وسائل الشيعة الجزء ٣٠

وسائل الشيعة0%

وسائل الشيعة مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 553

وسائل الشيعة

مؤلف: الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

الصفحات: 553
المشاهدات: 17024
تحميل: 3750


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17024 / تحميل: 3750
الحجم الحجم الحجم
وسائل الشيعة

وسائل الشيعة الجزء 30

مؤلف:
العربية

ذهاب معظم تلك الأصول، ولخصها جماعة في كتب خاصّة، تقريبا على المتناول، وأحسن ما جمع منها ( الكافي ) و ( التهذيب ) و ( الاستبصار ) و ( من لايحضره الفقيه ).

انتهى(١) .

وكلام الشهيد الثاني، والشيخ بهاء الدين - كما ترى - صريح في الشهادة بصحة تلك الأصول، والكتب المعتمدة، وعرض كثير منها على الأئمةعليهم‌السلام ، وفي الشهادة بأن الكتب الأربعة، وأمثالها من الكتب المعتمدة، منقولة من تلك الأصول، وأنها كلها محفوفة بالقرائن المتعددة.

وقال الكفعمي - في أول ( الجنة الواقية ) -:

هذا كتاب محتو على عوذ، ودعوات، وتسابيح، وزيارات، وحجب، وتحصينات، وهياكل، واستغاثات، وأحراز، وصلوات، وأقسام، واستخارات.

إلي أن قال: مأخوذة من كتب معتمد على صحتها، مأمون بالتمسك بوثقى عروتها.

انتهى(٢) .

وقال الطبرسي - في أول ( الاحتجاج ) -:

ولا نأتي، في أكثر ما نورده من الأخبار، بإسناده الموجود، للإجماع عليه، ولموافقته لما دلت العقول إليه، ولاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف، إلا ما أوردته عن الحسن بن علي ؛ العسكريعليه‌السلام ، فإنه ليس في الاشتهار على حد ما سواه، وإن كان مشتملا على

__________________

(١) الدراية، للشهيد ( ص ١٧ ).

(٢) الجنة الواقية ( المصباح للكفعمي ) ص ٣ - ٤.

٢٠١

مثل الذي قدمناه، فذكرت اسناده في أول خبر من ذلك.

انتهى(١) .

وقد شهد علي بن إبراهيم - أيضاً - بثبوت أحاديث تفسيره، وأنها مروية عن الثقات عن الأئمةعليهم‌السلام (٢) .

وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه، فانه صرح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره(٣) .

وأكثر أصحاب الكتب المذكورة قد شهدوا بنحو ذلك، إما في أوائل كتبهم أو في أواخرها، أو أثنائها.

فانهم كثيرا ما يضعفون حديثا بسبب قوة معارضه، أو نحو ذلك.

أو يتعرضون لتأويله.

أو يقولون: لولا الغرض الفلاني لم نذكره، ويشيرون - أويصرحون - بأن ماعداه من أخبار ذلك الكتاب معتمد عندهم، وهم قائلون بمضمونه، جازمون بثبوته، وصحة نقله.

وكل ذلك ظاهر بالقرائن الواضحة عند المتتبع الماهر.

ويأتي شهادة كثير منهم بصحة كثير من الكتب المعتمدة.

ولايخفى عليك: أن القرائن، المذكورة في كلام الشيخ في ( العدة ) و ( الاستبصار ) وفي كلام الشيخ، بهاء الدين، وغيرهما: موجودة الآن، أو أكثرها.

وقد شهد بذلك جماعة كثيرون، يطول الكلام بنقل عباراتهم.

__________________

(١) الاحتجاج، للطبرسي ( ج ١ ص ١٤ ).

(٢) تفسير القمي ( ج ١ ص ٤ ).

(٣) كامل الزيارات ( ص ٤ ).

٢٠٢

وقد ادعى بعض المتأخرين اختلاط الأصول بغيرها، وعدم إمكان التمييز، واندراس الأصول، وخفاء القرائن، وأنهم لذلك وضعوا الاصطلاح الجديد.

