكان يوسف( عليه‌السلام ) نبيا، وإنّ المأمون مسلم وأنا وصي، ويوسف سأل العزيز إنّ يوليه حين قال:( اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم ) (١) وأنا اجبرت

____________________

٣ - التهذيب ٦: ٣٣٠ / ٩١٥، وأورده في الحديث ٢ من الباب ١٠ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

٤ - علل الشرائع: ٢٣٨ / ٢، وعيون أخبار الرضا (عليه‌السلام ) ٢: ١٣٨ / ١.

(١) يوسف ١٢: ٥٥.

٢٠٢

على ذلك الحديث.

[ ٢٢٣٤٨ ] ٥ - وعن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريإنّ بن الصلت قال: دخلت على عليّ بن موسى الرضا( عليه‌السلام ) فقلت له: يا ابن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) ، إنّ الناس يقولون: إنّك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا، فقال( عليه‌السلام ) : قد علم الله كراهتي لذلك، فلمّا خيرت بين قبول ذلك وبين القتل أخترت القبول على القتل، ويحهم أما علموا إنّ يوسف( عليه‌السلام ) كان نبيا رسولا فلما دفعته الضرورة إلى تولي خزائن العزيز قال له:( اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم ) (١) ، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الاشراف على الهلاك، على إنّي ما دخلت في هذا الامر إلّا دخول خارج منه، فإلى الله المشتكى وهو المستعان.

[ ٢٢٣٤٩ ] ٦ - وعن الحسين بن إبراهيم بن تاتانة(٢) ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي الصلت الهروي قال: إنّ المأمون قال للرضا( عليه‌السلام ) : يا ابن رسول الله قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك، وأراك أحقّ بالخلافة مني، فقال الرضا( عليه‌السلام ) : بالعبودية لله عزّوجلّ أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، وبالورع عن المحارم ارجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله عزّوجلّ.

فقال له المأمون: فإنّي قد رأيت إنّ أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك وأبايعك، فقال له الرضا( عليه‌السلام ) : إنّ كانت هذه الخلافة لك

____________________

٥ - علل الشرائع: ٢٣٩ / ٣، وعيون أخبار الرضا (عليه‌السلام ) ٢: ١٣٩ / ٢، وأمالي الصدوق: ٦٨ / ٢.

(١) يوسف ١٢: ٥٥.

٦ - علل الشرائع: ٢٣٧ / ١، عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام ) ٢: ١٣٩ / ٣.

(٢) في العلل: الحسين بن إبراهيم بن ناتانه

٢٠٣

وجعلها الله لك فلا يجوز أن تخلع لباساً ألبسك الله، وتجعله لغيرك، وإنّ كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك إنّ تجعل لي ما ليس لك.

فقال له المأمون: يا ابن رسول الله لا بدّ لك من قبول هذا الامر، فقال: لست أفعل ذلك طائعاً أبداً، فما زال يجهد به أيّاماً حتّى يئس من قبوله، فقال له: إنّ لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك فكن وليّ عهدي لتكون لك الخلافة بعدي، فقال الرضا( عليه‌السلام ) : والله لقد حدثني أبي، عن آبائه، عن أمير المؤمنين( عليهم‌السلام ) ، عن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) أنّي أخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسم مظلوماً، تبكي عليّ ملائكة السماء والارض، وأدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد، فبكى المأمون وقال له: يا ابن رسول الله ومن الّذي يقتلك أو يقدر على الاساءة إليك وأنا حي؟ فقال الرضا( عليه‌السلام ) : أما إنّي لو أشاء إنّ أقول من الّذي يقتلني لقلت، فقال المامون يا ابن رسول الله إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك ودفع هذا الأمر عنك، ليقول الناس: إنّك زاهد في الدنيا، فقال له الرضا( عليه‌السلام ) : والله ما كذبت منذ خلقني الله عزّوجلّ، وما زهدت في الدنيا للدنيا، وإنّي لاعلم ما تريد، فقال المأمون: وما أريد؟ قال: الامإنّ على الصدق، قال: لك الامان قال: تريد إنّ يقول الناس: إنّ عليّ بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه، أما ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة؟ قال: فغضب المأمون، ثمّ قال: إنّك تتلقإنّي أبدا بما اكرهه، وقد أمنت سطوتي، فبالله اقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلّا أجبرتك على ذلك، فإنّ فعلت وإلّا ضربت عنقك.

فقال الرضا( عليه‌السلام ) : قد نهإنّي الله إنّ ألقي بيدي إلى التهلكة، فإنّ كان الامر على هذا فافعل ما بدا لك، وإنا أقبل ذلك على إنّ لا أُولّي أحداً، ولا أعزل احداً، ولا أنقض رسماً ولا سنة، وأكون في الأمر من بعيد مشيراً، فرضي بذلك منه وجعله ولي عهده على كراهية منه( عليه‌السلام ) لذلك.

٢٠٤

وفي كتاب( المجالس) بهذا السند مثله (٢) ، وكذا الّذي قبله.

[ ٢٢٣٥٠ ] ٧ - وفي( عيون الأخبار) عن عليّ بن أحمد الدقاق، عن محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي، عن محمّد بن عرفة قال: قلت للرضا( عليه‌السلام ) : يا ابن رسول الله ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟ قال: ما حمل جدي أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) على الدخول في الشورى.

[ ٢٢٣٥١ ] ٨ - وعن عليّ بن عبدالله الوراق، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: والله ما دخل الرضا( عليه‌السلام ) في هذا الأمر طائعاً ولقد حمل إلى الكوفة مكرهاً، ثمّ اشخص منها على طريق البصرة إلى فارس ثمّ إلى مرو(١) .

[ ٢٢٣٥٢ ] ٩ - وعن الحسن بن يحيى الحسيني، عن جدّه يحيى بن الحسن بن جعفر، عن موسى بن سلمة، إنّ ذا الرئاستين الفضل بن سهل خرج ذات يوم وهو يقول: واعجبا لقد رأيت عجباً، سلوني ما رأيت، قالوا: وما رأيت أصلحك الله؟ قال: رأيت أمير المؤمنين يقول لعليّ بن موسى قد رأيت إنّ أقلدك أمر المسلمين، وأفسخ ما في رقبتي، وأجعله في رقبتك.

ورأيت عليّ بن موسى يقول له: الله الله لا طاقة لي بذلك ولا قوة، فما رأيت خلافة كانت أضيع منها، أمير المؤمنين ينفضُّ(١) منها ويعرضها على

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٦٥ / ٣.

٧ - عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام ) ٢: ١٤٠ / ٤.

٨ - عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام ) ٢: ١٤١ / ٥.

(٢) فيه أنه (عليه‌السلام ) حمل إلى مرو مُكرهاً وقد مرّ في صلاة المسافر أنّه كان يقصر في الطريق، ( منه قدّه ).

٩ - عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام ) ٢: ١٤١ / ٦.

(٣) في المصدر: يتفصّى.

٢٠٥

علي بن موسى، وعلي بن موسى يرفضها ويأبى.

[ ٢٢٣٥٣ ] ١٠ - سعيد بن هبة الله الراوندي في( الخرائج والجرائح) عن محمّد بن زيد الرزامي (١) ، عن الرضا( عليه‌السلام ) أن رجلاً من الخوارج قال له: أخبرني عن دخولك لهذا الطاغية فيما دخلت له وهم عندك كفار، وأنت إبن رسول الله، فما حملك على هذا؟ فقال له أبوالحسن( عليه‌السلام ) أرأيتك هؤلاء أكفر عندك أم عزيز مصر وأهل مملكته؟ أليس هؤلاء على حال يزعمون أنهم موحدون، وأولئك لم يوحدوا الله ولم يعرفوه؟ ويوسف بن يعقوب نبي إبن نبي إبن نبي، فسأل العزيز وهو كافر فقال:( اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم ) (٢) وكان يجلس مجلس الفراعنة، وإنما أنا رجل من ولد رسول الله أجبرني على هذا الامر وأكرهني عليه ما الّذي أنكرت ونقمت علي؟ فقال: لا عتب عليك أشهد إنّك ابن رسول الله، وإنّك صادق.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٣) ، وعلى وجوب التقية عموماً(٤) ، وتحريمها في القتل(٥) .

____________________

١٠ - الخرائج والجرائح: ٢٠١.

(١) في المصدر: محمّد بن يزيد الرزامي.

(٢) يوسف ١٢: ٥٥.

(٣) تقدم في الحديث ١ من الباب ٢، وفي الحديثين ٩، ١٠ من الباب ٤٥ من هذه الأبواب

(٤) تقدم في الأبواب ٢٤، ٢٥، ٢٨ من أبواب الأمر والنهي.

(٥) تقدم في الباب ٣١ من أبواب الأمر والنهي.

٢٠٦

٤٩ - باب ما ينبغي للوالي العمل به في نفسه ومع أصحابه ومع رعيته

[ ٢٢٣٥٤ ] ١ - روى الشهيد الثاني الشيخ زين الدين في( رسالة الغيبة) بإسناده عن الشيخ الطوسي، عن المفيد، عن جعفر بن محمّد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبيه محمّد بن عيسى الاشعري، عن عبدالله بن سليمان النوفلي قال: كنت عند جعفر بن محمّد الصادق( عليه‌السلام ) فإذا بمولى لعبدالله النجاشي قد ورد عليه فسلم وأوصل إليه كتابه، ففضه وقرأه وإذا أول سطر فيه بسم الله الرحمن - إلى أن قال: - إني بليت بولاية الاهواز فإن رأى سيدي ومولاى أن يحد لى حدا أو يمثل لي مثالاً لاستدل به على ما يقربني إلى الله عزّوجلّ وإلى رسوله، ويلخص لى في كتابه ما يرى لي العمل به وفيما ابتذله وأين أضع زكاتي وفيمن أصرفها، وبمن آنس وإلى من أستريح، وبمن أثق وآمن وألجا إليه في سري؟ فعسى إنّ يخلصني الله بهدايتك فإنّك حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده، لا زالت نعمته عليك.

