مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١٣

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل0%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 496

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: الصفحات: 496
المشاهدات: 274953
تحميل: 3759


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26 الجزء 27
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 274953 / تحميل: 3759
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء 13

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأقلدك إياها، فما رأيك في ذلك؟ فأنكر الرضاعليه‌السلام هذا الامر، وقال له: « أعيذك بالله - يا أمير المؤمنين - من هذا الكلام، وان يسمع به أحد » فرد عليه الرسالة: فإذا أبيت ما عرضت عليك، فلا بد من ولاية العهد من بعدي، فأبى عليه الرضاعليه‌السلام إباء شديدا، فاستدعاه إليه وخلا به معه الفضل بن سهل ذو الرئاستين، وليس في المجلس غيرهم، وقال له: اني قد رأيت أن أقلدك امر المسلمين، وافسخ ما في رقبتي واضعه في رقبتك فقال له الرضاعليه‌السلام : « الله الله - يا أمير المؤمنين - انه لا طاقة لي بذلك، ولا قوة لي عليه » قال: فاني موليك العهد من بعدي، فقال له: « اعفني من ذلك، يا أمير المؤمنين » فقال له المأمون كلاما فيه كالتهدد له على الامتناع عليه، فقال له في كلامه: ان عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة، أحدهم جدك علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه، ولا بد من قبولك ما أريده منك، فاني لا أجد محيصا عنه، فقال له الرضاعليه‌السلام : « فاني مجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد، على انني لا آمر ولا انهى، ولا أفتي ولا أقضي، ولا أولي ولا أعزل، ولا أغير شيئا مما هو قائم »، فأجابه المأمون إلى ذلك كله.

[١٥٠١٦] ٤ - وفي الاختصاص: عن محمد بن عيسى، عن أخيه جعفر بن عيسى، عن إسحاق بن عمار قال: سأل رجل أبا عبد اللهعليه‌السلام ، عن الدخول في عمل السلطان، فقال: « هم الداخلون عليكم، أم أنتم الداخلون عليهم؟ »، فقال: لا بل هم الداخلون علينا، قال: « لا بأس بذلك ».

٤٢ -( باب ما ينبغي للولي العمل به، في نفسه، ومع أصحابه، ومع رعيته)

[١٥٠١٧] ١ - دعائم الاسلام: روينا عن علي ( صلوات الله عليه )، أنه قال: « بعث

__________________

٤ - الاختصاص ص ٢٦١.

الباب ٤٢

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٥٠.

١٤١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سرية، واستعمل عليها(١) رجلا من الأنصار، وأمرهم ان يطيعوه، ولما كان ذات يوم غضب عليهم فقال: أليس قد امركم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان تطيعوني؟ قالوا: نعم، قال: فاجمعوا حطبا، فجمعوه فقال: اضرموا نارا، ففعلوا، فقال لهم ادخلوها، فهموا بذلك، ثم جعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: إنما فررنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من النار، فما زالوا [ كذلك ](٢) حتى خمدت النار، وسكن غضب الرجل، فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: « لو دخلوها لما خرجوا منها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في المعروف ».

[١٥٠١٨] ٢ - وعن علي ( صلوات الله عليه )، انه ذكر عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليعليه‌السلام قال الذي حدثناه: أراه من كلام عليعليه‌السلام ، الا انا رويناه انه رفعه، فقال: « عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهدا كان فيه - بعد كلام ذكره، ثم قال ( صلوات الله عليه ) -:

فيما يجب على الأمير من محاسبة نفسه:

أيها الملك المملوك، اذكر ما كنت فيه وانظر إلى ما صرت إليه، واعتقد لنفسك ما تدوم، واستدل بما كان على ما يكون، وابدأ بالنصيحة لنفسك، وانظر في امر خاصتك، وفي معرفة ما عليك ولك، فليس شئ أدل لامرئ على ما له عند الله من اعماله، ولا على ما له عند الناس من آثاره، فاتق الله في خاصة(١) نفسك، وراقبه فيما حملك، وتعبد له بالتواضع إذ رفعك، فان التواضع طبيعة العبودية، والتكبر من أخلاق(٢) الربوبية، ولا تميلن بك عن القصد رتبة تروم بها ما ليس لك، ولا تبطرن نعم الله عليك عن اعظام حقه،

__________________

(١) في المصدر: « عليهم ».

(٢) أثبتناه من المصدر.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٥٠.

(١) في المصدر زيادة: أمورك و.

(٢) في المصدر: حالات.

١٤٢

فان حقه لن يزداد عليك الا عظما، ولا تكونن كأنك بما أحدث الله لك من الكرامة، ترى أنه اسقط عنك شيئا من فرائضه، وانك استحققت عليه وضع الصعاب عنك، فتنهمك في بحور الشهوات، فإنك ان تفعل ( همدت وزر )(٣) ذلك على قلبك، وتذمم عواقب ما فاتك من امرك، فاعرف قدرك وما أنت إليه صائر، واذكر ذلك حق ذكره، وأشعر قلبك الاهتمام به، فإنه من اهتم بشئ أكثر ذكره، وأكثر التفكر فيما تصنع، وفي من يشاركك فيما تجمع، فإنك لست مجاوزا في غاية المنتهى أجل بعض أخدانك(٤) ، والساعة تأتي من ورائك، وليس الذي تبلغ به قضاء ما يحق عليك بقاطع عنك شيئا من لذاتك التي تحل لك ما لم تجاوز في ذلك قصد مال يكفيك، إلى فضول ما لا يصل من نفعه إليك، الا ما أنت عليه في غاية من الغناء، فتحمل بنفسك ما ليس غايتك منه الا حظ عينك، وما وراء ذلك منفعة لغيرك، فيقصر في ذلك أملك، وليعظم من عواقبه وجلك ».

ذكر ما فيه موعظة الأمير لمن كان قبله:

انظر أيها الملك(٥) المملوك، أين آباؤك وأين الملوك من أعدائك؟ الذين أكلوا الدنيا منذ كانت، فإنما تأكل ما أسأروا(٦) ، وتدير ما أداروا، وأين كنوزهم التي جمعوا؟ وأجسادهم التي نعموا؟ وأبناؤهم الذين كرموا؟ هل ترى أقل منهم عقبا؟ واخمد(٧) منهم ذاكرا؟ واذكر ما كنت تأمل من الاحسان ان أحسن الله إليك، ولا يغلبنك هواك على حظك، ولا تحملنك رقتك على الولد على أن تجمع لهم ما لا يحول دون شئ قضاه الله عليهم، وأراد بلوغه فيهم، فتهلك نفسك

__________________

(٣) في المصدر: يشتدرون، والظاهر أنه مصحف يشتد درن.