وذلك ممنوع، إن أراد حصوله في زمن أصحاب الكتب الأربعة، بل ممنوع مطلقا، وسند المنع ما أشرنا إليه، وما يأتي إن شاء الله.

وليت شعري! كيف حصل هذا الاندراس، وهذا الاختلاط، في زمن العلامة، وشيخه أحمد بن طاوس، الذين أحدثا هذا الاصطلاح، كما صرح به صاحب المنتقى، وغيره، في اليوم الذي أحدثاه فيه؟ ولم يحصل قبله بساعة، أو يوم، أو شهر، أو سنة؟ بل كانوا يعملون بالاصطلاح الأول، فيكون اندراس تلك الأصول واختلاطها كله في ساعة واحدة، أو يوم واحد؟.

وهذا معلوم البطلان، عادة.

بل كلام الشهيد الثاني، والشيخ بهاء الدين، وغيرهما: صريح في خلاف هذه الدعوى.

وقد اعترف الشيخ بهاء الدين، والشيخ حسن، وغيرهما، بأن المتأخرين - أيضاً - كثيرا ما يسلكون مسلك المتقدمين، ويعملون باصطلاحهم.

فعلم أن ذلك غير متعذر.

وقال الشيخ بهاء الدين - في ( مشرق الشمسين ) -:

المستفاد - من تصفح كتب علمائنا، المؤلفة في السير، والجرح والتعديل - أن اصحابنا الإمامية كان اجتنابهم - لمن كان، من الشيعة، على الحق أولا، ثم أنكر إمامة بعض الأئمةعليهم‌السلام - في أقصى المراتب،

٢٠٣

بل كانوا يحترزون عن مجالستهم، والتكلم معهم، فضلا عن أخذ الحديث عنهم.

بل كان تظاهرهم بالعداوة لهم أشد من تظاهرهم بها للعامة، فإنهم كانوا يتاقون العامة، ويجالسونهم، وينقلون عنهم، ويظهرون لهم أنهم منهم، خوفاً من شوكتهم، لأن حكام الضلال منهم.

وأما هؤلاء المخذولون: فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال، وخصوصا: الواقفة(١) ، فإن الإمامية كانوا في غاية الاجتناب لهم، والتباعد عنهم، حتى أنهم كانوا يسمونهم « الممطورة » أي الكلاب التي أصابها المطر.

وأئمتناعليهم‌السلام كانوا ينهون شيعتهم عن مجالستهم، ومخالطتهم، ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلاة، ويقولون: إنهم كفار، مشركون، زنادقة، وأنهم شرّ من النواصب وأن من خالطهم فهو منهم.

وكتب أصحابنا مملوءة بذلك، كما يظهر لمن تصفح كتاب ( الكشي ) وغيره.

فإذا قبل علماؤنا - وسيما المتأخرون منهم - رواية رواها رجل من ثقات الإمامية، عن أحد من هؤلاء، وعولوا عليها، وقالوا بصحتها، مع علمهم بحاله ؛ فقبولهم لها، وقولهم بصحتها، لابد من ابتنائه على وجه صحيح، لا يتطرق به القدح إليهم، ولا إلى ذلك الرجل، الثقة، الراوي عن من هذا حاله.

كأن يكون سماعه منه قبل عدوله عن الحق وقوله بالوقف.

أو بعد توبته، ورجوعه إلى الحق.

أو أن النقل إنما وقع من أصله الذي ألّفه، واشتهر عنه قبل الوقف.

__________________

(١) كذا الصحيح وكان في كتابنا والمصدر: « الواقفية » وهو غلط، إذ الفعل هو الوقف، والفاعل: واقف، وجمعه: الواقفة.

