سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)0%

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 964-319-218-0
الصفحات: 245

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

مؤلف: علي موسى الكعبي
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف:

ISBN: 964-319-218-0
الصفحات: 245
المشاهدات: 50177
تحميل: 6893

توضيحات:

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 245 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50177 / تحميل: 6893
الحجم الحجم الحجم
سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: 964-319-218-0
العربية

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تميل على جانبها الأيمن مرّة ، وعلى جانبها الأيسر مرة(١) .

وعن أُمّ سلمة ، قالت : كانت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشبه الناس وجهاً وشبهاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وكانت الزهراءعليها‌السلام المثل الأعلى في خَلْقِها وخُلُقِها وسموها وتفوّقها في كل الفضائل والصفات الإنسانية العليا على جميع نساء أهل الدنيا ، حتى بلغ من كمالها أن وصفها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مراراً وتكراراً بالحورية ، فسبحان من خصّها بما خصّها وفضّلها على نساء العالمين.

المبحث الثالث : زواجهاعليها‌السلام :

إنّ المتأمل لمفردات زواج الزهراءعليها‌السلام يلمس فيه أعلى معاني الكمال الإنساني والشرف الخلقي ، ويجد فيه أكثر من سنّة نبوية مباركة ، ويستلهم منه المزيد من العظات والعبر التي تسهم في حلِّ الصعوبات التي تعترض الحياة الزوجية في كلِّ زمان ومكان ، وقبل البحث في بعض هذه المفردات ، لابدّ من بيان تاريخ زواجها وعمرها عند الزواج.

تاريخ زواجها :

اختلف المحدثون والمؤرخون في السنة التي تزوّج فيها أمير المؤمنينعليه‌السلام بالزهراءعليها‌السلام ، فقيل : تزوجها بعد هجرتها إلى المدينة بسنة ، وبنى بها بعد سنة(٣) . وقيل : بنى بها في ذي الحجة من السنة الثانية

__________________

١) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٧. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٤٦٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ٦ / ٧.

٢) كشف الغمة ١ : ٤٧١. وبحار الأنوار ٤٣ : ٥٥.

٣) البدء والتاريخ ٥ : ٢٠. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٨٣. والهداية الكبرى : ٣.

٤١

للهجرة(١) . وقيل كان زفافها سنة ثلاث من الهجرة(٢) ، ومهما اختلفت الأقوال ، فإنّ المتعين أن زفافها كان بعد غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة.

وكذلك اختلف في يوم زواجهاعليها‌السلام فقيل : تزوجها في أول ذي الحجة(٣) . وقيل : في السادس منه يوم الثلاثاء ، وروي أيضاً لاَيام خلت من شوال بعد وفاة أُختها رقية(٤) . وقيل : كان تزويجها في صفر بعد الهجرة ، وبنى بها بعد رجوعه من غزاة بدر(٥) . وقيل : تزوجها في شهر رمضان ، وبنى بها في ذي الحجة(٦) . وقيل : كان زفافها ليلة الخميس إحدى وعشرين من المحرم(٧) . وأخيراً قيل : تزوجها في رجب بعد مقدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة بخمسة أشهر ، وبنى بها بعد رجوعه من بدر(٨) . والمشهور الأول أي الأول من ذي الحجة.

عمرها عند الزواج :

تختلف الروايات في مقدار عمرهاعليها‌السلام عند الزواج بحسب الاختلاف الحاصل في تاريخ ولادتها وزواجها ، فإن قلنا : إنّ ولادتها بعد المبعث

__________________

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٣٦.

٢) إقبال الأعمال / السيد ابن طاووس : ٥٨٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٢ / ١.

٣) مصباح المتهجد / الشيخ الطوسي : ٦٧١ مؤسسة فقه الشيعة ـ بيروت. ومصباح الكفعمي : ٥١٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٢ / ٢.

٤) أمالي الطوسي : ٤٣ / ١٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٧ / ٧.

٥) مقاتل الطالبيين : ٣٠.

٦) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٣٦.

٧) اقبال الأعمال / السيد ابن طاووس : ٥٨٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٢ / ١.

٨) طبقات ابن سعد ٨ : ٢٢ دار صادر ـ بيروت. الثغور الباسمة : ٢٧.

٤٢

بخمس سنين ، يكون عمرها عند الزواج تسع سنين أو عشر أو إحدى عشرة سنة ، وفق اختلاف الرواية في تزويجها بعد الهجرة بسنة أو سنتين أو ثلاث ، والمشهور الأول.

وقيل أيضاً : كان عمرها عند الزواج اثنتي عشرة سنة ، أو ثلاث عشرة ، أوأربع عشرة ، ولم يروِ أصحابنا في مبلغ عمرها يوم تزويجها أكثر من ذلك(١) .

وفي الاستيعاب : كان سنّها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ، وكان سنّ عليعليه‌السلام إحدى وعشرين سنة(٢) .

وفي رواية أبي الفرج وابن سعد وابن حجر : أنّه كان لها يوم تزويجها ثماني عشرة سنة(٣) .

