مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١٣

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل0%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 496

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: الصفحات: 496
المشاهدات: 274909
تحميل: 3759


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26 الجزء 27
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 274909 / تحميل: 3759
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء 13

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك، وشح بنفسك عما لا يحل لك، فان الشح بالنفس الانصاف منها فيما أحببت وكرهت، وأشعر قلبك الرحمة بالرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: اما أخ لك في الدين، واما نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، ويعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الامر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك امرهم وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحرب الله، فإنه لا يد لك(٨٥) بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه، ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة، ولا تقولن اني مؤمر آمر فأطاع، فان ذلك ادخال(٨٦) في القلب، ومنهكة في الدين، وتقرب من الغير، وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطان أبهة أو مخيلة(٨٧) ، فانظر إلى عظم ملك الله فوقك، وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فان ذلك يطامن إليك من طماحك(٨٨) ، ويكف عنك من غربك(٨٩) ، ويفي إليك بما عزب عنك من عقلك، إياك ومساماة الله في عظمته، والتشبه به في جبروته، فان الله يذل كل جبار، ويهين كل مختال، أنصف الله وأنصف الناس، من نفسك ومن خاصة أهلك، ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك أن لا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته، فكان(٩٠) لله حربا حتى ينزع ويتوب، وليس شئ ادعى إلى تغيير نعمة

__________________

(٨٥) في نسخة والمصدر: ولا يدي لك.

(٨٦) في المصدر: ادغال.

(٨٧) المخيلة: التكبر ( لسان العرب ج ١١ ص ٢٢٨ ).

(٨٨) الطماح: التكبر والفخر ( لسان العرب ج ٢ ص ٥٣٤ ).

(٨٩) الغرب: الحدة والنشاط ( لسان العرب ج ١ ص ٦٤١ ).

(٩٠) في نسخة: وكان.

١٦١

الله وتعجيل نقمته، من إقامة على ظلم، فان الله يسمع دعوة المظلومين، وهو للظالمين بالمرصاد، وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، وأجمعها لرضى الرعية، فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وان سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة، وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل له معونة في البلاء، واكره للانصاف، واسأل بالالحاف، وأقل شكرا عند الاعطاء، وأبطأ عذرا عند المنع، واضعف صبرا عند ملمات الدهر من الخاصة، وإنما عمود الدين، وجماع المسلمين، والعدة للأعداء، العامة من الأمة، فليكن صغوك(٩١) لهم وميلك معهم، وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك، أطلبهم لمعائب الناس، فان في الناس عيوبا، الوالي أحق من سترها، ولا تكشفن عما غاب عنك [ منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك ](٩٢) ، واستر العورة ما استطعت، يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك، أطلق عن الناس عقدة كل حقد، واقطع عنهم سبب كل وتر، وتغاب عن كل ما لا يصح لك، ولا تعجلن إلى تصديق ساع، فان الساعي غاش، وان تشبه بالناصحين، ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور، فان البخل والجبن والحرص غرائز شتى، يجمعها سوء الظن بالله ان شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، ومن شركهم في الآثام، فلا يكونن لك بطانة، فإنهم أعوان الآثمة، واخوان الظلمة، وأنت واجد منهم خير الخلف، ممن له مثل آرائهم ونفاذهم، وليس عيه مثل آصارهم وأوزارهم، ممن لم يعاون ظالما على ظلمه، ولا آثما على اثمه، أولئك أخف عليك مؤونة، وأحسن لك معونة، وأحنى عليك عطفا، وأقل لغيرك ألفا، فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك وحفلاتك.

ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق، وأقلهم مساعدة فيما يكون منك مما

__________________

(٩١) الصغر: الميل ( لسان العرب ج ١٤ ص ٤٦١ ).

(٩٢) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

١٦٢

كره الله لأوليائه، واقعا ذلك من هواك حيث وقع، والصق بأهل الورع والصدق، ثم رضهم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فان كثرة الاطراء يحدث الزهو(٩٣) ويدني من العزة، ولا يكونن المحسن والمسئ عندك بمنزلة سواء، فان في ذلك تزهيدا لأهل الاحسان في الاحسان، وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة، والزم كلا منهم ما الزم نفسه.

واعلم أنه ليس شئ بأدعى إلى حسن ظن وال(٩٤) برعيته، من احسانه إليهم، وتخفيفه للمؤونات عنهم، وترك استكرامه إياهم على ما ليس له قبلهم، فليكن منك في ذلك امر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فان حسن الظن يقطع عنك نصبا طويلا، وان أحق من حسن ظنك به، لمن حسن بلاؤك عنده، وان أحق من ساء ظنك به، لمن ساء بلاؤك عنده ولا تنقض(٩٥) سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثن سنة تضر بشئ من ماضي تلك السنن فيكون الاجر لمن سنها، والوزر عليك بما نقضت منها، وأكثر مدارسة العلماء، ومناقشة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه امر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك.