قال عبدالله بن سليمان: فأجابه أبو عبدالله( عليه‌السلام ) : بسم الله الرحمن الرحيم حاطك الله بصنعه ولطف بك بمنه، وكلأك برعايته فإنه ولي ذلك أما بعد فقد جاءني رسولك بكتابك فقرأته، وفهمت جميع ما ذكرت وسألته(١) عنه، وزعمت إنّك بليت بولاية الاهواز فسرني ذلك وساءني، وسأخبرك بما ساءني من ذلك، وما سرني إنّ شاء الله، فأما سروري

____________________

الباب ٤٩

فيه حديث واحد

١ - كشف الريبة: ١٢٢ / ١٠. وتقدّم وجوب العدل في الباب ٣٨ من أبواب جهاد النفس وتحريم طلب الرئاسة في الباب ٥٠ منها.

ويأتي في الأبواب ١ و ٢ و ٩ و ١٢ من آداب القاضي.

(١) في المصدر: وسألت.

٢٠٧

بولايتك، فقلت: عسى إنّ يغيث الله بك ملهوفاً خائفاً من آل محمّد( عليهم‌السلام ) ، ويعزّ بك ذليلهم، ويكسو بك عاريهم، ويقوى بك ضعيفهم، ويطفئ بك نار المخالفين عنهم، وأما الّذي ساءني من ذلك فإنّ أدنى ما أخاف عليك إنّ تعثر بولي لنا فلا تشم حظيرة القدس، فإنّي ملخص لك جميع ما سألت عنه إنّ أنت عملت به ولم تجاوزه، رجوت إنّ تسلم إنّ شاء الله، أخبرني يا عبدالله، أبي، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب( عليهم‌السلام ) ، عن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) أنه قال: من استشاره اخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبّه.

واعلم إنّي سأشير عليك برأيّ إنّ أنت عملت به تخلّصت ممّا أنت متخوفه، واعلم إنّ خلاصك مما بك من حقن الدماء، وكف الأذى عن أولياء الله، والرفق بالرعية، والتإنّي وحسن المعاشرة مع لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، ومداراة صاحبك، ومن يرد عليك من رسله، وارتق فتق رعيتك بأن توقفهم على ما وافق الحقّ والعدل إنّ شاء الله، وإيّاك والسعاة وأهل النمائم فلا يلتزقن بك أحد منهم، ولا يراك الله يوماً وليلة وأنت تقبل منهم صرفا ولا عدلا، فيسخط الله عليك، ويهتك سترك، واحذر مكر خوز الاهواز فإن أبي أخبرني، عن آبائه، عن أمير المؤمنين( عليهم‌السلام ) أنه قال: إنّ الإيمان لا يثبت في قلب يهودي ولا خوزي أبداً.

فأما من تأنس به وتستريح إليه وتلجئ أمورك اليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الأمين الموافق لك على دينك، وميّز عوامك وجرّب الفريقين، فإنّ رأيت هناك رشداً فشأنك وإياه، وإياك أن تعطى درهماً او تخلع ثوباً او تحمل على دابة في غير ذات الله لشاعر او مضحك او ممتزح إلّا أعطيت مثله في ذات الله، ولتكن جوائزك وعطإيّاك وخلعك للقواد والرسل والاجناد واصحاب الرسائل واصحاب الشرط والاخماس، وما اردت إنّ تصرفه في وجوه البر والنجاح والفتوّة والصدقة والحجّ والمشرب والكسوة الّتي تصلّي فيها وتصل بها والهدية التي تهديها إلى الله عزّوجلّ وإلى رسوله( صلى الله

٢٠٨

عليه وآله) من أطيب كسبك.

يا عبدالله، اجهد أن لا تكنز ذهباً ولا فضة فتكون من أهل هذه الآية:( الَّذينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبُ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيِلِ اللهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ ) (١) ولا تستصغرن من حلو ولا من فضل طعام تصرفه في بطون خالية تسكن بها غضب الرب تبارك وتعالى.

واعلم أنّي سمعت أبي يحدث، عن آبائه، عن أمير المؤمنين( عليهم‌السلام ) أنه سمع عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) يقول لاصحابه يوماً: ما آمن بالله واليوم الاخر من بات شبعاناً وجاره جائع، فقلنا: هلكنّا يا رسول الله، فقال: من فضل طعامكم، ومن فضل تمركم ورزقكم وخلقكم وخرقكم تطفؤون بها غضب الرب.

وسأُنبئك بهوان الدنيا وهوان شرفها على من مضى من السلف والتابعين.

ثم ذكر حديث زهد أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) في الدنيا وطلاقه لها - إلى إنّ قال: - وقد وجهت إليك بمكارم الدنيا والآخرة عن الصادق المصدّق رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) ، فإنّ أنت عملت بما نصحت لك في كتابي هذا، ثمّ كانت عليك من الذنوب والخطايا كمثل أوزان الجبال وأمواج البحار رجوت الله إنّ يتجافى عنك جلّ وعزّ بقدرته.

يا عبدالله، إيّاك إنّ تخيف مؤمنا فإنّ أبي محمّد بن عليّ حدّثني عن أبيه، عن جدّه عليّ بن أبي طالب( عليه‌السلام ) أنه كان يقول: من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه، وحشره في صورة الذر لحمه وجسده وجميع اعضائه، حتّى يورده مورده.

وحدثني أبي عن آبائه عن عليّ( عليه‌السلام ) ، عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) قال: من أغاث لهفاناً من المؤمنين أغاثه الله يوم لا ظل إلّا ظله

____________________

(١) التوبة ٩: ٣٤.

٢٠٩

وآمنه يوم الفزع الأكبر وآمنه من سوء المنقلب، ومن قضى لاخيه المؤمن حاجة قضى الله له حوائج كثيرة من إحداها الجنة، ومن كسى أخاه المؤمن من عري كساه الله من سندس الجنة واستبرقها وحريرها، ولم يزل يخوض في رضوإنّ الله ما دام على المكسو منه سلك، ومن أطعم أخاه من جوع اطعمه الله من طيبات الجنة، ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ريّه، ومن أخدم أخاه أخدمه الله من الولدان المخلّدين، وأسكنه مع أوليائه الطاهرين، ومن حمل أخاه المؤمن من رجلة حمله الله على ناقة من نوق الجنة، وباهى به الملائكة المقربين يوم القيامة، ومن زوّج اخاه المؤمن إمرأة يأنس بها وتشدّ عضده ويستريح إليها زوّجه الله من الحور العين، وآنسه بمن أحبه من الصديقين من أهل بيت نبيّه وإخوانه وآنسهم به، ومن أعان أخاه المؤمن على سلطان جائر أعانه الله على إجازة الصراط عند زلة الاقدام، ومن زار أخاه إلى منزله لا لحاجة منه إليه كتب من زوار الله، وكان حقيقا على الله إنّ يكرم زائره.

يا عبدالله، وحدثني أبي، عن آبائه، عن عليّ( عليه‌السلام ) أنّه سمع رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) يقول لاصحابه يوماً: معاشر الناس إنه ليس بمؤمن من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، فلا تتّبعوا عثرات المؤمنين، فإنه من تتبّع عثرة مؤمن اتّبع الله عثراته يوم القيامة وفضحه في جوف بيته.

وحدثني أبي، عن آبائه، عن عليّ( عليهم‌السلام ) أنه قال: أخذ الله ميثاق المؤمن إنّ لا يصدق في مقالته، ولا ينتصف من عدوّه، وعلى إنّ لا يشفي غيظه إلّا بفضيحة نفسه، لإنّ كل مؤمن ملجم، وذلك لغاية قصيرة، وراحة طويلة، وأخذ الله ميثاق المؤمن على أشياء أيسرها عليه مؤمن مثله يقول بمقالته يبغيه ويحسده، والشيطان يغويه ويضله، والسلطان يقفو أثره، ويتبع عثراته، وكافر بالله الّذي هو مؤمن به يرى سفك دمه ديناً، واباحة حريمه غنماً، فما بقاء المؤمن بعد هذا.

٢١٠

يا عبدالله، وحدثني أبي عن آبائه، عن عليّ( عليهم‌السلام ) عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) قال: نزل عليّ جبرئيل فقال: يا محمّد إنّ الله يقرأ عليك السلام ويقول: اشتققت للمؤمن اسما من أسمائي، سميته مؤمناً، فالمؤمن مني وأنا منه، من استهان مؤمناً فقد استقبلني بالمحاربة.

يا عبدالله، وحدثني أبي، عن آبائه، عن عليّ( عليهم‌السلام ) عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) قال يوماً: يا علي، لا تناظر رجلاً حتّى تنظر في سريرته فإنّ كانت سريرته حسنة فإنّ الله عزّوجلّ لم يكن ليخذل وليه، فإنّ تكن سريرته ردية فقد يكفيه مساويه، فلو جهدت إنّ تعمل به اكثر مما عمل من معاصي الله عزّوجلّ ما قدرت عليه.

