سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)15%

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 964-319-218-0
الصفحات: 245

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 245 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57471 / تحميل: 9237
الحجم الحجم الحجم
سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢١٨-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تميل على جانبها الأيمن مرّة ، وعلى جانبها الأيسر مرة(١) .

وعن أُمّ سلمة ، قالت : كانت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشبه الناس وجهاً وشبهاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وكانت الزهراءعليها‌السلام المثل الأعلى في خَلْقِها وخُلُقِها وسموها وتفوّقها في كل الفضائل والصفات الإنسانية العليا على جميع نساء أهل الدنيا ، حتى بلغ من كمالها أن وصفها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مراراً وتكراراً بالحورية ، فسبحان من خصّها بما خصّها وفضّلها على نساء العالمين.

المبحث الثالث : زواجهاعليها‌السلام :

إنّ المتأمل لمفردات زواج الزهراءعليها‌السلام يلمس فيه أعلى معاني الكمال الإنساني والشرف الخلقي ، ويجد فيه أكثر من سنّة نبوية مباركة ، ويستلهم منه المزيد من العظات والعبر التي تسهم في حلِّ الصعوبات التي تعترض الحياة الزوجية في كلِّ زمان ومكان ، وقبل البحث في بعض هذه المفردات ، لابدّ من بيان تاريخ زواجها وعمرها عند الزواج.

تاريخ زواجها :

اختلف المحدثون والمؤرخون في السنة التي تزوّج فيها أمير المؤمنينعليه‌السلام بالزهراءعليها‌السلام ، فقيل : تزوجها بعد هجرتها إلى المدينة بسنة ، وبنى بها بعد سنة(٣) . وقيل : بنى بها في ذي الحجة من السنة الثانية

__________________

١) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٧. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٤٦٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ٦ / ٧.

٢) كشف الغمة ١ : ٤٧١. وبحار الأنوار ٤٣ : ٥٥.

٣) البدء والتاريخ ٥ : ٢٠. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٨٣. والهداية الكبرى : ٣.

٤١

للهجرة(١) . وقيل كان زفافها سنة ثلاث من الهجرة(٢) ، ومهما اختلفت الأقوال ، فإنّ المتعين أن زفافها كان بعد غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة.

وكذلك اختلف في يوم زواجهاعليها‌السلام فقيل : تزوجها في أول ذي الحجة(٣) . وقيل : في السادس منه يوم الثلاثاء ، وروي أيضاً لاَيام خلت من شوال بعد وفاة أُختها رقية(٤) . وقيل : كان تزويجها في صفر بعد الهجرة ، وبنى بها بعد رجوعه من غزاة بدر(٥) . وقيل : تزوجها في شهر رمضان ، وبنى بها في ذي الحجة(٦) . وقيل : كان زفافها ليلة الخميس إحدى وعشرين من المحرم(٧) . وأخيراً قيل : تزوجها في رجب بعد مقدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة بخمسة أشهر ، وبنى بها بعد رجوعه من بدر(٨) . والمشهور الأول أي الأول من ذي الحجة.

عمرها عند الزواج :

تختلف الروايات في مقدار عمرهاعليها‌السلام عند الزواج بحسب الاختلاف الحاصل في تاريخ ولادتها وزواجها ، فإن قلنا : إنّ ولادتها بعد المبعث

__________________

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٣٦.

٢) إقبال الأعمال / السيد ابن طاووس : ٥٨٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٢ / ١.

٣) مصباح المتهجد / الشيخ الطوسي : ٦٧١ مؤسسة فقه الشيعة ـ بيروت. ومصباح الكفعمي : ٥١٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٢ / ٢.

٤) أمالي الطوسي : ٤٣ / ١٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٧ / ٧.

٥) مقاتل الطالبيين : ٣٠.

٦) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٣٦.

٧) اقبال الأعمال / السيد ابن طاووس : ٥٨٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٢ / ١.

٨) طبقات ابن سعد ٨ : ٢٢ دار صادر ـ بيروت. الثغور الباسمة : ٢٧.

٤٢

بخمس سنين ، يكون عمرها عند الزواج تسع سنين أو عشر أو إحدى عشرة سنة ، وفق اختلاف الرواية في تزويجها بعد الهجرة بسنة أو سنتين أو ثلاث ، والمشهور الأول.

وقيل أيضاً : كان عمرها عند الزواج اثنتي عشرة سنة ، أو ثلاث عشرة ، أوأربع عشرة ، ولم يروِ أصحابنا في مبلغ عمرها يوم تزويجها أكثر من ذلك(١) .

وفي الاستيعاب : كان سنّها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ، وكان سنّ عليعليه‌السلام إحدى وعشرين سنة(٢) .

وفي رواية أبي الفرج وابن سعد وابن حجر : أنّه كان لها يوم تزويجها ثماني عشرة سنة(٣) .

ولا ريب أن ذلك سنها يوم وفاتهاعليها‌السلام وفقاً للرواية التي رجّحناها في مولدهاعليها‌السلام ، فإن كان ذلك مبنياً على أنّ ولادتها قبل البعثة بخمس سنين ، فينبغي أن يكون عمرها عند الزواج تسع عشرة سنة أو عشرين سنة أو إحدى وعشرين ، على اختلاف الروايات في تزويجها بعد الهجرة بسنة أو بسنتين أو ثلاث ، والله العالم بحقيقة الحال.

الخطبة :

تعرّض خطبة الزهراءعليها‌السلام أكابر قريش ، وكلّما ذكرها أحد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صدّ عنه ، عن أنس بن مالك ، قال : جاء أبو بكر إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقعد بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإنّي وإنّي ، قال : «وما ذلك؟ »قال : تزوجني فاطمة ، فأعرض عنه. وأتى عمر إلى

__________________

١) المجالس السنية / السيد محسن الأمين ٥ : ٤٥ الطبعة الخامسة.

٢) الاستيعاب ٤ : ٣٧٤. وراجع : ذخائر العقبى : ٢٦. والثغور الباسمة : ٦. وأعلام النساء ٣ : ١١٩٩.

٣) مقاتل الطالبيين : ٣٠. والإصابة ٤ : ٣٧٧. وطبقات ابن سعد ٨ : ٢٢.

٤٣

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له مثل ذلك فأعرض عنه(١) ، وخطبها عبد الرحمن بن عوف فلم يجبه(٢) ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ينتظر بها القضاء.

روى ابن شاهين وغيره عن عبدالله بن بريدة ، قال : إنّ أبا بكر خطب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة ، فقال : «انتظر بها القضاء » ، ثم خطب إليه عمر ، فقال : «انتظر بها القضاء » ثمّ خطب إليه علي فزوجها منه(٣) .

وعن أبي أيوب الأنصاري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : «أُمرت بتزويجك من السماء »(٤) .

وعن عبدالله بن مسعود ، قال : سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّ الله أمرني أن أُزوج فاطمة من علي ، ففعلت »(٥) .

وعن أنس ، قال : كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فغشيه الوحي ، فلمّا سُرّي عنه قال : «يا أنس ، أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال : إنّ الله أمرني أن أُزوّج فاطمة من علي (٦) .

قال الحرّ العاملي رضي الله عنه في منظومته :

__________________

١) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٩ / ١٠٢١. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٦. والمناقب / ابن المغازلي : ٣٤٧ / ٣٩٩.

٢) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣٤٥. وكشف الغمة ١ : ٣٦٨. وبحار الانوار ٤٣ : ١٠٨ و ١٤٠.

٣) فضائل فاطمةعليها‌السلام / ابن شاهين : ٥٠ / ٣٦ مؤسسة الوفاء ـ بيروت. وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣١٨. مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٨٢.

٤) فضائل فاطمةعليها‌السلام / ابن شاهين : ٥٠ / ٣٧.

٥) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٧ / ١٠٢٠. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٤. وكنز العمال ١١ : ٦٠٠ / ٣٢٨٩١. ودلائل النبوة / البيهقي : ١٤٢ / ٥٠. وترجمة الإمام عليعليه‌السلام من تاريخ دمشق ١ : ٢٥٩ / ٣٠٢. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٧٦.

٦) كنز العمال ١١ : ٦٠٦ / ٣٢٩٢٩. وذخائر العقبى : ٣٠. والرياض النضرة ٣ : ١٤٥.

٤٤

لم يتولّ الله تـزويج أحـد

مـن الأنـام إلاّ ثلاثـة فقد

زوّج آدم بحــوا أمتــه

وزينب مـن النبـي خيرته

وفـاطم الزهـراء بـالإمام

خير الأنام كاسر الأصنام(١)

وقال آخر :

وكم خاطب قد رُدّ فيها ولـم يُجَب

وكم طالبٍ صهراً وما كان بالأهلِ

ولولا علـي مـا استجيب لخاطبٍ

ولا كانت الزهرا تزفّ إلى بعلِ(٢)

الكفاءة :

تبين أن إجابة أمير المؤمنينعليه‌السلام في الزواج من الزهراءعليها‌السلام وردّ سواه كانا بأمر الله سبحانه ، وفي ذلك دليل على فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام وكرامته ومنزلته عند الله تعالى.

والزهراءعليها‌السلام سيدة نساء العالمين لابدّ أن يكون كفؤها سيد رجال الاُمّة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن هنا جاءت مقاييس الاختيار والترجيح على لسان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يبين لابنته البتولعليها‌السلام فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة ، وإنه لاَول أصحابي إسلاماً ، وأكثرهم علماً

__________________

١) تراجم أعلام النساء / الأعلمي ٢ : ٣١٣ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

٢) مستدركات أعيان الشيعة ٢ : ٣٣١ دار التعارف ـ بيروت.

٤٥

وأعظمهم حلماً »(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أما ترضين أن زوجتك أول المسلمين إسلاماً ، وأعلمهم علماً ، وإنّك سيدة نساء أُمتي كما سادت مريم نساء قومها »(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي زوجتك أقدم أُمتي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد أصبت لك خير أهلي ، وأيم الذي نفسي بيده لقد زوجتك سعيداً في الدنيا ، وإنّه في الآخرة لمن الصالحين »(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا فاطمة ، إنّي زوجتك سيداً في الدنيا ، وإنّه في الآخرة من الصالحين »(٥) .