ولا ريب أن ذلك سنها يوم وفاتهاعليها‌السلام وفقاً للرواية التي رجّحناها في مولدهاعليها‌السلام ، فإن كان ذلك مبنياً على أنّ ولادتها قبل البعثة بخمس سنين ، فينبغي أن يكون عمرها عند الزواج تسع عشرة سنة أو عشرين سنة أو إحدى وعشرين ، على اختلاف الروايات في تزويجها بعد الهجرة بسنة أو بسنتين أو ثلاث ، والله العالم بحقيقة الحال.

الخطبة :

تعرّض خطبة الزهراءعليها‌السلام أكابر قريش ، وكلّما ذكرها أحد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صدّ عنه ، عن أنس بن مالك ، قال : جاء أبو بكر إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقعد بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإنّي وإنّي ، قال : «وما ذلك؟ »قال : تزوجني فاطمة ، فأعرض عنه. وأتى عمر إلى

__________________

١) المجالس السنية / السيد محسن الأمين ٥ : ٤٥ الطبعة الخامسة.

٢) الاستيعاب ٤ : ٣٧٤. وراجع : ذخائر العقبى : ٢٦. والثغور الباسمة : ٦. وأعلام النساء ٣ : ١١٩٩.

٣) مقاتل الطالبيين : ٣٠. والإصابة ٤ : ٣٧٧. وطبقات ابن سعد ٨ : ٢٢.

٤٣

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له مثل ذلك فأعرض عنه(١) ، وخطبها عبد الرحمن بن عوف فلم يجبه(٢) ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ينتظر بها القضاء.

روى ابن شاهين وغيره عن عبدالله بن بريدة ، قال : إنّ أبا بكر خطب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة ، فقال : «انتظر بها القضاء » ، ثم خطب إليه عمر ، فقال : «انتظر بها القضاء » ثمّ خطب إليه علي فزوجها منه(٣) .

وعن أبي أيوب الأنصاري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : «أُمرت بتزويجك من السماء »(٤) .

وعن عبدالله بن مسعود ، قال : سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّ الله أمرني أن أُزوج فاطمة من علي ، ففعلت »(٥) .

وعن أنس ، قال : كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فغشيه الوحي ، فلمّا سُرّي عنه قال : «يا أنس ، أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال : إنّ الله أمرني أن أُزوّج فاطمة من علي (٦) .

قال الحرّ العاملي رضي الله عنه في منظومته :

__________________

١) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٩ / ١٠٢١. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٦. والمناقب / ابن المغازلي : ٣٤٧ / ٣٩٩.

٢) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣٤٥. وكشف الغمة ١ : ٣٦٨. وبحار الانوار ٤٣ : ١٠٨ و ١٤٠.

٣) فضائل فاطمةعليها‌السلام / ابن شاهين : ٥٠ / ٣٦ مؤسسة الوفاء ـ بيروت. وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣١٨. مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٨٢.

٤) فضائل فاطمةعليها‌السلام / ابن شاهين : ٥٠ / ٣٧.

٥) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٧ / ١٠٢٠. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٤. وكنز العمال ١١ : ٦٠٠ / ٣٢٨٩١. ودلائل النبوة / البيهقي : ١٤٢ / ٥٠. وترجمة الإمام عليعليه‌السلام من تاريخ دمشق ١ : ٢٥٩ / ٣٠٢. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٧٦.

٦) كنز العمال ١١ : ٦٠٦ / ٣٢٩٢٩. وذخائر العقبى : ٣٠. والرياض النضرة ٣ : ١٤٥.

٤٤

لم يتولّ الله تـزويج أحـد

مـن الأنـام إلاّ ثلاثـة فقد

زوّج آدم بحــوا أمتــه

وزينب مـن النبـي خيرته

وفـاطم الزهـراء بـالإمام

خير الأنام كاسر الأصنام(١)

وقال آخر :

وكم خاطب قد رُدّ فيها ولـم يُجَب

وكم طالبٍ صهراً وما كان بالأهلِ

ولولا علـي مـا استجيب لخاطبٍ

ولا كانت الزهرا تزفّ إلى بعلِ(٢)

الكفاءة :

تبين أن إجابة أمير المؤمنينعليه‌السلام في الزواج من الزهراءعليها‌السلام وردّ سواه كانا بأمر الله سبحانه ، وفي ذلك دليل على فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام وكرامته ومنزلته عند الله تعالى.

والزهراءعليها‌السلام سيدة نساء العالمين لابدّ أن يكون كفؤها سيد رجال الاُمّة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن هنا جاءت مقاييس الاختيار والترجيح على لسان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يبين لابنته البتولعليها‌السلام فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة ، وإنه لاَول أصحابي إسلاماً ، وأكثرهم علماً

__________________

١) تراجم أعلام النساء / الأعلمي ٢ : ٣١٣ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

٢) مستدركات أعيان الشيعة ٢ : ٣٣١ دار التعارف ـ بيروت.