يا عبدالله وحدثني أبي، عن آبائه، عن عليّ( عليهم‌السلام ) ، عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) أنه قال: أدنى الكفر إنّ يسمع الرجل من أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد إنّ يفضحه بها( أُولئِكَ لَا خَلاقَ لَهُم ) (١) .

يا عبدالله، وحدثني أبي، عن آبائه، عن عليّ( عليهم‌السلام ) انه قال: من قال في مؤمن ما رأت عيناه، وسمعت أذناه ما يشينه ويهدم مروءته فهو من الّذين قال الله عزّوجلّ:( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٢) .

يا عبدالله، وحدثني أبي، عن آبائه، عن عليّ( عليهم‌السلام ) قال: من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروءته وثلبه أو بقه الله بخطيئته حتّى يأتي بمخرج مما قال، ولن يأتي بالمخرج منه أبداً، ومن أدخل على أخيه المؤمن سروراً فقد أدخل على اهل البيت سروراً، ومن أدخل على

____________________

(١) آل عمران ٣: ٧٧.

(٢) النور ٢٤: ١٩.

٢١١

أهل البيت سروراً فقد أدخل على رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) سروراً، ومن أدخل على رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) سروراً فقد سرّ الله، ومن سرّ الله فحقيق على الله عزّوجلّ إنّ يدخله جنته.

ثم إني أوصيك بتقوى الله، وإيثار طاعته، والاعتصام بحبله، فإنّه من اعتصم بحبل الله فقد هدي إلى صراط مستقيم، فاتق الله ولا تؤثر أحداً على رضاه وهواه، فإنّه وصيّة الله عزّوجلّ إلى خلقه لا يقبل منهم غيرها، ولا يعظم سواها، واعلم إنّ الخلائق لم يوكلوا بشيء اعظم من التقوى، فإنه وصيّتنا أهل البيت، فإنّ استطعت إنّ لا تنال من الدنيا شيئاً تُسأل عنه غداً فافعل،

قال عبدالله بن سليمان: فلما وصل كتاب الصادق( عليه‌السلام ) إلى النجاشي نظر فيه، وقال: صدق والله الّذي لا إله إلّا هو مولأيّ فما عمل أحد بما في هذا الكتاب إلّا نجا، فلم يزل عبدالله يعمل به أيّام حياته.

٥٠ - باب عدم جواز التصدق بالمال الحرام إذا عرف أربابه

[ ٢٢٣٥٥ ] ١ - الفضل بن الحسن الطبرسي في ( مجمع البيان ) عن أبي عبدالله (عليه‌السلام ) في قوله تعالى:( وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنهُ تُنفِقُونَ ) (١) إنها نزلت في أقوام لهم أموال من ربا الجاهلية وكانوا يتصدقون منها فنهاهم الله عن ذلك، وأمر بالصدقة من الحلال الطيّب.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك هنا(٢) ، وفي الصدقة(٣) .

____________________

الباب ٥٠

فيه حديث واحد

١ - مجمع البيان ١: ٣٨٠.

(١) البقرة ٢: ٢٦٧.

(٢) تقدم في الباب ٤ من هذه الأبواب

(٣) تقدم في الباب ٤٦ من أبواب الصدقة. وفي الحديثين ٥، ٦ من الباب ٥٢ من أبواب وجوب الحجّ.

٢١٢

٥١ - باب أن جوائز الظالم وطعامه حلال وإن لم يكن له مكسب إلّا من الولاية إلّا إنّ يعلم حراماً بعينه، وأنه يستحب الاجتناب وحكم وكيل الوقف المستحل له

[ ٢٢٣٥٦ ] ١ - محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد قال: قلت لابي عبدالله( عليه‌السلام ) : ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلّا من أعمالهم وأنا أمرّ به فأنزل عليه فيضيفني ويحسن إليّ، وربما أمر لي بالدرهم والكسوة وقد ضاق صدري من ذلك؟ فقال لي: كل وخذ منه، فلك المهنا(١) وعليه الوزر.

ورواه الصدوق أيضاً بإسناده عن الحسن بن محبوب مثله(٢) .

[ ٢٢٣٥٧ ] ٢ - وبإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضّالة، عن أبي المغرا قال: سأل رجل أبا عبدالله( عليه‌السلام ) وأنا عنده فقال: أصلحك الله أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: نعم، قلت: وأحج بها؟ قال: نعم.

ورواه الصدوق بإسناده عن أبي المغرا مثله وزاد: قال: نعم وحجّ بها(٣) .

____________________

الباب ٥١

فيه ١٦ حديثاً

١ - التهذيب ٦: ٣٣٨ / ٩٤٠.

(١) في نسخة من الفقيه: الحظ ( هامش المخطوط ).

(٢) الفقيه ٣: ١٠٨ / ٤٤٩.

٢ - التهذيب ٦: ٣٣٨ / ٩٤٢.

(٣) الفقيه ٣: ١٠٨ / ٤٥٠.

٢١٣

[ ٢٢٣٥٨ ] ٣ - وعنه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن محمّد بن هشام أو غيره قال: قلت لابي عبدالله( عليه‌السلام ) : أمرّ بالعامل فيصلني بالصلة أقبلها؟ قال: نعم، قلت: وأحجّ منها؟ قال: نعم وحجّ منها.

[ ٢٢٣٥٩ ] ٤ - وعنه، عن فضّالة، عن أبان، عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) عن أبيه، أنّ الحسن والحسين (عليهما‌السلام ) كانا يقبلان جوائز معاوية.

[ ٢٢٣٦٠ ] ٥ - وبإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن عليّ بن السندي، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن محمّد بن مسلم وزرارة قالا: سمعناه يقول: جوائز العمال ليس بها بأس.

[ ٢٢٣٦١ ] ٦ - وبإسناده عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضّالة بن أيّوب، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي قال: دخلت على أبي عبدالله( عليه‌السلام ) وعنده إسماعيل ابنه، فقال: ما يمنع إبن أبي السمال(١) إنّ يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس، ويعطيهم ما يعطي الناس؟ ثمّ قال لي: لم تركت عطاءك؟ قال: مخافة على ديني، قال: ما منع ابن أبي السمال(٢) إنّ يبعث إليك بعطائك؟ أما علم انّ لك في بيت المال نصيباً؟

[ ٢٢٣٦٢ ] ٧ - وعنه، عن ابن أبي عمير، عن داود بن رزين قال: قلت لابي

____________________

٣ - التهذيب ٦: ٣٣٨ / ٩٤٣.

٤ - التهذيب ٦: ٣٣٧ / ٩٣٥.

٥ - التهذيب ٦: ٣٣٦ / ٩٣١.

٦ - التهذيب ٦: ٣٣٦ / ٩٣٣.

(١ و ٢) في نسخة: ابن أبي السماك، وفي اُخرى: ابن أبي الشمال، ( هامش المخطوط ) وفي المصدر: ابن ابي السماك، في الموضعين.

٧ - التهذيب ٦: ٣٣٧ / ٩٣٩، وأورده في الحديث ١ من الباب ٨٣ من هذه الأبواب

٢١٤

الحسن( عليه‌السلام ) : إنّي أخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها، أو الدابّة الفارهة فيبعثون فيأخذونها، ثمّ يقع لهم عندي المال، فلي إنّ آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك ولا تزد عليه.

وبإسناده عن الحسين بن سعيد، عن داود بن رزين(١) مثله.

[ ٢٢٣٦٣ ] ٨ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن يونس بن يعقوب، عن عمر أخي عذافر قال: دفع إليّ إنسان ستمائة درهم أو سبعمائة درهم لابي عبدالله( عليه‌السلام ) ، فكانت في جوالقي، فلما انتهيت إلى الحفيرة جوالقي وذهب بجميع ما فيه، ووافقت عامل المدينة بها فقال: أنت الّذي شق جوالقك فذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم، قال: إذا قدمنا المدينة فأئتنا حتّى نعوضك قال: فلمّا انتهينا إلى المدينة دخلت على أبي عبدالله( عليه‌السلام ) فقال: يا عمر شقت زاملتك وذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم، فقال: ما أعطاك الله خير ممّا أخذ منك - إلى إنّ قال: - فائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك، فإنّما هو شيء دعاك الله إليه لم تطلبه منه.

[ ٢٢٣٦٤ ] ٩ - وعن عليّ بن محمّد وأحمد بن محمّد جميعاً، عن عليّ بن الحسن، عن العباس بن عامر، عن محمّد بن إبراهيم الصيرفي، عن محمّد بن قيس بن رمانة(٢) قال: دخلت على أبي عبدالله( عليه‌السلام ) فذكرت له بعض حالي، فقال: يا جارية هاتي ذلك الكيس، هذه أربعمائة دينار وصلني بها أبو جعفر فخذها وتفرج بها بها الحديث.

____________________

(١) في المصدر: زربي.

٨ - الكافي ٨: ٢٢١ / ٢٧٨.

٩ - الكافي ٤: ٢١ / ٧، وأورده في الحديث ١ من الباب ٣٤ من أبواب الصدقة.

(٢) في المصدر: مفضل بن قيس بن رمانة.

٢١٥

[ ٢٢٣٦٥ ] ١٠ - محمّد بن عليّ بن الحسين في( عيون الأخبار) عن أحمد بن جعفر الهمداني، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبدالله ابن صالح، عن صاحب الفضل بن الربيع، عن الفضل بن الربيع، عن أبي الحسن موسى بن جعفر( عليه‌السلام ) - في حديث - إنّ الرشيد بعث إليه بخلع وحملان ومال، فقال: لا حاجة لي بالخلع والحملان والمال إذا كان فيه حقوق الاُمّة، فقلت: ناشدتك بالله إنّ لا تردّه فيغتاظ، قال: اعمل به ما أحببت.

