المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير

المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير 0%

المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 97

المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
تصنيف: الصفحات: 97
المشاهدات: 16489
تحميل: 3378

توضيحات:

المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 97 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16489 / تحميل: 3378
الحجم الحجم الحجم
المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير

المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مُعاوية، كان يَجلِس بالعشيِّات بباب كِندَة، ويَجلِس الناس إليه، فجاء شابٌّ مِن الكوفة، فجَلَسَ إليه، فقال:

يا أبا هريرة، أَنشدك الله، أسمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي بن أبي طالب: (اللَّهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه )؟  

فقال: اللَّهمَّ نعم.

قال: فأَشهد بالله، لقد واليتَ عدوَّه وعاديت وليَّه. ثمَّ قام عنه(١) .

وروت الرواة أنَّ أبا هريرة، كان يؤاكِل الصبيان في الطريق ويلعب معهم، وكان يخطُب وهو أمير المدينة، فيقول: الحمد لله الذي جعل الدين قياماً، وأبا هريرة إماماً، يضحك الناس بذلك. وكان يمشي وهو أمير المدينة في السوق، فإذا انتهى إلى رجل يمشي أمامه، ضرب برجليه الأرض ويقول: الطريق الطريق، قد جاء الأمير. يعني نفسه.

____________________

(١) وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: ح ١٢١٤١، والبزَّاز في مُسنده كشف الأستار: ح ٢٥٣١، وأخرجه الحافظ الطبراني، وعنه في مجمع الزوائد: ٩ / ١٠٥.

وأخرجه المـُبارك بن عبد الجبَّار الصيرفي في الطيوريَّات: ج ٩ / ق ١٦٠ / ب، وأخرجه الذهبي في كتابه الغدير - جزء في حديث ( مَن كنتُ مولاه ...) - بالأرقام: ٨٢ - ٨٨، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية: ح ٣٩٥٨، وفي مُختصر زوائد مُسند البزَّاز: ح ١٩٠٣، والبوصيري في إتحاف السادة المهرة: ج ٣ ق ٥٦ / أ.

وفي رواية الذهبي في غديره، رقم ٨٤: قَدِم علينا مُعاوية (الكوفة)، فنزل النُّخيلة، فدخل أبو هريرة المسجد بالكوفة، فكان يَقصُّ على الناس ويُذكِّرهم! فقام إليه شابٌّ، فقال: يا أبا هريرة، نشدتك بالله، أنت سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول لعليٍّ: (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهمَّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه)؟

قال: اللَّهمَّ نعم.

وفي مُصنَّف ابن أبي شيبة: ح ١٢١٤١: فقال الشابُّ: أنا منك بريء، أشهد أنَّك قد عاديت مَن والاه، وواليتَ مَن عاداه، قال: فحصبه الناس بالحصى.

فيبدو أنَّ مُعاوية لمـَّا قَدِم الكوفة، بعث جهاز إعلامه شيخ المضيرة إلى المسجد؛ يُمجِّده ويطريه ويُحرِّض الناس على إكرامه وتبجيله! ولعلَّه نال مِن أمير المؤمنين (عليه السلام) وتنقَّصه!! مِمَّا أثار حفيظة هذا الشابِّ، فقام إليه وناشده وأفحمه، وقال له: فأشهد بالله، لقد واليتَ عدوَّه وعاديت وليَّه.

وأنت تعلم أنَّ مُجرَّد القَصْصْ والتذكير لا يُؤدِّي إلى مِثل هذا. (الطباطبائي).

٨١

قلت: قد ذكر ابن قتيبة هذا كلَّه في كتاب(المعارف) (١) ، في ترجمة أبي هريرة، وقوله فيه حُجَّة؛ لأنَّه غير مُتَّهم عليه.

قال الأميني: هذا كلُّه قد أسقَطَتْه عن كتاب(المعارف) - طبعة مِصر (١٣٥٣ هـ) - يدُ التحريف اللاَّعبة به، وكمْ فعلتْ هذه اليدُ الأمينة لِدَة(٢) هذه في عِدَّة موارد منه، كما أنَّها أدخلت فيها ما ليس منه، وقد مَرَّ الإيعاز إليه (ص ١٩٢).

١٦ - مُناشَدة رجُلٍ زيد بن أرقم بحديث الغدير

روي عن أبي عبد الله الشيباني (رضي الله عنه)(٣) ، قال: بينما أنا جالس عند زيد بن أرقم، إذ جاء رجُلٌ، فقال: أيُّكم زيد بن أرقم؟ فقال القوم: هذا زيد.

فقال: أَنشدك بالذي لا إله إلا هو، سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول: (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه)؟

قال: نعم.

(مودَّة القربى) (٤) ، و(ينابيع المودَّة) (٥) (ص ٢٤٩).(٦)

____________________

(١) المعارف: ص ٢٧٧ - ٢٧٨.

(٢) لِدة الصبي: مَن ولِد أو تربَّى معه.