٢٠٤

أو من كتابه الذي ألفه بعد الوقف، ولكنه أخذ ذلك الكتاب عن شيوخ أصحابنا الذين عليهم الاعتماد، ككتاب علي بن الحسن ؛ الطاطري، فإنه وإن كان من أشد الواقفية(١) عنادا للإمامية - فإن الشيخ شهد له في ( الفهرست ) بأنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم، وروايتهم.

إلى غير ذلك من المحامل الصحيحة.

والظاهر: أن قبول المحقق رواية علي بن أبي حمزة - مع تعصبه في مذهبه الفاسد - مبني على ما هو الظاهر من كونها منقولة من أصله.

وتعليله يشعر بذلك، فان الرجل من أصحاب الأصول.

وكذلك قول العلامة بصحة رواية إسحاق بن جرير عن الصادقعليه‌السلام ، فإنه ثقة من أصحاب الأصول، أيضا.

وتأليف هؤلاء أصولهم كان قبل الوقف، لأنه وقع في زمن الصادقعليه‌السلام .

فقد بلغناعن مشايخنا - قدس الله أرواحهم -: أنه قد كان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحد الأئمةعليهم‌السلام حديثا بادروا إلى إثباته في اصولهم، لئلا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كلّه، بتمادي الأيام، وتوالي الشهور، والأعوام.

والله أعلم بحقايق الأمور. انتهى(٢) .

وهذا الكلام يستلزم الحكم بصحة أحاديث الكتب الأربعة، وأمثالها، من الكتب المعتمدة، التي صرّح مؤلفوها وغيرهم بصحتها، واهتموا بنقلها ورواياتها، واعتمدوا - في دينهم - على ما فيها.

__________________

(١) لاحظ التعليقة (١) في الصفحة السابقة.

(٢) مشرق الشمسين - المطبوع مع الحبل المتين ( ص ٢٧٣ - ٢٧٥ ).

٢٠٥

ومثله يأتي في رواية الثقات ؛ الأجلاء - كأصحاب الإجماع، ونحوهم - عن الضعفاء، والكذابين، والمجاهيل، حيث يعلمون حالهم، ويروون عنهم، ويعملون بحديثهم، ويشهدون بصحته.

وخصوصا مع العلم بكثرة طرقهم، وكثرة الأصول الصحيحة عندهم وتمكنهم من العرض عليها، بل على الأئمةعليهم‌السلام .

فلا بد من حمل فعلهم، وشهادتهم بالصحة، على وجه صحيح، لا يتطرق به الطعن إليهم.

وإلا، لزم ضعف جميع رواياتهم لظهور ضعفهم وكذبهم، فلا يتم الاصطلاح الجديد.

وقد اعترف الشيخ حسن - في ( المعالم ) و ( المنتقى ) في عدة مواضع - بأن أحاديث كتبنا المعتمدة محفوفة بالقرائن، وأن المتقدمين إلى زمن العلامة كانوا يعملون بالقرائن، لا بهذا الاصطلاح المشهور بعده، وأن المتأخرين قد يعملون بذلك أيضا(١) .

وقال السيد: رضي الدين ؛ علي بن طاوس - في كتاب ( كشف المحجة لثمرة المهجة ) في وصيّته لولده -:

روى الشيخ، المتفق على ثقته، وأمانته ؛ محمد بن يعقوب ؛ الكليني.

وهذا الشيخ كانت حياته في زمان وكلاء مولانا ؛ المهديعليه‌السلام : عثمان بن سعيد العمري، وولده ؛ أبي جعفر ؛ محمد، وأبي القاسم ؛ الحسين بن روح، وعلي بن محمد ؛ السمري، رضي الله عنهم، وتوفي

__________________

(١) معالم الدين في الأصول ( ص ١٩٧ )، ومنتقى الجمان ( ج ١ ص ١٤ و ٢٧ ).

٢٠٦

محمد بن يعقوب قبل وفاة علي بن محمد ؛ السمري.

فتصانيف هذا الشيخ، ورواياته، في زمان الوكلاء المذكورين. انتهى(١) .