٤٥

وأعظمهم حلماً »(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أما ترضين أن زوجتك أول المسلمين إسلاماً ، وأعلمهم علماً ، وإنّك سيدة نساء أُمتي كما سادت مريم نساء قومها »(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي زوجتك أقدم أُمتي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد أصبت لك خير أهلي ، وأيم الذي نفسي بيده لقد زوجتك سعيداً في الدنيا ، وإنّه في الآخرة لمن الصالحين »(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا فاطمة ، إنّي زوجتك سيداً في الدنيا ، وإنّه في الآخرة من الصالحين »(٥) .

قال العبدي :

صـدّيقة خُلِقت لـصدّ

يقٍ شريف فـي المناسب

اخـتاره واخـتارهـا

طهرين من دنس المعايب

كـان الإلـه وليهـا

وأمينه جبريل خاطب(٦)

__________________

١) الاستيعاب ٣ : ٣٦.

٢) المعجم الكبير ٢٢ : ٤١٧ / ١٠٣٠.

٣) مسند أحمد ٥ : ٢٦. والرياض النضرة ٣ : ١٦٠. وذخائر العقبى : ٧٨. ومجمع الزوائد ٩ : ١٠١ و١١٤.

٤) المعجم الكبير ٢٢ : ٤١١ / ١٠٢٢. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٧. وحلية الأولياء ٢ : ٧٥.

٥) تاريخ بغداد ٤ : ١٢٨.

٦) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣٥٢.

٤٦

وقال آخر :

هي الجديرة بالكفء الكريـم لها

مـن بالمفاخر والعليـا يحاكيها

فمن يليق ببنت المصطفى حسبـاً

ومن مـن العرب العرباء كافيها

ومن يناسب طـه كي يصاهـره

وهي المصاهرة المسعود ملفيها

غير العلـي ربيب المصطفى وله

سبق الهـداية مـذ نادى مناديها

فإنّه بعد طـه خيـر من ولـدت

قريش مذ برا البـاري ذراريها

لذلك اختـاره ربّ السمـاء لهـا

بعلاً وأمست به الدنيا تهنّيها(١)

فكفاءة الإمام علي لفاطمةعليهما‌السلام كفاءة تقوم على ضوء موازين الحكمة الالهية ، فالله تعالى هو الذي اختار الكفء للزهراءعليها‌السلام فكان عليّاًعليه‌السلام دون غيره.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو لم يُخلَق علي ما كان لفاطمة كفؤ »(٢) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : «لولا أنّ الله تعالى خلق أمير المؤمنين لم يكن

__________________

١) الأبيات من القصيدة العلوية / الشاعر عبدالمسيح الانطاكي : ٩٧.

٢) الفردوس / الديلمي ٣ : ١٧٠. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٦٦. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٤٧٢.

٤٧

لفاطمة كفؤ على وجه الأرض ، آدم فمن دونه »(١) .

فلم تكن بين أهل الكساء امرأة قط غير فاطمةعليها‌السلام ، ولم يطهّر الله امرأة من نساء العالمين من الرجس غير فاطمةعليها‌السلام ، ولم يخرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمسلمة إلى مباهلة وفد نصارى نجران غير فاطمةعليها‌السلام ، ولم تكنى بنت نبي بأُمّ أبيها غير فاطمةعليها‌السلام ، ولم يكن لامرأة اجتمعت فيها هذه الخصال من كفءٍ غير يعسوب المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهكذا حكمت السماء.

وعليه فالكفاءة هنا ليست نَسَبِيّة حيث إننا قد نجد كفوءاً نسبياً للزهراءعليها‌السلام كأمير المؤمنينعليه‌السلام من سائر أبناء أبي طالب ، وليس المراد الكفاءة بالمال والغنى ، ففي رجالات العرب من هو أغنى من أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي تقدم إلى الزهراءعليها‌السلام وما كان يملك غير سيفه ودرعه وناضحه ، ولكن أنّى لنا أن نجد كفوءاً لها يوازيها في الحكمة والهدى والرحمة وميراث النبوة وافتراض الولاء والطاعة على الناس أجمعين غير عليعليه‌السلام ؟

هذا ، وقد يقال : ما تقول بزواج عثمان ببنتي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قلنا : هذا قياس مع الفارق الكبير إذ لم تكن بضعة للنبي من بناته سوى الزهراءعليها‌السلام ، ولم تختص واحدة من بناتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما اختصّت به البتول كما بيناه ، على أن زوجتي عثمان قد زوجهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من كافرين قبله ، كما أن في زواج عثمان اختلافاً كثيراً كما يقول ابن شهرآشوب(٢) .

__________________

١) المناقب / ابن شهرآشوب ٢ : ١٨١. والكافي ١ : ٤٦١ / ١٠. والتهذيب ٧ : ٤٧٠ / ٩٠. والفقيه ٣ : ٢٤٩ / ١١٨٣. وأمالي الصدوق : ٦٨٨ / ٩٤٥. وعلل الشرائع ١ : ١٧٨ / ٣. والخصال / الشيخ الصدوق : ٤١٤ / ٣ طبع جماعة المدرسين ـ قم.