(٣) كذا في النسخ ولعلَّ الصحيح: أبو عمرو الشيباني، وهو التابعيُّ الكبير (سعد بن إياس مِن بني) شيبان بن ثعلبة، الكوفي المـُتوفَّى (٩٨)، كان يقرأ القرآن في المسجد الأعظم بالكوفة، ترجمة الذهبي في تذكرته: ١ / ٥٩ (١ / ٦٨ رقم ٦٢). (المؤلِّف).

(٤) أنظر المودَّة الخمسة.

(٥) ينابيع المودَّة: ٢ / ٧٣ باب ٥٦.

(٦) وأخرجه الحافظ أبو يعلى، ومِن طريقه أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخه: ٥٣٧، وأخرجه الحافظ الطبراني في المـُعجم الكبير: ح ٥٠٦٥. وهناك صورة أُخرى وسؤال آخر، رواه القطيعي في زياداته في كتاب مناقب علي (عليه السلام) لأحمد بن حنبل برقم ١٧٠، وفي فضائل الصحابة له برقم ١٠٤٨، عن أبي ليلى الكندي أنَّه حدَّثه، قال: سمعت زيد بن أرقم يقول - ونحن ننتظر جَنازةٍ - فسأله رجُلٌ مِن القوم، فقال: أبا عامر، أسمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خُمٍّ لعليٍّ: (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه)؟ قال: نعم. قال أبو ليلى: فقلت لزيد بن أرقم: قالها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: نعم، قد قالها له، أربع مَرَّات، قال: نعم صورةٌ ثالثةٌ أخرجها أحمد في المـُسند: ٤ / ٣٧٢. عن ميمون أبي عبد الله، قال: كنتُ عند زيد بن أرقم، فجاء رجُل مِن أقصى الفسطاط، فسأله عن ذا، فقال: إنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قال: (ألستُ أولى بالمؤمنين مِن أنفسهم؟ =

٨٢

١٧ - مُناشَدة رجل عراقيٍّ جابر الأنصاري بحديث الغدير(*)

أخرج العلاّمة الكنجي الشافعي في(كفاية الطالب) (١) (ص ١٦) قال:

أخبرني بذلك - عالياً - المشايخ، منهم: الشريف الخطيب أبو تمام علي بن أبي الفخار، بن أبي منصور الهاشمي بكرخ بغداد، وأبو طالب عبد اللطيف بن محمد بن علي بن حمزة القبيطي بنهر مُعلَّى، وإبراهيم بن عثمان بن يوسف بن أيُّوب الكاشغري، قالوا جميعاً:

أخبرنا أبو الفتح، محمد بن عبد الباقي بن سليمان المعروف بنسيب ابن البطِّي، وقال الكاشغري أيضاً: أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي القاسم الطوسي، المعروف بابن تاج

____________________

= قالوا: بلى، قال: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ...).

وأخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخه، في ترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام) برقم ٥٤٤.

وصورةٌ رابعةٌ أخرجها أحمد في المـُسند: ٤ / ٣٦٨، وفي فضائل الصحابة: ح ٩٩٢، وفي كتاب مناقب علي (عليه السلام) برقم ١١٦ عن عطيَّة العوفي، قال: سألت زيد بن أرقم، فقلتُ له: إنَّ خَتناً لي حدَّثني عنك بحديثٍ، في شأن عليٍّ؟ فأنا أُحبُّ أنْ أسمعه منك، فقال: إنَّكم مَعشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت: ليس عليك مِنِّي بأس، فقال: نعم كُنَّا بالجُحْفَة (الطباطبائي).

(*) سند هذه المـُناشَدة صحيح، رجاله كلُّهم ثقات. (المؤلِّف).

(١) كفاية الطالب: ص ٦١.

٨٣

القُرَّاء، قالا: أخبرنا أبو عبد الله، مالك بن أحمد بن علي اليانياسي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت، حدَّثنا إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، حدَّثنا أبو سعيد الأشجُّ، حدَّثنا مُطَّلب بن زياد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: كنتُ عند جابر بن عبد الله في بيته، و (عنده) علي بن الحسين، ومحمد بن الحنفيَّة، وأبو جعفر، فدخل رجُلٌ مِن أهل العراق، فقال: بالله(١) إلاَّ ما حدَّثتَني ما رأيت، وما سمعت مِن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فقال:

كُنَّا بالجُحْفَة بغدير خُمٍّ، وثمَّ ناس كثير مِن جُهينة ومُزينة وغفَّار، فخرج علينا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مِن خِباء - في الفرائد: أو فِسطاط - فأشار بيده ثلاثاً، فأخذ بيد عليِّ بن أبي طالب، وقال: (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه).

ورواه الحموئي في(فرائد السمطين) في الباب التاسع(٢) ، قال: أخبرني الشيخ مَجد الدين، عبد الله بن محمود بن مودود الحنفي، بقراءتي عليه ببغداد، ثالث رجب، سنة اثنتين وسبعين وستمائة، قال: أنبأنا الشيخ أبو بكر، المسمار بن عمر بن العويس البغدادي سَماعاً عليه، قال: أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي المعروف بابن البطِّي سَماعاً عليه.

