وسائل الشيعة الجزء ٢٧

وسائل الشيعة13%

وسائل الشيعة مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 424

المقدمة الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠
  • البداية
  • السابق
  • 424 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142744 / تحميل: 5940
الحجم الحجم الحجم
وسائل الشيعة

وسائل الشيعة الجزء ٢٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب القضاء

٥

٦

فهرست أنواع الأبواب إجمالاً:

أبواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضي به

أبواب آداب القاضي.

أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى.

٧

٨

تفصيل الأبواب

٩

١٠

أبواب صفات القاضي، وما يجوز أن يقضي به

١ - باب أنه يشترط فيه الإِيمان والعدالة، فلا يجوز الترافع إلى قضاة الجور وحكامهم، إلّا مع التقية والخوف، ولا يمضي حكمهم وإن وافق الحق.

[ ٣٣٠٧٩ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، قال: أيّما مؤمن قدَّم مؤمناً في خصُومة إلى قاض أو سلطان جائر، فقضى عليه بغير حكم الله، فقد شركه في الإِثم.

ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب(١) .

ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد مثله(٢) .

[ ٣٣٠٨٠ ] ٢ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن يزيد بن إسحاق، عن

____________________

أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به

الباب ١

فيه ١٠ أحاديث

١ - الكافي ٧: ٤١١ / ١.

(١) الفقيه ٣: ٣ / ٤.

(٢) التهذيب ٦: ٢١٨ / ٥١٥.

٢ - الكافي ٧: ٤١١ / ٢.

١١

هارون بن حمزة الغنوي، عن حُريز، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، قال في(١) رجل كان بينهُ وبين أخ له مماراة في حقّ، فدعاه إلى رجل من إخوانه(٢) ليحكم بينه وبينه، فأبى إلّا أن يرافعهُ إلى هؤلاء: كان بمنزلة الّذين قال الله عزَّ وجلَّ:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ ) (٣) الآية.

ورواه الصدوق بإسناده عن حريز(٤) .

ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يحيى مثله(٥) .

[ ٣٣٠٨١ ] ٣ - وعنه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن بحر، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله( عليه‌السلام ) : قول الله عزَّ وجلَّ في كتابه:( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ ) (٦) فقال: يا أبا بصير ! إنَّ الله عزّ وجلّ قد علم أن في الاُمّة حكّاماً يجورون، أما أنه لم يعنِ: حكّام أهل العدل، ولكنّه عنى: حكّام أهل الجور، يا ابا محمّد ! إنه لو كان لك على رجل حقّ، فدعوته إلى حكام أهل العدل، فأبى عليك إلّا أن يرافعك إلى حكّام أهل الجور ليقضوا له، لكان ممّن حاكم إلى الطاغوت، وهو قول الله عزَّ وجلَّ:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ) (٧) .

____________________

(١) في المصدر: ( أيّما ) بدل ( في ).

(٢) في الفقيه: اخوانكم ( هامش المخطوط ).

(٣) النساء ٤: ٦٠.

(٤) الفقيه ٣: ٣ / ٥.

(٥) التهذيب ٦: ٢٢٠ / ٥١٩.

٣ - الكافي ٧: ٤١١ / ٣.

(٦) البقرة ٢: ١٨٨.

(٧) النساء ٤: ٦٠.

١٢

ورواه العيّاشي في( تفسيره) عن أبي بصير (١) .

ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد مثله(٢) .

[ ٣٣٠٨٢ ] ٤ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله( عليه‌السلام ) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة، أيحلّ ذلك ؟ فقال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل، فإنّما تحاكم إلى طاغوت، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً وإن كان حقّه ثابتاً، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى:( يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ ) (٣) الحديث.

ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن بن شمون، عن محمّد بن عيسى(٤) .

وبإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن عيسى مثله(٥) .

[ ٣٣٠٨٣ ] ٥ - محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق( عليه‌السلام ) : إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم، يعلم شيئاً من قضايانا(٦) ، فأجعلوه

____________________

(١) تفسير العياشي ١: ٨٥ / ٢٠٥.

(٢) التهذيب ٦: ٢١٩ / ٥١٧.

٤ - الكافي ١: ٥٤ / ١٠، وفي ٧: ٤١٢ / ٥ باختلاف يسير.

(٣) النساء ٤: ٦٠.

(٤) التهذيب ٦: ٢١٨ / ٥١٤.

(٥) التهذيب ٦: ٣٠١ / ٨٤٥.

٥ - الفقيه ٣: ٢ / ١.

(٦) في المصدر: قضائنا.

١٣

بينكم(١) ، فأنّي قد جعلته قاضياً، فتحاكموا إليه.

ورواه الكلينيُّ عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن أبي خديجة مثله، إلّا أنّه قال: شيئاً من قضائنا(٢) .

ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن محمّد مثله(٣) .

[ ٣٣٠٨٤ ] ٦ - وبإسناده عن معلّى بن خنيس، عن الصادق( عليه‌السلام ) ، قال: قلت له: قول الله عزَّ وجلَّ:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (٤) فقال: عدل الإِمام: أن يدفع ما عنده إلى الإِمام الّذي بعده، وأمرت الأئمّة أن يحكموا بالعدل، وأمر الناس أن يتبعوهم.

ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن عليِّ بن محبوب، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن صفوان بن يحيى، عن أبي المغرا، عن إسحاق بن عمّار، عن ابن أبي يعفور، عن معلّى بن خنيس مثله(٥) .

[ ٣٣٠٨٥ ] ٧ - وبإسناده عن عطاء بن السائب، عن عليِّ بن الحسين( عليه‌السلام ) قال: إذا كنتم في أئمّة جور فاقضوا في أحكامهم، ولا تشهروا أنفسكم فتقتلوا، وإن تعاملتم بأحكامنا كان خيراً لكم.

ورواه الشيخ كما يأتي(٦) .

____________________

(١) في المصدر زيادة: قاضياً.

(٢) الكافي ٧: ٤١٢ / ٤.

(٣) التهذيب ٦: ٢١٩ / ٥١٦.

٦ - الفقيه ٣: ٢ / ٢.

(٤) النساء ٤: ٥٨.

(٥) التهذيب ٦: ٢٢٣ / ٥٣٣.

٧ - الفقيه ٣: ٣ / ٣.

(٦) يأتي في الحديث ٢ من الباب ١١ من هذه الأبواب.

١٤

[ ٣٣٠٨٦ ] ٨ - محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله( عليه‌السلام ) : ربما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشيء، فيتراضيان برجل منّا، فقال: ليس هو ذاك، إنما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط.

[ ٣٣٠٨٧ ] ٩ - وبإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال، قال: قرأت في كتاب أبي الأسد إلى أبي الحسن الثاني( عليه‌السلام ) ، وقرأته بخطّه، سأله ما تفسير قوله تعالى:( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ ) (١) فكتب(٢) بخطّه: الحكّام القضاة ثمَّ كتب تحته: هو أن يعلم الرَّجل أنه ظالم، فيحكم له القاضي، فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي قد حكم له، إذا كان قد علم أنّه ظالم.

[ ٣٣٠٨٨ ] ١٠ - وعن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن مسلم، قال: مرّ بي أبو جعفر( عليه‌السلام ) ، أو أبو عبد الله( عليه‌السلام ) ، وأنا جالس عند قاضٍ بالمدينة، فدخلت عليه من الغد، فقال لي: ما مجلس رأيتك فيه أمس ؟ قال: فقلت: جعلت فداك، إنَّ هذا القاضي لي مكرم، فربما جلست إليه، فقال لي: وما يؤمنك أن تنزل اللعنة، فتعمّ من في المجلس.