(٤) الأخدان: جمع خدن وهو الصديق ( لسان العرب « خدن »ج ١٣ ص ١٣٩ ).

(٥) في المصدر: المملك.

(٦) السؤر: بقية الشئ، وأسأر من شرابه أو طعامه أبقى منه بقية ( لسان العرب « سأر » ج ٤ ص ٣٣٩ ).

(٧) في المصدر: وأخمل.

١٤٣

في امر غيرك، وتشقيها في نعيم من لا ينظر لك، [ ولذات ](٨) من لا يألم لألمك، اذكر الموت وما تنظر من فجأة نقماته، ولا تأمن من عاجل نزوله بك، وأكثر ذكرك زوال امر الدنيا، وانقلاب دهرها، وما قد رأيت من تغير حالاتها بك وبغيرك، انك كنت حديثا من عرض الناس، وكنت تعيب بذبح الملوك وتجبرهم في سلطانهم، وتكبرهم على رعيتهم، وتسرعهم إلى السطوة، وافراطهم في العقوبة، وتركهم العفو والرحمة، وسوء ملكتهم، ولزوم(٩) غلبتهم، وجفوتهم لمن تحت أيديهم، وقلة نظرهم في امر معادهم، وطول غفلتهم عن الموت، وطول رغبتهم في الشهوات، وقلة ذكرهم للخطيئات(١٠) ، وتفكرهم في نقمات الجبار، وقلة انتفاعهم بالعبر، وطول أملهم(١١) للغير، وقلة اتعاظهم بما جرى عليهم من صروف التجارب، ورغبتهم في الاخذ وقلة اعطائهم للواجب، وطول قسوتهم على الضعفاء، والايثار لخواصهم والاستئثار، والاغماض ولزوم الاصرار، وغفلتهم عما خلقوا له، واستخفافهم بما أمروا(١٢) وتضييعهم لما حملوا، أفنصيحة كانت عيب ذلك منك عليهم واستقباحه منهم؟ أو نفاسة لما كانوا فيه عليهم؟ فإن كان ذلك نصيحة، فأنت اليوم أولى بالنصيحة لنفسك، وان كانت نفاسة، فهل معك أمان من سطوات الله؟ أم عندك منعة تمتنع بها من عذاب الله؟ أم استغنيت بنعمة الله عليك عن تحري رضاه؟ أو قويت بكرامته إياك على الاصحار(١٣) لسخطه، والاصرار على معصيته؟ أم هل لك مهرب يحرزك منه؟ أم(١٤) رب غيره تلجأ إليه؟ أم لك صبر على احتمال نقماته؟ أم أصبحت ترجو دائرة من دوائر الدهور تخرجك من قدرته إلى قدرة غيره!؟ فأحسن النظر في

__________________

(٨) أثبتناه من المصدر.

(٩) في المصدر: ولؤم.

(١٠) في المصدر: للحسنات، وبعدها زيادة: وقلة.

(١١) في المصدر: أمنهم.

(١٢) في المصدر: عملوا.

(١٣) في نسخة: الأصحاب.

(١٤) في المصدر زيادة: لك.

١٤٤

ذلك لنفسك، واعمل فيه بعقلك وهمك، وأكثر عرضه على قلبك، واعلم أن الناس ينظرون من امرك إلى مثل ما كنت تنظر فيه من امر من كان في مثل حالك من قبلك، ويقولون فيك(١٥) ما كنت تقوله فيهم، انظر أين الملوك وأين ما جمعوا؟ مما دخلت عليهم المعائب، وبه قيلت فيهم الأقاويل، ماذا شخصوا به معهم منه؟ وماذا بقي لمن بعدهم؟ فاذكر حالك وحال من تقدمك ممن كان في مثل حالك، وما جمع وكنز، هل بقيت له تلك الكنوز حين أراد الله نزعها منه؟ وهل ضرك إذ كنت لا كنز لك حين أراد الله صرف هذا الامر إليك؟ فلا ترى ان الكنوز تنفعك، ولا تثق بها ليومك فيما تأمل نفعه في غدك، بل لتكن أخوف الأشياء عندك وأوحشها لديك عاقبة، وليكن أحب الكنوز إليك وأوثقها عندك نفعا وعائدة، الاستكثار من صالح الاعمال واعتقاد صالح الآثار، فإنك ان تعمل هواك في ذلك وتصرفه من غيره، يقلل همك ويطيب عيشك وينعم بالك، ولتكن قرة عينك بالزهد وصالح الآثار، أفضل من قرة عيون أهل الجمع بالجمع، عليك بالقصد فيما تجمع وفيما تنفق، ولا تعدن الاستكثار من جمع الحرام قوة، ولا كثرة الاعطاء في غير حق جودا، فان ذلك يجحف(١٦) بعضه ببعض، ولكن القوة والجود ان تملك هواك شح(١٧) النفس بأخذ ما يحل لك، وسخاء النفس باعطاء ما يحق عليك، انتفع في ذلك بعلمك، واتعظ فيه بما قد رأيت من أمور غيرك، وخاصم نفسك عند كل امر تورده وتصدره، خصومة عامد(١٨) للحق جهده، ينتصف(٩) لله وللناس من نفسه، غير موجب لها العذر حيث لا عذر، ولا منقاد للهوى في ورطات الردى، فان عاجل الهوى لذيذ، وله غب وخيم.

__________________

(١٥) في المصدر زيادة: مثل.

(١٦) في الطبعة الحجرية: « يخفف » وما أثبتناه من المصدر.

(١٧) في الطبعة الحجرية: « سخاء » وما أثبتناه من المصدر.

(١٨) في المصدر: عامل.

(١٩) في نسخة: منصف.