واعلم أن الرعية طبقات، لا يصلح بعضها الا ببغض، ولا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الانصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة، وكل قد سمى الله سهمه، ووضع على حده فريضة في كتابه أو سنة نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عهدا منه عندنا محفوظا.

فالجنود بإذن الله حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبل

__________________

(٩٣) الزهو: الكبر والاختيال ( القاموس المحيط « زهو » ج ٤ ص ٣٤٠ ).

(٩٤) في المصدر: راع.

(٩٥) في نسخة: تنقضن.

١٦٣

الامن، وليس تقوم الرعية الا بهم، ثم لا قوام للجنود الا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به في جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه فيما أصلحهم، ويكون من وراء حاجتهم، ثم لا قوام لهذين الصنفين الا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب، لما يحكمون من المعاقد، ويجمعون من المنافع، ويؤتمنون عليه من خواص الأمور، وعوامها، ولا قوام لهم جميعا الا بالتجار وذوي الصناعات، فيما يجتمعون عليه من مرافقهم، ويقيمون من أسواقهم، ويكفونهم من الترفق بأيديهم، مما لا يبلغه رفق غيرهم. ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة، الذين يحق رفدهم ومعونتهم، وفي الله لكل سعة، ولكل على الوالي حق يقدر ما يصلحه، وليس بخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله تعالى من ذلك، الا بالاهتمام والاستعانة [ بالله ](٩٦) ، وتوطين نفسه على لزوم الحق والصبر عليه، فيما خف عليه أو ثقل، فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأنقاهم جيبا، وأفضلهم حلما، ممن يبطئ عن الغضب، ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضعفاء، وينبو على الأقوياء، ممن لا يثيره العنف، ولا يقعد به الضعف، ثم الصق بذوي الأحساب والبيوتات الصالحة والسوابق الحسنة، ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة، فإنهم جماع من الكرم، وشعب من العرف، ثم تفقد من أمورهم ما يتفقده الوالدان من ولدهما، ولا يتفاقمن في نفسك شئ قويتهم بهم، ولا تحقرن لطفا تعاهدتهم به وان قل، فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك وحسن الظن بك، ولا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها، فان لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به، وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه، وليكن آثر رؤوس جنودك عندك، من واساهم في معونته، وأفضل عليهم من جدته، بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم، حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو، فان عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك، وان أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية، وانه لا تظهر مودتهم الا بسلامة صدرهم، ولا تصح نصيحتهم الا

__________________

(٩٦) أثبتناه من المصدر.

١٦٤

بحيطتهم على ولاة أمورهم، وقلة استثقال دولهم، وترك استبطاء انقطاع مدتهم، فافسح في آمالهم، وواصل من حسن الثناء عليهم، وتعديل ما ابلى ذووا البلاء منهم، فان كثرة الذكر لحسن فعالهم، تحض الشجاع وتحرض الناكل، إن شاء الله.

ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تضمن(٩٧) بلاء امرئ إلى غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما، واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك(٩٨) من الخطوب، ويشتبه عليك من الأمور، فقد قال الله سبحانه لقوم أحب ارشادهم:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ ) (٩٩) فالرد إلى الله الاخذ بمحكم كتابه، والرد إلى الرسول الاخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.

ثم اختر للحكم بين الناس، أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور، ولا يمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفئ إلى الحق إذا عرفه، ولا يشرف نفسه إلى طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، أوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه اطراء، ولا يستميله اغراء، وأولئك قليل، ثم أكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل ما يزيح علته، وتقل معه حاجته إلى الناس، واعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا، فإن هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوى وتطلب فيه الدنيا.

__________________

(٩٧) في نسخة والمصدر: ولا تضيفن.

(٩٨) قال ابن الأثير في النهاية: وحديث علي عليه‌السلام : « وارد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب »: أي يثقلك ( النهاية ج ٣ ص ٩٦ )، وفي نسخة: يطلعك.

(٩٩) النساء ٤ الآية ٥٩.

١٦٥

ثم انظر في أمور عمالك، فاستعملهم اختيارا، ولا تولهم محاباة وإثرة، فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء، من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الاسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقا، وأصح اعراضا، وأقل في المطامع إسرافا (١٠٠)، وأبلغ في عواقب الأمور نظرا، ثم أسبغ عليهم الأرزاق، فان ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم ان خالفوا امرك، أو ثلموا أمانتك، ثم تفقد اعمالهم، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فان تعاهدك في السر لأمورهم، حدوة (١٠١) لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية، وتحفظ من الأعوان، فان أحد منهم بسط يده إلى خيانة، اجتمعت بها عليه عندك اخبار عيونك، اكتفيت بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، واخذت ما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة، ووسمته بالخيانة، وقلدته عار التهمة. وتفقد امر الخراج بما يصلح أهله، فان في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم، ولا صلاح لغيرهم الا بهم، لان الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض، أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة، أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم امره الا قليلا، فان شكوا علة أو ثقلا أو انقطاع شرب، أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق، وأجحف بها عطش، خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به امرهم، ولا يثقلن شئ عليك خففت به المؤونة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم، وتبجحك باستفاضة العدل فيهم، معتمدا فضل قوتهم، بما ذخرت عندهم من اجمامك لهم، والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم، في رفقك بهم، فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد، احتملوه طيبة أنفسهم به،

__________________

(١٠٠) في المصدر: اشرافا.