ورواه الكلينيُّ عن عليِّ بن إبراهيم(٣) .

____________________

٨ - التهذيب ٦: ٢٢٣ / ٥٣٢.

٩ - التهذيب ٦: ٢١٩ / ٥١٨.

(١) البقرة ٢: ١٨٨.

(٢) في المصدر: قال: فكتب إليه.

١٠ - التهذيب ٦: ٢٢٠ / ٥٢٠.

(٣) الكافي ٧: ٤١٠ / ١.

١٥

أقول: ويأتي ما يدلُّ على ذلك(١) .

٢ - باب أن المرأة لا تولى القضاء .

[ ٣٣٠٨٩ ] ١ - محمّد بن عليِّ بن الحسين بإسناده عن حمّاد بن عمرو، وأنس بن محمّد، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه في وصيّة النبيّ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعليّ( عليه‌السلام ) ، قال: يا عليّ ! ليس على المرأة(٢) جمعة - إلى أن قال: - ولا تولّى القضاء.

أقول: ويأتي ما يدلُّ على ذلك(٣) .

٣ - باب أنه لا يجوز لأحد ان يحكم إلّا الإِمام، أو من يروي حكم الإِمام، فيحكم به ( * ) .

[ ٣٣٠٩٠ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن

____________________

(١) يأتي في البابين ٣ و ١١ من هذه الأبواب.

الباب ٢

فيه حديث واحد

١ - الفقيه ٤: ٢٦٣ / ٨٢١، واورد قطعة منه في الحديث ٧ من الباب ١٤ من أبواب الأذان، وفي الحديث ٤ من الباب ١ من أبواب صلاة الجمعة، وفي الحديث ٤ من الباب ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة، وفي الحديث ١٨ من الباب ٤٩ من أبواب جهاد النفس، وفي الحديث ٦ من الباب ١١٧ من أبواب مقدمات النكاح، وفي الحديث ٣ من الباب ٢٣ من أبواب الذبائح.

(٢) في المصدر: النساء.

(٣) يأتي في الحديث ٣ من الباب الآتي من هذه الأبواب، ما يدل عليه بعمومه.

الباب ٣

فيه ١٠ أحاديث

( * ) علق المصنف هنا بقوله: الاحاديث الثلاثة الاول رواها الكليني في كتاب القضاء، والباقي في الاصول من الكافي، وكذا جملة من أحاديث هذه الأبواب، وبعضها في الروضة، أيضاً. « منه ره ».

١ - الكافي ٧: ٤٠٧ / ٣.

١٦

ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، قال: لما ولّى أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) شريحاً القضاء اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتّى يعرضه عليه.

ورواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم مثله(١) .

[ ٣٣٠٩١ ] ٢ - وعن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب ابن يزيد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن أبي جميلة، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) لشريح: يا شريح ! قد جلست مجلساً لا يجلسه(٢) إلّا نبيّ، أو وصيّ نبيّ أو شقيّ.

ورواه الصدوق مرسلاً(٣) ، وكذا رواه في( المقنع) (٤) .

ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى مثله(٥) .

[ ٣٣٠٩٢ ] ٣ - وعن عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن أبي عبد الله المؤمن، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، قال: اتّقوا الحكومة، فإنَّ الحكومة إنّما هي للإِمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين لنبي(٦) ، أو وصيّ نبيّ.

ورواه الصدوق بإسناده عن سليمان بن خالد(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٦: ٢١٧ / ٥١٠.

٢ - الكافي ٧: ٤٠٦ / ٢.

(٢) في الفقيه: ما جلسه ( هامش المخطوط ).

(٣) الفقيه ٣: ٤ / ٨.

(٤) المقنع: ١٣٢.

(٥) التهذيب ٦: ٢١٧ / ٥٠٩.

٣ - الكافي ٧: ٤٠٦ / ١.

(٦) في التهذيب: كنبي ( هامش المخطوط ).

(٧) الفقيه ٣: ٤ / ٧.

١٧

ورواه الشيخ بإسناده عن سهل بن زياد مثله(١) .

[ ٣٣٠٩٣ ] ٤ - وعن عليّ بن محمّد،( وغيره) (٢) ، عن سهل بن زياد، وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً، عن ابن محبوب(٣) ، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق السبيعي، عمّن حدَّثه ممّن يوثق به، قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) إنّ الناس آلوا(٤) بعد رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى ثلاثة: آلوا إلى عالم على هدى من الله، قد أغناه الله بما علم عن(٥) غيره، وجاهل مدّع للعلم، لا علم له، معجب بما عنده، قد(٦) فتنته الدنيا، وفتن غيره، ومتعلّم من عالم على سبيل هدى من الله ونجاة، ثمَّ هلك من ادّعى، وخاب من افترى.

[ ٣٣٠٩٤ ] ٥ - وعن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن جميل، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، قال: سمعته يقول: يغدو الناس على ثلاثة أصناف: عالم، ومتعلّم، وغثاء، فنحن العلماء، وشيعتنا المتعلّمون، وسائر الناس غثاء.

[ ٣٣٠٩٥ ] ٦ - وعن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمد عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن عبد الله بن سليمان، قال: سمعت أبا جعفر( عليه‌السلام ) ، وعنده رجل من أهل البصرة(٧) ، وهو يقول: إنَّ الحسن البصري

____________________

(١) التهذيب ٦: ٢١٧ / ٥١١.

٤ - الكافي ١: ٢٦ / ١.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) في المصدر زيادة: عن أبي أسامة.

(٤) آل: رجع « الصحاح ( أول ) ٤: ١٦٢٨ ».

(٥) في المصدر زيادة: عِلْمِ.

(٦) في المصدر: وقد.

٥ - الكافي ١: ٢٦ / ١.

٦ - الكافي ١: ٤٠ / ١٥.

(٧) في المصدر زيادة: يقال له: عثمان الاعمىٰ.

١٨

يزعم أنَّ الّذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم أهل النار، فقال أبو جعفر( عليه‌السلام ) : فهلك إذاً مؤمن آل فرعون(١) ، مازال العلم مكتوماً منذ بعث الله نوحاً، فليذهب الحسن يميناً وشمالاً، فوالله ما يوجد العلم إلّا ههنا.

[ ٣٣٠٩٦ ] ٧ - وعن أبي عبد الله الأشعري(٢) ، رفعه عن هشام بن الحكم، عن أبي الحسن موسى بن جعفر( عليه‌السلام ) - في حديث طويل - قال: لا نجاة إلّا بالطاعة، والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلّم، والتعلّم بالعقل يعتقد، ولا علم إلّا من عالم رباني.

[ ٣٣٠٩٧ ] ٨ - محمّد بن محمّد المفيد في( المقنعة) عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، قال: من جُعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين.

[ ٣٣٠٩٨ ] ٩ - محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن داود بن فرقد، عن رجل، عن سعيد بن أبي الخصيب(٣) ، عن جعفر بن محمّد( عليه‌السلام ) في حديث، أنّه قال لابن أبي ليلى: بأيِّ شيء تقضي ؟ قال: بما بلغني عن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعن عليّ( عليه‌السلام ) ، وعن أبي بكر وعمر، قال: فبلغك عن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنه قال: إنَّ عليّاً أقضاكم ؟ قال: نعم، قال: فكيف تقضي بغير قضاء عليّ( عليه‌السلام ) ، وقد بلغك هذا ؟! فما تقول: إذا جيء بأرض من فضّة وسماوات من فضّة، ثمَّ أخذ رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بيدك، فأوقفك بين يدي ربّك، وقال: يا ربّ إن هذا قد قضى بغير ما قضيت ؟!