١٤٥

في أمر الأمراء بالعدل في رعاياهم والانصاف من أنفسهم:

اشعر قلبك الرحمة لرعيتك، والمحبة لهم، والتعطف عليهم، والاحسان إليهم، ولا تكونن عليهم سبعا، تغتنم زللهم وعثراتهم، فإنهم إخوانك في النسبة، ونظراؤك في الحق(٢٠) ، يفرط منهم الزلل، وتعتريهم العلل، ويتوى(٢١) على أيديهم في العمد والخطأ، فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك من هو فوقك وفوقهم، والله ابتلاك بهم، وولاك امرهم، واحتج عليك بما عرفك من محبة العدل والعفو والرحمة، ولا تستخفن(٢٢) ترك محبته، ولا تنصبن نفسك لحربه، فإنه لا يدان لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته، ولا تعجلن بعقوبته، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مخرجا(٢٣) ، ولا تقولن: اني أمير اصنع ما شئت، فان ذلك يسرع في كسر العمل، وإذا أعجبك ما أنت فيه، وحدثت لك عظمته، ودخلتك أبهة أبطرتك واستقدرتك على من تحتك، فاذكر عظم قدرة الله عليك، وفكر في الموت وما بعده، فان ذلك ينقص من زهوك، ويكف من مرحك، ويحقر في عينيك ما استعظمته من نفسك، وإياك ان تباهي الله في عظمته، ولا تضاهيه في جبروته، وان تختال عليه في ملكه، فان الله مذل كل جبار، ومهين كل مختال، أنصف الناس من نفسك ومن أهلك ومن خاصتك، فإنك أن لا(٢٤) تفعل تظلم، ومن يظلم عباد الله فالله خصمه دون عباده، ومن يكن الله خصمه فهو له(٢٥) حرب حتى ينزع، وليس شئ أدعى لتغير نعمة أو تعجيل نقمة من إقامة على ظلم،

__________________

(٢٠) في المصدر: الخلق.

(٢١) التوى: الهلاك ( لسان العرب ج ١٤ ص ١٠٧ ) وفى المصدر: يؤتى.

(٢٢) في المصدر: فلا تستحقن.

(٢٣) في المصدر: مزحلا.

(٢٤) في المصدر: لم.

(٢٥) في المصدر: لله.

١٤٦

فان الله يسمع دعوة كل مظلوم، وان الله عدو للظالمين، ومن عاداه الله فهو رهين بالهلكة في الدنيا والآخرة، وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأجمعها لطاعة الرب، ورضى العامة، فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وان سخط الخاصة يحتمل رضى العامة، وليس أحد من الرعية أشد على الوالي في الرضا مؤونة، وأقل على البلاء معونة، وأشد بغضا للانصاف، وأكثر سؤالا بالحاف(٢٦) وأقل مع ذلك عند العطاء شكرا، وعند الابطاء عذرا، وعند الملمات من الأمور صبرا من الخاصة، وإنما اجتماع امر الولاة ويد السلطان وغيظ العدو العامة، فليكن صفوك لهم ما أطاعوك واتبعوا امرك دون غيرهم، وليكن أبغض رعيتك إليك أكثرهم كشفا لمعائب الناس، فان في الناس معائب أنت أحق من تغمدها، وكره كشف ما غاب منها، وإنما عليك احكام ما ظهر لك، والله يحكم في ما غاب عنك، اكره للناس ما تكره لنفسك، واستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره، وأطلق عن الناس عقد كل حقد، واقطع عنهم سبب كل وتر، ولا تركبن شبهة، ولا تعجلن إلى تصديق ساع، فان الساعي غاش وان قال قول النصيح، ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يقصر عن الفضل غايته، ولا حريصا يعدك فقرا ويزين لك شرها، ولا جبانا يضيق عليك الأمور، فان البخل والجبن والحرص، غريزة واحدة يجمعها سوء الظن بالله.

واعلم: ان شر دخائلك(٢٧) وشر وزرائك من كان للأشرار دخيلا ووزيرا، ممن شركهم في الآثام، وأقام لهم كل مقام، فلا تدخلن أولئك في أمرك، ولا تشركهم في دولتك كما شركوا في دولة غيرك، ولا يعجبك شاهد ما يحضرونك به، فإنهم اخوان الظلمة، وأعوان الآثمة، وذئاب كل طمع، وأنت تجد في الناس خلفا منهم، ممن له معرفة أفضل من معرفتهم، ونصح أعلى من نصحهم، ممن قد تصفح الأمور فأبصر مساوئها، واهتم بما جرى عليه منها، ممن هو أخف عليك مؤونة وأحسن لك معونة، وأشد عليك عطفا وأقل لغيرك ألفا،

__________________

(٢٦) في المصدر: بالالحاف.

(٢٧) دخيل الرجل: الذي يداخله في أموره كلها، وبطانته وصاحب سره ( لسان العرب « دخل »ج ١١ ص ٢٤٠ ).

١٤٧

ممن لا يعاون ظالما على ظلم، ولا آثما على اثم، فاتخذ من أولئك خاصة تجالسهم في خلواتك، ويحضرونك(٢٨) في ملئك ثم ليكن أكرمهم عليك أقولهم للحق، وأحوطهم على رعيتك بالانصاف، وأقلهم لك مناظرة بذكر ما كره لك، والصق بأهل الورع والصدق، وذوي العقول والاحسان، وليكن أبغض أهلك ووزرائك إليك أكثرهم لك اطراء(٢٩) بما فعلت، أو تزيينا لك بغير ما فعلت، وأسكتهم عنك صانعا بما صنعت، فان كثرة الاطراء يكثر الزهو ويدني من العزة، وأكثر القول إن يشرك فيه تزكية السلطان، لأنه ( لا يقصر به )(٣٠) على حدود الحق، دون التجاوز إلى الافراط ولا تجمعن المحسن والمسئ عندك منزلة(٣١) يكونان فيها سواء، فان ذلك تزهيد لأهل الاحسان في احسانهم، وتدريب لأهل الإساءة في اساءتهم، واعلم أنه ليس شئ ادعى بحسن ظن وال برعيته، من احسانه إليهم، وتخفيف المؤن عنهم، وقلة الاستكراه لهم، فليكن لك في ذلك ما يجمع لك حسن الظن برعيتك، فان حسن الظن بهم يقطع عنك هموما كثيرة، وان أحق من حسن ظنك به من حسن عنده بلاؤك من أهل الخير، وأحق من ساء ظنك به من ساء عنده بلاؤك فاعرف موضع ذلك ولا تنقض سنة صالحة عمل بها الصالحون قبلك، واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها العامة ولا تحدثن سنة تضر بشئ من ماضي سنن العدل التي سنت قبلك، فيكون الاجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها، وأكثر مدارسة العلماء ومناظرة الحكماء في تثبيت سنن العدل على مواضعها، وإقامتها على ما صلح به الناس، فإن ذلك يحيي الحق ويميت الباطل، ويكتفي به دليلا على ما يصلح به الناس، لان السنة الصالحة من أسباب الحق التي يعرف بها، ودليل أهلك إلى السبل إلى طاعة الله فيها.