وهي قرينة واضحة على صحة كتبه، وثبوتها، لقدرته على استعلام أحوال الكتب التي نقل منها - لو كان عنده شك فيها - لروايته عن السفراء والوكلاء المذكورين وغيرهم، وكونه معهم في بلد واحد، غالباً.

وقد ذكر الشيخ ؛ بهاء الدين في الرسالة ( الوجيزة ):

أن الكليني ألف ( الكافي ) في مدة عشرين سنة.

قال: ولجلالة قدره عده جماعة من علماء العامة - كابن الأثيرفي ( جامع الأصول ) - من المجدّدين لمذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة، بعد ما ذكرأن سيدنا، وإمامنا، علي بن موسى ؛ الرضاعليه‌السلام ، هو المجدد لذلك المذهب على رأس المائة الثانية.

انتهى(٢) .

وقال المفيدرحمه‌الله في ( الإرشاد ):

كان الصادقعليه‌السلام أنبه إخوته ذكْراً، وأعظمهم قدرا، وأجلهم في العامة والخاصة، ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه، فان أصحاب الحديث نقلوا أسماء الرواة عنه من الثقات، على اختلافهم في الآراء والمقالات، وكانوا أربعة آلاف رَجُل.

انتهى(٣) .

__________________

(١) كشف المحجة لثمرة المهجة ( ص ١٥٩ ).

(٢) الوجيزة للبهائي ( ص ٧ ).

(٣) الإرشاد للمفيد ( ص ٢٧٠ - ٢٧١ ).

٢٠٧

ونقل ابن شهرآشوب في ( المناقب ): أن الذين رووا عن الصادقعليه‌السلام من الثقات كانوا أربعة آلاف رجل، وأن ابن عقدة ذكرهم في كتاب ( الرجال )(١) .

ونقل ابن شهر آشوب - في كتاب ( معالم العلماء ) - عن المفيد: أنه قال: صنفت الإمامية - من عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى عهد أبي محمد ؛ الحسن ؛ العسكريعليه‌السلام - أربعمائة كتاب، تسمى ( الأصول )، فهذا معنى قولهم: له أصل(٢) .

وقال الطبرسي في ( إعلام الورى ) -:

روى عن الصادقعليه‌السلام ، من مشهوري أهل العلم، أربعة آلاف إنسان، وصنف، من جواباته في المسائل، أربعمائة كتاب، معروفة، تسمى ( الأصول ) رواها أصحابه، وأصحاب ابنه موسىعليه‌السلام . انتهى(٣) .

ولا منافاة بين العبارتين، ولاتعارض بين النقلين، وليس مفهوم العدد بحجة، كما لا يخفى.

وقال المحقق ؛ أبو القاسم ؛ جعفر بن سعيد - في ( المعتبر ) -:

روى عن الصادقعليه‌السلام ، من الرجال، ما يقارب أربعة آلاف رجل، وبرز بتعليمه، من الفقهاء، الأفاضل، جم غفير، كزرارة بن أعين، وإخوته: بكير، وحمران، وجميل بن صالح، وجميل بن دراج، ومحمد بن

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ( ج ٤ ص ٢٤٧ ).

(٢) معالم العلماء ( ص ٣ ).

(٣) إعلام الورى بأعلام الهدى ( ص ٤١٠ )، وقال أيضا: ولم ينقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه، وإن اصحاب الحديث قد جمعوا أسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات، « فكانوا أربعة ألاف رجل » اعلام الورى ( ص ٢٨٤ ).

٢٠٨

مسلم، وبريد بن معاوية، والهشامين، وأبي بصير، وعبدالله ومحمد وعمران الحلبيين، وعبدالله بن سنان، وأبي الصباح الكناني، وغيرهم، من أعيان الفضلاء، حتى كتبت، من أجوبة مسائله، أربعمائة مصنف، لأربعمائة مصنف، سموها اصولا(١) .