____________________

(١) مؤمن آل فرعون: حبيب النجار ( هامش المخطوط ).

٧ - الكافي ١: ١٣ / ١٢.

(٢) في المصدر زيادة: عن بعض أصحابنا.

٨ - المقنعة: ٧٢١.

٩ - التهذيب ٦: ٢٢٠ / ٥٢١.

(٣) في المصدر: سعيد بن أبي الخضيب البجلي.

١٩

ورواه الكلينيُّ عن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد مثله(١) .

[ ٣٣٠٩٩ ] ١٠ - محمّد بن مسعود العيّاشي في( تفسيره) عن سعد، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) قال: سألته عن هذه الآية( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) ؟(٢) فقال: آل محمّد( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أبواب الله وسبيله، والدعاة إلى الجنّة، والقادة إليها، والأدلّاء عليها إلى يوم القيامة.

أقول: وتقدَّم ما يدلُّ على ذلك(٣) ، ويأتي ما يدلُّ عليه(٤) .

٤ - باب عدم جواز القضاء والإِفتاء بغير علم بورود الحكم عن المعصومين ( عليهم‌السلام )

[ ٣٣١٠٠ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، قال: قال أبو جعفر( عليه‌السلام ) : من أفتى الناس بغير علم، ولا هدى من الله لعنتهُ ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه.

[ ٣٣١٠١ ] ٢ - وعنه، عن أحمد(٥) ، عن عليِّ بن الحكم، عن سيف بن

____________________

(١) الكافي ٧: ٤٠٨ / ٥.

١٠ - تفسير العياشي ١: ٨٦ / ٢١٠.

(٢) البقرة ٢: ١٨٩.

(٣) تقدم في الباب ١ من هذه الابواب.

(٤) يأتي في الباب ٧ من هذه الأبواب.

الباب ٤

فيه ٣٦ حديثاً

١ - الكافي ٧: ٤٠٩ / ٢، والمحاسن ٢٠٥ / ٦٠.

٢ - الكافي ١: ٣٣ / ١، والخصال ٥٢ / ٦٥.

(٥) في المصدر زيادة: وعبد الله ابني محمّد بن عيسى.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

جديد، ضمن آليات عمل متناغمة مع تطوُّرات المعرفة الإنسانية، وخصوصاً تلك الحاصلة بفعل تأثيرات العاصفة الغربية التي ضربت العالم من أقصاه إلى أقصاه؛ وذلك بهدف تحقيق التنمية الفكرية لهذا العلم ووضعه في سياقه المناسب له فعلاً.

آفاق التجديد في علم الكلام:

هناك رؤيةٌ (1) تُؤمن بأنَّ التجديد في علم الكلام، هو بتحويل الجهد الكلامي إلى مؤسَّسة، أو مأسسة علم الكلام؛ وذلك من خلال الاهتمام بمجموعة أمورٍ، من قبيل تشكيل مؤسَّساتٍ ولجانٍ لتصحيح التراث الكلامي وإخراجه من المكتبات القديمة وعالم المخطوطات، وتحقيق هذه الكتب وطباعتها طباعةً عصريةً. وكذلك إقامة المؤتمرات الدورية، والملتقيات، والمنتديات التي تُعنى بالفكر الكلامي، وتأسيس مكتباتٍ كلاميَّةٍ متخصِّصةٍ تتوفَّر فيها جميع المصادر والمراجع الكلامية القديمة والحديثة. وكذلك تأسيس بنوكِ معلوماتيةٍ كلاميَّةٍ تُؤمِّن للباحثين المادة الكلامية، وتحويل علم الكلام إلى عالم الانترنت والكمبيوتر ونحوها. وبالإضافة إلى كلّ ذلك الاهتمام بالإصدارات الكلامية المتخصِّصة من مجلاَّتٍ ونشريَّاتٍ ودوريَّات. وكذلك تهيئة معاجم مفهرَسة، ومعاجم مصطلحات، ودائرة معارف وموسوعة.

كما تجدر الإشارة هنا إلى دور مراكز الترجمة التي تنقل الفكر الآخر، كما تُعرِّف

____________________

(1) أكبر قنبري، مجلَّة "نقد ونظر"، ع 9، ص 2 - 9.

٦١

الآخر بالفكر الكلامي الإسلامي و... وهكذا - ولا سيَّما على المستوى الحوزوي - من الضروري تأسيس مراكز تعليمية تتَّخذ الكلام مادةً أساسيةً، وتُلحَق بها ما صار يلاصقها من علومٍ ومعارف أخرى، كعلم المعرفة والنفس، والهرمنيوطيقا، والاجتماع، والألسنية، وتاريخ العلوم، والأسطورة و... وغير ذلك من المشاريع والبرامج الكثيرة.

هذه الرؤية موجودة لدى الكثيرين اليوم، سواءٌ صرَّحوا بذلك في كتاباتٍ أو لا، فهي رؤيةٌ يعيشها الكثير من الذين يحملون الهمَّ الفكري على الصعيد الديني عموماً.

ومع القبول الكامل لهذا المشروع الكبير، والذي تُوجد اليوم نشاطاتٌ موفَّقةٌ إلى حد كبيرٍ تتحرَّك في إطاره، إلاّ أنَّ الذي ينبغي ملاحظته هو أنَّ التجدُّد والتغيُّر الذي حصل يستدعي إصلاحاتٍ كبيرةٍ وعميقةٍ في العقل الكلامي نفسه. فالملاحظ أنَّ التجدُّد الذي حصل كان على أكثر من مستوى، وعلى أكثر من صعيد، ممَّا يمكن إيجازه هنا:

1ـ تجدُّد المسائل: إنَّ قسماً كبيراً من مسائل علم الكلام لم يعد له اليوم وجودٌ، بمعنى أنَّه لم يعد يشكِّل القضية التي تشغل اهتمام الباحثين والمفكِّرين، بل إنَّ بعض الأفكار والأدلة والرؤى صار بطلانها اليوم غير محتاجٍ إلى توجيهٍ وتفسيرٍ؛ نظراً إلى انهيار كل الأعمدة التي انبنت عليها تلك الأفكار عبر الزمن، حتى أنَّ مذاهب ومدارس كلامية بأكملها صار حالها كذلك، وهذا أمر طبيعي ومترقب.

وفي مقابل كل ذلك، ظهرت أفكارٌ جديدةٌ ومذاهب

٦٢

كلامية جديدة، قد يصح لنا أن نقول إنَّها أكثر بكثير ممَّا ذهب وتنحَّى عن حلبة الصراع. وهذه الاتجاهات لم تَستخدم نفس آليات البحث التي كان يتم الاعتماد عليها سابقاً، بل استقت لنفسها أنماط تفكيرٍ أخرى، وهذا تحوُّلٌ جذري وأساسي في مساحات العمل وأفق التفكير الطارئة على علم الكلام.

2ـ تجدُّد المبادئ: بمعنى أنَّ كثيراً من دراسات علم المعرفة والوجود، وكذلك العلوم الإنسانية والطبيعية، والأبحاث الرياضية، قد تبدَّلت وتغيَّرت من أساسها. ومن هنا، فإنَّ بقعةً كبيرةً من اهتمامات وأدلّة ونقاشات المتكلّمين صارت بلا معنى في ظلِّ التحولات العلمية العظيمة، وهذا نحو مهم من أنحاء التجدُّد الحاصل.