__________________

(٢٨) في المصدر: ويحضرون لديك.

(٢٩) الاطراء: المدح أو مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه ( لسان العرب « طرا » ج ١٥ ص ٦ ).

(٣٠) في نسخة: لا يقتصر منه، وفى المصدر: لا يقتصر فيه.

(٣١) في المصدر: بمنزلة.

١٤٨

في ذكر معرفة طبقات الناس:

اعلم أن الناس خمس طبقات، لا يصلح بعضها الا لبعض فمنهم: الجنود، ومنهم أعوان الوالي من القضاة والعمال والكتاب ونحوهم، ومنهم أهل الخراج من أهل الأرض وغيرهم، ومنهم التجار وذوو الصناعات، ومنهم الطبقة السفلى، وهم أهل الحاجة والمسكنة، فالجنود تحصين الرعية بإذن الله تعالى عز وجل، وزين الملك، وعز الاسلام، وسبب الامن والخفض(٣٢) ، ولا قوام للجند الا بما يخرج الله لهم من الخراج والفئ، الذي يقومون(٣٣) به على جهاد عدوهم، وعليه يعتمدون فيما يصلحهم، ومن يلزمهم مؤونته من أهليهم، ولا قوام للجند وأهل الخراج الا بالقضاة والعمال والكتاب، لما يقومون به من امرهم ويجمعون من منافعهم، ويأمنون عليه من خواصهم وعوامهم، ولا قوام لهم جميعا الا بالتجار وذوي الصناعات، فيما ينتفعون به من صناعاتهم، ويقومون به من أسواقهم، ويكفونهم في مباشرة الاعمال بأيديهم، في الصناعات التي لا يبلغها رفقهم، والطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة، يبتلون بالحاجة إلى جميع الناس وفي الله لكل سعة، ولكل على الأمير(٣٤) حق بقدر ما يحق له، وليس يخرجه من حقه ما ألزمه الله من ذلك، الا بالاهتمام [ به ](٣٥) والاستعانة بالله عليه، وان يوطن نفسه على لزوم الحق فيما وافق هواه أو خالفه.

ذكر ما ينبغي للوالي ان ينظر فيه من أمر جنوده(٣٦) :

ول امر جنودك أفضلهم في نفسك حلما، واجمعهم للعلم وحسن السياسة وصالح الأخلاق، ممن يبطئ عن الغضب، ويسرع إلى العذر، ( ويراقب

__________________

(٣٢) في المصدر: والحفظ.

(٣٣) في المصدر: يقوون.

(٣٤) في نسخة: الأمة.

(٣٥) أثبتناه من المصدر.

(٣٦) في الطبعة الحجرية: « عماله »، وما أثبتناه من المصدر.

١٤٩

الضعيف )(٣٧) ، ولا يلح على القوي، ممن لا يثيره(٣٨) العنف، ولا يقعد به الضعف، والصق ( بأهل العفة )(٣٩) والدين والسوابق الحسنة، ثم بأهل الشجاعة منهم، فإنهم جماع الكرم، وشعبة من العز، ودليل على حسن الظن بالله والايمان به، ثم تفقد من أمورهم ما يتفقده الوالد من ولده، ولا يعظمن في نفسك شئ أعطيتهم إياه، ولا تحقرن لهم لطفا تلطفهم به، فإنه يرفق بهم كل ما كان منك إليهم وان قل، ولا تدعن تفقد لطيف أمورهم اتكالا على نظرك في جسيمها، فان للطيف موضعا ينتفع به، وللجسيم موضعا لا يستغنى فيه عنه، وليكونوا آثر رعيتك عندك، وأفضلهم منزلة منك، أسبغ عليهم في التعاون، وأفضل عليهم عليهم في البذل، ما يسعهم ويسع من وراءهم من أهاليهم، حتى يكون همهم خالصا في جهاد عدوك، وتنقطع همومهم مما سوى ذلك، وأكثر اعلامهم ذات نفسك [ لهم ](٤٠) من الأثرة والمكرمة وحسن الارضاء(٤١) ، وحقق ذلك بحسن الآثار فيهم، واعطف عليك قلوبهم باللطف، فان أفضل قرة أعين الولاة استفاضة الامن في البلاد، وظهور مودة الأجناد، وإذا كانوا كذلك سلمت صدورهم، وصحت بصائرهم، واشتدت حيطتهم من وراء أمرائهم، ولا تكل جنودك إلى غنائمهم، أحدث لهم عند كل مغنم عطية من عندك، لتستصرفهم بها(٤٢) ، وتكون داعية لهم إلى مثلها، ولا حول ولا قوة الا بالله، واخصص أهل الشجاعة والنجدة بكل عارفة، وامدد لهم أعينهم إلى صور عميقات ما عندهم بالبذل، في حسن الثناء، وكثرة المسألة عنهم رجلا رجلا، وما ابلى في كل مشهد، واظهار ذلك منك عنه، فان ذلك يهز الشجاع ويحرض غيره، ثم لا تدع

__________________

(٣٧) في المصدر: يرأف بالضعيف.

(٣٨) في نسخة: لا يسره.

(٣٩) في المصدر: بذوي الفقه.

(٤٠) أثبتناه من المصدر.

(٤١) في نسخة والمصدر: الارصاد.

(٤٢) في نسخة: لتستنصر بهم، وفى المصدر: تستضريهم، والضاري من السباع: ما لهج بالفرائس وأولع بها ( لسان العرب « ضرا »ج ١٤ ص ٤٨٢ ).