قال العبدي :

صـدّيقة خُلِقت لـصدّ

يقٍ شريف فـي المناسب

اخـتاره واخـتارهـا

طهرين من دنس المعايب

كـان الإلـه وليهـا

وأمينه جبريل خاطب(٦)

__________________

١) الاستيعاب ٣ : ٣٦.

٢) المعجم الكبير ٢٢ : ٤١٧ / ١٠٣٠.

٣) مسند أحمد ٥ : ٢٦. والرياض النضرة ٣ : ١٦٠. وذخائر العقبى : ٧٨. ومجمع الزوائد ٩ : ١٠١ و١١٤.

٤) المعجم الكبير ٢٢ : ٤١١ / ١٠٢٢. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٧. وحلية الأولياء ٢ : ٧٥.

٥) تاريخ بغداد ٤ : ١٢٨.

٦) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣٥٢.

٤٦

وقال آخر :

هي الجديرة بالكفء الكريـم لها

مـن بالمفاخر والعليـا يحاكيها

فمن يليق ببنت المصطفى حسبـاً

ومن مـن العرب العرباء كافيها

ومن يناسب طـه كي يصاهـره

وهي المصاهرة المسعود ملفيها

غير العلـي ربيب المصطفى وله

سبق الهـداية مـذ نادى مناديها

فإنّه بعد طـه خيـر من ولـدت

قريش مذ برا البـاري ذراريها

لذلك اختـاره ربّ السمـاء لهـا

بعلاً وأمست به الدنيا تهنّيها(١)

فكفاءة الإمام علي لفاطمةعليهما‌السلام كفاءة تقوم على ضوء موازين الحكمة الالهية ، فالله تعالى هو الذي اختار الكفء للزهراءعليها‌السلام فكان عليّاًعليه‌السلام دون غيره.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو لم يُخلَق علي ما كان لفاطمة كفؤ »(٢) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : «لولا أنّ الله تعالى خلق أمير المؤمنين لم يكن

__________________

١) الأبيات من القصيدة العلوية / الشاعر عبدالمسيح الانطاكي : ٩٧.

٢) الفردوس / الديلمي ٣ : ١٧٠. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٦٦. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٤٧٢.

٤٧

لفاطمة كفؤ على وجه الأرض ، آدم فمن دونه »(١) .

فلم تكن بين أهل الكساء امرأة قط غير فاطمةعليها‌السلام ، ولم يطهّر الله امرأة من نساء العالمين من الرجس غير فاطمةعليها‌السلام ، ولم يخرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمسلمة إلى مباهلة وفد نصارى نجران غير فاطمةعليها‌السلام ، ولم تكنى بنت نبي بأُمّ أبيها غير فاطمةعليها‌السلام ، ولم يكن لامرأة اجتمعت فيها هذه الخصال من كفءٍ غير يعسوب المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهكذا حكمت السماء.

وعليه فالكفاءة هنا ليست نَسَبِيّة حيث إننا قد نجد كفوءاً نسبياً للزهراءعليها‌السلام كأمير المؤمنينعليه‌السلام من سائر أبناء أبي طالب ، وليس المراد الكفاءة بالمال والغنى ، ففي رجالات العرب من هو أغنى من أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي تقدم إلى الزهراءعليها‌السلام وما كان يملك غير سيفه ودرعه وناضحه ، ولكن أنّى لنا أن نجد كفوءاً لها يوازيها في الحكمة والهدى والرحمة وميراث النبوة وافتراض الولاء والطاعة على الناس أجمعين غير عليعليه‌السلام ؟

هذا ، وقد يقال : ما تقول بزواج عثمان ببنتي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قلنا : هذا قياس مع الفارق الكبير إذ لم تكن بضعة للنبي من بناته سوى الزهراءعليها‌السلام ، ولم تختص واحدة من بناتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما اختصّت به البتول كما بيناه ، على أن زوجتي عثمان قد زوجهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من كافرين قبله ، كما أن في زواج عثمان اختلافاً كثيراً كما يقول ابن شهرآشوب(٢) .

__________________

١) المناقب / ابن شهرآشوب ٢ : ١٨١. والكافي ١ : ٤٦١ / ١٠. والتهذيب ٧ : ٤٧٠ / ٩٠. والفقيه ٣ : ٢٤٩ / ١١٨٣. وأمالي الصدوق : ٦٨٨ / ٩٤٥. وعلل الشرائع ١ : ١٧٨ / ٣. والخصال / الشيخ الصدوق : ٤١٤ / ٣ طبع جماعة المدرسين ـ قم.

٢) مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٨٢.

٤٨

وقد حقّق جملة من الباحثين في الموضوع ، وخلصوا إلى القول بأن زوجتي عثمان هما بنتا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتبنّي ، وليس من صُلبه الشريف(١) ، وعلى هذا يسقط الاعتراض من الأساس.

الاستئذان والمشاورة :

ودرس آخر نتعلّمه من زواج الزهراءعليها‌السلام هو الاستئذان من الفتاة البكر ومشاورتها واستئمارها لكسب رضاها قبل الزواج ، وهو من الحقوق المهمة التي أولاها الإسلام للمرأة إظهاراً لكرامتها ، وعلى الرغم من أن زواج الزهراءعليها‌السلام كان بأمر الله تعالى ، فقد عمل ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سنة وتأديباً للاُمّة.

روى الشيخ الطوسي بالاسناد عن الضحاك بن مزاحم قال : سمعت علي ابن أبي طالب يقول : «أتاني أبو بكر وعمر فقالا : لو أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكرت له فاطمة. قال : فأتيته ، فلما رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضحك ثم قال : ما جاء بك يا أبا الحسن ، وما حاجتك؟ قال : فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي له وجهادي فقال : يا علي ، صدقت ، فأنت أفضل مما تذكر. فقلت : يا رسول الله ، فاطمة تزوجنيها؟ فقال : يا علي ، إنّه قد ذكرها قبلك رجال ، فذكرت ذلك لها ، فرأيت الكراهة في وجهها ، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك فدخل إليها فقال لها : يا فاطمة. فقالت : لبيك لبيك ، حاجتك يارسول الله؟ قال : إنّ علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه ، وإني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبّهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين؟ فسكتت ولم تولّ وجهها ، ولم ير فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كراهة ، فقام وهو يقول : الله أكبر ، سكوتها إقرارها ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد ،

__________________

١) راجع كتاب بنات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله / السيد جعفر مرتضى العاملي.

٤٩

زوّجها علي بن أبي طالب ، فإنّ الله قد رضيها له ورضيه لها »(١) .

وعن عطاء بن أبي رباح ، قال : لمّا خطب علي فاطمةعليهما‌السلام أتاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : «إنّ عليّاً قد ذكرك » فسكتت ، فخرج فزوجها(٢) .

وهذا لا يعارض ما تقدم من إيكال أمر زواجها بيد الله تعالى بداهةً ، ما دام علم الله وقضاؤه وقدره قد أحاط بالاشياء قبل إيجادها.

خطبة العقد :

وهي من السنن المستفادة من زواج الزهراءعليها‌السلام فقد روى ابن شهرآشوب عن ابن مردويه ، قال : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليعليه‌السلام : «تكلم خطيباً لنفسك » فقال : «الحمدُ لله الذي قرب من حامديه ، ودنا من سائليه ، ووعد الجنة من يتقيه ، وأنذر بالنار من يعصيه ، نحمده على قديم إحسانه وأياديه ، حمد من يعلم أنه خالقه وباريه ، ومميته ومحييه ، ومسائله عن مساويه ، ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونستكفيه ، ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، شهادة تبلغه وترضيه ، وأن محمداً عبده ورسوله ، الى أن قال : وهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زوجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم وقد رضيت ، فاسألوه واشهدوا ».

فقال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : «وقد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن ، وقد رضيت بما رضي الله لها ، فدونك أهلك فانك أحقّ بها مني ».

وفي خبر : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فنعم الأخ أنت ، ونعم الختن أنت ، ونعم الصاحب أنت ، وكفاك برضا الله رضاً »فخرّ عليعليه‌السلام ساجداً شكراً لله تعالى

__________________

١) أمالي الطوسي : ٣٩ / ٤٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٣ / ٤.

٢) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٥. والثغور الباسمة / السيوطي : ٣١. وذخائر العقبى : ٢٩ و٣٣. والطبقات الكبرى / ابن سعد ٨ : ٢٠. وتذكرة الخواص : ٣٠٨.

٥٠

وهو يقول :( ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وان أعمل صالحاً ترضاه واصلح لي في ذريتي ) (١) . فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «آمين » فلمّا رفع رأسه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «بارك الله عليكما ، وبارك فيكما ، وأسعد جدكما ، وجمع بينكما ، وأخرج منكما الكثير الطيب » ثم أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بطبق بُسرٍ وأمر بنهبه ، ودخل حجرة النساء ، وأمر بضرب الدف(٢) .

وفي حديث عليعليه‌السلام وأُمّ سلمة وسلمان (رضي الله عنهما) قالوا : فقال المسلمون لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : زوجته يا رسول الله؟ فقال : «نعم » فقالوا : بارك الله لهما وعليهما ، وجمع شملهما ، وانصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أزواجه ، فأمرهن أن يدففن لفاطمةعليها‌السلام ، فضربن بالدفوف(٣) .

المهر :

كان مهر الزهراءعليها‌السلام خمسمائة درهم ، وهو الذي جرت به السُنّة ، وقد تقدّم ذكر ذلك في خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام المتقدمة ، وقيل : أربعمائة مثقال فضة ، وهو المروي عن أنس بن مالك ، في خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين العقد ، قال أنس : كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فغشيه الوحي ، فلما أفاق قال لي : «ياأنس ، أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟ » قال : قلت : الله ورسوله أعلم. قال : «أمرني أن أزوّج فاطمة من علي ، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً وطلحة والزبير ، وبعددهم من الأنصار ».

قال : فانطلقت فدعوتهم له ، فلمّا أن أخذوا مجالسهم قال رسول

__________________

١) سورة النمل : ٢٧ / ١٩.

٢) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣٥١. وبحار الأنوار ٤٣ : ١١١.

٣) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٥٨.