(١٠١) حدوة: في حديث الدعاء: تحدوني عليها خلة واحدة، أي: تبعثني وتسوقني عليها خصلة واحدة ( لسان العرب « حدا » ج ١٤ ص ١٦٩ ).

١٦٦

فان العمران يحتمل ما حملته، وإنما يؤتى خراب الأرض من اعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لاشراف أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالعبر.

ثم انظر في حال كتابك، فول على أمورك خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك واسرارك، بأجمعهم لوجوده صالح الأخلاق، ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك، في خلاف لك، بحضرة ملا، ولا يقصر به الغفلة عن ايراد مكاتبات عمالك عليك، وأصدر جواباتها على الصواب عنك، وفيما يأخذ لك ويعطي منك، ولا يضعف عقدا اعتقده لك، ولا يعجز عن اطلاق ما عقد لك، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور، فان الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل، ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك، فان الرجال يتعرضون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شئ، ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة اثرا، واعرفهم بالأمانة وجها، فان ذلك دليل على نصيحتك لله، ولمن وليت امره، واجعل لرأس كل امر من أمورك رأسا منهم، لا يقهره كبيرها، ولا يشتت عليه كثيرها، ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته.

ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات، وأوص بهم خيرا، المقيم منهم ببدنه، والمضطرب بماله، والمترفق بيديه، فإنهم مواد المنافع، وأسباب المرافق، وجلابها عن المباعد والمطارح، في برك وبحرك، وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها، ولا يجترؤون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته وصلح لا تخشى غائلته، وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك، واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا، وشحا قبيحا، واحتكارا للمنافع، وتحكما في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة، وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار، فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منع منه، وليكن البيع بيعا سمحا، بموازين

١٦٧

عدل، واسعار لا تجحف بالفريقين، من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة (١٠٢) بعد نهيك إياه فنكل به، وعاقبه في غير إسراف.

ثم الله الله في الطبقة السفلى، من الذين لا حيلة لهم، من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمني، فان في هذه الطبقة قانعا ومعترا، فاحفظ الله (١٠٣) ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قسما من بيت مالك، وقسما من غلات صوافي الاسلام في كل بلدة، فان للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكل قد استرعيت حقه، فلا يشغلنك عنهم بطر، فإنك لا تعذر بتضييع التافه لاحكامك الكثير المهم، فلا تشخص همك عنهم، ولا تصعر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم، ممن تقتحمه العيون، وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم.

ثم اعمل فيهم بالاعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه، فان هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الانصاف من غيرهم، وكل فاعذر إلى الله في تأدية حقه إليه، وتعهد أهل اليتم، وذوي الرقة في السن، ممن لا حيلة له، ولا ينصب للمسألة نفسه، وذلك على الولاة ثقيل، والحق كله ثقيل، وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العافية، فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم، واجعل لذوي الحاجات منك قسما، تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلسا عاما، فتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك، وشرطك، حتى يكلمك مكلمهم (١٠٥) غير متعتع، فاني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في غير موطن: لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي (١٠٦)، ثم

__________________

(١٠٢) الحكرة: الاحتكار وهو جمع الطعام، ونحوه، وحبسه انتظار وقت الغلاء ( لسان العرب ( حكر ج ٤ ص ٢٠٨ ).

(١٠٣) في المصدر: لله.

(١٠٤) في نسخة: حراسك.

(١٠٥) في نسخة والمصدر: متكلمهم.

(١٠٦) في المصدر زيادة: غير متتعتع.

١٦٨

احتمل الخرق منهم والعي، ونح عنك (١٠٧) الضيق والأنف، يبسط الله عليك بذلك اكناف رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته، واعط ما أعطيت هنيئا، وامنح في اجمال واعذار، ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها، منها إجابة عمالك بما يعيي عنه كتابك، ومنها اصدار حاجات الناس عند ورودها عليك، بما تحرج به صدور أعوانك، وامض لكل يوم عمله، فان لكل يوم ما فيه، واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت، وأجزل تلك الأقسام، وان كانت كلها لله، إذا صلحت فيها النية، وسلمت فيها الرعية، وليكن في خاصة ما تخلص به لله دينك، إقامة فرائضه التي هي له خاصة، فاعط الله من بدنك في ليلك ونهارك، ووف ما تقربت به إلى الله من ذلك كاملا غير ملثوم ولا منقوص، بالغا من بدنك ما بلغ، فإذا قمت في صلاتك للناس، فلا تكونن منفرا ولا مضيعا، فان في الناس من به العلة وله الحاجة، وقد سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حين وجهني إلى اليمن، كيف أصلي بهم؟ فقال: صلى بهم صلاة أضعفهم، وكن بالمؤمنين رحيما، واما بعد هذا فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل، وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، وإنما أنت أحد رجلين: اما امرؤ سخط نفسه بالبذل في الحق، ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه أو فعل كريم تسديه؟ أو مبتلى بالمنع، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤونة فيه عليك، من شكاة مظلمة، أو طلب انصاف في معاملة.