١٥٠

مع ذلك أن يكون لك عليهم عيون من أهل الأمانة والصدق، يحرضونهم(٤٣) عند اللقاء، فيكتبون بلاء كل امرئ منهم حتى كأنك حتى كأنك شاهدته، ثم اعرف لكل امرئ منهم ما كان منه، ولا تجعلن بلاء امرئ منهم لغيره، ولا تقصرن به دون بلائه، وكافئ كل امرئ منهم بقدر ما كان منه، واخصصه بكتاب منك تهزه به وتنبؤه بما بلغك عنه، ولا يحملنك شرف امرئ على أن تعظم من بلائه ( إن كان )(٤٤) صغيرا، ولا ضعف(٤٥) امرئ على أن تستخف ببلائه إن كان جسيما، ولا تفسدن أحدا منهم عندك علة عرضت له، أو نبوة كانت منه، قد كان له قبلها حسن بلاء، فان العز بيد الله يعطيه إذا شاء، ويكفه إذا شاء، ولو كانت الشجاعة تفتعل لافتعلها أكثر الناس، ولكنها طبائع بيد الله ملكها وتقدير ما أحب منها، وان أصيب أحد من فرسانك وأهل النكاية المعروفة في أعدائك، فاخلفه في أهله بأحسن ما يخلف به الوصي الموثوق به، في اللطف [ بهم ](٤٦) وحسن الولاية لهم، حتى لا يرى عليهم اثر فقده، ولا يجدوا لمصابه، فان ذلك يعطف عليك قلوب فرسانك، ويزدادون به تعظيما لطاعتك، ( وطيب النفس )(٤٧) بالركوب لمعاريض التلف في تسديد امرك، ولا قوة إلا بالله.

ذكر ما ينبغي ان ينظر فيه من أمور القضاة:

انظر في القضاء بين الناس، نظر عارف بمنزلة الحكم عند الله، فان الحكم ميزان قسط الله، الذي وضع في الأرض لانصاف المظلوم من الظالم، والاخذ للضعيف من القوي، وإقامة حدود الله على سنتها ومنهاجها، التي لا يصلح العباد والبلاد الا عليها، فاختر للقضاء بين الناس أفضل رعيتك في نفسك واجمعهم للعلم والحلم والورع، ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم ولا

__________________

(٤٣) في المصدر: يحضرونهم.

(٤٤) استظهار في الطبعة الحجرية، ولم ترد في المصدر.

(٤٥) في المصدر: ولا ضعة.

(٤٦) أثبتناه من المصدر.

(٤٧) في المصدر: وتطيب النفوس.

١٥١

يضجره عي العي، ولا يفرطه جور الظلم(٤٨) ، ولا تشرف نفسه على الطمع، ولا يدخل في اعجاب(٤٩) يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، أوقفهم عند الشهبة، وآخذهم لنفسه بالحجة، وأقلهم تبرما من تردد الحجج، وأصبرهم على كشف الأمور وايضاح الخصمين، ولا يزدهيه الاطراء، ولا يشليه(٥٠) الاغراء، ولا يأخذ فيه التبليغ بان يقال: قال فلان وقال فلان، فول القضاء من كان كذلك، ثم أكثر تعاهد امره وقضاياه، وابسط عليه من البذل ما يستغني به عن الطمع، وتقل به حاجته إلى الناس، واجعل له منك منزلة لا يطمع فيها غيره، حتى يأمن اغتيال الرجال(٥١) إياه عندك، ولا يحابي أحدا للرجاء، ولا يصانعه لاستجلاب حسن الثناء، أحسن توقيره في مجلسك، وقربه منك، وأنفذ قضاياه وامضها، واجعل له أعوانا يختارهم لنفسه، من أهل العلم والورع، واختر لأطرافك قضاة تجهد فيهم نفسك على قدر ذلك، ثم تفقد أمورهم وقضاياهم، وما يعرض لهم من وجوه الاحكام، فلا يكن في حكمهم اختلاف، فان ذلك ضياع للعدل، وعورة في الدين، وسبب للفرقة، وإنما يختلف القضاة لاكتفاء كل امرئ منهم برأيه دون الامام، فإذا اختلف القاضيان فليس لهما ان يقيما على اختلافهما في الحكم، دون رفع ما اختلفا فيه من ذلك إلى الامام، وكل ما اختلف فيه الناس فمردود إليه، ولا قوة الا بالله.

ذكر ما ينبغي ان ينظر فيه من أمور عماله:

انظر في أمور عمالك الذين تستعمل(٥٢) ، فليكن استعمالك إياهم اختيارا، ولا يكونن محاباة ولا ايثارا، فان الأثرة بالاعمال والمحاباة بها، جماع من

__________________

(٤٨) في المصدر: الظلوم.

(٤٩) في المصدر زيادة: ولا.

(٥٠) أشلى الكلب على الصيد: أغراه به، ودعاه إليه وأطعمه به، وحثه عليه ( لسان العرب « شلا »ج ١٤ ص ٤٤٣ ).

(٥١) في نسخة: الرجل.

(٥٢) في المصدر: تستعملهم.

١٥٢

شعب الجور والخيانة لله، وادخال الضرر على الناس، وليست تصلح أمور الناس ولا أمور الولاة، الا بصلاح من يستعينون به على أمورهم، ويختارونه لكفاية ما غاب عنهم فاصطف لولاية اعمالك أهل الورع والعفة(٥٣) والعلم بالسياسة، والصق بذوي التجربة والعقول والحياء، من أهل البيوتات الصاحلة، أهل الدين والورع، فإنهم أكرم الناس أخلاقا، وأشد لأنفسهم صونا واصلاحا، وأقل من المطامع اشرافا، وأحسن في عواقب الأمور نظرا من غيرهم، فليكونن عمالك وأعوانك، ولا تستعمل الا شيعتك، ثم أسبغ عليهم العمالات، وأوسع عليهم الأرزاق، فان ذلك يزيدهم قوة على استصلاح أنفسهم، وغنى عن تناول ما تحت أيديهم، وهو مع ذلك حجة لك عليهم، في شئ ان خالفوا فيه امرك، وتناولوا من أمانتك، ثم لا تدع مع ذلك تفقد اعمالهم، وبعثة العيون عليهم، من أهل الأمانة، والصدق فان ذلك يزيدهم جدا في العمارة، ورفقا بالرعية وكفا عن الظلم، وتحفظا من الاعواز، مع ما للرعية في ذلك من القوة، واحذر ان تستعمل أهل التكبر والتجبر والنخوة، ومن يحب الاطراء والثناء والذكر، ويطلب شرف الدنيا، ولا شرف الا بالتقوى، وان وجدت أحدا من عمالك بسط يده إلى خيانة، أو ركب فجورا، اجتمعت لك به عليه اخبار عيونك، من سوء ثناء رعيتك، اكتفيت بها(٥٤) شاهدا، وبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم بمن نصبته للناس فوسمته بالخيانة، وقلدته عار التهمة، فان ذلك تنكيل وعظمة لغيره، إن شاء الله تعالى.