3ـ تجدُّد المنهج: وهو أهمُّ أنواع التجدُّد، فقد كان المنهج المتَّبع سابقاً في علم الكلام - وسنشير إلى ذلك لاحقاً - هو المنهج الجدلي القائم على القضايا المسلَّمة والمشهورة لدى الطرفين، ثُمَّ حصل تطوُّرٌ في زمن "نصير الدين الطوسي"، و "فخر الدين الرازي" تمَّ على إثره حصول التزاوج بين الفلسفة والكلام بعد قرونٍ من التخاصم. أمَّا اليوم، ففضلاً عن أنَّ الفلسفة نفسها قد خضعت لتحوُّلاتٍ بنيويةٍ - مع الأخذ بعين الاعتبار التحوُّلات العالمية لها - فإنَّ العلوم الأخرى قد تعرَّضت هي الأخرى، أيضاً، لانقلاباتٍ منهجيَّةٍ، بل صار المنهج نفسه عرضةً للنقد والتحليل كذلك، وهذا كلُّه يستدعي موقفاً عملياً من الكلام المعاصر تجاهه. فالمسألة هي مسألة العقل الكلامي بالدرجة الأولى، والتحوُّلات الموجودة تستدعي تطوير هذا العقل بصورةٍ أساسيَّةٍ.

٦٣

4ـ التجدُّد في الهندسة المعرفية (1) : فالتغييرات التي تعرَّضت العلوم لها، لم تكن محصورةً في نطاق المسائل والمنهج والمبادئ، بل تعدَّتها لتشمل مجموع هذه الأمور، أي وصل التحوُّل إلى مرحلةٍ أشبه بالكلّية والشاملة، فصارت بنية العلم هي المتحوِّلة والمعدَّلة، وهذا أيضاً واقعٌ يُطالِب علم الكلام بتقديم أجوبةٍ عمليَّةٍ لنفسه عليه.

ومن هنا - وبملاحظة ما سيأتي أيضاً - فإنَّ التجديد في علم الكلام أو علم الكلام الجديد، هو من العمق والسعة بمكانٍ؛ بحيث لا يفي به مجرَّد بناء المؤسَّسات بالشكل المتقدَّم، وإن كانت لازمةً له.

إنَّ التعديلات المنصبَّة على العقل المتحكِّم في علمٍ ما، هي من أهمِّ التعديلات الجوهرية فيه؛ لأنَّ كافَّة التعديلات الأخرى إنَّما تُمثِّل تطويرات جانبية إذا ما قيست برتبة العقل العلمي نفسه، والتعديل المتوجِّه إلى العقل العلمي يمكنه - بدرجةٍ أكبر - أن يمنح المفكِّر نمط معالجةٍ مختلفاً، وأسلوباً تحليلياً آخر، وخطَّاً منهجياً جديداً، وأفقاً أكثر سعةً ورحابةً. والأفق والمنهج والمدى أمورٌ لا تتعلَّق بالكمِّ المعرفي بقدر ما تتعلَّق بالمستوى العلمي نفسه.

عرض موجز لتاريخ علم الكلام الجديد:

تعود بذور التفكير الكلامي الجديد على الساحة الإسلامية إلى القرن التاسع عشر الميلادي؛ أي إلى زمن شروع التحديِّات الفكرية والثقافية الغربية

____________________

(1) علي الحاج حسن، راجع مجلَّة "پيام صادق"، ع4، 1997م، ص 4.

٦٤

التي رافقت الاستعمار الغربي الفرنسي والبريطاني للعالم الإسلامي. وقد كان للمستشرقين دورٌ فاعلٌ في تكوين هذا الجوّ العام؛ نتيجة الانتقادات الحادّة التي وجَّهوها إلى كافَّة مرافق الفكر الإسلامي، لا سيَّما السُّـنَّة النبوية الشريفة.

وقد انبرى جيلٌ من العلماء في تلك الفترة لمواجهة هذا الواقع الفكري المرفوض في الوسط الديني، وكان أبرز هؤلاء السيد "جمال الدين الأفغاني" في ردِّه على الدهريين.

وجاء بعد ذلك جيلٌ آخر تمثَّل بالشيخ " محمد عبده "، والشيخ محمد رشيد رضا، وغيرهم، فسجَّلوا أبحاثاً هامة على هذا الصعيد، إلى أنَّ وصل الأمر إلى أمثال العلاَّمة "الطباطبائي"، وتلميذه الشهيد "مرتضى مطهري"، إلى الدكتور "علي شريعتي"، و "سيِّد قطب"، والسيد "محمد باقر الصدر"، و "مالك بن نبي"، وغيرهم، فأغنوا علم الكلام بالكثير من الدراسات والأبحاث القيِّمة، مع عشراتٍ من العلماء الآخرين في شتّى أنحاء العالم الإسلامي.

وقد أدَّى انتصار الثورة الإسلامية في إيران - كما يُشير بعض الباحثين (1) - إلى تشكُّل واقعٍ ضاغطٍ على علم الكلام؛ فأثيرت، وبصورةٍ مكثَّفةٍ، العديد من التساؤلات الكلامية على أكثر من صعيد، وقد دفع هذا الأمر إلى تعاظم حجم المسؤوليات المُلقاة على كاهل هذا العلم، فانبرت جماعةٌ من العلماء لسدِّ الثغرة الحاصلة، وأثَّر ذلك في حدوث تطوُّرات متسارعة على هذا الصعيد.

____________________

(1) أحمد قراملكي، مجلَّة "قضايا إسلامية معاصرة"، ع 14، 2001م.

٦٥

لقد أدَّى انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وما تلاه من حركةٍ إسلاميةٍ عالميّةٍ في شتّى البلدان، إلى تحوُّل المشكلات الكلامية من طابع الإجابة على أسئلةٍ واستفهاماتٍ وملاحظاتٍ أثارتها ظاهرة الاستشراق، أو الظاهرة العلمانية والقومية المتعاظمة، أو التيار الماركسي... إلى تقديم صياغاتٍ متكاملةٍ لمشاريع فكرية كبرى صارت تمثِّل تحدّيات. فلم تعد القضية بحيث إنَّنا نجيب على تساؤلٍ وإشكاليّةٍ واردةٍ، وإنَّما صارت هناك مسؤوليةٌ جدِّيةٌ لتقديم مكوَّنٍ متكاملٍ في موضوعةٍ ما. فالظاهرة الدينية ككل، صارت بحاجةٍ إلى تفسيرٍ فلسفي متكاملٍ وشاملٍ، وموضوعة المرأة مثلاً، ليست كامنةً في إشكاليّة الحجاب أو الستر... وإنَّما في عرض نظريةٍ متكاملةٍ متناغمةٍ متناسقةٍ حول هذا العنصر البشري.

هذا التحدي ضغط بثقله على النشاط الكلامي عقيب المد الإسلامي، ولا سيَّما بعد حرب الخليج الثانية، التي أعادت رسم الخرائط في المنطقة الإسلامية، والتي لا ينعزل علم الكلام عنها وعن أحداثها، فحال علم الكلام الجديد ما قبل الثمانينيات وما بعدها كحال علم الكلام القديم قبل الطوسي والغزالي والفخر الرازي و... وبعدهم، أو كحال علم الحديث قبل الموسوعات الكبرى كالكافي وصحيح البخاري و... وبعد هذه الموسوعات.