٢) مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٨٢.

٤٨

وقد حقّق جملة من الباحثين في الموضوع ، وخلصوا إلى القول بأن زوجتي عثمان هما بنتا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتبنّي ، وليس من صُلبه الشريف(١) ، وعلى هذا يسقط الاعتراض من الأساس.

الاستئذان والمشاورة :

ودرس آخر نتعلّمه من زواج الزهراءعليها‌السلام هو الاستئذان من الفتاة البكر ومشاورتها واستئمارها لكسب رضاها قبل الزواج ، وهو من الحقوق المهمة التي أولاها الإسلام للمرأة إظهاراً لكرامتها ، وعلى الرغم من أن زواج الزهراءعليها‌السلام كان بأمر الله تعالى ، فقد عمل ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سنة وتأديباً للاُمّة.

روى الشيخ الطوسي بالاسناد عن الضحاك بن مزاحم قال : سمعت علي ابن أبي طالب يقول : «أتاني أبو بكر وعمر فقالا : لو أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكرت له فاطمة. قال : فأتيته ، فلما رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضحك ثم قال : ما جاء بك يا أبا الحسن ، وما حاجتك؟ قال : فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي له وجهادي فقال : يا علي ، صدقت ، فأنت أفضل مما تذكر. فقلت : يا رسول الله ، فاطمة تزوجنيها؟ فقال : يا علي ، إنّه قد ذكرها قبلك رجال ، فذكرت ذلك لها ، فرأيت الكراهة في وجهها ، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك فدخل إليها فقال لها : يا فاطمة. فقالت : لبيك لبيك ، حاجتك يارسول الله؟ قال : إنّ علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه ، وإني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبّهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين؟ فسكتت ولم تولّ وجهها ، ولم ير فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كراهة ، فقام وهو يقول : الله أكبر ، سكوتها إقرارها ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد ،

__________________

١) راجع كتاب بنات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله / السيد جعفر مرتضى العاملي.

٤٩

زوّجها علي بن أبي طالب ، فإنّ الله قد رضيها له ورضيه لها »(١) .

وعن عطاء بن أبي رباح ، قال : لمّا خطب علي فاطمةعليهما‌السلام أتاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : «إنّ عليّاً قد ذكرك » فسكتت ، فخرج فزوجها(٢) .

وهذا لا يعارض ما تقدم من إيكال أمر زواجها بيد الله تعالى بداهةً ، ما دام علم الله وقضاؤه وقدره قد أحاط بالاشياء قبل إيجادها.

خطبة العقد :

وهي من السنن المستفادة من زواج الزهراءعليها‌السلام فقد روى ابن شهرآشوب عن ابن مردويه ، قال : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليعليه‌السلام : «تكلم خطيباً لنفسك » فقال : «الحمدُ لله الذي قرب من حامديه ، ودنا من سائليه ، ووعد الجنة من يتقيه ، وأنذر بالنار من يعصيه ، نحمده على قديم إحسانه وأياديه ، حمد من يعلم أنه خالقه وباريه ، ومميته ومحييه ، ومسائله عن مساويه ، ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونستكفيه ، ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، شهادة تبلغه وترضيه ، وأن محمداً عبده ورسوله ، الى أن قال : وهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زوجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم وقد رضيت ، فاسألوه واشهدوا ».

فقال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : «وقد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن ، وقد رضيت بما رضي الله لها ، فدونك أهلك فانك أحقّ بها مني ».

وفي خبر : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فنعم الأخ أنت ، ونعم الختن أنت ، ونعم الصاحب أنت ، وكفاك برضا الله رضاً »فخرّ عليعليه‌السلام ساجداً شكراً لله تعالى

__________________

١) أمالي الطوسي : ٣٩ / ٤٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٣ / ٤.

٢) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٥. والثغور الباسمة / السيوطي : ٣١. وذخائر العقبى : ٢٩ و٣٣. والطبقات الكبرى / ابن سعد ٨ : ٢٠. وتذكرة الخواص : ٣٠٨.

٥٠

وهو يقول :( ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وان أعمل صالحاً ترضاه واصلح لي في ذريتي ) (١) . فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «آمين » فلمّا رفع رأسه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «بارك الله عليكما ، وبارك فيكما ، وأسعد جدكما ، وجمع بينكما ، وأخرج منكما الكثير الطيب » ثم أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بطبق بُسرٍ وأمر بنهبه ، ودخل حجرة النساء ، وأمر بضرب الدف(٢) .

وفي حديث عليعليه‌السلام وأُمّ سلمة وسلمان (رضي الله عنهما) قالوا : فقال المسلمون لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : زوجته يا رسول الله؟ فقال : «نعم » فقالوا : بارك الله لهما وعليهما ، وجمع شملهما ، وانصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أزواجه ، فأمرهن أن يدففن لفاطمةعليها‌السلام ، فضربن بالدفوف(٣) .