٥١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأورد خطبته ـ إلى أن قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ثم إني أُشهدكم أني قد زوجت فاطمة من علي على أربعمائة مثقال فضة ، إن رضي بذلك عليّ » وكان عليعليه‌السلام غائباً ، قد بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حاجة ، ثم أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بطبق فيه بُسر فوضع بين أيدينا ، ثم قال : «انتهبوا » فبينا نحن كذلك ، إذ أقبل عليعليه‌السلام فتبسم إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : «يا علي ، إنّ الله أمرني أن أزوجك فاطمة ، وقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة ، أرضيت؟ ». قال : «رضيت يا رسول الله » ثم قام عليعليه‌السلام فخرّ لله ساجداً ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «جعل الله فيكما الخير الكثير الطيب ، وبارك فيكما ».

قال أنس : والله لقد أخرج منهما الكثير الطيب(١) .

والمشهور في مقدار المهر هو الأول ، وقال ابن شهرآشوب : وهو الأصح(٢) ، ولعلّ الأربعمائة مثقال فضة كانت تعادل خمسمائة درهم في عصرهم ، وقد ورد في جملةٍ من الروايات أن أمير المؤمنينعليه‌السلام قد باع درعه بأربعمائة وثمانين درهماً وكانت هي مهر الزهراءعليها‌السلام .

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام ـ في حديث تزويج فاطمةعليها‌السلام ـ قال : «ثم إنّ عليّاً اغتسل ولبس كساءً قطرياً وصلّى ركعتين ، ثم أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا رسول الله زوّجني فاطمة. قال : إذا زوجتكها فما تصدقها؟ قال : أصدقها سيفي وفرسي ودرعي وناضحي ، قال : أما ناضحك وسيفك وفرسك فلا غنى بك عنها ، تقاتل المشركين ، وأما درعك فشأنك بها.

فانطلق عليعليه‌السلام وباع درعه بأربعمائة وثمانين درهماً قطرية ، فصبّها بين

__________________

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٤٩. وذخائر العقبى : ٣٠. والرياض النضرة ٣ : ١٤٥. وكفاية الطالب / الكنجي : ٣٠٢ الطبعة الثالثة ـ طهران.

٢) المناقب ٣ : ٣٥١.

٥٢

يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يسأله عن عددها ، ولا هو أخبره عنها »(١) .

وعن الحسين بن عليعليهما‌السلام قال : «زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليّاً على أربعمائة وثمانين درهماً »(٢) .

وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال : «كان صداق فاطمة عليها‌السلام جرد برد حبرة ودرع حطمية ، وكان فراشها إهاب كبش »(٣) .

قيل : إنّ الاربعمائة وثمانين درهماً ، كانت ثمن الدرع لاتمام المهر ، كما يدل عليه بعض الأخبار ، وان الدرع والبرد لم يكونا مهراً ، بل بيعا ، لذلك فثمن الدرع أربعمائة وثمانون ، وثمن البرد عشرون ، والله أعلم(٤) .

درس توجيهي :

لقد كانت عادة الأشراف من قريش إذا تزوج أحدهم أن يبذلوا المهور العالية ، وأن يكون الزواج مفعماً بمظاهر التكلف والاسراف ، وفي زواج الزهراءعليها‌السلام قدّم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله درساً عملياً للزواج النموذجي في الإسلام مغيراً معايير الجاهلية غير عابىء بلائمة قريش وعذلهم.

عن جابر بن عبدالله قال : لمّا زوّج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً من فاطمةعليها‌السلام أتت قريش فقالوا : يا رسول الله ، زوجت فاطمة بمهر خسيس ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٨. وكفاية الطالب : ٣٠٢. ونحوه عن أنس بن مالك. ورواه الطبراني في المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٩ / ١٠٢١. وابن المغازلي في المناقب : ٣٤٧ / ٣٩٩. والمحب الطبري في الرياض النضرة ٣ : ١٤٢. وابن حجر الهيثمي في المجمع ٩ : ٢٠٥ وغيرهم. ونحوه عن ابن عباس. ورواه البيهقي في السنن ٧ : ٢٣٤. وأحمد في المسند ١ : ٨٠. والمناوي في إتحاف السائل : ٣٥ و ٤٦.

٢) المناقب / ابن شهر آشوب ٣ : ٣٥١.

٣) الكافي ٥ : ٣٧٧ / ٥. ونحوه عن الإمام الصادقعليه‌السلام في الكافي ٥ : ٣٧٧ / ١.

٤) المجالس السنية / السيد محسن الأمين ٥ : ٧٧.

٥٣

«ما زوجت فاطمة من علي ، ولكن الله زوجها »(١) فليس هو إلاّ حكم الله ، وقد شاء تحكمته أن تكون مهور النساء متواضعة ، وأجرى ذلك على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : «أفضل نساء أُمتي أصبحهن وجهاً وأقلهنّ مهراً »(٢) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : «خلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بابنته في صبيحة اليوم الرابع ، وقال لها : كيف أنت يا بنية ، وكيف رأيت زوجك؟ فقالت له : يا أبه ، خير زوج ، إلاّ أنه دخل عليَّ نساء من قريش ، وقلن لي : زوجك رسول الله من فقير لا مال له ، فقال لها صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بنية ، ما ألوتك نصحاً أن زوجتك أقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً. يا بنية ، إنّ الله عزَّ وجلَّ اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختار منها رجلين ، فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك. يا بنية ، نعم الزوج زوجك لا تعصي له أمراً. ثم صاح بي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، فقلت : لبيك يا رسول الله. فقال : ادخل بيتك والطف بزوجتك وارفق بها ، فان فاطمة بضعة مني ، يؤلمني ما يؤلمها ، ويسرني ما يسرها ، استودعكما الله واستخلفه عليكما »(٣) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام عن آبائه : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا زوج فاطمة عليها‌السلام ، دخل النساء عليها ، فقلن : يا بنت رسول الله ، خطبك فلان وفلان ، فردّهم عنك ، وزوّجك فقيراً لا مال له ، فلمّا دخل عليها أبوها صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ذلك في وجهها ، فسألها فذكرت له ذلك ، فقال : يا فاطمة ، إنّ الله أمرني فانكحتك أقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً ، وما زوجتك إلاّ بأمرٍ من

__________________

١) المناقب / ابن المغازلي : ٣٤٣ / ٣٩٥. وأمالي الطوسي : ٢٦٦ / ٤٦٤. والفقيه ٣ : ٢٥٣ / ١٢٠٢.

٢) الكافي ٥ : ٣٢٤ / ٤.

٣) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٣.

٥٤

السماء ، أما علمت أنه أخي في الدنيا والآخرة »(١) .

وعن ابن عباس ، قال : لما زوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام من فاطمةعليها‌السلام تحدثت نساء قريش وغيرهن وعيّرنها وقلن : زوجك رسول الله من عائل لامال له ، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا فاطمة ، أما ترضين إنّ الله تبارك وتعالى اطلع اطلاعة إلى الأرض ، فاختار منها رجلين : أحدهما أبوك ، والآخر بعلك »(٢) .

فمعيار التفاضل لابدّ أن يكون قائماً على أساس التقوى والدين والخلق القويم ، لا على أساس الثروة والمال والحطام الزائل ، وعلى الرغم من تواضع مهر الزهراءعليها‌السلام وبساطة المراسيم فقد وصف عرسها : بأنّه أحسن عرس وأطيبه.

عن جابر ، قال : حضرنا عرس علي وفاطمةعليهما‌السلام فما رأينا عرساً كان أطيب منه ، حشونا الفراش الليف ، وأُوتينا بتمرٍ وزبيب فأكلنا ، وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش(٣) .

وروى ابن ماجة عن عائشة وأُمّ سلمة ، قالتا : ما رأينا عرساً أحسن من عرس فاطمة(٤) .

ففي مهر الزهراءعليها‌السلام درس توجيهي لنا ، فقد زوّج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أحب الخلق إليه بمهر متواضع كي يفهّم الاُمّة عمليّاً أن المهور العالية ليست في صالحها لما تسببه من تعكير لصفو المحبة والعلاقة بين الزوجين وزلزلة

__________________

١) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢٢٧.

٢) اليقين / السيد ابن طاووس : ١٥٨ ـ النجف الأشرف. وبحار الأنوار ٤٠ : ١٨ / ٣٦.

٣) مجمع الزوائد ٩ : ٢٠٩. والثغور الباسمة : ٣٣. واتحاف السائل : ٤٢. وذخائر العقبى : ٣٤. والرياض النضرة ٣ : ١٤٤.

٤) سنن ابن ماجة ١ : ٦١٦ / ١٩١١ كتاب النكاح ، باب الوليمة ، دار الفكر ـ بيروت.

٥٥

الوضع الاقتصادي للعائلة ، فضلاً عن أنها تؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج وما يعقبه من مفاسد اجتماعية وأمراض روحية.

الجهاز وأثاث البيت :

إنّ جهاز الزهراءعليها‌السلام وأثاث بيتها يعكس مظاهر الزهد والتواضع وسمو المبادىء وعظمة القيم الإسلامية العليا على مظاهر البذخ والترف الزائلة.

روى الشيخ الطوسي مسنداً عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض من ثمن الدرع قبضةً ودعا بلالاً فأعطاه ، وقال : ابتع لفاطمة طيباً ، ثم قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الدراهم بكلتا يديه فأعطاه أبا بكر ، وقال : ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت وأردفه بعمار بن ياسر وبعدّة من أصحابه وحضروا السوق

فكان مما اشتروه : قميص بسبعة دراهم ، وخمار بأربعة دراهم ، قطيفة سوداء خيبرية ، وسرير مزمّل بشريط ، وفراشين من خيش مصر حشو أحدهما ليف ، وحشو الآخر من جزّ الغنم ، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر ، وستر من صوف ، وحصير هجري ، ورحى لليد ، ومخضب من نحاس ، وسقاء من أدم ، وقعب للبن ، وشنّ للماء ، ومطهرة مزفّتة ، وجرّة خضراء ، وكيزان خزف.

فلما عرض المتاع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل يقلّبه بيده ويقول : بارك الله لاَهل البيت »(١) .

واقتصرت كثير من الروايات على بعض ما جاء في هذه الرواية من الجهاز(٢) .

__________________

١) أمالي الطوسي : ٤٠ / ٤٥. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٤ / ٥.