٦٦

وظائف الكلام الجديد:

إنَّ الوظائف الرئيسة التي يمارسها علم الكلام، تتمثَّل - وفق ملاحظات جملة من الباحثين (1) - في أمور ثلاثة:

أـ محاولة شرح وتبيين المفاهيم الاعتقادية بالصورة المناسبة، القادرة على احتواء واستيعاب المضمون إلى أبعد الحدود، ونقله بأمانةٍ ودقَّةٍ. وبالتالي تحجيم وتقليص الأخطاء والاشتباهات، التي يمكن أن يسبِّبها سوء أو قصور الخطاب والعرض الكلامي. ويأتي هنا دور تحديد المصطلح السليم الذي يبعد عن حدوث التداخلات والاختلاطات؛ بحيث يعكس بوضوحٍ ما يُريد أن يحكي عنه بأقلّ قدر ممكن من الانفلاش والتضيُّق.

ب - محاولة إثبات المفاهيم الاعتقادية وإقامة الأدلة والبراهين عليها ، من خلال توظيف مختلف أنواع الإثبات المنطقية والمعتبرة؛ قياساً واستقراءاً و.. على المستوى العقلي، أو النصّي، أو التاريخي، أو التجريبي، أو غير ذلك.

ج - محاولة ردِّ ودفع الإشكالات والشبهات الموجَّهة إلى المعتقدات الدينية والمذهبية .

____________________

(1) أشار إليها الدكتور عبد الكريم سروش في "قبض وبسط تؤريك شريعت"، ص 65 - 66، وأيضاً الشيخ مجتبى المحمودي، مجلَّة "الفكر الإسلامي"، ع 16، ص 208، وعلي أوجبي، "كلام جديد در ذر انديشه ها"، ص 42 - 43، ومحمد مجتهد الشبستري، "مدخل إلى علم الكلام الجديد" كتاب قضايا إسلامية معاصرة، ص 27 - 30، ترجمة: علاء زيد، وأبو القاسم فنائي، "درآمدي بر فلسفة دين وكلام جديد"، ص 97 - 99، وغيرهم.

٦٧

ويعتقد هؤلاء الباحثين أنَّه لو قبلنا بعلم الكلام الجديد أو رفضناه، فإنَّ الوظائف المتوجِّبة على علم الكلام اليوم، هي نفسها الوظائف التقليدية الثلاث المتقدِّمة.

إنَّ هذا التوصيف أو تلك التوصية كأنَّها تفترض مسبَّقاً انتهاء علم الكلام من البناء الاعتقادي، ومن ثُمَّ يقوم هو، أو يجب أن يقوم، بتبيينه، أو إقامة الدليل عليه، أو الدفاع عنه، بردِّ الانتقادات الموجَّهة إليه، وهذا يستدعي أن يكون ثبوت المعتقد الديني أو المذهبي، لدى العقل الكلامي، أمراً مفروغاً عنه، ويُراد لعلم الكلام أن يعرضه أو يُبرهن عليه للآخر. وهذا يتطلَّب - معرفياً - أن نكون قد هيَّأنا ما يجهِّز لعلم الكلام هذه المعتقدات، ليقوم بدور خدمتها؛ إذ إنَّ المتكلِّم إذا خرج بنتيجةٍ تعارض المعتقد المذهبي مثلاً، فإنَّه سيخرج عن دائرة الكلام؛ أي عن دائرة الأنا، إلى دائرة الآخر، وبالتالي سيتم اعتباره خارجاً عن حريم علم الكلام؛ لأنَّ هذا العلم قد افترض فيه شيءٌ من الالتزام والتعهُّد، وهذا خللٌ منهجي علمياً؛ لأنَّ أهمَّ خصيصةٍ من خصائص العلمية اليوم هي خصيصة الموضوعية، وإقصاء الإسقاطات الذاتية والفئوية على الموضوع مادة البحث، فما لم يكن هناك علمٌ سابقٌ على علم الكلام، قادرٌ على تأمين المبادئ التصديقيّة له، بما في ذلك المعتقد نفسه الذي يدافع عنه علم الكلام - وفرض علمٍ كهذا لا يخلو من مشكلات - فإنَّ الكلام سوف يفقد المصداقية المعرفية التي يُراد له أن يتمتَّع بها، لا بمعنى إقحام الدوافع الذاتية للباحث في حكمنا على بحثه، بما لا نجد مبرِّراً صحيحاً له، بل بمعنى أنَّ البنية

٦٨

الداخلية للعلم نفسه، إذا أُريد له أن يكون ديناميكياً، تتطلَّب عدم افتراض قبليَّات لم يجرَ تأمينها من قبل. وبالتالي، فنحن بحاجةٍ إلى كلام ديني ليس غرضه - من ناحية علمية صرفة، لا دينية - الدفاع عن الدين، بل غرضه البحث حول الدين.

وهذا التعديل في وظيفة علم الكلام يمكنه أن يُؤمِّن له:

أ - ديناميكية فعَّالة ناتجة عن إفساح المجال للتعدُّدية الفكرية في النطاق الكلامي ، وبالتالي إفساح المجال لتقبُّل أي تطوير جوهري؛ لأنَّ تكثير الخطوط الحمراء من الناحية العلمية يضرُّ بتقدُّم العلم تقدُّماً ملحوظاً.

ب - توسيع نطاق الأنا العلمي ؛ الأمر الذي يفعِّل من النقد الذاتي البنَّاء؛ لأنَّ الباحث لم يعد بحاجةٍ إلى تقمُّص شخصيةٍ أخرى عندما يريد نقد الكلام الإسلامي، أو اليهودي، أو غيره. أمَّا علم الكلام بشكله الحالي، فإنَّه يُضيِّق من مساحة النقد الذاتي، إذ يَفترض أنَّ قسماً كبيراً من عمليات النقد هي عمليات خارجية (أي من الخارج)، لا داخلية؛ لأنَّها تنقد الدين أو المذهب، وهذا قد يفقد علم الكلام في تركيبته الداخلية فرصاً للنقد الذاتي، والتنقُّل بين الأفكار بحريةٍ أكبر نتيجةً لذلك، الأمر الذي صار ضرورةً لنمو أيِّ علمٍ.

المثال التقريبي الذي يمكن توظيفه هنا لتأكيد هذه الفكرة، هو المسائل الجزئية الكلامية التي وقع اختلافٌ كبيرٌ بين المتكلِّمين فيها؛ فمثلاً مسألة البدن الذي يرافق الإنسان في عالم البرزخ، هل هو بدنٌ جسماني أو مثالي؟ في علم الكلام الشيعي لا يشعر المتكلِّمون بأنَّ الذي يرفض مقولتهم في هذه

٦٩

المسألة خارجٌ عن علم الكلام الشيعي، بل يرونه متكلِّماً شيعياً؛ أي هو متخصّص في علم الكلام الشيعي. أمَّا إذا دخلت المسألة حيز المسائل الجوهريّة والأساسيّة، كمسألة الإمامية بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، فإنَّ النتائج التي يخرج بها المتكلِّم، تجعله مصنَّفاً على جهةٍ دون أخرى؛ وبالتالي فهو خارجٌ عن إطار الكلام الشيعي؛ لأنَّ تشيُّع المتكلِّم كأنَّه جزءٌ دخيلٌ في قبوله كمتكلِّم شيعي؛ أي كأحد علماء علم الكلام الشيعي. أمَّا في الطب، فالقضية ليست كذلك؛ فإيمان الطبيب بأيِّ فكرةٍ، لا يصنِّفه إلا في حدود كونه مؤمناً بهذا الاتجاه الفكري لا أكثر.