[ ٢٢٣٦٦ ] ١١ - وعنه، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن الحسن المدني، عن عبدالله بن الفضل، عن أبيه - في حديث - إنّ الرشيد أمر باحضار موسى بن جعفر( عليه‌السلام ) يوماً فأكرمه وأتى بها بحقة الغالية، ففتحها بيده فغلفه بيده، ثمّ أمر إنّ يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير، فقال موسى بن جعفر( عليه‌السلام ) : والله لولا إنّي أرى من أُزوّجه بها من عزّاب بني أبي طالب لئلّا ينقطع نسله ما قبلتها أبداً.

[ ٢٢٣٦٧ ] ١٢ - وعن عليّ بن عبدالله الوراق والحسين بن إبراهيم المكتب وأحمد بن زياد بن جعفر والحسين بن إبراهيم بن تاتانه وأحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ومحمّد بن عليّ ماجيلويه ومحمّد بن موسى بن المتوكل كلهم عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن سفيان بن نزار - في حديث - إنّ المأمون حكى عن الرشيد إنّ موسى بن جعفر( عليه‌السلام ) دخل عليه يوماً فأكرمه، ثمّ ذكر انه أرسل إليه مائتي دينار.

[ ٢٢٣٦٨ ] ١٣ - عبدالله بن جعفر الحميري في( قرب الإِسناد) عن

____________________

١٠ - عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام ) ١: ٧٥ / ٤.

١١ - عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام ) ١: ٧٧ / ٥.

١٢ - عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام ) ١: ٩١ / ١١.

١٣ - قرب الإِسناد: ٤٥.

٢١٦

الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما‌السلام ) إنّ الحسن والحسين (عليهما‌السلام ) كانا يغمزان معاوية ويقعان فيه ويقبلان جوائزه.

[ ٢٢٣٦٩ ] ١٤ - أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي في( الاحتجاج) عن الحسين( عليه‌السلام ) أنه كتب كتاباً إلى معاوية، وذكر الكتاب وفيه تقريع عظيم وتوبيخ بليغ، فما كتب إليه معاوية بشيء يسوؤه، وكان يبعث إليه في كلّ سنة ألف ألف درهم سوى عروض وهدايا من كلّ ضرب.

[ ٢٢٣٧٠ ] ١٥ - وعن محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري أنّه كتب إلى صاحب الزمان( عليه‌السلام ) يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحل لما في يده لا يرع عن أخذ ماله، ربما نزلت في قريته وهو فيها، أو أدخل منزله وقد حضر طعامه فيدعوني إليه، فإنّ لم آكل طعامه عاداني عليه، فهل يجوز لي إنّ آكل من طعامه، وأتصدق بصدقة، وكم مقدار الصدقة؟ وإنّ أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فيدعوني إلى إنّ أنال منها وأنا أعلم أنّ الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده، فهل عليّ فيه شيء إنّ أنا نلت منها؟

الجواب: إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل بره، وإلّا فلا(١) .

ورواه الشيخ في كتاب( الغيبة) بالإِسناد الآتي (٣) .

____________________

١٤ - الاحتجاج: ٢٩٨.

١٥ - الاحتجاج: ٤٨٥.

(١) الحديث الأخير لا ينافي الحديث الأول، لأن الأخير مخصوص بالوقف الّذي لا يدفع حاصله الى الموقوف عليه، والأول بعمل السلطان الّذي فيه ما هو ملك جميع المسلمين، مثل حاصل الأرض المفتوحة عنوة، وغيرها، ومنها ما هو ملك الإمام وهو الأنفال، وفيه رخصة للشيعة كما مرّ ( منه. قده ).

(٢) غيبة الطوسي: ٢٣٥.

(٣) يأتي الفائدة الثانية / من الخاتمة برقم (٤٨).

٢١٧

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(١) ، ويأتي ما يدلّ عليه(٢) .

ولا يخفى أنّ المفروض في الاخير العلم بكون الجميع حراماً ، واشتراط احتمال الاباحة ليمكن الحكم بها، حيث إنّ ما في يده وقف على الغير، والمفروض في الأوّل كونه من عمل السلطان، ومعلوم أنّ فيه كثيراً من الأقسام المباحة مشترك بين المسلمين، ويحتمل الكراهة فلا منافاة.

[ ٢٢٣٧١ ] ١٦ - أحمد بن محمّد بن عيسى في( نوادره) عن أبيه، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) قال: لا بأس بجوائز السلطان.

٥٢ - باب جواز شراء ما يأخذ الظالم من الغلّات باسم المقاسمة، ومن الاموال باسم الخراج، ومن الانعام باسم الزكاة

[ ٢٢٣٧٢ ] ١ - محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قال لي أبوالحسن موسى( عليه‌السلام ) : مالك لا تدخل مع عليّ في شراء الطعام إنّي أظنك ضيقا، قال: قلت: نعم. فإنّ شئت وسعت عليّ، قال: اشتره.

[ ٢٢٣٧٣ ] ٢ - وعنه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن عطية، عن زرارة

____________________

(١) تقدم ما يدلّ على بعض المقصود في الحديثين ١ و ٢ من الباب ٤٥، وفي الحديث ١٧ من الباب ٤٦ من هذه الأبواب ، وفي الحديث ٦ من الباب ٥٠ من أبواب وجوب الحجّ.

(٢) يأتي في الحديث ٥ من الباب ٩٠، وفي الباب ٥٢ من هذه الأبواب ، وفي الحديث ٤ من الباب ١ من أبواب عقد البيع.

١٦ - نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: ١٦٣.

الباب ٥٢

فيه ٦ أحاديث

١ - التهذيب ٦: ٣٣٦ / ٩٣٢.

٢ - التهذيب ٦: ٣٣٧ / ٩٣٦.

٢١٨

قال: اشترى ضريس بن عبد الملك وأخوه من هبيرة أُرزاً بثلاثمائة ألف، قال: فقلت له: ويلك أو ويحك انظر إلى خمس هذا المال، فابعث به إليه، واحتبس الباقي فأبى عليّ.

قال: فأدّى المال وقدم هؤلاء، فذهب أمر بني أُمية، قال: فقلت: ذلك لابي عبدالله( عليه‌السلام ) ، فقال مبادراً للجواب: هو له هو له، فقلت له: إنّه قد أداّها فعضّ على اصبعه.

[ ٢٢٣٧٤ ] ٣ - وعنه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن أبي حمزة، عن رجل قال: قلت لابي عبدالله( عليه‌السلام ) : أشتري الطعام فيجيئني من يتظلم ويقول: ظلمني، فقال: اشتره.

وبإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن ابن أبي عمير مثله(١) .

[ ٢٢٣٧٥ ] ٤ - وبإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن معاوية بن وهب قال: قلت لابي عبدالله( عليه‌السلام ) : أشتري من العامل الشيء وأنا أعلم أنّه يظلم؟ فقال: اشتر منه.

[ ٢٢٣٧٦ ] ٥ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمّد جميعاً، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) قال: سألته عن الرجل منّا يشتري من السلطان من ابل الصدقة وغنم الصدقة وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الّذي يجب عليهم؟ قال: فقال: ما الإِبل إلّا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه.

____________________

٣ - التهذيب ٦: ٣٣٧ / ٩٣٧.

(١) لم نعثر عليه في التهذيب المطبوع.

٤ - التهذيب ٦: ٣٣٧ / ٩٣٨.

٥ - الكافي ٥: ٢٢٨ / ٢.

٢١٩

قيل له: فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منّا صدقات أغنامنا فنقول: بعناها فيبيعناها، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: إنّ كان قد أخذها وعزلها فلا بأس.

قيل له: فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا، ويأخذ حظّه فيعزله بكيل فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: إنّ كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل.

ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب مثله(١) .

[ ٢٢٣٧٧ ] ٦ - أحمد بن محمّد بن عيسى في( نوادره) عن أبيه، قال: سُئل أبو عبدالله( عليه‌السلام ) عن شراء الخيانة والسرقة؟ قال: إذا عرفت ذلك فلا تشتره إلّا من العمال.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٢) ، ويأتي ما يدلّ عليه(٣) .

٥٣ - باب جواز الشراء من غلات الظالم إذا لم تعلم بعينها حراماً وجواز أكل المار من الثمار ما لم يقصد أو يفسد أو يحمل

[ ٢٢٣٧٨ ] ١ - محمّد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، قال: أرادوا بيع تمر عين أبي ابن

____________________

(١) التهذيب ٦: ٣٧٥ / ١٠٩٤.

٦ - نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: ١٦٢.

(٢) تقدم في الباب ٥١ من هذه الأبواب

(٣) يأتي في الباب ٥٣ من هذه الأبواب

الباب ٥٣

فيه ٣ أحاديث

١ - التهذيب ٦: ٣٧٥ / ١٠٩٢، الكافي ٥: ٢٢٩ / ٥.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

جالساً عند النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إذ جاءه رجل من أهل اليمن فقال: إنّ ثلاثة من أهل اليمن أتوا عليّاً -رضي‌الله‌عنه - يختصمون إليه في ولد وقعوا على إمراة في طهرٍ واحد، فقال لاثنين منهما: طيبا بالولد لهذا، فقالا: لا ثم قال للاثنين: طيبا بالولد لهذا، فقالا: لا. ثم قال: أنتم متشاكسون، إني مقرع بينكم، فمن قرع فله الولد وعليه لصاحبيه ثلثا الدية، فأقرع بينهم، فجعله لمن قرع، فضحك رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حتّى بدت أضراسه - أو قال: نواجذه -.