وأخبرنا الإمام الفقيه، كمال الدين أبو غالب هبة الله [ بن أبي القاسم بن أبي غالب ](٣) السامري بقراءتي عليه بجامع النصر(٤) ببغداد، ليلة الأحد السابع والعشرين مِن شهر رمضان، سنة اثنتين وثمانين وستمائة، قال: أنبأنا الشيخ محاسن بن عمر بن رضوان الخزائني سَماعاً عليه، في الحادي والعشرين مِن المـُحرَّم سنة اثنتين وعشرين

____________________

(١) في لفظ شيخ السلَّم الحموئي، أَنشدك الله الأحد. (المؤلِّف).

(٢) فرائد السمطين: ١ / ٦٢ ح ٢٩، وذكره الذهبي في مُعجم شيوخه: ص ٥٣٢ رقم ٧٩٣.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه مِن المصدر.

(٤) كتب إلينا الدكتور مصطفى جواد البغدادي: والصواب: بجامع القصر، وهو جامع سوق الغزل الحالي. (المؤلِّف).

٨٤

وستمائة، قال: أنبأنا أبو بكر، محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني سَماعاً عليه، في السادس عشر مِن شهر رجب، سنة خمسين وخمسمائة، قالا(١) : أنبأنا أبو عبد الله، مالك بن أحمد بن علي بن إبراهيم الفرا البانياسي سَماعاً عليه، قال: أنبأنا ابن الزاغوني(٢) - المـُترجَم (ص ١١٣) - في شهر شعبان سنة ثلاث وستين(٣) وأربعمائة، قال: أنبأنا أبو الحسن، أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم بن الصلت، قراءةً عليه، وأنا أسمع في رجب، ثالث عشر مِن الشهر، سنة خمس وأربعمائة، قال: أنبأنا إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي المـُكنَّى بأبي إسحاق، قال: أنبأنا أبو سعيد الأشجُّ، قال: أنبأنا أبو طالب بن زياد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: كنتُ عند جابر الحديث بلفظه.

ورواه ابن كثير في(تاريخه) (٤) (٥ / ٢١٣)، قال: قال المـُطَّلب بن زياد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، سمع جابر بن عبد الله يقول:

كنَّا بالجُحْفَة بغدير خُمٍّ، فخرج علينا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مِن خِباء أو فِساط، فأخذ بيد عليٍّ، فقال: (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه). قال: شيخنا الذهبي: هذا حديث حَسَن(٥) .

قال الأميني: لا يُهمُّنا إسقاط ابن كثير مِن الحديث شطراً فيه الجمع الحضور عند جابر، ومُناشَدة العراقي إيَّاه، وذِكْرُه الحديث بصورةٍ مُصغَّرة؛ إذ صحائف تاريخه

____________________

(١) هما ابنا البطِّي والزاغوني.

(٢) راجع ترجمته ص ٢٤٨.

(٣) التاريخ مُصحَّف، فابن الزاغوني ولِد سنة ٤٦٨، والبانياسي تُوفِّي سنة ٤٨٥، فيبدو أنَّ سَماع ابن الزاغوني مِن البانياسي كان سنة ٤٨٣، فصُحِّف ثمانين إلى ستِّين. (الطباطبائي).

(٤) البداية والنهاية: ٥ / ٢٣٢ حوادث سنة ١٠ هـ.

(٥) وأخرجه ابن الأبَّار في مُعجَم الشيوخ: ص ٣٢٥ رقم ٣٨٤، والذهبي في سير أعلام النبلاء، ٨ / ٢٩٦، وفي مُعجَم شيوخه: ٢ / ٢٣٤، كلٌّ منهما عن عِدَّة مِن شيوخه بطُرُقهم.

وأخرجه ابن عساكر في تاريخه بعِدَّة طُرق: ٥٥٨ و ٥٥٩ و ٥٦٠، عن عِدَّة مِن شيوخه.

(الطباطبائي)

٨٥

- البداية والنهاية - تَنمُّ عن لسانه البذيِّ، ويَدِه الجانية على ودائع النبي الأعظم فضائل آل الله، وعن قلبه المـُحتدِم بعَداتهم، فتراه يسبُّ ويشتم مَن والاهم، ويمدح ويُثني على مَن ناواهم، ويَنبُز الصِحاح مِن مناقبهم بالوضع، ويقذف الراوي لها على ثقته بالضُعف، كلُّ ذلك تحكُّما منه بلا دليل،ويُحرِّف الكَلِم عن مواضعها، ولو ذهبنا لنذكُر كلَّ ما فيه مِن هذا القبيل؛ لجاء منه كتاب ضخمٌ، وحسبُك مِن تحريفه ما ذكره مِن حديث بدء الدعوة النبويَّة، عند نزول قوله تعالى:(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (١) ، قال في تاريخه(٢) (٣ / ٤٠) بعد ذكر الحديث الوارد في الآية الشريفة مِن طريق البيهقي.