ومن هنا، فإذا أُريد لعلم الكلام الجديد أن يتجاوز عقبة الإسقاطات والتطويع التي ابتليت بها المذاهب والمدارس الكلامية، عليه أن يُجري تعديلاً أساسياً - في ما أظن - في التوظيفات التي يُراد استخدام علم الكلام فيها، عِبر تحويله من علمٍ ملتزِمٍ مدافِعٍ إلى علمٍ باحثٍ محقِّقٍ. من دون أن يُلزمنا ذلك رفعَ اليد عن دينٍ أو مذهبٍ ما، فالحديث هنا يدور حول نمو علمٍ، لا خدمة دينٍ ، وإنْ كان نموَّ هذا العلم على المدى البعيد يصبُّ في خدمة الدين لا محالة.

إنَّ الواقع التاريخي لعلم الكلام يُدلِّل بوضوح على أنَّ هذا العلم قد اكتسب صبغةً ذرائعية، واتخذ لنفسه موقعيةً دفاعيةً، وليس معنى ذلك أنَّ القضايا الكلامية هي بحدِّ ذاتها قضايا ذرائعية غير قابلة للمحاكمة، بمعزلٍ عن هذه النزعة وهذه الهادفية، فإنَّ القضايا الكلامية، كغيرها من القضايا، ذات

٧٠

طابع علمي، إنَّما المسألة هي في المسير الذي اتخَّذه المتكلِّمون عبر التاريخ، والذين لا يمكننا فصلهم تاريخياً عن القضايا والمعادلات الكلامية. وهذا يعني أنَّ القول بأنَّ علم الكلام لم يكن علماً دفاعياً ملتزِماً، هو قول يحاول - في قراءةٍ تاريخيةٍ واحدةٍ - أن يفصل بين القضايا المنتَجة وبين وسائل الإنتاج التي تتمثَّل في المتكلِّمين أنفسهم. إنَّ هذا الفصل هو مفارقةٌ منهجيةٌ؛ فنحن نتكلَّم عن علم الكلام كظاهرةٍ تاريخيةٍ، وليس عن القضايا الكلامية مجرَّدةً عن أيِّ ملابسات.

نعم، يمكن تجريد هذه القضايا عن هذا الطابع، وهذا يعني أنَّ الدراسات الكلامية ليست لصيقةً بالمنهج الذرائعي الملتزِم، وبالتالي، فلا يعني الخروج من هذا الإطار الهادفي - الذي التصق تاريخياً، لا واقعياً وعلمياً بعلم الكلام - واستبداله بإطارٍ آخر - من دون أن يُؤدِّي ذلك إلى نوعٍ من إفراغ هذا العلم من محتواه، أو إجراء تبديل جوهري فيه - تشويهاً لهذا العلم.

لقد كان يُرجى بعد عملية فلسفة الكلام - أي جعله فلسفياً - التي حصلتْ على يد نصير الدين الطوسي، أن يحدث هذا الأمر، ولعل بعض آثار هذا الحدث قد تجلَّت في علم الكلام، وهو أمر يحتاج إلى دراسة؛ فهل كان هذا الاندماج لصالح الكلام وكيف؟

لكن من المؤكَّد أنَّ علم الكلام لم يستطع أن يتحلَّى بالاستقلاليّة العلمية التامة، بل كان - كعلم الفلسفة - يعيش

٧١

قلق التوافق مع النص، ومن هنا تُوجَّه الدعوة إلى إنشاء الكلام الفلسفي (1) بُغية تحقيق فرص نمو أكبر لهذا العلم.

ونقصد بـ "الفلسفي" في هذه التسمية: صيرورة المنهج الكلامي فلسفياً ، يستهدف الحقيقية، من دون أن يصادرها - في إطار أو غيره - بصورةٍ مسبَّقةٍ كما هو الحال في المنهج الكلامي المعروف تاريخياً، والذي يفترض الحقيقة في جانبٍ من الجوانب، ثُمَّ يتحرَّك على أساس الدفاع عنها.

إنَّ فلسفة علم الكلام بهذا المعنى، يمكنها أن تُعطي هذا العلم الإمكانية الداخلية لعمليات إعادة النظر المتواصلة، وبالتالي الحدّ من التجمُّد على أخطاء لا مجال لتجاوزها، كما تُوسِّع من التنوُّعات الفكرية والثقافية داخل منظومة هذا العلم؛ ما يمنحه مزيداً من الحيوية والإثمار.

الكلام الجديد بين الإثبات والنفي - إشكالية التسمية:

يبدو - وكما صرَّح بعض الباحثين المتتبِّعين - أنَّ تسمية "علم الكلام الجديد" هي تسمية إسلامية، ولم تعهدها الدراسات الكلامية الغربية، لا اليهودية ولا المسيحية (2) وقد جرى استخدام هذه التسمية للمرة الأولى من قبل الباحث الهندي "شبلي النعماني" (1274 - 1332هـ ق) في كتابه "علم الكلام

____________________

(1) يراجع بصدد هذا المصطلح مقدِّمة المترجم لكتاب "كلام فلسفي"، إبراهيم سلطاني وأحمد نراقي، ص 7.

(2) علي أوجبي، كلام جديد در گذر انديشها، ص 35، ومحمد اسفندياري، كتاب شناسى توضيحى كلام جديد، مجلَّة نقد ونظر، ع 2، ص214.

٧٢

الجديد" (1) ، وإنْ كان يبدو منه أنَّ هذا الاستعمال كان موجوداً في تلك الفترة في بلاد مصر والشام وغيرها أيضاً. وقد طرح الشهيد "مرتضى مطهري" هذه التسمية كذلك، وترك طرحه لها أثراً في تكوُّن هذا المشروع؛ حيث تمَّ تداول هذا المصطلح في العقد الميلادي الأخير على نطاقٍ واسعٍ، ولا سيَّما في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ حيث تمَّ تشكيل مادة دراسية تحت هذا العنوان في جامعة طهران، وقامت بعض الدروس تحت العنوان نفسه، وكذلك بعض الملتقيات في الحوزة العلمية في مدينة قم المقدَّسة.

كما استخدم الدكتور "حسن حنفي" أيضاً مصطلح علم أصول الدين الجديد في إطار مشروعه الشامل (2) ، واعتُبر مشروعه في هذا الكتاب ونحوه، علمَ كلامٍ جديد (3) .

وقد وقعت هذه التسمية موقعاً للجدل، فتحفَّظ عليها البعض من أمثال الشيخ "عبد الله الجوادي الآملي"؛ استناداً إلى عدم وجود مبرِّرات لها، مستوحين من التسمية ثنائيةَ القطيعة بين الجديد والقديم، فيما دافع آخرون عنها لاعتباراتٍ عدَّةٍ من أمثال "أحد فرامرز قراملكي"، و "محمد اسفندياري" .

هذا القلق، أو ذاك الإصرار، لا يُلغي أنَّ هذه التسمية صارت بمثابة الأمر الواقع؛ فالجميع بات يستخدمها اليوم مهما كان موقفه منها، وبالتالي، فإنَّ

____________________

(1) عبد الجبار الرفاعي، "الاتجاهات الجديدة في علم الكلام - مدخل تاريخي"، مجلَّة "التوحيد"، ع 96، ص 33، ومجلَّة "نقد ونظر"، مصدر سابق، 214، وغيرهم.