ثم قال: كان من تلامذة الجوادعليه‌السلام فضلاء، كالحسين بن سعيد وأخيه ؛ الحسن، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ؛ البزنطي، وأحمد بن محمد بن خالد ؛ البرقي، وشاذان ؛ أبي الفضل ؛ القمي، وأيوب بن نوح بن دراج، وأحمد بن محمد بن عيسى، وغيرهم ممن يطول تعدادهم، وكتبهم - الآن - منقولة بين الأصحاب، دالة على العلم الغزير(٢) .

ثم قال: اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر علمه وفضله، وعرف تقدمه في نقد(٣) الأخبار، وصحّة الاختيار، وجودة الاعتبار.

واقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان فيه اجتهادهم وعرف به اهتمامهم، وعليه اعتمادهم.

فممن اخترت نقله: الحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، والحسين بن سعيد، والفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمن، ومن المتأخرين: أبو جعفر ؛ محمد بن علي بن بابويه، ومحمد بن يعقوب ؛ الكليني. انتهى(٤) .

__________________

(١) المعتبر ( ١ | ٢٦ ).

(٢) كذا في الأصل، وفي المصححتين: الغريز

(٣) كذا في الأصل والمصححة، لكن المطبوع في ( المعتبر ) ( نقل ) باللام.

(٤) إلى هنا ورد في المعتبر ( ص ٧ ) لكن لكلامه تتمة ضرورية، وهي قوله:

ومن أصحاب كتب الفتاوى: علي ابن بابويه، وأبو علي ابن الجنيد، والحسن بن أبي عقيل ؛ العماني، والمفيد ؛ محمد بن محمد النعمان، وعلم الهدى، والشيخ ؛ أبو جعفر ؛ محمد بن الحسن ؛ الطوسي.

٢٠٩

وقال المحقق - أيضاً - في كتاب الأصول -:

ذهب شيخنا أبوجعفر إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا، لكن لفظه، وإن كان مطلقا، فعند التحقيق يتبين أنه لا يعمل بالخبر مطلقا، بل بهذه الأخبار المروية عن الأئمةعليهم‌السلام ، ودونها الأصحاب، لا أن كل خبر يرويه إمامي يجب العمل به.

هذا الذي تبين لي من كلامه، ونقل إجماع الأصحاب على العمل بهذه الأخبار.

حتى لو رواها غير الإمامي، وكان الخبر سليما عن المعارض، واشتهر نقله في هذه الكتب الدائرة بين الأصحاب، عمل به.

انتهى(١) .

وقال - أيضا، في ( المعتبر ) في بحث الخمس، بعد ما ذكر خبرين مرسلين -:

الذي ينبغي العمل به اتباع ما نقله الأصحاب، وأفتى به الفضلاء، وإذا سلم النقل عن المعارض، ومن المنكر، لم يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم.

فإنا نعلم ما ذهب إليه أبو حنيفة، والشافعي، وإن كان الناقل عنهم ممن لا يعتمد على قوله، وربما لم يعلم نسبته إلى صاحب المقالة.

ولو قال إنسان: « لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام، ولا مذهب الشافعي في الفقه، لانه لم ينقل مسندا، كان متجاهلا ».

وكذا مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ينسب إليهم بحكاية بعض

__________________

(١) المعارج في الأصول ( ص ١٤٧ ).

٢١٠

شيعتهم، سواء ارسل أو اسند، إذا لم ينقل عنهم ما يعارضه، ولارده الفضلاء منهم. انتهى(١) .

وقال ابن إدريس - في آخر ( السرائر ) -:

باب الزيادات: فيما انتزعته، واستطرفته من كتب المشيخة المصنفين، والرواة المحصلين، وستقف على أسمائهم:

فمن ذلك: ما رواه موسى بن بكر، في كتابه.

وأورد أحاديث كثيرة، ثم قال:

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب معاوية بن عمار.

وأورد أحاديث كثيرة، ثم قال:

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر ؛ البزنطي، صاحب الرضاعليه‌السلام .