المهر :

كان مهر الزهراءعليها‌السلام خمسمائة درهم ، وهو الذي جرت به السُنّة ، وقد تقدّم ذكر ذلك في خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام المتقدمة ، وقيل : أربعمائة مثقال فضة ، وهو المروي عن أنس بن مالك ، في خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين العقد ، قال أنس : كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فغشيه الوحي ، فلما أفاق قال لي : «ياأنس ، أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟ » قال : قلت : الله ورسوله أعلم. قال : «أمرني أن أزوّج فاطمة من علي ، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً وطلحة والزبير ، وبعددهم من الأنصار ».

قال : فانطلقت فدعوتهم له ، فلمّا أن أخذوا مجالسهم قال رسول

__________________

١) سورة النمل : ٢٧ / ١٩.

٢) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣٥١. وبحار الأنوار ٤٣ : ١١١.

٣) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٥٨.

٥١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأورد خطبته ـ إلى أن قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ثم إني أُشهدكم أني قد زوجت فاطمة من علي على أربعمائة مثقال فضة ، إن رضي بذلك عليّ » وكان عليعليه‌السلام غائباً ، قد بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حاجة ، ثم أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بطبق فيه بُسر فوضع بين أيدينا ، ثم قال : «انتهبوا » فبينا نحن كذلك ، إذ أقبل عليعليه‌السلام فتبسم إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : «يا علي ، إنّ الله أمرني أن أزوجك فاطمة ، وقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة ، أرضيت؟ ». قال : «رضيت يا رسول الله » ثم قام عليعليه‌السلام فخرّ لله ساجداً ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «جعل الله فيكما الخير الكثير الطيب ، وبارك فيكما ».

قال أنس : والله لقد أخرج منهما الكثير الطيب(١) .

والمشهور في مقدار المهر هو الأول ، وقال ابن شهرآشوب : وهو الأصح(٢) ، ولعلّ الأربعمائة مثقال فضة كانت تعادل خمسمائة درهم في عصرهم ، وقد ورد في جملةٍ من الروايات أن أمير المؤمنينعليه‌السلام قد باع درعه بأربعمائة وثمانين درهماً وكانت هي مهر الزهراءعليها‌السلام .

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام ـ في حديث تزويج فاطمةعليها‌السلام ـ قال : «ثم إنّ عليّاً اغتسل ولبس كساءً قطرياً وصلّى ركعتين ، ثم أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا رسول الله زوّجني فاطمة. قال : إذا زوجتكها فما تصدقها؟ قال : أصدقها سيفي وفرسي ودرعي وناضحي ، قال : أما ناضحك وسيفك وفرسك فلا غنى بك عنها ، تقاتل المشركين ، وأما درعك فشأنك بها.

فانطلق عليعليه‌السلام وباع درعه بأربعمائة وثمانين درهماً قطرية ، فصبّها بين

__________________

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٤٩. وذخائر العقبى : ٣٠. والرياض النضرة ٣ : ١٤٥. وكفاية الطالب / الكنجي : ٣٠٢ الطبعة الثالثة ـ طهران.

٢) المناقب ٣ : ٣٥١.

٥٢

يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يسأله عن عددها ، ولا هو أخبره عنها »(١) .

وعن الحسين بن عليعليهما‌السلام قال : «زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليّاً على أربعمائة وثمانين درهماً »(٢) .

وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال : «كان صداق فاطمة عليها‌السلام جرد برد حبرة ودرع حطمية ، وكان فراشها إهاب كبش »(٣) .

قيل : إنّ الاربعمائة وثمانين درهماً ، كانت ثمن الدرع لاتمام المهر ، كما يدل عليه بعض الأخبار ، وان الدرع والبرد لم يكونا مهراً ، بل بيعا ، لذلك فثمن الدرع أربعمائة وثمانون ، وثمن البرد عشرون ، والله أعلم(٤) .

درس توجيهي :

لقد كانت عادة الأشراف من قريش إذا تزوج أحدهم أن يبذلوا المهور العالية ، وأن يكون الزواج مفعماً بمظاهر التكلف والاسراف ، وفي زواج الزهراءعليها‌السلام قدّم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله درساً عملياً للزواج النموذجي في الإسلام مغيراً معايير الجاهلية غير عابىء بلائمة قريش وعذلهم.

عن جابر بن عبدالله قال : لمّا زوّج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً من فاطمةعليها‌السلام أتت قريش فقالوا : يا رسول الله ، زوجت فاطمة بمهر خسيس ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٨. وكفاية الطالب : ٣٠٢. ونحوه عن أنس بن مالك. ورواه الطبراني في المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٩ / ١٠٢١. وابن المغازلي في المناقب : ٣٤٧ / ٣٩٩. والمحب الطبري في الرياض النضرة ٣ : ١٤٢. وابن حجر الهيثمي في المجمع ٩ : ٢٠٥ وغيرهم. ونحوه عن ابن عباس. ورواه البيهقي في السنن ٧ : ٢٣٤. وأحمد في المسند ١ : ٨٠. والمناوي في إتحاف السائل : ٣٥ و ٤٦.