قد اتّفق الشيخان على ترك الإِحتجاج بالأجلح بن عبد الله الكندي، وإنّما نقما عليه حديثاً واحداً لعبد الله بن بريدة، وقد تابعه على ذلك الحديث ثلاثة من الثقات، فهذا الحديث إذاً صحيح ولم يخرجاه »(١). .

وقال الحاكم: « أخبرني عبد الله بن محمّد بن موسى العدل، محمد بن أيوب أنا إبراهيم بن موسى، ثنا عيسى بن يونس، ثنا الأجلح، عن الشعبي، عن عبد الله ابن الخليل، عن زيد بن أرقم قال: بينا أنا عند رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إذ جاءه رجل من أهل اليمن، فجعل يحدّث النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ويخبره، فقال: يا رسول الله أتى علياً -رضي‌الله‌عنه - ثلاثة نفر يختصمون في ولد وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال لاثنين: طيبا نفسا بهذا الولد. ثم قال: أنتم شركاء متشاكسون، إني مقرع بينكم، فمن قرع له فله الولد وعليه ثلث الدية لصاحبيه، فأقرع بينهم، فقرع لأحدهم فدفع إليه الولد. فضحك النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حتى بدت نواجذه - أو قال أضراسه -.

حدّثنا علي بن جمشاد، ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي، ثنا سفيان، ثنا الأجلح بهذا. وزاد فيه: فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما أعلم فيها إلّا ما قال علي.

__________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٢ / ٢٠٧.

٢٨١

هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. وقد زاد الحديث تأكيداً برواية ابن عيينة، وقد تابع أبو إسحاق السبيعي الأجلح في روايته »(١). .

وقال الحاكم:

« أخبرني علي بن محمد بن دحيم الشيباني، حدّثنا أحمد بن حازم الغفاري، حدّثنا مالك بن إسماعيل النهدي، حدّثنا الأجلح، عن الشعبي، عن عبد الله ابن الخليل، عن زيد بن أرقم: إن علياً بعثه النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - إلى اليمن، فارتفع إليه ثلاثة يتنازعون ولداً، كلّ واحدٍ يزعم أنه ابنه، قال: فخلا باثنين فقال: أتطيبان نفساً لهذا الباقي؟ قالا: لا. وخلا باثنين فقال لهما مثل ذلك، فقالا: لا. فقال: أراكم شركاء متشاكسين وأنا مقرع بينكم، فأقرع بينهم، فجعله لأحدهم وأغرمه ثلثي الديّة للباقيين. قال: فذكر ذلك لرسول الله فضحك حتى بدت نواجذه.

قد أعرض الشيخان عن الأجلح بن عبد الله الكندي وليس في رواياته بالمتروك، فإنّ الذي ينقم عليه مذهبه مذهبه »(٢). .

٨ - ابن حجر: صدوق

وقال ابن حجر العسقلاني: « أجلح بن عبد الله بن حجّية - بالمهملة والجيم مصغرا - يكنّى أبا حجيّة الكندي، يقال اسمه: يحيى. صدوق شيعي، من السابعة. مات سنة ٤٥ »(٣). .

فهو عند ابن حجر « صدوق » ومن الطبقة السّابعة، أي في طبقة كبار أتباع التابعين كمالك والثوري، كما ذكر في أوّل الكتاب في بيان الطبقات.

__________________

(١). المستدرك ٣ / ١٣٥ كتاب معرفة الصحابة.

(٢). المستدرك ٤ / ٩٦ كتاب الأحكام.

(٣). تقريب التهذيب ١ / ٤٩.

٢٨٢

٩ - إنّه من رجال الكتب الأربعة

والأجلح من رجال: صحيح أبي داود، وصحيح الترمذي، وصحيح النسائي، وصحيح ابن ماجة. كما في الرمز الموضوع على اسمه في ( تهذيب التهذيب ) و ( تقريب التهذيب ) وغيرهما. وقال السّيوطي: « روى له الأربعة ».

وقد صرّح أكابر القوم بأنّ رجال الكتب الصّحاح معدّلون ومزكّون، وكلّهم من أهل التقوى والديانة

١٠ - رواية الأئمة عنه

وقد روى عنه أيضاً كبار الأئمة الأعلام، كشعبة، وسفيان الثوري، وابن المبارك، وأضرابهم قال ابن حجر:

« وعنه: شعبة، وسفيان الثوري، وابن المبارك، وأبو اُسامة، ويحيى القطّان، وجعفر بن عون، وغيرهم »(١). .

ورواية الثقة العدل عن رجل توثيق للمروي عنه وتعديل له وبهذا الأسلوب أراد ابن حجر المكّي إثبات فضيلةٍ لمعاوية، وهذه عبارته في ذكر فضائله المزعومة:

« منها: إنّه حاز شرف الأخذ عن أكابر الصّحابة والتابعين له، وشرف أخذ كثيرين من أجلّاء الصحابة والتابعين عنه فتأمّل هؤلاء الأئمة أئمة الإِسلام الذين رووا عنه تعلم أنّه كان مجتهداً أيّ مجتهد، وفقيهاً أيّ فقيه »(٢). .

__________________

(١). تهذيب التهذيب ١ / ١٦٥.

(٢). تطهير الجنان واللّسان: ٣٣ هامش الصواعق المحرقة.

٢٨٣

فهكذا يكون رواية شعبة والثوري وأمثالهما عن الأجلح دليلاً على ثبوت إمامة الأجلح وجلالته.

وقال الذهبي بترجمة أبي العبّاس العذري أحمد بن عمر الأندلسي المتوفى سنة ٤٧٨:

« ومن جلالته: أنّ إمامي الأندلس - ابن عبد البر، وابن حزم - رويا عنه »(١). .

ومثله قول المقري المالكي بترجمة أبي الوليد الباجي حيث قال:

« وممّا يفتخر به أنه روى عنه حافظاً المغرب والمشرق: أبو عمر بن عبد البر والخطيب أبو بكر ابن ثابت البغدادي، وناهيك بهما »(٢). .

هذا، وقد صرّح ابن قيّم الجوزيّة: بأنّ مجرَّد رواية العدل عن غيره تعديل له، هو أحد القولين في المسألة، وهو أحد الرّوايتين عن أحمد بن حنبل فإنّه قال بعد كلامٍ له: « هذا، مع أنَّ أحد القولين: أن مجرد رواية العدل عن غيره تعديل له وإنْ لم يصرّح بالتعديل، كما هو إحدى الروايتين عن أحمد »(٣). .

١١ - رواية شعبة عنه وهو لا يروي إلّا عن ثقة

إنّه قد عرفت من كلام العسقلاني أن من الرّواة عن الأجلح: شبعة بن الحجاج وقد ذكر القوم أنّ شعبة كان لا يروي إلّا عن ثقة، حتى أنّ السبكي صحّح حديث « من زار قبري وجبت له شفاعتي » متمسّكاً بقول خصمه ابن تيميّة بأنّ جماعةً ذكرهم - وفيهم شعبة - لا يروون إلّا عن ثقة قال السبكي:

__________________

(١). العبر - حوادث ٤٧٨

(٢). نفح الطيب ٢ / ٢٨١ ترجمة أبي الوليد الباجي.

(٣). زاد المعاد في هدي خير العباد ٥ / ٤٧٥.

٢٨٤

« وموسى بن هلال، قال ابن عدي: أرجو أنّه لا بأس به. وأمّا قول أبي حاتم الرازي فيه: إنّه مجهول فلا يضرّه، فإنّه إمّا أنْ يريد جهالة العين أو جهالة الوصف، فإنْ أراد جهالة العين - وهو غالب اصطلاح أهل هذا الشأن في هذا الإِطلاق - فذلك مرتفع عنه، لأنّه قد روى عنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن جابر المحاربي، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وأبو اُميّة محمد بن إبراهيم الطرسوسي، وعبيد بن محمّد الرزاق، والفضل بن سهل، وجعفر بن محمد المروزي. وبرواية الاثنين تنتفي جهالة العين، فكيف رواية سبعة.

وإنْ أراد جهالة الوصف، فرواية أحمد يرفع من شأنه، لا سيّما ما قاله ابن عدي فيه، وممّن ذكره من مشايخ أحمد: أبو الفرج ابن الجوزي، وأبو إسحاق الصريفيني.

وأحمد – رحمه ‌الله - لم يكن يروي إلّا عن ثقة، وقد صرّح الخصم بذلك في الكتاب الذي صنّفه في الردّ على البكري بعد عشر كراريس منه، قال: إنّ القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم: من لم يرو إلّا عن ثقة عنده، كمالك وشبعة، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد ابن حنبل، وكذلك البخاري وأمثاله »(١). .

فمن هذا الكلام الذي احتجّ به السبكي - لتوثيق موسى بن هلال - يظهر بكلّ وضوحٍ وثاقة الأجلح أيضاً، لكونه من مشايخ شبعة، وهو لا يروي إلّا عن ثقة.

١٢ - رواية أحمد عنه وهو لا يروي إلّا عن ثقة

وأيضاً، فإنّه من مشايخ أحمد بن حنبل في ( المسند )، بل لقد روى فيه

__________________

(١). شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام. الحديث الأول من الباب الأول ٩ - ١٠.

٢٨٥

حديث الولاية عن طريقه فقال كما سمعت سابقاً:

« ثنا ابن نمير، حدّثني أجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بعثين إلى اليمن ».