وقد رواه أبو جعفر بن جرير، عن محمد بن حميد الرازي ...، وساق إلى آخر السند، ثمَّ قال: وزاد بعد قوله:

(وإنِّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيُّكم يؤازرني؛ على هذا الأمر على أنْ يكون أخي وكذا وكذا؟ قال:

فأحجم القوم عنها جميعا، وقلتُ -؛ ولأنِّي لأحدثهم سِنَّا وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً -: أنا يا نبيَّ الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، فقال: إنَّ هذا أخي، وكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا.

قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أنْ تَسمع لابنك وتُطيع).

وبهذا اللفظ ذكره في تفسيره (٣ / ٣٥١)، وقال: وقد رواه أبو جعفر بن جرير، عن ابن حميد إلى آخره حَرفيَّاً.

وها نحن نذكر لفظ الطبري بنَصِّه؛ حتَّى يَتْبيَّن الرُّشد مِن الغَي.

____________________

(١) الشعراء: ٢١٤.

(٢) البداية والنهاية: ٣ / ٥٣.

٨٦

قال في(تاريخه) (١) (٢ / ٢١٧) مِن الطبعة الأُولى:

(إنِّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أنْ أدعوكم إليه، فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر على أنْ يكون أخي، ووصيِّي، وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت: - وإني لأحدثُهم سِنَّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً -: أنا يا نبيَّ الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ برقَبتي، ثمَّ قال: إنَّ هذا أخي ووصيِّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.

قال: فقام القوم يَضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أنْ تَسمع لابنك وتُطيع). فإلى الله المـُشتكى.

نعم، رواه الطبري في(تفسيره) (٢) (١٩ / ٧٤) مُحرَّفاً، فهلاَّ وقف ابن كثير على ما في تاريخه، وقد أخرجه غير مُحرَّف، أو على ما أخرجه غير الطبري مِن أئَّمة الحديث والتاريخ في تآليفهم، أو حدته ضغينته على اختيار المـُحرَّف مِن الكَلِم، والله يعلم ما تُكِن صدورهم(٣) .

____________________

(١) تاريخ الأُمَم والمـُلوك: ٢ / ٣٢١.

(٢) جامع البيان: مج ١١ / ج ١٩ / ١٢٢.

(٣) وأخرجه الطبري في تهذيب الآثار، في مُسند عليِّ بن أبي طالب، وصحَّح سنده.

قال في ص ٦٠: حدَّثنا أحمد بن منصور، قال: حدَّثنا الأسود بن عامر، قال: حدَّثنا شريك، عن الأعمش، عن المِنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي، عن عليٍّ قال:

(لمـَّا نزلت هذه الآية:(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، قال: جمع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عليه أهل بيته، فاجتمعوا ثلاثين رجُلاً، فأكلوا وشربوا، وقال لهم: (مَن يَضمن عنِّي ذِمَّتي ومواعيدي، وهو معي في الجَنَّة، ويكون خليفتي في أهلي).

قال: فعرض ذلك عليهم، فقال رجُلٌ: أنت - يا رسول الله - كنتَ بحراً، مَن يُطيق هذا؟ حتَّى عرض على واحدٍ واحدٍ. فقال عليٌّ: (أنا).

وأخرج في ص ٦٢: حدَّثنا ابن حميد، قال: حدَّثنا سلَّمة بن الفضل، قال: حدَّثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفَّار بن القاسم، عن المِنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المـُطَّلب، عن عبد الله بن عباس، عن عليِّ بن أبي طالب قال:

(قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (يا بَني عبد المـُطَّلب، إنِّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أنْ أدعوكم إليه، فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر؛ على أنْ يكون أخي ووصيِّي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا: وقلتُ: أنا يا نبيَّ الله، أكون وزيرَك عليه، فأخذ برقبتي، وقال: هذا أخي ووصيَّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا). (الطباطبائي).

٨٧

١٨ - احتجاج قيس بن سعد بحديث الغدير على مُعاوية سنة (٥٠، ٥٦):

قَدِم مُعاوية بن أبي سفيان حاجَّاً إلى المدينة، في أيَّام خِلافته، بعد ما توفِّي الإمام السبط الحسن - صلوات الله عليه - فاستقبله أهل المدينة، فجرى بينه وبين قيس بن سعد بن عُبادة الأنصاريِّ الخزرجيِّ، الصحابي الكبير حديث، يأتي ذكره بطوله في ترجمة قيس في شعراء القَرن الأوَّل، وفيه - بعد قول قيس: ولَعمري، ما لأحد مِن الأنصار، ولا لقريش، ولا أحدٍ مِن العرب، في الخلافة حَقٌّ مع عليٍّ ووَلَده مِن بعده - ما نَصُّه:

فغضب مُعاوية، وقال: يا ابن سعد مِمَّن أخذت هذا؟ وعمَّن رويته؟ وعمَّن سمعته؟ أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته؟ فقال قيس: سمعتُه وأخذته مِمَّن هو خيرٌ مِن أبي وأعظم حَقَّاً مِن أبي.