٢) المناقب / ابن شهر آشوب ٣ : ٣٥١.

٣) الكافي ٥ : ٣٧٧ / ٥. ونحوه عن الإمام الصادقعليه‌السلام في الكافي ٥ : ٣٧٧ / ١.

٤) المجالس السنية / السيد محسن الأمين ٥ : ٧٧.

٥٣

«ما زوجت فاطمة من علي ، ولكن الله زوجها »(١) فليس هو إلاّ حكم الله ، وقد شاء تحكمته أن تكون مهور النساء متواضعة ، وأجرى ذلك على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : «أفضل نساء أُمتي أصبحهن وجهاً وأقلهنّ مهراً »(٢) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : «خلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بابنته في صبيحة اليوم الرابع ، وقال لها : كيف أنت يا بنية ، وكيف رأيت زوجك؟ فقالت له : يا أبه ، خير زوج ، إلاّ أنه دخل عليَّ نساء من قريش ، وقلن لي : زوجك رسول الله من فقير لا مال له ، فقال لها صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بنية ، ما ألوتك نصحاً أن زوجتك أقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً. يا بنية ، إنّ الله عزَّ وجلَّ اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختار منها رجلين ، فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك. يا بنية ، نعم الزوج زوجك لا تعصي له أمراً. ثم صاح بي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، فقلت : لبيك يا رسول الله. فقال : ادخل بيتك والطف بزوجتك وارفق بها ، فان فاطمة بضعة مني ، يؤلمني ما يؤلمها ، ويسرني ما يسرها ، استودعكما الله واستخلفه عليكما »(٣) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام عن آبائه : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا زوج فاطمة عليها‌السلام ، دخل النساء عليها ، فقلن : يا بنت رسول الله ، خطبك فلان وفلان ، فردّهم عنك ، وزوّجك فقيراً لا مال له ، فلمّا دخل عليها أبوها صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ذلك في وجهها ، فسألها فذكرت له ذلك ، فقال : يا فاطمة ، إنّ الله أمرني فانكحتك أقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً ، وما زوجتك إلاّ بأمرٍ من

__________________

١) المناقب / ابن المغازلي : ٣٤٣ / ٣٩٥. وأمالي الطوسي : ٢٦٦ / ٤٦٤. والفقيه ٣ : ٢٥٣ / ١٢٠٢.

٢) الكافي ٥ : ٣٢٤ / ٤.

٣) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٣.

٥٤

السماء ، أما علمت أنه أخي في الدنيا والآخرة »(١) .

وعن ابن عباس ، قال : لما زوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام من فاطمةعليها‌السلام تحدثت نساء قريش وغيرهن وعيّرنها وقلن : زوجك رسول الله من عائل لامال له ، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا فاطمة ، أما ترضين إنّ الله تبارك وتعالى اطلع اطلاعة إلى الأرض ، فاختار منها رجلين : أحدهما أبوك ، والآخر بعلك »(٢) .

فمعيار التفاضل لابدّ أن يكون قائماً على أساس التقوى والدين والخلق القويم ، لا على أساس الثروة والمال والحطام الزائل ، وعلى الرغم من تواضع مهر الزهراءعليها‌السلام وبساطة المراسيم فقد وصف عرسها : بأنّه أحسن عرس وأطيبه.

عن جابر ، قال : حضرنا عرس علي وفاطمةعليهما‌السلام فما رأينا عرساً كان أطيب منه ، حشونا الفراش الليف ، وأُوتينا بتمرٍ وزبيب فأكلنا ، وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش(٣) .

وروى ابن ماجة عن عائشة وأُمّ سلمة ، قالتا : ما رأينا عرساً أحسن من عرس فاطمة(٤) .

ففي مهر الزهراءعليها‌السلام درس توجيهي لنا ، فقد زوّج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أحب الخلق إليه بمهر متواضع كي يفهّم الاُمّة عمليّاً أن المهور العالية ليست في صالحها لما تسببه من تعكير لصفو المحبة والعلاقة بين الزوجين وزلزلة

__________________

١) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢٢٧.

٢) اليقين / السيد ابن طاووس : ١٥٨ ـ النجف الأشرف. وبحار الأنوار ٤٠ : ١٨ / ٣٦.

٣) مجمع الزوائد ٩ : ٢٠٩. والثغور الباسمة : ٣٣. واتحاف السائل : ٤٢. وذخائر العقبى : ٣٤. والرياض النضرة ٣ : ١٤٤.

٤) سنن ابن ماجة ١ : ٦١٦ / ١٩١١ كتاب النكاح ، باب الوليمة ، دار الفكر ـ بيروت.

٥٥

الوضع الاقتصادي للعائلة ، فضلاً عن أنها تؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج وما يعقبه من مفاسد اجتماعية وأمراض روحية.

الجهاز وأثاث البيت :

إنّ جهاز الزهراءعليها‌السلام وأثاث بيتها يعكس مظاهر الزهد والتواضع وسمو المبادىء وعظمة القيم الإسلامية العليا على مظاهر البذخ والترف الزائلة.