ثم إن للوالي خاصة وبطانة، فيهم استئثار وتطاول وقلة انصاف (١٠٨)،

__________________

(١٠٧) في المصدر: عنهم.

(١٠٨) في المصدر زيادة: في معاملة.

١٦٩

فاحسم مؤونة (١٠٩) أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال، ولا تقطعن لاحد من خاصتك (١١٠) وحامتك قطيعة، ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة، تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك، يحملون مؤونته على غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة، والزم الحق من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك وخواصك حيث وقع، وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فان مغبة ذلك محمودة، وان ظنت الرعية بك حيفا فاصحر (١١١) لهم بعذرك، واعدل عنهم ظنونهم باصحارك، فإن في ذلك (١١٢) اعذارا تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق، ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك، لله فيه رضى، فان في الصلح دعة لجنودك، وراحة من همومك، وامنا لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فان العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن، وان عقدت بينك وبين عدو لك عقدة، أو ألبسته منك ذمة، فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله سبحانه شئ الناس عليه أشد اجتماعا، مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود، وقد التزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين، لما استوبلوا (١١٣) من عواقب الغدر، فلا تغدرن بذمتك، ولا تخيسن (١١٤) بعهدك، ولا تختلن عدوك، فإنه لا يجترئ على الله الا جاهل شقي، وقد جعل الله عهده وذمته، امنا أفضاه بين العباد برحمته، وحريما يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره، فلا ادغال ولا مدالسة ولا خداع فيه، ولا تعقد عقدا يجوز فيه العلل، ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة، ولا يدعونك ضيق امر

__________________

(١٠٩) في المصدر: مادة.

(١١٠) في نسخة: حاشيتك.

(١١١) أصحر بالشئ: كشفه وأوضحه ( لسان العرب « صحر » ج ٤ ص ٤٤٤ ).

(١١٢) في المصدر زيادة: رياضة منك لنفسك ورفقا برعيتك و.

(١١٣) استوبل الشئ: كرهه ولم يستعد به ( لسان العرب « وبل » ج ١١ ص ٢٧٠ ).

(١١٤) خاس بالعهد: غدر ( مجمع البحرين - خيس - ج ٤ ص ٦٨ ).

١٧٠

لزمك فيه عهد الله، إلى طلب انفساخه بغير الحق، فان صبرك على ضيق ترجو انفراجه وفضل عاقبته، خير من غدر تخاف تبعته، وان تحيط بك فيه من الله طلبته، فلا تستقيل (١١٥) فيها دنياك ولا آخرتك، إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شئ أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة، ولا أحرى بزوال نعمة، وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا (١١٧) من الدماء يوم القيامة فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فان ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لان فيه قود البدن، وان ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك ويدك بعقوبة، فان في الوكزة (١١٨) فما فوقها مقتلة، فلا تطمحن بك نخوة سلطانك، عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم، وإياك والاعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحب الاطراء، فان ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من احسان المحسن، وإياك والمن على رعيتك باحسانك، والتزيد فيما كان من فعلك، وان تعدهم فتتبع موعودك بخلفك، فان المن يبطل الاحسان، والتزيد يذهب بنور الحق، والخلف يوجب المقت عند الله وعند الناس، فان الله سبحانه يقول: ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) (١١٩) وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، والتساقط فيها عند امكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت، أو الوهن عنها إذا استوضحت، فضع كل امر موضعه، وأوقع كل امر موقعه، وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة، والتغابي عما تعنى به، مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك، وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور، وينتصف منك للمظلوم، أملك حمية انفك، وسورة حدك، وسطوة يدك، وغرب لسانك، واحترس من كل ذلك بكف البادرة،

__________________

(١١٥) في الطبعة الحجرية: « تستقبل »، وما أثبتناه من المصدر.

(١١٦) في المصدر: أدنى.

(١١٧) في نسخة: سفكوا.

(١١٨) الوكزة: الضربة بجمع اليد ( لسان العرب « وكز » ج ٥ ص ٤٣٠ ).

(١١٩) الصف ٦١ الآية ٣.

١٧١

وتأخير السطوة، حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار، ولن تحكم ذلك من نفسك، حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك، والواجب عليك ان تتذكر ما مضى لمن تقدمك، من حكومة عادلة أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو فريضة في كتاب الله، فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها، وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، واستوثقت به من الحجة لنفسي عليك، لكيلا يكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها» .

ومن هذا العهد وهو آخره: « وانا أسأل الله تعالى بسعة رحمته، وعظيم قدرته، على اعطاء كل رغبة، أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه، من الإقامة على العذر الواضح إليه والى خلقه، مع حسن الثناء في العباد، وجميل الأثر في البلاد، وتمام النعمة وتضعيف الكرامة، وان يختم لي ولك بالسعادة والشهادة، انا إليه راغبون، والسلام على رسول الله وسلم تسليما كثيرا ».