(2) راجع: "من العقيدة إلى الثورة"، ج 1، ص 47، ط 1998م.

(3) راجع: مجلَّة "النور"، ع 100، 1999م، ص 50.

٧٣

هذا المصطلح، قد دخل بالفعل قاموس المعرفة الدينية وصار لابد من تحديد موقف حياله.

ولا يعني الخلاف في التسمية خلافاً في الكلمة واللُّغة، وإنَّما يقوم، أو يجب أن يقوم، على خلفية واقع هذا العلم، فهل هو شيءٌ آخر غير الكلام القديم يستدعي هذه الثنائية معه، أو أنَّه هو نفسه مع تراكم المسائل والأبحاث، ممَّا هو طبيعي في كلِّ علم؟

القضية هي أنَّه ووفقاً لمقولة أنَّ علم الكلام قد توقَّف نموُّه، وغطَّ في سباتٍ عميقٍ منذ القرن التاسع الهجري، ومع غض النظر عن المشروعات الإحيائية التي ظهرت منذ أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، نظراً لافتقاد الكثير منها اليوم للمواصفات المطلوبة، فإنَّ العقل الكلامي المعاصر سيتواجه مواجهةً حادّةً - وربما تصادمية أحياناً - مع الموروث الكلامي؛ نظراً للفجوة الكبيرة التي تسبَّب بها ركود هذا العلم. هذه الفاصلة أحدثت تغيُّراً في الهوية يبرِّر التسمية، والسعي لتأسيس علمٍ جديدٍ.

هذه الفجوة تفضي عادةً إلى تشوُّهاتٍ حادَّةٍ في النتاج الكلامي اليوم، وفقاً لِمَا تستدعيه عيوب فترة الانتقال كأمر قد يصح لنا أن نُعبِّر عنه بالمحتوم، ليس في علم الكلام فحسب، بل في مجمل العلوم الإنسانية.

وتمثِّل القطيعة مع الموروث الكلامي واحدةً من أبرز أشكال هذه النتوءات، فقد اتسمت الكثير من الأفكار والمشاريع الأخيرة في القرنين الأخيرين بطابع القطيعة هذه، ما أفضى إلى طفو وبروز الثنائية التقليدية التي

٧٤

عرفها عالمنا الإسلامي، وهي ثنائية القديم والجديد، والتقليدي والحداثي، والثابت والمتحوِّل، كعنصرين منفصلين يصعب وضع الجسور بينهما ليشكل أحدهما الامتداد الطبيعي للآخر. والتحقيب المتقدِّم لعلم الكلام، يكشف عن حدوث فراغٍ في العقل الكلامي في نفس الفترة التي بدأت فيها عمليات ظهور ونفوذ الفكر الآخر إلى بنية العقل الإسلامي، بل والديني ككل، ما أحدث فجوة عميقة بين الموروث القديم المبتني على تداعيات فكرية خاصة، وبين النتاج الحديث المنبثق من عمليات تلاقح شديدة ذات طابع جوهري وبنيوي في تأثيراتها، وهذا ما عزَّز الثنائيةَ المذكورةَ في علم الكلام بالخصوص، ودَعَم فرص هذه القطيعة.

وأمام هذا الواقع يقف الكلام المعاصر عند مفترق طرق؛ فالنزوع الطبيعي نحو الموروث، وضرورة إلغاء القطيعة معه، وأهمية الشروع من حيث وقف الآخر، لا من حيث انطلق، وأمورٌ أخرى، تسوق علم الكلام نحو عملية إعادة بعث لتاريخه، ومن ثُمَّ إعادة إنتاج ذاته وفقاً لذلك. ولكن على خط آخر، فإنَّ من الضروري هنا تنحية الخطاب الموروث عندنا، والذي يتداول عملية التواصل مع الماضي، أحياناً، كخطابٍ تعبوي ثوروي أكثر منه كخطاب علمي. وكنتيجةٍ لهذا الإقصاء للخطاب التعبوي تبرز الحاجة هنا لدراسة الفرص الواقعية التي تُؤكِّد منطقية - لا عبثية - محاولة العودة للتراث كأساسٍ أولي لأيِّ تغيير، لا مجرد عنصر مساعد. وهل هناك ما يحل المشكلة في هذه

٧٥

الخطوة؟ هل سنتقدَّم خطوة أو خطوات إلى الأمام نتيجةً لذلك، أم أنَّنا سنعيد اجترار الماضي بأسلوبٍ آخر كما حصل أحياناً في مجالات أخرى؟

وهكذا نجد أنَّ هناك ما يبرِّر التسمية إلى حدٍّ ما إذا استطعنا أن نحدِّد الجواب على السؤال المتقدم، فهل التغيير الحاصل في المبادئ، والمسائل، والمنهج، بل والهندسة المعرفية، سيسمح بإعطاء الأولويّة للكلام القديم في الاستمداد منه كمصدرٍ وحيدٍ وأساس؟

إنَّ واقع التغيًُّرات الشاملة التي حصلت، يمكن القول إنَّها شطرت الكلام القديم وتشطره من جهة، كما أنَّها تلغي ثمار كثيرٍ من أبحاثه من

جهةٍ أخرى. الدراسات السياسية، ودراسات علم الاجتماع، وعلم النفس اليوم، كم تُهمِّش من أبحاث أساسية في الكلام؟ ولا سيَّما في ما يرتبط بأنظمة الحكم وأنماط تشكُّلها. كما أفرغ علمُ الفقه والأخلاق الكلامَ من مساحاتٍ واسعةٍ من عمله، وعاد التداخل الذي فرضته الفلسفة في أبحاث من قبيل أبحاث الوجود، بمثابة المبادئ التي يستمدُّها علم الكلام من غيره، بدل أن يعالجها هو والفلسفة معاً، بل إنَّ العلوم الطبيعية الحالية قد سَلخت عن علم الكلام حيزاً مهماً كان يشغله، وأفرغت كثيراً من تصوُّراته من مضمونها، وهكذا.

فالحقيقة أنَّ ما يريد أن يسعى له الكلام الجديد، قد لا ينفعه فيه الكلام القديم إلا كعنصرٍ من عناصر الإمداد إلى جانب عناصر أخرى. فمن المعلوم أنَّ التجربة المسيحية في الصراع مع الماديين والاتجاهات الفكرية المعارضة، أو المتقاطعة مع الدين في الغرب أو غير الغرب، يمكنها أن تمدَّ الكلام الجديد

٧٦

بالكثير من الثراء والمعلومات، وهي تجربةٌ تستحقُّ أن تُقرأ. ومع ذلك، فهذا لا يجعل الكلام الجديد في الإطار الإسلامي امتداداً له في الإطار المسيحي، وهكذا العكس.

بهذا السياق يتمُّ الميل لصالح الاحتفاظ بالمصطلح من دون أن نخسر الماضي كعنصرٍ مهم من عناصر المدِّ والاستقاء.

وفي قبال ذلك تقف وجهة النظر المعارضة لهذه التسمية لتؤكِّد عدم وجود المبرِّر لهذه الطفرة، ولتشدِّد على أنَّ ما طرأ، ويطرأ، لا يصل إلى درجة تأسيس علمٍ في قبال علم الكلام القديم.