وهذا، وأحمد لم يخرّج في المسند إلّا عمّن ثبت عنده صدقه وديانته، كما قال أبو موسى المديني، فيما نقله عنه السبكي في ( طبقاته ) كما سمعت سابقاً فقال: « قال أبو موسى المديني: ولم يخرّج في المسند إلّا عمّن ثبت عنده صدقه وديانته دون من طعن في أمانته قال أبو موسى: ومن الدليل على إنّ ما أودعه الإِمام أحمد في مسنده قد احتاط فيه إسناداً ومتناً، ولم يورد فيه إلّا ما صحّ سنده: ما أخبرنا أبو علي الحدّاد قال: أنا أبو نعيم وأنا أبو الحسين وأنا ابن المذهب قالوا: أنا القطيعي، ثنا عبد الله قال: حدّثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي التيّاح قال: سمعت أبا زرعة يحدّث عن أبي هريرة عن النبيّ أنّه قال: يهلك امّتي هذا الحي من قريش. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: لو أنَّ الناس اعتزلوهم.

قال عبد الله قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه: إضرب على هذا الحديث، فإنّه خلاف الأحاديث عن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -. يعني قوله: إسمعوا وأطيعوا. وهذا - مع ثقة رجال إسناده، حين شذَّ لفظه عن الأحاديث المشاهير - أمر الضّرب عليه، فكان دليلاً على ما قلناه ».

١٣ - روى عنه النسائي وشرطه أشدّ من شرط الشيخين

وأيضاً، فقد أخرج عنه النسائي في صحيحه كما في ( تهذيب التهذيب ) و ( تقريب التهذيب ) وغيرهما، وكما عرفت من عبارة السّيوطي في ( اللّالي المصنوعة ). وللنسائي شرط في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم:

قال الذهبي: « قال ابن طاهر: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل،

٢٨٦

فوثّقه، فقلت: قد ضعّفه النسائي! فقال: يا بنيّ، إنّ لأبي عبد الرحمن شرطاً في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم »(١). .

ونقله السّبكي في ( طبقاته ) والصفدي في ( وفياته ) بترجمة النسائي في ( فيض القدير ).

وذكر ذلك ابن حجر العسقلاني في ( النكت على علوم ابن الصّلاح ) في بيان أن النسائي لا يخرّج عمّن أجمعوا على تركه. قال: « فكم من رجلٍ أخرج له أبو داود والترمذي، وتجنّب النسائي إخراج حديث، بل قد تجنّب إخراج حديث جماعة من رجال الشيخين، حتى قال بعض الحفّاظ: إنّ شرطه في الرجال أقوى من شرطهما ».

ترجمة سعد الزّنجاني

وسعد بن علي الزنجاني - الذي نقلوا عنه ذلك - من كبار الحفّاظ ومشاهير المنقدين:

١ - السمعاني: « أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني، شيخ الحرم في عصره، كان جليل القدر، عالماً زاهداً، كان الناس يتبرّكون به حتى قال حاسده لأمير مكة: إنّ الناس يقبّلون يد الزنجاني أكثر ممّا يقبّلون الحجر الأسود توفي بمكة سنة ٤٧٠ »(٢). .

٢ - الذهبي: « الزنجاني، الإِمام الثبت الحافظ القدوة قال أبو سعد السمعاني: سمعت بعض مشايخنا يقول: كان جدّك أبو المظفر عزم أنْ يجاور بمكة في صحبة سعد الإِمام، فرأى ليلةً والدته كأنّها كشفت رأسها تقول: يا بني بحقّي عليك إلّا رجعت إلى مرو فإنّي لا اُطيق فراقك، فانتبهت مغموماً وقلت:

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٠٠ ترجمة النسائي.

(٢). الأنساب - الزنجاني ٦ / ٣٠٧.

٢٨٧

أشاور سعد بن علي، فأتيته ولم أقدر من الزّحام أنْ اُكلّمه، فلمـّا قام تبعته، فالتفت إليَّ وقال: يا أبا المظفّر العجوز تنتظرك. ودخل البيت. فعرفت أنّه تكلّم على ضميري، فرجعت تلك السنة.

وكان حافظاً متقناً ورعاً كثير العبادة، صاحب كرامات وآيات وإذا خرج إلى الحرم يخلو المطاف ويقبّلون يده أكثر ممّا يقبّلون الحجر الأسود.

ابن طاهر - ممّا سمعه السلفي منه -: سمعت الحبّال يقول: كان عندنا سعد بن علي ولم يكن على وجه الأرض مثله في عصره.

وسمعت أن محمد بن الفضل الحافظ يقول ذلك.

وقال محمد بن طاهر الحافظ: ما رأيت مثل الزنجاني »(١). .

١٤ - من أسامي أئمة الحديث الشّيعة

إنّ التشيّع في كبار أئمة الحديث كثير شائع، فلو كان التشيّع قادحاً لزم طرح أخبار جميعهم قال ابن قتيبة: « الشيعة: الحارث الأعور، وصعصعة ابن صوحان، والأصبغ بن نباتة، وعطيّة العوفي، وطاوس، والأعمش، وأبو إسحاق السّبيعي، وأبو صادق، وسلمة بن كهيل، والحكم بن عتيبة، وسالم بن أبي الجعد، وإبراهيم النخعي، وحبة بن جوين، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور بن المعتمر، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وفطر بن خليفة، والحسن بن صالح بن حيّ، وشريك، وأبو اسرائيل الملّائي، ومحمّد بن فضيل، ووكيع، وحميد الرواسي، وزيد بن الحباب، والفضيل بن دكين، والمسعودي الأصغر، وعبيد الله بن موسى، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن داود، وهشيم، وسليمان التيمي، وعوف الأعرابي، وجعفر الضّبيعي، ويحيى

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٣ / ١١٧٤.

٢٨٨

ابن سعيد القطّان، وابن لهيعة، وهشام بن عمّار، والمغيرة صاحب إبراهيم. ومعروف بن خرّبوذ، وعبد الرزاق، ومعمر، وعلي بن الجعد »(١). .

فإذا كان إبراهيم بن النخعي، وسفيان الثوري، وشعبة، وشريك، ويحيى بن سعيد القطّان وأمثالهم شيعة فليكن الأجلح شيعياً مثلهم وليس التشيع بقادح وإلّا اتّسع الفتق على الرّاقع، وظهر فساد عظيم ليس له دافع.

١٥ - تصريح الذهبي بوجوب قبول رواية الشّيعي

هذا، وقد صرّح الذهبي بأن التشيع في التابعين وتابعيهم كثير، مع الدين والورع والصدق، وأنه لو ذهب حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة، وهذا مفسدة بيّنة

قال ذلك بترجمة أبان بن تغلب الكوفي:

« أبان بن تغلب الكوفي. شيعي جلد لكنّه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته. وقد وثّقه أحمد وابن معين وأبو حاتم واُورده ابن عدي وقال: كان غالياً. وقال [ السعدي ] الجوزجاني: زائغ مجاهر. فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحدّ الثقة: العدالة والإتقان، فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة؟

وجوابه: إنّ البدعة على ضربين، فبدعة صغرى كغلّو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرّف، فهذا كثير في التّابعين وتابعيهم، مع الدين والورع والصّدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة، وهذا مفسدة بيّنة. ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلوّ فيه، والحطّ على أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - والدعاء إلى ذلك. فهذا النوع لا يحتجّ به ولا كرامة

__________________

(١). المعارف: ٦٢٤.

٢٨٩

وأيضاً فما استحضر الآن رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم والتقيّة والنفاق دثارهم»(١). .

وعليه، فلو كان في الاجلح تشيع، فإنّه لا يوجب طرح حديثه، وإلّا لذهب جملة من الآثار النبويّة، وهذا مفسدة بيّنة

١٦ - نسبة السيوطي ما قاله الذهبي إلى أئمة الحديث

والحافظ السّيوطي ينصّ على أنّ هذا الذي نقلناه عن الذهبي هو قول أئمة الحديث، وهذه عبارته في رسالته ( إلقام الحجر فيمن زكّى ساب أبي بكر وعمر ):

« قال أئمّة الحديث - وآخرهم الذهبي في ميزانه - البدعة على ضربين: صغرى كالتشيع، وهذا كثير في التابعين وتابعيهم، مع الدين والورع والصّدق، ولا يردّ حديثهم ».

وقد ذكر السيوطي هذا المطلب في ( تدريب الرّاوي ) أيضاً(٢). .

فالطعن في الأجلح بسبب التشيع - هذا الأمر الكثير وجوده في التابعين وتابعيهم، مع الدين والورع والصّدق، وليس بقادحٍ لدى أئمّة الحديث - غريب جدا!!

١٧ - جرح المخالف في الاعتقاد غير مقبول

وقال الحافظ ابن حجر: « فصل: وممّن ينبغي أن يتوقّف في قبول قوله في الجرح: من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد،

__________________

(١). ميزان الاعتدال ١ / ٥.

(٢). تدريب الراوي - شرح تقريب النواوي ١ / ٣٢٦.

٢٩٠

فإن الحاذق إذا تأمّل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب، وذلك لشدّة انحرافه في النّصب، وشهرة أهلها بالتشيّع، فتراه لا يتوقّف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلق وعبارة طلق، حتى أنّه أخذ يليّن مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى، وأساطين الحديث وأركان الرواية، فهذا إذا عارضه مثله أو أكبر منه، فوثّق رجلاً ضعّفه، قبل التوثيق »(١). .