[١٥٠١٩] ٣ - السيد محي الدين أبو حامد محمد بن عبد الله الحلبي ابن أخي ابن زهرة في الأربعين: عن أبي الحرب محمد بن الحسن الحسيني البغدادي، عن الفقيه قطب الدين أبي الحسن سعيد بن هبة الله الراوندي، عن الشيخ أبي جعفر محمد ابن علي بن المحسن الحلبي، عن الشيخ أبي الفتح محمد بن علي الكراجكي، عن الشيخ المفيد إلى آخر ما في الوسائل، والظاهر أن من هذا الكتاب اخذ الشهيدرحمه‌الله رسالة الصادقعليه‌السلام إلى النجاشي والي الأهواز.

[١٥٠٢٠] ٤ - وفي النهج: من كتاب له إلى قثم بن العباس، وهو عامله على مكة: « اما بعد فأقم للناس الحج، وذكرهم بأيام الله، واجلس لهم العصرين(١) ،

__________________

٣ - الأربعين لابن زهرة ص ٤.

٤ - نهج البلاغة ج ٣ ص ١٤٠ رقم ٦٧.

(١) العصران: الغداة والعشي، أول النهار وآخره ( لسان العرب ج ٤ ص ٥٧٦ )

١٧٢

فافت المستفتي، وعلم الجاهل، وذكر(٢) العالم، ولا يكن لك إلى الناس سفير الا لسانك، ولا حاجب الا وجهك، ولا تحجبن ذا حاجة عن لقائك بها، فإنها ان ردت(٣) عن أبوابك في أول وردها، لم تحمد فيها بعد على قضائها، فانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله، فاصرفه إلى من قبلك من ذي العيال والمجاعة، مصيبا به مواضع المفاقر(٤) والخلات، وما فضل عن ذلك فاحمله الينا لنقسمه في من قبلنا» .

٤٣ -( باب عدم جواز التصدق بالمال الحرم إذا عرف أربابه)

[١٥٠٢١] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال في قول الله عز وجل:( وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ ) (١) فقال: « كان الناس حين أسلموا، عندهم مكاسب من الربا أو من أموال خبيثة، فكان الرجل يتعمدها من بين ماله فيتصدق بها، فنهاهم الله عن ذلك ».

وباقي اخبار الباب تقدم في أبواب الصدقة.

٤٤ -( باب ان جوائز الظالم وطعامه حلال، وإن لم يكن له مكسب الا من الولاية، الا ان يعلم كونه حراما بعينه، وانه يستحب الاجتناب، وحكم وكيل الوقف المستحل له)

[١٥٠٢٢] ١ - ابنا بسطام في طب الأئمة: عن الأشعث بن عبد الله، عن محمد بن

__________________

(٢) في المصدر: وذاكر.

(٣) في المصدر: ذيدت.

(٤) في المصدر: الفاقة.

الباب ٤٣

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٤٤.

(١) البقرة ٢ الآية ٢٦٧.

الباب ٤٤

١ - طب الأئمة ص ١١٥.

١٧٣

عيسى، عن أبي الحسن الرضا، عن موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: « لما طلب أبو الدوانيق أبا عبد اللهعليه‌السلام وهم بقتله، فأخذه صاحب المدينة ووجه به إليه - إلى أن ذكر دخولهعليه‌السلام عليه، قال - ثم امره بالانصراف وحباه وأعطاه، فأبى ان يقبل شيئا، وقال: يا أمير المؤمنين، أنا في غناء وكفاية وخير كثير، فإذا هممت ببري فعليك بالمتخلفين من أهل بيتي، فارفع عنهم القتل، قال: قد قبلت يا أبا عبد الله، وقد أمرت بمائة ألف درهم ففرق بينهم، فقال: وصلت الرحم يا أمير المؤمنين »، الخبر.

[١٥٠٢٣] ٢ - الصدوق في العيون، عن أحمد بن محمد بن الصقر وعلي بن محمد بن مهرويه، معا عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن أبيه عن الحسن بن الفضل، عن الرضا، عن أبيه ( صلوات الله عليهما )، قال: « أرسل أبو جعفر الدوانيقي إلى جعفر بن محمدعليهما‌السلام - إلى أن قال - فلما دخل جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، ونظر إليه من بعيد، تحرك(١) أبو جعفر على فراشه، قال مرحبا: وأهلا بك يا أبا عبد الله، ما أرسلنا إليك الا رجاء ان نقضي دينك ونقضي ذمامك، ثم سأله مسألة لطيفة عن أهل بيته، وقال: وقد قضى الله ( حاجتك و )(٢) دينك، واخرج جائزتك(٣) ». الخبر.