وقد ذكرتْ ثلاثة وجوهٍ مقرِّبةٍ لنفي موضوعية هذه التسمية، وهي:

1 - إنَّ تمايز العلوم إنَّما يكون بالأغراض ، لا بالموضوعات ؛ لعدم وجود موضوعٍ لبعض العلوم، كعلم الكلام؛ و لا بالمنهج ؛ لاشتراك سلسلة علومٍ في منهجٍ واحدٍ أحياناً، كالمنهج التجريبي بالنسبة إلى كثير من العلوم الطبيعية؛ ووفقاً لذلك، سوف لن يكون هناك أيُّ مبرِّرٍ منطقي للشروع في علم جديد ما دامت الأغراض المترقَّبة من علم الكلام الجديد هي بعينها الأغراض المنتظرة من علم الكلام القديم؛ وهي تبيين وإثبات المعتقدات الدينية، والمذهبية، ومن ثُمَّ الدفاع عنها (1) .

____________________

(1) أحمد واعظي، مجلَّة "نقد ونظر"، ع 9، ص 93 - 94، نقلاً عن الشيخ صادق لاريجاني في مجلَّة "انديشه حوزه"، ع 5، 1996م.

٧٧

لكن هذا الوجه يمكن أن يُلاحظ عليه - تبعاً لِمَا اقتُرِح آنفاً من التعديل الوظائفي لعلم الكلام - أنَّ الغرض من علم الكلام الجديد ليس متطابقاً مع الغرض من علم الكلام القديم، وهذا ما يبرِّر لنا ثنائية القديم والجديد هنا؛ لأنَّ الدفاع عن الدين أو المذهب كان السمة المميِّزة لهدف الكلام القديم، بَيْدَ أنَّ ما يطبع الكلام الجديد إنَّما هو خاصية البحث في المُعتقَد، لا الدفاع عنه، وهذا لا يمنع من أن يدافع كل مَن يصل إلى نتيجةٍ عن تلك النتيجة التي توصَّل إليها، فهذه هي سمة العلوم والمعارف كافَّة، من دون أن يُؤثِّر ذلك في تحويل تلك العلوم من علوم مستوعِبة لكافَّة التوجُّهات إلى علومٍ منحصرةٍ في توجُّهٍ ديني، أو مذهبي معينٍ. وأظنُّ أنَّ هذا الفارق الجوهري في الغرض، يكفي لرفع الحيثية المذكورة في هذا الوجه.

2 - إنَّ فرضية الكلام القديم والجديد ترجع في الحقيقة إلى وقوع التباسٍ بين "فلسفة الدين" و "علم الكلام أو الإلهيَّات" ؛ فعلم "فلسفة الدين" يمتاز بمنهجه الفلسفي في قراءة الدين، كما أنَّه يطلُّ على الظاهرة الدينية إطلالة محايدة؛ بمعنى أنَّ الفيلسوف الديني لا يفترض نفسه من أتباع دين معيَّن، ثُمَّ يتكفَّل ويتعهَّد بالدفاع عن هذا الدين، وإنَّما يقرأ كل الأديان بنظرةٍ واحدةٍ متجاهلاً خاصية الحقانية والبطلان فيها، وهذا ما لا نلاحظه أبداً في علم الكلام، وعليه، فإذا نجحنا في القيام بعملية فرزٍ لهذين العلمين، فإنَّنا لن نجد حينئذٍ

٧٨

فارقاً وجيهاً بين الكلام القديم والجديد، لا في الموضوع، ولا في المنهج، بل ولا في الغاية (1) .

ونحن هنا لو صرفنا النظر عن الرأي القائل بأنَّ ما يتسمَّى في الغرب بفلسفة الدين هو نفسه مشروع الكلام الجديد، كما يراه "اسْفَنْدياري" ، فإنَّه - ووفقاً لِمَا ذكرناه من التعديل الوظيفي للكلام - لا يكون هذا الوجه صحيحاً؛ لأنَّ علم فلسفة الدين، كغيره من الفلسفات المضافة، يقرأ الدين قراءة خارجية؛ لا تستهدف التوصُّل إلى نتائج لصالح هذا الطرف أو ذاك، وهذا ما لا نراه أصلاً في علم الكلام الجديد، فهو يستهدف الوصول إلى الحقيقة الدينية والمذهبية المتوفِّرة، وهو بهذا يصبح جزءاً من العلوم الداخلية، لا الخارجية، وتبعاً لذلك سيبقى الفاصل المطروح بين الكلام القديم والجديد على حاله مبرِّراً لهذه الثنائية.

3 - نحن نفترض - وهو افتراضٌ صحيحٌ - أنَّ تغييراتٍ طرأت على علم الكلام، ليس في حدود المسائل والمفردات فحسب، وإنَّما حتى في دائرة الأسلوب والمنهج، لكن هذا كلّه لا يبرِّر استحداث علمٍ جديدٍ؛ وذلك يتَّضح من خلال مراقبتنا لعلمٍ كعلم الفقه، فالجميع يعرف كيف كان هذا العلم في القرون الأربعة الهجرية الأولى، وكيف هو اليوم، وكم طرأ عليه من تحوُّلاتٍ بنيوية في نطاق المنهج والأسلوب والمواضيع وغير ذلك، ولكن مع ذلك لم يسمح الفقهاء لأنفسهم بإبراز تقسيمٍ ثنائي على غرار التقسيم المقترح لعلم

____________________

(1) أبو القاسم فنائي، مصدر سابق، ص 74 - 78 - 89.

٧٩

الكلام، وهكذا الحال في علم الكيمياء أو الرياضيات.... وهذا ما يدفعنا إلى إبراز إشكاليَّةٍ في هذا التقسيم، تتمحور حول الضابط الموضوعي لجدَّة علم الكلام؛ لأنَّه بدون هذا الضابط المحدَّد سوف يصحُّ لنا أن نفترض علوماً كلامية عديدة؛ إذ إنَّ كل حقبةٍ زمنيةٍ تشتمل لا محالة على تغييراتٍ في هذا العلم، تسمح لنا بالتالي بوصفه بالجديد (1) .

وأعتقد أنَّ هذا الوجه يُركِّز كثيراً على وصف الجِدَّة والحداثة المأخوذ في التسمية، في حين أنَّ المطلوب هو التركيز على الفارق بين العلمين مهما كانت التسمية، فعلم الفقه لم يتبدَّل فعلاً تبدُّلاً جوهرياً على مستوى الهندسة المعرفية، كما هو الحال في المقترح هنا، وعلوم الرياضيات أو غيرها تتعامل فعلاً بقطيعةٍ ما إزاء الرياضيات القديمة وهكذا.... وبعبارةٍ أخرى هناك فرقٌ بين أن يُمثِّل علمٌ ما امتداداً طبيعياً لعلمٍ سابقٍ منقرضٍ عملياً؛ بحيث يقوم على أنقاضه، وبين أن يكون تعبيراً عنه نفسه في مرحلةٍ زمنيةٍ متقدِّمةٍ، وما نريده هنا هو معرفة أنَّ أمثال علم الرياضيات الحديثة هل قام على أنقاض العلم القديم؛ بحيث إنَّ المعرفة الرياضية القديمة لم يعد لها حضورٌ في الرياضيات الحديثة أصلاً، لا على مستوى المنهج، ولا على مستوى الأسلوب، أو الخارطة المعرفية كلها، أم لا؟ سواءٌ أطلق الرياضيون على الرياضيات الحديثة تسميةً معاصرةً، أم لم يفعلوا ذلك. وهل أنَّ علم الفقه بتطوُّراته قد أحدث نوعاً من

____________________

(1) الشيخ عبد الله الجوادي الآملي، كلام جديد در گذر انديشه ها، ص 22 - 25.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424