ففي هذه العبارة تصريح بعدم قبول القدح في مثل الأعمش بسبب التّشيع، فكذلك الأجلح، لا يلتفت إلى قدح من قدح فيه بسبب التشيع

١٨ - التشيع محبّة علي وتقديمه على الصحابة

وقال ابن حجر في معنى التشيع ما نصّه:

« التشيع محبة علي وتقديمه على الصّحابة، فمن قدّمه على أبي بكر وعمر فهو غال في التشيّع، ويطلق عليه رافضي وإلاّ فشيعي، فإن انضاف إلى ذلك السبب أو التصريح بالبغض فغال في الرفض، وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فأشدّ في الغلوّ »(٢). .

فعلى هذا: إذا كان الأجلح شيعيّاً فهو ليس إلّا محبّاً لأمير المؤمنين ومقدّماً له على الصحابة سوى الشيخين، وهذا المعنى لا يوجب الجرح والقدح عند أهل السنّة أبداً، إلّا إذا اختاروا مذهب النواصب والخوارج

١٩ - المقبلي: التشيّع ما يسع منصفاً الخروج عنه

وقال صالح بن مهدي المقبلي في كتابه ( العلم الشامخ ): « والواجب على المتدين اطراح التحرّب، والتكلّم بما يعلم، نصيحةً لله ورسوله

__________________

(١). لسان الميزان ١ / ١٦.

(٢). مقدمة فتح الباري: ٤٦٠.

٢٩١

وللمسلمين، وتراهم سوّوا بين الثريّا والثرى، وقرنوا الطلقاء بالسّابقين الأوّلين. والعجب من المحدّثين تراهم يجرحون بمثل قول شريك القاضي وقد قيل عنده: معاوية حليم. فقال: ليس بحليم من سفّه الحق وحارب علياً. وبقوله - وقد قيل له: ألا تزور أخاك فلاناً؟ فقال: - ليس بأخٍ لي من أزرأ على علي وعمّار. فليت شعري كيف الجمع بالنقم بهذين الأمرين.

ثم لم ترهم يبالون بلعن علي فوق المنابر وبمعاداة من عاداهم، وتراهم يتكلّمون في وكيع وأضرابه من تلك الدرجة الرفيعة دينا وورعا، يقولون يتشيّع، وتشيّعه إنّما هو بمثل ما ذكرنا من شريك، فإن كان التشيّع إنّما هو ذلك القدر فلعمري ما يسع منصفا الخروج عنه.

وعلى الجملة، فالشيعة المفرطة غلوا قطعاً، وأراد المحدّثون - وسائر من سمّى نفسه بالسنيّة - ردّ بدعتهم، فابتدعوا في الجانب الآخر، ووضعوا ما رفع الله ورفعوا ما وضع »(١). .

وعليه، فالأجلح إذا كان شيعيّاً كان بمثل وكيع والأعمش، لا يقدح فيه التشيع، بل جرحه بهذا السبب يكون كجرح الأعمش ووكيع بدعة.

٢٠ - لو كان الأجلح شيعيّاً غليظاً لما رووا عنه

وقال الشيخ نور الحق ابن الشيخ عبد الحق(٢). في ( تيسير القاري بشرح صحيح البخاري ) في شرح حديث البخاري: « حدّثنا حجاج بن المنهال، حدّثنا شعبة قال: حدّثني عدي بن ثابت قال: سمعت البراء قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم - أو قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم -: الأنصار

__________________

(١). العلم الشّامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ: ٢٢.

(٢). هو: « الشيخ العالم الفقيه المفتي نور الحق بن محب الله بن نور الله بن المفتي نور الحقّ بن عبد الحق البخاري الدهلوي أحد العلماء المشهورين » نزهة الخواطر ٦ / ٣٨٩.

٢٩٢

لا يحبّهم إلّا مؤمن ولا يبغضهم إلّا منافق، فمن أحبّهم أحبّه الله ومن أبغضهم أبغضه الله »(١). .

قال: « قال القسطلاني: عدي بن ثابت ثقة، كان قاضي الشيعة وإمام مسجدهم في الكوفة، روى عنه شعبة وهو من أكابر أهل الحديث حتى لقّبوه بـ « أمير المؤمنين في الحديث ». ومن هنا يعلم أن مذهب الشّيعة واعتقاداتهم لم يكن في ذاك الزّمان على هذا الفساد والفضيحة كما عند متأخريهم، فقد قيل: أنه لم يكن عقيدتهم في ذلك الزمان بأكثر من أنْ يحبّوا علياً أمير المؤمنين أكثر من حبّهم لغيره من الأئمة، وأنّهم لم يكونوا يقولون بالأفضلية على الترتيب الذي يقول أهل السنّة، وإلّا فأيّ معنى لنصبهم السنّي الخالص قاضياً لهم وإماماً في مسجدهم. ولو قيل: لعلّ عدي بن ثابت أيضاً كان يرى هذا المذهب الغليظ، كان احتمالاً باطلاً وظنّاً فاسداً، فإنّ شعبة - الذي هو قدوة أهل السنّة وشيخ شيوخ البخاري، ويلقّبه المحدّثون بأمير المؤمنين - يروي حديث رسول الله عن الشيعي الغليظ؟ حاشا وكلّا! ».

ففي هذا الكلام تصريحٌ بأنّ الرواية عن الشيعي الغليظ لا تجوز. فالأجلح ليس بشيعيٍ غليظ وإلّا لما روى عنه أئمة السنة، غاية ما هنالك أن يكون حال الاجلح حال عدي بن ثابت بناء على ما ذكر، فكما أن شعبة روى عن عدي بن ثابت وأدخل البخاري حديثه في صحيحه، كذلك حديث الأجلح صحيح يجوز الاستدلال والاحتجاج به.

٢١ - كان النّسائي يتشيع

وممّا يدل على أن التشيع ليس بقادحٍ قولهم في ترجمة النسائي: « كان

__________________

(١). تيسير القاري بشرح صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب حبّ الأنصار من الايمان.

٢٩٣

يتشيّع »، مع أنّ النسائي من أكابر أئمتهم الثقات المعتمدين، كما هو معروف ولا يحتاج إلى بيان فممن قال بترجمته « كان يتشيّع » هو ابن خلّكان، وهذه عبارته: « خرج إلى دمشق ودخل، فسئل عن معاوية وما روي من فضائله، فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأساً برأس حتى يفضّل! وفي روايةٍ اُخرى: ما أعرف له فضيلةً إلّا: لا أشبع الله بطنك.

وكان يتشيّع.

فما زالوا يدفعون في حضنه حتى أخرجوه من المسجد. وفي روايةٍ أخرى: يدفعون في خصيتيه وداسوه، ثم حمل إلى الرملة ومات بها »(١). .

وعلى الجملة، فلو كان التشيع قادحاً لما وثّقوا النسائي، ولا جعلوا كتابه أحد الصحاح الستّة، ولا وصفوه بتلك الأوصاف الجليلة

٢٢ - كان الحاكم شيعيّا ً

وكذلك الحاكم النيسابوري قال الذّهبي بترجمته: « قال ابن طاهر: سألت أبا إسماعيل الأنصاري عن الحاكم فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث. ثم قال ابن طاهر: كان شديد التعصّب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنّن في التقديم والخلافة، وكان منحرفاً عن معاوية وآله متظاهراً بذلك ولا يعتذر منه.

قلت: أمّا انحرافه عن خصوم علي فظاهر، وأمّا أمر الشيخين فمعظّم لهما بكل حال، فهو شيعي لا رافضي »(٢). .

فمن كلام الذهبي يعلم أنّ التشيّع غير الرفض، وأنّه ليس بقادحٍ في الوثاقة والعدالة، كما أن منه يظهر إمكان الجمع بين التشيع وتعظيم الشيخين،

__________________

(١). وفيات الأعيان ١ / ٧٧.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٥.

٢٩٤

فالقدح في الأجلح بأمرٍ يجتمع مع تعظيم الشيخين عجيب وغريب جدّاً. بل يظهر من عبارة ابن طاهر إمكان اجتماع الرفض مع الوثاقة، فكيف يكون مجرّد التشيّع جرحاً؟ وقد عرفت أن الأجلح لم يتهم بغير التشيّع!!

٢٣ - التشيع لا ينافي التسنّن

وقال ( الدهلوي ): « إعلم أنّ الشيّعة الاُولى هم الفرقة السنيّة التفضيليّة، وكانوا يلقّبون في السّابق بالشّيعة، فلمـّا لقّب الغلاة والروافض والإِسماعيلية أنفسهم بهذا اللقب، وكانوا مصدراً للقبائح والشرور الإِعتقاديّة والعمليّة نفت الفرقة السنيّة والتفضيلية هذا اللقب عن نفسها خوفاً عن التباس الحق بالباطل ولقّبوا بأهل السنّة والجماعة. فمن هنا يظهر أنّ ما قيل في الكتب التاريخية القديمة من: « فلان من الشّيعة » أو « من شيعة علي » والحال أنّه من رؤساء أهل السنّة والجماعة صحيح، وفي تاريخ الواقدي والإِستيعاب شيء كثير من هذا الجنس، فلينّتبه »(١). .

إذن، تشيّع الأجلح لا ينافي تسنّنه، ولا يكون سبباً للقدح والجرح والتّضعيف.

وقد تبع ( الدهلويَّ ) في هذه الدعوى تلميذه الرّشيد الدهلوي، وكذا المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام ).

٢٤ - استنكار الأجلح سبّ الشيخين

وقد ذكروا بترجمة الأجلح أنه كان يستنكر سبّ أبي بكر وعمر قال الذهبي:

__________________

(١). التحفة الاثنا عشرية: ١١.