[١٥٠٢٤] ٣ - محمد بن علي بن شهرآشوب في المناقب: عن الربيع الحاجب، قال: أخبرت الصادقعليه‌السلام ، بقول المنصور: لأقتلنك ولأقتلن أهلك، حتى لا أبقي على الأرض منكم قامة سوط، ولأخربن المدينة حتى لا اترك فيها جدارا قائما، فقالعليه‌السلام : « لا ترع من كلامه ودعه في طغيانه » فما صار بين السترين، سمعت المنصور يقول: أدخلوه إلي سريعا، فأدخلته عليه، فقال:

__________________

٢ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ١ ص ٣٠٥.

(١) في المصدر: « يحرك شفتيه ».

(٢) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٣) في المصدر: « حايزتك ».

٣ - مناقب ابن شهرآشوب ج ٤ ص ٣٢١.

١٧٤

مرحبا بابن العم النسيب، وبالسيد القريب، ثم اخذ بيده وأجلسه على سريره واقبل عليه، ثم قال: أتدري لم بعثت إليك؟ فقالعليه‌السلام : « وأنى لي العلم بالغيب » فقال: أرسلنا إليك لتفرق هذه الدنانير في أهلك، وهي عشرة آلاف دينار، فقالعليه‌السلام : « ولها غيري » فقال: أقسمت عليك يا أبا عبد الله لتفرقها على فقراء أهلك، ثم عانقه بيده واجازه وخلع عليه الخبر.

[١٥٠٢٥] ٤ - وفيه: التمس محمد بن سعيد من الصادقعليه‌السلام رقعة إلى محمد بن سمالي في تأخير خراجه، فقالعليه‌السلام : قل له: « سمعت جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، يقول: من أكرم لنا مواليا فبكرامة الله بدأ، ومن أهانه فلسخط الله تعرض، ومن أحسن إلى شيعتنا فقد أحسن إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن أحسن إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقد أحسن إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن أحسن إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد أحسن إلى الله، ومن أحسن إلى الله كان والله معنا في الرفيع الأعلى »، قال: فأتيته وذكرته، فقال: بالله سمعت هذا الحديث من الصادقعليه‌السلام ، فقلت: نعم، فقال: اجلس، ثم قال: يا غلام ما على محمد بن سعيد من الخراج، قال: ستون ألف درهم، قال: امح اسمه من الديوان، وأعطاني بدرة وجارية وبغلة بسرجها ولجامها، قال: فأتيت أبا عبد اللهعليه‌السلام ، فلما نظر إلي تبسم، الخبر.

[١٥٠٢٦] ٥ - السيد علي بن طاووس في مهج الدعوات: عن الحسن بن محمد النوفلي، عن الربيع صاحب المنصور، قال: حججت مع أبي جعفر المنصور - إلى أن ذكر دخوله في المدينة بعد رجوعه من الحج، وأمره باحضار الصادقعليه‌السلام ، قال - فلما قرب منه جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال له المنصور: ادن مني يا بن عمي، وتهلل وجهه، وقربه منه حتى أجلسه معه على السرير، ثم

__________________

٤ - المناقب ج ٤ ص ٢٣٥.

٥ - مهج الدعوات ص ١٨٤.

١٧٥

قال: يا غلام ائتني بالحقة(١) فأتاه بالحقة، فإذا فيها قدح الغالية(٢) ، فغلفه(٣) منها بيده، ثم حمله على بغلة وأمر له ببدرة وخلعة، ثم أمره بالانصراف، الخبر.

ورواه في البحار: عن التلعكبري في مجموع الدعوات، مثله(٤) .

[١٥٠٢٧] ٦ - وعن محمد بن أبي القاسم الطبري: عن محمد بن أحمد بن شهريار، عن محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري، عن محمد بن عمر القطان، عن عبد الله بن خلف، عن محمد بن إبراهيم الهمداني، عن الحسن بن علي البصري، عن الهيثم بن عبد الله الرماني والعباس بن عبد العزيز العنبري، عن الفضل بن الربيع، عن أبيه، قال: بعث المنصور إبراهيم بن جبلة ليشخص جعفر بن محمدعليهما‌السلام - إلى أن ذكر دخولهعليه‌السلام عليه، قال - فقال المنصور: يا غلام ائتني بالغالية، فأتاه بها فجعل يغلفه بيديه، ثم دفع إليه أربعة آلاف دينار، ودعا بدابته فأتاه بها، فجعل يقول: قدم قدم، إلى أن أتى بها إلى عند سريره، فركب جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، الخبر.

[١٥٠٢٨] ٧ - ومن كتاب عتيق: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله بن صفوة، عن محمد بن العباس العاصمي، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن أبيه، عن محمد بن الربيع الحاجب، قال: قعد المنصور يوما في قصره في القبة الخضراء -

__________________

(١) الحقة: اناء من عاج أو غيره يستعمل لحفظ الطيب ( لسان العرب « حقق » ج ١٠ ص ٥٦ ).

(٢) الغالية: نوع من الطيب. ( لسان العرب « غلا » ج ١٥ ص ١٣٤ ).

(٣) غلف لحيته: لطخ بالطيب ظاهرها ( لسان العرب « غلف » ج ٩ ص ٢٧١ ) وفي المصدر: غلقه.