ومن ذلك: ما أورده أبان بن تغلب ؛ صاحب الباقر، والصادقعليهما‌السلام ، في كتابه.

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب جميل بن دراج.

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب السياري، واسمه: أبو عبدالله: صاحب موسى، والرضاعليهما‌السلام .

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب جامع البزنطيّ، صاحب الرضاعليه‌السلام .

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم مولانا علي بن محمد، الهاديعليهما‌السلام ، والأجوبة عن ذلك.

__________________

(١) المعتبر ( ج ٢ ص ٦٣٩ ).

٢١١

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب المشيخة، تصنيف الحسن بن محبوب ؛ السراد ؛ صاحب الرضاعليه‌السلام .

وهو ثقة عند أصحابنا، جليل القدر، كثير الرواية، أحد الأركان الأربعة في عصره، وكتاب المشيخة: كتاب معتمد.

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب نوادر المصنف، تصنيف محمد بن علي بن محبوب.

وكان هذا الكتاب بخط شيخنا أبي جعفر ؛ الطوسي، فنقلت هذه الأحاديث من خطه.

ومن ذلك: ما استطرفناه، من ( كتاب من لا يحضره الفقيه )، لابن بابويه.

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب ( قرب الإسناد )، تصنيف محمد بن عبدالله بن جعفر ؛ الحميري.

ومما استطرفناه، من كتاب جعفر بن محمد بن سنان ؛ الدهقان.

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب ( تهذيب الأحكام ).

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب عبدالله بن بكير بن أعين.

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب أبي القاسم ابن قولويه.

ومما استطرفناه، من كتاب ( أنس العالم )، تصنيف الصفواني.

ومما استطرفناه، من كتاب ( المحاسن )، تصنيف أحمد بن أبي عبدالله ؛ البرقي.

ومن ذلك: ما استطرفناه، من كتاب ( العيون والمحاسن ) تصنيف المفيد. انتهى(١) .

__________________

(١) السرائر ( ص ٤٧١ - ٤٩٣ )، وقد طبع باسم ( مستطرفات السرائر ).

٢١٢

وقد أورد من كل كتاب، من الكتب المذكورة، أحاديث كثيرة.

وقد ذكر السيد ؛ رضي الدين ؛ بن طاوس، في كتبه ما يدل على أن أكثر الكتب المذكورة، وغيرها من أمثالها، من أصول أصحاب الأئمةعليهم‌السلام كانت عنده، ونقل منها شيئا كثيرا، ونحن نقلنا من ذلك أحاديث كثيرة، كما مر.

ومعلوم أن كتب القدماء إنما اندرست بعد ذلك، لوجود ما يغني عنها، بل هو أوثق منها، مثل الكتب الأربعة، وغيرها، مما تقدم ذكره من الكتب المعتمدة، التي هي أحسن ترتيبا، وتهذيبا، وفي بعضها كفاية.

بل قد ذكر الشهيد في ( الذكرى ) والكفعمي في ( مصباحه ) قريبا من ذلك، وصرحا: بأن كثيرا من اصول القدماء، وكتبهم، كانت موجودة عندهما.

فما الظن بأصحاب الكتب الأربعة، وأمثالهم؟!.

وقد علم من كلام المحقق، وابن إدريس: الشهادة لهذه الكتب بالصحة، والثبوت، والاعتماد.

ومعلوم من مذهبهما: أنهما لايعملان بخبر الواحد، الخالي عن القرينة المفيدة للعلم والقطع.

وكذلك السيد المرتضى - مع أنه لا يعمل بخبر الواحد الخالي عن القرينة - قد شهد لهذه الأحاديث - المشار إليها - بالصحّة، والثبوت - كما نقله صاحب المعالم، والمنتقى - فقال:

إن أكثر أحاديثنا، المروية في كتبنا، معلومة، مقطوع على صحتها:

إما بالتواتر من طريق الإشاعة، والإذاعة.