٢) راجع : مستدرك الحاكم ٢ : ١٨٥. ومسند أحمد ١ : ٨٤. و٣ : ١٠٤ و ١٠٨. والطبقات الكبرى ٨ :

٥٦

وروي عن أُمّ سلمة وسلمان الفارسي وعليعليه‌السلام أنهم قالوا : وقبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبضةً من الدراهم ، ودعا بأبي بكر فدفعها إليه ، وقال : «يا أبا بكر ، اشترِ بهذه الدراهم لابنتي ما يصلح لها في بيتها » وبعث معه سلمان وبلالاً ليعيناه على حمل ما يشتريه ، قال أبو بكر : وكانت الدراهم التي أعطانيها ثلاثة وستين درهماً ، فانطلقت واشتريت فراشاً من خيش مصر محشوّاً بالصوف ، ونطعاً من أدم ، ووسادة من أدم حشوها من ليف النخل وعباءة خيبرية ، وقربة للماء ، وكيزاناً ، وجراراً ، ومطهرة للماء ، وستر صوف رقيقاً ، وحملناه جميعاً حتى وضعناه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا نظر إليه بكى وجرت دموعه ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : «اللهمَّ بارك لقومٍ جلّ آنيتهم الخزف »(١) .

وأخرج أبو يعلى عن عليعليه‌السلام ، قال : «أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجعل ثلثين في الطيب ، وثلثاً في الثياب »(٢) .

وروى ابن شهرآشوب عن الصادقعليه‌السلام قال : «أعطى منها قبضة كانت ثلاث وستين أو ستة وستين إلى أُمّ أيمن لمتاع البيت ، وقبضة إلى أسماء للطيب ، وقبضة إلى أُمّ سلمة للطعام ، وأنفذ عماراً وأبا بكر وبلالاً لابتياع مايصلحها »(٣) .

أما بيت عليعليه‌السلام الذي زفّت إليه الزهراءعليها‌السلام فكان بمنتهى البساطة والتواضع ، روى ابن شهرآشوب عن وهب بن وهب القرشي ، قال : وكان

__________________

٢٠ ـ ٢١. والثغور الباسمة : ٣٥. واتحاف السائل : ٥١.

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٥٩. ومناقب الخوارزمي : ٢٥٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٣٠.

٢) اتحاف السائل : ٤٤.

٣) المناقب ٣ : ٣٥٢.

٥٧

من تجهيز عليعليه‌السلام داره انتشار رمل لين ، ونصب خشبة من حائط إلى حائط للثياب ، وبسط إهاب كبش ، ومخدّة ليف(١) .

وأخرج ابن ماجة عن عائشة وأُمّ سلمة ، قالتا : أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نجهز فاطمةعليها‌السلام حتى ندخلها على عليعليه‌السلام فعمدنا إلى البيت ، ففرشناه تراباً ليناً من أعراض البطحاء ، ثم حشونا مرفقتين ليفاً ، فنفشناه بأيدينا وعمدنا إلى عود فعرضناه في جانب البيت ليلقى عليه الثوب ويعلّق عليه السقاء(٢)

وروى أحمد بالاسناد عن عكرمة وأبي يزيد المديني ، قال : لمّا أُهديت فاطمة إلى عليعليه‌السلام لم تجد عنده إلاّ رملاً مبسوطاً ووسادة وجرة وكوزاً(٣) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام قال : «كان فراش علي وفاطمة عليها‌السلام حين دخلت عليه إهاب كبش ، إذا أرادا أن يناما عليه ، قلباه فناما على صوفه ، وكانت وسادتها أدماً حشوها ليف ، وكان صداقها درعاً من حديد »(٤) .

وأخرج ابن سعد عن عليعليه‌السلام قال : «تزوجت فاطمة عليها‌السلام ومالي ولها فراش غير جلد كبش ، ننام عليه بالليل ، ونعلف عليه الناضح بالنهار ، ومالي ولها خادم غيرها »(٥) .

وأخرج أحمد بن حنبل ، عن عليعليه‌السلام قال : «ما كان لنا إلاّ إهاب كبش ،

__________________

١) المناقب ٣ : ٣٥٣.

٢) سنن ابن ماجة ١ : ٦١٦ / ١٩١١.

٣) فضائل أحمد ٢ : ٥٦٧ / ٩٥٦ مؤسسة الرسالة. وتذكرة الخواص : ٣٠٧. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٩ عن أسماء بنت عميس.

٤) قرب الاسناد / الحميري : ٥٣ مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام ـ قم. والطبقات الكبرى ٨ : ٢٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٠٤ / ١٤.

٥) الطبقات الكبرى ٨ : ٢٢. وذخائر العقبى : ٣٥. والثغور الباسمة : ٣٣. وتذكرة الخواص : ٣٠٧.

٥٨

ننام على ناحيته ، وتعجن فاطمة على ناحيته »(١) .

قال الشاعر :

رفرف السعدُ فوق كوخٍ صغيرٍ

لـم يُـدنّس بـقسوة الأغنيـاء

إن تكن قسمـةُ الغنيّ متـاعاً

فالإلـه الرحمـن للاَتقيـاء(٢)

بيت الزهراءعليها‌السلام :

هذا هو ما ورد في وصف بيت الزهراءعليها‌السلام بأثاثه البسيط وجهازه المتواضع ، فلتتعلم منه الاُمّة درس التضحية والإيثار ومظاهر العزّ والعظمة ، فإنّه الحلّ الحاسم لكثير من المشكلات الاجتماعية التي كانت ولا زالت تهدد المجتمعات الإنسانية ويضجّ العالم تحت وطأتها.

فلو زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة من بعض رجالات العرب الذين تقدموا لخطبتها وحاشاه أن يفعل ، لكانت ترفل بحلل الحرير والديباج ، وتزدهي بقلائد الذهب والفضة ، ولسكنت القصور والعلالي ، ولكان لها الخدم والحشم ، بدل القربة التي استقت بها فأنهكتها ، والرحى التي طحنت بها حتى مجلت يدها ، والمكنسة التي قمّت بها حتى اغبرت ثيابها ، لكن السعادة والسكينة والرحمة ليس في القصور الضخمة ، ولا في اقتناء الذهب والفضة ، بل حيث يكون ابن عمها الكفء ، أمير المؤمنين وإمام المتقين وأبو الأئمة الميامين ، أول الناس إسلاماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً.

(في هذا المكان ، وهذا البيت المتواضع الذي كان جُلّ أثاثه من الخزف ،

__________________

١) الثغور الباسمة : ٣٥. وإتحاف السائل : ٥١.

٢) البيتان لبولس سلامة من قصيدة عيد الغدير : ٨٠ الطبعة الرابعة ـ طهران.

٥٩

كان يبتهج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ويغتبط ، ويجد لنفسه السكينة والسعادة والهناء ، ويفيض من قلبه الحبّ الأبوي والحنان على بضعته فاطمةعليها‌السلام ، وريحانتيه من الدنيا الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وعليعليه‌السلام أخيه وصهره ووارث علمه وحكمته وشريكه في خصائصه ماعدا النبوة.

في هذا البيت الذي ضمّ آل الرسول ، ودرج فيه الحسنان ، كان يجلس محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وينعم برؤية الأهل والأولاد ، ويلقي عن كاهله الاتعاب والأوصاب ، وما لاقاه من الأذى في سبيل دعوته.

في هذا البيت كان يجلس ربّ العائلة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله مع عائلته؛ عليعليه‌السلام عن يمينه ، وفاطمةعليها‌السلام عن يساره ، والحسن والحسينعليهما‌السلام في حجره ، يقبّل هذا مرّة وذاك اُخرى ، يباركهم ويدعو لهم ، ويسأل الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً.

ومن هذا البيت كان يخرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السفر ، وبه يبدأ إذا عاد ، وفي هذا البيت نزل الروح الأمين بالوحي من الله على قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخدم الملائكة فيه سيدي شباب أهل الجنة.

ومن هذا البيت المتواضع شعّ نور الهداية والإسلام على الناس مدى الأجيال ، وفي هذا البيت الفقير سبّحت الزهراء وبعلها وبنوهاعليهم‌السلام بالغدوّ والآصال.

قال أنس وبريدة : قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمُهُ يُسَبِّحُ لهُ فيها بالغُدُوِّ والأصالِ ) (١) ، فقام إليه رجل فقال : أي بيوت هذه يا رسول الله؟ قال : «بيوت الأنبياء » فقام إليه أبو بكر وقال : يا رسول الله ، هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمةعليهما‌السلام ، فقال

__________________

١) سورة النور : ٢٤ / ٣٦.

٦٠

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : «نعم من أفاضلها »(١) )(٢) .

وعلى باب هذا البيت كان يمرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا خرج إلى صلاة الصبح ويقول : «الصلاة ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (٣) .

ولكرامة هذا البيت الطاهر ومن فيه من شموس الهداية ومنارات التقى وأعلام اليقين ، فقد استثناه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما أمر بسدّ الأبواب الشارعة إلى المسجد دونه ، وكان ذلك بأمر من الله تعالى ، ليبين بذلك عظيم منزلتهم ومنتهى درجتهم.

الزفاف والتكبير :

إنّ ذكر اسم الله تعالى في مقدمات الزواج يضفي قيمة معنوية عليه ، ويربطه بخالق الوجود الأكبر ، مما يسهم في استمرار العلاقة الزوجية لاستنادها إلى ركن قويم وتربية روحية صالحة.

وزواج الزهراءعليها‌السلام باركت له السماء قبل الأرض ، وكبرت له الملائكة قبل البشر ، فكبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكبر الصحابة ، ووقع التكبير على العرائس من يوم زفافها ، وجرت السُنّة به إلى يوم القيامة.

روى الشيخ الطوسي وغيره بالاسناد عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه عن جدهعليه‌السلام عن جابر بن عبدالله ، قال : لما كانت ليلة زفاف فاطمةعليها‌السلام أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ببغلته الشهباء ، وثنى عليها قطيفة ، وقال لفاطمة : «اركبي » ، وأمر

__________________

١) الدر المنثور / السيوطي ٦ : ٢٠٣. وروح المعاني / الالوسي ١٨ : ١٧٤.