قال: مَن؟

قال: عليُّ بن أبي طالب، عالم هذه الأُمَّة، وصِدِّيقها الذي أنزل الله فيه:( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (١) فلمْ يَدعْ آيةً نزلتْ في عليٍّ (عليه السلام) إلاَّ ذكرها.

قال مُعاوية: فإنَّ صِدِّيقها أبو بكر، وفاروقها عُمر، والذي عنده علم الكتاب

____________________

(١) الرعد: ٤٢.

٨٨

عبد الله بن سلام.

قال قيس: أحقٌّ هذه(١) الأسماء أولى بها من الذي أنزل الله فيه:(أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ...) (٢) ، والذي نصَّبه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بغدير خُمٍّ، فقال:

(مَن كنتُ مولاه، أولى به مِن نفسه؛ فعليٌّ أولى به مِن نفسه)، وفي غزوة تبوك:

(أنتَ مِنِّي بمنزلة هارون مِن موسى، إلاَّ أنَّه لا نبي بعدي)، كتاب سليم الهلالي(٣) .

١٩ - احتجاج دارميَّة الحجونيَّة على مُعاوية سنة (٥٠، ٥٦):

قال الزمَخْشَري - المـُترجَم (ص ١١٤) - في ربيع الأبرار، في الباب الحادي والأربعين(٤) .

حَجَّ مُعاوية، فطلب امرأة يُقال لها: (دارميَّة(٥) الحجونيَّة مِن شيعة عليٍّ، وكانت سوداء ضَخمة.

فقال: كيف حالك يا بنت حام؟

فقالت: بخير ولستُ بحام، إنَّما أنا امرأة مِن بَني كِنانة.

فقال: صدقتِ، هل تعلمين لِمَ دعوتُك؟

قالت: يا سبحان الله، وإنِّي لم أعلم

____________________

(١) كذا في المصدر أيضا.

(٢) هود: ١٧.

(٣) كتاب سليم بن قيس: ٢ / ٧٧٧ ح ٢٦.

(٤) ربيع الأبرار: ٢ / ٥٩٩.

(٥) نسبة إلى (داروم)، قلعة بعد غَزَّة للقاصد إلى مِصر على ساحل البحر، نزل بها بنو حام، كما يظهر مِن قول مُعاوية: يا بنت حام. والحُجون مكان معروف بمَكَّة (مُعجَم البلدان: ٢ / ٢٢٥)، كانت دارميَّة تنزل بها، فنُسبت إليها. (المؤلِّف).

٨٩

الغيب.

قال: لأَسألك لم أحببتِ عليَّاً وأبغضتني، وواليتِه وعاديتني؟

قالت: أوَ تعفني؟

قال: لا.

قالت: أمَّا إذا أبيت، فإنِّي أحببت عليَّاً على عدله في الرعيَّة، وقِسَمِه بالسويَّة، وأبغضتُك على قِتال مَن هو أولى بالأمر مِنك، وطلبك ما ليس لك، وواليتُ عليَّاً على ما عقد له رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مِن الولاية يوم خُمٍّ بمَشهدٍ منك، وحُبِّه للمساكين، وإعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سَفكك الدماء، وشَقِّك العصا، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى، الحديث(١) .

٢٠ - احتجاج عمرو الأودي على مناوئي أمير المؤمنين (عليه السلام):

روى مُفتي الكوفة وقاضيها، شريك بن عبد الله النَّخعي - المـُترجَم (ص ٧٨) - عن أبي إسحاق السبيعي - المـُترجَم (٦٩)، عن عمرو بن ميمون الأودي - المـُترجَم (ص ٦٩) - أنَّه ذُكِر عنده علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، فقال:

إنَّ قوماً ينالون منه، أولئك هم وَقود النار، ولقد سمعت عِدَّةً مِن أصحاب محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) منهم: حذيفة بن اليمان، وكعب بن عجرة، يقول كلُّ رجُلٍ منهم: لقد أُعطي عليٌّ ما لم يُعطِه بشر: هو زوج فاطمة سيِّدة نساء الأوَّلين والآخرين، فمَن رأى مثلها؟ أو سمع أنَّه تزوَّج بمِثلها أحدُ الأوَّلين والآخرين؟ وهو أبو الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجَنَّة مِن الأوَّلين والآخرين؟ وهو أبو الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجَنَّة مِن الأوَّلين والآخرين، فمَن له - أيُّها الناس - مِثلهما؟ ورسول الله حَموه، وهو وصيُّ رسول الله في أهله وأزواجه، وسُدَّت الأبواب التي في المسجد كلُّها غير بابه، وهو صاحب باب خيبر، وهو صاحب الراية يوم خيبر، وتفل رسول الله

____________________

(١) يوجد هذا الاحتجاج بألفاظ أُخرى، في بلاغات النساء: ص ٧٢ (ص ١٠٥)، والعِقد الفريد: ١ / ١٦٢ (١ / ٢٢٢)، وصبح الأعشى: ١ / ٢٥٩ (١ / ٣٠٦). (المؤلِّف).