ذكر ما ينبغي تعاهده من أهل الخراج: تعاهد أهل الخراج، وانظر كل ما يصلحهم، فان في مصالحهم صلاح من سواهم، ولا صلاح لمن سواهم الا بهم، لأنهم الثمال(٥٥) دون غيرهم، والناس

__________________

(٥٣) في المصدر: الفقه.

(٥٤) في نسخة والمصدر: به عليه.

(٥٥) يقال: فلان ثمال القوم: أي عمادهم وغياثهم الذي يقوم بأمرهم ( لسان العرب « ثمل »ج ١١ ص ٩٤ ).

١٥٣

عيال عليهم، وليكن نظرك في عمارة أرضهم وصلاح معاشهم، أشد من نظرك في زجاء(٥٦) خراجهم، فان الزجاء لا يكون الا بالعمارة، ومن يطلب الزجاء بغير العمارة، يخرب البلاد ويهلك العباد، ولا يقيم ذلك الا قليلا، ولكن اجمع أهل الخراج من كل بلد، ثم مرهم فليعلموك حال بلادهم، والذي فيه صلاحهم وصلاح ارضهم، ورجاء خراجهم، ثم سل عما يدفعون إليك أهل العلم من غيرهم، فان شكوا إليك ثقل خراجهم، أو علة دخلت عليهم، من انقطاع ماء(٥٧) ، أو فساد أرض غلب عليها غرق أو عطش أو آفة مجحفة، خففت عنهم ما ترجو ان يصلح الله به ما كان من ذلك، وأمرت بالمعونة على استصلاح ما كان من أمورهم، مما لا يقوون عليه، لان الله جاعل لك في عاقبة الاستصلاح غبطة وثوابا إن شاء الله، فاكفهم مؤونة ما كان من ذلك، ولا تثقلن شيئا خففته عنهم، وان احتملته من المؤونات، فإنما هو ذخر لك عندهم، يقوون(٥٨) به على عمارة بلادك، وتزيين ملكك، مع ما يحسن الله به من ذكرك، ويستجمهم(٥٩) به لغدك، ثم تكون مع ذلك بما ترى من عمارة ارضهم، ورجاء خراجهم، وظهور مودتهم، وحسن نياتهم(٦٠) ، واستفاضة الخير فيهم، أقر عينا وأعظم غبطة، وأحسن ذخرا، منك بما كنت مستخرجا منهم بالكد والاجحاف، فان حزنك(٦١) امر تحتاج فيه إلى الاعتماد عليهم، وجدت معتمدا بفضل قوتهم على ما تريد، بما ذخرت فيهم من الجمام، وكانت مودتهم لك وحسن ظنهم(٦٢) وثقتهم بما عودتهم من عدلك ورفقك، مع معرفتهم بقدرك فيما حدث من الأمور، قوة لهم يحتملون بها ما كلفتهم، ويطيبون بها نفسا بما حملتهم، فان

__________________

(٥٦) زجا الخراج: تيسرت جبايته ( لسان العرب ج ١٤ ص ٣٥٤ ).

(٥٧) في المصدر: شرب.

(٥٨) في نسخة: يعودون.

(٥٩) الجمام: الراحة ( لسان العرب ج ١٢ ص ١٠٥ ).

(٦٠) في المصدر: ثنائهم.

(٦١) في المصدر: حزبك.

(٦٢) في المصدر زيادة: فيك.

١٥٤

العمل(٦٣) يحتمل بإذن الله ما حملت عليه، وعمران البلاد أنفع من عمران الخزائن، لان مادة عمران الخزائن إنما تكون من عمران البلاد، وإذا خربت البلاد انقطعت مادة الخزائن، فخربت بخراب الأرض، وإنما يؤتى خراب الأرض وهلاك أهلها، من إسراف أنفس الولاة في الجمع، وسوء ظنهم بالمدة، وقلة انتفاعهم بالغير(٦٤) ، ليس بهم [ إلا ](٦٥) أن يكونوا يعرفون [ أن ](٦٦) التخفيف واستجمامهم بذلك في العام للعام القابل، والانفاق على ما ينبغي الانفاق عليهم منها، ما هو أزجى لخراجها، وأحسن لأثرهم، فيها ولكنهم يقولون ويقول القائل لهم: لا تؤخروا جباية العام إلى قابل، كأنكم واثقون بالبقاء إلى قابل، ولكفى عجبا برأيهم في ذلك، وبرأي من يزينه لهم، فما الوالي الا على احدى منزلتين: اما ان يبقى إلى قابل، فيكون قد اصلح الأرض واستصلح رعيته، فرأى حسنا في عاقبة اثره(٦٧) في ذلك، ما تقر به عينه، ويكثر به سروره، وتقل به همومه، ويستوجب به حسن الثواب على ربه، واما ان تنقطع مدته قبل القابل، فهو إلى ما عمل به من صلاح واحسان أحوج، والثناء عليه(٦٨) والدعاء له أكثر، والثواب له عند الله أفضل، وان جمع لغيره في الخزائن، ما أخرب به البلاد وأهلك به الرعية، صار مرتهنا لغيره والاثم فيه عليه، وليس تبقى من أمور الولاة الا ذكرهم، وليس يذكرون الا بسيرهم وآثارهم، حسنة كانت أم قبيحة، فاما الأموال فلا بد من أن يؤتى عليها، فيكون نفعها لغيره، أو لنائبة من نوائب الدهر تأتي عليها، فتكون حسرة على أهلها، وان أحببت ان تعرف عواقب الاحسان والإساءة، وضياع العقول من ذلك، فانظر في أمور من مضى من صالح العمال والولاة وشرارهم، وهل تجد منهم أحدا ممن حسنت في الناس سيرته وخفت عليهم مؤونته، إذا سخط باعطاء

__________________

(٦٣) في المصدر: العدل.