روى الشيخ الطوسي مسنداً عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض من ثمن الدرع قبضةً ودعا بلالاً فأعطاه ، وقال : ابتع لفاطمة طيباً ، ثم قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الدراهم بكلتا يديه فأعطاه أبا بكر ، وقال : ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت وأردفه بعمار بن ياسر وبعدّة من أصحابه وحضروا السوق

فكان مما اشتروه : قميص بسبعة دراهم ، وخمار بأربعة دراهم ، قطيفة سوداء خيبرية ، وسرير مزمّل بشريط ، وفراشين من خيش مصر حشو أحدهما ليف ، وحشو الآخر من جزّ الغنم ، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر ، وستر من صوف ، وحصير هجري ، ورحى لليد ، ومخضب من نحاس ، وسقاء من أدم ، وقعب للبن ، وشنّ للماء ، ومطهرة مزفّتة ، وجرّة خضراء ، وكيزان خزف.

فلما عرض المتاع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل يقلّبه بيده ويقول : بارك الله لاَهل البيت »(١) .

واقتصرت كثير من الروايات على بعض ما جاء في هذه الرواية من الجهاز(٢) .

__________________

١) أمالي الطوسي : ٤٠ / ٤٥. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٤ / ٥.

٢) راجع : مستدرك الحاكم ٢ : ١٨٥. ومسند أحمد ١ : ٨٤. و٣ : ١٠٤ و ١٠٨. والطبقات الكبرى ٨ :

٥٦

وروي عن أُمّ سلمة وسلمان الفارسي وعليعليه‌السلام أنهم قالوا : وقبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبضةً من الدراهم ، ودعا بأبي بكر فدفعها إليه ، وقال : «يا أبا بكر ، اشترِ بهذه الدراهم لابنتي ما يصلح لها في بيتها » وبعث معه سلمان وبلالاً ليعيناه على حمل ما يشتريه ، قال أبو بكر : وكانت الدراهم التي أعطانيها ثلاثة وستين درهماً ، فانطلقت واشتريت فراشاً من خيش مصر محشوّاً بالصوف ، ونطعاً من أدم ، ووسادة من أدم حشوها من ليف النخل وعباءة خيبرية ، وقربة للماء ، وكيزاناً ، وجراراً ، ومطهرة للماء ، وستر صوف رقيقاً ، وحملناه جميعاً حتى وضعناه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا نظر إليه بكى وجرت دموعه ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : «اللهمَّ بارك لقومٍ جلّ آنيتهم الخزف »(١) .

وأخرج أبو يعلى عن عليعليه‌السلام ، قال : «أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجعل ثلثين في الطيب ، وثلثاً في الثياب »(٢) .

وروى ابن شهرآشوب عن الصادقعليه‌السلام قال : «أعطى منها قبضة كانت ثلاث وستين أو ستة وستين إلى أُمّ أيمن لمتاع البيت ، وقبضة إلى أسماء للطيب ، وقبضة إلى أُمّ سلمة للطعام ، وأنفذ عماراً وأبا بكر وبلالاً لابتياع مايصلحها »(٣) .

أما بيت عليعليه‌السلام الذي زفّت إليه الزهراءعليها‌السلام فكان بمنتهى البساطة والتواضع ، روى ابن شهرآشوب عن وهب بن وهب القرشي ، قال : وكان

__________________

٢٠ ـ ٢١. والثغور الباسمة : ٣٥. واتحاف السائل : ٥١.

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٥٩. ومناقب الخوارزمي : ٢٥٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٣٠.

٢) اتحاف السائل : ٤٤.

٣) المناقب ٣ : ٣٥٢.

٥٧

من تجهيز عليعليه‌السلام داره انتشار رمل لين ، ونصب خشبة من حائط إلى حائط للثياب ، وبسط إهاب كبش ، ومخدّة ليف(١) .

وأخرج ابن ماجة عن عائشة وأُمّ سلمة ، قالتا : أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نجهز فاطمةعليها‌السلام حتى ندخلها على عليعليه‌السلام فعمدنا إلى البيت ، ففرشناه تراباً ليناً من أعراض البطحاء ، ثم حشونا مرفقتين ليفاً ، فنفشناه بأيدينا وعمدنا إلى عود فعرضناه في جانب البيت ليلقى عليه الثوب ويعلّق عليه السقاء(٢)

وروى أحمد بالاسناد عن عكرمة وأبي يزيد المديني ، قال : لمّا أُهديت فاطمة إلى عليعليه‌السلام لم تجد عنده إلاّ رملاً مبسوطاً ووسادة وجرة وكوزاً(٣) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام قال : «كان فراش علي وفاطمة عليها‌السلام حين دخلت عليه إهاب كبش ، إذا أرادا أن يناما عليه ، قلباه فناما على صوفه ، وكانت وسادتها أدماً حشوها ليف ، وكان صداقها درعاً من حديد »(٤) .