٩٠

- يومئذ - في عينيه وهو أرمد، فما اشتكاهما مِن بعدُ، ولا وجد حَرَّاً ولا برداً بعدَ يوم ذلك، وهو صاحب يوم الغدير؛ إذ نوَّه رسول الله باسمه وألزم أُمَّته ولايته وعرَّفهم بخطره، وبيَّن لهم مكانه، فقال:

(أيُّها الناس مَن أولى بكم مِن أنفسكم؟)

قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: (فمَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه). الكلام.

٢١ - احتجاج عمر بن عبد العزيز الخليفة الأُموي المـُتوفَّى (١٠١):

روى الحافظ أبو نعيم في(حلية الأولياء) (٥ / ٣٦٤)، عن أبي بكر محمد التستري عن يعقوب، وعن عمر بن محمد السري - المـُتوفَّى (٣٧٨) - عن ابن أبي داود، قالا: حدَّثنا عمر بن شبة، عن عيسى، عن يزيد بن عمر بن مورق، قال:

كنت بالشام، وعمر بن عبد العزيز يُعطي الناس، فتَقدَّمت إليه،

فقال لي: مِمَّن أنت؟ قلتُ: مِن قريش. قال: مِن أيِّ قريش؟ قلتُ: مِن بَني هاشم [ قال: مِن أيِّ بَني هاشم؟ ](١)

فسكتُّ. فقال: مِن أيِّ بَني هاشم؟ قلتُ: مولى عليٍّ. قال: مَن عليٌّ؟ فسكتُّ.

فوضع يده على صدره، فقال: وأنا - والله - مولى عليِّ بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه -.

ثمَّ قال: حدَّثني عِدَّة: أنَّهم سمعوا النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه).

ثمَّ قال: يا مُزاحم(٢) كمْ تُعطي أمثاله؟

قال: مائة أو مائتي درهم. قال: أعطه خمسين ديناراً.

____________________

(١) ما بين المـَعقوفين غير موجود في طبعتي (الغدير)، وأثبتناه مِن المصدر.

(٢) مُزاحم بن أبي مُزاحم المـَكِّي، مولى عمر بن عبد العزيز، وثَّقه ابن حبان (الثقات ٧ / ٥١١). (المؤلِّف).

٩١

وقال ابن أبي داود: ستِّين ديناراً؛ لولايته عليِّ بن أبي طالب.

ثمَّ قال: إلحق ببلدك، فسيأتيك مِثل ما يأتي نُظراءك(١).

وأخرجه أبو الفرج في(الأغاني) (٢) (٨ / ١٥٦)، مِن طريق عمر بن شبة، عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن يزيد بن عيسى بن مورق.

وأخرجه ابن عساكر في(تاريخه) (٣) (٥ / ٣٢٠)، عن رزيق القرشي المدني، مولى أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب.

ورواه الحموئي في(فرائد السمطين) ، في الباب العاشر(٤)، عن شيخه أبي عبد الله بن يعقوب الحنبلي، بإسناده عن الحافظ أبي نعيم، بالسند واللفظ المذكورين، وذكره الحافظ جمال الدين الزرندي في(نظم دُرَر السُّمطين) (٥)، والسمهودي في جواهر العقدين(٦) ، عن يزيد بن عمرو بن مرزوق - فيه تصحيف.

٢٢ - احتجاج المأمون الخليفة على الفُقهاء بحديث الغدير:

روى أبو عمر بن عبد ربَّه - المـُترجَم (ص ١٠٢) - في(العقد الفريد) (٧) (٣ / ٤٢)، عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حماد بن زيد، قال: بعث إليَّ يحيى بن أكثم، وإلى عِدَّة مِن أصحابي، وهو - يومئذ - قاضي القُضاة، فقال:

____________________

(١) في نسخة الحِليَّة أغلاط لا تَخفى على مَن راجع، فقد صحَّحناها مِن لفظ الحموئي. (المؤلِّف).

(٢) الأغاني: ٩ / ٣٠١.

(٣) تاريخ مدينة دمشق: ٦ / ٢٥١.

(٤) فرائد السمطين: ١ / ٦٦ ح ٣٢.

(٥) نظم دُرَر السمطين: ص ١١٢.

(٦) جواهر العقدين: الورقة ٣٠٣.

(٧) العقد الفريد: ٥ / ٥٦ - ٦١.