(٦٤) في المصدر: بالعبر.

( ٦٥ - ٦٦ ) أثبتناه من المصدر.

(٦٧) في المصدر: أمره.

(٦٨) في المصدر زيادة: أحسن.

١٥٥

حق نفسه، أضر به ذلك في شدة ملكه، أو في لذات بدنه، أو في حسن ذكره في الناس، وهل تجد أحدا ممن ساءت في الناس سيرته، واشتدت عليهم مؤونته، كان له بذلك من العز في ملكه، مثل ما دخل عليه من النقص به في دنياه وآخرته، فلا تنظر إلى ما تجمع من الأموال، ولكن انظر إلى ما تجمع من الخيرات، وتعمل من الحسنات، فان المحسن معان، والله ولي التوفيق، والهادي إلى الصواب.

ذكر ما ينبغي ان ينظر فيه من أمور كتابه:

انظر كتابك، فاعرف حال كل امرئ منهم فيما يحتاج إليه منه، فان للكتاب منازل، ولكل منزلة منها حق من الأدب لا يحتمله غيره، فاجعل لولاية عليا أمورك منهم رؤساء تتخيرهم لها، على مبلغ كل امرئ منهم في احتمال ما توليه، وول كتابة خواص رسائلك، التي تدخل بها في مكيدتك ومكنون سرك، اجمعهم لوجوه صالح الأدب، وأعونهم لك على امر من جلائل الأمور، وأجزلهم فيها رأيا، وأحسنهم فيها دينا، وأوثقهم فيها نصحا، وأطواهم(٦٩) عنك لمكنون الاسرار، ممن لا تبطره الكرامة، ولا يزدهيه الألطاف، ولا تنجم به دالة يمتن بها عليك في خلاء، أو يلتمس إظهارها في ملاء، واصدار ما ورد عليه من كتب غيرك، عن استعمال معرفة الصواب فيما يأخذ لك ويعطي منك، ولا يضعف عقدة عقدها لك، ولا يعجز عن اطلاق عقدة عقدت عليك، ولا يجهل في(٧٠) ذلك معرفة نفسه، ومبلغ قدره في الأمور، فإنه من جهل قدر نفسه كان بقدر غيره أجهل، وول ما دون ذلك من كتابة رسائلك وخراجك ودواوين جنودك، كتابا تجهد نفسك في اختيارهم، فإنها رؤوس اعمالك، وأجمعها ( لنفعك ونفع )(٧١) رعيتك، فلا يكونن اختيارك ولاتها(٧٢) على فراستك فيهم، ولا على

__________________

(٦٩) في نسخة: وأحملهم.

(٧٠) في نسخة والمصدر: مع.

(٧١) في المصدر: لمنفعتك ومنفعة.

(٧٢) في المصدر: لهم.

١٥٦

حسن الظن منك بهم، فإنه ليس شئ أكثر اختلافا لفراسة أولي الامر، ولا خلافا لحسن ظنونهم من كثير من الرجال، ولكن اخترهم على آثارهم فيما ولوا قبلك، فان ذلك من صالح ما يستدل به الناس بعضهم على أمور بعض، واجعل لرأس كل امر من تلك الأمور، رئيسا من أهل الأمانة والرأي، ممن لا يقهره كبير الأمور، ولا يضيع لديه صغيرها، [ ثم لا تدع مع ذلك ](٧٣) ان تتفقد أمورهم، وتنظر في اعمالهم، وتتلطف بمسألة ما غاب عنك من أحوالهم، حتى تعلم كيف معاملتهم الناس فيما وليتهم؟ فان في كثير من الكتاب شعبة من العز، ونخوة واعجابا، وتسرعا كثيرا من التبرم بالناس، والضجر عند المنازعة، والضيق عند المراجعة، ولا بد للناس من طلب حاجاتهم، فمتى جمعوا عليهم الابطاء بها والغلظة، ألزموك عيب ذلك، وادخلوا مؤونته عليك، وفي النظر في ذلك من صلاح أمورك، مع ما لك عند الله من الجزاء حظ عظيم، إن شاء الله تعالى.

ذكر ما ينبغي للوالي ان ينظر فيه من أمر طبقة التجار والصنائع(٧٤) :

انظر إلى التجار وأهل الصناعات، واستوص بهم خيرا، فإنهم مادة للناس، ينتفعون بصناعاتهم، ومما يجلبون إليهم من منافعهم ومرافقهم، في البر والبحر، ومن رؤوس الجبال، وبلدان مملكة العدو، وحيث لا يعرف أكثر الناس مواضع ما يحتاجون إليه من ذلك، ولا يطيقون الايثار(٧٥) به(٧٦) بأنفسهم، فلهم بذلك حق وحرمة، يجب حفظهما لهم، فتفقدوا أمورهم، واكتب إلى عمالك فيهم، واعلم مع ذلك أن في كثير منهم شحا قبيحا، وحرصا شديدا، واحتكارا للتربص والغلاء، والتضييق على الناس، والتحكم عليهم، وفي ذلك مضرة عظيمة على الناس، وعيب على الولاة، فامنعهم من ذلك،

__________________

(٧٣) أثبتناه من المصدر.

(٧٤) في المصدر: والصناع.

(٧٥) في المصدر: الاتيان.

(٧٦) في المصدر زيادة: ولا عمل ما يعملونه.

١٥٧

وتقدم إليهم فيه، فمن خالف امرك فخذ يدك فوق يده بالعقوبة الموجعة، ان شاء أو أبى.