وأخرج ابن سعد عن عليعليه‌السلام قال : «تزوجت فاطمة عليها‌السلام ومالي ولها فراش غير جلد كبش ، ننام عليه بالليل ، ونعلف عليه الناضح بالنهار ، ومالي ولها خادم غيرها »(٥) .

وأخرج أحمد بن حنبل ، عن عليعليه‌السلام قال : «ما كان لنا إلاّ إهاب كبش ،

__________________

١) المناقب ٣ : ٣٥٣.

٢) سنن ابن ماجة ١ : ٦١٦ / ١٩١١.

٣) فضائل أحمد ٢ : ٥٦٧ / ٩٥٦ مؤسسة الرسالة. وتذكرة الخواص : ٣٠٧. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٩ عن أسماء بنت عميس.

٤) قرب الاسناد / الحميري : ٥٣ مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام ـ قم. والطبقات الكبرى ٨ : ٢٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٠٤ / ١٤.

٥) الطبقات الكبرى ٨ : ٢٢. وذخائر العقبى : ٣٥. والثغور الباسمة : ٣٣. وتذكرة الخواص : ٣٠٧.

٥٨

ننام على ناحيته ، وتعجن فاطمة على ناحيته »(١) .

قال الشاعر :

رفرف السعدُ فوق كوخٍ صغيرٍ

لـم يُـدنّس بـقسوة الأغنيـاء

إن تكن قسمـةُ الغنيّ متـاعاً

فالإلـه الرحمـن للاَتقيـاء(٢)

بيت الزهراءعليها‌السلام :

هذا هو ما ورد في وصف بيت الزهراءعليها‌السلام بأثاثه البسيط وجهازه المتواضع ، فلتتعلم منه الاُمّة درس التضحية والإيثار ومظاهر العزّ والعظمة ، فإنّه الحلّ الحاسم لكثير من المشكلات الاجتماعية التي كانت ولا زالت تهدد المجتمعات الإنسانية ويضجّ العالم تحت وطأتها.

فلو زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة من بعض رجالات العرب الذين تقدموا لخطبتها وحاشاه أن يفعل ، لكانت ترفل بحلل الحرير والديباج ، وتزدهي بقلائد الذهب والفضة ، ولسكنت القصور والعلالي ، ولكان لها الخدم والحشم ، بدل القربة التي استقت بها فأنهكتها ، والرحى التي طحنت بها حتى مجلت يدها ، والمكنسة التي قمّت بها حتى اغبرت ثيابها ، لكن السعادة والسكينة والرحمة ليس في القصور الضخمة ، ولا في اقتناء الذهب والفضة ، بل حيث يكون ابن عمها الكفء ، أمير المؤمنين وإمام المتقين وأبو الأئمة الميامين ، أول الناس إسلاماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً.

(في هذا المكان ، وهذا البيت المتواضع الذي كان جُلّ أثاثه من الخزف ،

__________________

١) الثغور الباسمة : ٣٥. وإتحاف السائل : ٥١.

٢) البيتان لبولس سلامة من قصيدة عيد الغدير : ٨٠ الطبعة الرابعة ـ طهران.

٥٩

كان يبتهج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ويغتبط ، ويجد لنفسه السكينة والسعادة والهناء ، ويفيض من قلبه الحبّ الأبوي والحنان على بضعته فاطمةعليها‌السلام ، وريحانتيه من الدنيا الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وعليعليه‌السلام أخيه وصهره ووارث علمه وحكمته وشريكه في خصائصه ماعدا النبوة.

في هذا البيت الذي ضمّ آل الرسول ، ودرج فيه الحسنان ، كان يجلس محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وينعم برؤية الأهل والأولاد ، ويلقي عن كاهله الاتعاب والأوصاب ، وما لاقاه من الأذى في سبيل دعوته.

في هذا البيت كان يجلس ربّ العائلة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله مع عائلته؛ عليعليه‌السلام عن يمينه ، وفاطمةعليها‌السلام عن يساره ، والحسن والحسينعليهما‌السلام في حجره ، يقبّل هذا مرّة وذاك اُخرى ، يباركهم ويدعو لهم ، ويسأل الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً.

ومن هذا البيت كان يخرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السفر ، وبه يبدأ إذا عاد ، وفي هذا البيت نزل الروح الأمين بالوحي من الله على قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخدم الملائكة فيه سيدي شباب أهل الجنة.

ومن هذا البيت المتواضع شعّ نور الهداية والإسلام على الناس مدى الأجيال ، وفي هذا البيت الفقير سبّحت الزهراء وبعلها وبنوهاعليهم‌السلام بالغدوّ والآصال.

قال أنس وبريدة : قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمُهُ يُسَبِّحُ لهُ فيها بالغُدُوِّ والأصالِ ) (١) ، فقام إليه رجل فقال : أي بيوت هذه يا رسول الله؟ قال : «بيوت الأنبياء » فقام إليه أبو بكر وقال : يا رسول الله ، هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمةعليهما‌السلام ، فقال

__________________

١) سورة النور : ٢٤ / ٣٦.

٦٠