٩٢

إنَّ أمير المؤمنين، أمرني أنْ أُحضر مَعي غداً مع الفجر أربعين رجُلاً، كلُّهم فقيه، يفقه ما يُقال له، ويُحسِن الجواب، فسمُّوا مَن تُظنُّونه يَصلح لِما يطلب أمير المؤمنين، فسمَّينا له عِدَّة، وذكر هو عِدَّة، حتَّى تَمَّ العدد الذي أراد، وكتب تسمية القوم، وأمر بالبكور في السَّحَر، وبعث إلى مَن يَحضر فأمره بذلك، فغَدونا عليه قبل طلوع الفجر، فوجدناه قد لبس ثيابه، وهو جالس ينتظرنا، فركب وركِبنا معه، حتَّى صرنا إلى الباب، فإذا بخادم واقف، فلمـَّا نظر إلينا قال: يا أبا محمد، أمير المؤمنين ينتظرك، فأدخلنا، فأمرنا بالصلاة فأخذنا فيها، فلم نستَتْمِها حتَّى خرج الرسول، فقال: ادخلوا، فدخلنا، فإذا أمير المؤمنين جالس على فِراشه إلى أنْ قال: ثمَّ قال: إنِّي لمْ أبعث فيكم لهذا، ولكنَّني أحببْتُ أنْ أبسطكم أنَّ أمير المؤمنين، أراد مُناظرتكم في مَذهبه الذي هو عليه، والذي يَدين الله به. قُلنا: فليفعلْ أمير المؤمنين وفَّقه الله.

فقال: إنَّ أمير المؤمنين، يَدين الله على أنَّ علي بن أبي طالب، خير خُلفاء الله بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأولى الناس بالخِلافة له. قال إسحاق: فقلتُ: يا أمير المؤمنين، إنَّ فينا مَن لا يعرف ما ذكر أمير المؤمنين في عليٍّ، وقد دعانا أمير المؤمنين للمـُناظرة.

فقال: يا إسحاق، اختَر، إنْ شِئتَ سألتُك أسألك، وإنْ شِئت أنْ تسأل فقُل.

قال إسحاق: فاغتنمتها منه.

فقلتُ: بلْ أسألك يا أمير المؤمنين.

قال: سَلْ.

قلتُ: مِن أين قال أمير المؤمنين: إنَّ علي بن أبي طالب، أفضل الناس بعد رسول الله، وأحقَّهم بالخِلافة بعده؟

قال: يا إسحاق، خَبِّرني عن الناس، بِمَ يتفاضلون، حتَّى يُقال: فلان أفضل مِن فلان؟

قلتُ: بالأعمال الصالحة.

قال: صدقت.

٩٣

قال: فأخبرني عمَّن فضل صاحبه على عهد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ثمَّ إنَّ المفضول، إنْ عَمِل بعد وفاة رسول الله، بأفضل مِن عَمَلِ الفاضل، على عهد رسول الله أيلحق به؟

قال: فأطرقتُ.

فقال لي: يا إسحاق لا تَقُل: نعم، فإنَّك إنْ قلتَ: نعم، أوجدتك في دهرنا هذا مَن هو أكثر منه جهاداً، وحَجَّاً، وصياماً، وصلاةً، وصدقةً.

فقلت: أجلْ، يا أمير المؤمنين، لا يَلحق المفضول على عهد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الفاضل أبداً. قال: يا إسحاق، هل تروي حديث الولاية؟ قلتُ: نعم، يا أمير المؤمنين. قال: اروه، ففعلتُ. قال: يا إسحاق، أرأيت هذا الحديث، هل أوجب على أبي بكر وعمر، ما لم يوجِب لهما عليه؟ قلت: إنَّ الناس ذكروا أنَّ الحديث، إنَّما كان بسبب زيد بن حارثة؛ لشيء جرى بينه وبين عليٍّ، وأنكر وِلاء عليٍّ، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهمَّ والِ مَن والاه، وعاد مَن عاداه).

قال: في أيِّ موضع قال هذا؟ أليس بعد مُنصَرفه مِن حَجَّة الوداع؟

قلت: أجلْ.

قال: فإنَّ قَتْلَ زيد بن حارثة قبل الغدير، كيف رضيت لنفسك بهذا؟!

أخْبِرني، لو رأيت ابناً لك، قد أتت عليه خمس عشرة سنة، يقول: مولاي مولى ابن عمِّي، أيُّها الناس، فاعلموا ذلك. أكنتَ مُنكراً ذلك عليه تعريفه الناس ما لا يُنكرون ولا يَجهلون؟

فقلت: اللَّهمَّ نعم.

قال: يا إسحاق أفتُنزِّه ابنك عمَّا تُنزِّه عنه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

ويْحَكُم، لا تجعلوا فُقهاءكم أربابكم، إنَّ الله - جلَّ ذِكْرُه - قال في كتابه:( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ...) (١) ، ولمْ يُصلُّوا لهم، ولا صاموا، ولا زعموا أنَّهم أرباب، ولكنْ أمروهم فأطاعوا أمرهم(٢) .

____________________

(١) التوبة: ٣١.

(٢) أخذنا مِن الحديث مَحلَّ الحاجة، وهو طويل غزير الفائدة جِدَّاً. (المؤلِّف).