وإما بعلامة، وأمارة دلت على صحتها، وصدق رواتها.

٢١٣

فهي موجبة للعلم، مقتضية للقطع، وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند معين مخصوص من طريق الآحاد.

انتهى(١) .

وقال أيضاً - كما نقله عنه صاحب المعالم -: أن معظم الفقه، تعلم مذاهب أئمتناعليهم‌السلام فيه، بالضرورة، وبالأخبار المتواترة.

وما لم يتحقق ذلك فيه - ولعله الأقل - يعول فيه على إجماع الإمامية. انتهى(٢) .

ومراده بإجماع الإمامية: إجماعهم على نقل الحكم عن الإمام، كوجوده في الكتب المجمع عليها، وهو اجماع على الرواية لا على الرأي.

فيكون الخبر محفوفا بالقرينة، وهي الإجماع وغيره، صرح بذلك في رسالة اخرى له.

وقد ذكرالمفيد، والسيد المرتضى، في مواضع من كتبهما: أن الأحاديث المتواترة عندنا أكثر من أن تحصى.

وإنما قال السيد المرتضى في العبارة السابقة: « أكثر أحاديثنا »:

إما: لأن بعض الكتب كانت غير معتمدة، وكانت متميزة عن الكتب المعتمدة وكانت أكثر مؤلفات الشيعة معتمدة، معلومة، مجمعا عليها.

وإما: لأن أحاديث الكتب المعتمدة - التي يقطع بثبوتها عنهمعليهم‌السلام - فيها ماله معارض أقوى منه، فلا يوجب العلم والعمل، وإن أوجب العلم بثبوته عن المعصوم، فلا يعلم كونه حكم الله، بل يعلم كونه من باب التقية - مثلا -.

__________________

(١) معالم الدين ( ص ١٩٧ ) ومنتقى الجمان ( ج ١ ص ٢ - ٣ ).

(٢) معالم الدين ( ص ١٩٦ ).

٢١٤

فمراده بالصحة هنا: المعنى الأخص، أعني ثبوت النقل، وانتفاء المعارض المساوي أو الراجح كما يأتي.

ومن تأمل كتابنا هذا، حق التأمل، وعرف أحوال الرجال، والكتب، حق العرفة، تيقن صدق دعوى السيّد المرتضىرضي‌الله‌عنه .

وأما ما يوجد في بعض كلامه من الطعن في ظواهر الأخبار، فوجهه ظاهر: لوجود معارضها، وعدم إمكان العمل بظاهرها.

أو لأن مراده بالأخبار - هناك - أعم من أخبار الكتب المعتمدة، وغيرها.

وذلك كله واضح.

مع أن الشيخ في ( العدة ) أشار إلى دفع ذلك: بأنه إنما يقول برد الأخبار التي يرويها المخالفون، لا ما يرويه ثقات الإمامية.

وقد صرح الشيخ ؛ حسن في ( المنتقى ) و ( المعالم ) - أيضاً -: بأن أحاديث الكتب الأربعة وأمثالها محفوفة بالقرائن، وأنها منقولة من الأصول، والكتب المجمع عليها بغير تغيير(١) .

ومن المواضع التي صرح فيها بذلك: بحث ( الإجازة ) من ( المعالم )، فإنه قال: إن أثر الإجازة بالنسبة إلى العمل إنما يظهر حيث لا يكون متعلقها معلوما بالتواتر ونحوه، ككتب أخبارنا الأربعة، فإنها متواترة إجمالا، والعلم بصحة مضامينها تفصيلا يستفاد من قرائن الأحوال، ولا مدخل للإجازة فيه غالباً.

__________________

(١) منتفى الجمان ( ١ | ٢٧ ).

٢١٥

انتهى(١) .

ومعلوم أن حال كتب المتقدمين كانت في زمان مؤلفي الكتب الأربعة كذلك، بل كانت أوضح، وأوثق من ذلك.