٢) فضائل الإمام عليعليه‌السلام / الشيخ محمد جواد مغنية : ٢٦ ـ ٢٧ مكتبة الهلال ـ بيروت.

٣) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٢ / ١٠٠٢. ومسند أحمد ٣ : ٢٥٩ و ٢٨٥. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٥٨. وسنن الترمذي ٥ : ٣٥٢ / ٣٢٠٦.

٦١

سلمان أن يقودها ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يسوقها ، فبينا هو في بعض الطريق إذ سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجبةً ، فإذا هو بجبرئيل في سبعين ألفاً ، وميكائيل في سبعين ألفاً. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أهبطكم إلى الأرض؟ » قالوا : جئنا نزفُّ فاطمة إلى علي بن أبي طالب فكبّر جبرائيل ، وكبّر ميكائيل ، وكبّرت الملائكة ، وكبّر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة(١) .

وروى ابن شهرآشوب عن الخطيب في تاريخه وابن مردويه وابن المؤذن وشيرويه الديلمي بأسانيدهم عن ابن عباس وجابر ، قالا : لمّا كانت الليلة التي زفت فاطمةعليها‌السلام إلى عليعليه‌السلام كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمامها ، وجبرئيل عن يمينها ، وميكائيل عن يسارها ، وسبعون ألف ملك من خلفها ، يسبّحون الله ويقدسونه حتى طلع الفجر(٢) .

وعن كتاب (مولد فاطمة) عن ابن بابويه ـ في خبر ـ قال : أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بنات عبدالمطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة ، وأن يفرحن ويرجزن ويكبّرن ويحمدن ، ولا يقلن ما لا يرضي الله ، فارتجزت أُمّ سلمة وعائشة وحفصة ومعاذة أُمّ سعد بن معاذ ، وكانت النسوة يرجعن أوّل بيت من كل رجز ، ثم يكبّرن ، ودخلن الدار ، ثم أنفذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي ودعاه إلى المسجد ، ثم دعا فاطمةعليها‌السلام فأخذ بيدها ووضعها في يده ، وقال : «بارك الله في ابنة رسول الله »(٣) .

وفي حديث أُمّ سلمة : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ عليّاً بيمينه ، وفاطمة بشماله ،

__________________

١) أمالي الطوسي : ٢٥٨ / ٤٦٤. والفقيه ٣ : ٢٥٣ / ١٢٠٢. ومناقب ابن المغازلي : ٣٤٣ / ٣٩٥. وترجمة الإمام عليعليه‌السلام من تاريخ دمشق ١ : ٢٣٤ / ٢٩٩. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٠٤ / ١٥.

٢) المناقب ٣ : ٣٥٤. وتاريخ بغداد ٥ : ٧. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٦٦. وذخائر العقبى : ٣٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١١٥.

٣) المناقب ٣ : ٣٥٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ١١٥.

٦٢

وجمعهما إلى صدره ، فقبّل بين أعينهما ، ودفع فاطمةعليها‌السلام إلى عليعليه‌السلام وقال : «ياعلي ، نعم الزوجة زوجتك » ثم أقبل على فاطمةعليها‌السلام وقال : «يافاطمة ، نعم البعل بعلك » ، ثم قام معهما يمشي بينهما حتى أدخلهما بيتهما الذي هيّىء لهما ، ثم خرج من عندهما ، فأخذ بعضادتي الباب. فقال : «طهركما الله وطهّر نسلكما ، أنا سلمٌ لمن سالمكما ، أنا حربٌ لمن حاربكما ، أستودعكما الله واستخلفه عليكما »(١) .

الوليمة :

وفي زواج الزهراءعليها‌السلام دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام لاَن يصنع طعاماً ويدعو الناس عامة لتكون سنة في أُمّته ، روى الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : «ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، اصنع لاَهلك طعاماً فاضلاً ، ثم قال : من عندنا اللحم والخبز ، وعليك التمر والسمن ، فاشتريت تمراً وسمناً ، فحسر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذراعه ، وجعل يشدخ التمر في السمن حتى اتخذه حيساً ، وبعث إلينا كبشاً سميناً فذبح ، وخُبز لنا خبز كثير ، ثم قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ادعُ من أحببت » الحديث(٢) .

وروى الاربلي عن أُمّ سلمة وسلمان الفارسي وعليعليه‌السلام أنهم قالوا : أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الدراهم التي سلّمها إلى أُمّ سلمة عشرة دراهم ، فدفعها إلى عليعليه‌السلام وقال : «اشتر سمناً وتمراً وأقطاً ، قال علي عليه‌السلام : فاشتريت وأقبلت به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحسر عن ذراعيه ، ودعا بسفرة من أدم ، وجعل يشدخ التمر والسمن ويخلطهما بالأقط حتى اتخذه حيساً ، ثم قال : يا علي ، ادعُ من

__________________

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦١.

٢) أمالي الطوسي : ٤٢ / ٤٥. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٥ / ٥.

٦٣

أحببت » إلى آخر الرواية(١) .

وروى الطبراني بالاسناد عن ابن عباس : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا بلالاً ، فقال : «يا بلال ، إنّي قد زوجّت ابنتي ابن عمي ، وأنا أحبُّ أن تكون سُنّة أُمتي الطعام عند النكاح ، فائت الغنم فخذ شاة وأربعة أمداد أو خمسة ، واجعل لي قصعة ، لعلّي أجمع عليها المهاجرين والأنصار ، فإذا فرغت منها فآذني بها » فانطلق ففعل ما أمره به ، ثم أتاه بقصعة فوضعها بين يديه ، فطعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في رأسها ، ثم قال : «أدخل عليّ الناس زُفّة زُفّة »(٢) .

ولا تعارض بين هذه الأخبار ، لاَنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله شرط في الأول أن يكون التمر والسمن على عليعليه‌السلام ، وهو ما يفسره الخبر الثاني ، وشرط أيضاً أن يكون اللحم والخبز على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ما يفسره الخبر الأخير.

وحسبك من وليمة تجتمع على أطرافها البركة والخير والنماء ، فهي تصنع بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبيده ، وهو الذي يدعو لها ويبارك فيها ، فلابدّ أن تكون أفضل وليمة على رغم بساطتها وتواضعها.

أخرج ابن سعد عن أسماء بنت عميس(٣) ، قالت : جهزت فاطمة إلى علي ، وما كان حشو فراشهما ووسائدهما إلاّ الليف ، ولقد أولم علي على فاطمة ، فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته(٤) .

__________________

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦١. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٣٢. والمناقب / الخوارزمي : ٢٥٤.

٢) المعجم الكبير ٢٢ : ٤١١ / ١٠٢٢. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٩. وإتحاف السائل : ٣٩.

٣) احتمل الاربلي أن تكون أسماء التي حضرت عرس الزهراءعليها‌السلام هي سلمى بنت عميس زوجة حمزة بن عبدالمطلبعليه‌السلام لاَنّ أسماء بنت عميس كانت بأرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام وقال غيره : هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية.

٤) الطبقات الكبرى ٨ : ١٤. وذخائر العقبى : ٣٣. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٦ عن الدولابي. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٣٨ / ٣٤.

٦٤

الدعاء للعريسين :

وحظي زواج الزهراءعليها‌السلام بدعاء خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله فجرت السُنّة بذلك لتأكيد القيم الروحية والمعنوية في الزواج ، وتأصيلها في العلاقة الزوجية من يومها الأول.

روى أنس بن مالك عن أُمّ أيمن ، قالت : إنّه لما كانت ليلة البناء ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : «إذا أتتك فلا تحدث شيئاً حتى آتيك » فدخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لفاطمةعليها‌السلام : «ائتيني بماء » فقامت إلى قعب في البيت فجعلت فيه ماء فأتته به ، فمجّ فيه ثم قال لها : «قومي » فنضح بين ثدييها وعلى رأسها ، ثم قال : «اللهمَّ أُعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم » ثم قال لها : «أدبري » فأدبرت ، فنضح بين كتفيها ، ثم قال : «اللهمَّ إني أُعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم » ثم قال : «ائتيني بماء » فأتته ، فأخذ منه بفيه ، ثم مجّه فيه ، ثم صبّ على رأس علي وبين يديه ، ثم قال : «اللهمَّ إني أعيذه وذريته من الشيطان الرجيم » ثم قال : «ادخل على أهلك باسم الله والبركة »(١) .

وزارهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في صبيحة العرس ـ وقيل : في صبيحة اليوم الرابع(٢) ـ فسأل عليّاًعليه‌السلام : «كيف وجدت أهلك؟ » فقال : «نعم العون على طاعة الله » وسأل فاطمةعليها‌السلام فقالت : «خير بعل » فقال : «اللهمَّ اجمع شملهما ، وألّف بين قلوبهما ، واجعلهما وذريتهما من ورثة جنة النعيم ، وارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة ، واجعل في ذريتهما البركة ، واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك ، ويأمرون بما يرضيك »(٣) .

__________________

١) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٩ / ١٠٢١. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٦. واتحاف السائل : ٣٥ و ٤٧.

٢) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٢.

٣) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٥. وبحار الأنوار ٤٣ : ١١٧.

٦٥

وكان من عادة العرب في الجاهلية أن يقولوا للمتزوجين : بالرفاء والبنين ، فنهى عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في زواج الزهراءعليها‌السلام وسنّ فيه غيره ، روى ثقة الإسلام الكليني عن أبي عبدالله البرقي رفعه ، قال : «لمّا زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة قالوا : بالرفاء والبنين. قال : لا ، بل على الخيروالبركة »(١) .

المبحث الرابع : دورها في داخل الاُسرة وخارجها :

انتقلت الزهراءعليها‌السلام من بيت أبيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيت بعلها الوصيعليه‌السلام ، ذلك البيت الذي تحفّه الرحمة ويغمره الايمان ، فتشكلت الاُسرة الطاهرة من سيدين معصومين درجا في أحضان النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ونهلا من نمير علمه وخلقه العظيم ومكارم أخلاقه وكمالات نفسه الكريمة ، فكان عليعليه‌السلام سيد الوصيين النموذج الكامل والقدوة الصالحة للرجل في الإسلام ، وكانت الزهراءعليها‌السلام سيدة نساء العالمين النموذج الكامل للمرأة في الإسلام.