(٤) البحار ج ٤٧ ص ١٩٠ ح ٣٧ و ج ٩٤ ص ٢٧٩ عن مهج الدعوات. علما ان في نهاية الحديث الذي يسبقه في البحار ٩٤ ما لفظه: « كتبته من مجموع بخط الشيخ الجليل - أي: الحسين محمد بن هارون التلعكبري - أدام الله تأييده هكذا كان في الأصل »، ٦ - مهج الدعوات ص ١٩١.

٧ - المصدر السابق ص ١٩٥.

١٧٦

إلى أن ذكر إرساله إلى الصادقعليه‌السلام في آخر الليل، ودخولهعليه‌السلام عليه وعتابه عليه واعتذاره - إلى أن قال - قال: يا ربيع، هات العيبة من موضع كانت فيه العيبة(١) ، فأتيته بها، فقال: ادخل يدك فيها، فكانت مملوءة غالية، وضعها في لحيته، وكانت بيضاء فاسودت. وقال لي: أحمله على فاره من دوابي التي اركبها، واعطه عشرة آلاف درهم، وشيعه إلى منزله مكرما، الخبر.

[١٥٠٢٩] ٨ - وعن الفضل بن الربيع قال: لما اصطبح الرشيد يوما، استدعى حاجبه فقال له: امض إلى علي بن موسى العلويعليهما‌السلام ، وأخرجه من الحبس والقه في بركة السباع، إلى أن ذكر امره باخراجه وادخاله عليه، فلما حضر بين يدي الرشيد عانقه، ثم حمله إلى مجلسه، ورفعه فوق سريره، وقال: يا بن العم، ان أردت المقام عندنا ففي الرحب والسعة، وقد أمرنا لك ولأهلك بمال وثياب، فقال(١) : « لا حاجة(٢) في المال ولا الثياب، ولكن في قريش نفر يفرق ذلك عليهم » وذكر له قوما فأمر لهم بصلة وكسوة، الخبر.

قال السيد: لربما كان هذا الحديث عن الكاظم موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، لأنه كان محبوسا عند الرشيد، لكنني ذكرت هذا كما وجدته.

[١٥٠٣٠] ٩ - الشيخ المفيد في الإختصاص: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن إسماعيل العلوي، قال: حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام : « لما امر هارون الرشيد بحملي دخلت عليه فسلمت فلم يرد السلام - إلى أن قال في آخر الحديث وهو طويل - فقال؟ - يعني هارون - أحسنت، وهو

__________________

(١) في المصدر: القبة.

٨ - مهج الدعوات ص ٢٤٩.

(١) في المصدر زيادة: له.

(٢) في المصدر زيادة: لي.

٩ - الاختصاص ص ٥٤ - ٥٨.

١٧٧

كلام موجز جامع، فارفع حوائجك يا موسى، فقلت: يا أمير المؤمنين أول حاجتي إليك ان تأذن لي في الانصراف إلى أهلي - إلى أن قال - فقال: ازدد، فقلت: علي عيال كثير وأعيننا بعد الله ممدودة إلى فضل أمير المؤمنين وعادته، فأمر لي بمائة ألف درهم وكسوة وحملني وردني إلى أهلي مكرما» .

[١٥٠٣١] ١٠ - السيد علي بن طاووس في أمان الاخطار: نقلا عن كتاب دلائل الإمامة تصنيف محمد بن جرير الطبري الامامي، من اخبار معجزات مولانا محمد ابن عليعليهما‌السلام ، بإسناده عن الصادقعليه‌السلام ، ذكر خبرا طويلا في امر هشام باشخاصه واشخاص أبيهعليهما‌السلام إلى الشام، وما جرى بينه وبينهماعليهما‌السلام ، إلى أن قالعليه‌السلام : « فبعث الينا بالجائزة، وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة »، الخبر.

[١٥٠٢٣] ١١ - وفي كتاب فتح الأبواب: عن محمد بن الحسين بن داود الخراجي(١) ، ( عن أبيه )(٢) ، ومحمد بن علي بن حسن المقرئ، ( عن علي بن الحسين بن أبي يعقوب الهمداني )(٣) ، عن جعفر بن محمد الحسني، عن الآمدي، عن عبد الرحمن بن قريب، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، قال: دخلت مع علي بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) على عبد الملك بن مروان، فاستعظم عبد الملك ما رأى من اثر السجود بين عيني علي بن الحسينعليهما‌السلام ، إلى أن قال: ثم اقبل يسأله عن حاجاته ومما قصد له، فشفعه فيمن شفع ووصله بمال.

[١٥٠٣٣] ١٢ - وفي مهج الدعوات: عن علي عبد الصمد، عن محمد بن أبي الحسن عم والده، عن جعفر بن محمد الدوريستي، عن والده، عن الصدوق

__________________

١٠ - أمان الاخطار ص ٥٨.

١١ - فتح الأبواب ص ١٨.

(١) في المصدر: الخزاعي.

(٢) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٣) ما بين القوسين ليس في المصدر.