وقد ذكر الشهيد في ( الذكرى ) - مما يدل على وجوب اتباع مذهب الإمامية - وجوها كثيرة، منها: اتفاق الأمة على طهارة الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام ، وشرف اصولهم، وظهور عدالتهم، مع تواتر الشيعة إليهم، والنقل عنهم، بما لا سبيل إلى إنكاره.

حتى أن أبا عبدالله ؛ جعفر بن محمد، الصادقعليه‌السلام ، كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف، لأربعمائة مصنف ودوّن - من رجاله المعروفين - أربعة آلاف رجل، من أهل العراق، والحجاز، وخراسان، والشام.

وكذلك عن مولانا الباقرعليه‌السلام .

ورجال باقي الأئمةعليهم‌السلام معروفون، مشهورون، أولو مصنفات مشهورة، وقد ذكر كثيراً منهم العامة في رجالهم.

وبالجملة: إسناد النقل، والنقلة عنهمعليهم‌السلام ، يزيد - أضعافا كثيرة - عن النقلة عن كل واحد من رؤساء العامة.

فالإنصاف يقتضي الجزم بنسبة ما نقل عنهم إليهم.

وحينئذ فنقول: الجمع بين عدالتهم، وثبوت هذا النقل عنهم، مع بطلانه، مما يأباه العقل، ويبطله الاعتبار بالضرورة.

إلى أن قال: وكتاب ( الكافي ) لأبي جعفر ؛ الكليني - وحده يزيد

__________________

(١) معالم الدين في الأصول ( ص ٢١٣ ).

٢١٦

على ما في الصحاح الستة للعامة، متونا وأسانيد.

وكتاب ( مدينة العلم ) و ( من لا يحضره الفقيه ) قريب من ذلك.

وكتاب ( التهذيب ) و ( الاستبصار ) نحو ذلك.

وغيرها مما يطول تعداده، بالأسانيد الصحيحة، المتصلة، المنتقدة، والحسان، والقوية.

والإنكار - بعد ذلك - مكابرة محضة، وتعصب صرف.

انتهى(١) .

ومصنفات الصدوق، وأكثر الكتب التي ذكرناها، ونقلنا منها، معلومة النسبة إلى مؤلفيها، بالتواتر، وهي إلى الآن في غاية الشهرة.

والباقي - منها -:

علم بالأخبار المحفوفة بالقرائن.

وذكرها علماء الرجال، وغيرهم، في مؤلفاتهم.

واعتمد على نقلها علماء الأعلام.

ووجدت بخطوط ثقات الأفاضل.

ورأينا على نسخها خطوط علمائنا - المتأخرين، وجمع من المتقدمين، بحيث لا مجال إلى الشك في صحتها، وثبوتها عن مؤلفيها.

وأكثرها لا يقصر في الشهرة والتواتر عن الكتب الأربعة المذكورة أولا، بل التحقيق والتأمل يقتضي تواتر الجميع.

على أن أدناها رتبة - في الوثوق والاعتماد - مقصور على أخبار السنن والآداب، التي لا يحتاج في إثباتها إلى زيادة القرائن، لكون أكثرها من

__________________

(١) الذكرى، للشهيد ص ٦ السطر ١٦.

٢١٧

الضروريات، المعلومة بالتواتر المعنويّ، التي دل على مضمونها أحاديث أخر معتمدة.

وقد عرفت شهادة جماعة - من ثقات علمائنا المعتمدين - بصحة هذه الكتب، عموماً أَو خُصوصاً.

وكذلك أكثر المتقدمين والمتأخرين - من علماء الرجال وغيرهم - قد اتفقت شهادتهم بنحو ذلك.

وما نقلناه كافٍ، ويأتي مايؤيده إن شاء الله(١) .

__________________

(١) في الفائدء التاسعة من هذه الخاتمة.

٢١٨

الفائدة السابعة

( التوثيقات العامة )

٢١٩

٢٢٠