وقد وجدت الزهراءعليها‌السلام نفسها وهي في بيت الإمامعليه‌السلام أمام وظائف جسيمة ، ومسؤوليات عظيمة ، فباعتبارها القدوة الحسنة والاُسوة المثلى للمرأة المسلمة ، كان عليها أن ترسم الطريق لمعالم البيت الإسلامي الأمثل في الإسلام ، وقد استطاعت وبكل جدارة أن تضرب أروع الأمثلة في طاعة الزوج ومراعاة حقوقه والاخلاص له ، والصبر على شظف العيش وقلة ذات اليد ، وفي القيام بمسؤوليات البيت وأداء واجبات الاُسرة في جوّ من المودة والصفاء والتعاون والوفاء ، وفي تربية الأولاد الصالحين ، بما ليس له نظير ،

__________________

١) الكافي ٥ : ٥٦٨ / ٥٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٤٤ / ٤٦.

٦٦

وفي ما يلي بعض معالم تلك الاُسرة الفريدة التي أنعم الله عليها بما يشاء.

١ ـ الطاعة وحسن المعاشرة :

كانت الزهراءعليها‌السلام نعم الزوجة لاَمير المؤمنينعليه‌السلام ما عصت له أمراً وما خالفته في شيء ولا خرجت بغير إذنه ، وكانت تعينه على طاعة الله تعالى ، وتؤثره على نفسها ، وتدخل عليه البهجة والسرور ، حتى إنّه إذا نظر إليها انكشفت عنه الهموم والأحزان.

جاء في روضة الواعظين أن الزهراءعليها‌السلام قالت في مرض موتها لاَمير المؤمنينعليه‌السلام : «يا بن عم ، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني » فقالعليه‌السلام : «معاذ الله! أنتِ أعلم بالله ، وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أوبخك بمخالفتي »(١) .

وبالمقابل كان أمير المؤمنينعليه‌السلام نعم البعل للزهراءعليها‌السلام يغدق عليها من فيض حبّه وعطفه ، ويشعرها باخلاصه وودّه لها ، وما كان يغضبها ولا يكرهها على شيء قطّ ، وإن أرجف المرجفون على هذا البيت الطاهر بأراجيف شتى.

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : «والله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عزَّ وجلَّ. ولا أغضبتني ، ولا عصيت لي أمراً ، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان »(٢) .

وضربت الزهراءعليها‌السلام أروع الأمثلة في الصبر على ألم المعاناة من العمل في داخل المنزل حتى إنّها كانت تغزل جزة الصوف بثلاثة آصع من شعير.

عن تفسير الثعلبي : أن عليّاًعليه‌السلام انطلق إلى يهودي يعالج الصوف ، فقال له :

__________________

١) بحار الأنوار ٤٣ : ١٩١ / ٢٠.

٢) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٣٤. ومناقب الخوارزمي : ٢٤٧.

٦٧

«هل لك أن تعطيني جزةً من صوف تغزلها لك بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثة آصع من شعير؟ » قال : نعم. فأعطاه الصوف والشعير. فقبلت فاطمةعليها‌السلام وأطاعت ، وقامت إلى صاع فطحنته وخبزت منه خمسة أقراص(١) .

وعن أنس ، قال : إنّ بلالاً أبطأ عن صلاة الصبح ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ماحبسك؟ » فقال : مررت بفاطمة وهي تطحن والصبي يبكي ، فقلت لها : إن شئت كفيتك الرحا وكفيتني الصبي ، وان شئت كفيتك الصبي وكفيتني الرحال. فقالت : «أنا أرفق بابني منك » فذاك حبسني. قال : «رحمتها رحمك الله »(٢) .

وفي مثل هذه الظروف القاهرة كانتعليها‌السلام لا تخرج منها غير كلمة الطاعة ، فحينما سألها أمير المؤمنينعليه‌السلام إطعام المسكين الذي طرق بيت الزهراءعليها‌السلام قالت :

« أمرك سمعٌ يابن عمّ وطاعة

ما بي من لؤمٍ ولا وضاعة »(٣)

ولا تتوانى ابنة الرسالة عن أداء مهامها في البيت طاعةً لزوجها على الرغم من حالة الفقر التي كانت تلفّ حياتها في بيت الزوجية ، حتى أن أمير المؤمنينعليه‌السلام رقّ لحالها من شدّة ما تعانيه من أتعاب منزلية.

أخرج السيوطي في مسند فاطمةعليها‌السلام عن هبيرة ، عن عليعليه‌السلام ، قال :

__________________

١) إحقاق الحق / الشهيد التستري ١٠ : ٢٦٤ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ، عن تفسير الثعلبي.

٢) مسند أحمد ٣ : ١٥٠. ومجمع الزوائد ١٠ : ٣١٦. وتاريخ دمشق ١٠ : ٣٣٢ ـ دمشق. ومجموعة ورّام ٢ : ٢٣٠.

٣) تفسير فرات : ٥٢١ ـ طهران ١٤١٠ هـ. ومناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣٧٤. وتذكرة الخواص ٣١٤. وتفسير القرطبي ١٩ : ١٣٢. واتحاف السائل : ١٠٥.

٦٨

«قلت لفاطمة عليها‌السلام : لو أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تسأليه خادماً ، فإنّه قد جهدك الطحن والعمل ..؟ »(١) .

وعن الحسين بن علي ، عن أبيه عليعليهما‌السلام ، أنّه قال لفاطمةعليها‌السلام : «اذهبي إلى أبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسليه يعطيك خادماً ، يقيك الرحى وحرّ التنور »(٢) .

وعن علي بن أعبد ، قال : قال لي عليعليه‌السلام : «ألا أُحدّثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت من أحبّ أهله إليه؟ » قلت : بلى.

قالعليه‌السلام : « إنّها جرّت بالرحى حتى أثّرت في يدها ، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها ، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها ، وأوقدتالقدرحتىدكنت ثيابها ، وأصابها من ذلك ضرّ ، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خدمٌ ، فقلت : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً ، فأتته فوجدت عنده حُدّاثاً فاستحيت فرجعت ، فأتاها من الغد ، فقال : ما كان حاجتك؟ فسكتت ، فقلت : أُحدّثك يا رسول الله ، جرّت ندي عندي بالرحى حتى أثّرت في يدها ، وحملت بالقربة حتى أثّرت في نحرها ، وكسحت البيت حتى أغبرّت ثيابها ، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها ، فلمّا جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادماً يقيها حرّ ما هي فيه.

قال : اتقي الله يا فاطمة ، وأدّي فريضة ربك ، وأعملي عمل أهلك ، إن أخذت مضجعك فسبحي ثلاثاً وثلاثين ، وأحمدي ثلاثاً وثلاثين ، وكبّري أربعاً وثلاثين ، فتلك مائة ، فهي خير لك من خادم. فقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ، ولم يُخدمها »(٣) .

__________________

١) مسند فاطمةعليها‌السلام / السيوطي : ١٠٢ عن ابن جرير.

٢) مسند فاطمةعليها‌السلام / السيوطي : ١٠٣ عن أبي نعيم.

٣) مسند فاطمةعليها‌السلام / السيوطي : ١١٠ عن أبي داود ، والعسكري في المواعظ ، وأبي نعيم ، وعبدالله بن أحمد بن حنبل.

٦٩

٢ ـ التعاون وتقسيم العمل :

ومن مظاهرالعظمة في بيت الزهراءعليها‌السلام والتي تستحق أن تكون قدوة لنا في حياتنا وأُسوة في تعاملنا داخل بيوتنا ، هو التعاون بوئامٍ وإخلاص بين الزوج والزوجة على إدارة شؤون البيت وتقسيم العمل في داخله وخارجه.

روى العياشي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال : «إنّ فاطمة عليها‌السلام ضمنت لعلي عليه‌السلام عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت ، وضمن لها علي عليه‌السلام ما كان خلف الباب : نقل الحطب وأن يجيء بالطعام »(١) .

وعن هشام بن سالم ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يحتطب ويستقي ويكنس ، وكانت فاطمة عليها‌السلام تطحن وتعجن وتخبز »(٢) .

وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام يشاطرها الخدمة في أعمال المنزل الخاصة بها ، فقد جاء عن ابن شاذان أنه دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليعليه‌السلام فوجده هو وفاطمةعليها‌السلام يطحنان في الجاروش ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أيكما أعيى؟ » فقال عليعليه‌السلام : «فاطمة يا رسول الله » فقال لها : «قومي يابنية » فقامت وجلس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله موضعها مع عليعليه‌السلام فواساه في طحن الحبّ(٣) .

ومن مظاهر التواضع والعدل في بيت الزهراءعليها‌السلام أنّ تقسيم العمل لا يقتصر على أفراد الاُسرة وحسب ، بل كانت تتناوب بالعمل مع الخادمة يوماً بيوم ، حيث أخدمها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جارية أسمها فضّة بعد أن كثرت الفتوح والمغانم وارتفع الفقر عن أهل الصفّة وسائر ضعفاء المدينة.

__________________

١) تفسير العياشي ١ : ١٧١ / ٤١ المكتبة العلمية ـ طهران. وبحار الأنوار ٤٣ : ٣١ / ٣٨.

٢) الكافي ٥ : ٨٦ / ١. وأمالي الطوسي : ٦٦٠ / ١٣٦٩. والفقيه ٣ : ١٦٩. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٥١ / ٧.

٣) بحار الأنوار ٤٣ : ٥٠ / ٤٧. وروى نحوه ورّام في تنبيه الخواطر ٢ : ٢٣٠ ، مكتبة الفقيه ـ قم.

٧٠

روى الخوارزمي بالاسناد عن الإمام الباقرعليه‌السلام عن أبيه علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه ذكر تزويج فاطمةعليها‌السلام ثم قال : «إنّ فاطمة عليها‌السلام سألت من رسول الله خادماً ـ إلى أن قال : ـ ثم غزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساحل البحر ، فأصاب سبياً فقسمه ، فأمسك امرأتين إحداهما شابة ، والاُخرى قد دخلت في السنّ ليست بشابة ، فبعث إلى فاطمة عليها‌السلام وأخذ بيد المرأة فوضعها في يد فاطمة عليها‌السلام وقال : يا فاطمة ، هذه لك ولا تضربيها ، فإنّي رأيتها تصلي ، وإن جبرئيل نهاني أن أضرب المصلين ، وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوصيها بها ، فلمّا رأت فاطمة عليها‌السلام ما يوصيها بها التفتت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت : يا رسول الله ، عليّ يوم وعليها يوم ، ففاضت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبكاء وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته ( ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) »(١) .