ذكر ما ينبغي للوالي ان ينظر فيه من أمور أهل الفقر والمسكنة:

ولا تضيعن أمور الطائفة الأخرى من المساكين وذوي الحاجات، وان تجعل لهم قسما من مال الله، يقسم فيهم مع الحق المفروض الذي جعل الله لهم في كتابه من الصدقات، وفرق ذلك في اعمالك، فليس أهل موضع أحق به من أهل موضع، بل لأقصاهم من الحق ما لأدناهم، وكل قد استرعيت امره، فلا يشغلنك عن تعاهد أمورهم النظر في امر غيرهم، فان لكل منك نصيبا لا تعذر بتضييعه، وتفقد حاجات مساكين الناس وفقرائهم، ممن لا تصل إليك حاجته، وممن تقتحمه العيون، وتحقره الناس، عن رفع حاجاته إليك، وانصب لهم أوثق من عندك في نفسك نصيحة، وأعظمهم في الخير حسبة(٧٧) ، وأشدهم لله تواضعا، ممن لا يحقر الضعفاء، ولا يستشرف العظماء، ومرهم فليرفعوا إليك أمورهم، ثم انظر فيها نظرا حسنا، فان هزيل الرعية أحوج إلي الانصاف والتعاهد من ذوي السمانة، وتعاهد أهل الزمانة والبلاء، وأهل اليتم والضعف، وذوي الستر من أهل الفقر، الذين لا ينصبون أنفسهم لمسألة يعتمدون عليها، فاجعل لهم من مال الله نصيبا، تريد بذلك وجه الله والقربة إليه، فان الاعمال إنما تخلص بصدق النيات.

ذكر ما ينبغي أن يأخذ الوالي به نفسه من(٧٨) الأدب وحسن السيرة:

ولا بد وان اجتهدت في اعطاء كل ذي حق حقه، ان تتطلع أنفس طوائف منهم إلى مشافهتك بالحاجات، وذلك على الولاة ثقل ومؤونة، والحق ثقيل الا على من خففه الله عليه، ولذلك ثقل ثوابه في الميزان، فاجعل لذوي الحاجات ( من

__________________

(٧٧) في المصدر: خشبة.

(٧٨) في الطبعة الحجرية: « في »، وما أثبتناه من المصدر.

١٥٨

نفسك قسما )(٧٩) ووقتا، تأذن لهم فيه، وتتسع بما يرفعونه إليك، وتلين لهم جناحك، وتحتمل خرق ذوي الخرق منهم، وعي أهل العي فيهم، بلا أنفة منك ولا ضجر، فمن أعطيت منهم فاعطه هنيئا، ومن حرمت منهم فامنعه باجمال وحسن رد، وليس من شئ أضيع لأمور الولاة من التواني، واغتنام تأخير يوم إلى يوم، وساعة إلى ساعة، والتشاغل بما لا يلزم عما يلزم، فاجعل لكل شئ تنظر فيه وقتا لا يقصر به عنه، ثم افرغ فيه مجهودك، وامض لكل يوم عمله، واعط لكل ساعة قسطها، واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت، وان كانت كلها لله إذا صحت نيتك، ولا تقدم شيئا على فرائض دينك في ليل ولا نهار، حتى تؤدي ذلك كاملا موفرا، ولا تطل الاحتجاب، فان ذلك باب من سوء الظن بك، وداعية إلى فساد الأمور عليك، والناس بشر لا يعرفون ما غاب عنهم، وتخير حجابك، وأقص منهم كل ذي اثرة على الناس، وتطاول وقلة انصاف، ولا تقطع أحدا من حشمك ولا من أهلك ضيعة، ولا تأذن لهم في اتخاذها، إذا كان يضر فيها بمن يليه من الناس، ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك، فان في الصلح دعة للجنود، ورخاء للمهموم(٨٠) ، وامنا للبلاد، فان أمكنتك القدرة والفرصة من عدوك، فانبذ عهده إليه، واستعن بالله عليه، وكن أشد ما تكون لعدوك حذرا، عندما يدعوك إلى الصلح، فان ذلك ربما كان مكرا وخديعة، وإذا عاهدت فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة والصدق، وإياك والغدر بعهد الله، والاخفار لذمته، فان الله جعل عهده أمانا أمضاه بين العباد برحمته، والصبر على ضيق ترجو انفراجه، خير من غدر تخاف أوزاره وتباعته وسوء عاقبته، وإياك والتسرع إلى سفك الدماء لغير حلها، فإنه ليس شئ أعظم من ذلك تباعة، ولا تطلبن تقوية ملك زائل لا تدري ما حظك من بقائه وبقائك له، بهلاك نفسك والتعرض لسخط ربك، إياك والاعجاب بنفسك والثقة بها، فان ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه إياك، والعجلة بالأمور

__________________

(٧٩) في نسخة: قسما من نفسك.

(٨٠) في نسخة والمصدر: للهموم.

١٥٩

قبل أوانها، والتواني فيها قبل ابانها وزمانها وامكانها، واللجاجة فيها إذا تنكرت، والوهن إذا تبينت، فان لكل امر موضعا، ولكل حالة حالا ».

أقول: هذا العهد كأنه هو عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى مالك الأشتر، حين ولاه مصر.

ورواه السيد في نهج البلاغة(٨١) ، والحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول(٨٢) ، وإن كان بينها اختلاف شديد في الزيادة والنقصان، كما أن بين الأخيرين أيضا اختلافا فيهما، وحيث إنه لا بد لنا من نقل ذلك العهد لكثرة فوائده المناسبة لهذا الباب، فنحن نسوقه بلفظ السيد:

قال السيدرحمه‌الله : ومن عهد لهعليه‌السلام كتبه للأشتر النخعي على مصر وأعمالها، حين اضطرب امر أميره محمد بن أبي بكررحمه‌الله ، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن: « بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين، مالك بن الحارث الأشتر، في عهده إليه حين ولاه مصر، جبوة(٨٣) خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح ارضها وأهلها، وعمارة بلادها. امره بتقوى الله، وايثار طاعته، واتباع ما امره به في كتابه، من فرائضه وسننه، التي لا يسعد أحد الا باتباعها، ولا يشقى الا مع جحودها واضاعتها، وان ينصر الله سبحانه بيده وقلبه ولسانه، فإنه جل اسمه قد تكفل بنصرة(٨٤) من نصره، واعزاز من أعزه، وأمره ان يكسر نفسه عند الشهوات، ويزعها عند الجمحات، فان النفس امارة بالسوء الا ما رحم الله.

ثم اعلم يا مالك: اني وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وان الناس ينظرون من أمورك مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة

__________________

(٨١) نهج البلاغة ج ٣ ص ٩٢ رقم ٥٣.

(٨٢) تحف العقول ص ٨٤.

(٨٣) في المصدر: جباية.

(٨٤) في المصدر: بنصر.

١٦٠