١٢ - مهج الدعوات ص ٣٧، وعنه في البحار ج ٩٤ ص ٣٥٤ ح ١.

١٧٨

محمد بن بابويه، وأخبرني جدي، عن والده، عن جماعة من أصحابنا منهم السيد أبو البركات وعلي بن محمد المعاذي، ومحمد بن علي العمري، ومحمد بن إبراهيم بن عبد الله المدائني، جميعا عن الصدوق، عن أبيه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن جده(١) ، عن أبي نصر الهمداني، قال: حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر عمة أبي محمد الحسن بن عليعليهم‌السلام ، وذكر قصة طويلة جرت بين أبيهاعليه‌السلام ، وبين زوجته أم الفضل بنت المأمون، وفيها ذكر الحرز المشهور بحرز الجوادعليه‌السلام إلى أن قالت: قال المأمون لياسر: سر إلى ابن الرضاعليه‌السلام وأبلغه عني السلام، واحمل إليه عشرين ألف دينار، وقدم إليه الشهري(٢) الذي ركبته البارحة، ثم أمر بعد ذلك الهاشميين ان يدخلوا عليه بالسلام ويسلموا عليه، قال ياسر: فأمرت لهم بذلك، ودخلت انا أيضا معهم وسلمت عليه، وأبلغت التسليم ووضعت المال بين يديه، وعرضت الشهري عليه، فنظر إليه ساعة ثم تبسم، الخبر.

[١٥٠٣٤] ١٣ - الشيخ المفيد في الارشاد: عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن محمد ابن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، عن إبراهيم عن محمد الطاهري(١) قال: مرض المتوكل - وذكر كيفية شفائه بمعالجة الامام أبي الحسنعليه‌السلام ، وان أمه حملت إليهعليه‌السلام عشره آلاف دينار، لما بشرت بعافية ولدها، إلى أن ذكر - انه سعي بهعليه‌السلام بعد ذلك إلى المتوكل، فأمر سعيدا حاجبه ان يهجم ليلا عليه ويأخذ ما يجد عنده، فلم يجد الا المال المذكور وسيفا فحمل إليه، قال: فأمر ان يضم إلى البدرة بدرة أخرى، قال: قال لي: احمل ذلك إلى أبي الحسن، واردد عليه السيف والكيس بما فيه، الخبر.

__________________

(١) لم يثبت لعلي رواية عن جده في كتب الرجال، ولا إبراهيم عن أبيه هاشم. والظاهر أنه عن أبيه.

(٢) الشهري: اسم فرس ( مجمع البحرين ج ٣ ص ٣٥٧ ).

١٣ - الارشاد ص ٣٢٩.

(١) في الطبعة الحجرية: الطاطري. وما أثبتناه من المصدر. راجع « معجم رجال الحديث ج ١ ص ٢٩٠ ».

١٧٩

[١٥٠٣٥] ١٤ - علي بن الحسين المسعودي في مروج الذهب: قال: سعي إلى المتوكل بعلي بن محمد الجوادعليه‌السلام - إلى أن ذكر بعثه جماعة من الأتراك، فهجموا داره ليلا وحملوه إليه، إلى أن قال - فبكى المتوكل(١) حتى بلت ( لحيته دموع عينيه )(٢) وبكى الحاضرون، ودفع إلى عليعليه‌السلام أربعة آلاف دينار، ثم رده إلى منزله مكرما.

[١٥٠٣٦] ١٥ - الصدوق في علل الشرائع: نقلا من كتاب محمد بن بحر الشيباني المعروف بكتاب الفروق بين الأباطيل والحقوق، عن أبي بكر محمد بن الحسن بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري قال: حدثنا أبو طالب زيد بن أحرم، قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا القاسم بن فضل، قال حدثنا يوسف بن مازن الراشي قال: بايع الحسن بن عليعليهما‌السلام معاوية، على أن لا يسميه أمير المؤمنين، ولا يقيم عنده شهادة، وعلى أن لا يتعقب على شيعة عليعليه‌السلام شيئا، وعلى ان يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل، وأولاد من قتل مع أبيه بصفين، ألف ألف درهم، وان يجعل ذلك من خراج دارا بجرد(١) .

[١٥٠٣٧] ١٦ - وفيه مرسلا: وكان الحسن والحسينعليهما‌السلام (١) يأخذان من معاوية الأموال، فلا ينفقان من ذلك على أنفسهما ولا(٢) على عيالهما، ما تحمله الذبابة بفيها.

__________________

١٤ - مروج الذهب ج ٤ ص ١١.

(١) في المصدر زيادة: بكاء طويلا.

(٢) في المصدر: دموعه لحيته.

١٥ - علل الشرائع ص ٢١٢.

(١) دارابجرد: ولاية بفارس، وقرية من قرى كورة إصطخر، بها معدن للزئبق. ( معجم البلدان ج ٢ ص ٤١٩ ).

١٦ - علل الشرائع ص ٢١٨.

(١) في المصدر زيادة: ابنا عليعليه‌السلام .

(٢) ليس في المصدر.

١٨٠