وفي الاصابة عن ابن صخر في فوائده وابن بشكوال في كتاب المستغيثين ، بالاسناد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخدم فاطمة ابنته جارية اسمها فضّة النوبية ، وكانت تشاطرها الخدمة فقالت لها فاطمة عليها‌السلام : أتعجنين أو تخبزين؟ » فقالت : بل أعجن يا سيدتي وأحتطب »(٢) .

وروى الطبري والراوندي بالاسناد عن سلمان رضي الله عنه قال : كانت فاطمةعليها‌السلام جالسة قدامها رحى تطحن بها الشعير وعلى عمود الرحى دم سائل ، والحسين في ناحية الدار يبكي من الجوع. فقلت : يا بنت رسول الله ، دبرت كفاك وهذه فضّة؟

فقالت : «أوصاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تكون الخدمة لها يوماً ، فكان أمس

__________________

١) مقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٦٩.

٢) الاصابة / ابن حجر ٤ : ٣٨٧.

٧١

يوم خدمتها »(١) .

٣ ـ تربية الأولاد :

اضطلعت الزهراءعليها‌السلام بمهمة اُخرى لا تقل عن مهمة مباشرتها لاَعمال المنزل ، تلك هي تربية الأولاد ، فقد وهبها الله كرامة أُمومة الأوصياء ، وأعطاها شرف الربط بين النبوة والإمامة ، وقد استطاعت أن تجني من نتاج تربيتها أقدس الثمار ، فكان الحسن السبطعليه‌السلام أول مولود لفاطمةعليها‌السلام حيث ولد في النصف من شهر رمضان عام ثلاثة من الهجرة ، ثم الحسين السبط الشهيدعليه‌السلام الذي ولد في الثالث من شهر شعبان عام أربعة من الهجرة ، وهما سيدا شباب أهل الجنة ، والإمامان إن قاما وإن قعدا.

وكان المولود الثالث زينب العقيلةعليها‌السلام بطلة كربلاء ، وكان مولدها في السنة الخامسة من الهجرة ، ثم ابنتها الثانية وهي السيدة أُمّ كلثومعليها‌السلام وقد ولدت بعد اختها بعام واحد وقيل : بعامين(٢) ، وابنها الأخير حملت به في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمّاه قبل أن يولد محسناً ، لكنه أُسقط قبل ولادتهعليه‌السلام فاستشهد مظلوماً بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأيام على إثر حوادث السقيفة والتي سنتعرض لبعضها في الفصل الأخير من هذا البحث.

لقد غرست الزهراءعليها‌السلام في نفوس أولادها خصال الخير ومكارم الأخلاق ومعالي الفضيلة ، وأرضعتهم مبادىء التوحيد والدفاع عن الحقِّ ، فقد روي أنهاعليها‌السلام كانت ترقّص الحسنعليه‌السلام وهي تقول :

__________________

١) دلائل الإمامة : ١٤٠ / ٤٨. والخرائج والجرائح ٢ : ٥٣٠ / ٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢٨ / ٣٣.

٢) وقد ذهب بعض الباحثين كالسيد عبدالرزاق المقرم الموسوي إلى أن أم كلثوم هي نفسها زينب العقيلة. وأن (أُمّ كلثوم) لقب من ألقابها ، بخلاف ما ذهب إليه الشيخ المفيد وغيره بأنّ أم كلثوم غير زينبعليهما‌السلام . راجع : مقتل الحسينعليه‌السلام / السيد عبدالرزاق المقرم.

٧٢

أشبه أباك يـا حسـن

واخلع عن الحقّ الرَّسن

واعبـد إلهاً ذا منـن

ولا تُـوالِ ذا الإحن(١)

ونشأ أولاد الزهراءعليها‌السلام في ظل رعاية الاُمّ سيدة النساء والأب وصي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله يحيطهم أشرف الأنبياء والرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله بحنانه وعطفه وتربيته ، فكانوا خيرة البشرية وقدوة الإنسانية.

وحظي الحسن والحسينعليهما‌السلام بمساحة واسعة من حب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وحنانه وعطفه ، فهما ريحانتاه يشمهما ويكثر من تقبيلهما ، ويحملهما على عاتقه ، ويضمهما إليه ، ويعوّذهما ، ويعلمهما القرآن ، ويلقنهما العلم والفصاحة والشجاعة والزهد والورع ، فاستوحيا رساليته وروحانيته وأخلاقيته ، وتجسدت فيهما شخصيته ، فكانا اختصاراً لجميع عناصرها الأخلاقية والروحية والإنسانية ، فصارا رمز الفضيلة والمروءة وقدوةً صالحة وخلقاً كريماً ، عملا بوصاياه وتعاليمه ، وجاهدا في سبيل دينه ومبادئه ، ونهضا من أجل إقامة الاصلاح في أُمته ، فكاناعليهما‌السلام مشعل نور وهداية في حياة الاُمّة.

ولقد حرّم الله سبحانه أولادها على النار كرامة لعفّتها وحصانتها ، وبياناً لمنزلتهم عند الله تعالى ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّمها الله وذريتها على النار »(٢) .

__________________

١) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٨٩. وأعيان الشيعة ١ : ٥٦٣.

٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٥٢. والمعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٧ / ١٠١٨. وحلية الأولياء / أبي نعيم ٤ : ١٨٨ ـ دار الكتب العلمية. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٢. وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ٦٣ / ٢٦٤.

٧٣

قال الصبان : أخرج الطبراني بسند رجاله ثقات أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمةعليها‌السلام : «إنّ الله غير معذّبك ولا أحداً من ولدك »(١) .

وجاء في كثير من الروايات والأخبار أنّ ذلك خاص بأولادها دون سائر ذريتها ، منها ماروي بالاسناد عن محمد بن مروان ، قال : قلت لاَبي عبداللهعليه‌السلام : هل قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريتها على النار »؟ قالعليه‌السلام : «نعم ، عنى بذلك الحسن والحسين وزينب وأُمّ كلثوم »(٢) .

قال حسّان بن ثابت :

وإن مريم أحصنت فـرجها

وجـاءت بعيسى كبدر الدجى

فقد أحصنت فاطمُ بعـدها

وجاءت بسبطي نبيّ الهدى(٣)

دورها في خارج المنزل :

إذا تجاوزنا دور الزهراءعليها‌السلام في إدارة أعمال المنزل وتربية الأولاد ، نرى أن سيدة النساء قد سجّلت عناوين مهمة وآفاق جديدة لدور المرأة المسلمة في مجمل النشاطات الاجتماعية والسياسية والحربية وغيرها ، ممّا يتناسب مع واقع وحاجات وظروف ذلك العصر.

فقد كانت تعلّم النساء ما يشكل عليهنّ من الأحكام الشرعية والمعارف

__________________

١) إسعاف الراغبين : ١٨١ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

٢) معاني الأخبار : ١٠٦ / ٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢٣١ / ٣.

٣) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٠.

٧٤

الإلهية الضرورية ، وكان يغشاها نساء المدينة وجيران بيتها(١) ، ويبدو أن بيتها كان المدرسة النسائية الاُولى في الإسلام ، حيث تقبل عليها النساء طالبات للعلم ، فيجدن فاطمة العالمة وهي تستقبلهنّ بصدر رحب لا يعرف الملالة والسأم.

عن الإمام العسكريعليه‌السلام قال : «حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام فقالت : إنّ لي والدة ضعيفة ، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء ، وقد بعثتني إليك اسألك ، فأجابتها فاطمة عليها‌السلام عن ذلك ، فثنّت فأجابت ، ثم ثلّثت إلى أن عشّرت فأجابت ، ثم خجلت من الكثرة ، فقالت : لا أشقّ عليك يا ابنة رسول الله. فقالت عليها‌السلام : هاتي وسلي عمّا بدا لك إنّي سمعت أبي يقول : إنّ علماء أُمّتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدّهم في إرشاد عباد الله ، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور »(٢) .

وعنهعليه‌السلام قال : «قالت فاطمة عليها‌السلام وقد اختصمت إليها امرأتان ، فتنازعتا في شيء من أمر الدين ، إحداهما معاندة ، والاُخرى مؤمنة ، ففتحت على المؤمنة حجتها ، فاستظهرت على المعاندة ، ففرحت فرحاً شديداً ، فقالت فاطمة عليها‌السلام : إنّ فرح الملائكة باستظهارك عليها أشدّ من فرحك ، وإنّ حزن الشيطان ومردته أشدّ من حزنها »(٣) .

ومما وصل إلينا من خطبها للنساء ، خطبتها بنساء المدينة في مرض موتها ، وهي غاية في الفصاحة والمعرفة ، وسنوردها في آخر هذا البحث إن

__________________

١) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٩٣.

٢) بحار الأنوار ٢ : ٣ / ٣.

٣) بحار الأنوار ٢ : ٨ / ١٥.

٧٥

شاء الله تعالى.

ولم تقتصر في تعليمها على النساء ، بل كانتعليها‌السلام تطرف القاصدين إليها بما عندها من العلم والمعرفة ، فعن ابن مسعود ، قال : جاء رجل إلى فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا ابنة رسول الله ، هل ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عندك شيئاً تطرفينيه ، فقالت : «يا جارية ، هاتي تلك الحريرة » فطلبتها فلم تجدها ، فقالت : «ويحك اطلبيها ، فانها تعدل عندي حسناً وحسيناً » فطلبتها فإذا هي قد قمّتها في قمامتها ، فإذا فيها : «قال محمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت. إنّ الله يحبّ الخيّر الحليم المتعفّف ، ويبغض الفاحش الضنين السَّئآل الملحف. إنّ الحياء من الإيمان ، والايمان في الجنة ، وإن الفحش من البذاء ، والبذاء في النار »(١) .

وكان للزهراءعليها‌السلام مشاركة فعّالة ومؤثّرة في الدعوة إلى الله تعالى في مواقع مختلفة أهمها المباهلة مع النصارى ، ونزل فيها قرآن يتلى إلى يوم القيامة( ونساءنا ونساءكم ) (٢) فكانت سيدة النساءعليها‌السلام هي المختصة بهذا الفضل ولم يشركها فيه أحد من نساء الاُمّة.