٩٤

وروى ابن مسكوية - المـُترجَم (ص ١٠٨) - للمأمون الخليفة، في تأليفه(نديم الفريد) ، كتاباً إلى بَني هاشم، وذكر منه قوله:

فلمْ يَقُم مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أحدٌ مِن المـُهاجرين، كقيام علي بن أبي طالب؛ فإنَّه آزره ووقاه بنفسه، ونام في مَضجعه، ثمَّ لمْ يَزل بعدُ مُتمسِّكا بأطراف الثغور، يُنازل الأبطال، ولا يَنكل عن قَرن، ولا يولِّي عن جيش، مَنيع القلب، يؤمَّر على الجميع، ولا يؤمَّر عليه أحد، أشدُّ الناس وَطأةً على المـُشركين، وأعظمهم جهاداً في الله، وأفقههم في دين الله، وأقرأهم لكتاب الله، وأعرفهم بالحلال والحرام، وهو صاحب الولاية في حديث غدير خُمٍّ. وصاحب قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (أنتَ مِنِّي بمنزلة هارون مِن موسى إلاَّ أنَّه لا نَبي بعدي)(١) .

كلمة المسعودي:

قال أبو الحسن المسعودي الشافعي - المـُترجَم (ص ١٠٣) - في(مروج الذهب) (٢) (٢ / ٤٩).

والأشياء التي استحقَّ بها أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الفضل، هي: السَّبق إلى الإيمان والهِجرة، والنُّصرة لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والقُربى منه، والقناعة، وبذل النفس له، والعلم بالكتاب والتنزيل، والجهاد في سبيل الله، والورع، والزُّهد، والقضاء، والحُكم، والعِفَّة، والعلم، وكلُّ ذلك لعليٍّ (عليه السلام) منه النصيبُ الأوفر، والحظُّ الأكبر، إلى ما ينفرد به مِن قول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، حين آخى بين أصحابه: (أنتَ أخي)، وهو (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لا ضِدَّ له ولا نِدَّ.

وقوله - صلوات الله عليه -: (أنتَ مِنِّي بمنزلة هارون مِن موسى، إلاَّ أنَّه لا نَبيَّ

____________________

(١) ينابيع المودَّة: ص ٤٨٤ (٣ / ١٥٧ باب ٩٢)، والعبقات: ١ / ١٤٧ (٦ / ٢٨٥، وفي نفحات الأزهار: ٨ / ١١٩ رقم ٦٨). (المؤلِّف).

(٢) مُروج الذهب: ٢ / ٤٤٥.

٩٥

بعدي)، وقوله (عليه الصلاة والسلام): (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه).

ثمَّ دعاؤه (عليه السلام)، وقد قَدَّم إليه أنس الطائر: (اللَّهمَّ أدخل إليَّ أحبَّ خَلْقِك إليك؛ يأكل معي مِن هذا الطائر)، فدخل عليٌّ الكلام.

(إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سبيلاً) (١) .

____________________

(١) المـُزَّمل: ١٩.

٩٦

الفهرس

المـُناشدَة والاحتجاج بحديث الغدير الشريف.. ٣

١ - مُناشدة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الشورى سنة (٢٣ هـ) أو أوَّل (٢٤) ٣

٢ - مُناشدة أمير المؤمنين (عليه السلام) أيَّام عثمان بن عفَّان. ١٠

٣ - مُناشدة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الرحبة سنة (٣٥) ١٥

٤ - مُناشدة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمل سنة (٣٦) على طلحة -: ٥٣

٥ - حديث الرُّكبان في الكوفة سنة (٣٦ - ٣٧ هـ) ٥٥

٦ - مُناشَدة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم صِفِّين سنة (٣٧) ٦٨

٧ - احتجاج الصدِّيقة فاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم): ٧٠

٨ - احتجاج الإمام السبط أبي محمد الحسن (عليه السلام) سنة (٤١): ٧١

٩ - مُناشَدة الإمام السبط الحسين (عليه السلام) بحديث الغدير سنة (٥٨ - ٥٩): ٧٢

١٠ - احتجاج عبد الله بن جعفر على مُعاوية بعد شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام): ٧٤

١١ - احتجاج (برد) على عمرو بن العاص بحديث الغدير ٧٦

١٢ - احتجاج عمرو بن العاص على مُعاوية بحديث الغدير ٧٧

١٣ - احتجاج عمار بن ياسر يوم صِفِّين على عمرو بن العاص سنة (٣٧) ٧٨

١٤ - احتجاج أصبغ بن نُباتة بحديث الغدير في مجلس مُعاوية سنة (٣٧) ٧٨

١٥ - مُناشَدة شابٍّ أبا هريرة بحديث الغدير في مسجد الكوفة ٨٠

١٦ - مُناشَدة رجُلٍ زيد بن أرقم بحديث الغدير ٨٢

١٧ - مُناشَدة رجل عراقيٍّ جابر الأنصاري بحديث الغدير(*) ٨٣

١٨ - احتجاج قيس بن سعد بحديث الغدير على مُعاوية سنة (٥٠، ٥٦): ٨٨

١٩ - احتجاج دارميَّة الحجونيَّة على مُعاوية سنة (٥٠، ٥٦): ٨٩

٢٠ - احتجاج عمرو الأودي على مناوئي أمير المؤمنين (عليه السلام): ٩٠

٢١ - احتجاج عمر بن عبد العزيز الخليفة الأُموي المـُتوفَّى (١٠١): ٩١

٢٢ - احتجاج المأمون الخليفة على الفُقهاء بحديث الغدير: ٩٢

٩٧