٢٩٥

« أجلح بن عبد الله، أبو حجيّة الكندي عن الشّعبي وعكرمة. وعنه:

القطّان وابن نمير وخلق. وثّقه ابن معين وغيره. وضعّفه النسائي. وهو شيعي، مع أنّه روى عنه شريك أنّه قال: سمعنا أنّه ما سبّ أبا بكر وعمر أحد إلاّ افتقر أو قتل. مات سنة ١٤٥ »(١). .

وقال ابن حجر: « وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة. ويروي عنه الكوفيّون وغيرهم. ولم أر له حديثاً منكراً مجاوزاً للحدّ لا إسناداً ولا متناً، إلّا أنّه يعدّ في شيعة الكوفة، وهو عندي مستقيم الحديث صدوق. وقال شريك عن الأجلح: سمعنا أنّه ما يسب أبا بكر وعمر أحد إلّا مات قتيلاً أو فقيراً »(٢). .

ومن هنا يظهر أنّ الأجلح سنّي غالٍ في الشيخين، فكيف يردّ حديث هكذا شخص؟ وكيف يرمى بالتشيّع ويقدح فيه؟

٢٥ - في الصحابة رافضة غلاة كأبي الطفيل

وقال ابن قتيبة: « أسماء الغالية من الرافضة: أبو الطّفيل صاحب راية المختار، وكان آخر من رأى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - موتاً، والمختار، وأبو عبد الله الجدلي، وزرارة بن أعين، وجابر الجعفي »(٣). .

فلو فرضنا كون الأجلح رافضياً غالياً، فإنّ حاله يكون حال أبي الطّفيل الصّحابي(٤). . أحد مصاديق الآيات والأحاديث الكثيرة - الواردة عند أهل السنّة - في حق الصّحابة.

__________________

(١). الكاشف ١ / ٥٣.

(٢). تهذيب التهذيب ١ / ١٦٦.

(٣). المعارف: ٦٢٤.

(٤). لاحظ ترجمته في: اُسد الغابة ٣ / ٤١ و ٥ / ١٧٩، الإصابة ٧ / ١١٠ وغيرهما من الكتب المؤلّفة في أسماء الصحابة وتراجمهم.

٢٩٦

٢٦ - قولهم بقبول رواية المبتدع

وذهب كثير علماء أهل السنّة السّلف والخلف منهم إلى قبول رواية المبتدع كما نصَّ عليه المحقّقون فلو فرض كون الأجلح رافضيّاً وعدّ من المبتدعة فخبره مقبول وروايته معتمدة وإليك بعض النصوص الصّريحة فيما ذكرناه:

قال ابن الصّلاح: « إختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفَّر ببدعته:

فمنهم: من ردَّ روايتهم مطلقاً، لأنّه فاسق ببدعته، وكما استوى في الكفر المتأوّل وغير المتأوّل يستوي في الفسق المتأول وغير المتأول.

ومنهم: من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممّن يستحل الكذب في نصرة مذهبه، سواء كان داعيةً إلى بدعته أو لم يكن، وعزا بعضهم هذا إلى الشافعي لقوله: أقبل شهادة أهل الأهواء إلّا الخطّابية من الرّافضة لأنهم يرون الشهادة بالزّور لموافقيهم.

وقال قوم: يقبل روايته إذا لم يكن داعية ولا تقبل إذا كان داعية إلى بدعة. وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء. وحكى بعض أصحاب الشافعي -رضي‌الله‌عنه - خلافاً بين أصحابه في قبول رواية المبتدع إذا لم يدع إلى بدعة، وقال: أما إذا كان داعيةً فلا خلاف بينهم في عدم قبول روايته. وقال أبو حاتم ابن حِبان البستي أحد المصنّفين من أئمّة الحديث: الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمّتنا قاطبة، لا أعلم بينهم فيه خلافاً.

وهذا المذهب الثالث أعدلها وأولاها، والأول بعيد مباعد للشائع من أئمة الحديث، فإنّ كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة، وفي الصحيحين

٢٩٧

كثير من أحاديثهم في الشّواهد والأصول، والله أعلم »(١). .

وقال النووي بعد إيراد الأقوال المذكورة: « في الصحيحين وغيرهما من كتب أئمة الحديث الإِحتجاج بكثيرٍ من المبتدعين غير الدّعاة، ولم يزل السّلف والخلف على قبول الرواية منهم والإحتجاج بها، والسماع منهم وإسماعهم، من غير إنكار منهم. والله أعلم »(٢). .

وقال الزين العراقي: « والقول الثالث: أنه إنْ كان داعيةً إلى بدعته لم يقبل، وإن لم يكن داعية قبل، وإليه ذهب أحمد كما قاله الخطيب. قال ابن الصلاح: وهذا مذهب الكثير أو الأكثر وهو أعدلها وأولاها وفي الصحيحين كثير من أحاديث المبتدعة غير الدّعاة احتجاجاً واستشهاداً، كعمران بن حطّان وداود بن الحصين وغيرهما. وفي تاريخ نيسابور للحاكم في ترجمة محمد بن يعقوب الأصم: إن كتاب مسلم ملآن من الشّيعة »(٣) .

ومثل هذه كلمات غيرهم

٢٧ - من أسماء المبتدعة في الصحيحين

وقال السّيوطي: « فائدة - أردت أنْ أسرد أسماء من رمي ببدعةٍ ممّن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما » فذكر أسماء طائفةٍ ممّن رمي بالإِرجاء وهو تأخير القول في الحكم على مرتكب الكبائر بالنار. وممّن رمي بالنصب وهو بغض علي وتقديم غيره عليه. وممّن رمي بالتشيع وهو تقديم علي على الصّحابة. وممّن رمي بالقدر وهو زعم أنّ الشر من خلق العبد. وممّن رمي برأي ابن أبي جهم وهو نفي صفات الله والقول بخلق القرآن. والأباضية وهم

__________________

(١). علوم الحديث: ٢٣٠.

(٢). المنهاج في شرح صحيح مسلم ١ / ٦١.

(٣). شرح ألفية الحديث ١ / ٣٠٣.

٢٩٨

الخوارج، وممّن رمي بالوقف في مسألة خلق القرآن. ومن الذين يرون الخروج على الأئمّة ولا يباشرون ذلك. قال: « فهؤلاء المبتدعة ممّن أخرج لهم الشيخان أو أحدهما »(١) .

فإذا كان رواية كلّ هؤلاء مقبولة فرواية الأجلح كذلك!

٢٨ - قبول بعضهم رواية المبتدع الداعي

بل نصَّ جماعة منهم على قبول رواية المبتدع الداعي، وقد دافع ابن الوزير في ( الروض الباسم ) عن هذا القول، وهو ظاهر كلام الشّافعي المتقدم نقله، فإنّه لم يفرّق بين الداعية وغيره، بل نصّوا على إخراج الشيخين عن بعض الدعاة، فاحتجّ البخاري بعمران بن حطّان وهو من الدّعاة، واحتّجا بعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، وكان داعياً إلى الإِرجاء! بل عن أبي داود: ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج!(٢)

قوله:

وقد ضعّفه الجمهور

أقول

هذا كذب وزور، فإنّه لم يضعّفه إلّا شرذمة من المتعصّبين، ونحن ننقل كلمة كلّ واحدٍ منهم عن ( تهذيب التهذيب )(٣) وننظر فيها:

__________________

(١). تدريب الرّاوي ١ / ٣٢٨ - ٣٢٩.

(٢). تدريب الرّاوي ١ / ٣٢٦.

(٣). تهذيب التهذيب - ترجمة الأجلح ١ / ١٦٥.

٢٩٩

النظر في كلمات القادحين في الأجلح

* ففيه: « قال القطّان: في نفسي منه شيء. وقال أيضاً: ما كان يفصل بين الحسين بن علي وعلي بن الحسين. يعني: إنّه ما كان بالحافظ ».

أقول: إنّ القطّان هو يحيى بن سعيد، وقد نصّ ابن حجر في ( تهذيب التهذيب ) على روايته عن الأجلح فيمن روى عنه، وفي ( شفاء الأسقام للسّبكي ) عن ابن تيمية: إنّ القطّان لا يروي إلّا عن ثقة فيكون قوله: « في نفسي منه شيء » مردوداً بروايته هو عنه!

على أنّ القطّان قد تفوّه بكل وقاحة وصلافة بهذه الكلمة بحق الإِمام أبي عبد الله الصّادقعليه‌السلام ! فمن بلغ في سوء الأدب وظلمة القلب هذا الحدّ كيف يعتني بتقوّله في حق الأجلح؟!

وأمّا أنّه « ما كان يفصل » فهذا - إنْ كان - ليس بقادح، لأنّ أهل السنّة غير قائلين بوجوب معرفة الأئمّةعليهم‌السلام ، بل إنّ عدم فصله بين الإِمام الحسين والإِمام السّجاد -عليهما‌السلام - وجهله بهما يدل على عدم اعتنائه بأئمّة أهل البيت، فلا يكون متّهماً في روايته منقبةً من مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وأمّا دلالته على « أنّه ما كان بالحافظ » فيردّه تصريح الأئمة بأنّ الخطأ في بعض المواضع لا يوجب السّقوط عن الإِعتبار، ولا يدل على عدم الحفظ، قال الذهبي: « ليس من شرط الثقة أن لا يخطي ولا يغلط ولا يسهو »(١). .

وقال بجواب العقيلي:

« وأنا أشتهي أنْ تعرّفني مَن هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه؟ بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له وأكمل لرتبته وأدلّ على

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٣٣ ترجمة أبي بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483