وكانت الزهراءعليها‌السلام معيناً للمحتاجين من أبناء المجتمع الإسلامي آنذاك ، تنفق في سبيل الله وتعتق الرقاب وتعين الضعفاء ، فقد توافق أغلب المفسرين على نزول قوله تعالى :( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً

__________________

١) المعجم الكبير ٢٢ : ٤١٣ / ١٠٢٤. ودلائل الإمامة : ٦٥ / ١. وقطعة من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في صحيح البخاري ٨ : ١٩ / ٤٨ و ٤٩. وصحيح مسلم ١ : ٦٨ / ٧٥ و ٧٧. ومصابيح السُنة / البغوي ٣ : ١٦٩ دار المعرفة ـ بيروت. والكافي ٢ : ٦٦٧ / ٦. والزهد / الحسين بن سعيد : ٦ / ١٠ ، و ١٠ / ٢٠ عن الإمام الصادقعليه‌السلام المطبعة العلمية ـ قم.

٢) سورة آل عمران : ٣ / ٦١.

٧٦

ويتيماً وأسيراً *إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً ) (١) في أهل البيتعليهم‌السلام علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام حينما تصدقوا رغم خصاصتهم على المسكين واليتيم والأسير(٢) .

أخرج ابن شهرآشوب عن ابن شاهين في (مناقب فاطمةعليها‌السلام ) وأحمد في مسند الأنصار عن أبي هريرة وثوبان أنّهاعليها‌السلام نزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ـ أي سواريها ـ ونزعت ستر بيتها ، فبعثت به إلى أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت : «اجعل هذا في سبيل الله » فلمّا أتاه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد فعلت فداها أبوها ـ ثلاث مرات ـ ما لآل محمد وللدنيا ، فإنّهم خلقوا للآخرة ، وخلقت الدنيا لغيرهم » وفي رواية أحمد : «فإنّ هؤلاء أهل بيتي ، ولا أُحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا »(٣) .

وعن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذينك السوارين فكسّرا فجعلهما قطعاً ، ثمّ دعا أهل الصُّفّة ـ وهم قوم من المهاجرين لم يكن لهم منازل ولا أموال ـ فقسّمه بينهم قطعاً ، ثم جعل يدعو الرجل منهم العاري الذي لا يستتر بشيء ، وكان ذلك الستر طويلاً ، ليس له عرض ، فجعل يؤزّر الرجل ، فإذا التقيا عليه قطعه حتى قسّمه بينهم أُزراً ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : رحم الله فاطمة ، ليكسونّها الله بهذا الستر من كسوة الجنة ، وليحلّينها بهذين السوارين من حلية الجنة »(٤) .

__________________

١) سورة الإنسان : ٧٦ / ٨ و ٩.

٢) الكشاف / الزمخشري ٤ : ٦٧٠. وتفسير الرازي ٣٠ : ٢٤٣ دار احياء التراث العربي. ومعالم التنزيل / البغوي ٥ : ٤٩٨ دار الفكر.

٣) المناقب / ابن شهر آشوب ٣ : ٣٤٣. ومسند أحمد ٥ : ٢٧٥. وذخائر العقبى : ٥٢. ومسند فاطمةعليها‌السلام / السيوطي : ٦. وأمالي الصدوق : ٣٠٥ / ٣٤٨. وبحار الأنوار ٤٣ : ٨٦.

٤) مكارم الأخلاق / الطبرسي : ٩٤ الشريف الرضي ـ قم. وبحار الأنوار ٤٣ : ٨٢ / ٦.

٧٧

وفي صحيفة الإمام الرضاعليه‌السلام عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام قال : «حدثتني أسماء بنت عميس ، قالت : كنت عند فاطمة جدتك ، إذ دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي عنقها قلادة من ذهب ، كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام اشتراها لها من فيءٍ له ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يغرّنك الناس أن يقولوا : بنت محمد ، وعليك لباس الجبابرة؛ فقطعتها وباعتها ، واشترت بها رقبة فاعتقتها ، فسُرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك »(١) .

وفوق ذلك فالمتصفح للسيرة والتاريخ يجد أنّها كانت إلى جنب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض غزوات الإسلام الكبرى تمسح الدم عن وجهه الكريم وتضمد جراحه.

أخرج البخاري ومسلم في الصحيح عن عبدالعزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، أنّه سمع سهل بن سعد يُسأل عن جرح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أُحد ، فقال : جرح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكسرت رباعيته وهشمت بيضته على رأسه ، فكانت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تغسل الدم ، وكان علي بن أبي طالبعليه‌السلام يسكب عليها بالمجَنّ ، فلمّا رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلاّ كثرة ، أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ، ثم ألصقته بالجرح ، فاستمسك الدم(٢) .

وقال الواقدي في حديثه عن معركة أُحد : خرجت فاطمةعليها‌السلام في نساء ، وقد رأت الذي بوجههصلى‌الله‌عليه‌وآله فاعتنقته ، وجعلت تمسح الدم عن وجهه ،

__________________

١) صحيفة الإمام الرضاعليه‌السلام : ٢٥٦ / ١٨٥ طبع مؤسسة الإمام المهديعليه‌السلام ـ قم. وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ٤٤ / ٦١. وذخائر العقبى : ٥١. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٤٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢٦ / ٢٨.

٢) صحيح مسلم ٣ : ١٤١٦ / ١٠١ كتاب الجهاد والسير ـ باب غزوة أُحد. وصحيح البخاري ٥ : ٢٢٦ / ١١٣ كتاب المغازي ـ باب ما أصاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الجراح يوم أُحد. ومغازي الواقدي ١ : ٢٥٠ عالم الكتب ـ بيروت.

٧٨

ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «اشتدّ غضب الله على قومٍ أدموا وجه رسول الله » وذهب عليعليه‌السلام يأتي بماءٍ من المهراس ، وقال لفاطمةعليها‌السلام : «أمسكي هذا السيف غير ذميم » فأتى بماءٍ في مِجَنّهِ فمضمض منه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاه للدم الذي في فيه ، وغسلت فاطمة الدم عن أبيها(١) .

وجاء في أغلب التواريخ أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ناول سيفه ابنته فاطمةعليها‌السلام بعد غزاة أُحد ، وقال لها : «اغسلي عن هذا دَمَهُ يا بنية » وناولها عليعليه‌السلام سيفه وقال :

« أفاطم هاك السيف غيـر ذميـمِ

فلسـت بـرعـديد ولا بلئيــمِ

أفاطم قـد أبليت في نصـر أحمدٍ

ومـرضاة ربّ بـالعبـاد رحيـمِ

أميطي دمـاء القـوم عنه فانّـه

سقى آل عبدالدار كأس حميم »(٢)

وكانت لها إسهامات في حروب الإسلام المصيرية تناسب شخصيتها وقدراتها ، ففي وقعة أُحد كانت قد جاءت مع أربع عشرة امرأة يحملن الطعام والشراب على ظهورهن ، ويسقين الجرحى ويداوينهم(٣) .

وعندما أُصيب سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلبعليه‌السلام كانت الزهراءعليها‌السلام من المبادرات إلى مصرعه مع صفية بنت عبدالمطلب ، وكانت تبكي وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي لبكائها(٤) .

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ، لم تنس ابنة الرسالة دور الشهداء في بناء صرح الإسلام وتشييد عزّته واكتساب ديمومته وسرّ بقائه ، قال الإمام

__________________

١) مغازي الواقدي ٢ : ٢٤٩.

٢) تاريخ الطبري ٣ : ٢٧ دار التراث ـ بيروت. ومستدرك الحاكم ٣ : ٢٤. وتذكرة الخواص : ١٦٤. وشرح ابن أبي الحديد ١٥ : ٣٥. ومجمع الزوائد ٦ : ١٢٢. وأمالي الطوسي : ١٤٣ / ٢٣٢.

٣) مغازي الواقدي ١ : ٢٤٩.

٤) مغازي الواقدي ١ : ٢٩٠.

٧٩

الصادقعليه‌السلام : «إنّ فاطمة عليها‌السلام كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت ، فتأتي قبر حمزة وتترحم عليه وتستغفر له »(١) .

وفي مغازي الواقدي : كانت الزهراءعليها‌السلام تأتي قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة ، فتبكي عندهم وتدعو(٢) ، واتخذت من تربة حمزةعليه‌السلام مسبحة على عدد التكبيرات تديرها بيدها فتكبّر وتسبّح بها ، وعملت بعدها التسابيح فاستعملها الناس(٣) .

ولمّا استشهد جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام في مؤتة أمرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تتخذ لاَسماء بنت عميس طعاماً ثلاثة أيام ، فجرت بذلك السُنّة ، وأمرها أن تقيم عندها ثلاثة أيام هي ونساؤها لتسليها عن المصيبة(٤) .

وخرجت مع أبيها وبعلها يوم فتح مكة ، وقد ضُرِبَ للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خِباء بالبطحاء ، وجلس فيه يغتسل وكانت فاطمةعليها‌السلام تستره ، وقيل : أمرها فسكبت له غسلاً فاغتسل(٥) .

ولم تنس الزهراءعليها‌السلام دورها الاجتماعي حتى في عبادتها ، فقد كانت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها ، متحلية بالخلق النبوي والأدب الإسلامي الرفيع.

عن الإمام الحسنعليه‌السلام قال : «رأيت أُمي فاطمة عليها‌السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها ، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح ، وسمعتها تدعو

__________________

١) تهذيب الأحكام ١ : ٤٦٥ / ١٦٨.

٢) مغازي الواقدي ١ : ٣١٣.

٣) مزار المفيد : ١٣٢ / ١ مؤسسة الإمام المهديعليه‌السلام ـ قم. وبحار الأنوار ١٠١ : ١٣٣ / ٦٤.

٤) المحاسن / البرقي : ٤١٩ / ١٩١ و ١٩٢.

٥) راجع : أخبار مكة / الأزرقي ١ : ١٦١ الشريف الرضي ـ قم. ومغازي الذهبي : ٥٥٥ دار الكتاب العربي ـ بيروت.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245